يقول سيدنا سليمان ( عليه السلام ) " امرأة فاضلة من يدلني عليها ..
إنها أثمن من كل مافي الأرض من ماس ولآلئ ،، فتشت عنها في ألف امرأة فلم أجدها " ..
فمن هي تلك المرأة الفاضلة التي فتش عنها سليمان الحكيم في نسائه الألف فلم يجدها ؟
أخبرنا التاريخ عن نساء فضليات حكى عنهن وجرت حياتهن مجرى السير مثل مريم العذراء ..
وخديجة أم المؤمنين زوجة الرسول صلى اللـه عليه وسلم ومثال مريم في الزهد والتجرد الكامل ..
هو في التاريخ استثناء ربما لن يتكرر ، ولعل مثال خديجة أقرب إلى تصور سيدنا سليمان ..
وهو أيضاً أقرب إلى تصورنا نحن ، فالسيدة خديجة أعطت النبي الأمن والأمان ..
وكانت له أماً وزوجة وملجأ .. ومأوى من عداوة الكفار ومكرهم ..
أعطت نفسها وحياتها ومالها لرسالته وأهدافه واتخذت دستوره حياة ..
واختيارات هجرته إلى اللـه هجرة محببة لها ..
كم من نساء في تاريخنا لا نعلم عنهن شيء ..
على الرغم من أنهن ضحين بحياتهن في سبيل اللـه وسبيل إيمانهن باللـه ..
هنا سأعرض لكم وأنقل لكم سيرة نساء خلدهن التاريخ حتى نعلم من هن تلك النساء ..
ونتعلم من تضحياتهن عل وعسى .. أن نجاورهن بالفردوس الأعلى بإذن اللـه ..
سفانة بنت حاتم الطائي
المسلمة الناهضة
من هي سفانة ؟ وما الذي عملته حتى استحقت منا هذه الوقفة ؟!
سفانة هي بنت حاتم الطائي الذي يضرب به المثل في الكرم والجود فيقال : ( أكرم من حاتم الطائي )
وأخوها عدي كان زعيماً لقبيلته طيء ... وقد عرفت سفانة بالذكاء والفطنة والتفكير المستنير ..
ولما دخلت الجيوش الإسلامية مضارب قبيلة طيء ، فر عدي بن حاتم زعيم القبيلة إلى الشام
عندما أحس بعدم جدوى المقاومة فأسرها علي بن أبي طالب ضمن أسر من نساء تلك القبيلة ..
لما وصلى الأسرى والسبايا إلى عاصمة الدولة الإسلامية المدينة المنورة ، طلبت سفانة مقابلة
الرسول صلى اللـه عليه وسلم وعرفته بنفسها قائلة :
( يا رسول اللـه ، هلك الوالد ، وغاب الوافد، فامنن علي من اللـه عليك ) .
فقال لها : ومن وافدك ؟ قالت: عدي بن حاتم . قال : الفار من اللـه ورسوله ..
ولم تزل سفانة برسول اللـه – وبتحريض من علي بن أبي طالب – حتى لان لها وقال :
(( قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلاك .. ثم آذنيني ))
لم يكن إلحاح سفانة بنت حاتم على الرسول لإطلاق سراحها نابعاً من حرصها الشديد على الخلاص
من الأسر بل كان همها التخلص من الإسار للحاق بأخيها الفار من وجه الدولة الإسلامية واللاجئ
عند أسياده الروم في الشام ...
ولم تكن قضيتها الإهتمام بأخيها للصلة الدموية بينهما بل كان اهتمامها به منصباً عليه ..
بوصفه زعيماً لقبيلة كان سوء إدارته لها سبباً في تفرقها أيدي سبأ ..
إذن كانت سفانة الخيرة في جاهليتها الخيرة في الإسلام متصفة بصفة المسلم العقائدي ..
الذي يجعل الهم العام قبل الهام الخاص دائماً .. ويتصف بالمسؤلية عن الغير وليس عن الذات وحسب ..
ومن هنا خلد التاريخ سفانة .. فلو أنها كانت تبحث عن الراحة لنفسها لاستقرت في المدينة ..
ووجدت الزوج اللائق بالتأكيد وخلفت الأولاد والبنات .. ولشطب اسمها من التاريخ ..
ولكن أبت إلا أن تتعب وتشقى .. لتدخل آخر الأمر في سجل الخالدين ..
انتهزت سفانة أول فرصة لاحت لها بعد العفو النبوي عنها ، ورافقت أول قافلة متجهة إلى الشام ..
في رحلة طويلة ومضنية، متحملة مشاق السفر ووعثاء الطريق وقلة الماء والزاد وهجير الحر والرمضاء والرمال ..
للبحث عن أخيها الهارب .. وهي تعلم أن كل هذا يهون أمام الهدف المنشود .. وهو إعادته الى جادة الصواب ..
وكن أخسى ما كانت تخشاه هو الفشل في تلك المهمة لشدة كراهية عدي للنبي صلى اللـه عليه وسلم..
ذلك أن عدياً كان يقول : (( ما من رجل من العرب كان أشد كراهية لرسول اللـه حين سمع به مني )) ..
كان هذا الأمر هو الذي يؤرقها ... ولكن ..
" إن تنصروا اللـه ينصركم ويثبت أقدامكم ".. و " إن اللـه يدافع عن الذين آمنوا " ..
فلم تلبث سفانة قليلاً بعد لقائها بأخيها حتى نجحت في اقناعه بأنه على باطل وأن محمداً على حق ..
ولم تزل به حتى سألها .. قائلاً : ماذا ترين في هذا الرجل يعني رسول اللـه عليه وسلم ..
قالت : أرى واللـه أن تلحق به سريعاً .. للـه درها من امرأة ..
وهكذا كان واستطاعت سفانة أن تغري أخاها بالذهاب إلى حاضرة الدولة الإسلامية ..
حيث قابل رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم وآمن بأنه رسول اللـه وشهد الشهادتين ..
وأسلم وحسن إسلامه واستمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها وأدى بحق الشهادتين ...
فكانت له يوم ارتدت العرب مواقف في الدفاع عن الإسلام ودولة الإسلام سجلها التاريخ بأحرف من نور ...
~ الفائـدة ~
تلك هي سفانة بنت حاتم الطائي المرأة المسلمة التي عز نظيرها بين نسائهم ورجالهم ..
فكم من أناس جعلوا همهم الأكبر الإهتمام بأنفسهم والدوران حولها فحسب فعاشوا وماتوا دون
أن يذكروا في الأولين ودون أن يحتفى بهم في الآخرين ؟! إن ما يميز الإنسان عن غير الإنسان هو العقل
وما يميز المسلم عن غير المسلم الحق هو شعور الأول بالمسؤولية عن الآخرين..
( ولتكونوا شهداء على الناس ) .. وعدم شعور الثاني بغير المسؤولية عن نفسه ومنفعته ..
فهل يستوي العظماء والوضعاء ؟!
أم هل يستوي الأحياء والأموات ؟!
رحم الله سفانة بن حاتم فقد كانت بحق نموذجاً للمسلم والإنسان الناهض الذي يعرف ما لـه
وما عليه فينهض بالذي عليه غير مبال بما سوف يلاقيه من الصعوبات والأهوال والعقبات ..
تعليق