عرفات رفض طلبا لمدير المخابرات المصرية باستقبال دحلان فتسلل إليه مباركا عبر هاتف خالد سلام
الأردن ومصر غير متورطين في مبادرات اقليمية لإطاحة النظام الفلسطيني.. وحدهما يتصلان مع الرئيس
أبو مازن تصرف وكأن فلسطين عطاء دولي رسا عليه وأدار ظهره للمرجعيات الفلسطينية
مال وتسهيلات وتغطية اعلامية قدمت لتحركات غزة الأخيرة بهدف اسقاط أبو عمار ثم تنصل المشاركون منها..!
دحلان أخل بشروط تحالفه مع الرجوب واختلف مع البرغوثي على كيفية خلافة عرفات بالمظاهرات أم بالإنتخابات
"حماس" اعتدلت وستخوض الإنتخابات المقبلة.. اسرائيل اغتالت الشيخ ياسين اثر تحوله نحو الإعتدال
ليس فيما قاله الملك عبد الله ما يزعج النظام السياسي الفلسطيني.. الدولة الفلسطينية مصلحة مشتركة لكلانا


الإقتراب من الرئيس يبقي جبريل الرجوب على سكة الخلافة، والإبتعاد عن الرئيس أبعد المقدم محمد دحلان عن هذه السكة.

بهذه الخلاصة غادرنا اللقاء الذي جمع نخبة من رؤساء تحرير وكتاب الصحف الأردنية مع مستشار الأمن القومي للرئيس الفلسطيني ليلة الأربعاء (11/08/20047).. وما دام الأمر كذلك، فإن الرجوب يدافع ويواجه كل نقد يمكن أن يقال بحق عرفات، وهو كثير، وذلك فضلا عن العديد من الدوافع التي تجعله لا يتردد في الإعلان عن أن "دحلان كذاب"، ولعل هذه المسألة كانت موضع الإعتبار حين تمت دعوة ذات رؤساء التحرير والكتاب الذين التقاهم دحلان مساء 29 تموز/يوليو الماضي، ثم اصدر بيانا نفي فيه التقاءهم، أو التقاء أي صحفي أثناء زيارته للأردن.. وهو البيان الذي وظفه الرجوب خير توظيف لدى التقائه ذات النخبة، طالبا من الحضور نشر كل ما سيقوله على لسانه، مؤكدا أنه لن يصدر بيان نفي وتنصل كما فعل دحلان.

ولكن، لماذا اضطر دحلان إلى اصدار بيان النفي..؟

الرجوب لم يطرح عليه مثل هذا السؤال، غير أنه اورد في ثنايا حديثه ما يمكن أن يساهم في التوضيح. فدحلان من وجهة نظر الرجوب ليس قطبا في الحياة العامة الفلسطينية، فهو ليس عضوا في اللجنة الحركية العليا لحركة "فتح" ولا في لجنتها المركزية، أو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.. بل إنه، كما تقول مصادر أخرى لا يحمل رتبة العقيد التي اطلقها على نفسه، فهو لا يزال يحمل رتبة المقدم، وقد امتنع عرفات مؤخراً عن ترقيته إلى رتبة العقيد في اطار الترفيعات السنوية المستحقة، وشطب اسمه من تلك القائمة. ويؤكد الرجوب إن أبو عمار هو الذي صنع دحلان..!

الرجوب الذي مر بعمان في طريقه إلى المانيا لعيادة نبيل عمرو عضو المجلس التشريعي الفلسطيني الذي بترت ساقه اليمني مؤخراً جراء تفاعلات اصابته برصاص متفجر (دمدم) أثناء محاولة اغتيال تعرض لها داخل منزله في رام الله، مكلفا من الرئيس عرفات، فضلا عما يربطه من اواصر العلاقة مع عمرو الذي هو من "بلدياته" (كلاهما من الخليل)، كشف خلال الحوار كيف أجرى محمد دحلان اتصالا هاتفيا من القاهرة مع الرئيس عرفات في رام الله "تسللا"، بعد أن اصدر أولاً بيان النفي لالتقائه أي صحفي اردني، والتنصل مما ورد في تصريحاته خلال اللقاء الذي جمعه بذات النخبة.

بيان النفي صدر، وفقا لمصادر أخرى جراء توصل دحلان إلى قناعة مفادها بأنه خسر الجولة التي افتعلها مع عرفات، ونصائح له بضرورة ترميم الجسور معه، سريعاً، وقبل فوات الأوان. أما الإتصال الذي تسلل عبره دحلان إلى هاتف الرئيس، فيقول الرجوب إنه تم عن طريق خالد سلام (محمد رشيد) المستشار الإقتصادي لعرفات الذي اتصل به من القاهرة في الخامس من الشهر الجاري مباركا له في عيد ميلاده الخامس والسبعين الذي كان في اليوم السابق. وفي نهاية المكالمة قال سلام للرئيس يوجد بجواري من يريد أن يبارك لك، وفوجىء عرفات بصوت دحلان يبلغه أنه إبنه، ويبارك له، ويؤكد له، ما سبق أن قاله عبر فضائية "العربية" من أنه ورقة في جيب ياسر عرفات.

غير أن المصالحة لم تتم بالمعنى المتعارف عليه، وهذا ما تؤكده واقعتان، إذ يكشف الرجوب عن عودة دحلان إلى غزة يوم الإربعاء، فيما تكشف مصادر أخرى لـ"الحقائق" عن أن الوزير عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية اتصل هاتفيا مع الرئيس الفلسطيني، وأبلغه أنه يريد أن يرسل دحلان إليه ليصالحه، فكان رد عرفات، بحضور عدد من المسؤولين الفلسطينيين "مش إنتم اللي قلتولي إنه جاسوس..!".

وجهتا نظر حيال الإنتفاضة

الرجوب بدأ حديثه بتوضيح وجهة نظره حيال الإنتفاضة الفلسطينية، مفرقاً بينها وبين موقف دحلان، الذي قال عنه ساخرا إنه يدعي الآن قيادته للمقاومة، مضيفا "ولا واحد، من دحلان لنطاط الحيط طخ أو انحبس"، وموضحاً أن الفترة التي امضاها دحلان في السجون الإسرائيلي تقل عن ثلاث سنوات، وليست عشرة كما يدعي دحلان الآن، أما هو، فقد أمضى في السجون الإسرائيلية سبعة عشر سنة، من بينها خمسة عشر سنة متواصلة.

يستحضر الرجوب ما قاله في اجتماع للمجلس الثوري لحركة "فتح" انعقد بتاريخ التاسع من تشرين اول/اكتوبر 2000 من أن الإنتفاضة مصلحة وضرورة وطنية، لكنه كي تستمر الإنتفاضة لا بد من مراعاة عدد من الخطوط الحمر:
أولا: عدم عسكرة الإنتفاضة.
ثانيا: عدم تنفيذ عمليات عسكرية داخل اسرائيل.
ثالثا: عدم زج الأجهزة الأمنية في عمليات اطلاق نار من داخل المنطقة (أ) إلى خارجها.

وأضاف، مثل هذه الأعمال إن وقعت ستدمر ما في ايدينا. واشار إلى أنه يقال في الجيوش أن التقدم أفضل من الثبات، لكن الثبات أفضل من التراجع، ويجب الحفاظ على ما في اليد.

ويلفت الرجوب إلى أنه الوحيد الذي دمر من قبل الإسرائيليين، في اشارة إلى تدمير مقر قيادة الأمن الوقائي في الضفة الغربية في بلدة بيتونيا المجاورة لمدينة رام الله. ويقول إنه تعرض لذلك لأنه رفض الموافقة على الإطاحة بالرئيس عرفات، والإشتراك في محاولة انقلابية ضده.. وهو يرد التصعيد الإسرائيلي ضد عرفات إلى:
أولا: تنفيذ عمليات عسكرية داخل اسرائيل.
ثانيا: الظروف الدولية التي تلت هجمات ايلول/سبتمبر 2001.
ثالثا: خلافة جورج بوش لبيل كلينتون في البيت الأبيض.
رابعا: الوضع العربي العاجز والمشلول، و"الإنكفاء القطري المخزي عند العرب لدرجة انعدام تأثيرهم على الأميركان، كما هو واضح في العراق".

لا مصالحة بين عرفات وأبو مازن

ويؤكد الرجوب أن المحاولة الإسرائيلية لإطاحة عرفات والنظام السياسي الفلسطيني لن تتوقف، وأن ما جرى في غزة مؤخراً يتقاطع مع مبادرات اقليمية ودولية ذات صلة بعملية اخراج قيادة فلسطينية جديدة ونظام سياسي جديد، لكنه ينفي أن يكون الأردن أو مصر متورطان في هذه المبادرات الإقليمية.

ويعرج الرجوب هنا إلى نقد حكومة محمود عباس (أبو مازن) قائلا إن نواياها ربما تكون جيدة، لكنه لا يجوز أن يقبل "باللي صار.. ما بصير إللي عمله". ويتحدث الرجوب هنا عن رفض أبو مازن للمرجعيات الفلسطينية ممثلة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واللجنة المركزية لحركة "فتح"، حيث قاطع اجتماعات اللجنتين. ويضيف إن أبو مازن بدأ يتصرف وكأنه مقاول رسا عليه عطاء اقليمي ودولي، هو ومحمد دحلان، له علاقة بفلسطين، وهذا خطأ. لقد تجاهل أبو مازن العامل الداخلي بشكل مطلق.

وينفي الرجوب أن تكون مصالحة قد تمت بين عرفات وأبو مازن، ويقول إن الكلام الذي قيل في غزة ضد الفساد إنما هو كلام حق أريد به باطل. واشار إلى أنه كانت للنضال الفلسطيني اولويات راهنة يتوجب العمل في اتجاهها حين اندلعت احداث غزة، وهي احتلال بيت حانون، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتأييد قرار محكمة العدل الدولية بشأن الجدار الإسرائيلي، وقرار محكمة لاهاي نفسه، وليس أن يكون موسى عرفات قائدا للأمن الوطني في قطاع غزة أو لا يكون..!

بين الرئيس وبطانته

ويلفت الرجوب إلى أن الذين اعترضوا على موسى عرفات ليسوا أكثر نقاء منه، ثم إن مشكلته لا يتم علاجها من خلال مظاهرة أو مسيرة، أو اطلاق نار.

ويسخر الرجوب من المنطق الذي تحدث به معارضو موسى عرفات في غزة قائلين إنهم يتمسكون بقيادة الرئيس عرفات، ويرفضون البطانة الفاسدة من حوله. وقال لا يوجد شيء اسمه رئيس قديس وبطانة فاسدة.. ذلك أن الرئيس هو الذي يختار بطانته.! واستطراداً، فليس صحيحا أن ندين بعضنا البعض في هذا التوقيت. وأشار في هذا الصدد إلى أن دحلان الذي يشن حملة قاسية الآن على هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" سبق له أن حاول التحالف مع الحسن، بل إنه تحالف معه لفترة من الوقت طالبا منه العمل على ادخاله في عضوية اللجنة المركزية لحركة "فتح" بوضعها الحالي، الذي يدينه دحلان في تصريحات علنية.

ويوضح الرجوب هنا أنه حين اختلف مع أحد اعضاء اللجنة المركزية (صخر حبش) قبل عدة سنوات وجه رسالة ضمنها وجهة نظره من القضية الخلافية إلى الأطر التنظيمية القيادية ولم يلتجأ إلى الإعلام. وحين شكلت لجنة تحقيق معه بشأن ما ورد في رسالته مثل امامها بالضد من كل التوقعات التي كانت تؤكد أنه سيرفض ذلك.

ويقلل الرجوب من حجم المظاهرات التي خرجت في غزة تطالب بالإصلاح ومكافحة الفساد، مؤكداً في ذات الوقت سوء نوايا الإسرائيليين "وبعض الأدوات التي تدعي تحريكها للمظاهرات". ويقر الرجوب بوجود حالة احتقان ومرارة لدة الناس لها علاقة بعجز السلطة عن توفير الأمن ولقمة العيش وفرص العمل بفعل الإحتلال والحصار الموجود. ويؤكد أن التعبير عن هذا الإحتقان حق ومشروع، غير أنه كان هناك استغلال وتضخيم، حتى في دور بعض المدعين الذين لهم علاقة بما حصل. ويقول ما حصل في غزة كان مسيئا لنضالنا ومشروعنا الوطني.

ويلفت الرجوب إلى أن الذين شاركوا في مظاهرات غزة ادركوا خلال أول 24 ساعة حقيقة الأجندة الشخصية التي تقف خلف محركي الأحداث، حيث اريق الدم، وساد شعور بوجود قسمة جغرافية وسياسية، ولذلك تراجع الناس عن المشاركة في تلك الأحداث، ونفى بعض الذين شاركوا فيها علاقتهم بها.

الأمير تشارلز..!

ويؤكد الرجوب صحة المعلومات التي تقول إن الإتحاد الأوروبي قدم ثلاثين مليون دولار لمحمد دحلان حين كان وزيراً للشؤون الأمنية انفق منها على شراء ولاءات مناهضة للرئيس. ويقول كان هنالك مال وتسهيلات وتغطية اعلامية من قبل كل وسائل الإعلام المعادية لقضيتنا، لكن هذا لا يعني أنهم حققوا شيئاً، بالعكس هم حققوا نتائج سلبية. ويرفض الرجوب الإجابة على سؤال حول ما إذا كان دحلان اعاد بقية المبلغ للرئيس الفلسطيني. ويقول أفضل عدم الحديث في هذا الموضوع، لكنه يؤكد أن دحلان ليس بالرجل المؤهل للتحدث عن الإصلاح والشفافية، لأن ملف الفساد الخاص به، وبحلفائه ومن تحركوا معه معروف، وهو على اتصال وعلاقة وطيدة مع أكثر الشخصيات فساداً.

ويلقب الرجوب دحلان بـ"الأمير تشارلز" ساخراً، ومنوها من طرف خفي إلى علاقات خاصة تربط دحلان ببريطانيا، ويقول إنه يكذب كلما يفتح فمه، وذلك في معرض تعقيبه على ما ورد في تصريحات دحلان السابقة من أنه حصل على 99% من اصوات قواعد "فتح" في غزة. ويتساءل الرجوب: هل يعقل أن يحصل على كل هذه الأصوات و"يزعل" الناس..؟! ويتابع: ليعلن إذا نفسه مرشحاً للرئاسة ونحن نتمنى له التوفيق..!

حوار حول الفساد

وإذ يشير الرجوب إلى موافقة عرفات على مشروع المجلس التشريعي للإصلاح، ويقول لينفذوا الإصلاحات، عرفات لا يمنعهم من ذلك، يدلي بوجهة نظر ملتبسة حيال الإصلاحات المطلوبة والفساد القائم، مؤكدا وجود الفساد لدى جميع دول الجوار، معتبرا الفساد الموجود لدى السلطة الفلسطينية بمثابة "مرحلة حضانة" مقارنة بالفساد الموجود لدى أبناء العم، في اشارة لإسرائيل، ولدى كل دول الجوار. ويقول إن معالجة الفساد تتم من خلال النظام والقانون، لافتا في ذات الآن إلى تباين مفاهيم الفساد، حيث إن الفساد في نظر البعض قد يتمثل في امتلاك مسؤول فلسطيني لسيارة مرسيدس. ويدعونا ذلك لسؤال الرجوب:

** ما مفهومك للفساد، هناك مليارات الدولارات مختفية، كما يقول رفيق النتشة الرئيس السابق للمجلس التشريعي..؟
ـ هل تصدقون ذلك.. إن ميزانية السلطة كلها 1,2 مليار دولار ينفق منها على التطوير والبناء، كما تدفع منها الرواتب.

** وأين استثمارات "فتح"..؟
ـ أنا عضو في المجلس الثوري لحركة "فتح"، وقد اجتمعنا في 25 شباط/فبراير الماضي ولم نسمع أحداً يشكك بوجود اختلاسات، علما أن المجلس الثوري يملك صلاحية تبديل ثلث اعضاء اللجنة المركزية، ولم يفعل.

** وماذا عن تقارير لجنة الرقابة في المجلس التشريعي حول قضية تحويل الإسمنت المصري للجدار الإسرائيلي واعادة بنك فلسطين الدولي لأصحابه..؟
ـ أحيل التقرير للنائب العام الذي يقوم بالتحقيق. يوجد قضاء هو صاحب القرار.
ثم ينتقل الرجوب قائلا: تتحدثون وكأن أبو عمار "شالل" كل الدنيا. هذا غير صحيح. أبو عمار لم يتدخل يوما في نقل أو ترقية ضابط طوال قيادتي للأمن الوقائي في الضفة الغربية على مدى ثمان سنوات.

** لكنه منذ كان قائداً للثورة لم يكن يصرف حذار (بوت) للفدائي دون الحصول على توقيعه..؟
ـ هذا غير صحيح.

** لقد احتاج تغيير خط سير رحلة العودة من المجلس الوطني الفلسطيني الذي كان ينعقد في الجزائر ذات مرة إلى الكويت إلى توقيع عرفات..؟!
ـ من تريدوا أن يوقع إذا.. طبعا هو الذي يجب أن يوقع.. رؤساء الدول هم الذين يوقعون على أي زيادة في نفقات الوزارات عن الموازنات المخصصة لها.

** هناك فساد تمثل في كيفية صرف و"خنصرة" رواتب ضباط وأفراد الأجهزة الأمنية، دفع الدول المانحة للتأكيد على ضرورة صرف الرواتب من خلال البنوك وحدها، وهدد الإتحاد الأوروبي بوقف مساعداته إن لم يحدث ذلك..؟
ـ كل الجيوش تدفع رواتب افرادها بذات الطريقة من خلال ضابط مكلف. والأميركان يريدون ايداع الرواتب في البنوك حتى لا يقول أحد للرئيس عرفات مرحبا..!

** تبين وجود كشوف بأسماء وهمية في الأمن الوطني الذي يقوده الحاج اسماعيل..؟
ـ هذا كلام عام.. اريد حقائق.. "فساد غيرنا قد فسادنا مائة مرة".. توجد تجاوزات، والبعض يستغل الوظيفة. كل رؤساء الأجهزة الأمنية يوجد لغط بشأنهم، لكن القضية نسبية، والبديل هو النظام والقانون. وعلى كل حال، فإن ميزانية السلطة كلها توازي ميزانية أمير واحد في بعض الدول العربية.

صلاحيات الرئيس

ونعود إلى الجوانب السياسية المتصلة بالخلافات الأخيرة حيث ينفي الرجوب بشكل مطلق ما قاله دحلان من أن مروان البرغوثي عضو المجلس التشريعي الذي يقضي حكما بعدة مؤبدات في السجون الإسرائيلية يؤيد تحركاته ضد عرفات. ويقول: سجلو على لساني أن "دحلان كذاب" في ادعائه هذا.. بل إنه يشرح خلافات بين دحلان والبرغوثي على مسألة خلافة عرفات حيث أن دحلان يؤيد خلافة عرفات من خلال المظاهرات، فيما البرغوثي كان يفضل الإنتخابات.

ولكن، لماذا لا يتنازل الرئيس عرفات عن صلاحياته الأمنية، كما هو منصوص عليها في القانون الأساسي، لرئيس الوزراء أحمد قريع..؟
يقول الرجوب لا يجوز أن يتنازل الرئيس عن صلاحياته الأمنية لأبو علاء أو غيره. لقد شكلنا حكومة بقرار واعطيناها صلاحيات وعليها أن تمارس صلاحياتها. وإذا كان هناك تعديل فيجب أن يتم من خلال المجلس التشريعي ونظامنا، وليس من خلال رغبة بوش أو شارون. نرفض اقامة نظام فلسطيني بمقاسهما.. نظام يقول “Yes Sir”..!
يوجد وزير داخلية مسؤول عن الشرطة والأمن الوقائي والدفاع المدني، وهو يمارس صلاحياته في الأجهزة الثلاثة كما يشاء، منذ أول يوم شكلت فيه وزارة الداخلية، وإذا قصر فهو المسؤول. وأنا عضو في مجلس الأمن القومي وأعرف أن وزير الداخلية هو الذي قصر في ممارسة صلاحياته في وزارته.

ويؤكد الرجوب أن أحداً لا يمنع وزير الداخلية من ممارسة صلاحياته، وقد فعل ذلك مؤخراً حيث استبدل قادة الشرطة في جميع المحافظات، وأبلغ قراره لمجلس الأمن القومي. أما أن يتنازل الرئيس عن صلاحياته الأمنية، فهذا لا يجوز. ويلفت الرجوب إلى أن جميع قادة الدول هم القادة العامون للقوات المسلحة في بلدانهم.
الخروج من الأزمة

ونسأل الرجوب: هل يستطيع الرئيس عرفات الخروج من الأزمة الراهنة متمثلة في الحصار والتآمر لإطاحته، كما خرج من الأزمات السابقة..؟

يبدأ مستشار الأمن القومي الفلسطيني الإجابة لافتا إلى أن "الظروف مختلفة هذه المرة"، لكنه يواصل قائلا: "عرفات لديه شرعية وطنية كرئيس منتخب، ومن هنا يراهن عرفات على تمسك الشعب بشرعية قيادته". ويؤكد الرجوب أن "الخلاف مع عرفات مشروع لكن الخلاف عليه مرفوض وغير مقبول". ويقول هذا ما أكدته كل الأطياف السياسية من أقصى اليمين لأقصى اليسار، بما في ذلك القوى الإسلامية التي تعاملت مع احداث غزة بمسؤولية وطنية عالية" واعطت اولوية لاحترام شرعية ياسر عرفات وشرعية النظام السياسي الفلسطيني. وهذا الموقف هو الضمان الذي يراهن عليه عرفات ونظامه.

ويلفت الرجوب إلى أن الرئيس الفلسطيني سيلقي خطابا هاما امام المجلس التشريعي الفلسطيني الأسبوع المقبل يضمنه رؤيته لكل ما جرى، ولقضية الإصلاح بالذات. ويتصور الرجوب سيناريو من ثلاث محاور للخروج من المأزق الراهن، هي:

اولا: وحدة "فتح"، تنظيميا وموقفا ورؤية واستراتيجية وبرنامج عمل سياسي نضالي موحد.
ثانيا: اعادة صياغة وهيكلة الأجهزة الأمنية بشكل صحيح.
ثالثا: الحوار الوطني.

ويوضح هنا الرجوب اسباب اختياره ودحلان لقيادة الأمن الوقائي في الضفة الغربية وقطاع غزة مع قيام السلطة الفلسطينية، فيما يشرح أحد الحضور اسباب افتراق الرجوب ودحلان بعد أن كانا حليفين حميمين.

الرجوب يقول أنه كان المسؤول الأول عن تنظيم "فتح" في الضفة يوم قيام السلطة الفلسطينية، إذ كان يشغل أمين سر الحركة في الضفة، فيما كان دحلان يشغل ذات الموقع في قطاع غزة. ويضيف: كنت أقوى رجل في المنظمة بعد عرفات، ولهذا عينت مديراً للأمن الوقائي في الضفة، وعين دحلان مديراً للأمن الوقائي في القطاع.

افتراق القويين

وإذ يمتنع الرجوب عن شرح الأسباب التي أدت إلى افتراقه عن دحلان في وقت لاحق، يشرح ذلك أحد المتابعين قائلا إن الرجوب تحالف مع دحلان على ثلاثة أسس هي:

اولا: الولاء التام للرئيس ياسر عرفات.
ثانيا: الولاء التام للقيادة الحركية.
ثالثا: عدم تلقي اموال من جهات خارجية.

وعندما خالف دحلان هذا الإتفاق "فرط" تحالف الرجلين القويين في حينه. وتتوافق هذه الرواية مع رواية الرجوب الذي يقول إنه رفض الإنقلاب على عرفات في خضم عمليات السور الواقي الإسرائيلية، فيما اختلف محمد حلان ومروان البرغوثي على كيفية خلافته في حينه مظاهرات أم انتخابات..!

وإذ يرفض الرجوب اسلوب حركة "حماس" السابق في العمل، ويحملها مسؤولية نتائج عملياتها العسكرية لجهة تقديم ذرائع لإسرائيل وظفتها في اعادة احتلال الأراضي الفلسطينية وتدمير مؤسسات السلطة، يؤيد ما يصفه بنهج الإعتدال الحالي لدى "حماس" ويصفها بأنها حركة براغماتية.

اعتدال "حماس"

فيما يتعلق بعمليات "حماس" السابقة لا يتردد الرجوب في القول إنها كانت تتم لحساب سوريا وايران، وأن "حماس" ومنظمة الجهاد الإسلامي نفذتا عددا من العمليات نسبتاها لكتائب شهداء الأقصى، خدمة لذات الحسابات، وهي عمليات كان شارون يتمنى حدوثها خدمة لمخططاته.

أما الآن، فإن "حماس" اعادت النظر في نهجها السابق، كما يقول الرجوب.. ولهذا توقفت عن تنفيذ عمليات عسكرية داخل اسرائيل. وهو ينفي القول إن "حماس" لم تعد تملك القدرة على تنفيذ عمليات عسكرية في قلب تل ابيب، مرجحاً تحولها إلى الإعتدال. وإذ يؤكد أن الإعتدال أكثر خطورة على اسرائيل من التطرف، يقول إن اسرائيل اغتالت الشيخ أحمد ياسين بعد يومين فقط من صدور تصريحات معتدلة عنه.

ويضيف الرجوب قائلا: علينا أن نعزز ونقوي الخط الواقعي في حركة "حماس"، التي يقول إنها تدرك متطلبات المرحلة وقواعد اللعبة بشكل دقيق، لكنه يرفض التصرف الأخير الذي صدر عن "حماس" بقتلها لعملاء كانوا معتقلين في سجن غزة، لعدم جواز ذلك من الناحية الأخلاقية، فضلا عن تجاوزه لسيادة السلطة.

وبسبب من تحولها إلى الإعتدال، يؤكد الرجوب قناعته في أن "حماس"، وكذلك الجهاد الإسلامي، ستخوضان الإنتخابات العامة المقبلة، وتطرحان برنامجا سياسيا، وتعلنان موقفهما من الحل، لكنه يرى أن اجراء الإنتخابات مرهون بالوضع العربي والإقليمي.

في ضوء كل ذلك، يؤكد الرجوب قناعته المطلقة بقيام دولة فلسطينية ويقول ليس لدينا غير خيار الصمود، والدولة الفلسطينية حتمية تاريخية ولن يكون سلام لليهود واستقرار في المنطقة بدون دولة فلسطينية. أنا مقتنع وواثق من أنه لدى الشعب الفلسطيني من مقومات واسباب الصمود ما يؤهله لأن يواصل مسيرته حتى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. وهي عنصر واجب الوجود في معادلة الصراع.

ويقلل الرجوب من أهمية الإتصالات التي جرت خلال الأيام القليلة الماضية بهدف استئناف الإتصالات الأمنية بين السلطة واسرائيل، لأن شارون يعمل من أجل اجهاض المشروع الوطني الفلسطيني. ويعيد إلى الذاكرة أن داني نافيه سكرتير الحكومة الإسرائيلية في حينه صرح فور فوز الليكود بالإنتخابات مطالبا بعودة ياسر عرفات إلى تونس. وينفي في هذا الإطار أن يكون المصريون تقدموا بطلبات محددة للجانب الفلسطيني تتعلق بمطالب متصلة بالإصلاحات الأمنية، ويقول إن المصريين تقدموا بأربعة طلبات للجانب الإسرائيلي حين طلب منهم ارسال قوات حفظ سلام إلى غزة، وهي:
اولا: انسحاب كامل من القطاع.
ثانيا: انسحاب مواز آخر في الضفة.
ثالثا: أن يكون الإنسحاب في اطار تنفيذ مشروع خارطة الطريق.
رابعا: عدم اطلاق النار على الفلسطينيين اعتباراً من لحظة دخول القوات المصرية.

تفاؤل بحزب العمل

ويؤكد الرجوب نحن نريد تنظيم وضعنا الداخلي، وهذا مطلب ومصلحة وطنية فلسطينية، وذلك من خلال اعادة توحيد الأجهزة الأمنية وهيكلتها، وهو ما أقره المجلس الثوري في شباط/فبراير الماضي، بحيث يكون هناك امن وطني، استخبارات خارجية، وأمن داخلي (شرطة وأمن وقائي).

ويبدي الرجوب شيئا من التفاؤل ازاء مساعي انضمام حزب العمل الإسرائيلي للإئتلاف الحكومي الذي يقوده ارئيل شارون، مؤكدا أن العمل لن يكون نسخة عن الليكود.. ذلك أنه اصبحت توجد حقائق على الأرض هي بمثابة جزء من وعي ووجدان كل من له علاقة بالصراع، وأكثرهم من الإسرائيليين. ويعدد الرجوب هذه الحقائق، كما يلي:
** لا حلاً عسكريا لهذا الصراع. لا بد من حل سياسي له.
** لا ثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهذا يعني وجوب وجود طرف ثالث.. مصر، الأردن، العرب، الأوروبيين أو الأميركيين.
** فشل نظرية الأمن أولا، وهذا يوجب الحل الذي يزاوج بين الأمن والسياسة.
** الفصل والطلاق بين الشعبين هو الحل، ولكنه فصل وطلاق يعطي الفلسطينيين استقلالا والإسرائيليين أمناً.

أي صيغة سياسية بعد الإنتخابات الأميركية سيكون لها علاقة بالواقع، لأن اربع سنوات من المواجهة والعدوان الأحادي الذي استخدم كل وسائل القوة لم يتمكن من فرض حل.

لذلك، يبدي الرجوب تفاؤلاً ويقول بوجوب وجود شريك سياسي امني له علاقة بالواقع والمنطق والشرعية وبالوضع العربي.

العلاقات مع الأردن

في ضوء كل ذلك، ما هي قراءة جبريل الرجوب للتصريحات الأخيرة التي أدلى بها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وضمنها انتقادات للأداء السياسي للقيادة الفلسطينية..؟

يجيب الرجوب قائلا: اعتقد أن الملك عبد الله جزء من النظام الرسمي العربي، وهذا ما قاله اخواننا في الأردن، إن الملك يرى في الدولة الفلسطينية مصلحة اردنية لها علاقة بالأمن القومي الأردني والإستقرار السياسي في الأردن، ومن هنا يأتي تفسيرنا لكل ما قاله الملك أنه يأتي من موقع حرصه اولا على القضية الفلسطينية، وثانيا على المشروع العربي لإنهاء الصراع مع الإسرائيليين في ظل الشرعية الدولية والإلتزامات والاستحقاقات المطلوبة من العرب. ويؤكد الرجوب: "ليس فيما قاله الملك ما يقلق النظام السياسي الفلسطيني".

ويكشف الرجوب هنا عن أنه كان التقى الفريق سميح البطيخي مدير المخابرات الأردنية السابق قبل ثلاثة أيام من مغادرة الأخير موقعه، حيث أكد له أن الأردن لا يفكر قطعيا باستعادة سيادته على الضفة الغربية، ويقول إن الملك عبد الله كرر له ذلك عندما التقاه قائلا إنه ورث الأردن الحالي، وأنه معني بالحفاظ عليه، لا بالبحث عن عوامل خلافية مع أحد.

وتكشف مصادر أخرى عن أن الرئيس الفلسطيني حين اطلع على التصريحات المتعجلة لرئيس وزرائه أحمد قريع في معرض التعقيب على تصريحات الملك الأردني كلف من طلب من قريع التوقف عن الإدلاء بهذه التصريحات، إذ فضل عدم مخاطبته بشكل مباشر حتى لا يعتقد أن عرفات يريد مصادرة صلاحيات رئيس الوزراء.

هل يستدعي الأمر اعادة صياغة العلاقات الفلسطينية ـ الأردنية..؟ يطرح أحد الحضور هذا السؤال، ويقول الرجوب "إن الأردن هو بوابتنا الشرقية، وحتى الآن لا توجد أي اشكالية من زاوية الرؤية الإستراتيجية وهناك قلق أردني، والجدار الإسرائيلي واستمرار العدوان الإسرائيلي يجب أن يكونا مصدر قلق للأردن، على مستقبله ككيان ودولة واقتصاد وحياة اجتماعية. ولكن بالنسبة لنا نحن والأردنيين في نفس القارب، والدولة الفلسطينية مصلحة وأمن قومي للطرفين.

ويكشف الرجوب عن وجود "اتصالات مع اخواننا السوريين"، ويقول نأمل اعادة صياغة كل الواقع العربي لنضمن حماية مشروعنا الوطني. لا يجوز أن نكون قضية جدلية بين العرب، وأن يعكس العرب خلافهم على الساحة الفلسطينية. ونأمل تحقق ذلك مع السوريين وكل العرب، ولكنه يلاحظ أنه بعد اربع سنوات وصلت فيها الظروف الفلسطينية والعربية ذروتها أصبح بعض العرب لا يتصل بنا..! ويتساءل: هل هنالك ما هو اسوأ من ذلك..؟! لكنه يستطرد مستثنيا الأردن ومصر من هذه المقاطعة

المصدر صحيفة الحقائق