إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رداً على فتوى جواز الصلح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رداً على فتوى جواز الصلح

    ثالثاً: الفرع

    وهو اتفاقيات بعض حكام العرب مع العدو والصلح معه أكثر ما ذهب إليه دعاة الاتفاق والصلح مع العدو الإسرائيلي هو زعمهم بأن الأمة العربية والإسلامية في مرحلة استضعاف وتغييب عن دائرة الفعل وفي حالة من عدم الوفاق والتشرذم، وفي حالة من التردي الاقتصادي وغياب التوازن مع العدو.. وغياب الحليف القديم (يعني الاتحاد السوفييتي) بعد انهياره والتفرد الأمريكي ضمن سياسة القطب الواحد. والنظام العلمي الجديد.. وهكذا عربياً. وأما على الساحة الفلسطينية فمزاعم المستهترين نحو الشعب الفلسطيني وتضحياته تذهب إلى الحديث فضلاً عن غياب الحليف السوفييتي، والانهيار العربي ولا سيما بعد حرب الخليج الثانية وهزيمة العراق وخروجه من ميزان القوى، والموقف العربي من منظمة التحرير على إثر موقفها من الأزمة ومات تعرض له الفلسطينيون في أكثر من بلد ولا سيما في الكويت.. تذهب مزاعمهم إلى الحديث عن رفع المعاناة عن الفلسطينيين في داخل الوطن المحتل وخارجه، وتخليص الفلسطينيين من بقائهم تحت رحمة السندان العربي والمطرقة الإسرائيلية، ومحاولة إدراك ما يمكن إدراكه من الأراضي التي تصادر كل يوم لصالح الاستيطان والمستوطنين، وكذلك قطع الطريق على بعض حكام العرب الذين يريدون المتاجرة بالورقة الفلسطينية، لا سيما وأن هؤلاء الحكام يركبون القطار المتوجه إلى إسرائيل، ولم يبق أمام الفلسطينيون إلا أن يتعلقوا في هذا القطار لئلا يفوتهم وإلى الأبد، وليس في الإمكان أبدع مما كان، وإلى حين بروز معطيات جديدة في المنطقة فليس هناك بد من سلوك هذا السبيل الإجباري. هذا ما يتعلق به مناطقة التنازل والتفريط. وقعت قيادة منظمة التحرير اتفاقيات أوسلو ت واشنطن بالقاهرة مع العدو الإسرائيلي، وكانت تارة سراً وتارة تحت سمع وبصر عدسات المصورين من استعراضات بهلوانية هي أقرب إلى الهذيان مها إلى الموقف البصير فماذا تحقق لشعب فلسطين، وما هو المؤهل أن يتحقق لهم مستقبلاً؟

    لقد قفزت هذه الاتفاقيات على الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في فلسطين كل فلسطين من نهرها إلى بحرها بما في ذلك القدس التي أجل الحديث عنها إلى المراحل الأخيرة من العملية التي لا يبدوا لها مدى وتنازلت حتى عن قرارات الأمم المتحدة التي ترى في القدس أرضاً محلتة مثلها في هذا مثل الضفة وغزة.. وتنازلت عن حق اللاجئين في العودة إلى الأرض التي طردوا منها (ولاحظوا أن اللاجئين هنا لا تعني لاجئ 1948م وإنما هم لاجئوا 1967م) على اعتبار أن أراضي فلسطين المحتلة منذ عام 1948 لم تعد أراضي فلسطينية وتنازلت عن الحديث عن إزالة المستوطنات التي تضخمت حتى أكلت كل الأراضي ولا عن المستوطنين الذي يتضاعفون يوماً بعد يوم. وتنازلت عن المعتقلين الذين يعدون بالآلاف والذي لا يزالون يرزحون في معتقلات العدو وتنازلت عن حق السيادة بقولها بمشروع سقفه السياسي (حكم إداري ذاتي محدود) وحتى الـ 2% من الأراضي التي عادت إليها (سلطة الحكم الذاتي)، ليست خاضعة لسيادة هذه السلطة.

    والملاحق التي تضمنتها هذه الاتفاقيات من سياسية، وأمنية، واقتصادية وإعلامية وثقافية تمنح السلطة وظيفة وكيل عن الاحتلال ليس إلا، هذه الوكالة حملت جزءاً كبيراً من الأعباء التي كان يتحملها الاحتلال وأولها مواجهة الانتفاضة والقوى الرافضة والمقاومة للعدو وهكذا فإن عملية إعادة الانتشار التي قامت بها قوات الاحتلال لا تزيد عن كونها عملية سيطرة عن بعد دون خسارة. بل يتحمل الوكيل الخسائر وحده وهكذا شعب فلسطين بأكمله..

    ناهيك عن تعميق الانقسام في الشارع الفلسطيني الذي تجاوز الانقسام الرأسي في القيادات الفصائلية النخبوية إلى الانقسام الأفقي في قاعدة الشارع الفلسطيني، مما ينذر بمضاعفات خطيرة لا أظن إلا أنها كائنة مهما أجلت وطالما كانت لغة التنازل هي اللغة السائدة وهي العرف والعقل السياسي المهيمن.

    لقد تضاعفت معاناة الشعب الفلسطيني، وتبخرت كل الوعود والأحلام وعدت سراباً وغدت منكرات ومفاسد السلطة أشد وقعاً على الفلسطينيين من منكرات ومفاسد الاحتلال والتماسك الاجتماعي والأخلاقي بل والاقتصادي الذي أسهمت الانتفاضة المباركة في إيجاده في الشارع الفلسطيني نجد أن معاول السلطة الذاتية تهدمه وتنقضه حجراً، حجراً بعد أن مزقت الشارع الفلسطيني سياسياً..

    فلا مؤسسة، ولا كفاءة، ولا إدارة، ولا آلية، ولا برنامج.. كل هذا غائب عن هيكل السلطة ووضع القيادة في السلطة أسوأ مما كان عليه في الخارج (أعني بذلك الوضع الفاسد المهلك) هذا وقد اعتبرت بعض القيادات العربية المتهالكة الاتفاق بين بعش الفلسطينيين والعدو جسراً يعبرون عليه، أو يعبر عليه الإسرائيليون، وهذا ما كان فتسارعت سياسة الاعتراف والتطبيع والزيارات واللقاءات الحارة وتأجير الأراضي (كما حصل مع النظام الأردني) وعقد الصفقات الاقتصادية كما حصل في مؤتمر الدار البيضاء الاقتصادي، وأصبح الحديث عن شرق أوسط جديد تدير عجلته (إسرائيل).. ويكاد الجدار العربي ينهار بالكامل تحت أقدام ومعاول اليهود إلى درجة بات معها العدو يخشى من أن يدعى لعضوية الجامعة العربية، وأظن لو أن العدو يرضى عن بقاء مثل هذا الجامعة (التي يراد لها أن تدفن حيث أنها ميتة) لدخلها، بل هو الآن يسعى إلى أن يكون سيداً لجامعة الشرق الأوسط وهذا أوسع وأشمل..

    فمن الذي قام بكل هذا؟..

    هل هم ولاة الأمر (الشرعيون)؟

    أم هم أولئك الذي نزلوا على حقوق العباد، واغتصبوا السلطة وجعلوها قيصرية وكسروية؟

    أم هم مخلفات المشروع الغربي ـ الصهيوني في بلادنا؟

    نعم.. هم الذين تنازلوا عن الإسلام وعن حق الله ابتداء، وهاهم قد تنازلوا عن فلسطين وعن حق الأمة انتهاء..

    فلا شرعية لوجودهم كما أنه لا شرعية لعقودهم.

    ثم.. هل المصلحة التي تحققت للأمة المسلمة والتي كانت مناط الحكم في «صلح الحديبية»، هل هي متحققة في صلح «حكام العرب مع اليهود»؟‍ هذا فيما لو اعتبرنا أن واقع الأمة ضعيف ويستوجب مثل هذا الصلح‍ وهل جنح اليهود للسلم وهو شرط لجنوحنا اللاحق؟ وماذا يفهم من جنوحهم سوى إعادة ما اغتصبوه، ذلك أن الشريعة قررت أن الغاصب (المسلم) لا يملك ما استولى عليه بالعدوان فكذلك (الكافر) يملك ما استولى عليه، وأنه لا فارق بينهما إلا الكفر في الفرع والإسلام في الأصل، لكن الإسلام لا يصلح أن يكون مانعاً من الملك، والكفر لا يصلح أن يكون مقتضياً للملك، فوجب انتفاء سبب الملك في حق المسلم الغاصب وفي حق الكافر المستولي، وعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه أو ترده.

    وهكذا كان وصف العلّة التي ذهب إليها من أفتى بجواز الصلح مضطرباً غير منضبط، ومعلوم أن انضباط العلة شرط لصحتها، وعليه يسقط استدلاله من أساسه، بل ويتناقض ما ذهب إليه من استدلال مع قول الله عز وجل: ﴿فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن ينزكم أعمالكم﴾ محمد: 35.

    ثم إذا افترضنا (جدلاً) أن الصلح مع العدو جائز شرعاً، فهذا الافتراض لا يزيد عن كونه حكماً ظنياً، فهل هذا الحكم الظني يدفع الحكم القطعي بوجوب الجهاد وقتال اليهود، وكل أقوال العلماء في هذا تتردد ما بين فرضه عيناً أو كفايةً بحسب القرب من ديار بيت المقدس أو البعد عنها، وحتى يعود الحق إلى أهله ويتبر فساد وعلو بني إسرائيل.

    وباختصار شديد.. هذا هو الفرع (المقيس) الذي يراد لنا قسراً أن نقيسه على (صلح الحديبية) الأصل ... فهل يقول عاقل بهذا؟

    إن الإسلام بمبادئه الكلية الثابتة هو الذي يحدد لأمتنا مرجعيتها العليا.. فتعالوا لنتفق على أن كل موقف يصطدم بروح الإسلام هو بالضرورة يصطدم بمصالح الأمة فنحكم ببطلانه. ومتى اتفقنا على هذا نكون قد وضعنا أقدامنا على أول الطريق القويم..

    فالاعتصام بالإسلام يعني الانتصار لثوابت الأمة ولحقوقها ولكرامتها ولحاضرها ولمستقبلها هذا الاعتصام لا غير هو الذي يعطينا انضباطاً في السلوك السياسي الجمعي، وهو الذي يحرر شعورنا ووعينا وإرادتنا من دوافع وعوامل اليأس والإحباط التي تنفثها آلة الشيطان الإسرائيلي ـ الأمريكي هذا الاعتصام العبادي هو الذي يوضع ميزان العدل والحق في الأرض، وما سواه فوضى وضياع. إذا اتفقنا على كل هذا.. فدعونا ننتقل للحديث عن الفتاوى التي أجابت بها لجان الإفتاء والشخصيات العلمانية المحترمة في الأمة على الاستفتاء المقدم إليها عن حكم الشريعة الإسلامية في إبرام الصلح مع العدو الإسرائيلي الغاصب للقدس واليت ذهبت جميعها على عدم مشروعية وجواز مثل هذا الصلح وبل وحكمت بالردة على أصحابه، وقبل أن نستعرض هذه الأجوبة نورد بعض الملاحظات:

    1- إن المواجهة مع العدو الإسرائيلي ليست مواجهة بين بلدين جارين، أو بين فئتين بغت أحدهما على الأخرى وهما على ملة واحدة بل بالعكس من ذلك تماماً.. فإن شذاذ الآفاق اليهود الذي تداعوا من كل مكان واغتصبوا أقدس أرض الأمة، وأخرجوا منها أهلها، وأقاموا دولتهم الملعونة على أنقاض شعب فلسطين المسلم، ولا يزالون يتوسعون كل يوم على حساب الأمة ويسعون ليل نهار لإفساد دينها ودنياها هذا العدو لا لقاء معه ولا سلام، ولي أمامه إلا أن يعود من حيث أتى، مثله في ذلك مثل الحملات الصليبية الحاقدة التي ارتدت على أعقابها خائبة خاسرة، وليس هناك من بر أوجب بعد الإيمان من دفع هذا العدو ومجاهدته حتى يحكم الله بيننا وبينهم.

    2- لقد أثبت شعب فلسطين المسلم بعيداً عن قيادة المنظمة المتخاذلة والتي تسير في ركاب النظام الرسمي العربي المهزوم.. أثب هذا الشعب وبإعداده البسيط والممكن أنه قادر على مواجهة العدو وتمريغ أنفه في التراب وذلك من خلال انتفاضته وجهاده المبارك وقد تبين لنا كم هو ضعيف هذا العدو أمام ضربات المجاهدين.. سواء كان هذا في فلسطين أو في جنوب لبنان، وهذه حجة على أصحاب الدعوات المثبطة الذين يزعمون أن ميزان القوى يدور اليوم لصالح العدو وهم بهذا يتجاهلون ويستبعدون مخزون الأمة العظيم ورصيدها الكبير في المواجهة ولا يفرقون بين الوهن والضعف.

    3- لو افترضنا (جدلاً) أن هذا العدو من الصنف الذي يجوز الصلح معه.. فهل ما جرى ويجري اليوم من مصالحات وتنازلات يمكننا أن نسميه سلاماً.. وكيف يكون سلاماً، ونحن نرى الطغاة الحكام يتمترسون في خندق واحد مع قيادة العدو في مواجهة شعوبهم وأمالها من أجل أن يحافظوا على كراسيهم المزعزعة، وهل هؤلاء الحكام أصلاً انعقدت لهم الولاية الشرعية التي تؤهلهم للنظر في مصالح الأمة حتى يفتي لهم بإمضاء عقودهم بشروطها الفاسدة، وكما هو معلوم فالشرط الفاسد يفسد العقد على الصحيح.

    4- يقول ابن تيمية (رحمه الله) في الاختيارات الفقهية ص 311: «الواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا، دون الذين يغلب عليهم النظر في ظاهرة الدين، فلا يؤخذ برأيهم، ولا برأي أهل الدين الذي لا خبرة لهم في الدنيا». أ.هـ. ويقول ابن القيم (رحمه الله) فلسطين إعلام الموقعين 1/78: «ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق غلا بنوعين من الفهم، أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط بها علماً. والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع ثم يطبق أحدهما على الآخر». أ.هـ. ونتساءل بعد هذا: هل الذين أفتوا بجواز الصلح مع العدو اليهودي من هذا الصنف البصير الفقيه الذي ذكره الشيخان رحمهما الله؟.. والآن نعود إلى الفتاوى التي حرمت الصلح مع العدو بل وحكمت بالردة على فاعله ومستحله، ودعت إلى الجهاد كسبيل وحيد يفهمه هذا العدو وتسترجع به الأمة حقها، هي كما جاءت في رسالة: (حكم الإسلام في قضية فلسطين):

    1- جواب لجنة الفتوى بالأزهر الشريف في يوم الأحد 18 جمادى الأول 1375هـ الموافق 1 يناير 1956م:

    والتي ضمت أئمة المذاهب الأربعة في الأزهر الشريف. وجاء في الفتوى: «إن الصلح مع إسرائيل ـ كما يريده الداعون إليه ـ لا يجوز شرعاً لما فيه من إقرار الغاصب على الاستمرار في اغتصابه. والاعتراف بحقه يده على ما اغتصبه، وتمكن المعتدي من البقاء على عدوانه وقد أجمعت الشرائع السماوية والوضعية على حرمة الغصب ووجوب رد المغصوب إلى أهله، وحثت صاحب الحق على الدفاع والمطالبة بحقه ففي الحديث الشريف «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد» وفي حديث آخر «على اليد ما أخذت حتى ترد». فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين واعتدوا فيها على أهلها وعلى أموالهم على أي وجه يمكن اليهود من البقاء كدولة في أرض هذه البلاد الإسلامية المقدسة».. ثم تقول الفتوى: «ولا ريب أن مظاهرة الأعداء موادتهم يستوي فيها أمدادهم بما يقوي جانبهم ويثبت أقدامهم بالرأي والفكر وبالسلاح والقوة ـ سراً وعلانية ـ مباشرة وغير مباشرة، ولك ذلك مما يحرم على المسلم مهما تخيل من أعذار ومبررات»..

    2- فتوى الشيخ: حسن مأمون مفتي الديار المصرية في الخمسينات:

    ومما قاله سماحة المفتي في فتواه: «إن الصلح إذا كان على أساس رد الجزء الذي اعتدى عليه إلى أهله كان صلحاً جائزاً، وإن كان على إقرار لاعتداء وتثبيته فإنه يكون صلحاً باطلاً لأنه إقرار لاعتداء باطل، وما يترتب على باطل يكون باطلاً». وقال المفتي (رحمه الله): «وقد أجاز الفقهاء الموادعة مدة معينة مع أهل دار الحرب أو مع فريق منهم إذا كان فيه مصلحة للمسلمين لقوله تعالى: ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله..﴾ وقالوا: إن الآية وإن كانت مطلقة لكن إجماع الفقهاء على تقييدها برؤية مصلحة للمسلمين في ذلك بآية أخرى هي قوله تعالى: ﴿ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون﴾ فأما إذا لم يكن هناك في الموادعة مصلحة فلا يجوز بالإجماع، ونحن نرى أن الصلح على أن تبقى البلاد التي سلبها اليهود من فلسطين تحت أيديهم، وعلى عدم إعادة أهلها إليها لا يحقق إلا مصلحة اليهود وليس فيه مصلحة للمسلمين ولذلك لا نجيزه من الوجهة الشرعية».

    3- فتوى المجتهد العلامة: محمد الحسين آل كاشف الغطاء من النجف الأشرف:

    قال فيها سماحته (رحمه الله تعالى): «من واجب المسلمين جميعاً في سائر الأقطار أن يقاطعوا اليهود ومن يحميهم أو يساعدهم، ومن يشتر من اليهود أو يبيعهم أو يروج صنائعهم أو يلبس منتوجاتهم أو يأكل من حاصلاتهم أو يعاملهم بأي معاملة تجارية أو غيرها، فقد حارب الله ورسوله، وباء بغضب من الله ورسوله، وقد خان الحق وطعن في قلب العرب والإسلام. بل وخرج من دين الإسلام لقوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾».

    4- فتوى رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف الشيخ عبد المجيد سليم (رحمه الله).

    وقال فيها: «لا يشك مسلم أن من عاون هؤلاء الأعداء (اليهود) بأي ضرب من ضروب المعاونة، ببيع شيئاً من أرضه أو بالتوسط في هذا البيع، أو بمعاملتهم تجارياً واقتصادياً، أو بخروجه عن جماعته المدافعين عن بلادهم، يكون أعظم جرماً، وأكبر إثماً ممن ترك الجهاد وهو قادر عليه، ولا يشك مسلم أيضاً أن من يفعل شيئاً من ذلك، فليس من الله ورسوله في شيء والإسلام والمسلمون براء منه.. والذي يستبيح شيئاً فيغرق بينه ونبي زوجه، ويحرم عليهم الاتصال به، ولا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين وعلى المسلمين أن يقاطعوه، فلا يسلموا عليه، ولا يعودوه إذا مرض، ولا يشيعوا جنازته إذا مات. حتى يفيء إلى أمر الله ، ويتوب توبة يظهر أثرها في نفسه وأحواله وأقواله وأفعاله». وقالت الفتوى: «.. كما لا شك أن بذل المعونة إلى هؤلاء (الأعداء) وتيسير الوسائل التي تساعدهم على تحقيق غاياتهم التي فيها إذلال المسلمين، وتبديد شملهم، ومحو دولتهم، أعظم إثماً وأكبر ضرراً من مجرد موالاتهم ومواداتهم التي حكم الله بنفي الإيمان عن صاحبها..».

    5- فتوى العلامة السيد محمد حبيب العبيدي مفتي الموصل بالعراق:

    قال رحمه الله: «... ومن المعلوم أن الحقيقة بعدما تثبت بالبينة والبرهان تعود حقاً لوما كان الحق ابن القوة فلا ينفع حينئذ ألف بينة وألف برهان لنه من باب (تحصيل الحاصل) الممنوع منطقاً وإنما يتطلب هذا الولد المشروع أبوه وليس أبوه إلا القوة. (تجلي الحقيقة بالديل فتنثني/ حقاً فتعوزه قوى الأبطال). فقضية فلسطين من حيث كونها حقاً مشروعاً للعرب والمسلمين يجب عليهم أن يتقاضوا هذا الحق المشروع من طريقة المشروع أعني (الجهاد) ما دام الأقوياء لا يعترفون لهم بهذا الحق بعد ثبوته ولا يسلمونه لأصحابه الشرعيين سلماً، ظلماً وعدواناً، واغتراراً بقوتهم واستكباراً، ولا يفل الحديد إلا الحديد، فيجب مقابلة القوة بالقوة, وهذا هو واجب العرب والمسلمين في قضية فلسطين شرعاً، وهذا هو الدواء الناجع الوحيد». وبعد... فهذه جملة من الفتاوى التي تناولت موضوع الصلح مع العدو الإسرائيلي وذهبت إلى عدم جوازه وحرمته البتة وخاصة في مثل الظروف التي نحن بصددها والتي أملي فيها العدو شروطه المهينة المذلة على نفر من المارقين المرتدين كما أسمتهم بذلك فتاوى علماء الأمة وخيرة أبنائها.. والحقيقة أن مثل هذه الفتاوى وبنفس المستوى من الحزم والمسؤولية والأمانة لم تتوقف منذ بدايات نكبة الأمة في فلسطين أرض الإسلام المقدسة وإلى يومنا هذا. وقد ضربنا صفحاً عن كثير من الفتاوى ومنها فتاوى معاصرة جاءت بعد اتفاقات (كامب ديفيد) المشؤومة، وذلك مخافة الإطالة والملل.. وإذا كان الأمر كذلك، يمكن للبعض الشاذ أن يقفز على مبادئ الشريعة ومساقات التاريخ، ومعطيات الواقع، وأمانة الأجيال، ومن الذي يجرؤ على فعل ذلك إلا كل خوّان أثيم، غافلاً أعمى البصيرة.. ﴿فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾. وها هي بين يديك أخي الكريم المؤمن بحقائق القرآن المسألة تأصيلاً وتفريعاً.. فهل وجدت بعد تحقق وتدبر من أدنى لقاء بين (صلح الحديبية) المبارك، وبين ما يريده أولئك العميان المهزومين، من مصالحة أهل الكفر والعصيان، والزور والبهتان، ويريدون بذلك اجتماع أو ارتفاع النقيضان وهذا مما يستحيل ذاتاً وترده حتى عقول الصبيان.. ومع انتفاء العلة بين الأصل والفرع ينتفي الحكم.. وعليه فما جاز في (صلح الحديبية) واعتبر فتحاً حَرُم في (صلح العدو) واعتبر انكساراً وعاراً..

    أخي المسلم الأبي الغيور: لقد استعرضنا هذه المسألة المهمة، وكنا نظن أنها حسمت منذ زمن بعيد غير أننا وجدنا خلاف ذلك بتنقير المنقرين، وشنشنات المخزومين فاضطررنا من غير بعي ولا عدوان لتجريد هذا البيان على كل مفتون فتّان والله المستعان.. ﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم..



    وكتبه محمد بن إبراهيم البحيصي

    7 شعبان 1415هـ

    الموافق 8 يناير 1995م



    المراجع:

    1- الفقه والمتفقه، للخطيب البغدادي.

    2- منهاج الوصول، للبيضاوي.

    3- الأصول من علم الأصول، محمد العثيمين.

    4- أعلام الموقعين، ابن القيم.

    5- زاد الميعاد، ابن القيم.

    6- جامع بيان العلم وفضله, ابن عبد البر.

    7- الرسالة، الإمام الشافعي.

    8- الروضة، ابن قدامة المقدسي.

    9- تجديد أصول الفقه، الدكتور: حسن الترابي.

    10- الاختيارات الفقهية، ابن تيمية.

    11- حكم الإسلام في قضية فلسطين، منشورات حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

  • #2
    رداً على فتوى جواز الصلح (الجزء الأول)

    رداً على فتوى

    جواز الصلح مع العدو الإسرائيلي



    الحمد لله رب العالمين.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله.. ورضي الله عن صحابته.. وبعد:

    انهالت علينا الفتاوى من كل صوب (تؤصل شرعاً) للأنظمة السياسية الفاسدة جريمتها التي يسمونها «السلام والصلح مع إسرائيل».. هذه الأنظمة التي ما عرف عنها إلا الظلم والتنكب عن منهج الله القويم والانقلاب عليه تستدعي هذا الكم من الفتاوى لتبرير فعلتها الشنعاء النكراء، بينما هي في ذات الوقت تصادم الإسلام نصاً ومقصداً، فدساتيرها ونظمها وقوانينها تشرع للربا، والفاحشة، والخمور والرذيلة، والموالاة لهل الكفر والعناد وتجاهر ليل نهار العلمانية وبفصل الدين عن السياسة وأنه لا سياسة في الدين، وتصادر حريات الشعوب المستضعفة المنكوبة.. وهكذا بملفاتها الملطخة فلماذا الآن بالذات يريدون (الإسلام) ويردون منه أن يمنح فعلهم اللاشرعي شرعية وغطاء؟ أعتقد أن الإجابة واضحة ولسنا بصدد الحديث عنها الآن على الأقل.. وإنما يهمنا أن نؤكد بأن الشرع أسمى وأجل من أن يوظف في بلاط الحكام مهما حمله وادعاه علماء السوء والفتنة والسلاطين ونبدأ بحثنا الموجز في الرد على تلك الفتاوى بالحديث عن (القياس) كدليل تثبت به الأحكام الشرعية وباعتباره مصدراً من مصادر التشريع بعد الكتاب والسنة والإجماع عند من يعتبرونه كذلك وهم جمهور علماء الأمة، حيث أن أصحاب الدعوة للصلح مع العدو الغاصب للقدس جعلوه عمدتهم وأقوى عدتهم فيما ذهبوا إليه من فتوى تجيز ذلك الصلح المشؤوم، واعتمدوا في قياسهم على واقعة (الحديبية) وكذلك على قوله تعالى: ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها..﴾ الآية.

    وجعلوها أصلاً قاسوا عليه ما يجري اليوم على أمتنا من مصائب ونكبات جراء تهافت الأنظمة وسقوطها المريع وتفريطها المهين، فصاروا بذلك (أي المفتين) عوناً للشياطين على أبناء التوحيد من المؤمنين المجاهدين، فنقول والله المستعان:

    للقياس تعريفات عدة:

    فقد عرفه الخطيب البغدادي كما في الفقيه والمتفقه 2/178:

    «هو حمل فرع على أصل في بعض أحكامه لمعنى يجمع بينهما» وعرفه البيضاوي في منهاج الوصول في علم الأصول 3/3 بأنه «إثبات مثل حكم معلوم من معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند التثبيت».

    وذكر ابن عُثيمين في الأصول من علم الأصول ص (78) بأنه «تسوية فرع بأصل في حكم لعلة جامعة بينهما» هذا تعريف القياس اصطلاحاً.

    وأما تعريفه لغة فهو:

    التقدير والمساواة. والذي أحوج إلى القياس هو أن المسائل والحوادث في دنيا الناس تقع كل يوم وتجد في كل حين وهي غير متناهية، بينما النصوص الشرعية من قرآن وسنة توقيفية محدودة، وعليه فلا بد من مصادر يستكشف منها أحكاماً لقضايا الناس، ومعالجة مشكلاتهم بحيث تستند إلى أصول الشريعة، وتتفق مع مقاصدها وأهدافها. ومنهج الفقيه في ذلك التعرف على العلل والغايات والمقاصد، فإذا حصل هذا للفقيه البصير ثبت الحكم في كل ما يتحقق فيه. يقول ابن القيم (رحمه الله) في أعلام الموقعين ج: ص 203: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجتهدون في النوازل ويقيسون بعض الأحكام على بعض ويعتبرون النظير بنظيره». ويقول المزني صاحب الإمام الشافعي (رحمها الله) «الفقهاء من عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا استعملوا المقاييس في جميع الأحكام في أمر دينهم وأجمعوا على أن نظير الحق حق، ونظير الباطل باطل، فلا يجوز لأحد إنكار القياس لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها». جامع بيان العلم وفصله لابن عبد البر (ص 327). وقال الإمام الشافعي رحمه الله «القياس والاجتهاد اسمان لمعنى واحد، وجماعهما أن كل ما نزل بمسلم ففيه حكم لازم، أو على سبيل الحق فيه دلالة موجودة، وعليه إذا كان فيه بعينه حكم وجب اتباعه وإذا لم يكن فيه بعينه طلب الدلالة على سبيل الحق فيه بالاجتهاد أو الاجتهاد القياس» الرسالة (ص 477) والقياس مظهر من مظاهر شمول الشريعة ورفع الحرج عنها الاستدلال بها إلى درجة أن الإمام أحمد رحمه الله وهو ممن عرف بتشدده في الأخذ بالقياس يقول كما جاء في الروضة لبن قدامه (ص 147) «لا يستغني أحد عن القياس». فهو إذن من باب التماثل بين الأمور الذي يؤدي إلى التماثل في الأحكام حيث التساوي في العلة أوجد التماثل في الحكم. يقول الدكتور الترابي في تجدي أصول الفقه ص 22: (ويلزمنا أن نطور طرائق الفقه الاجتهادي التي يتسع فيها النظر بناءً على النص المحدود لتدرية النصوص وتوسيع مداها).

    وللقياس أركان أربعة هي:

    الأصل، والعلّة، والتفرع، والحكم.

    كما أن اللقياس شروط منها:

    1- أن لا يصادم دليلاً أقوى منه: فلا اعتبار بقياس يصادم النص أو الإجماع فإذا كان كذلك فهو (فاسد الاعتبار).

    2- أن يكون حكم الأصل ثابتاً بنص أو إجماع، فإن كان ثابتاً بقياس لم يصح.

    3- أن يكون لحكم الأصل علة معلولة، ليمكن الجمع بين الأصل والفرع.

    4- أن تكون العلة مشتملة على معنى مناسب للحكم، يعلم نم قواعد الشرع اعتباره.

    5- أن يتكون العلة موجودة في الفرع كوجودها في الأصل.

    وينقسم القياس إلى:

    قياس جلي، وقياس خفي، كما أن هناك قياس الشبه، وهو قياس ضعيف إذ ليس بينه وبين الأصل علة مناسبة سوى أنه يشبهه في أكثر الأحكام. وهناك قياس العكس. وهو إثبات نقيض حكم الأصل للفرع، لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه. بعد عرضنا الموجز لموضوع (القياس) ندخل في القضية، ويمكن تفصيلها على أركان القياس كالتالي:

    1- الأصل: الحديبية (وهو المقيس عليه).

    2- العلة: مصلحة الجماعة المسلمة. (وهو المعنى الذي يثبت بسببه حكم الأصل).

    3- الفرع: اتفاقات بعض حكام العرب مع العدو الإسرائيلي. (وهو المقيس).

    4- الحكم: جواز الصلح. (وهو مقتضى الدليل الشرعي من وجوب أو تحريم أو صحة أو فساد).

    وهاكم البيان:



    أولاً: الأصل (الحديبية)

    1- رأي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامه (ورؤيا الأنبياء حق) أنه دخل وأصحابه المسجد الحرام آمنين فأخبر المسلمين أنه يريد العمرة، وأخبر كذلك الأعراب ممن هم خارج المدينة، فتباطأ الأعراب، وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أصحابه وعدتهم ألفاً وخمسمائة معهم سيوفهم فقط لأنهم لم يخرجوا لقتال.

    2- وسار النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط منها إلى مكة في منطقة الحديبية وهي على بعد حوالي 24 كلم عن مكة بركت به راحلته. فقال الناس: حل حل. فاحلت. فقالوا: خلأت القصواء خلأت القصواء. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل (درس في الإيمان بالغيب والتسليم والرضى).

    3- قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله غلا أعظيتهم إياها». وفي رواية: «يسألونني فيها صلة الرحم» أي آهل مكة الذين هم عشيرته وأقاربه وأهل أصحابه، وحيث مكة مواطنهم وديارهم ومسقط رؤوسهم وفيها حرم الله الآمن. بعد هذا القول زجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناقة فوثبت به.. تصديقاً في الأولى حبسها حابس الفيل وفي الثانية من أعطاء قريش ما تريد من تعظيم حرمات الله. وهذا يعيد إلى الأذهان أن الناقة مأعورة كما حدث من قبل في قصة الهجرة ونزول النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة المنورة (أخرجه أحمد، والبخاري، وعبد الرزاق).

    4- أرسلت قريش قوة من مائتي فارس على رأسهم خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل لمواجهة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انحرف بالمسلمين عن الطريق حتى لا يصطدموا بالمشركين.

    5- قالت قريش: إن محمداً ومن معه إذا دخلوا مكة قالت العرب أنهم دخلوها عنوة، وهذه معرة فأبوه على المسلمين ذلك وصدورهم. وجعلوا في قلوبهم حمية الجاهلية.

    6- بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عثمان بن عفان مفاوضاً لقريش ليأذنوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه بالعمرة وكذلك ليبشر المستضعفين من المؤمنين والمؤمنات في مكة بالفرج القريب. وبعد أن تأخر عثمان أشيع أنه قتل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا نبرح حتى نناجز القوم» ودعا إلى البيعة فبايعته الصحابة على ألا يفروا. وبايعوه على الموت فيما عرف ببيعة الرضوان ﴿ لقد رضي الله عن المؤمنين إذا يبايعونك تحت الشجرة... ﴾ الفتح 18 (البخاري، وأحمد ومسلم في الجهاد والسير).

    7- قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلغه كلها رحمة وشفقة على قريش: «إن قريشاً نهكتهم الحرب وأضرت بهم فإن شاءوا مأددتهم ويخلوا بيني وبين الناس... يا ويح قريش لقد أكلهم الحرب. فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أضهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش؟ فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله، أو تنفرد هذه السالفة (يعني الموت). (أحمد، والبخاري والحاكم).

    8- روي الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ ثلاثين من شباب قريش كانوا بالعكس فأخذهم أسرى ثم عفا عنهم حقناً للدماء.

    9- يظهر أن إطلاق الأسرى من المشركين كان بداية الصلح حيث جاء سهيل بن عمرو بعد عدد من المفاوضين من طرف قريش، واستعرض مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم شروط الصلح وهي كالتالي:

    1- وضع الحرب عشر سنين فيها يأمن الناس بعضهم بعضاً.

    2- يرجع المسلمون عن مكة هذا العام من غير عمرة، ثم يأتون في العام المقبل فيدخلون مكة هذا العام من غير عمرة، ثم يأتون في العام المقبل فيدخلون مكة بعد أن تخرج قريش منها، ويقيمون فيها ثلاثة أيام ليس معهم سلاح إلا السيوف في قرابها.

    3- من أراد أن يدخل في عهد أو عقد محمد من العرب دخل فيه. ومن أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه.

    4- من جاء من قريش إلى المسلمين مسلماً يردونه لقريش، ومن جاء قريشاً من المسلمين لا يردونه.

    5- بين محمد وقريش عيبة مكفوفة (صدوراً سليمة في المحافظة على العهد) وأنه لا إسلال ولا إغلال (يعني لا غدر ولا خيانة).

    وتبت اتفاقية الصلح هذه بعد أن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً رضي الله عنه بنحو ما أراد مفاوض قريش وهو إجراء شكلي لا يقدم ولا يؤخر في مضمون الصلح. وأثناء ذلك جاء أبو جندل بن سهيل نفسه الذي عقد المعاهدة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم هارباً إلى المسلمين، فضرب النبي المثل الأعلى في الالتزام بالعهد فأعاده إلى قريش بعد أن بث اليقين في قلبه قائلاً: «إنا قد عقدنا مع القوم صلحاً وأعطيناهم وأعطونا على ذلك عهداً فلا تغدر بهم فاصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن.. معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً». وحدثت بعض الاعتراضات، ولكن في النهاية استمسك الجميع بغرز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

    10- ورجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وفي الطريق أنزلت عليه سورة الفتح.. «إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماًً، وينصرك الله نصراً عزيزاً» الفتح 1-3. فقال عمر (رضي الله عنه) أو فتح هو يا رسول الله؟ قال نعم، فقال الصحابة: هنيئاً لك يا رسول الله. فما لنا؟. فأنزل الله: «هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا أيماناً مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليماً حكيماً» الفتح 4. وبعد الوصول إلى المدينة جاءه أبو بصير رجل من قريش، فدفعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى رجلين من قريش جاءا في طلبه، فاحتال أبو بصير عليهما فقتل أحدهما وهرب الآخر، وعاد أبو بصير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ويل أمة مسعر حرب لو كان له أحد». ثم خرج أبو بصير حتى أتى سيف البحر، ولحقه أبو جندل بن سهيل، فلا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت فهم عصابة، فوالله لا يسمعون بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن. (أخرجه البخاري في باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب كذلك أخرجه أبو داود واحد...). قال ابن مسعود رضي الله عنه: أنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية. وهكذا روي عن جابر بن عبد الله والبراء بن عازب رضي الله عنهما وغيرهما كثير. هذا وقد وقعت قصة الحديبية وصلحها في ذي القعدة سنة ست من الهجرة النبوية الشريفة.



    ثانياً العلة: وهي مصلحة الجماعة المسلمة:

    هل حققت هذه الهدنة وهذا الصلح مصلحة للجماعة المسلمة؟ وهل دفع المسلمون من دينهم أو أرضهم أو أموالهم ثمناً لهذا الصلح؟ وهل وقعت مفسدة عن الجماعة المسلمة؟ تساؤلات مشروعة يثبت بها أن تحققت حكم الأصل وهو ما أمضاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خلال الصلح، فتعالوا لنرى:

    يقول ابن القيم في زاد المعاد 3/309 في الإشارة إلى بعض الحكم التي تضمنتها هذه الهدنة ننقله بتصرف: «وهي أكبر وأجل من أن يحيط بها إلا الله الذي أحكم أسبابها، فوقعت الغاية على الوجه الذي اقتضته حكمته وحمده.

    1- فمنها: أنها كانت مقدمة بين يدي الفتح الأعظم الذي أعز الله به رسوله وجنده، ودخل الناس به في دين الله أفواجاً، فكانت هذه الهدنة باباً له، ومفتاحاً، ومؤذناً بين يديه.

    2- إن هذه الهدنة كانت من أعظم الفتوح، فإن الناس أمن بعضهم بعضاً. واختلط المسلمون بالكفار وسهل عليهم دعوتهم، وأسمعوهم القرآن وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين. وظهر من كان مختفياً بالإسلام، ودخل فيه في مدة الهدنة من شاء أن يدخل، ولهذا سماه الله فتحاً مبيناً، وحتى صار هذا المكروه فيما كان يراه بعض الصحابة محبوباً ﴿وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم﴾ البقرة 216. (وربما كان مكروه النفوس إلى / محبوبها سبباً ما مثله سبب). فكان صلى الله عليه وآله وسلم يدخل على شروط الكفار دخول واثق بنصر الله وتأييده، وأن العاقبة له، وأن تلك الشروط واحتمالها هو عين النصرة، وهو من أكبر الجند الذي أقامه المشترطون، ونصبوه لحربهم وهم لا يشعرون، فذلوا من حيث طلبوا العز، وقهروا من حيث أظهروا القدرة والفخر والغلبة، وعز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعساكر الإسلام من حيث انكسروا لله، واحتملوا الضيم له وفيه فدار الدور، وانعكس الأمر، وانقلب العز بالباطل ذلاً بحق، وانقلبت الكسرة لله عزاً بالله، وظهرت حكمة الله وآياته، ولتصديق وعده، ونصرة رسوله على أتم الوجود وأكملها.

    3- ومنها ما سببه سبحانه للمؤمنين من زيادة الإيمان والإذعان والانقياد على ما أحبوا وكرهوا بالسكينة التي أنزلها الله عليهم ما اطمأنت به قلوبهم وقويت به نفوسهم، وكذلك من رضاه عليهم ووعدهم بالنصر العزيز والمغانم الكثيرة وخذلان الكافرين وكف أيديهم عن المؤمنين. انتهى كلام ابن القيم (رحمه الله) بتصرف..

    4- تنقية الصف المسلم من المترددين لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من لحقهم منا أبعده الله».

    5- توسيع دائرة التحالف مع كثير من القبائل التي دخلت في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل قبيلة خزاعة، مما يضيق الخناق على قريش.

    6- بعد وصول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة بعشرين يوماً انطلق لفتح خيبر وكان الفتح حيث كان فتح خيبر ضربة قاصمة لحلفاء قريش من اليهود، وكذلك كانت فتحاً اقتصادياً حيث شاطر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل خيبر على نصف ثمارها، وأسهم هذا في دعم مواجهة المسلمين للقوى المضادة. ثم انصرف صلى الله عليه وآله وسلم وادي القرى وتيماء وفيهما يهود من جهة الشام وصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما صالحه عليه أهل خيبر فكان فتحاً آخر بلغ حدود الشام.

    7- أمن المسلمون واتسعت رقعة نفوذهم مما استدعى حضور مهاجرة الحبشة وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وكذلك اليمانيون وعلى رأسهم أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

    8- قدم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة من خيبر وأقام إلى شوال وفي هذه الفترة الوجيزة بعث عدة سرايا منها سرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى نجد قبل بني فرازه، وسرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه نحو هوازن، وسرية عبد الله بن رواحة إلى يسير بن رزام اليهودي، وسرية بشير بن سعد الأنصاري إلى بني مرة بفدك، وسرية فيها أسامة بن زيد إلى الحرقة من جهينة، وسرية غالب بن عبد الله الكلبي إلى الملوح بالكديد، وسرية أخرى إلى غطفان ولحيان، وسرية ابن أبي حدرد الأسلمي إلى خبشهم بالغابة، وسرية فيها أبو قتادة إلى إضم في نجد، وسرية عبد الله بن حذافة السهمي. ثم كانت عمرة القضية والتي أمر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه أن يكشفوا عن مناكبهم ويسعون في الطواف ليرى المشركين جلدهم وشوكتهم وقوتهم، وأقام وأصحابه بمكة ثلاثاً، وبعد عودته بعث بسرية إلى بني سليم وأخرى إلى هوازن، وأخرى إلى ذات أطلاح من الشام، ثم كانت غزوة مؤته بأدنى البلقاء من أرض الشام وكان جيش المسلمين فيها زهاء ثلاثة آلاف، ثم كانت غزوة ذات السلاسل وهي وراء وادي القرى، وهكذا.. كان حجم العمل الجهادي والبناء الذي تصاعد وعلا بعد صلح الحديبية بحيث لو قيس بعمل الجيوش المعاصرة اليوم لاعتبر عملاً مدهشاً ومذهلاً اختزل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزمان والمكان.. وبذل فيه جهداً خارقاً.

    9- في فترة الهدنة أيضاً حدث فتح كبير في جنوب الجزيرة وذلك ليكتمل الطوق على قريش وتجارتها فقد دخل أهل اليمن في الإسلام وحسن إسلامهم وكانوا حزاماً في الركن الجنوبي الغربي للجزيرة أيد الله به الدين. ولعل مثل هذه الإنجازات الضخمة أغرت واقنعت شخصاً مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص أن يستسلما لنداء الإسلام فيأتيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويدخلا في دين الله مع الداخلين بعد أن استقام المنسم واستبان الطريف لهما وهما من هما في معاداة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والاستبسال في الدفاع عن باطل قريش.

    10- وفي فترة الهدنة أيضاً كانت مراسلة الملوك والحكام.. وبمعنى آخر الإعلان العملي لعالمية هذا الدين واندياحه خارج حدود الجزيرة فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتبه ورسله إلى قيصر الروم، وأمير بصري، والحارث بن أبي شهر في غوطة دمشق، والمقوقس عظيم القبط في مصر، وكسرى ملك الفرس، والمنذر بن ساري ملك البحرين، وعمان، وهوذة بن علي ملك اليمامة.. وبمجرد خروج الدعوة إلى خارج حدود الجزيرة فإن هذا لم يكن يعني إلا أن قاعدة ارتكاز المسلمين لم تعني المدينة المنورة فحسب، بل غدت كل جزيرة العرب، ولم يكن عملياً أمام قريش ومكة إلا أن تسلم بالأمر الواقع وبالوضع الجديد، لا سيما وأن التحرك المباغت والسريع لجيوش المسلمين بل على العكس من هذا فقد كان الابتعاد عن قريش مطلب موضوعي، لا سيما وأن الناس يميلون للتحالف مع المنتصر من موقع المغلوب والغالب والإعجاب والمصلحة والحفاظ على الذات والمكسب، وهذا ما كان بالضبط حيث لم يمش على صلح الحديبية سوى سنة وتسعة أشهر حتى عدت بنو بكر بن عبد مناة وهم حلفاء قريش على خزاعة وهم الذين دخلوا في عقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعهده، وهكذا نقضت قريش اتفاقية الصلح وانهارت الهدنة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس بالجهاز وقال: «اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها». وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان فأفطر وأفكر الناس وكان معه عشرة آلاف مقاتل.. وهذا أمر يستدعي التوقف حيث أنه جاء مكة قبل أقل من سنتين ولم يكن معه سوى خمس عشرة مائة.. وهذا يعني زيادة سبعة أضعاف في جيش المسلمين في هذه الفترة الوجيزة، وهذا أمر خارق آخر من بركات ذلك الفتح (الحديبية). وهكذا لو أن إنساناً قال إن أخصب سنوات الدعوة وأوفرها نماء كان في فترة سنتي الهدنة لكان محقاً نظراً لحجم الإنجازات التي تمت فيها، ومن يدرك هذا يدرك لما سمي صلح الحديبية فتحاً مبيناً.. ونصراً عزيزاً.. تحققت معه علة الحكم في عقد الصلح وإمضائه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه والبررة.



    الصفحة التالية >>

    تعليق


    • #3
      رد : رداً على فتوى جواز الصلح

      ليس بالضرورة ان ان يكون من افتى بجواز الصلح هو من علماء السلطان ,بل الصحيح ان معظم هؤلاء من اهل السنة مثل بن باز والالباني والعبيكان قياسا على النصوص العامة ولان مصلحة المسلمين تقتضي ذلك وهناك شواهد من التاريخ الاسلامي على ذلك ,واذا قلنا بعدم جواز ذلك فسينطبق ذلك على جميع الدول التي ضمت اليها جزءا من اراضي المسلمين مثل الاندلس وروسيا وسنغافورا التي كانت جزءا من ماليزيا الاسلامية والكثير من اراضي المسلمين في فترات متباعدة وفي هذا حرج كثير على المسلمين في محاربة كل هولاء

      تعليق


      • #4
        رد : رداً على فتوى جواز الصلح

        المشاركة الأصلية بواسطة abo-ahmed
        ليس بالضرورة ان ان يكون من افتى بجواز الصلح هو من علماء السلطان ,بل الصحيح ان معظم هؤلاء من اهل السنة مثل بن باز والالباني والعبيكان
        هل فعلا قال الألباني رحمه الله بذلك ؟

        تعليق

        جاري التحميل ..
        X