إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الاعجاز العلمي في القرآن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاعجاز العلمي في القرآن

    [size=3][font=Arial]اخواني الكرام:
    ارجو قراة هذا الموضوع بعناية (لكاتبه) وارجو الرد باقبول او الرفض بمضون علمي شرعي كما ارجو الرد من اصحاب العلم الشرعي مأجورين[/font]
    [/size]


    الإعجاز العلمي في القرآن
    وهم صنعته عقدة النقص عند المسلمين
    القرآن كتاب دين وهداية وليس كتاب فيزياء أو كيمياء
    خالد منتصر

    القرآن كتاب دين وهداية وليس كتاب كيمياء أو فيزياء، وإنكار الإعجاز العلمي في القرآن ليس كفراً ولا هو إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة، فالقرآن ليس مطلوباً منه ولا ينبغي له أن يكون مرجعاً في الطب أو رسالة دكتوراه في الجيولوجيا، والآن نستطيع أن نقول وبكل راحة ضمير وانطلاقا من خوفنا سواء على الدين أو على العلم أن الإعجاز العلمي في القرآن أو الأحاديث النبوية وهم وأكذوبة كبرى يسترزق منها البعض ويجعلون منها ”بيزنس“، وأن عدم وجود إعجاز علمي لا ينتقص من قدر القرآن ككتاب مقدس وعظيم ومعجز أيضاً ولكنه إعجاز الأفكار العظيمة التي تحدث عنها، والقيم الجليلة التي بشر بها، والثورة التي صنعها والتي كانت شرارتها الأولى العقل واحترامه وتبجيله، ومن يروجون للإعجاز العلمي لا يحترمون هذا العقل بل يتعاملون معنا كبلهاء ومتخلفين ما علينا إلا أن نفتح أفواهنا مندهشين ومسبحين بمعجزاتهم بعد كلامهم الملفوف الغامض الذي يعجب معظم المسلمين بسبب الدونية التي يحسون بها وعقدة النقص التي تتملكهم والفجوة التي مازالت تتسع بيننا وبين الغرب فلم نعد نملك من متاع الحياة إلا أن نغيظهم بأننا الأجدع والأفضل وأن كل ما ينعمون به وما يعيشون فيه من علوم وتكنولوجيا تحدث عنها قرآننا قبلهم بألف وأربعمائة سنة، كل هذا الكلام يرددونه وبجرأة وثبات وثقة يحسدون عليها ذلك كله يتم بالرغم من أن الرد بسيط والمنطق مفحم ولا يحتاج إلى جدل فبرغم وجود القرآن بين أيدينا كل هذه السنين فمازلنا أكثر الشعوب فقراً وجهلاً وتخلفاً ومرضاً، ومازلنا نستورد العلم والتكنولوجيا من هؤلاء الكفرة ونستخدم الدش والتليفزيون والفيديو والإنترنت وهى بعض من منجزاتهم نستغلها ونسخرها للهجوم عليهم وعلى ماديتهم ومعايرتهم بجهلهم بالإعجاز العلمي، والمشكلة أننا الأفقر والأجهل والأمرض وكل أفاعل التفضيل المهينة تلك لأننا لم نتبع الخطوط العريضة التي وضعها لنا القرآن والقيم الرفيعة التي دعا إليها من عدل وحرية وتفكر وتدبر في الكون وسعى وعمل وجد واجتهاد، وليس السبب في تأخرنا كما يقول حزب زغلول النجار وشركاه أننا لم نقرأ جيداً الإعجاز العلمي، فالقرآن شرح لنا طريق الهداية والخلاص ووضع لنا العلامات الإرشادية ولكنه لم يسع أبداً إلى شرح التكوين الإمبريولوجى للجنين ولا إلى تفسير التركيب الفسيولوجي للإنسان ولا إلى وضع نظريات الفلك والهندسة وعلم الحشرات، والرد المنطقي الثاني على جمعية المنتفعين بالإعجاز العلمي هو أن منهج تناولهم للكشوف والتنبؤات العلمية للقرآن منهج مقلوب ومغلوط فنحن ننتظر الغرب الكافر الزنديق حتى يكتشف الاكتشاف أو يخرج النظرية من معمله ثم نخرج لساننا له ونقول كنت حأقولها ما هي موجودة عندنا بين دفتي القرآن ونتهمهم بالغباء والمعاندة والتكبر ولا نسأل أنفسنا إذا كانت تخريجاتهم ودعبساتهم في القرآن الكريم التي يقولون عنها إعجاز علمي بهذا الوضوح فلماذا لم يحدث العكس فتخرج النظريات بعد دراسة القرآن ونسبق بها الغرب ونغيظهم ونقهرهم بعلمنا الفياض بدلاً من الانتظار على محطة الكسل المشمسة المخدرة كل منا يعبث في لحيته ويلعب في أصابع قدميه وبفلى في رأس جاره متربصين بالكشوف والقوانين والإنجازات الغربية التي ما أن تمر علينا حتى نصرخ دي بتاعتنا يا حرامية مع أن الحقيقة أننا نحن اللصوص المتطفلين على موائدهم العلمية العامرة ؟!!، وللأسف نظل نحن المسلمين نتحدث عن العلاج بالحجامة وبول الإبل وحبة البركة وهم يعالجون بالهندسة الوراثية ويقرأون الخريطة الجينية، ونظل حتى هذه اللحظة غير متفقين على تحديد بدايات الشهور الهجرية فلكياً بينما هم يهبطون على سطح القمر ويرتادون المريخ ويراقبون دبة النملة من خلال أقمارهم الصناعية.

    الإعجاز العلمي خطر على العلم وعلى الدين كما ذكرنا وذلك للأسباب التالية :

    • منهج العلم مختلف عن منهج الدين، وهذا لا يعيب كليهما ولا يعنى بالضرورة أن النقص كامن في أحدهما، فالمقارنة لا محل لها ومحاولة صنع الأرابيسك ”العلمدينى“ بتعشيق هذا في ذاك محاولة محكوم عليها بالفشل مقدماً، فالعلم هو تساؤل دائم أما الدين فيقين ثابت، العلم لا يعرف إلا علامات الاستفهام والدين لا يمنح إلا نقاط الإجابة، كلمة السر في العلم هي القلق أما في الدين فهي الاطمئنان، هذا يشك وذاك يحسم، وكل القضايا العلمية المعلقة والتي تنظر الإجابات الشرعية لن تجد إجاباتها عند رجال الدين لسبب بسيط هو أن من عرضوها منتظرين الإجابة قد ضلوا الطريق فالإجابة تحت ميكروسكوب العالم وليست تحت عمامة الفقيه، والعلم منهجه متغير وقابل للتصديق والتكذيب ويطور من نفسه بمنطقه الداخلي وربطه بالدين يجعل الدين عرضة للتصديق والتكذيب هو الآخر، ويهدد العقيدة الدينية بتحويلها إلى مجرد قارب يمتطيه المتاجرون بالدين معرض ببساطة للعواصف والأمواج تأخذه في كل اتجاه، ويتحول الدين إلى مجرد موضوع ومعادلة ورموز من السهل أن تتغير وتتغير معه معتقدات المؤمنين ببساطة ويتملكهم وسواس الشك ويأخذ بتلابيبهم ويزعزع إيمانهم، وكذلك جر العلم من المعمل إلى المسجد يجعل معيار نجاح النظرية العلمية هو مطابقته للنص الديني سواء كان آية أو حديث نبوي وليس مطابقته للشواهد والتجارب العلمية والمعملية، فتصبح الحجامة هي الصحيحة علمياً وجناح الذبابة هو الشافي طبياً وبول الإبل هو الناجع صحياً لمجرد أن هذه الوسائل وردت في أحاديث نبوية، ويصير العسل دواء لمرض البول السكري بدون مناقشة لأعراضه الجانبية في هذه الحالة ذلك لأن المفسرين جعلوا منه شفاء قرآنياً لكل الأمراض، ويصمت الجميع خوفاً من اتهامات التكفير وإيثاراً للسلامة لأن الطوفان عالي والجميع يريد تصديقه.

    • هذا الخلط بين الدين والعلم من خلال تضخيم حدوتة الإعجاز العلمي المخدرة تغرى رجل الدين بالتدخل في شئون العلم وتعطيل تقدمه وشل إنجازاته، والأمثلة كثيرة على هذا التعطيل في بلادنا المسلمة فهذه النظرة الكوكتيل التي تنظر من خلال عمامة رجل الدين إلى الأمور العلمية هي التي عطلت قانون زرع الأعضاء حتى هذه اللحظة في مصر، وهى التي تقنع البعض بأن ختان الإناث فريضة دينية، وتجعل معظم رجال الدين يتشبثون برؤية الهلال كوسيلة لتحديد بدايات الشهور الهجرية برغم التقدم الهائل في علوم الفلك... الخ، والأخطر أنها تجعل علماء المسلمين دراويش في مولد أو كودية زار، فيجهدون أنفسهم في دراسة فوائد الحجامة أو يؤلفون رسالة دكتوراه في فوائد بول الإبل... الخ، يمارسون كل ذلك وهم يعرفون تمام المعرفة أنهم يكذبون ويدجلون ويمارسون شعوذة لا علماً ويؤلفون نصباً لا إبداعاً، ويركنون إلى الدعة والتراخي والترهل فيكفيهم أنهم أصحاب العلم اللدنى لدرجة أن البعض فسر تقدم الغرب العلمي بأن الله قد خدمنا وسخرهم لخدمة المسلمين يعنى هم يتعبوا وإحنا ناخد على الجاهز !!.

    القرآن كتاب سماوي محكم وشامل، أحدث ثورة وتغييراً شاملاً في مجتمع صحراوي بدوى ضيق ومنه إلى الكون كله، ولكي تحدث هذه الثورة كان لابد أن يتكلم القرآن مع أصحاب هذا المجتمع البدوي بلغته ومفاهيمه بما فيها المفاهيم العلمية السائدة في هذا الوقت، ومهما كانت هذه المفاهيم والأفكار العلمية ساذجة أو مغلوطة بمقاييسنا العصرية فإنها كانت ضرورة وقتها وإلا لكنا أمام كتاب ألغاز غامض وليس كتاباً دينياً هادياً ومرشداً ولابد أن يكون واضحاً لكي يقنع ويهدى ويرشد، ولا يعنى وجود هذه الأفكار أن القرآن منقوص ففي اعتقادي أن وجود هذه المفاهيم هي دليل قوة لأنها تحترم مبدأ هاماً وترسخه وهو أن الدين الإسلامي وكتابه الجليل الكريم المقدس يتفاعل مع الواقع بقوة وحميمية وهذه هي معجزته الحقيقية فهو ليس ألواحاً أو أوامر قبلية تهبط فجأة مجتمعة ومتكاملة بدون وضع أدنى اعتبار للبشر الذين سينفذون أو الواقع الحياتي الذي سيحتوى ويتفاعل مع هذه الأوامر والنواهي والأفكار، ويؤيد كلامي هذا علوم القرآن المختلفة مثل أسباب النزول والناسخ والمنسوخ.... الخ التي تشير كلها إلى الصفة التفاعلية مع الواقع التي يحملها القرآن، وهو ما ينفى عنه أنه كتاب تنجيم علمي وألغاز كونية تستعصي على الفهم ولن تحل إلا بعد ألف سنة، فالقرآن قد نزل للتفهيم وليس للتعجيز، وما يفعله بهلوانات الإعجاز العلمي من لوى لعنق الألفاظ وتعسف في تفسيرها للدلالة على الإعجاز العلمي هو تعارض وتناقض مع جوهر فكرة القرآن الذي يخاطب ويلتحم بالواقع ويتفاعل معه.

    فكرة أنه لا يوجد في القرآن إعجاز علمي فكرة قديمة ليست وليدة اليوم ولست أنا أول من رددها ولكن رددها من قبل أناس لا يمكننا أن نشكك في إسلامهم وغيرتهم على دينهم، وقد أحس الكثير من المفكرين المسلمين المستنيرين بخطر هذه المحاولة المتعسفة التي تحمل بداخلها ديناميت شديد الانفجار وأول ما سيفجره هذا الديناميت هو الدين نفسه، ومنذ أكثر من نصف قرن هاجم الشيخ الراحل الإمام الأكبر محمود شلتوت هذه المحاولات وسخر منها قائلاً لسنا نستبعد إذا راجت عند الناس في يوم ما - نظرية دارون مثلاً - أن يأتي إلينا مفسر من هؤلاء المفسرين الحديثين فيقول أن نظرية داروين قد قال بها القرآن الكريم منذ مئات السنين، ورفض الشيخ شلتوت في كتابه تفسير القرآن الكريم ص 13 عن التفسير بالإعجاز العلمي قائلاً ”إن هذه النظرة لقرآن خاطئة من غير شك، أولاً : لأن الله لم ينزل القرآن ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف، ثانياً : لأنها تحمل أصحابها والمغرمين بها على تأويل القرآن تأويلاً متكلفاً يتنافى مع الإعجاز ولا يستسيغه الذوق السليم، ثالثاً : لأنها تعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير فقد يصح اليوم في نظر العلم ما يصبح غداً من الخرافات“، انتهى كلام الشيخ شلتوت فهل يكفره تجار الإعجاز العلمي ودجالوه ؟!، تحدث الشيخ وكأنه يتنبأ بما سيفعله بنا د. زغلول النجار بصفحته المفروشة التي تؤجرها له الأهرام كل يوم اثنين والتي لم تتوفر لعمالقة الفكر المصري طوال تاريخه ولكنه زمن الدروشة الذي جعل صوت العقل أخرس ويد التنوير مشلولة وتجار الدين مليارديرات ونجوم فضائيات وسماسرة فتاوى، المهم أن شيخنا الجليل قد تصدى لمحاولات مروجي وهم الإعجاز العلمي ونجح وقتها لأن هذه المحاولات كانت مجرد بذور جنينية ولم تكن قد انتظمت في شكل تيار كاسح وحزب شرس كما هو الحال الآن وفى حلقة الأسبوع القادم سنتحدث عن معركة د. بنت الشاطئ ضد سماسرة الإعجاز العلمي ونستكمل الرد عليهم.

    كانت أعنف المعارك حول الإعجاز العلمي للقرآن المعركة التي خاضتها د. بنت الشاطئ ضد د. مصطفى محمود في أوائل السبعينات وبالتحديد في أهرام الجمعة شهري مارس وأبريل، وملاحظة سريعة على تغير الزمن والفكر والمنطق ففي نفس الجريدة بعد أكثر من ثلاثين سنة وفي عصر هستيريا الدروشة يحتل د. زغلول النجار أضعاف مساحتها ليزيف وعي البسطاء بنفس الحديث المكرر الساذج الذي هاجمته المفكرة الجريئة بنت الشاطئ وهي ترد على مقالات مصطفى محمود في مجلة صباح الخير وكأن عقارب الزمن في مصر المحروسة ثابتة محنطة في مكانها لا تتحرك.

    كانت بنت الشاطئ في مقالاتها في منتهى العنف وكأنها كانت تتنبأ بما سيحدث من سيطرة لجيش الإعجاز العلمي الذي كون هيئة ومؤسسة ميزانيتها جبارة تفوق ميزانية دولة بكاملها، وسأقتبس هنا عباراتها الحادة الجامعة المانعة التي ردت بها على مصطفى محمود وحزب الإعجاز العلمي الذي كان مازال في مهده حينذاك ولم يتحول إلى سرطان بعد.

    تكتب بنت الشاطئ في المقدمة عن كيفية التعامل مع القرآن فتقول ”لابد أن يكون فهمنا لكتاب الإسلام محرراً من كل الشوائب المقحمة والبدع المدسوسة، بأن نلتزم في تفسيره ضوابط منهجية تصون حرمة كلماته فنرفض بها الزيف والباطل، ونتقى أخذة السحر،وفتنة التمويه، وسكرة التخدير“، وتحذر من أن ”الكلام عن التفسير العصري للقرآن يبدو في ظاهره منطقياً ومعقولاً يلقى إليه الناس أسماعهم، ويبلغ منهم غاية الإقناع، دون أن يلتفتوا إلى مزالقه الخطرة التي تمسخ العقيدة والعقل معاً، وتختلط فيها المفاهيم وتتشابه السبل فتفضي إلى ضلال بعيد، إلا أن نعتصم بإيماننا وعقولنا لنميز هذا الخلط الماسخ لحرمة الدين المهين لمنطق العصر وكرامة العلم“، والبعض رد بالطبع على د.بنت الشاطئ وهاجمها متعجباً ومتسائلاً ”هي زعلانه من إيه، هو فيه حد يزعل من إن كتابه الكريم يحتوى على نبؤات وتفسيرات علمية“ !!، وترد الكاتبة على من يدقون طبول الجهل محاولين إسكات صوت الحجة بالضوضاء وليس بالإقناع والمنطق وتصفها بأنها فكرة سامة فتقول ”الدعوة إلى فهم القرآن بتفسير عصري - علمي - على غير مابينه نبي الإسلام، تسوق إلى الإقناع بالفكرة السامة التي تنأى بأبناء العصر عن معجزة نبي أمي بعث في قوم أميين، في عصر كان يركب الناقة والجمل لا المرسيدس والرولزرويس والبوينج وأبوللو، ويستضئ بالحطب لا بالكهرباء والنيون، ويستقى من نبع زمزم ومياه الآبار والأمطار لا من مصفاة الترشيح ومياه فيشي ومرطبات الكولا !!، ونتورط من هذا إلى المنزلق الخطر، يتسلل إلى عقول أبناء هذا الزمان وضمائرهم، فيرسخ فيها أن القرآن إذا لم يقدم لهم علوم الطب والتشريح والرياضيات والفلك والفارماكوبيا وأسرار البيولوجيا والإلكترون والذرة فليس صالحاً لزماننا ولا جديرا بأن تسبغه عقليتنا العلمية ويقبله منطقنا العصري“.

    هكذا وضعت هذه المفكرة الإسلامية الجريئة يدها على مكمن الخطر فالقرآن طبقاً للإعجاز العلمي وتفسيراته سيصبح هو قبلة العلم والتي سيصدم من اتجهوا إليها إذا لم يجدوا فيها ضالتهم العلمية ويغيروا اتجاه بوصلتهم الإيمانية، وهنا يصبح القرآن دمية في أيدي المهرجين يدوسون على أزرارها لتتحرك كما يشاءون وكما يوسوس لهم هواهم وليس كما يقصد القرآن، وتشبه الكاتبة الإسلامية دعاة ومدعى الإعجاز العلمي بحواة الموالد الشعبية فتقول ”الذي لا أفهمه، وما ينبغي لي أن أفهمه، هو أن يجرؤ مفسرون عصريون على أن يخرجوا على الناس بتفاسير قرآنية فيها طب وصيدلة وطبيعة وكيمياء وجغرافيا وهندسة وفلك وزراعه وحيوان وحشرات وجيولوجيا وبيولوجيا وفسيولوجيا ...الخ، إلا أن أتخلى عن منطق عصري وكرامة عقلي فآخذ في المجال العلمي بضاعة ألف صنف معروضة في الأسواق !، و إلا أن أتخلى عن كبرياء علمي وعزة أصالتي فأعيش في عصر العلم بمنطق قريتي حين يفد عليها الباعة الجوالون بألف صنف، يروج لها ضجيج إعلاني بالطبل والزمر عن كل شيء لكل شيء، أو بتاع كله في فكاهتنا الشعبية الساخرة بالادعاء“.

    تشبيه بنت الشاطئ لدعاة الإعجاز العلمي بالحواة هو تشبيه دقيق ومهذب فالتشبيه الأكثر دقة هو أنهم نصابون متاجرون بمشاعر المسلمين المتعطشين لأي تفوق أو انتصار علمي في عصر هم فيه في مؤخرة العالم، ويكفى هذا الدليل البسيط المسمى بإعجاز بيت العنكبوت والذي ردت عليه الكاتبة بشكل منطقي وواضح ولا يحتمل اللبس مما جعلهم يقعون في حيص بيص ويتحولون إلى مسخرة ويتعرون أمام مؤيديهم، والمسألة ببساطة أن دعاة الإعجاز العلمي اكتشفوا في تأنيث القرآن للعنكبوت إعجازاً علمياً في قوله تعالى ”مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً“، وتبنى د. مصطفى محمود هذا الرأي وأعتبره من الإعجاز العلمي قائلاً ”لأن العلم كشف مؤخراً أن أنثى العنكبوت هي التي تنسج البيت وليس الذكر، وهى حقيقة بيولوجية لم تكن معلومة أيام نزول القرآن“، وترد د. بنت الشاطئ ساخرة أنه وقع في خطأ لا يقع فيه المبتدئون من طلاب اللغة العربية فالقرآن في هذه الآية يجر ي على لغة العرب الذين أنثوا لفظ العنكبوت من قديم جاهليتهم الوثنية، كما أنثوا مفرد النمل والنحل والدود، فلم يقولوا في الواحد منها إلا نملة ونحلة ودودة، وهو تأنيث لغوى لا علاقة له بالتأنيث البيولوجى كما توهم المفسر العصري، فأي عربي وثن ي من أجلاف البادية كان ينطقها هكذا فأين الإعجاز العلمي في هذا الكلام ؟!، والمصيبة أن المفسر العصري يوقع نفسه في فخ يقرب المسلم من الكفر وليس من الإيمان نتيجة البلبلة والتناقض و”أللخبطة“ التي يقع فيها، فالقرآن الذي يصف بيت العنكبوت بالوهن والضعف يأتي المفسر العصري تحت شهوة الإعجاز العلمي فيهدم المعبد على س اكنيه ويصرح بأن ”خيط العنكبوت أقوى من مثيله من الصلب ثلاث مرات وأقوى من بيت الحرير وأكثر مرونة“ ص 211 كتاب التفسير العصري لمصطفى محمود !!!، وعلى هذا المنوال يمضى إمام الإعجاز العلمي في كتابه فيستنبط الإعجاز العلمي من قوله تعالى ”أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً" بأنه لا تفسير لها إلا أن تكون الأرض كروية دوارة نصفها ليل ونصفها نهار! ص 146، وهذا تفسير في منتهى التعسف فقد جرى على لسان العرب آتيك ليلاً أو نهاراً دون أن يدعى أعرابي أنه قد أتى بالإعجاز العلمي، أما ثالثة الأثافي فهي استنباطاته العلمية من آية آل عمران ”أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السنوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون“، فقد توصلت عبقريته الإعجازية إلى ما لم يخطر على عقل بشر فقد استنبط منها كل هذه القوانين ”قانون الضغط الأوسموزى وقانون التوتر السطحي وتماسك العمود المائي والتوازن الأيوني وقانون التفاضل الكيميائي بين هرمون وهرمون وقانون رفض الفراغ والفعل ورد الفعل"! وضع أنت كل ما تريد من علامات تعجب، وأرجوك أخبرني قارئي العزيز بالله عليك كيف توصل هؤلاء العباقرة الأفذاذ من هذه الآية إلى كل هذه القوانين دفعة واحدة ولك من ي مليون جنيه بدون ال إتصال بزيرو تسعمية وذلك إذا فهمت وأفهمتني فأنا كما يقول المثل الشعبي غلب حماري !.

    كانت هذه هي معركة بنت الشاطئ مع مصطفى محمود، والتي لجأت إلى مقالاتها لحل معركة داخلية ومشكلة شخصية فكرية كادت تعصف بي كان محورها ما آمنت به حينذاك من إعجاز علمي وما حدث بعدها من زعزعة لهذا الإعجاز جعلتني أطلب الحل وأبحث عن التفسير وكان الحل والتفسير أنه لثبات الإيمان وترسيخه لابد أن نقول أنه لا يوجد إعجاز علمي في القرآن وأنه كتاب دين تعامل مع معارف وعلوم عصره فقط، وهذه هي قصة معركتي الداخلية الشخصية التي تصلح دلالة على خطورة الربط بين النسبي وهو العلم بالمطلق وهو الدين.

    مازلت أذكر عندما كنت صغيراً أذهب بصحبة أبى إلى مسجد قريتنا في دمياط يوم الجمعة، المشهد محفور في الذاكرة كأنه الأمس القريب خطيب كفيف جهير الصوت يكرر ما يقوله كل أسبوع من أدعية مسجوعة وإنذارات للمصلين بالجحيم والثعبان الأقرع، حتى الأخطاء النحوية كانت تتكرر بنفس الكم ونفس الإيقاع ولكن أهم ما علق في الذاكرة حتى الآن مما كان يكرره الشيخ في كل خطبه هو تفسيره للآية رقم 34 من سورة لقمان ”ويعلم ما في الأرحام” والتي كان صوته يتهدج حينها بالتحدي لكل من يتجرأ على القول بأنه يستطيع أن يكشف عن جنس الجنين وهو بداخل الرحم فقد كان العلم في الآية يفسر عنده على أنه العلم هل الجنين ذكر أم أنثى؟، وعرفت بعدها عندما قرأت تفسير الطبري بأن شيخنا معذور فهذا هو ما كتب في هذا التفسير وغيره من التفاسير، وكنت وقتها مبهوراً بالشيخ وأشجع فيه قدرته على التحدي، وعندما كبرت ودخلت كلية الطب كان جهاز الموجات فوق الصوتية ”السونار“ وقتها هو أحدث الموضات في التكنولوجيا الطبية، وعرفت من خلال دراستي قدرته على تحديد نوعية جنس الجنين، ولكن بعض الأخطاء البسيطة التي حدثت في تحديده من أطباء الأشعة جعلتني اهتف سبحان الله وأخرج لساني لأغيظهم وظللت على يقيني وتأييدي لشيخ قريتنا في دمياط، وعندما تخرجت تزامن وقت تعييني طبيباً مع الضجة التي حدثت حول جنس الطفل القادم للأمير تشارلز والأميرة ديانا وعرفت أنه قد تم تحديده في بدايات الحمل الأولى بواسطة عينة من السائل الامنيوسى المحيط بالجنين وقد بلغت دقة هذا التحليل نسبة مائة في المائة وبدأت السنة الزملاء هي التي تخرج لإغاظتي وبدأ يقيني وتأييدي لشيخ قريتنا يهتز رويداً رويداً، وعندما تمت ولادة طفلي الأولى داعبني زميلي طبيب النساء والولادة بقوله ”ما كنت تقولنا علشان نولده هناك في أمريكا وهم يشكلوه زى مانت عايز“، وكانت ثورة الهندسة الوراثية واللعب بالجينات قد بدأت تغزو العقول وتسيطر على جميع المنتديات والمجلات العلمية، وبدأت أتجنب الحديث مع الزملاء وبدأ يقيني وتأييدي لشيخ قريتنا ينهار، وهاجمني زلزال الشك حتى تصدعت الروح وتساءلت : أين الإعجاز العلمي الذي عشت في كنفه أقرأ عنه وأفاخر به الأجانب الغرباء الذين لا تحتوى كتبهم الدينية على مثل هذا الإعجاز الذي سبقنا به العلم منذ ألف وأربعمائة سنة، والتمست النجدة عند شيخنا الشعراوى لعله يكون طوق النجاة فاستمعت إلى حديثه التليفزيوني الذي يدافع فيه عن الإعجاز العمى في هذه الآية بالذات ويقول : إلا أن الله لم يكن يقصد الذكر والأنثى وإنما يعلم ما في الأرحام يعنى يعلم مستقبلهم وأغلقت جهاز التليفزيون حفاظاً على ما تبقى من قواي العقلية لأنه حاول الخروج من الفخ بتعسف واضح !، وهنا كان الخطر الذي ينطوي عليه التلاعب بمثل هذه الكلمات من أمثال ”الإعجاز العلمي في القران“، فالقرآن كما ذكرنا من قبل ليس كتاباً في الفيزياء ولا البيولوجيا ولا الجيولوجيا، وليس مطلوباً منه ذلك، ولكنه كتاب ديني يضع ضوابط وخطوطاً عامة للأخلاقيات والسلوك والمعاملات، ويتعامل مع المطلق والعموميات وربطه بالعلم الذي يتعامل مع النسبي والمتغير فيه خطورة شديدة على الدين وعلى العلم كليهما على السواء، فالدين سيتأثر عندما نربط بين أية ونظرية عملية تثبت عدم صحتها بعد فترة، والعلم أيضاً سيتأثر عندما نكبح جناحه ونخلخل منهجه الأساسي وهو منهج التساؤل الدائم والقلق المستمر، فالدين اكتفاء والعلم ظمأ، الدين إنسان يعيش في يقين حاد والعلم مريض بالشك المزمن، الدين يجمع في جعبته أقصى ما يستطيع من البديهيات والعلم يلقى أقصى ما يمكنه منها في سلة المهملات، الأول وهو الدين مجاله الأساسي ما وراء الواقع أما الثاني فملعبه الأساسي هو الواقع، وعندما نحاول أن نقرأ الثاني بعيون الأول كنا كمن يحاول أن يرسم لوحة بقوس كمان أو يعزف على العود بفرشاة ألوان، أو يحاول التدريس للمصريين في فصل لمحو الأمية باللغة الصينية !!، كل هذا لا يعنى أنهما على طرفي نقيض، ولا يعنى أيضاً أن كليهما صورة للآخر في المرآة، فكل منهما له مجال للبحث لا تطغى فيه أمواج طرف على شاطئ الطرف الآخر وتنحره، وأيضاً لا يلتهم فيه طرف بأقدامه الأميبية الطرف الثاني ويحاول هضمه وتمثله! ...

جاري التحميل ..
X