( العصفور والغدير المهجور )
يحكى أنّه :
بعد طولِ طيرانٍ عطش العصفور الصّغير ، ومن بعيد شاهد بستاناً فيه شجر كثير ،
قال العصفور في نفسه وهو نحو البستان يطير : لا بدّ أن يكون في هذا البستان الأخضر النّضير نهر يسقيه أو غدير .
بدأ العصفور بالهبوط باحثاً عن ماء عذبٍ نمير ، وجعل حول البستان الأخضر يدور، فلمح غديراً مختفياً بين الأشجار ،
وبعيداً عن العيون والأنظار ، كان الغدير يسقي العشب والزّهر والثّمار .
هبط العصفور الصّغير وإلى البستان أوى ، ثمّ اقترب من الغدير وشرب منه حتّى ارتوى .
حمد العصفور ربَّه وشكر للغدير إحسانه ،
وقال وقد حرّك المعروف قلبه ولسانه : أيّها الغدير يا نور العيون وأعذب أنهار الزّمان،
هل تسمح لي أن أدلّ على مكانك الإنسان ، حتّى ينظرَ الخير والجمال الّّذي نظرتُ ،
ويشكر لك الإحسان والفضل الّذي شكرتُ ، عساك أن تشتهر بالمعروف والجميل ،
فينسى النّاس حديثهم عن نهر النّيل ؟
فالتفت الغدير متبسّماً للعصفور ، وقال لمن أخذه بالنّاس الغرور : يا أيّها الشّاكر دون العالمْ ،
حماك الله من أذى ابن آدم . إن كثرت الأخبار عن النّيل والأحاديث، فاعلم بأنّه يعطي الطّيّب ولكن .. يأخذ الخبيث ،
وهكذا هي الحال في مودّة من ينسى ويغفلْ ، فجلّ الله الّذي لا ينسى الخير منك ويقبل .
ولتعلم أنّ الله تعالى وهو الّذي خلق كلّ ما في هذه الأكوان ، لم ترَهُ عينٌ ولم يدْركه عقل إنسان،
ولكن وسعته قلوب أهل الشّكر والإحسان . فإن يخف النّافعُ فنفعه يدلّ عليه ،
وإن لم يره أحد أو ينظر إليه . فيا سعادة من عاش عمره في صفاء ،
وأخلص عمله فلم يطلب الثّناء .
ويا سعدي إن صفا من الأكدارِ مائي ، وصفا من الرّياء عطائي ... الوعد الحق
في أمان الله
" جليس المؤمنين "
تعليق