ميرفت مسعود.. الاستشهادية الثامنة خلال الانتفاضة المباركة
سرت في خطى حائرة نوعا ما تجاه مخيم جباليا شمال قطاع غزة، لا علم لي بمكان بيت الاستشهادية الثامنة "ميرفت مسعود" التي سجل اسمها في سجل الاستشهاديات الفلسطينيات.
لكن المكان أصبح كالمعلم البارز يدلك عليه الصغير قبل الكبير، الشارات والأعلام تحدد لك أيضا مكان هذا البيت، أما الزقاق الصغير الذي يقع فيه باب البيت فتشدك إليه رائحة القهوة والحطب الذي يجلس بالقرب منه رجلا عجوزا يرتدي الكوفية الفتحاوية..
لم أكن الوحيدة التي دخلت هذا البيت في تلك اللحظة، فالمهنئين بالشهادة لم يكفوا عن قصد المنزل، عندما دخلت ونظرت إلى النساء استطعت بسهولة تمييز أم الشهيدة من بينهن..
كانت أم علاء مسعود تحتضن طفلتها "صابرين" ابنة الأربعة أعوام فهي حبيبة الراحلة "ميرفت"، اختارت أم علاء مكان تتحدث فيه معي عن الشهيدة ميرفت، فأجلستني في الغرفة التي كانت تقضي فيها ميرفت أغلب وقتها تتابع فيها الأخبار وأخرها أخبار مجزرة بيت حانون التي قررت أن تنتقم لشهدائها.
سألت أم علاء -وهي ابنه الأربعين عاما- عن عمر ميرفت فقالت :"في أغسطس الماضي أتمت عامها الثامن عشر، التحقت بالجامعة في السنة الدراسية الأولى بعد نجاحها في الثانوية العامة بدرجة 90 % وانتسبت لكلية العلوم، كانت من أوائل الفصل دائما، حتى أنها جاءت تعتذر لي عن هذا المعدل القليل".
تتابع وهي تتذكر بكرها الجميلة وكيف كانت تراها كل يوم عروس أجمل من اليوم السابق بحسن هندامها وملابسها في البيت :"كانت ميرفت جميلة في كل شيء في هذه الدنيا، في البيت كانت الزاهدة التي رفضت قبل أيام وتحديدا قبل عيد الفطر أن تشتري مثل أخواتها زيا جديدا رغم عرض أمها هذا الأمر عليها أكثر من مرة، فكانت تقول أنها غير محتاجة لهذه الملابس".
أما خارج البيت فقد كانت دائما ميرفت - وهي فتحاوية المبادئ وتعشق أبو عمار- ترتدي الزي الشرعي دون نقاب، لكنها اضطرت لارتداء النقاب يوم تنفيذ العملية، تقول أمها :" كنت أغار من حسن عبادتها، في الليل والنهار وفي كل وقت، بين كل ركعتان كانت تدعو بكل قنوت وإيمان، كنت أفيق أجدها تصلي وأنام وهي تصلي، وتسابقني في الصوم حتى يوم شهادتها الذي لم أنعم فيه بفطور معها كانت صائمة".
داخل ذاكرة أم علاء كان أخر أحاديث الشهيدة، الذي ما زال صداه في أذنيها، وهو إعجاب ميرفت بالمسيرة النسائية لبيت حانون، تقول أم علاء :"عادت يوم المسيرة من الجامعة تحدثني عن بطولات المرأة الفلسطينية التي استطاعت بعزيمتها وقوتها أن تجابه دبابات الاحتلال ومدافعه ورشاشاته الثقيلة، وكيف أن أستاذها في الجامعة قال أن هذا الفعل لم تفعله الخنساء ذاتها".
حياة شهيدة
ككل الفلسطينيين رجالا ونساء، عبرت ميرفت عن أمنيتها بالشهادة مثل ابن عمها الشهيد نبيل مسعود، الذي استشهد لكن مبادئه الوطنية مغروسة في عقل وقلب ميرفت.
ذكريات أم علاء مع يوم شهادة ابنتها بدأت قبل صلاة الفجر عندما فاقت تعد السحور فوجدت ميرفت على سجادة الصلاة كعادتها، إلى أن قرب موعد أذان الفجر فطلبت منها أن تتسحر، وفعلا لبت ميرفت النداء وأكلت خبزة وفلافل صغيرة ورشفة من كأس شاي.
تقول أمها :"داعبتني قليلا ثم طلبت مني الدعاء والرضي الخالص من قلبي عنها بإلحاح شديد"..تتذكر الأم هذه اللحظات فتلوم نفسها على أنها لم تدرك نية ابنتها بالخروج للاستشهاد على أرض بيت حانون.
رحلة الانتقام
بعد شروق الشمس استعدت ميرفت للخروج للجامعة، لكن وجهتها الحقيقة كانت لبيت حانون استعداداً لتنفيذ عملية فدائية انتقاماً للشهداء والجرحى والمحاصرين، جاء عصر اليوم والظن ما زال أن ميرفت في محاضراتها، أم علاء كانت تجلس بالقرب من المذياع تتابع أخبار بيت حانون المحاصرة وجاء النبأ العاجل لحدوث عملية استشهادية ثم تتبع تفاصيل الخبر بأن الشهيد فتاة، سمعت أم علاء شهادة شهود عيان يقولون أن فتاة فلسطينية طلب منها جنود الاحتلال في احدي منازل بيت حانون خلع النقاب فاستجابت ثم طلبوا منها خلع "الجاكيت" فرفضت ثم خدعتهم بالقبول وانحنت قليلا و"طارت" تجاه ستة من قوات الاحتلال وحدث انفجار هائل في المكان.
لم تعلم الأم أي شئ إلى جاء الخبر من إحدى المقاومين في حركة الجهاد الإسلامي، الناشطين في بيت حانون بأن ميرفت هي من قامت بتنفيذ العملية الاستشهادية الثامنة للفلسطينيات.
هذه كانت لقطات من حياة الشهيدة الثامنة في بيت حانون، لكنها لن تكون الأخيرة في قائمة الاستشهاديات الفلسطينيات.
سرت في خطى حائرة نوعا ما تجاه مخيم جباليا شمال قطاع غزة، لا علم لي بمكان بيت الاستشهادية الثامنة "ميرفت مسعود" التي سجل اسمها في سجل الاستشهاديات الفلسطينيات.
لكن المكان أصبح كالمعلم البارز يدلك عليه الصغير قبل الكبير، الشارات والأعلام تحدد لك أيضا مكان هذا البيت، أما الزقاق الصغير الذي يقع فيه باب البيت فتشدك إليه رائحة القهوة والحطب الذي يجلس بالقرب منه رجلا عجوزا يرتدي الكوفية الفتحاوية..
لم أكن الوحيدة التي دخلت هذا البيت في تلك اللحظة، فالمهنئين بالشهادة لم يكفوا عن قصد المنزل، عندما دخلت ونظرت إلى النساء استطعت بسهولة تمييز أم الشهيدة من بينهن..
كانت أم علاء مسعود تحتضن طفلتها "صابرين" ابنة الأربعة أعوام فهي حبيبة الراحلة "ميرفت"، اختارت أم علاء مكان تتحدث فيه معي عن الشهيدة ميرفت، فأجلستني في الغرفة التي كانت تقضي فيها ميرفت أغلب وقتها تتابع فيها الأخبار وأخرها أخبار مجزرة بيت حانون التي قررت أن تنتقم لشهدائها.
سألت أم علاء -وهي ابنه الأربعين عاما- عن عمر ميرفت فقالت :"في أغسطس الماضي أتمت عامها الثامن عشر، التحقت بالجامعة في السنة الدراسية الأولى بعد نجاحها في الثانوية العامة بدرجة 90 % وانتسبت لكلية العلوم، كانت من أوائل الفصل دائما، حتى أنها جاءت تعتذر لي عن هذا المعدل القليل".
تتابع وهي تتذكر بكرها الجميلة وكيف كانت تراها كل يوم عروس أجمل من اليوم السابق بحسن هندامها وملابسها في البيت :"كانت ميرفت جميلة في كل شيء في هذه الدنيا، في البيت كانت الزاهدة التي رفضت قبل أيام وتحديدا قبل عيد الفطر أن تشتري مثل أخواتها زيا جديدا رغم عرض أمها هذا الأمر عليها أكثر من مرة، فكانت تقول أنها غير محتاجة لهذه الملابس".
أما خارج البيت فقد كانت دائما ميرفت - وهي فتحاوية المبادئ وتعشق أبو عمار- ترتدي الزي الشرعي دون نقاب، لكنها اضطرت لارتداء النقاب يوم تنفيذ العملية، تقول أمها :" كنت أغار من حسن عبادتها، في الليل والنهار وفي كل وقت، بين كل ركعتان كانت تدعو بكل قنوت وإيمان، كنت أفيق أجدها تصلي وأنام وهي تصلي، وتسابقني في الصوم حتى يوم شهادتها الذي لم أنعم فيه بفطور معها كانت صائمة".
داخل ذاكرة أم علاء كان أخر أحاديث الشهيدة، الذي ما زال صداه في أذنيها، وهو إعجاب ميرفت بالمسيرة النسائية لبيت حانون، تقول أم علاء :"عادت يوم المسيرة من الجامعة تحدثني عن بطولات المرأة الفلسطينية التي استطاعت بعزيمتها وقوتها أن تجابه دبابات الاحتلال ومدافعه ورشاشاته الثقيلة، وكيف أن أستاذها في الجامعة قال أن هذا الفعل لم تفعله الخنساء ذاتها".
حياة شهيدة
ككل الفلسطينيين رجالا ونساء، عبرت ميرفت عن أمنيتها بالشهادة مثل ابن عمها الشهيد نبيل مسعود، الذي استشهد لكن مبادئه الوطنية مغروسة في عقل وقلب ميرفت.
ذكريات أم علاء مع يوم شهادة ابنتها بدأت قبل صلاة الفجر عندما فاقت تعد السحور فوجدت ميرفت على سجادة الصلاة كعادتها، إلى أن قرب موعد أذان الفجر فطلبت منها أن تتسحر، وفعلا لبت ميرفت النداء وأكلت خبزة وفلافل صغيرة ورشفة من كأس شاي.
تقول أمها :"داعبتني قليلا ثم طلبت مني الدعاء والرضي الخالص من قلبي عنها بإلحاح شديد"..تتذكر الأم هذه اللحظات فتلوم نفسها على أنها لم تدرك نية ابنتها بالخروج للاستشهاد على أرض بيت حانون.
رحلة الانتقام
بعد شروق الشمس استعدت ميرفت للخروج للجامعة، لكن وجهتها الحقيقة كانت لبيت حانون استعداداً لتنفيذ عملية فدائية انتقاماً للشهداء والجرحى والمحاصرين، جاء عصر اليوم والظن ما زال أن ميرفت في محاضراتها، أم علاء كانت تجلس بالقرب من المذياع تتابع أخبار بيت حانون المحاصرة وجاء النبأ العاجل لحدوث عملية استشهادية ثم تتبع تفاصيل الخبر بأن الشهيد فتاة، سمعت أم علاء شهادة شهود عيان يقولون أن فتاة فلسطينية طلب منها جنود الاحتلال في احدي منازل بيت حانون خلع النقاب فاستجابت ثم طلبوا منها خلع "الجاكيت" فرفضت ثم خدعتهم بالقبول وانحنت قليلا و"طارت" تجاه ستة من قوات الاحتلال وحدث انفجار هائل في المكان.
لم تعلم الأم أي شئ إلى جاء الخبر من إحدى المقاومين في حركة الجهاد الإسلامي، الناشطين في بيت حانون بأن ميرفت هي من قامت بتنفيذ العملية الاستشهادية الثامنة للفلسطينيات.
هذه كانت لقطات من حياة الشهيدة الثامنة في بيت حانون، لكنها لن تكون الأخيرة في قائمة الاستشهاديات الفلسطينيات.
تعليق