إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

لاجئو مخيم اليرموك: نحتنا الصخر بأظافرنا وأورثنا أجيالنا الجديدة حب فلسطين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لاجئو مخيم اليرموك: نحتنا الصخر بأظافرنا وأورثنا أجيالنا الجديدة حب فلسطين

    قصة مأساة تتحول لملحمة.. وذكريات أليمة تفتح أفق المستقبل
    أطفال ولدوا بعد النكبة بعقود يحلمون بقرى 48 ويتحرقون شوقا إليها

    لاجئو مخيم اليرموك: نحتنا الصخر بأظافرنا وأورثنا أجيالنا الجديدة حب فلسطين


    حين تحدث المؤرخ الفلسطيني عارف العارف في كتابه "النكبة" عن انطلاق رحلة التهجير الفلسطينية المفعمة بالآلام، بعد معاناة طويلة من القتل والهدم والتدمير والاغتصاب، على أيدي عصابات الهاغانا الصهيونية، وبعد كفاح بطولي قلّ له النظير، قال واصفا المأساة "وكنت ترى الطرقات وقد ازدحمت بالشاحنات والعربات والسيارات.. عربات تجرها الخيول والدواب، والناس مذعورون"، يهيمون على وجوههم في كل اتجاه..

    غير أن رحلة المنكوبين المعذبين المنفيين عن أرضهم بقوة البطش وآلة القتل والدمار، لم تحقق لمن نكبهم في أرضهم وبلادهم لا الأمن ولا الأمان، وظلت قضيتهم حية ملتهبة، يتوارثونها جيلا بعد جيل.. مثلما يتوارثون أسماءهم العائلية وألوانهم وأشكال وجوههم ولهجاتهم المحلية وأنواع المآكل والمشارب وعادات المآتم والزواج والميلاد الجديد..

    يمثل اللاجئون الفلسطينيون في سورية، ثاني أكبر مجموعة فلسطينية في بلاد الشتات، بعد الأردن. ويبلغ عددهم بحسب بعض التقديرات 430 ألفا أو يزيدون قليلا أو ينقصون. ويعتبر مخيم اليرموك أكبر مخيمات الفلسطينيين في سورية، لكن عدد الفلسطينيين في العاصمة دمشق يجاوز نصف عددهم في سائر سورية. وتصل به بعض التقديرات إلى أكثر من 280 ألف لاجئ.

    ولم يبق لمخيم اليرموك سوى الاسم، فهو مدينة بحق داخل العاصمة السورية دمشق، تتباين التقديرات بالنسبة لعدد المقيمين فيه، إذ تصل بهم بعض الإحصاءات إلى ما بين مليون ومليون ومائتي ألف ساكن، عُشرهم فقط، أي ما بين 100 و120 ألفا من الفلسطينيين، والباقون من السوريين.

    ويتآلف الفلسطينيون والسوريون في هذا "المخيم" الضخم، بشكل غريب، ويتقاسمون حلو الحياة ومرها سوية، بحيث لا يكاد المرء يميز بينهم، فهم يدرسون في المدارس والمعاهد والجامعات نفسها، ويعالجون في المستشفيات مع بعض، لا فرق بين هذا وذاك، ويحيون مع بعض، ويتقاسمون السراء والضراء سوية. ولا يتيسر التمييز إلا لخبير عارف بالاختلافات الدقيقة في اللهجات. غير أن الفلسطينيين، بشكل عام، أميل قليلا للمحافظة والتدين من بعض الشرائح من مجتمع أشقائهم، مع أن السوريين أنفسهم في الغالب الأعم متدينون محافظون تلمس ذلك من اللغة المسموعة والملابس وانتشار المساجد في كل مكان.

    وينحدر معظم سكان مخيم اليرموك الفلسطينيين من الأراضي التي احتلت عام 1948. وتسمع من كل من تقابل منهم في المخيم أو خارجه، أنهم مصرون على العودة إلى مدنهم وقراهم، وإلى المساكن التي هجّروا منها، في فلسطين 48، قبل أكثر من نصف قرن، وإلى بساتين الكروم والتفاح والبرتقال وشجر الزيتون، ولا يبالون كثيرا بالتسويات السياسية، التي قد تجري هنا أو هناك، فتمسكهم بحقهم المقدس في العودة لا يكاد يختلف عليه اثنان منهم، مهما تباينت بينهم التوجهات والأفكار.



    مخيم شاب متدفق بالحياة

    ويذهب الباحث الفلسطيني حمد موعد في كتابه القيّم "مخيم اليرموك" إلى أن 61.2 في المائة من سكان المخيم من الفلسطينيين دون الخامسة والعشرين من العمر. أما من هم فوق الخامسة والأربعين من أعمارهم فلا تتجاوز نسبتهم 9.4 في المائة، مما يجعل الأغلبية الساحقة من سكان المخيم من الشباب، أو هم من الأطفال، شباب الغد القريب.

    ويتميز سكان هذا المخيم من الفلسطينيين بالحيوية والنشاط. وبالرغم من ظروفهم الصعبة، باعتبارهم مجتثين من أرضهم الأصلية، بقوة القهر والغلبة وآلة القتل والدمار، فإن نسبة العاطلين عن العمل تقل بينهم إلى ما دون 6.3 في المائة. لكن الحاجة تضطر بعض أطفالهم للعمل مبكرا لمساندة العائلة ماديا، إذ تبلغ نسبة الأطفال العاملين في سن 7 إلى 9 أعوام 3.3 في المائة. وتصل النسبة إلى 27.8 في المائة من الأطفال ممن بلغوا سن 10 إلى 14 عاما، وهي نسبة عالية جدا عالميا، تقتضيها الظروف الصعبة للمهجرين الفلسطينيين.

    وتعمل النسبة الغالبة من اللاجئين الفلسطينيين في سورية، بمن فيهم لاجئو مخيم اليرموك في قطاعي الخدمات والصناعة. إذ كان 67 في المائة منهم يعملون في هذين القطاعين الحيويين في العام 1988. أما في العام 1995 فبلغت النسبة 69 في المائة. أما قطاع التجارة فقلّت النسبة فيه إلى 6.7 في المائة في عام 1988، لكنها زادت زيادة طفيفة إلى 6.8 في المائة في العام 1995.

    ولعل السر في ذلك راجع إلى كون أهل دمشق يتوارثون التجارة بين عائلاتهم الكبيرة، يكادون يحتكرونها دون سواهم من العالمين. ويلاحظ أن من يعمل من الفلسطينيين في قطاع الزراعة محدود جدا، وفي تناقص مستمر، إذ بلغ عام 1995 ما نسبته 1.5 في المائة، وكان في العام 1988 في حدود 1.8 في المائة، وكأنهم يأبون أن يستبدلوا بأرضهم أرضا مهما كانت عليهم عزيزة.



    يتوارثون حب فلسطين والثأر لها أيضا

    "قريتنا يسألني طفلي عنك فماذا أقول.. وما أخبر..؟ يلحّ عليّ.. يضايقني.. يثير لواعج جاهدت عمري ألا تثار.. لكن يا بني ما أذكره همّ وثأر ونار.. ستحمله عبر الدروب.. ذكرى تؤرخ في القلوب. قد تسمع يوما في أرض الاغتراب بأني ضيّعتها.. وما أجدت التشبث بترابها.. لا تصدّق.. فقد كان الصراع غير متكافئ يا ولدي.. والميدان خداع.. لا تصدّق.. قدّمت لقريتي كل فداء.. وناديت، فبغير اسمها لا يحلو النداء.. وتركتها مقهورا، تئن تحت نعال الغرباء. حملت مفاتيحي في جيبي.. وفي قلبي.. وكلّي رجاء. فإن رأيت القهر في عيني حين يحضرني الموت، فاعلم بأن الثأر لم يُؤخذ.. وأن الدور جاءك للفداء".

    تختصر كلمات الأديب العصامي الفلسطيني مطر عبد الرحيم (أبو حسين)، ابن مخيم اليرموك، التي افتتح بها كتابه الرائع "شظايا من عمري"، ما يعتصر قلب كل فلسطيني عاش في الاغتراب، ويخشى أن يموت قبل أن يرى فلسطين، فيحرص أن يتركها حية ملتهبة في قلب ابنه أو بنته، حتى لا يموت في القلوب "ثأر لم يُؤخذ" بعد، وحتى لا يصدأ مفتاح بيت تركه أهله خلفهم، لكنه سكن في سويداء القلب قبل أن يسكن في الجيب.. وإذا كان لابد من الموت في الاغتراب، فإن مطر عبد الرحيم، الذي بدأ الكتابة بعد أن بلغ السبعين من عمره، قد أوصى أبناءه أن يدفنوه "هناك"، فكان عنوان كتابه الأول "ادفنوني هناك: سيرة فلسطيني يحلم بالوطن".

    ويبتدع الفلسطينيون ألف طريقة وطريقة حتى يرث أبناؤهم عنهم حب فلسطين، حتى إنك قد تصادف فتيانا يافعين أو أطفالا لم يبلغوا الحلم بعد، في المخيم المدينة، يهجسون بفلسطين وبها يحلمون، ويجري حبها في دمائهم، وكأنهم في ظل شجرها نشؤوا، وعلى ترابها حبوا ولعبوا، ومن خيرها أكلوا وشربوا.. وما فعلوا ذلك إلا في الخيالات والأحلام، أو رضعوه مع حليب أمهاتهم، فشبوا على حبها، وكأن آباءهم ما اقتلعوا من ترابها، ومازالوا، على العهد دوما، يسكنون قراها وسهلها وجبلها.. إن لم يكن واقعا فعبر الأمل الذي يقهر المستحيل.

    ويلخص الناشط الفلسطيني غسان أحمد شهابي، مدير مؤسسة الشجرة للذاكرة الفلسطينية، طرق الفلسطينيين من سكان مخيم اليرموك وسواه من المخيمات في تثبيت حب فلسطين في قلوب أجيالهم المتعاقبة في ثلاث طرق: هي التربية في البيت على حب الأرض التي هجروا منها، والتعليم الموجه للأطفال لتعريفهم بأصولهم وجذورهم الفلسطينية عامة والمحلية في فلسطين خاصة، حيث يعرف الطفل اسم القرية أو المدينة التي انحدر منها آباؤه وأجداده، وما يميزها عن سواها من القرى، فضلا عن برامج توثيق الذاكرة الشفوية الموجه للفلسطينيين عامة، وللشباب خاصة لربطهم بقضيتهم، دون أن يقلل ذلك من دور سائر الأعمال الأخرى من فنون وآداب وأشكال ثقافية متنوعة.

    ويتحدث الناشط شهابي عن دور العائلة والآباء بالقول "إنهم أمدونا بالروح الوطنية، وخلقوا هذا الانتماء الوطني بداخلنا.. جعلوا فلسطين جميلة في داخلنا، وبفضلهم لم تقدر كل المشكلات السياسية، التي تحدث بين الحين والحين، أن تشوه هذا الانتماء الراسخ في القلوب". ويعتبر أن مؤسسة الشجرة تساند دور العائلة في ربط الأطفال الفلسطينيين بأصولهم، من خلال أعمال عديدة منها مثلا برنامج "ارسم فلسطين" أو "لوّن فلسطين" أو تركيب "بازل" لفلسطين، فضلا عن تقديم القرى الفلسطينية على هيئة قصص مبسّطة للأطفال، فالطفل الدارس في مدرسة القسطل مثلا، كما يقول شهابي، يقرأ قصة تعرفه عن القسطل، ومن أين جاء هذا الاسم، وما حقيقته، ومن هم أبطال معركة القسطل؟، وكذلك الشأن بالنسبة لباقي القرى الأخرى.

    ويتحدث مدير مؤسسة الشجرة عن برنامج إحياء القرى المدمرة، وهي مادة ثقافية تساعد الشاب، كما يقول، على "معرفة قريته، ومعرفة شوارعها، ومعرفة محاصيلها، ومعرفة التجربة الكفاحية والنضالية التي خاضتها، ومعرفة تفاصيلها الكبيرة والصغيرة.. سواء في إطار الآثار أو إطار الجغرافيا أو الإطار التاريخي أو الإطار الاجتماعي والاقتصادي والزراعي الذي كان يميزها". وتتوفر هذه المادة من خلال برامج التأريخ الشفوي، حيث يعتبر كبار السن مصدر المعلومات الرئيس فيها. ويفخر الباحث غسان شهابي بأن مؤسسته نشرت 16 كتابا حتى الآن عن قرى فلسطينية مدمرة مثل لوبيا والطنطورة وطيبة حيفا وكفر كنا وبلد الشيخ.. الخ.

    أما الدكتور نور الدين عبد الرزاق أخصائي الجراحة العامة ومدير مستشفى باسل الأسد التابع للجمعية الخيرية الفلسطينية فيضيف عاملا آخر إلى العوامل التي تشد الفلسطيني إلى أرضه، ففلسطين، لديه، فضلا عن كونها موطن الآباء والأجداد، هي قضية عقدية للمسلم "ففلسطين إسلامية"، كما يقول، "وأنا والحمد لله مسلم، فجزء من التزاماتي وجزء من واجباتي الدينية تقتضي مني التعلق بفلسطين، فهي قبل أن تكون وطني وترابي، وما إلى ذلك، فإن الهم الديني يجعلنا مرتبطين بهذا الوطن".

    ويشعر الدكتور عبد الرزاق بفضل والده عليه إذ يقول إنه وثلاثة أخوة آخرين له هم أيضا أطباء مثله، قد غرس أبوهم فيهم حب فلسطين. ويضيف أن والده كان له شعاره الخاص، الذي نشّأ عليه أبناءه، أن "الحياة كرامة ثم كرامة ثم كرامة".. وهو يرى أن من الكرامة أن يتعلق المرء بوطنه ودينه، وأن يوفّي وطنه ما عليه من واجب المحبة والتعلق به، وأن يبذل جهده في خدمة المهجرين من أبنائه، حتى تتاح لهم فرص العودة إلى الأرض الحبيبة التي هجروا منها.



    صنع في بيته فلسطيناً

    الحديث مع "الختيار" الحاج فوزي الأشقر ذو شجون.. يهيّج الذكرى، ويجعل من الكلمات جمرا حارقا.. يتذكر الحاج فوزي الذي مرّ من عمره حتى الآن 78 عاما، أحداثا جرت قبل نحو ستة عقود وكأنها جرت البارحة أو صباح هذا اليوم.. يغرق في الذكرى.. يستعيد التفاصيل الدقيقة.. يتذكر الآلام والمجازر فيكشف وجهه عن حزن عميق، تشي به تقاطيع الوجه المتعب.. أو يتذكر يوم زواجه، أو يوم انخراطه في البوليس الإنجليزي، وكيف كان الضابط البريطاني يمازحه.. يتذكر مريم اليهودية وشقيقها يوسف، وكيف انتصر عليه حين لوى مسمارا بيده، أو حين لوى قضيب حديد بيديه وأسنانه، وجعل منه حلقة، ألقاها ليوسف المهزوم بكلتي يديه، فأسقط في يد يوسف الذي جاء مفاخرا بقوته.. حين يتذكر ذلك يبتسم ابتسامة عريضة، ويبدو السرور على وجهه، ويشع من عينيه.

    يتذكر الحاج فوزي الأشقر أن عائلته كانت من أصحاب الأراضي.. وأنهم كانوا يبيعون البرتقال في أيام الخصب بالمتر المكعب، لكثرة ما كانت أرضهم تنتج من خير.. لكنه يتذكر أيضا حين سقطت بلدته السموعي بيد اليهود.. يتحدث عن قتاله للعصابات الصهيونية، وكيف كان يستفيد من خبرته العسكرية في المواجهة.. وكيف كان يدرب أبناء قريته على القتال، ولكن بأسلحة بدائية.



    حرقوه وأعطوا رأسه للكلاب

    يتهم الحاج فوزي "جيش الإنقاذ" العربي بأنه كان سببا من أسباب سقوط فلسطين.. يتذكر كيف كان وبعض رفاقه يريدون التسلل لمواجهة العصابات الصهيونية، التي كانت تقترب من قرية السموعي، ومن سواها من القرى الأخرى، لكن "جيش الإنقاذ" كان يمنعهم من ذلك، بل وأحيانا يصادر أسلحتهم البسيطة، بحجة أنه لا توجد أوامر للقتال.

    يتذكر الحاج فوزي بحزن شديد كيف سكب أفراد العصابات الصهيونية البنزين على أحد سكان قرية السموعي، بعد أن استسلم سكانها، لانتهاء ما لديهم من أسلحة وبارود، وكيف ألقوا به في مخزن تبن عند داره، وأشعلوا فيه النار.. ويتذكر والألم يعتصره ويقطع قلبه، كيف رأى الكلاب تتصارع على نهش ما بقي من لحم في رأس الرجل، بعد أن استوى على النار.

    ولأنه حرص على أن يتذكر دائما، ولو كانت الذكرى بمرارة العلقم، فقد صنع لنفسه فلسطينا في بيته.. جمع أشياء كثيرة تذكره بفلسطين.. أدوات "تحميص" القوة وطحنها.. أشياء قديمة مختلفة الأنواع والأغراض والأدوار.. مسك الحاج فوزي بـ"العزام"، ومثّل أمامنا بحركات رشيقة، ونغمات تطرب السامع، لا يتقنها إلا فنان، كيف يعد القهوة.. أطلق على الآلة التي بيديه اسم "عزام"..

    قال إن صوتها وحده يدعو الضيوف أو "يعزمهم" للدخول لشرب القهوة، تعبيرا عن الكرم العربي، الذي أخذ منه أهل فلسطين نصيبا وافرا.. فـ"إذا كنت مارق بالشارع من حد داري وسمعت الصوت.. إذا كان معاك واحد أو عشرة بتفوتوا تشربوا قهوة، من دون ما نقول لكم تفضلوا، ومن دون جميلة.. لأن هذا اسمه عزّام، وهو اللي عم بيعط إلكو".. هكذا قال الحاج فوزي الأشقر، ويداه تمسكان بالعزام وتدقه دقا ناعما متناغما متتابعا لا يقوى عليه شباب اليوم.

    حين سألته عن "العزام" هل جاء به من فلسطين معه أجاب بتلقائية وصدق "لا..لا.. تبع فلسطين... الله لا يوفق إسرائيل.. كان عندنا مثل هاذول، بس يوم اللي أجو ونسفوا الدار طار الجرن والبيت والكل.. ما خلوا شيء بالبلد ولا شيء.. حتى القبور أقاموها من محلّها".. وصمت قليلا وأضاف "هذه شغلة مأخوذة أبا عن جد، وأنا أحاول أحتفظ بتراث أبوي وأمي وستي وبلدي وقرايبي وعاداتنا".

    يعشق الحاج فوزي قرية السموع.. يذوب فيها عشقا وغراما.. يكتب فيها ما يعتبره شعرا، يكشف فيه عن شوقه وولعه بقريته.. يضعه في إطارات بلورية ويعلقه في صدر الصالون المتواضع في بيته في مخيم اليرموك.. منذ أن تصل قدماك باب الصالون تواجهك قصائد الحاج فوزي عن السموعي.. يقول فيها "سلامي إلى السموعي بلدنا، وإلى ميرون والصفصاف وعين التين جيران بلدنا.. يا ريتني نجمة بالسماء فوق السموعي بلدنا.. أشاهد السموعي والعين والبساتين والبيادر والزيتون وكروم العنب".

    وفي واحدة أخرى يقول "شاهدت السموعي تبكي وبدور وبتسأل عن أهلها، ومن عام 47 ما بتعرف وين صاروا أهلها.. كل ما مرت نجمة بالسماء تسألها عن أهلها.. أماني يا نجمة قولي لي وين صاروا أهلنا بعيدين النزل ولا قراب".

    لكن الشاعر يحنّ أيضا إلى القرى القريبة من بلدة السموعي.. يحن إلى بلدة سيرين، وكنت أظنها أول الأمر حبيبته الأولى من النساء، لكثرة حديثه عنها، حتى عرفت أنها قرية كان يعشقها.. وفيها يقول "سلامي إلى سيرين الحبيبة، الجاثمة بين أربع عيون، وبين نقنقة الضفادع وتغريد الطيور، عين التينة وعين القصيب وعين الليمون وعين الكسار".. ويضيف حزينا مكسورا "لو الموت والغائب بالفدوى يرجع لفديت السموعي وسيرين بروحي ومالي وببناتي الثنتين وأولادي الأربعة".

    ودعت أنا ورفيقي الأديب والصحافي الفلسطيني محمد بوعزة (أبو معتز)، الحاج فوزي الأشقر بعد أن شربنا عنده القهوة ودعانا للغداء بإلحاح فرفضنا.. وحين سلم عليّ ضغط يدي بقوة الشباب، حتى لكأنه ابن الخامسة والعشرين.. ودعته وأنا أقول في نفسي "كان الإسرائيليون يمنون أنفسهم بأن يموت الكبار، وأن ينسى الصغار.. ويطيب لهم من بعد ذلك في فلسطين المقام، لكنها كانت أمنيات كاذبات.. فالكبار وإن مات كثير منهم فقد أورثوا الأجيال اللاحقة حب فلسطين.. كل فلسطين. وقرى فلسطين الصغيرة لم تكن معروفة لدى ملايين الفلسطينيين بل والعرب والمسلمين وكثير من الناس في العالم مثلما صارت معروفة لديهم اليوم".

    يعيش الناس في المخيم.. يكبر المخيم، وتتوالى فيه الأجيال.. لكن حب فلسطين يكبر في صدور الناس مثل كرة الثلج، لا تزيدهم الأيام والسنون والعذابات إلا تعلقا بتلك الأرض التي أحبوها وعشقوا ترابها، وحلموا يوما بالعودة إليها والاستظلال بظل زيتونها.. وسيعودون إليها يوما ولو طال الزمن، فلابد من القدس والسموعي والطنطورة ومئات من القرى الأخرى، وإن طال المسير.


    مخيم اليرموك (دمشق) - خدمة قدس برس

  • #2
    رد : لاجئو مخيم اليرموك: نحتنا الصخر بأظافرنا وأورثنا أجيالنا الجديدة حب فلسطين

    تعليق


    • #3
      رد : لاجئو مخيم اليرموك: نحتنا الصخر بأظافرنا وأورثنا أجيالنا الجديدة حب فلسطين

      تحية إكبار وإجلال لأبناء فلسطين في مخيم اليرموك الصامد

      تعليق


      • #4
        رد : لاجئو مخيم اليرموك: نحتنا الصخر بأظافرنا وأورثنا أجيالنا الجديدة حب فلسطين

        بارك الله فيك أخي

        ولكن السؤال أخي إيش حب فلسطين بدو يسوي

        كل المسلمين بتحب فلسطين

        بدنا أعمال ملموسة

        يعني بالعربي بدنا أعمال مللنا كلام فاضي

        اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون

        تعليق


        • #5
          رد : لاجئو مخيم اليرموك: نحتنا الصخر بأظافرنا وأورثنا أجيالنا الجديدة حب فلسطين

          المشاركة الأصلية بواسطة نهاوند
          بارك الله فيك أخي

          ولكن السؤال أخي إيش حب فلسطين بدو يسوي

          كل المسلمين بتحب فلسطين

          بدنا أعمال ملموسة

          يعني بالعربي بدنا أعمال مللنا كلام فاضي

          اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون
          العين بصيرة و اليد قصيرة

          تعليق

          جاري التحميل ..
          X