ليس دفاعاً عن حماس
بقلم عوني صادق
من يتابع خطابات وتصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي ألقاها وأدلى بها منذ أحداث غزة وسيطرة حركة (حماس) فيها، وما يقوله رئيس وزرائه سلام فياض في مقابلاته خصوصا مع الصحف <<الإسرائيلية>>، يلاحظ تلك اللغة <<القوية>> والحاسمة، وأحيانا غير اللائقة، التي يستعملانها عندما يكون الحديث متعلقاً بالموقف من حركة (حماس)، وعلى نحو يطرح التساؤل لدى المواطن الفلسطيني عما ستصل إليه الأمور، ويبعث على القلق الشديد بشأن مستقبل قضيته الوطنية.
ومفهوم <<القوة>> كما هو مفهوم <<الضعف>>، كلاهما مفهوم نسبي، يرتبط دائما بالزمان والمكان والظروف المحيطة والأطراف ذات الصلة، وأحياناً تكون القوة أسوأ من الضعف ويكون الضعف أفضل من القوة إذا ما استعملت القوة في الزمان أو المكان أو مع الطرف الخطأ. لقد كان <<الإسرائيليون>> والأمريكيون هم من وضعوا علامة (ضعيف) أمام اسم الرئيس محمود عباس عندما كانوا يطالبونه بنزع سلاح فصائل المقاومة و <<تدمير البنى التحتية للإرهاب>>، ويضعون ذلك شرطاً لاستئناف <<عملية السلام>> ومن أجل تحقيق <<رؤية>> جورج بوش للدولة الفلسطينية! كنا في ذلك الوقت، كفلسطينيين، نعتقد أن الرئيس عباس كان يرفض هذا المطلب، رغم موقفه المعروف من العمل المسلح، لأنه كان يعرف أن الاستجابة له تفتح باب الحرب الأهلية الفلسطينية التي ستقضي على أي أمل بقيام الدولة الموعودة، فهل ما حدث في غزة، دون التقليل من خطورته، يبرر حقاً فتح هذا الباب الذي سيؤدي بالفلسطينيين جميعاً إلى الهاوية؟
لست هنا للدفاع عن (حماس) وما ارتكبته من أخطاء، بل لعلي كنت من أوائل من حذروا وطالبوها ونصحوها بألا تشارك في انتخابات المجلس التشريعي، لكنها لم تنتصح. وكنت من أولئك الذين طالبوها بالاكتفاء بالمجلس التشريعي وعدم تشكيل الحكومة أو حتى المشاركة فيها، ولم تنتصح. وكنت من الذين رأوا أن <<اتفاق مكة>> لن يصمد بالرغم مما قدمته (حماس) فيه من تنازلات لحركة (فتح) ولمؤسسة الرئاسة، بل وكنت ممن طالبها بالابتعاد عن السلطة قبل <<اتفاق مكة>>. كان اختراع منصب رئيس الوزراء بالصلاحيات التي أعطيت له اختراعاً أمريكياًـ <<إسرائيلياً>>، الغرض منه خلق نظام سياسي هجين يقوم على <<سلطة الرأسين>> تأسيساً للصراع بين الحركتين الكبريين في الساحة الفلسطينية، وصولا إلى ما وصل الوضع إليه بالفعل. ومع عدم الاتفاق مع الموقف الأيديولوجي لحركة (حماس)، يبقى تمسكها بالمقاومة المسلحة العامل الأساسي الذي يبرر تحديد الموقف منها كحركة سياسية وطنية في هذه المرحلة، ويصبح الصدام التناحري معها عملا يخدم مصالح أعداء الشعب الفلسطيني وأعداء قضيته الوطنية، بينما يكون حل التناقض معها ممكناً بل وحتمياً على قاعدة الشراكة في المصلحة الوطنية وعلى أساس الحوار.
رحم الله الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان يقول إنه كلما اشتدت عليه هجمات الاستعمار والصهيونية كان يعرف أنه يسير في الطريق الصحيح. فأين نحن اليوم من هذه الحكمة؟ لقد رحب الرئيس عباس ورحب رئيس وزرائه وكل الناطقين باسم السلطة بدعوة الرئيس جورج بوش إلى لقاء دولي ترأسه وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في الخريف المقبل لبحث استئناف <<عملية السلام>> وسموه <<مؤتمراً دولياً>>، وفي كلمته التي أطلق فيها هذه الدعوة قال بوش بوضوح: الفلسطينيون أمام <<لحظة خيار حاسم>> محذرا من <<أن الوقوف إلى جانب حماس سيقضي>> على إمكان قيام دولة فلسطينية، داعيا إلى نزع سلاح المقاومة. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قد حذر في آخر لقاء له مع الرئيس عباس، في اليوم ذاته الذي أطلق فيه بوش دعوته، من أنه إذا استأنف في المستقبل علاقاته مع (حماس) فإن كل الاتفاقات بينهما ستلغى، مع أنه لم يستجب لأي من طلباته تقريبا وأن (الاتفاقات) التي يتحدث عنها لا تنطوي على شيء يمكن أن يعتبر تغييرا ولو طفيفا في السياسة <<الإسرائيلية>> المتبعة إزاء الضفة الفلسطينية. أما أفرايم سنيه، أحد قادة حزب العمل <<الإسرائيلي>> ونائب وزير الدفاع السابق، فقد كتب في (هآرتسـ 17/7/2007) يقول: إن <<المهمة <<الإسرائيلية>> الأكثر إلحاحا وأهمية الآن هي منع سيطرة حماس على الضفة. ويمكن فعل ذلك بإضعافها بتقدم سياسي مرئي، ومساعدة لأداء ناجع وناجح لعمل حكومة سلام فياض، وخلق شروط لفشل سلطة حماس فشلا ذريعا في غزة>>! ولعل ما نشرته جريدة (معاريف 16/7/2007) عن وصول شحنة كبيرة من السلاح دخلت عبر جسر اللنبي (قبل يومين من تاريخ صدورها) لتوزع على أجهزة أمن الرئيس عباس يأتي في إطار هذا التحضير للحرب المقبلة على سلاح المقاومة في الضفة.
إن ما يشبه التطابق بين <<رؤية بوش وأولمرت>> للوضع الفلسطيني ومخارجه من جهة، وبين <<رؤية عباس وفياض>> لهذا الوضع ومخارجه من جهة أخرى، هو مصدر القلق الشديد الذي يغمر الفلسطينيين الآن بصرف النظر عن رضاهم أو عدم رضاهم عن حماس أو تأييدهم أو معارضتهم لها.
وعندما تتطابق رؤية الفلسطيني لقضيته الوطنية، أيا كان موقعه ومهما كانت مسؤوليته، مع رؤية أعدائه وأعداء قضيته، يصبح لزاماً عليه أن يتيقن أنه على خطأ، وأن عليه أن يراجع نفسه وموقفه، وليس عيباً أن يتراجع عنه بدلا من أن يرتكب ما لا يمكن غفرانه. إن على الرئيس عباس ألا يطمئن أو يعتمد على وعود أولمرت ورايس، أما خلافه مع حماس فيظل قابلا للحل عبر الحوار
بقلم عوني صادق
من يتابع خطابات وتصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي ألقاها وأدلى بها منذ أحداث غزة وسيطرة حركة (حماس) فيها، وما يقوله رئيس وزرائه سلام فياض في مقابلاته خصوصا مع الصحف <<الإسرائيلية>>، يلاحظ تلك اللغة <<القوية>> والحاسمة، وأحيانا غير اللائقة، التي يستعملانها عندما يكون الحديث متعلقاً بالموقف من حركة (حماس)، وعلى نحو يطرح التساؤل لدى المواطن الفلسطيني عما ستصل إليه الأمور، ويبعث على القلق الشديد بشأن مستقبل قضيته الوطنية.
ومفهوم <<القوة>> كما هو مفهوم <<الضعف>>، كلاهما مفهوم نسبي، يرتبط دائما بالزمان والمكان والظروف المحيطة والأطراف ذات الصلة، وأحياناً تكون القوة أسوأ من الضعف ويكون الضعف أفضل من القوة إذا ما استعملت القوة في الزمان أو المكان أو مع الطرف الخطأ. لقد كان <<الإسرائيليون>> والأمريكيون هم من وضعوا علامة (ضعيف) أمام اسم الرئيس محمود عباس عندما كانوا يطالبونه بنزع سلاح فصائل المقاومة و <<تدمير البنى التحتية للإرهاب>>، ويضعون ذلك شرطاً لاستئناف <<عملية السلام>> ومن أجل تحقيق <<رؤية>> جورج بوش للدولة الفلسطينية! كنا في ذلك الوقت، كفلسطينيين، نعتقد أن الرئيس عباس كان يرفض هذا المطلب، رغم موقفه المعروف من العمل المسلح، لأنه كان يعرف أن الاستجابة له تفتح باب الحرب الأهلية الفلسطينية التي ستقضي على أي أمل بقيام الدولة الموعودة، فهل ما حدث في غزة، دون التقليل من خطورته، يبرر حقاً فتح هذا الباب الذي سيؤدي بالفلسطينيين جميعاً إلى الهاوية؟
لست هنا للدفاع عن (حماس) وما ارتكبته من أخطاء، بل لعلي كنت من أوائل من حذروا وطالبوها ونصحوها بألا تشارك في انتخابات المجلس التشريعي، لكنها لم تنتصح. وكنت من أولئك الذين طالبوها بالاكتفاء بالمجلس التشريعي وعدم تشكيل الحكومة أو حتى المشاركة فيها، ولم تنتصح. وكنت من الذين رأوا أن <<اتفاق مكة>> لن يصمد بالرغم مما قدمته (حماس) فيه من تنازلات لحركة (فتح) ولمؤسسة الرئاسة، بل وكنت ممن طالبها بالابتعاد عن السلطة قبل <<اتفاق مكة>>. كان اختراع منصب رئيس الوزراء بالصلاحيات التي أعطيت له اختراعاً أمريكياًـ <<إسرائيلياً>>، الغرض منه خلق نظام سياسي هجين يقوم على <<سلطة الرأسين>> تأسيساً للصراع بين الحركتين الكبريين في الساحة الفلسطينية، وصولا إلى ما وصل الوضع إليه بالفعل. ومع عدم الاتفاق مع الموقف الأيديولوجي لحركة (حماس)، يبقى تمسكها بالمقاومة المسلحة العامل الأساسي الذي يبرر تحديد الموقف منها كحركة سياسية وطنية في هذه المرحلة، ويصبح الصدام التناحري معها عملا يخدم مصالح أعداء الشعب الفلسطيني وأعداء قضيته الوطنية، بينما يكون حل التناقض معها ممكناً بل وحتمياً على قاعدة الشراكة في المصلحة الوطنية وعلى أساس الحوار.
رحم الله الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان يقول إنه كلما اشتدت عليه هجمات الاستعمار والصهيونية كان يعرف أنه يسير في الطريق الصحيح. فأين نحن اليوم من هذه الحكمة؟ لقد رحب الرئيس عباس ورحب رئيس وزرائه وكل الناطقين باسم السلطة بدعوة الرئيس جورج بوش إلى لقاء دولي ترأسه وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في الخريف المقبل لبحث استئناف <<عملية السلام>> وسموه <<مؤتمراً دولياً>>، وفي كلمته التي أطلق فيها هذه الدعوة قال بوش بوضوح: الفلسطينيون أمام <<لحظة خيار حاسم>> محذرا من <<أن الوقوف إلى جانب حماس سيقضي>> على إمكان قيام دولة فلسطينية، داعيا إلى نزع سلاح المقاومة. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قد حذر في آخر لقاء له مع الرئيس عباس، في اليوم ذاته الذي أطلق فيه بوش دعوته، من أنه إذا استأنف في المستقبل علاقاته مع (حماس) فإن كل الاتفاقات بينهما ستلغى، مع أنه لم يستجب لأي من طلباته تقريبا وأن (الاتفاقات) التي يتحدث عنها لا تنطوي على شيء يمكن أن يعتبر تغييرا ولو طفيفا في السياسة <<الإسرائيلية>> المتبعة إزاء الضفة الفلسطينية. أما أفرايم سنيه، أحد قادة حزب العمل <<الإسرائيلي>> ونائب وزير الدفاع السابق، فقد كتب في (هآرتسـ 17/7/2007) يقول: إن <<المهمة <<الإسرائيلية>> الأكثر إلحاحا وأهمية الآن هي منع سيطرة حماس على الضفة. ويمكن فعل ذلك بإضعافها بتقدم سياسي مرئي، ومساعدة لأداء ناجع وناجح لعمل حكومة سلام فياض، وخلق شروط لفشل سلطة حماس فشلا ذريعا في غزة>>! ولعل ما نشرته جريدة (معاريف 16/7/2007) عن وصول شحنة كبيرة من السلاح دخلت عبر جسر اللنبي (قبل يومين من تاريخ صدورها) لتوزع على أجهزة أمن الرئيس عباس يأتي في إطار هذا التحضير للحرب المقبلة على سلاح المقاومة في الضفة.
إن ما يشبه التطابق بين <<رؤية بوش وأولمرت>> للوضع الفلسطيني ومخارجه من جهة، وبين <<رؤية عباس وفياض>> لهذا الوضع ومخارجه من جهة أخرى، هو مصدر القلق الشديد الذي يغمر الفلسطينيين الآن بصرف النظر عن رضاهم أو عدم رضاهم عن حماس أو تأييدهم أو معارضتهم لها.
وعندما تتطابق رؤية الفلسطيني لقضيته الوطنية، أيا كان موقعه ومهما كانت مسؤوليته، مع رؤية أعدائه وأعداء قضيته، يصبح لزاماً عليه أن يتيقن أنه على خطأ، وأن عليه أن يراجع نفسه وموقفه، وليس عيباً أن يتراجع عنه بدلا من أن يرتكب ما لا يمكن غفرانه. إن على الرئيس عباس ألا يطمئن أو يعتمد على وعود أولمرت ورايس، أما خلافه مع حماس فيظل قابلا للحل عبر الحوار
تعليق