إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأدلة على عدم جواز العمليات الاستشهادية من الازهر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأدلة على عدم جواز العمليات الاستشهادية من الازهر

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أقدم لكم اخواني البيان الذي أصدره شيخ الازهر محمد الطنطاوي والذي يبين فية عدم مشروعية وحرمة العمليات الإستشهادية البطولية الذي يقوم بها ابناء شعب فلسطين الصامد ضد الإحتلال الغاصب فهذا البيان يبين لكم ان علماء الدين العرب هم علماء سلاطين يأخذون الأوامر من رؤسائهم ويحللون ويحرمون على اهواءهم فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

    الدليل الأول:
    قوله تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) النساء 29
    دلت الآية على أنه لا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه ولو في سبيل تحقيق غاية شرعية ، لأن النهي هنا عام ولم يستثن شيئا. فمن زعم أن هناك استثناء في حالة العمليات الاستشهادية فقد تقوًل على الله الكذب ،وطعن في النص بالنقصان.

    الدليل الثانى :
    قوله تعالى ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ) المائدة 32
    فسواء قتل المسلم نفسه في العملية الاستشهادية أو قتل نفس غيره في موقف آخر ؛ ففي الحالتين قد قتل نفسا ،وقتل نفس واحدة هي عند الله كقتل الناس جميعا ؛ بنص الآية ؛ فهل يمكن أن يباح لمؤمن أن يفعل شيئا يعدل قتل الناس جميعا ؟

    الدليل الثالث :
    روى البخارى فى صحيحه ..( باب البيعة في الحرب على ألا يفروا ، وقال بعضهم على الموت ) :
    2958-وقال بن عمر رضى الله عنهما : ( ……………………… فسألنا نافعا على أي شيء بايعهم ،على الموت؟ قال لا بل بايعهم على الصبر).
    2959- عن عبد الله بن يزيد قال : (…………لا أبايع على الموت أحد بعد رسول الله).
    قال ابن حجر فى الفتح : ( المراد بالمبايعة على الموت ألا يفروا ولو ماتوا ،وليس المراد أن يقع الموت ولا بد ،وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله بل بايعهم على الصبر )
    قلت: و إنكار نافع رضى الله عنه يدل على عدم جواز المبايعة على فعل يقع به الموت على وجه يقيني لا يداخله أدنى شك كما في حالة العمليات الاستشهادية ، وقول عبد الله بن يزيد رضى الله عنه معناه أنه لن يقبل طلب أي إمام بالمبايعة على الموت ؛ بعد الرسول ؛ لقوله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه ) فلا مجال للنقاش مع أوامر الرسول ، ولو كانت المبايعة على الموت جائزة لقبلها من غير الرسول صلى الله عليه وسلم.

    تفنيد الأدلة التي أجازت العمليات الاستشهادية


    عندما نقول بعدم جواز العمليات الإستشهادية ؛ فليس معنى ذلك أننا نسوى العمليات الاستشهادية بالانتحار ، بل نقول إن القائم بها قد أخطأ ، فنسأل الله أن يتجاوز عن خطئه ، كما وعد سبحانه بقوله ( ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم )
    ورغم أن الأدلة الثلاثة السابقة فيها الكفاية على عدم جواز العمليات الاستشهادية ، إلا انني سأوضح بطلان ما استند إليه العلماء في إباحة هذه العمليات حتى تقوم الحجة كاملة ولا يبقى لمعتذر عذر .

    تفنيد الدليل الأول:
    قال العلماء المجيزون للعمليات الإستشهادية :
    وفي صحيح مسلم [300] من طريق حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة "الملك والساحر والراهب والغلام" .. الحديث وفيه " فقال الغلام الموحد للملك الكافر : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد .. وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال : باسم الله رب الغلام ، ثم رماه فوقع السهم في صُدْغه، فوضع يده في صُدْغه في موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا رب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام ، فأتي الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرُك، قد آمن الناس ، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدّت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق ".
    ففي هذا دليل على صحة هذه العمليات الاستشهادية التي يقوم بها المجاهدون في سبيل الله القائمون على حرب اليهود والنصارى والمفسدين في الأرض.
    فإن الغلام قد دل الملك على كيفية قتله حين عجز الملك عن ذلك بعد المحاولات والاستعانة بالجنود والأعوان.
    ففعلُ الغلام فيه تسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك والجامع بين عمل الغلام والعمليات الاستشهادية واضح فإن التسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك حكمه حكم المباشرة لقتلها. ///
    قلت :
    الاستلال هنا باطل من وجهين:
    الوجه الأول:
    إن ذلك استدلال بشرع من قبلنا على مسألة جاء الحكم فيها واضحا في شرعنا ، فالمعلوم أن الشرائع تنسخ وتتبدل بأمر من الله لرسله ، فما شرع لنا في القرآن من تكاليف لم يشرع لمن كانوا قبلنا ، وما أمر الله به من كانوا قبلنا لم يأمرنا به ، وقد أدى اتباع شرع من كانوا قبلنا إلى مفاسد كثيرة هذه الأيام ، فقد ضل كثير من الناس عندما قعدوا عن الجهاد مسترشدين بشرع نوح عليه السلام الذي لم يؤمر فيه بالقتال ، و اكتفوا بالدعوة السلمية ، وضل آخرون عندما قعدوا عن الجهاد أيضا زاعمين أنهم يتبعون هدى محمد صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة قبل تشريع القتال. فكلا الفريقين تجاهل مسألة نسخ الشرائع ، الأول اتبعوا شريعة من كانوا قبلنا والأخر اتبعوا ما نسخ من شريعتنا ؛ فحادا عن السبيل. فكيف نفعل مثلهم ونسترشد بشرع من قبلنا ؟ وقد جاء الأمر صريحا في شرعنا بقوله تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) ، بالإضافة إلى الأدلة السابق الإشارة إليها .
    الوجه الثانى:
    لو فرضنا أن القصة قد حدثت فى زمن محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه رآها وأقرها ،فهي أيضا لا دلالة فيها :
    فإن الغلام لم يباشر القتل بل شارك بالتسبب فى القتل عن طريق الإرشاد ، بينما قام الملك بمباشرة فعل القتل ، والقائم بالعملية الاستشهادية يباشر فعل القتل بنفسه ، ففعله إذا أقرب إلى فعل الملك وليس الغلام .
    فتأمل عندما تنقلب حجة العالم إلى حجة عليه !!!!

    وحتى أوضح هذا التلبيس الخطير أقول :
    فى حالات الجنايات ( التي يحاول العلماء القياس عليها ) يستوى في الإثم كلا من المباشر للقتل (القاتل) والمشارك بالتسبب فى القتل ( المساعد على القتل بوسيلة ما) . وقياسا على ذلك يحاول علماؤنا أن يقولوا أن المباشر للقتل (القائم بالعملية الاستشهادية) يستوى مع المشارك بالتسبب فى القتل (الغلام).
    وفى الرد أقول :
    فى حالات الجنايات تكون الواقعة واحدة ، أما هنا فهناك واقعتان ؛واقعة الغلام وواقعة العملية الاستشهادية . فكيف نجمع بين واقعتين مختلفتين فى التفاصيل ونقيسهما على واقعة واحدة ؟ كيف نقول أنه مثلما يستوى فى الإثم القاتل فى الجنايات مع صاحبه الذى ساعده ؛فإن القائم بالعملية الاستشهادية يستوى فى الفضل مع الغلام ، رغم أن واقعة الغلام بعيدة كل البعد عن واقعة العملية الاستشهادية ومختلفة تمام الاختلاف؟ وهذا قول عجيب، فلو صح القياس (وهو باطل أصلا) لاستوى الغلام مع الملك أولا قبل أن نحاول أن نساويه بالقائم بالعملية الاستشهادية . ولاستوى القائم بالعملية الاستشهادية مع الملك قبل أن يستوى مع الغلام. فتأمل. فالمسألة هنا تحتاج إلى بعض التدبر حتى تفهم جيدا.

    تفنيد الدليل الثانى:
    قال العلماء المجيزون للعمليات الإستشهادية:
    1– فعل البراء بن مالك في معركة اليمامة ، فإنه اُحتمل في تُرس على الرماح والقوة على العدو فقاتل حتى فتح الباب ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، وقصته مذكورة في سنن البيهقي في كتاب السير باب التبرع بالتعرض للقتل ( 9 / 44 ) وفي تفسير القرطبي ( 2 / 364 ) أسد الغابة ( 1 / 206 ) تاريخ الطبري .
    2 – حمل سلمة ابن الأكوع والأخرم الأسدي وأبي قتادة لوحدهم على عيينة بن حصن ومن معه ، وقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : ( خير رجّالتنا سلمة ) متفق عليه.، قال ابن النحاس : وفي الحديث الصحيح الثابت : أدل دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده وان غلب على ظنه انه يقتل إذا كان مخلصا في طلب الشهادة كما فعل سلمة بن الأخرم الأسدي ، ولم يعب النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينه الصحابة عن مثل فعله ، بل في الحديث دليل على استحباب هذا الفعل وفضله فإن النبي عليه الصلاة والسلام مدح أبا قتادة وسلمة على فعلهما كما تقدم ، مع أن كلاً منهما قد حمل على العدو وحده ولم يتأنّ إلى أن يلحق به المسلمون اهـ مشارع الأشواق ( 1 / 540 ) .
    3– ما فعله هشام بن عامر الأنصاري لما حمل بنفسه بين الصفين على العدو الكثير فأنكر عليه بعض الناس وقالوا : ألقى بنفسه إلى التهلكة ، فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة رضي الله عنهما وتليا قوله تعالى ( ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله .. ) الآية ، مصنف ابن أبي شيبة ( 5 / 303 ، 322 ) سنن البيهقي ( 9 / 46 ) .
    4– حمل أبي حدرد الأسلمي وصاحيبه على عسكر عظيم ليس معهم رابع فنصرهم الله على المشركين ذكرها ابن هشام في سيرته وابن النحاس في المشارع( 1 /545 ).
    5 – فعل عبدالله بن حنظلة الغسيل حيث قاتل حاسراً في إحدى المعارك وقد طرح الدرع عنه حتى قتلوه ، ذكره ابن النحاس في المشارع ( 1 / 555 ) .
    6 – نقل البيهقي في السنن ( 9 / 44 ) في الرجل الذي سمع من أبي موسى يذكر الحديث المرفوع : الجنة تحت ظلال السيوف . فقام الرجل وكسر جفن سيفه وشد على العدو ثم قاتل حتى قتل .
    7 – قصة أنس بن النضر في وقعة أحد قال : واهاً لريح الجنة ، ثم انغمس في المشركين حتى قتل . متفق عليه
    هذه الحوادث السبع السابقة مع ما نُقل من الإجماع هي المسألة التي يسميها الفقهاء في كتبهم مسألة حمل الواحد على العدو الكثير ، وأحيانا تسمى مسألة الانغماس في الصف ، أو مسألة التغرير بالنفس في الجهاد .ووجه الاستشهاد في مسألة الحمل على العدو العظيم لوحده وكذا الانغماس في الصف وتغرير النفس وتعريضها للهلاك أنها منطبقة على مسألة المجاهد الذي غرر بنفسه وانغمس في تجمع الكفار لوحده فأحدث فيهم القتل والإصابة والنكاية . وأيّ فرق في الشرع بين العمليات الاستشهادية وبين الاقتحام على العدو مع غلبة الظن بالموت وقد تواترت الأدلة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الاقتحام والانغماس في العدو وقتالهم وظاهر هذا ولو تحقق أنهم يقتلونه ويريقون دمه .فإن قيل هذا المنغمس في العدو قُتل بيد العدو وذاك الفدائي بفعله فيقال ثبت في الشرع أن المتسبب في قتل النفس والمشارك في ذلك حكمه حكم المباشر لقتلها
    أقول:
    أما الانغماس صفوف العدو ،و حمل الواحد على العدو الكثير فهو جائز بلا ريب للأدلة المشار إليها .
    ولكن المنغمس فى الصفوف هنا يختلف عن القائم بالعملية الاستشهادية من ثلاثة وجوه :
    الوجه الأول:
    هو ما ذكروه أنفسهم من أن المنغمس قتل بيد العدو والقائم بالعملية الاستشهادية قتل بفعله ، أما ردهم على ذلك بأنه ثبت في الشرع أن المتسبب في قتل النفس والمشارك في ذلك حكمه حكم المباشر لقتلها ، أقول نعم ، ثبت ذلك فى حالة الجنايات ولا وجه للاستدلال بذلك هنا ، وقد وضحت هذه النقطة بالتفصيل فى قصة الملك والغلام ، والفارق هنا أن العدو سيكون مكان الملك ، والقائم بالانغماس فى الصف سيكون محل الغلام ،والباقي لن يتغير منه شيئا ، فلا داعي لتكرار الكلام. وارجع إلى الفقرة السابقة لتتأمله.
    الوجه الثاني:
    إن المنغمس فى الصف لابد وأن يشوب يقينه بالموت بعض الشك ، وقد قال ابن تيميه ( ولهذا جوّز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين ) . ولو كان هنا الحديث عن القائم بالعملية الاستشهادية لما قال (وإن غلب على ظنه). ففى العملية الاستشهادية يكون اليقين تاما.
    الوجه الثالث :
    لا يمكن اعتبار أن المنغمس فى الصف قد شارك بالتسبب فى قتل نفسه ، لانه بلا ريب سيدافع عن نفسه ما استطاع ، فكيف يقال أنه شارك فى قتل نفس يدافع عنها؟ ولو كان الأمر كذلك لكان كل من ثبت ولم يفر وقاتل حتى الموت قد شارك بالتسبب فى قتل نفسه، بل لكان كل الشهداء قد شاركوا فى قتل أنفسهم !!! فتأمل

    تفنيد الدليل الثالث:
    قال العلماء المجيزون للعمليات الإستشهادية :
    من الآيات التى يمكن أن يحتج بها فى هذه المسألة :
    1 – قوله تعالى : ( ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد ) ، فإن الصحابة رضي الله عنهم أنزلوها على من حمل على العدو الكثير لوحده وغرر بنفسه في ذلك ، كما قال عمر بن الخطاب وأبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة رضي الله عنهم كما رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم ، ( تفسير القرطبي 2 / 361 ) .
    2 – قوله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون .. ) الآية ، قال ابن كثير رحمه الله : حمله الأكثرون على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله .
    3 – قوله تعالى : ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة من رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ، والعمليات الاستشهادية من القوة التي ترهبهم .
    4 – قال تعالى في الناقضين للعهود : ( فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ) .
    أقول:
    1-الآية الأولى دلت على جواز الانغماس فى الصف ، مثل الحوادث السبع السابقة ، وقد بينت بإسهاب الفرق بينها وبين العمليات الاستشهادية فى الفقرة السابقة فلا داعي لتكرار الكلام.
    2-الآية الثانية نزلت فى الجهاد بصفة عامة ، وليس فيها أي إشارة من قريب أو بعيد إلى مسألة العمليات الاستشهادية.
    3-قيل في الآية الثالثة أن العمليات الاستشهادية من القوة ،وهذا صحيح ولكن ليس كل قوة تعد قوة شرعية ، وفى صحيح مسلم قال عقبة بن نافع سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ألا ان القوة الرمي ،ثلاثا. والمقصود الرمي بالسهام ، فهذه قوة شرعية وتلك قوة غير شرعية.
    4-الآية الرابعة ليس فيها أي إشارة من قريب أو بعيد إلى العمليات الاستشهادية . وسبحان الله.

    تفنيد الدليل الرابع (مسألة التترس)
    قال العلماء المجيزون للعمليات الإستشهادية

    فيما لو تترس جيش الكفار بمسلمين واضطر المسلمون المجاهدون حيث لم يستطيعوا القتال إلا بقتل التُرس من المسلمين جاز ذلك ، قال ابن تيمية في الفتاوى ( 20 / 52 ) ( 28 / 537، 546) قال : ولقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم .. اهـ ، وقال ابن قاسم في حاشية الروض ( 4 / 271 ) قال في الإنصاف : وإن تترسوا بمسلم لم يجز رميهم إلا أن نخاف على المسلمين فيرميهم ويقصد الكفار وهذا بلا نزاع . اهـ
    ووجه الدلالة في مسألة التترس لما نحن فيه أنه يجوز للتوصل إلى قتل الكفار أن نفعل ذلك ولو كان فيه قتل مسلم بسلاح المسلمين وأيدي المسلمين ، وجامع العلة والمناط أن التوصل إلى قتل العدو والنكاية به إنما يكون عن طريق قتل التُرس من المسلمين فحصل التضحية ببعض المسلمين المتترس بهم من أجل التوصل إلى العدو والنكاية به ، وهذا أبلغ من إذهاب المجاهد نفسه من العمليات الاستشهادية من أجل التوصل إلى العدو والنكاية به ، بل إن قتل أهل التُرس من المسلمين أشد لأن قتل المسلم غيره أشد جرما من قتل المسلم لنفسه ، لأن قتل الغير فيه ظلم لهم وتعدٍ عليهم فضرره متعد وأما قتل المسلم نفسه فضرره خاص به ولكن اُغتفر ذلك في باب الجهاد وإذا جاز إذهاب أنفس مسلمة بأيدي المسلمين من أجل قتل العدو فإن إذهاب نفس المجاهد بيده من أجل النكاية في العدو مثله أو أسهل منه ، فإذا كان فعل ما هو أعظم جرما لا حرج في الإقدام عليه فبطريق الأولى ألا يكون حرجا على ما هو أقل جرما إذا كان في كليهما المقصد هو العدو والنكاية لحديث : إنما الأعمال بالنيات .///
    أقول:
    تترس أى توقى بالترس ، والترس بتشديد التاء وضمها هو ما كان يتوقى به فى الحرب، وتترس جيش الكفار بمسلمين أى (كما نقول اليوم ) اتخذهم دروعا بشرية

    الفارق واضح بين قتل المسلمين الذين يتخذهم الكافرون دروعا بشرية ، وبين قاتل نفسه فى العملية الاستشهادية ، وهو مسالة نية العمد أو التعمد ، فقاتل نفسه فى العملية الاستشهادية يتعمد قتل نفسه ويستقر ذلك فى نيته ، أما إذا حدث وقتل المسلمون من إخوانهم الذين يتترس بهم الكافرون ، فلا يمكن لعاقل أن يقول أنهم قصدوا أو تعمدوا قتل إخوانهم ، بل انهم سيحاولون تجنب ذلك ما استطاعوا عن طريق الضرب والرمى فى الأماكن التى لا يتواجد فيها إخوانهم ، فإن وقع قتل فهو هنا من يندرج تحت قوله تعالى(وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأا) النساء 92 .والنفى والاستثناء في الآية يفيد القصر والحصر لقتل المؤمن على الخطأ دون غيره.
    وإن زعم أحد أنه يجوز قتل المسلمين المتترس بهم (عمدا) من أجل التنكيل بالكافرين فقوله مردود بالآية السابقة ، ولو كان هناك حالات يباح فيها قتل المسلمين لإخوانهم (عمدا ) لبينها الله تعالى فى القرآن الذي قال فيه ( ما فرطنا في الكتاب من شيء )، ولذا فإن قال أحد (وهو ما لم يحدث على حد علمي ) بجواز (تعمد) قتل المسلمين المتترس بهم يكون بذلك قد شرع فى الدين ما لم يأذن به الله، فليحذر من يردد الكلام دون الالتفات إلى خطورته .

    تفنيد الدليل الخامس (مسألة البيات):
    قال العلماء المجيزون للعمليات الاستشهادية
    ويقصد بها تبيت العدو ليلا وقتله والنكاية فيه وإن تضمن ذلك قتل من لا يجوز قتله من صبيان الكفار ونسائهم ، قال ابن قدامة : يجوز تبييت العدو ، وقال أحمد : لا بأس بالبيات وهل غزو الروم إلا البيات ، وقال : لا نعلم أحداً كره البيات . المغني مع الشرح ( 10 / 503 ) . ووجه الدلالة أنه إذا جاز قتل من لا يجوز قتله من أجل النكاية في العدو وهزيمته فيقال : وكذلك ذهاب نفس المجاهد المسلم التي لا يجوز إذهابها لو ذهبت من أجل النكاية جائز أيضا ، ونساء الكفار وصبيانهم في البيات قتلوا بأيدي من لا يجوز له فعله لولا مقاصد الجهاد والنيات .
    قلت:
    المعلوم أنه لا يجوز قتل نساء وصبيان الكافرين ، فإذا سلمنا بجواز مسألة البيات ، فهناك وجهان للاختلاف بين قتل النساء والأطفال فيها وقتل القائم بالعملية الاستشهادية لنفسه :
    الوجه الأول:
    قتل القائم بالعملية الاستشهادية لنفسه هو قتل لنفس مؤمنة ، أما قتل النساء والصبيان فى البيات فهو قتل لنفس كافرة ، وهما لا يستويان ، قال تعالى ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون).
    الوجه الثاني:
    يفترض فى البيات أن ينتفي عنصر التعمد فى قتل النساء والأطفال ، ومن قال بجواز تعمد قتلهم في البيات فقد خالف الآثار المرفوعة المحرمة لقتلهم ، أ ما فى العمليات الإستشهادية فالتعمد موجود كما أوضحنا مرارا من قبل

  • #2
    رد: الأدلة على عدم جواز العمليات الاستشهادية من الازهر

    باقتباس من مشاركة مهند
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أقدم لكم اخواني البيان الذي أصدره شيخ الازهر محمد الطنطاوي والذي يبين فية عدم مشروعية وحرمة العمليات الإستشهادية البطولية الذي يقوم بها ابناء شعب فلسطين الصامد ضد الإحتلال الغاصب فهذا البيان يبين لكم ان علماء الدين العرب هم علماء سلاطين يأخذون الأوامر من رؤسائهم ويحللون ويحرمون على اهواءهم فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

    أظن ان الخلاف بين العلماء قديم في الامة..فليتك حفظت لسانك من التهجم على اشخاص غائبين والذي يجمعك معهم اكثر مما تختلف معهم فيه ..وبخصوص العمليات الاستشهادية الامر مختلف فيه فعلا ..وكل فريق له حظه من الاثر ومن النظر..وكلهم اراد الخير والنصح للامه ..وهم ليسوا كما زعمت علماء سلاطين بل احد من حرّم العمليات كان ممنوعا من دخول جميع الدول العربية سوى دولته المقيم فيها فاتق الله عز وجل في لسانك ..فرب كلمة تقول لصاحبها دعني

    تعليق


    • #3
      بسم الله الرحمن الرحيم

      الدلائل الجليّة على مشروعية العمليّات الاستشهاديّة

      للحصول على نسخة من البحث منسق

      إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله .
       يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تـموتنَّ إلا و أنتـم مسلمون  [ آل عمران : 102 ] .
       يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بثَّ منهما رجالاً كثيراً و نساء ، و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيباً  [ النساء : 1 ] .
       يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم  و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً  [ الأحزاب :70،71 ] .
      أمّا بعد :
      فيوماً بعد يوم تُمتهن كرامة الأمة ، و تهون دماء أبنائها و ديارهم و أعراضهم على الأعداء ، و تتداعى علينا الأمم من كلّ حدب و صوب ، تصوّب سهامها إلى نحورنا ، و تلِغ في دمائنا ، و نحن حيارى بلا خيار ، و سكارى بلا قرار .
      يستصرخنا القدس و أهله ، تتحشرج في نفوسهم الحسرة ، و تعتلج في حناجرهم الكلمات ، فيغصون بالدموع ، و يبكون الأمس و اليوم و الغد المجهول .
      حتّام يا قُدسـاه جرحُكِ يَنـزفُ *** و إلامَ يَرشُـف من دماكِ الأسقُفُ ؟
      خمسون عاماً قد مضينَ و نيّفُ *** و العُرب صرعى و المدافع تقصفُ
      و إنّ الله تعالى كتب الجهاد على هذه الأمّة ، و جعله فريضةً قائمة على التعيين أو الكفاية ، ماضيةً إلى يوم القيامة مع كلّ برّ و فاجر لتكون كلمة الله هي العليا و كلمة الذين كفروا السفلى .
      و من أعظم ما ابتليت به الأمّة في عصرنا الحاضر ، غياب فريضتين جليلتين تردّت الأمّة بفقدهما في دَرَكات الذل و الهوان ، و تداعت عليها الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها ، و هما تنصيب الإمام العادل خليفة المسلمين ، و النفرة للجهاد في سبيل الله تعالى ، لفتح البلاد و قلُوب العباد ، و الإثخان في أهل الكفر و الإلحاد و العناد .
      و ما تَعَيَّن الجهاد في مِصرٍ من الأمصار الإسلاميّة إلا هَبَّ المسلمون لنصرة أهله ، و نفروا خفافاً و ثقالاً ، يدفعون عن إخوانهم صولة العدوّ ، و يشاركونهم شَرف الذود عن حُرُمات المسلمين ، و الإثخان في العتاة المجرمين ، فمنهم من قضى نحبَه و منهم من ينتظر مرابطاً على الثغور في فلسطين و أفغانستان و الشيشان و الفلبين و الصومال و البوسنة و غيرها .
      و الأصل في المسلم – و إن لم ينل شَرَف المشاركة الميدانيّة في الرباط في سبيل الله بعد - أن لا يكفّ عن تحديث نفسه بالجهاد ، و تهيئة نفسه له إعداداً و استعداداً ، و التطلّع إلى الشهادة في سبيل الله ، فقد روى أبو داوود بإسناد صحيح عن أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ :‏ «‏ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ »‏ .‏ و من واظب على ذلك ، فلن يدّخر وسعاً في السعي إلى نيل مناه ، و ربّما دَفعه حبّ الشهادة و التطلّع إليها ، إلى أن يجود بنفسه في عمليّة يغلب على ظنّه أن تُقِلّه إلى مراتب الشهادة في سبيل الله ، ليلقى ربّه محباً للقائه ، روى الشيخان و الترمذي و النسائي و أحمد عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : «‏ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ،‏ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ »‏ ، و حاشاه تعالى أن يُخلف وعده ، أو يكره لقاء عبدٍ جاد بنفسه في سبيله تعالى .
      فليتحين من فاتته المشاركة فيما مضى الفرصة للمشاركة فيما هو آت ، فإن الجهاد ماضٍ و لا بُدّ ، و على الرغم ممّا تمخّض عنه في السابق من خيراتٍ حِسان - رُغم قلّة النصير ، و كثرة النكير - فإنّ جراحات المسلمين لا تزال نازفة في شرق العالم الإسلاميّ و غَربه ، و لا يكاد يلتئم جُرحٌ حتى يُثلَم ثغر جديد هنا أو هناك ، فيهب لسدّه شبابٌ باعوا نفوسهم لله ، و ذاقوا حلاوة التضحية و الجهاد ، فغبّروا أقدامهم في سبيله ، و عفّروا جباههم بتراب الرباط في ميادينه و على ثغوره ، غير آبهين أو مبالين بصَلَف الطغاة ، و ملاحقة البغاة ، و خُذلان بعض الدعاة .
      بل تراهم رهباناً في الليل ، فرساناً في النهار ، يقارعون الباطل ، و يصرخون في وجه أهله ( هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ ) [من سورة التوبة الآية 52] .
      و إذا لهث القاعدون حول حطام الدنيا ، و تزاحموا بالأكتاف و الأقدام على أبواب الرزق و أسبابه في ديار الكفر ، رأيت أهل الثغور أكثر اطمئناناً و إيماناً و تسليماً ، يستحْلُون مرارة الرباط ، و يحتملون شظف العيش ، و لا يلتمسون من الدنيا و حطامها إلا قُدّرَ لهم تحت ظلال الرماح ، يحدو ركبهم خير البشر ، و أمير الظَفَر صلى الله عليه و سلّم ، الذي قال فيما رواه البخاري معلّقاً و أحمد بإسناد صحيح عَنِ عبد الله ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنه عليه الصلاة و السلام : «‏ جُعِلَ رِزْقِى تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِى ،‏ وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي »‏ .‏ فطوبى لمن بايعه على ذلك أو بايع من بايع عليه ، ثبت في الصحيحين و سنن النسائي و الترمذي و مسند الإمام أحمد أن يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ سأل سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه : عَلَى أَيِّ شَيءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ؟ ‏ قَالَ : عَلَى الْمَوْتِ .‏
      فيا حُسنَها من بَيعةٍ ، و يا طِيبَها من مِيتة ، ترى مَن ارتضوها يمني نفسه و يؤمّل صاحبه في النصر و التمكين ، و يشدّ على يديه مبايعاً على الصبر و الثبات ، فلا يهولهم جَلل المُصاب ، و لا يسوؤهم الوصف بالعنف و الإرهاب ، و لا يزعزع عزائمهم ، أو يفت في عضُدهم ، سفك الدماء و تطاير الأشلاء ، ما دام ذلك في سبيل الله ، ابتغاءَ مَرضاته ، و رَجاء رِضاه .
      و لستُ أُبالي حيـنَ أُقْتَـل مُسلمــاً *** على أيّ جنبٍ كان في الله مَصرَعي
      و ذلك في ذات الإلـه و إن يشــأ *** يبارك على أوصـال شِلـوٍ مُمَـزّعِ
      و إذا كان الحقّ تعالى قد (‏ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [ التوبة : 111 ] فلا فرق عند من باع نفسه لربّه ، بين رصاصة يستقبلها في صدرِ مقبلٍ غير مدبر ، و بينَ حزامٍ ينسف به الأعداء و إن قطع النياط و مزّق الأشلاء ، ما دام طعم الشهادة واحداً .
      إني بذلـت الروح دون كرامـتي *** و سلكتُ دَربَ الموتِ أبغي مَفْخَرا
      و غَرَستُ في كـفّ المنيّة مُهجتي *** و رَوَيْتُ بالدم ما غَرَستُ فأزهـرا
      هذا فـداء القدس أن يُجدي الفِـدا *** و لتُـربِ كابـولٍ أقدّمُـه قِـرى
      روى النسائي و ابن ماجة و أحمد و الدارمي و الترمذي بإسنادٍ صحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «‏ مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ إِلاَّ كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ »‏ .‏
      غير أنّ من بايعوا الشهيد على هذه الطريق و خَلفوه عليه ، يعزّ عليهم فراقه ، فيبكيه رفاقه ، و يسوؤهم أن لا تُوارى بين ظهرانيهم رُفاته ، و يسوؤنا أكثَر سماع من يشكك في مشروعيّة عَمَله ، و يصدّ الناس عن بلوغ هدفه ، بدعوى أن فعلته انتحاريّة ، و أن ميتته ميتةٌ جاهليّة .
      و كفى بهذا التشكيك حافزاً لنا على البحث في مشروعية العمليّات الاستشهاديّة ، من باب إحقاق الحق و نُصرة المظلوم ، و إنزال من جاد بنفسه ، و ضحّى بدمه ، و بذل روحه رخيصةً في سبيل ربّه منزلته التي وُعِدها ، و ذلك من خلال المقاصد التالية :

      المقصد الأوّل
      في تعريف العمليّات الاستشهاديّة

      اصطلاح العمليّات الاستشهاديّة اصطلاح مركب من :
      العمليّات ؛ و هي جمع عمليّة : لفظ مشتق من العمل , يصدق على كل ما يُفعل ، و هو من الألفاظ المحدثة , و يُطلَق على جملة أعمال تُحدث أثراً خاصاً , فيقال : عمليةٌ جراحية ، أو عمليّة حربية [ انظر : المعجم الوسيط مادة : عمل ].
      و العمليّة بهذه الصيغة مصدر صناعي دال على معنى خاص لم يكن ليدل عليه لولا زيادة الياء و التاء المربوطة في آخره ، و الفرق بين العمل و العملية كالفَرق بين الإنسان و الإنسانية ، و الحزب و الحزبية ، و الحجة و الحجية , و الحكم و الحاكمية ، و الإله و الإلهيّة ، و ما إلى ذلك .
      و الاستشهاد : طلب الشهادة ، و هي القتل في سبيل الله .
      روى مسلمٌ و أحمد عَنْ أَبِى مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً أَىُّ ذَلِكَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «‏ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي الْعُلْيَا فَهُوَ في سَبِيلِ اللَّهِ »‏ .‏
      و عليه فإنّ العمليات الاستشهادية : أعمالٌ مخوصة يقوم بها المجاهد في سبيل الله ، مع التيقّن أو غلبة الظن أنّها تُثْخِن في العدو و يَبلُغ القائم بها مراتب الشهداء بالقتل في سبيل الله .
      وهي بصورها العصريّة نمط من أنماط المقاومة الحديثة ، عُرفت بعد اكتشاف المتفجّرات في العصر الحديث ، و اشتهرت بعد أن أصبحت من وسائل ما يُعرف بحروب العصابات ، و سُبِق المسلمون إلى استعمالها ، حيث عُرِفت في الحرب الأهليّة الأمريكيّة و حَرب أمريكا في فيتنام و اليابان ، و أنحاء أخرى من العالم قبل أن يستعملها المسلمون الذين لجؤوا إليها لقلّة البدائل و الوسائل المتاحة في أيديهم ، و عدَم تمكنّهم من الصمود و الوقوف في وجوه الأعداء بإمكانيّاتهم المحدودة ، مؤثرين بالإقدام عليها ميتة العزة و الكرامة في سبيل الله ، على العيش في ذل و هوان ، و كأنّهم يتمثّلون قول الأوّل :
      لا تسقني ماء الحياة بذلةٍ *** و لتَسقني بالعز كأس الحنظلِ

      و في المقاصد التالية إن شاء الله تقريرٌ لمشروعيّة هذه العمليّات و فضل القيام بها ، و ما يُحتسب عند الله تعالى من ثواب الشهداء و منازلهم للقائمين بها ابتغاء ما عنده ، قياساً على ما جاء في مسألة المقتحم المغرر بنفسه في صف العدو في كتاب الله تعالى و سنّة نبيّه صلّى الله عليه و سلّم .

      المقصد الثاني
      الأدلّة على مشروعيّة و فضل الاقتحام على العدو و التغرير بالنفس في ذلك من الكتاب و السنّة و نماذج من سيَر السلف الصالح في إقراره

      يدلّ على ما ذهبنا إليه من مشروعيّة و فضل خوض العمليّات الاستشهاديّة ما جاء في قصّة أصحاب الأخدود التي رواهها مسلم و الترمذي و أحمد عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه ، و فيها قَول الغلام للملك : « إِنَّكَ لَسْتَ بقاتلي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ .‏ قال : وَمَا هُوَ قال : تَجْمَعُ النَّاسَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِى عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْماً مِنْ كِنَانَتِى ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِى كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ .‏ ثُمَّ ارْمِنِى فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِى .‏ فَجَمَعَ النَّاسَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْماً مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِى كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قال : بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ .‏ ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِى صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِى صُدْغِهِ فِى مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ فَقَالَ : النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ »‏ .‏
      قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله [ في مجموع الفتاوى : 28 /540 ] بعد ذكر قصّّّة الغلام هذه : ( و فيها أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل لمصلحة ظهور الدين و لهذا أحب الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم فى صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان فى ذلك مصلحة للمسلمين ) .
      قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله [ في شرح رياض الصالحين : 1 / 165 ] : ( إن الإنسان يجوز أن يغرر بنفسه في مصلحة عامَّة للمسلمين ، فإن هذا الغلام دلَّ الملك على أمر يقتله به ويهلك به نفسه ، وهو أن يأخذ سهماً من كنانته... الخ ) .
      فانظر – رحمك الله – كيف أقدَم الغلام المؤمن على ما من شأنه أن يقتله يقيناً رجاء مصلحةٍ راجحةٍ و هي إسلام قومه ، الذين دخلوا بسببه في دين الله أفواجاً ، و هذا من شرع من قَبلَنا الذي لا ناسخ و لا معارض له في نصوص الكتاب و السنّة ، و الله أعلم .
      و قد حَمَل عددٌ من الصحابة الكرام فمن بَعدَهم قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) [ البقرة : 207 ] على من حَمَلَ على العدو الكثير لوحده وغرر بنفسه في ذلك ، كما قال عمر بن الخطاب و أبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة رضي الله عنهم فيما رواه أبو داود والترمذي و ابن حبان و صححه و الحاكم ، [ انظر : تفسير القرطبي 2 / 361 ] .
      و روى ابن أبي شيبة في مصنّفه و البيهقي في سننه أنّ هشام بن عامر الأنصاري رضي الله عنه حمل بنفسه بين الصفين على العدو الكثير فأنكر عليه بعض الناس و قالوا : ألقى بنفسه إلى التهلكة ، فرد عليهم عمر بن الخطاب و أبو هريرة رضي الله عنهما بقوله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ) [ البقرة : 207 ] .
      و روى القرطبي [ في تفسيره : 2 / 21 ] أنّ هذه الآية نزلت فيمن يقتحم القتال ، ثم ذكر قصّة أبي أيّوب رضي الله عنه .
      و عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ في سَبْعَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا رَهِقُوهُ قَالَ : «‏ مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ أَوْ هُوَ رفيقي في الْجَنَّةِ »‏ .‏ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضاً فَقَالَ : «‏ مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ أَوْ هُوَ رفيقي في الْجَنَّةِ »‏ .‏ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبَيْهِ : «‏ مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا »‏ .‏
      و معنى قول أنس : رَهِقوه أي غشيه المشركون و قرُبوا منه ، و قوله صلى الله عليه و سلّم : ( مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا ) أي ما أنصفت قريش الأنصار ، لكون القرشيَّيْن لم يخرجا للقتال , بل خرج الأنصار واحداً تلو الآخر , و روي : ( ما أَنَصَفَنَا ) بفتح الفاء ، و المراد على هذا : الذين فروا من القتال فإنهم لم ينصفوا لفرارهم . [ انظر شرح صحيح مسلم للنووي : 7/430 و ما بعدها ].
      و في الصحيحين قصّة حملِ سلمة ابن الأكوع و الأخرم الأسدي و أبو قتادة لوحدهم على عيينة بن حصن و من معه ، و ثناء الرسول صلى الله عليه و سلم عليهم بقوله : «‏ كَانَ خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْرَ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ »‏ .‏
      قال ابن النحاس [ في مشارع الأشواق : 1 / 540 ] : و في الحديث الصحيح الثابت : أدل دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده ، و إن غلب على ظنه أنه يقتل إذا كان مخلصا في طلب الشهادة كما فعل سلمة بن الأخرم الأسدي ، ولم يعب النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينه الصحابة عن مثل فعله ، بل في الحديث دليل على استحباب هذا الفعل و فضله فإن النبي عليه الصلاة والسلام مدح أبا قتادة و سلمة على فعلهما كما تقدم ، مع أن كلاً منهما قد حمل على العدو وحده و لم يتأنّ إلى أن يلحق به المسلمون .اهـ .
      و روى أحمد في المسند عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ قُلْتُ لِلْبَرَاءِ بن عازب رضي الله عنه : الرَّجُلُ يَحْمِلُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَهُوَ مِمَّنْ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ ؟ قَالَ : لاَ لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : (‏ فَقَاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ )‏ [ النساء : 84 ] إِنَّمَا ذَاكَ في النَّفَقَةِ .
      و روى هذا الأثر ابن حزم [ في المحلى : 7/294 ] عن أبي إسحاق السبيعي قال : سمعت رجلاً سأل البراء بن عازب : أرأيت لو أن رجلاً حمل على الكتيبة ، وهم ألف ، ألقى بيده إلى التهلكة ؟ قال البراء : لا ، ولكن التهلكة أن يصيب الرجل الذنب فيلقي بيده ، ويقول : لا توبة لي .
      قال ابن حزم : و لم ينكر أبو أيوب الأنصاري ، و لا أبو موسى الأشعري أن يحمل الرجل وحده على العسكر الجرار ، و يثبت حتى يقتل .
      و في الباب أيضاً ما رواه أبو داوود و الترمذي بإسناد صحيح عَنْ أَسْلَمَ أَبِى عِمْرَانَ التُّجِيبِىِّ قَالَ كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيماً مِنَ الرُّومِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُمْ أَوْ أَكْثَرُ وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا سُبْحَانَ اللَّهِ يُلْقِى بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِىُّ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلاَمَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلاَمَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَلَوْ أَقَمْنَا في أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا .‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا (‏ وَأَنْفِقُوا في سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )‏ [ البقرة : 195 ] فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلاَحَهَا وَتَرَكْنَا الْغَزْوَ فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ شَاخِصاً فِى سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِأَرْضِ الرُّومِ .‏ قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ .‏
      و في مصنف ابن أبي شيبة أنّ معاذ بن عفراء رضي الله عنه قال : يا رسول الله ، مايضحك الرب من عبده ؟ قال : غمسه يده في العدو حاسراً . قال : فألقى درعاً كانت عليه ، فقاتل حتى قتل . [ و في إسناد هذا الحديث مقال رغم تصحيح ابن حزم له في المحلى : 7/294 ، و روي بأسانيد أُخر في تاريخ الطبري : 2/33 ، و سيرة ابن هشام : 3/175 ] .
      و في سير السلف الصالح من لدُن الصحابة الكرام فمن بعدهم رضي الله عنهم أجمعين صورٌ رائعة ، و نماذج فريدة ، و أدلةٌ ساطعة على العمل الاستشهاديّ و مشروعيّته ، و من ذلك :
      ما جاء في قصّة تحصن بني حنيفة يوم اليمامة في بستان لمسيلمة كان يُعرف بحديقة الموت , فلمّا استعصى على المسلمين فتحه ، قال البراء بن مالك رضي الله عنه ( و هو ممّن إذا أقسم على الله أبَرّه ، كما في سنن الترمذي بإسناد صحيح ) لأصحابه : ضعوني في الجَحَفَة – أو قال : في ترسٍ ، و هما بمعنىً - و ألقوني إليهم فألقوه عليهم فقاتلهم حتى فتح الباب للمسلمين [رواه البيهقي في سننه الكبرى: 9/44 ، و القرطبي في تفسيره : 2 / 364 ، و انظره في أسد الغابة و تاريخ الطبري مفصّلاً ].
      و روى الطبري [ في تفسيره : 2/363 ] أنّ خيل المسلمين نفرت من فيلة الفرس لما لقيهم المسلمون في وقعة الجسر , فعمد رجل من المسلمين فصنع فيلا من طين و آنس به فرسه حتى ألفه , فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل , فحمل على الفيل الذي كان يقدم فيلة العدو فقيل له : إنه قاتلك . فقال : لا ضير أن أُقتل ويفتح للمسلمين .
      و هذا الفعل ليس له في لغة الإعلام المعاصر تسمية يعرف بها إلا أن يكون عمليّة استشهادية يسميها العلمانيون فدائيّة أو انتحاريّة .
      قلتُ : وجهُ الاستدلال بما رُوي و الاستئناس بما قيل في مسألة حمل المجاهد المقتحم على العدو العظيم لوحده أو الانغماس في الصف و تغرير النفس و تعريضها للهلاك بغلبة الظن أو التيقّن عدم الفارق بينها و بين العمليّات الاستشهاديّة في العصر المحاضر ، حيث ينغمس المجاهد بين الكفار ، أو يقبل عليهم مقتحماً مغرراً بنفسه لينكي بهم و يوقع فيهم القتل والإصابة و يشرّد بهم من خلفهم .
      و لا أزعم في هذه العجالة إجماعاً على مشروعية الاقتحام و التغرير بالنفس للإنكاء بالعدو و ما يقاس عليها من عمليات الاستشهاديين ، بل المسألة خلافيّة ، و سيأتي عرض الإمام القرطبي لقول المخالف فيها ، و ذهابه مذهب الجمهور في القول بمشروعيتها و جواز الإقدام عليها ، إن شاء الله .

      المقصد الثالث
      حكاية الإجماع على مشروعيّة تقحّم المهالك في الجهاد

      نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله [ في الفتح : 12 / 316 ] عن المهلب قوله : ( و قد أجمعوا على جواز تقحّم المهالك في الجهاد ) .
      و روى ابن النحاس [ في مشارع الأشواق : 1 / 588 ] مثل ذلك عن المهلب .
      و حكى الإمام النووي رحمه الله [ في شرح مسلم : 12 / 187 ] الاتفاق على التغرير بالنفس في الجهاد .
      قلت : و في الإجماع المحكي إن ثبت إحقاق الحقّ إن شاء الله .

      المقصد الرابع
      في ذكر طائفة من أقوال السلف و الأئمة المتقدمين في هذا الباب

      لم يَرَ جمهور أهل العلم المتقدمين بأساً في جواز الاقتحام و لو أدى إلى مهلكة ، بل حكي استحباب ذلك عن أئمة المذاهب الأربعة ، كما في كلام شيخ الإسلام ابن تيميّة المتقدّم عند ذكر قصّة الغلام .
      و لبيان ذلك أقتطف ما تيسّر من كتب المذاهب المعتمدة فأقول :
      جاء في كتاب المبسوط للإمام السرخسي ( و هو من الحنفية ) : ( لو حمل الواحد على جمع عظيم من المشركين فإن كان يعلم أنه يصيب بعضهم أو يُنكي فيهم نكاية فلا بأس بذلك ، و إن كان يعلم أنه لا ينكى فيهم فلا ينبغي له أن يفعل ذلك ) . [ المبسوط ، للسرخسي : 10/76 ] .
      و ذَكَر الجصّاص في تفسيره ن محمد بن الحسن الشيباني صاحبَ أبي حنيفة ذكر في السير الكبير أن رجلا لو حمل على ألف رجل و هو وحده ، لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية ، فإن كان لا يطمع في نجاة و لا نكاية فإني أكره له ذلك ، لأنه عرض نفسه للتلف بلا منفعة للمسلمين ، و إنما ينبغي للرجل أن يفعل هذا إذا كان يطمع في نجاة أو منفعة للمسلمين ، فإن كان لا يطمع في نجاة و لا نكاية و لكنه يجرِّيء المسلمين بذلك حتى يفعلوا مثل ما فعل ، فيقتلون و ينكون في العدو فلا بأس بذلك إن شاء الله ، لأنه لو كان على طمع من النكاية في العدو و لا يطمع في النجاة لم أر بأسا أن يحمل عليهم ، فكذلك إذا طمع أن يُُُنْكِِِِيَ غيره فيهم بحملته عليهم فلا بأس بذلك ، و أرجو أن يكون فيه مأجورا ، و إنما يكره له ذلك إذا كان لا منفعة فيه على وجه من الوجوه ، و إن كان لا يطمع في نجاة و لا نكاية و لكنه مما يرهب العدو فلا بأس بذلك لأن هذا أفضل النكاية و فيه منفعة للمسلمين [ أحكام القرآن للجصاص : 1 / 327 ].
      و وافقه الجصاص فقال [ في أحكام القرآن ، له : 1 / 328 و ما بعدها ]:
      والذي قال محمد من هذه الوجوه صحيح لا يجوز غيره ، و على هذه المعاني يحمل تأويل من تأوّل في حديث أبي أيوب أنه ألقى بيده إلى التهلكة ، بحمله على العدو إذ لم يكن عندهم في ذلك منفعة ، و إذا كان كذلك فلا ينبغي أن يتلف نفسه ، بدون منفعة عائدة على الدين و لا على المسلمين ، فأما إذا كان في تلف نفسه منفعة عائدة على الدين فهذا مقام شريف مدح الله به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( إنَّ اللَّهِ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [ التوبة : 111 ] ، و قال : (و لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [ آل عمران : 169 ] ، و قال : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ) [ البقرة : 207 ] ، في نظائر ذلك من الآي التي مدح الله فيها من بذل نفسه لله .اهـ.
      و ممّن انتصر لذلك الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال [ في كتاب الأم : 4/169 ] : ( لا أرى ضيقاً على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسراً ، أو يبادر الرجل و إن كان الأغلب أنه مقتول , لأنه قد بودر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و حَمَل رجل من الأنصار حاسراً على جماعة من المشركين يوم بدر بعد إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بما في ذلك من الخير فقُتِل ) .
      و في كلام الشافعي إشارة إلى ما رواه مسلم في صحيحه و أحمد في مسنده من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ المتقدّم .
      و قال الإمام النووي رحمه الله [ في باب ثبوت الجنة للشهيد من شرح مسلم : 13 / 46 ] بعد ذِكر قصّة صاحب التَمرات : فيه جواز الانغماس في الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز بلا كراهة عند جماهير العلماء . اهـ .
      و في كتاب الفروع لابن مفلح الحنبلي [ 6 / 189 ] : ( قال و لو حمل على العدو و هو يعلم أنه لا ينجو لم يُعِن على قتل نفسه و قيل : له – أي للإمام أحمد - يحمل الرجل على مائة ؟ قال : إذا كان مع فرسان ، و ذكر شيخنا أنّه يستحب انغماسه لمنفعة للمسلمين و إلا نهى عنه و هو من التهلكة ) .
      قال أبو عبداللّه القرطبي [ في تفسيره : 2 / 363 و ما بعدها ] : اختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده ، فقال القاسم بن مخيمرة والقاسم بن محمد وعبد الملك من علمائنا : لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم ، إذا كان فيه قوة ، وكان للّه بنيّة خالصة ، فإن لم تكن له قوة فذلك من التهلكة ، و قيل : إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل ؛ لأن مقصوده واحد منهم . اهـ .
      ثمّ نقل [ في تفسيره أيضاً : 2 / 364 ] قول بعض المالكيّة : إن حمل على المائة أو جملة العسكر و نحوه و علم أو غلب على ظنه أنه يقتل ، و لكن سينكي نكاية أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز ، و نقل أيضا عن محمد بن الحسن الشيباني قوله : لو حمل رجل واحد على الألف من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو ، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه ؛ لأنه عرض نفسه للتلف من غير منفعة للمسلمين ، فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه ؛ لأن فيه نفعاً للمسلمين على بعض الوجوه ، فإن كان قصده إرهاب العدو ليعلم العدو صلابة المسلمين في الدين ، فلا يبعد جوازه إذا كان فيه نفع للمسلمين ، فَتَلَفُ النفس لإعزاز دين اللّه وتوهين الكفر ؛ هو المقام الشريف الذي مدح اللّه به المؤمنين في قوله : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ) [ المائدة : 111 ] ، إلى غيرها من آيات المدح التي مدح اللّه بها من بذل نفسه ، وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) .
      إلى أن قال [ في تفسيره : 2/364 ] : ( و الصحيح عندي جواز الاقتحام على العساكر لمن لا طاقة له بهم , لأنّ فيه أربعة وجوه :
      الأول: طلب الشهادة .
      الثاني: وجود النكاية .
      الثالث : تجرئة المسلمين عليهم .
      الرابع : ضعف نفوسهم ليروا أنّ هذا صنع واحد فما ظنك بالجمع ) .
      و ذكر هذه الوجوه الأربعة أيضاً ابن العربي [ 1/166 ] .
      و أختم بقول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : ( و أما قوله : أريد أن أقتل نفسي في الله فهذا كلام مجمل ؛ فإنه إذا فعل ما أمره الله به فأفضي ذلك إلى قتل نفسه فهذا محسن في ذلك ، مثل من يحمل على الصف وحده حملاً فيه منفعة للمسلمين و قد اعتقد أنه يقتل فهذا حسن ... ومثل ما كان بعض الصحابة ينغمس في العدو بحضرة النبي صلى الله عليه و سلّم ، و قد روى الخلال بإسناده عن عمر بن الخطاب أن رجلاً حمل على العدو وحده فقال الناس : ألقى بيده إلى التهلكة فقال عمر لا و لكنه ممن قال الله فيه : ( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) [ البقرة : 207 ] ) [ مجموع الفتاوى 25 / 279 ] .

      المقصد الخامس
      أقوال بعض أهل العلم المعاصرين في حكم العمليّّّات الاستشهاديّة

      و من أهل العلم المعاصرين من له في المسألة قولان كعلامّة نجد الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله ، و ما أحد قوليه بأولى من الآخر إذ إنّّّه يبني حكمه على مراعاة المصالح و المفاسد ، فقد سُئل [ في اللقاء الشهري العشرين ] عن شابّ مجاهد فَجَّرَ نفسه في فلسطين فقَتَل و أصاب عَشرات اليهود ، هل هذا الفعل يعتبر منه انتحاراً أم جهاداً ؟ فأجاب بقوله : ( هذا الشاب الذي وضع على نفسه اللباس الذي يقتل ، أول من يقتل نفسه ، فلا شك أنه هو الذي تسبب في قتل نفسه ، و لا تجوز مثل هذه الحال إلا إذا كان في ذلك مصلحة كبيرة للإسلام ، فلو كانت هناك مصلحة كبيرة ونفع عظيم للإسلام ، كان ذلك جائزاً ) .
      فانظر - رحمك الله - كيف راعى المصالح في حُكمه ، و بنى على تحقيق مصلحة كبيرةٍ و نفع عظيم للإسلام قوله ( كان ذلك جائزاً ) ، و اضبط بهذا الضابط سائر كلامه و فتاواه و إن كان ظاهرها التعارض ، ليسهُل عليك الجَمع ، و يزول عنك اللبس ، فإن الجواب بحسب السؤال ، و الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوّره .
      و مثل هذا الكلام يقال عن موقف محدّث الديار الشاميّة العلامّة الألباني ، الذي تعرّض رحمه الله إلى تطاول السفهاء و المتعالمين فنسبوا إليه زوراً و بهتاناً أنّه حكم على من يُقتل في عمليّة تفجير استشهاديّة يقوم بها في صفوف العدو بالانتحار ، و الشيخ بريء من ذلك براءةَ الذئب من دم يوسف ، و من فتاواه النيّرة في هذا الباب ما هو مثبت بصوته [ في الشريط الرابع و الثلاثين بعد المائة من سلسلة الهدى والنور ] حيث سُئل رحمه الله سؤالاً قال صاحبه : هناك قوات تسمى بالكوماندوز ، يكون فيها قوات للعدو تضايق المسلمين ، فيضعون – أي المسلمون - فرقة انتحارية تضع القنابل و يدخلون على دبابات العدو، و يكون هناك قتل... فهل يعد هذا انتحاراً ؟
      فأجاب بقوله : ( لا يعد هذا انتحاراً ؛ لأنّ الانتحار هو: أن يقتل المسلم نفسه خلاصاً من هذه الحياة التعيسة ... أما هذه الصورة التي أنت تسأل عنها ... فهذا جهاد في سبيل اللّه... إلا أن هناك ملاحظة يجب الانتباه لها ، وهي أن هذا العمل لا ينبغي أن يكون فردياً شخصياً ، إنما يكون بأمر قائد الجيش ... فإذا كان قائد الجيش يستغني عن هذا الفدائي ، ويرى أن في خسارته ربح كبير من جهة أخرى ، وهو إفناء عدد كبير من المشركين و الكفار، فالرأي رأيه و تجب طاعته ، حتى و لو لم يَرضَ هذا الإنسان فعليه الطاعة ... ) .
      إلى أن قال رحمه الله : الانتحار من أكبر المحرمات في الإسلام ؛ لأنّه لا يفعله إلا غضبان على ربه ولم يرض بقضاء اللّه ... أما هذا فليس انتحاراً ، كما كان يفعله الصحابة يهجم الرجل على جماعة من الكفار بسيفه ، و يُعمِل فيهم السيف حتى يأتيه الموت و هو صابر ، لأنه يعلم أن مآله إلى الجنة ... فشتان بين من يقتل نفسه بهذه الطريقة الجهادية و بين من يتخلص من حياته بالانتحار ، أو يركب رأسه ويجتهد بنفسه ، فهذا يدخل في باب إلقاء النفس في التهلكة ) .
      و هذا تفصيل و تفريق دقيق بين العمليّات الانتحاريّة ، و تلك الجهاديّة الاستشهادية من وُفّق لفهمه ، صان لسانه من الافتئات على علماء الأمّة ، و من أشكل عليه ، أو توهّم الإشكال فيه وَقَع في أعراضهم ، و ربّما ظنّ أو حسِبَ نَفسه مدافعاً منافحاً عنهم ، و كان من الذين يحسبون أنّهم يُحسنون صُنعاً .
      و يلزم من كلام الشيخ ناصر رحمه الله أنّه لا بدّ في العمليّات الاستشهاديّة من التفريق بين من يجتهد من العوام من تلقاء نفسه ، و بين من يقوم بعمليّة استشهاديّّّة رُتّب لها ، و أمر بها الأمير ، لأنّ طاعة الأمير واجبةٌ ، بل هي من طاعة الله تعالى ، و يغلب على الظنّ أن العمليّات الفرديّة غير المنظمة لا تجدي نفعاً ، بل تجر المسلمين إلى مفاسد عظيمة في الغالب ، لذلك جرى التفريق بين الحالتين .
      قلت ُ : جاء اشتراط إذن الأمير عند من أوجَبه في الاقتحام قياساً على اشتراط ذلك في المبارزة ، و لست أذهبُ إليه لتخلّف علّة الاشتراط في عمليّات الاقتحام ، و قد أجاد ابن قدامة المقدسي رحمه الله التفريق بين المسألتين فقال بعد أن قرر وجوب إذن الأمير للمبارز : ( و لنا أن الإمام أعلم بفرسانه و فرسان العدو و متى برز الإنسان إلى من لا يطيقه كان معرضاً نفسه للهلاك فيَكسِر قلوب المسلمين ، فينبغي أن يفوض ذلك إلى الإمام ليختار للمبارزة من يرضاه لها ، فيكون أقرب إلى الظفر ، و جبر قلوب المسلمين ، و كسر قلوب المشركين . فإن قيل : قد أبحتم له أن ينغمس في الكفار و هو سبب لقتله ، قلنا : إذا كان مبارزاً تعلقت قلوب الجيش به ، و ارتقبوا ظفره ، فإن ظفر جَبَرَ قلوبهم ، و سرَّهم ، و كسر قلوب الكفار ، و إن قُتِل كان بالعكس ، و المنغمس يطلب الشهادة لا يُتَرقَّبُ منه ظفر و لا مقاومة فافترقا ) [ المغني ، لابن قدامة : 9 / 176 ] .
      و يا لَرَوعة قول الشافعي في كتاب السير [ كما في مختصر المزني نقلاً عن الأم ، له ] في مسألة اشتراط الإمام و إذنه في الغزو : وَإِنْ غَزَتْ طَائِفَةٌ بِغَيْرِ أَمْرِ الإمَامِ كَرِهْتُهُ لِمَا فِي إذْنِ الإمام مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِغَزْوِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ وَيَأْتِيهِ الْخَبَرُ عَنْهُمْ فَيُعِينُهُمْ حَيْثُ يُخَافُ هَلَاكُهُمْ فَيُقْتَلُونَ ضِيعَةً . ( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا أَعْلَمُ ذَلِكَ يُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الأنصار : إنْ قُتِلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا ؟ قَالَ فَلَكَ الْجَنَّةُ قَالَ فَانْغَمَسَ فِي الْعَدُوِّ فَقَتَلُوهُ وَأَلْقَى رَجُلٌ مِنْ الأنصار دِرْعًا كَانَ عَلَيْهِ حِينَ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَنَّةَ ثُمَّ انْغَمَسَ فِي الْعَدُوِّ فَقَتَلُوهُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَإِذَا حَلَّ لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى مَا الأغلب أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ كَانَ هَذَا أَكْثَرَ مِمَّا فِي الانْفِرَادِ مِنْ الرَّجُلِ وَالرِّجَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الإمام . وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ وَرَجُلًا مِنْ الأنصار سَرِيَّةً وَحْدَهُمَا وَبَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ سَرِيَّةً وَحْدَهُ فَإِذَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَسَرَّى وَاحِدٌ لِيُصِيبَ غِرَّةً وَيَسْلَمَ بِالْحِيلَةِ أَوْ يُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ مَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةٌ .
      و قال أيضاً : وَإِذَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ بِلَادَ الْحَرْبِ فَسَرَتْ سَرِيَّةٌ كَثِيرَةٌ أَوْ قَلِيلَةٌ بِإِذْنِ الإمام أَوْ غَيْرِ إذْنِهِ فَسَوَاءٌ وَلَكِنِّي أَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يَخْرُجُوا إلا بِإِذْنِ الإمام ... وأمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ فَلَا أَعْلَمُهُ يَحْرُمُ ) . و استدلّ رحمه الله لذلك بالحديث المتقدّم ، و أضاف إليه ( أَنَّ رَجُلًا مِنْ الأنصار تَخَلَّفَ عَنْ أَصْحَابِهِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ فَرَأَى الطَّيْرَ عُكُوفًا عَلَى مُقْتَلَةِ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ سَأَتَقَدَّمُ إلَى هَؤُلَاءِ الْعَدُوِّ فَيَقْتُلُونِي وَلَا أَتَخَلَّفُ عَنْ مَشْهَدٍ قُتِلَ فِيهِ أَصْحَابُنَا فَفَعَلَ فَقُتِلَ فَرَجَعَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِيهِ قَوْلًا حَسَنًا وَ يُقَالُ : فَقَالَ لِعَمْرٍو فَهَلَّا تَقَدَّمْت فَقَاتَلْت حَتَّى تُقْتَلَ ؟ } فَإِذَا حَلَّ الرَّجُلُ الْمُنْفَرِدُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْجَمَاعَةِ , الأغلب عِنْدَهُ وَعِنْدَ مَنْ رَآهُ أَنَّهَا سَتَقْتُلُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَآهُ حَيْثُ لَا يَرَى وَلَا يَأْمَنُ كَانَ هَذَا أَكْثَرَ مِمَّا فِي انْفِرَادِ الرَّجُلِ وَالرِّجَالُ بِغَيْرِ إذْنِ الإمام [ الأم ، للشافعي : 4 / 242 ] .
      و من المقرر في مواضعه من كتب الفقه و السياسة الشرعيّة اشتراط الأمير – عند من اشترطه - في جهاد الطلب ، أمّا جهاد الدَفع فلا يحتاج إلى إذن الأمير و لا إلى وجوده أصلاً ، و يغلب على الظن أن الجهاد القائم في بلاد المسلمين اليوم هو من قبيل جهاد الدفع ، و الله المستعان ، فتَنَبّه !!
      و مع ذلك نحسب أنّ إخواننا في بيت المقدس و أكناف بيت المقدس على علم بهذا و ليسوا سراة لا أمير لهم ، و الله حسيبنا و حسيبهم .

      المقصد السادس
      دلالة القواعد الفقهيّة و الأصوليّة على مشروعيّة العمليّات الاستشهاديّة

      استقرّت القاعدة الفقهيّة ، على أنّ الأعمال بالنيّة ، لما رواه البخاري في الصحيح و مسلم في المقدمة و أبو داوود و ابن ماجة في سننهما عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -‏ رضى الله عنه -‏ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : «‏ إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ،‏ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى »‏ .
      قال الحافظ ابن حَجَر في الفتح [8/185 و ما بعدها ] مُنيطاً الحُكمَ بقَصد صاحبهِ : أما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدو ، فصرح الجمهور بأنه إن كان لفرط شجاعته ، و ظنه أنه يرهب العدو بذلك ، أو يجرِّئ المسلمين عليهم ، أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن ، ومتى كان مجرد تهوّر فممنوع ، ولا سيما إن ترتّب على ذلك وهن في المسلمين ، واللّه أعلم .اهـ.
      قلتُ : و إذا كانت النفس البشريّة مُلكاً لبارئها و خالقها ، و العبدَ مؤتَمَناً عَليها ، مسؤولاً عنها ، فليس له أن يتعدّى عليها فيؤذيها أو يزهقها بغير حقّ ، فإن أداء الأمانة في أسمى صُوَرها ، يكون بِبَذلِها لصاحبها و مالكها ، فمن جاد بنفسه طواعيةً في سبيل الله فقد أدّى ما عليه و أمره إلى الله .
      و من التجنّي و مجاوزة الحق ؛ أن نحكم بالانتحار على من يريد الشهادة و يبذل نفسه في سبيل الله ، تحكّماً منّا في نيّته ، و حكماً على سريرته و ما في قلبه بغير علم ، مع علمنا أنّه لو أراد الانتحار لسلك إليه طرقاً أخرى و ما أكثرها و أيسرها .
      كما يُستدلّ على مشروعيّة العمل الاستشهادي بقاعدة ( ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب ) المقرّرة عند الأصوليين ، ففي زمن الخَوَر و الضعف و الدَعة ، بل الصدّ عن الجهاد و التآمر على أهله ، و قطع السبل المفضية إليه ، مع الإقرار بوجوبه و تعيّنه ، لا يجد المجاهدون سبيلاً لمقارعة العدو و كسر شوكته ، سوى الاقتحام بأنفسهم في صفوفه ، رجاء ردّه على أعقابه ، و احتساب الشهادة لمن يقضي في تلك العمليات من المسلمين ، إذ لا بديل عن ذلك ، و لا سبيل للجهاد سوى هذا السبيل ، في ظل الظروف الراهنة ، فيُشرع العمل بهذه الصورة استناداً إلى القاعدة المتقدّمة الذِكر .
      جاء في أضواء البيان للشيخ محمد الأمين بن المختار الشنقيطي رحمه الله عند تفسير قوله تعالى : ( مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ) [ الحشر : 5] : إنّ الإذن بالقتال إذن بكل ما يتطلبه , بناء على قاعدة : الأمر بالشيء أمر به و بما لا يتم إلا به . اهـ.
      و هاهنا شبهة يحسن الردّ عليها ، و هي أنّ بعض المعاصرين أفتى بأن المقدم على الاقتحام في عمل استشهادي ، منتحر قاتل لنفسه ، مستحقّ للوعيد يوم القيامة .
      و نذكّر من هذا مذهبه بقول علماء الأصول : ( لا قياس مع الفارق ) ، فكيف يُقاس من طلب الشهادة بتفجير نفسه إيماناً و احتساباً في العملية الاستشهادية ، و يٌقبل على الله بنفس مطمئنّة فرحة مستبشرة متطلعة للشهادة والجنة و ما عند الله في الآخرة ، و نصرة الدين و النكاية بالعدو و الجهاد في سبيله في الدنيا بمن قتل نفسه جزعاً و قنوطاً أو تسخطا على القدر و اعتراضا على المقدور أو استعجالا للموت أو تخلصا من الآلام و العذاب أو يأسا من الشفاء ، بنفس خائفة يائسة ساخطة لا يستوون ، فقد قال تعالى : ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون ) ، و قال تعالى : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) .
      و أما من قاس العمليّة الاستشهاديّة على الانتحار ، و ألحقها به في الحكم ؛ بدعوى أنّ من يفجّر نفسه بين عناصر العدو يشبه المنتحر من جهة مباشرته قتل نفسه بيده أو بما يحمله من متفجّرات ، لا بيد عدوّه أو سلاحه ، فقد أبعَد النجعةَ و أفسدَ القياسَ ، لأنّه لم يعِ مراد الأصوليين من تعريف للقياس بقولهم : هو إلحاق فَرعٍ بأصلٍ في الحُكم لعلّةٍ جامعة بينهما ، و بالتالي لم يُفرّق بين العلّة و الصفة ، فظنّ أنّ كلا الأمرين انتحار ، لأنّ فيه مباشرة للقتل ، و غاب عليه أنّ العلّة التي دَفَعت المنتحر إلى إزهاق روحه ، هي التخلّص من الحياة اعتراضاً على القَدَر ، و سخطاً على ما لحقه من قضاء الله و قَدَره ، و هذا خلاف ما تقدّم بيانه من دوافع المجاهد لبذل روحه في سبيل الله .
      و إذا سلّمنا جَدَلاً أو تنزُّلاً بأنّ العلّة في الانتحار هي مباشرة المنتحر قتل نفسه ، فما ظنّكم بمن يعترض سبيل سيارة أو قطار كما هو الشائع عند المنتحرين في الغرب اليوم ، ألا يُعدُّ منتحراً رغم أنّه لم يحمل أداة القتل بيده ، و لم يباشر قتل نفسه بِسُمٍّ تَحَسَّاهُ ، أو حَدِيدَةٍ تَوَجَّأَ بِهَا فِي بَطْنِهِ ، و ما تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ؟

      المقصد السابع
      مراعاة المصالح و المفاسد في الحكم على العمليّات الاستشهاديّة

      إنَّ الحُكمَ على أفعال العباد تراعى فيه المصالح و المفاسد ، فلا يشرع منها ما يغلب على الظن أو يٌتَيَقَّن أنّه يؤدي إلى مفسدة ، تماماً كما هو الحال في باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .
      قال أبو حامد الغزّالي - رحمه اللّه – [ في الإحياء 7 / 26 من الطبعة المنشورة مع شرحها و هو الإتحاف ] : ( لا خلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار و يقاتل ، و إن علم أنه يقتل ، و كما أنه يجوز أن يقاتل الكفار حتى يقتل جاز -أيضاً- ذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكن لو علم أنه لا نكاية لهجومه على الكفار ، كالأعمى يطرح نفسه على الصف ، أو العاجز ، فذلك حرام ، وداخل تحت عموم آية التهلكة ، وإنما جاز له الإقدام إذا علم أنه لا يُقْتل حتى يَقْتل ، أو علم أنه يكسر قلوب الكفار بمشاهدتهم جرأته ، واعتقادهم في سائر المسلمين قلةَ المبالاة ، وحبَّهم للشهادة في سبيل اللّه ، فتُكسَرُ بذلك شوكتهم ) .
      قلتُ : نَظَراً لحساسية الوضع و دقّته ، و اختلاف النظرة بين الناس في ما يترتب عليه من المصالح و المفاسد فإنّ من الفقه في الدين و التبصّر في الواقع الرجوع إلى أهل الخبرة و الدراية في هذا الباب من عسكريين و إعلاميين و ساسة ، و قد ألفيناهم شبه شبه مجمعين على أن هذه العمليات لا تحرر أرضاً ، و لا تردُّ عدُوّاً ، و لا تعيد حقاً مغتصباً ، و لكنّها تثخن في العدو فتكفأ قَدره ، و تحط قَدره ، و تشيع البلبلة و التخويل في صفوفه ، و تزعزع أركانه و لو بقَدَر ، و هذه بعض محاسنها .
      و مع ما قد يترتب عليها من زيادة صَلَف العدو و تجبّره و فتكه و انتقامه ، فإن الواقع أثبت عِظَم المنفعة و رجوح المصلحة على المفسدة و الحمد لله .
      و من منظار المصالح و المفاسد أيضأ ، نرى أنّ الحرص على الشهادة يعوّض نقص العدة و العدد , و يؤثر في العدو أبلغ الأثر المادي و المعنوي ، و من أمثلة ذلك ما نشهده في بيت المقدس و أكناف بيت المقدس ، و ما شهدناه في جنوب السودان من عمليات الدبابين التي ترجمت واقعياً أنّ حبّ المسلم للشهادة يفوق تمسّك الكافر بالحياة .
      و يترتّب على هذه العمليّات إرهاب العدو و إرعابه ، و هذا مقصدٌ شرعي ، قال تعالى : (‏ سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ )‏ و قال سبحانه : ( فإما تثقفنّهم في الحرب فشرِّد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ) [ الأنفال : 57 ] .
      و روى البخاري و غيره عن جابر بن عبد الله أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلّم قال :‏ «‏ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ »‏ ، و لا أبلغ في إيقاع الرعب في صفوف العدو من الإقدام على الموت بطمأنينةِ من باع نفسه لله .
      و كفى مثالاً على جدوى العمليّات الاستشهاديّة و بالغِ أثَرِها في العصر الحديث ، أنّها أرغمت أنوف القادةِ الروس على إنهاء حربهم الأولى على الشيشان قبل عِدّة سنوات ، و أتت بهم صاغرين إلى التفاوض مع المجاهدين . و قد تمخّضت المفاوضات يومئذٍ عن هدنة السنوات الخمس ، التي ردّت الروس على أدبارهم ، و قَلَبتهم على أعقابهم ، لا يلوون على شيء ، و لا يتطلّعون إلى أكثر من حقن دماء من تبقّى من جهودهم ، بعد أن دبّ الرُّعب في صفوفهم ، و فرّق الذعر رأيهم ، و أطاش رَميَهم .
      و لا يمنع من ذلك ما يراه الناظر بعينٍ واحدة ، من همجيّة الرد ، و عنجهيّة العدو ، فإنّ هذه سنّة الله في عباده ، و لنا العزاء في قوله تعالى : ( إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ و تِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) [ آل عمران : 140 ] و قوله سبحانه : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) [ آل عمران : 173 ] ، و قوله جلّ شأنه : ( إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ) [ النساء : 104 ] .
      و نحن نعذر من لم يرَ في العمليّات الاستشهاديّة جدوى ، و لم يُعلّق عليها أملاً و إن كان صغيراً ، لأن الثمرة اليانعة التي رآها المجاهدون عَياناً في عمليّاتهم ، قد تكون خافيّةً على غيرهم ، و خاصّة أولئك الذين قعدوا مع القاعدين ، لأنّ ( الخفاء و الظهور من الأمور النسبيّة ، فربّما ظهر لِبَعض الناس ما حفي على غَيرِه ، و يَظهَر للإنسان الواحد في حالٍ ما خَفيَ عليه في حالٍ أخرى ، و أيضاً فالمقدّمات و إن كانت خفيّةً فقد فقد يُسلّمها بعض الناس ، و يُجادل فيما هو أجلى منها ، و قَد تفرَح النفس بما علِمته من البحث و النظر ما لا تَفرَح بما عَلِمَته من الأمور الظاهرة ) [ شرح العقيدة الطحاوية ، لابن أبي العزّ الحَنَفي ، ص : 112 ] .

      المقصد الثامن
      في ما يتعلّق بقتل المدنيين في هذه العمليّات

      لا حجّة لمن يُنكر العمليّات الاستشهاديّة بدعوى أنّها تستهدف ( أو يقع من ضحاياها بعض ) المدنيين ، و النساء و الأطفال و الشيوخ غير المحاربين ، فقد روى الشيخان و أبو داوود و الترمذي و ابن ماجة و أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ -‏ رضى الله عنهم -‏ قال : مَرَّ بي النبي صلى الله عليه وسلم بِالأَبْوَاءِ -‏ أَوْ بِوَدَّانَ -‏ وَ سُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ،‏ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَ ذَرَارِيِّهِمْ قَالَ : «‏ هُمْ مِنْهُمْ »‏ .‏ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : «‏ لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه و سلم »‏ .‏
      و من هذا الحديث الشريف أخذ العلماء جواز التبييت في الحرب . قال الإمام أحمد : لا بأس بالبيات وهل غزو الروم إلا البيات ، و قال : لا نعلم أحداً كره البيات . [ انظر : المغني مع الشرح الكبير : 10 / 503 ].
      هذا مع ما في التبييت من مخاطرة بغير المحاربين نساءً و أطفالاً و شيوخاً ، فالنص يقطع دابر الخلاف في المسألة ، و يجعلهم سواء .
      و روى الترمذي عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ .‏ و معلوم أن الرمي بالمنجنيق يقع على كلّ من في الحصن ، و بثبوته يبطل التفريق بين المحاربين و بين ذويهم ، و الله أعلم .
      بل يزاد على ذلك أن العبرة في التعامل مع العدو ليست بتقسيمهم إلى فسطاطين لا ثالث لهما ، بل يُلحق بالمحاربِ المساندُ بالرأي و المال ، لِفعل النبيّ صلى الله عليه و سلّم مع بني قريظة ، حيث قَتَل مقاتِلَتهم ( و هم القادرون على حمل السلاح من الرجال ) و لم يكن يسأل القُرَظيّ : أحاربتَ أم لا ؟
      ثمّ إن دماء الكافرين لا يحصنها إلا عقد الذمّة أو الأمان ، فهل لدى اليهود في فلسطين شيء من ذلك ؟

      المقصد التاسع و الأخير
      في تلخيص ما تقدّم

      خلاصة البحث في هذا الموضوع يمكن إيجازها في النقاط التالية :
      • إن الجهاد ماض إلى قيام الساعة دَفعاً و طلباً مع كلّ برٍّ و فاجر ، و ليس لأحد أن يسقطه أو يوقفه إلا من عُذر شرعي .
      • عامّة ما عرفه المسلمون في العصر الحديث من صور الجهاد ( في أفغانستان و البوسنة و الشيشان و فلسطين و الفلبين و غيرها ) هو من قبيل جهاد الدَفع لا الطَلَب ، و لا يشترط على من تعيّن عليه للخروج إليه وجود الأمير و لا إذن ولي الأمر الخاص و لا العام .
      • ما يُعرف اليوم باسم العمليّات الاستشهاديّة مسألة معاصرةٌ مُحدثة تراعى في الحكم عليها المصالح و المفاسد ، التي تختلف زماناً و مكاناً ، كما يسوغ الاختلاف في تقريرها بين أهل العلم و الخبرة ، فتتباين آراؤهم تَبعاً لذلك ، و يعذر الجميع لاجتهادهم ، و يُدعى لعمومهم بالخير ، و لا يُتّخذون عرضاً .
      • في أحداث السيرة النبويّة و السنن الفعليّة و القوليّة و فعل السلف الصالح و أقوال الأئمّة ما يدل عن طريق القياس ( لتوافق العلّة ) على مشروعيّة العمليّات الاستشهاديّة بصوَرها المعاصرة ، و خاصّة تلك الواقعة في دِيار الجهاد المتعيّن كفلسطين .
      • إذا كان القياس إلحاقَ فَرعٍ بأصلٍ في الحُكم لعلّة جامعةٍ بينهما ، و اتّحدت العلّة بين العمليّات الاستشهاديّة و الحمل على العدوّ و الاقتحام عليه و الغرر بالنفس في ذلك طلباً للشهادة ، فإنّ الحكم واحدٌ في ذلك كلّه ، و إن اختلفت المسمّيات .
      • لا وجه لتشبيه العمليّات الاستشهاديّة بالانتحار أو تسميتها بذلك ؛ لاختلاف النيّة و الباعث و الأثر ، و لا ينزّل حكم الانتحار على القائمين بهذه العمليّات ، و لا يجوز لغيرهم الحكم على نيّاتهم ، بل تُحمَل على أحسن المحامل ، و لا يُنسَب إلى ساكتٍ قَول .
      • إذا جاز ورود المهالك في الجهاد ، و صحّ انعقاد الإجماع عليه ، فإن من أجلى صُوَره في زماننا العمليّات الاستشهاديّة القائمة على تفجير النفس بين الأعداء ، أو الاقتحام عليهم ، أو دفعهم إلى المهالك ( بتغيير مسارات مراكبهم عنوة و نحو ذلك ) صِرنا ضرورةً إلى القول بمشروعيّة ذلك كلّه ، إذ لا مندوحة للخروج على الإجماع القطعي الثبوت ، إذا انعَقَد .
      • إن ما أخَذه بعض العُلماء المعاصرين على العمليّات الاستشهاديّة و منفذيها ، و أثّر في فتاواهم و أحكامهم حقٌّ كلّه أو جلّه ، يجب الوقوف عليه بتدبّر ، كمراعاة المصالح و المفاسد ، و البعد عن الطيش و العمل الفردي غير المدروس ، و نزع يد الطاعة من أمير الجهاد ، و ليُعلَم أنّ الفتاوى التي لا تجوّز هذه العمليّات منوطة بعلل ( كغلبة المفسدة على المصلحة ) تزول بزَوالها ، و لا تعني التحريم المُطلق بحال ، و أنّ قست ألفاظها ، و احتد أصحابها في طرحها .
      • لا حجّة لمن يُنكر العمليّات الاستشهاديّة بدعوى أنّها تستهدف ( أو يقع من ضحاياها بعض ) المدنيين ، و النساء و الأطفال و الشيوخ غير المحاربين ، في زمن يساهم فيه الجميع في الحرب على الإسلام و أهله بآرائهم و أموالهم ( تبرعاتٍ و ضرائب ) و أصواتهم .
      • العمليات الاستشهاديّة وسيلة شرعيّة من وسائل الجهاد ، يُلجأ إليها في وقت الحاجة ، و بمقدارها ، و ليست الأصلَ المتعيّن ، و لا السبيل الأوحد لمجاهدة الكفار و المنافقين و التغليظ عليهم ، بل الواجب على الأمّة الاستعداد و الإعداد بكل صوره المتاحة ( و أعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ و من رباط الخيل ترهبون به عدوَّ الله و عدوَّكم ) .
      هذا و الله نسأل أن يمكن لعباده دينهم الذي ارتضى لهم ، يعبدونه لا يُشركون به شيئاً ، و يجودون في سبيله بالنفس و النفيس ، و أن يقرّ أعيننا بالنصر و التمكين ، و يرزقنا في المسجد الأقصى صلاةً ، و على ثغوره رباطاً ، و في أكنافه جهاداً ( و ما النصر إلا من عند الله ) .
      و صلى الله و سلّم و بارك على نبيّنا محمّد و آله و صحبه أجمعين .

      و كتب
      أحمد بن عبد الكريم نجيب
      ( الملقّب بالشريف )
      دَبْلِن ( إيرلندا ) في غرّة صفر الخير عام 1423 للهجرة
      الموافق للخامس عَشَر من أبريل ( نيسان ) عام 2002 للميلاد
      [email protected]

      تعليق


      • #4
        الشيخ / ابن تـيـمـيـة ... العمليات الإستشهادية جــائــزة
        انظر ( فتاوى ابن تيمية ) الجزء 28 صــ540
        رحـــمـــة الله تعالى
        يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :

        "ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم فى صف الكفار، وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه، إذا كان فى ذلك مصلحة للمسلمين، وقد بسطنا القول فى هذه المسألة فى موضع آخر

        فإذا كان الرجل يفعل ما يعتقد أنه يقتل به لأجل مصلحة الجهاد، مع أن قتله نفسه أعظم من قتله لغيره، كان ما يفضى إلى قتل غيره لأجل مصلحة الدين التى لا تحصل إلا بذلك ودفع ضرر العدو المفسد للدين والدنيا الذى لا يندفع إلا بذلك أولى "



        __________________

        تعليق

        جاري التحميل ..
        X