السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقدم لكم اخواني البيان الذي أصدره شيخ الازهر محمد الطنطاوي والذي يبين فية عدم مشروعية وحرمة العمليات الإستشهادية البطولية الذي يقوم بها ابناء شعب فلسطين الصامد ضد الإحتلال الغاصب فهذا البيان يبين لكم ان علماء الدين العرب هم علماء سلاطين يأخذون الأوامر من رؤسائهم ويحللون ويحرمون على اهواءهم فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
الدليل الأول:
قوله تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) النساء 29
دلت الآية على أنه لا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه ولو في سبيل تحقيق غاية شرعية ، لأن النهي هنا عام ولم يستثن شيئا. فمن زعم أن هناك استثناء في حالة العمليات الاستشهادية فقد تقوًل على الله الكذب ،وطعن في النص بالنقصان.
الدليل الثانى :
قوله تعالى ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ) المائدة 32
فسواء قتل المسلم نفسه في العملية الاستشهادية أو قتل نفس غيره في موقف آخر ؛ ففي الحالتين قد قتل نفسا ،وقتل نفس واحدة هي عند الله كقتل الناس جميعا ؛ بنص الآية ؛ فهل يمكن أن يباح لمؤمن أن يفعل شيئا يعدل قتل الناس جميعا ؟
الدليل الثالث :
روى البخارى فى صحيحه ..( باب البيعة في الحرب على ألا يفروا ، وقال بعضهم على الموت ) :
2958-وقال بن عمر رضى الله عنهما : ( ……………………… فسألنا نافعا على أي شيء بايعهم ،على الموت؟ قال لا بل بايعهم على الصبر).
2959- عن عبد الله بن يزيد قال : (…………لا أبايع على الموت أحد بعد رسول الله).
قال ابن حجر فى الفتح : ( المراد بالمبايعة على الموت ألا يفروا ولو ماتوا ،وليس المراد أن يقع الموت ولا بد ،وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله بل بايعهم على الصبر )
قلت: و إنكار نافع رضى الله عنه يدل على عدم جواز المبايعة على فعل يقع به الموت على وجه يقيني لا يداخله أدنى شك كما في حالة العمليات الاستشهادية ، وقول عبد الله بن يزيد رضى الله عنه معناه أنه لن يقبل طلب أي إمام بالمبايعة على الموت ؛ بعد الرسول ؛ لقوله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه ) فلا مجال للنقاش مع أوامر الرسول ، ولو كانت المبايعة على الموت جائزة لقبلها من غير الرسول صلى الله عليه وسلم.
تفنيد الأدلة التي أجازت العمليات الاستشهادية
عندما نقول بعدم جواز العمليات الإستشهادية ؛ فليس معنى ذلك أننا نسوى العمليات الاستشهادية بالانتحار ، بل نقول إن القائم بها قد أخطأ ، فنسأل الله أن يتجاوز عن خطئه ، كما وعد سبحانه بقوله ( ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم )
ورغم أن الأدلة الثلاثة السابقة فيها الكفاية على عدم جواز العمليات الاستشهادية ، إلا انني سأوضح بطلان ما استند إليه العلماء في إباحة هذه العمليات حتى تقوم الحجة كاملة ولا يبقى لمعتذر عذر .
تفنيد الدليل الأول:
قال العلماء المجيزون للعمليات الإستشهادية :
وفي صحيح مسلم [300] من طريق حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة "الملك والساحر والراهب والغلام" .. الحديث وفيه " فقال الغلام الموحد للملك الكافر : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد .. وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال : باسم الله رب الغلام ، ثم رماه فوقع السهم في صُدْغه، فوضع يده في صُدْغه في موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا رب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام ، فأتي الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرُك، قد آمن الناس ، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدّت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق ".
ففي هذا دليل على صحة هذه العمليات الاستشهادية التي يقوم بها المجاهدون في سبيل الله القائمون على حرب اليهود والنصارى والمفسدين في الأرض.
فإن الغلام قد دل الملك على كيفية قتله حين عجز الملك عن ذلك بعد المحاولات والاستعانة بالجنود والأعوان.
ففعلُ الغلام فيه تسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك والجامع بين عمل الغلام والعمليات الاستشهادية واضح فإن التسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك حكمه حكم المباشرة لقتلها. ///
قلت :
الاستلال هنا باطل من وجهين:
الوجه الأول:
إن ذلك استدلال بشرع من قبلنا على مسألة جاء الحكم فيها واضحا في شرعنا ، فالمعلوم أن الشرائع تنسخ وتتبدل بأمر من الله لرسله ، فما شرع لنا في القرآن من تكاليف لم يشرع لمن كانوا قبلنا ، وما أمر الله به من كانوا قبلنا لم يأمرنا به ، وقد أدى اتباع شرع من كانوا قبلنا إلى مفاسد كثيرة هذه الأيام ، فقد ضل كثير من الناس عندما قعدوا عن الجهاد مسترشدين بشرع نوح عليه السلام الذي لم يؤمر فيه بالقتال ، و اكتفوا بالدعوة السلمية ، وضل آخرون عندما قعدوا عن الجهاد أيضا زاعمين أنهم يتبعون هدى محمد صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة قبل تشريع القتال. فكلا الفريقين تجاهل مسألة نسخ الشرائع ، الأول اتبعوا شريعة من كانوا قبلنا والأخر اتبعوا ما نسخ من شريعتنا ؛ فحادا عن السبيل. فكيف نفعل مثلهم ونسترشد بشرع من قبلنا ؟ وقد جاء الأمر صريحا في شرعنا بقوله تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) ، بالإضافة إلى الأدلة السابق الإشارة إليها .
الوجه الثانى:
لو فرضنا أن القصة قد حدثت فى زمن محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه رآها وأقرها ،فهي أيضا لا دلالة فيها :
فإن الغلام لم يباشر القتل بل شارك بالتسبب فى القتل عن طريق الإرشاد ، بينما قام الملك بمباشرة فعل القتل ، والقائم بالعملية الاستشهادية يباشر فعل القتل بنفسه ، ففعله إذا أقرب إلى فعل الملك وليس الغلام .
فتأمل عندما تنقلب حجة العالم إلى حجة عليه !!!!
وحتى أوضح هذا التلبيس الخطير أقول :
فى حالات الجنايات ( التي يحاول العلماء القياس عليها ) يستوى في الإثم كلا من المباشر للقتل (القاتل) والمشارك بالتسبب فى القتل ( المساعد على القتل بوسيلة ما) . وقياسا على ذلك يحاول علماؤنا أن يقولوا أن المباشر للقتل (القائم بالعملية الاستشهادية) يستوى مع المشارك بالتسبب فى القتل (الغلام).
وفى الرد أقول :
فى حالات الجنايات تكون الواقعة واحدة ، أما هنا فهناك واقعتان ؛واقعة الغلام وواقعة العملية الاستشهادية . فكيف نجمع بين واقعتين مختلفتين فى التفاصيل ونقيسهما على واقعة واحدة ؟ كيف نقول أنه مثلما يستوى فى الإثم القاتل فى الجنايات مع صاحبه الذى ساعده ؛فإن القائم بالعملية الاستشهادية يستوى فى الفضل مع الغلام ، رغم أن واقعة الغلام بعيدة كل البعد عن واقعة العملية الاستشهادية ومختلفة تمام الاختلاف؟ وهذا قول عجيب، فلو صح القياس (وهو باطل أصلا) لاستوى الغلام مع الملك أولا قبل أن نحاول أن نساويه بالقائم بالعملية الاستشهادية . ولاستوى القائم بالعملية الاستشهادية مع الملك قبل أن يستوى مع الغلام. فتأمل. فالمسألة هنا تحتاج إلى بعض التدبر حتى تفهم جيدا.
تفنيد الدليل الثانى:
قال العلماء المجيزون للعمليات الإستشهادية:
1– فعل البراء بن مالك في معركة اليمامة ، فإنه اُحتمل في تُرس على الرماح والقوة على العدو فقاتل حتى فتح الباب ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، وقصته مذكورة في سنن البيهقي في كتاب السير باب التبرع بالتعرض للقتل ( 9 / 44 ) وفي تفسير القرطبي ( 2 / 364 ) أسد الغابة ( 1 / 206 ) تاريخ الطبري .
2 – حمل سلمة ابن الأكوع والأخرم الأسدي وأبي قتادة لوحدهم على عيينة بن حصن ومن معه ، وقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : ( خير رجّالتنا سلمة ) متفق عليه.، قال ابن النحاس : وفي الحديث الصحيح الثابت : أدل دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده وان غلب على ظنه انه يقتل إذا كان مخلصا في طلب الشهادة كما فعل سلمة بن الأخرم الأسدي ، ولم يعب النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينه الصحابة عن مثل فعله ، بل في الحديث دليل على استحباب هذا الفعل وفضله فإن النبي عليه الصلاة والسلام مدح أبا قتادة وسلمة على فعلهما كما تقدم ، مع أن كلاً منهما قد حمل على العدو وحده ولم يتأنّ إلى أن يلحق به المسلمون اهـ مشارع الأشواق ( 1 / 540 ) .
3– ما فعله هشام بن عامر الأنصاري لما حمل بنفسه بين الصفين على العدو الكثير فأنكر عليه بعض الناس وقالوا : ألقى بنفسه إلى التهلكة ، فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة رضي الله عنهما وتليا قوله تعالى ( ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله .. ) الآية ، مصنف ابن أبي شيبة ( 5 / 303 ، 322 ) سنن البيهقي ( 9 / 46 ) .
4– حمل أبي حدرد الأسلمي وصاحيبه على عسكر عظيم ليس معهم رابع فنصرهم الله على المشركين ذكرها ابن هشام في سيرته وابن النحاس في المشارع( 1 /545 ).
5 – فعل عبدالله بن حنظلة الغسيل حيث قاتل حاسراً في إحدى المعارك وقد طرح الدرع عنه حتى قتلوه ، ذكره ابن النحاس في المشارع ( 1 / 555 ) .
6 – نقل البيهقي في السنن ( 9 / 44 ) في الرجل الذي سمع من أبي موسى يذكر الحديث المرفوع : الجنة تحت ظلال السيوف . فقام الرجل وكسر جفن سيفه وشد على العدو ثم قاتل حتى قتل .
7 – قصة أنس بن النضر في وقعة أحد قال : واهاً لريح الجنة ، ثم انغمس في المشركين حتى قتل . متفق عليه
هذه الحوادث السبع السابقة مع ما نُقل من الإجماع هي المسألة التي يسميها الفقهاء في كتبهم مسألة حمل الواحد على العدو الكثير ، وأحيانا تسمى مسألة الانغماس في الصف ، أو مسألة التغرير بالنفس في الجهاد .ووجه الاستشهاد في مسألة الحمل على العدو العظيم لوحده وكذا الانغماس في الصف وتغرير النفس وتعريضها للهلاك أنها منطبقة على مسألة المجاهد الذي غرر بنفسه وانغمس في تجمع الكفار لوحده فأحدث فيهم القتل والإصابة والنكاية . وأيّ فرق في الشرع بين العمليات الاستشهادية وبين الاقتحام على العدو مع غلبة الظن بالموت وقد تواترت الأدلة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الاقتحام والانغماس في العدو وقتالهم وظاهر هذا ولو تحقق أنهم يقتلونه ويريقون دمه .فإن قيل هذا المنغمس في العدو قُتل بيد العدو وذاك الفدائي بفعله فيقال ثبت في الشرع أن المتسبب في قتل النفس والمشارك في ذلك حكمه حكم المباشر لقتلها
أقول:
أما الانغماس صفوف العدو ،و حمل الواحد على العدو الكثير فهو جائز بلا ريب للأدلة المشار إليها .
ولكن المنغمس فى الصفوف هنا يختلف عن القائم بالعملية الاستشهادية من ثلاثة وجوه :
الوجه الأول:
هو ما ذكروه أنفسهم من أن المنغمس قتل بيد العدو والقائم بالعملية الاستشهادية قتل بفعله ، أما ردهم على ذلك بأنه ثبت في الشرع أن المتسبب في قتل النفس والمشارك في ذلك حكمه حكم المباشر لقتلها ، أقول نعم ، ثبت ذلك فى حالة الجنايات ولا وجه للاستدلال بذلك هنا ، وقد وضحت هذه النقطة بالتفصيل فى قصة الملك والغلام ، والفارق هنا أن العدو سيكون مكان الملك ، والقائم بالانغماس فى الصف سيكون محل الغلام ،والباقي لن يتغير منه شيئا ، فلا داعي لتكرار الكلام. وارجع إلى الفقرة السابقة لتتأمله.
الوجه الثاني:
إن المنغمس فى الصف لابد وأن يشوب يقينه بالموت بعض الشك ، وقد قال ابن تيميه ( ولهذا جوّز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين ) . ولو كان هنا الحديث عن القائم بالعملية الاستشهادية لما قال (وإن غلب على ظنه). ففى العملية الاستشهادية يكون اليقين تاما.
الوجه الثالث :
لا يمكن اعتبار أن المنغمس فى الصف قد شارك بالتسبب فى قتل نفسه ، لانه بلا ريب سيدافع عن نفسه ما استطاع ، فكيف يقال أنه شارك فى قتل نفس يدافع عنها؟ ولو كان الأمر كذلك لكان كل من ثبت ولم يفر وقاتل حتى الموت قد شارك بالتسبب فى قتل نفسه، بل لكان كل الشهداء قد شاركوا فى قتل أنفسهم !!! فتأمل
تفنيد الدليل الثالث:
قال العلماء المجيزون للعمليات الإستشهادية :
من الآيات التى يمكن أن يحتج بها فى هذه المسألة :
1 – قوله تعالى : ( ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد ) ، فإن الصحابة رضي الله عنهم أنزلوها على من حمل على العدو الكثير لوحده وغرر بنفسه في ذلك ، كما قال عمر بن الخطاب وأبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة رضي الله عنهم كما رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم ، ( تفسير القرطبي 2 / 361 ) .
2 – قوله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون .. ) الآية ، قال ابن كثير رحمه الله : حمله الأكثرون على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله .
3 – قوله تعالى : ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة من رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ، والعمليات الاستشهادية من القوة التي ترهبهم .
4 – قال تعالى في الناقضين للعهود : ( فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ) .
أقول:
1-الآية الأولى دلت على جواز الانغماس فى الصف ، مثل الحوادث السبع السابقة ، وقد بينت بإسهاب الفرق بينها وبين العمليات الاستشهادية فى الفقرة السابقة فلا داعي لتكرار الكلام.
2-الآية الثانية نزلت فى الجهاد بصفة عامة ، وليس فيها أي إشارة من قريب أو بعيد إلى مسألة العمليات الاستشهادية.
3-قيل في الآية الثالثة أن العمليات الاستشهادية من القوة ،وهذا صحيح ولكن ليس كل قوة تعد قوة شرعية ، وفى صحيح مسلم قال عقبة بن نافع سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ألا ان القوة الرمي ،ثلاثا. والمقصود الرمي بالسهام ، فهذه قوة شرعية وتلك قوة غير شرعية.
4-الآية الرابعة ليس فيها أي إشارة من قريب أو بعيد إلى العمليات الاستشهادية . وسبحان الله.
تفنيد الدليل الرابع (مسألة التترس)
قال العلماء المجيزون للعمليات الإستشهادية
فيما لو تترس جيش الكفار بمسلمين واضطر المسلمون المجاهدون حيث لم يستطيعوا القتال إلا بقتل التُرس من المسلمين جاز ذلك ، قال ابن تيمية في الفتاوى ( 20 / 52 ) ( 28 / 537، 546) قال : ولقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم .. اهـ ، وقال ابن قاسم في حاشية الروض ( 4 / 271 ) قال في الإنصاف : وإن تترسوا بمسلم لم يجز رميهم إلا أن نخاف على المسلمين فيرميهم ويقصد الكفار وهذا بلا نزاع . اهـ
ووجه الدلالة في مسألة التترس لما نحن فيه أنه يجوز للتوصل إلى قتل الكفار أن نفعل ذلك ولو كان فيه قتل مسلم بسلاح المسلمين وأيدي المسلمين ، وجامع العلة والمناط أن التوصل إلى قتل العدو والنكاية به إنما يكون عن طريق قتل التُرس من المسلمين فحصل التضحية ببعض المسلمين المتترس بهم من أجل التوصل إلى العدو والنكاية به ، وهذا أبلغ من إذهاب المجاهد نفسه من العمليات الاستشهادية من أجل التوصل إلى العدو والنكاية به ، بل إن قتل أهل التُرس من المسلمين أشد لأن قتل المسلم غيره أشد جرما من قتل المسلم لنفسه ، لأن قتل الغير فيه ظلم لهم وتعدٍ عليهم فضرره متعد وأما قتل المسلم نفسه فضرره خاص به ولكن اُغتفر ذلك في باب الجهاد وإذا جاز إذهاب أنفس مسلمة بأيدي المسلمين من أجل قتل العدو فإن إذهاب نفس المجاهد بيده من أجل النكاية في العدو مثله أو أسهل منه ، فإذا كان فعل ما هو أعظم جرما لا حرج في الإقدام عليه فبطريق الأولى ألا يكون حرجا على ما هو أقل جرما إذا كان في كليهما المقصد هو العدو والنكاية لحديث : إنما الأعمال بالنيات .///
أقول:
تترس أى توقى بالترس ، والترس بتشديد التاء وضمها هو ما كان يتوقى به فى الحرب، وتترس جيش الكفار بمسلمين أى (كما نقول اليوم ) اتخذهم دروعا بشرية
الفارق واضح بين قتل المسلمين الذين يتخذهم الكافرون دروعا بشرية ، وبين قاتل نفسه فى العملية الاستشهادية ، وهو مسالة نية العمد أو التعمد ، فقاتل نفسه فى العملية الاستشهادية يتعمد قتل نفسه ويستقر ذلك فى نيته ، أما إذا حدث وقتل المسلمون من إخوانهم الذين يتترس بهم الكافرون ، فلا يمكن لعاقل أن يقول أنهم قصدوا أو تعمدوا قتل إخوانهم ، بل انهم سيحاولون تجنب ذلك ما استطاعوا عن طريق الضرب والرمى فى الأماكن التى لا يتواجد فيها إخوانهم ، فإن وقع قتل فهو هنا من يندرج تحت قوله تعالى(وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأا) النساء 92 .والنفى والاستثناء في الآية يفيد القصر والحصر لقتل المؤمن على الخطأ دون غيره.
وإن زعم أحد أنه يجوز قتل المسلمين المتترس بهم (عمدا) من أجل التنكيل بالكافرين فقوله مردود بالآية السابقة ، ولو كان هناك حالات يباح فيها قتل المسلمين لإخوانهم (عمدا ) لبينها الله تعالى فى القرآن الذي قال فيه ( ما فرطنا في الكتاب من شيء )، ولذا فإن قال أحد (وهو ما لم يحدث على حد علمي ) بجواز (تعمد) قتل المسلمين المتترس بهم يكون بذلك قد شرع فى الدين ما لم يأذن به الله، فليحذر من يردد الكلام دون الالتفات إلى خطورته .
تفنيد الدليل الخامس (مسألة البيات):
قال العلماء المجيزون للعمليات الاستشهادية
ويقصد بها تبيت العدو ليلا وقتله والنكاية فيه وإن تضمن ذلك قتل من لا يجوز قتله من صبيان الكفار ونسائهم ، قال ابن قدامة : يجوز تبييت العدو ، وقال أحمد : لا بأس بالبيات وهل غزو الروم إلا البيات ، وقال : لا نعلم أحداً كره البيات . المغني مع الشرح ( 10 / 503 ) . ووجه الدلالة أنه إذا جاز قتل من لا يجوز قتله من أجل النكاية في العدو وهزيمته فيقال : وكذلك ذهاب نفس المجاهد المسلم التي لا يجوز إذهابها لو ذهبت من أجل النكاية جائز أيضا ، ونساء الكفار وصبيانهم في البيات قتلوا بأيدي من لا يجوز له فعله لولا مقاصد الجهاد والنيات .
قلت:
المعلوم أنه لا يجوز قتل نساء وصبيان الكافرين ، فإذا سلمنا بجواز مسألة البيات ، فهناك وجهان للاختلاف بين قتل النساء والأطفال فيها وقتل القائم بالعملية الاستشهادية لنفسه :
الوجه الأول:
قتل القائم بالعملية الاستشهادية لنفسه هو قتل لنفس مؤمنة ، أما قتل النساء والصبيان فى البيات فهو قتل لنفس كافرة ، وهما لا يستويان ، قال تعالى ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون).
الوجه الثاني:
يفترض فى البيات أن ينتفي عنصر التعمد فى قتل النساء والأطفال ، ومن قال بجواز تعمد قتلهم في البيات فقد خالف الآثار المرفوعة المحرمة لقتلهم ، أ ما فى العمليات الإستشهادية فالتعمد موجود كما أوضحنا مرارا من قبل
أقدم لكم اخواني البيان الذي أصدره شيخ الازهر محمد الطنطاوي والذي يبين فية عدم مشروعية وحرمة العمليات الإستشهادية البطولية الذي يقوم بها ابناء شعب فلسطين الصامد ضد الإحتلال الغاصب فهذا البيان يبين لكم ان علماء الدين العرب هم علماء سلاطين يأخذون الأوامر من رؤسائهم ويحللون ويحرمون على اهواءهم فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
الدليل الأول:
قوله تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) النساء 29
دلت الآية على أنه لا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه ولو في سبيل تحقيق غاية شرعية ، لأن النهي هنا عام ولم يستثن شيئا. فمن زعم أن هناك استثناء في حالة العمليات الاستشهادية فقد تقوًل على الله الكذب ،وطعن في النص بالنقصان.
الدليل الثانى :
قوله تعالى ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ) المائدة 32
فسواء قتل المسلم نفسه في العملية الاستشهادية أو قتل نفس غيره في موقف آخر ؛ ففي الحالتين قد قتل نفسا ،وقتل نفس واحدة هي عند الله كقتل الناس جميعا ؛ بنص الآية ؛ فهل يمكن أن يباح لمؤمن أن يفعل شيئا يعدل قتل الناس جميعا ؟
الدليل الثالث :
روى البخارى فى صحيحه ..( باب البيعة في الحرب على ألا يفروا ، وقال بعضهم على الموت ) :
2958-وقال بن عمر رضى الله عنهما : ( ……………………… فسألنا نافعا على أي شيء بايعهم ،على الموت؟ قال لا بل بايعهم على الصبر).
2959- عن عبد الله بن يزيد قال : (…………لا أبايع على الموت أحد بعد رسول الله).
قال ابن حجر فى الفتح : ( المراد بالمبايعة على الموت ألا يفروا ولو ماتوا ،وليس المراد أن يقع الموت ولا بد ،وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله بل بايعهم على الصبر )
قلت: و إنكار نافع رضى الله عنه يدل على عدم جواز المبايعة على فعل يقع به الموت على وجه يقيني لا يداخله أدنى شك كما في حالة العمليات الاستشهادية ، وقول عبد الله بن يزيد رضى الله عنه معناه أنه لن يقبل طلب أي إمام بالمبايعة على الموت ؛ بعد الرسول ؛ لقوله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه ) فلا مجال للنقاش مع أوامر الرسول ، ولو كانت المبايعة على الموت جائزة لقبلها من غير الرسول صلى الله عليه وسلم.
تفنيد الأدلة التي أجازت العمليات الاستشهادية
عندما نقول بعدم جواز العمليات الإستشهادية ؛ فليس معنى ذلك أننا نسوى العمليات الاستشهادية بالانتحار ، بل نقول إن القائم بها قد أخطأ ، فنسأل الله أن يتجاوز عن خطئه ، كما وعد سبحانه بقوله ( ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم )
ورغم أن الأدلة الثلاثة السابقة فيها الكفاية على عدم جواز العمليات الاستشهادية ، إلا انني سأوضح بطلان ما استند إليه العلماء في إباحة هذه العمليات حتى تقوم الحجة كاملة ولا يبقى لمعتذر عذر .
تفنيد الدليل الأول:
قال العلماء المجيزون للعمليات الإستشهادية :
وفي صحيح مسلم [300] من طريق حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة "الملك والساحر والراهب والغلام" .. الحديث وفيه " فقال الغلام الموحد للملك الكافر : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد .. وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال : باسم الله رب الغلام ، ثم رماه فوقع السهم في صُدْغه، فوضع يده في صُدْغه في موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا رب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام ، فأتي الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرُك، قد آمن الناس ، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدّت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق ".
ففي هذا دليل على صحة هذه العمليات الاستشهادية التي يقوم بها المجاهدون في سبيل الله القائمون على حرب اليهود والنصارى والمفسدين في الأرض.
فإن الغلام قد دل الملك على كيفية قتله حين عجز الملك عن ذلك بعد المحاولات والاستعانة بالجنود والأعوان.
ففعلُ الغلام فيه تسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك والجامع بين عمل الغلام والعمليات الاستشهادية واضح فإن التسبب في قتل النفس والمشاركة في ذلك حكمه حكم المباشرة لقتلها. ///
قلت :
الاستلال هنا باطل من وجهين:
الوجه الأول:
إن ذلك استدلال بشرع من قبلنا على مسألة جاء الحكم فيها واضحا في شرعنا ، فالمعلوم أن الشرائع تنسخ وتتبدل بأمر من الله لرسله ، فما شرع لنا في القرآن من تكاليف لم يشرع لمن كانوا قبلنا ، وما أمر الله به من كانوا قبلنا لم يأمرنا به ، وقد أدى اتباع شرع من كانوا قبلنا إلى مفاسد كثيرة هذه الأيام ، فقد ضل كثير من الناس عندما قعدوا عن الجهاد مسترشدين بشرع نوح عليه السلام الذي لم يؤمر فيه بالقتال ، و اكتفوا بالدعوة السلمية ، وضل آخرون عندما قعدوا عن الجهاد أيضا زاعمين أنهم يتبعون هدى محمد صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة قبل تشريع القتال. فكلا الفريقين تجاهل مسألة نسخ الشرائع ، الأول اتبعوا شريعة من كانوا قبلنا والأخر اتبعوا ما نسخ من شريعتنا ؛ فحادا عن السبيل. فكيف نفعل مثلهم ونسترشد بشرع من قبلنا ؟ وقد جاء الأمر صريحا في شرعنا بقوله تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) ، بالإضافة إلى الأدلة السابق الإشارة إليها .
الوجه الثانى:
لو فرضنا أن القصة قد حدثت فى زمن محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه رآها وأقرها ،فهي أيضا لا دلالة فيها :
فإن الغلام لم يباشر القتل بل شارك بالتسبب فى القتل عن طريق الإرشاد ، بينما قام الملك بمباشرة فعل القتل ، والقائم بالعملية الاستشهادية يباشر فعل القتل بنفسه ، ففعله إذا أقرب إلى فعل الملك وليس الغلام .
فتأمل عندما تنقلب حجة العالم إلى حجة عليه !!!!
وحتى أوضح هذا التلبيس الخطير أقول :
فى حالات الجنايات ( التي يحاول العلماء القياس عليها ) يستوى في الإثم كلا من المباشر للقتل (القاتل) والمشارك بالتسبب فى القتل ( المساعد على القتل بوسيلة ما) . وقياسا على ذلك يحاول علماؤنا أن يقولوا أن المباشر للقتل (القائم بالعملية الاستشهادية) يستوى مع المشارك بالتسبب فى القتل (الغلام).
وفى الرد أقول :
فى حالات الجنايات تكون الواقعة واحدة ، أما هنا فهناك واقعتان ؛واقعة الغلام وواقعة العملية الاستشهادية . فكيف نجمع بين واقعتين مختلفتين فى التفاصيل ونقيسهما على واقعة واحدة ؟ كيف نقول أنه مثلما يستوى فى الإثم القاتل فى الجنايات مع صاحبه الذى ساعده ؛فإن القائم بالعملية الاستشهادية يستوى فى الفضل مع الغلام ، رغم أن واقعة الغلام بعيدة كل البعد عن واقعة العملية الاستشهادية ومختلفة تمام الاختلاف؟ وهذا قول عجيب، فلو صح القياس (وهو باطل أصلا) لاستوى الغلام مع الملك أولا قبل أن نحاول أن نساويه بالقائم بالعملية الاستشهادية . ولاستوى القائم بالعملية الاستشهادية مع الملك قبل أن يستوى مع الغلام. فتأمل. فالمسألة هنا تحتاج إلى بعض التدبر حتى تفهم جيدا.
تفنيد الدليل الثانى:
قال العلماء المجيزون للعمليات الإستشهادية:
1– فعل البراء بن مالك في معركة اليمامة ، فإنه اُحتمل في تُرس على الرماح والقوة على العدو فقاتل حتى فتح الباب ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، وقصته مذكورة في سنن البيهقي في كتاب السير باب التبرع بالتعرض للقتل ( 9 / 44 ) وفي تفسير القرطبي ( 2 / 364 ) أسد الغابة ( 1 / 206 ) تاريخ الطبري .
2 – حمل سلمة ابن الأكوع والأخرم الأسدي وأبي قتادة لوحدهم على عيينة بن حصن ومن معه ، وقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : ( خير رجّالتنا سلمة ) متفق عليه.، قال ابن النحاس : وفي الحديث الصحيح الثابت : أدل دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده وان غلب على ظنه انه يقتل إذا كان مخلصا في طلب الشهادة كما فعل سلمة بن الأخرم الأسدي ، ولم يعب النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينه الصحابة عن مثل فعله ، بل في الحديث دليل على استحباب هذا الفعل وفضله فإن النبي عليه الصلاة والسلام مدح أبا قتادة وسلمة على فعلهما كما تقدم ، مع أن كلاً منهما قد حمل على العدو وحده ولم يتأنّ إلى أن يلحق به المسلمون اهـ مشارع الأشواق ( 1 / 540 ) .
3– ما فعله هشام بن عامر الأنصاري لما حمل بنفسه بين الصفين على العدو الكثير فأنكر عليه بعض الناس وقالوا : ألقى بنفسه إلى التهلكة ، فرد عليهم عمر بن الخطاب وأبو هريرة رضي الله عنهما وتليا قوله تعالى ( ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله .. ) الآية ، مصنف ابن أبي شيبة ( 5 / 303 ، 322 ) سنن البيهقي ( 9 / 46 ) .
4– حمل أبي حدرد الأسلمي وصاحيبه على عسكر عظيم ليس معهم رابع فنصرهم الله على المشركين ذكرها ابن هشام في سيرته وابن النحاس في المشارع( 1 /545 ).
5 – فعل عبدالله بن حنظلة الغسيل حيث قاتل حاسراً في إحدى المعارك وقد طرح الدرع عنه حتى قتلوه ، ذكره ابن النحاس في المشارع ( 1 / 555 ) .
6 – نقل البيهقي في السنن ( 9 / 44 ) في الرجل الذي سمع من أبي موسى يذكر الحديث المرفوع : الجنة تحت ظلال السيوف . فقام الرجل وكسر جفن سيفه وشد على العدو ثم قاتل حتى قتل .
7 – قصة أنس بن النضر في وقعة أحد قال : واهاً لريح الجنة ، ثم انغمس في المشركين حتى قتل . متفق عليه
هذه الحوادث السبع السابقة مع ما نُقل من الإجماع هي المسألة التي يسميها الفقهاء في كتبهم مسألة حمل الواحد على العدو الكثير ، وأحيانا تسمى مسألة الانغماس في الصف ، أو مسألة التغرير بالنفس في الجهاد .ووجه الاستشهاد في مسألة الحمل على العدو العظيم لوحده وكذا الانغماس في الصف وتغرير النفس وتعريضها للهلاك أنها منطبقة على مسألة المجاهد الذي غرر بنفسه وانغمس في تجمع الكفار لوحده فأحدث فيهم القتل والإصابة والنكاية . وأيّ فرق في الشرع بين العمليات الاستشهادية وبين الاقتحام على العدو مع غلبة الظن بالموت وقد تواترت الأدلة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الاقتحام والانغماس في العدو وقتالهم وظاهر هذا ولو تحقق أنهم يقتلونه ويريقون دمه .فإن قيل هذا المنغمس في العدو قُتل بيد العدو وذاك الفدائي بفعله فيقال ثبت في الشرع أن المتسبب في قتل النفس والمشارك في ذلك حكمه حكم المباشر لقتلها
أقول:
أما الانغماس صفوف العدو ،و حمل الواحد على العدو الكثير فهو جائز بلا ريب للأدلة المشار إليها .
ولكن المنغمس فى الصفوف هنا يختلف عن القائم بالعملية الاستشهادية من ثلاثة وجوه :
الوجه الأول:
هو ما ذكروه أنفسهم من أن المنغمس قتل بيد العدو والقائم بالعملية الاستشهادية قتل بفعله ، أما ردهم على ذلك بأنه ثبت في الشرع أن المتسبب في قتل النفس والمشارك في ذلك حكمه حكم المباشر لقتلها ، أقول نعم ، ثبت ذلك فى حالة الجنايات ولا وجه للاستدلال بذلك هنا ، وقد وضحت هذه النقطة بالتفصيل فى قصة الملك والغلام ، والفارق هنا أن العدو سيكون مكان الملك ، والقائم بالانغماس فى الصف سيكون محل الغلام ،والباقي لن يتغير منه شيئا ، فلا داعي لتكرار الكلام. وارجع إلى الفقرة السابقة لتتأمله.
الوجه الثاني:
إن المنغمس فى الصف لابد وأن يشوب يقينه بالموت بعض الشك ، وقد قال ابن تيميه ( ولهذا جوّز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين ) . ولو كان هنا الحديث عن القائم بالعملية الاستشهادية لما قال (وإن غلب على ظنه). ففى العملية الاستشهادية يكون اليقين تاما.
الوجه الثالث :
لا يمكن اعتبار أن المنغمس فى الصف قد شارك بالتسبب فى قتل نفسه ، لانه بلا ريب سيدافع عن نفسه ما استطاع ، فكيف يقال أنه شارك فى قتل نفس يدافع عنها؟ ولو كان الأمر كذلك لكان كل من ثبت ولم يفر وقاتل حتى الموت قد شارك بالتسبب فى قتل نفسه، بل لكان كل الشهداء قد شاركوا فى قتل أنفسهم !!! فتأمل
تفنيد الدليل الثالث:
قال العلماء المجيزون للعمليات الإستشهادية :
من الآيات التى يمكن أن يحتج بها فى هذه المسألة :
1 – قوله تعالى : ( ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد ) ، فإن الصحابة رضي الله عنهم أنزلوها على من حمل على العدو الكثير لوحده وغرر بنفسه في ذلك ، كما قال عمر بن الخطاب وأبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة رضي الله عنهم كما رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم ، ( تفسير القرطبي 2 / 361 ) .
2 – قوله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون .. ) الآية ، قال ابن كثير رحمه الله : حمله الأكثرون على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله .
3 – قوله تعالى : ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة من رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ، والعمليات الاستشهادية من القوة التي ترهبهم .
4 – قال تعالى في الناقضين للعهود : ( فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ) .
أقول:
1-الآية الأولى دلت على جواز الانغماس فى الصف ، مثل الحوادث السبع السابقة ، وقد بينت بإسهاب الفرق بينها وبين العمليات الاستشهادية فى الفقرة السابقة فلا داعي لتكرار الكلام.
2-الآية الثانية نزلت فى الجهاد بصفة عامة ، وليس فيها أي إشارة من قريب أو بعيد إلى مسألة العمليات الاستشهادية.
3-قيل في الآية الثالثة أن العمليات الاستشهادية من القوة ،وهذا صحيح ولكن ليس كل قوة تعد قوة شرعية ، وفى صحيح مسلم قال عقبة بن نافع سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ألا ان القوة الرمي ،ثلاثا. والمقصود الرمي بالسهام ، فهذه قوة شرعية وتلك قوة غير شرعية.
4-الآية الرابعة ليس فيها أي إشارة من قريب أو بعيد إلى العمليات الاستشهادية . وسبحان الله.
تفنيد الدليل الرابع (مسألة التترس)
قال العلماء المجيزون للعمليات الإستشهادية
فيما لو تترس جيش الكفار بمسلمين واضطر المسلمون المجاهدون حيث لم يستطيعوا القتال إلا بقتل التُرس من المسلمين جاز ذلك ، قال ابن تيمية في الفتاوى ( 20 / 52 ) ( 28 / 537، 546) قال : ولقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم .. اهـ ، وقال ابن قاسم في حاشية الروض ( 4 / 271 ) قال في الإنصاف : وإن تترسوا بمسلم لم يجز رميهم إلا أن نخاف على المسلمين فيرميهم ويقصد الكفار وهذا بلا نزاع . اهـ
ووجه الدلالة في مسألة التترس لما نحن فيه أنه يجوز للتوصل إلى قتل الكفار أن نفعل ذلك ولو كان فيه قتل مسلم بسلاح المسلمين وأيدي المسلمين ، وجامع العلة والمناط أن التوصل إلى قتل العدو والنكاية به إنما يكون عن طريق قتل التُرس من المسلمين فحصل التضحية ببعض المسلمين المتترس بهم من أجل التوصل إلى العدو والنكاية به ، وهذا أبلغ من إذهاب المجاهد نفسه من العمليات الاستشهادية من أجل التوصل إلى العدو والنكاية به ، بل إن قتل أهل التُرس من المسلمين أشد لأن قتل المسلم غيره أشد جرما من قتل المسلم لنفسه ، لأن قتل الغير فيه ظلم لهم وتعدٍ عليهم فضرره متعد وأما قتل المسلم نفسه فضرره خاص به ولكن اُغتفر ذلك في باب الجهاد وإذا جاز إذهاب أنفس مسلمة بأيدي المسلمين من أجل قتل العدو فإن إذهاب نفس المجاهد بيده من أجل النكاية في العدو مثله أو أسهل منه ، فإذا كان فعل ما هو أعظم جرما لا حرج في الإقدام عليه فبطريق الأولى ألا يكون حرجا على ما هو أقل جرما إذا كان في كليهما المقصد هو العدو والنكاية لحديث : إنما الأعمال بالنيات .///
أقول:
تترس أى توقى بالترس ، والترس بتشديد التاء وضمها هو ما كان يتوقى به فى الحرب، وتترس جيش الكفار بمسلمين أى (كما نقول اليوم ) اتخذهم دروعا بشرية
الفارق واضح بين قتل المسلمين الذين يتخذهم الكافرون دروعا بشرية ، وبين قاتل نفسه فى العملية الاستشهادية ، وهو مسالة نية العمد أو التعمد ، فقاتل نفسه فى العملية الاستشهادية يتعمد قتل نفسه ويستقر ذلك فى نيته ، أما إذا حدث وقتل المسلمون من إخوانهم الذين يتترس بهم الكافرون ، فلا يمكن لعاقل أن يقول أنهم قصدوا أو تعمدوا قتل إخوانهم ، بل انهم سيحاولون تجنب ذلك ما استطاعوا عن طريق الضرب والرمى فى الأماكن التى لا يتواجد فيها إخوانهم ، فإن وقع قتل فهو هنا من يندرج تحت قوله تعالى(وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأا) النساء 92 .والنفى والاستثناء في الآية يفيد القصر والحصر لقتل المؤمن على الخطأ دون غيره.
وإن زعم أحد أنه يجوز قتل المسلمين المتترس بهم (عمدا) من أجل التنكيل بالكافرين فقوله مردود بالآية السابقة ، ولو كان هناك حالات يباح فيها قتل المسلمين لإخوانهم (عمدا ) لبينها الله تعالى فى القرآن الذي قال فيه ( ما فرطنا في الكتاب من شيء )، ولذا فإن قال أحد (وهو ما لم يحدث على حد علمي ) بجواز (تعمد) قتل المسلمين المتترس بهم يكون بذلك قد شرع فى الدين ما لم يأذن به الله، فليحذر من يردد الكلام دون الالتفات إلى خطورته .
تفنيد الدليل الخامس (مسألة البيات):
قال العلماء المجيزون للعمليات الاستشهادية
ويقصد بها تبيت العدو ليلا وقتله والنكاية فيه وإن تضمن ذلك قتل من لا يجوز قتله من صبيان الكفار ونسائهم ، قال ابن قدامة : يجوز تبييت العدو ، وقال أحمد : لا بأس بالبيات وهل غزو الروم إلا البيات ، وقال : لا نعلم أحداً كره البيات . المغني مع الشرح ( 10 / 503 ) . ووجه الدلالة أنه إذا جاز قتل من لا يجوز قتله من أجل النكاية في العدو وهزيمته فيقال : وكذلك ذهاب نفس المجاهد المسلم التي لا يجوز إذهابها لو ذهبت من أجل النكاية جائز أيضا ، ونساء الكفار وصبيانهم في البيات قتلوا بأيدي من لا يجوز له فعله لولا مقاصد الجهاد والنيات .
قلت:
المعلوم أنه لا يجوز قتل نساء وصبيان الكافرين ، فإذا سلمنا بجواز مسألة البيات ، فهناك وجهان للاختلاف بين قتل النساء والأطفال فيها وقتل القائم بالعملية الاستشهادية لنفسه :
الوجه الأول:
قتل القائم بالعملية الاستشهادية لنفسه هو قتل لنفس مؤمنة ، أما قتل النساء والصبيان فى البيات فهو قتل لنفس كافرة ، وهما لا يستويان ، قال تعالى ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون).
الوجه الثاني:
يفترض فى البيات أن ينتفي عنصر التعمد فى قتل النساء والأطفال ، ومن قال بجواز تعمد قتلهم في البيات فقد خالف الآثار المرفوعة المحرمة لقتلهم ، أ ما فى العمليات الإستشهادية فالتعمد موجود كما أوضحنا مرارا من قبل
تعليق