إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسله الصحابه رضوان الله عليهم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رد : سلسله الصحابه رضوان الله عليهم

    سواد رضي الله عنه

    سواد بن عزيّة رضي الله عنه يوم غزوة أحد واقف في وسط الجيش فقال النبي صلى الله

    عليه وسلم للجيش :' استوو.. استقيموا '. فينظر النبي صلى الله عليه وسلم فيرى سواداً

    رضي الله عنه لم ينضبط فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ' استو يا سواد' فقال سواد

    رضي الله عنه: نعم يا رسول الله ووقف ولكنه لم ينضبط، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم

    بسواكه ونغز سواداً رضي الله عنه في بطنه قال: ' استو يا سواد '، فقال سواد رضي الله

    عنه: أوجعتني يا رسول الله، وقد بعثك الله بالحق فأقدني !فكشف النبي صلى الله عليه

    وسلم عن بطنه الشريفة وقال:' اقتص يا سواد'. فانكب سواد رضي الله عنه على بطن النبي

    صلى الله عليه وسلم يقبلها .يقول: هذا ما أردت وقال: يا رسول الله أظن أن هذا اليوم

    يوم شهادة فأحببت أن يكون آخر العهد بك أن تمس جلدي جلدك

    .ما رأيك في هذا الحب؟




    --------------------------------------------------------------------------------


    وأخيرا لا تكن أقل من الجذع .

    كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في مسجده قبل أن يقام المنبر بجوار جذع الشجرة

    حتى يراه الصحابة .. فيقف النبي صلى الله عليه وسلم يمسك الجذع، فلما بنوا له المنبر

    ترك الجذع وذهب إلى المنبر 'فسمعنا للجذع أنينا لفراق النبي صلى الله عليه وسلم،

    فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عن المنبر ويعود للجذع ويمسح عليه ويقول له

    النبي صلى الله عليه وسلم :' ألا ترضى أن تدفن هاهنا وتكون معي في الجنة؟ '. فسكن

    الجذع .

    تعليق


    • رد : سلسله الصحابه رضوان الله عليهم

      سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

      اسمه – على الصحيح - :
      عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي .

      كنيته :
      أبو بكر

      لقبه :
      عتيق ، والصدِّيق .
      قيل لُقّب بـ " عتيق " لأنه :
      = كان جميلاً
      = لعتاقة وجهه
      = قديم في الخير
      = وقيل : كانت أم أبي بكر لا يعيش لها ولد ، فلما ولدته استقبلت به البيت ، فقالت : اللهم إن هذا عتيقك من الموت ، فهبه لي .
      وقيل غير ذلك

      ولُقّب بـ " الصدّيق " لأنه صدّق النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالغ في تصديقه كما في صبيحة الإسراء وقد قيل له : إن صاحبك يزعم أنه أُسري به ، فقال : إن كان قال فقد صدق !
      وقد سماه الله صديقا فقال سبحانه : ( وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )
      جاء في تفسيرها : الذي جاء بالصدق هو النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي صدّق به هو أبو بكر رضي الله عنه .
      ولُقّب بـ " الصدِّيق " لأنه أول من صدّق وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من الرجال .

      وسماه النبي صلى الله عليه وسلم " الصدّيق "
      روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أُحداً وأبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم فقال : اثبت أُحد ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان .

      وكان أبو بكر رضي الله عنه يُسمى " الأوّاه " لرأفته

      مولده :
      ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر

      صفته :
      كان أبو بكر رضي الله عنه أبيض نحيفاً ، خفيف العارضين ، معروق الوجه ، ناتئ الجبهة ، وكان يخضب بالحناء والكَتَم .
      وكان رجلاً اسيفاً أي رقيق القلب رحيماً .

      فضائله :
      ما حاز الفضائل رجل كما حازها أبو بكر رضي الله عنه

      فهو أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم
      قال ابن عمر رضي الله عنهما : كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فنخيّر أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم . رواه البخاري .

      وروى البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما صاحبكم فقد غامر . وقال : إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ ، فأقبلت إليك فقال : يغفر الله لك يا أبا بكر - ثلاثا - ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثَـمّ أبو بكر ؟ فقالوا : لا ، فأتى إلى النبي فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعّر ، حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم - مرتين - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت ، وقال أبو بكر : صَدَق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركو لي صاحبي – مرتين - فما أوذي بعدها .

      فقد سبق إلى الإيمان ، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وصدّقه ، واستمر معه في مكة طول إقامته رغم ما تعرّض له من الأذى ، ورافقه في الهجرة .

      وهو ثاني اثنين في الغار مع نبي الله صلى الله عليه وسلم
      قال سبحانه وتعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا )
      قال السهيلي : ألا ترى كيف قال : لا تحزن ولم يقل لا تخف ؟ لأن حزنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم شغله عن خوفه على نفسه .
      وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدّثه قال : نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما .

      ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل الغار دخل قبله لينظر في الغار لئلا يُصيب النبي صلى الله عليه وسلم شيء .
      ولما سارا في طريق الهجرة كان يمشي حينا أمام النبي صلى الله عليه وسلم وحينا خلفه وحينا عن يمينه وحينا عن شماله .

      ولذا لما ذكر رجال على عهد عمر رضي الله عنه فكأنهم فضّـلوا عمر على أبي بكر رضي الله عنهما ، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال : والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر ، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر ، لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر ، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه ، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي ؟ فقال : يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك . فقال :يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني ؟ قال : نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من مُلمّة إلا أن تكون بي دونك ، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر : مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الجحرة ، فدخل واستبرأ ، قم قال : انزل يا رسول الله ، فنزل . فقال عمر : والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر . رواه الحاكم والبيهقي في دلائل النبوة .

      ولما هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ ماله كله في سبيل الله .

      وهو أول الخلفاء الراشدين

      وقد أُمِرنا أن نقتدي بهم ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ . رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه .

      واستقر خليفة للمسلمين دون مُنازع ، ولقبه المسلمون بـ " خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم "

      وخلافته رضي الله عنه منصوص عليها
      فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مرضه أن يُصلي بالناس
      في الصحيحين عن عائشةَ رضي اللّهُ عنها قالت : لما مَرِضَ النبيّ صلى الله عليه وسلم مرَضَهُ الذي ماتَ فيه أَتاهُ بلالٌ يُؤْذِنهُ بالصلاةِ فقال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصَلّ . قلتُ : إنّ أبا بكرٍ رجلٌ أَسِيفٌ [ وفي رواية : رجل رقيق ] إن يَقُمْ مَقامَكَ يبكي فلا يقدِرُ عَلَى القِراءَةِ . قال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ . فقلتُ مثلَهُ : فقال في الثالثةِ - أَوِ الرابعةِ - : إِنّكنّ صَواحبُ يوسفَ ! مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ ، فصلّى .
      ولذا قال عمر رضي الله عنه : أفلا نرضى لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا ؟!

      وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه : ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى اكتب كتابا ، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر .

      وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء فأمرها بأمر ، فقالت : أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك ؟ قال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر . رواه البخاري ومسلم .

      وقد أُمرنا أن نقتدي به رضي الله عنه
      قال عليه الصلاة والسلام : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وهو حديث صحيح .

      وكان أبو بكر ممن يُـفتي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
      ولذا بعثه النبي صلى الله عليه وسلم أميراً على الحج في الحجّة التي قبل حجة الوداع
      روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر : لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .

      وأبو بكر رضي الله عنه حامل راية النبي صلى الله عليه وسلم يوم تبوك .

      وأنفق ماله كله لما حث النبي صلى الله عليه وسلم على النفقة
      قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ، فوافق ذلك مالاً فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما . قال : فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ فقال : أبقيت لهم الله ورسوله ! قال عمر قلت : والله لا أسبقه إلى شيء أبدا . رواه الترمذي .

      ومن فضائله أنه أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
      قال عمرو بن العاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال : قلت : من الرجال ؟ قال : أبوها . رواه مسلم .

      ومن فضائله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذه أخـاً له .
      روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال : إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله . قال : فبكى أبو بكر ، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مِن أمَنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سُـدّ إلا باب أبي بكر .

      ومن فضائله رضي الله عنه أن الله زكّـاه
      قال سبحانه وبحمده : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى )
      وهذه الآيات نزلت في ابي بكر رضي الله عنه .
      وهو من السابقين الأولين بل هو أول السابقين
      قال سبحانه : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )

      وقد زكّـاه النبي صلى الله عليه وسلم
      فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة . قال أبو بكر : إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك لست تصنع ذلك خيلاء . رواه البخاري في فضائل أبي بكر رضي الله عنه .

      ومن فضائله رضي الله عنه أنه يُدعى من أبواب الجنة كلها
      قال عليه الصلاة والسلام : من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ؛ فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام وباب الريان . فقال أبو بكر : ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر . رواه البخاري ومسلم .

      ومن فضائله أنه جمع خصال الخير في يوم واحد
      روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصبح منكم اليوم صائما ؟
      قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
      قال : فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟
      قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
      قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟
      قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
      قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟
      قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا .
      فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة .

      ومن فضائله رضي الله عنه أن وصفه رجل المشركين بمثل ما وصفت خديجة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
      لما ابتلي المسلمون في مكة واشتد البلاء خرج أبو بكر مهاجراً قِبل الحبشة حتى إذا بلغ بَرْك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارَة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي . قال ابن الدغنة : إن مثلك لا يخرج ولا يخرج فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكَلّ وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك ، فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم : إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج ، أتُخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ؟! فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة : مُر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به ، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلاً بكّاءً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له : إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلاّ أن يعلن ذلك فَسَلْهُ أن يرد إليك ذمتك فإنا كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان . قالت عائشة فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال : قد علمت الذي عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له قال أبو بكر : إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله . رواه البخاري .

      • وكان عليّ رضي الله عنه يعرف لأبي بكر فضله
      قال محمد بن الحنفية : قلت لأبي – علي بن أبي طالب رضي الله عنه - : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر ، وخشيت أن يقول عثمان قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين . رواه البخاري .

      وقال عليّ رضي الله عنه : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله به بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني غيره استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله تعالى إلا غفر الله له ثم تلا : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ) الآية . رواه أحمد وأبو داود .

      • ولم يكن هذا الأمر خاص بعلي رضي الله عنه بل كان هذا هو شأن بنِيـه
      قال الإمام جعفر لصادق : أولدني أبو بكر مرتين .
      وسبب قوله : أولدني أبو بكر مرتين ، أن أمَّه هي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وجدته هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر .
      فهو يفتخر في جّـدِّه ثم يأتي من يدّعي اتِّباعه ويلعن جدَّ إمامه ؟
      قال جعفر الصادق لسالم بن أبي حفصة وقد سأله عن أبي بكر وعمر ، فقال : يا سالم تولَّهُما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى ، ثم قال جعفر : يا سالم أيسُبُّ الرجل جده ؟ أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما .
      وروى جعفر بن محمد – وهو جعفر الصادق - عن أبيه – وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي – رضي الله عنهم أجمعين ، قال : جاء رجل إلى أبي – يعني علي بن الحسين ، المعروف والمشهور بزين العابدين - فقال : أخبرني عن أبي بكر ؟ قال : عن الصديق تسأل ؟ قال : وتسميه الصديق ؟! قال : ثكلتك أمك ، قد سماه صديقا من هو خير مني ؛ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار ، فمن لم يُسمه صدِّيقا ، فلا صدّق الله قوله ، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما ، فما كان من أمـر ففي عنقي .

      ولما قدم قوم من العراق فجلسوا إلى زين العابدين ، فذكروا أبا بكر وعمر فسبوهما ، ثم ابتـركوا في عثمان ابتـراكا ، فشتمهم .
      وابتركوا : يعني وقعوا فيه وقوعاً شديداً .
      وما ذلك إلا لعلمهم بمكانة وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبمكانة صاحبه في الغار ، ولذا لما جاء رجل فسأل زين العابدين : كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأشار بيده إلى القبر ثم قال : لمنزلتهما منه الساعة .

      قال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله :
      ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ، ولكن بشيء وَقَـرَ في قلبه .

      وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
      يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي = رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسأَلُ
      اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَولِه = لا يَنْثَني عَنهُ ولا يَتَبَدَّل
      حُبُّ الصَّحابَةِ كُلُّهُمْ لي مَذْهَبٌ = وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّل
      وَلِكُلِّهِمْ قَدْرٌ وَفَضْلٌ ساطِعٌ = لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَل

      • وجمع بيت أبي بكر وآل أبي بكر من الفضائل الجمة الشيء الكثير الذي لم يجمعه بيت في الإسلام
      فقد كان بيت أبي بكر رضي الله عنه في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في الاستعداد للهجرة ، وما فعله عبد الله بن أبي بكر وأخته أسماء في نقل الطعام والأخبار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار
      وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هي بنت أبي بكر رضي الله عنه وعنها

      قال ابن الجوزي رحمه الله :
      أربعة تناسلوا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
      أبو قحافة
      وابنه أبو بكر
      وابنه عبد الرحمن
      وابنه محمد

      أعماله :
      من أعظم أعماله سبقه إلى الإسلام وهجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وثباته يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم .
      ومن أعماله قبل الهجرة أنه أعتق سبعة كلهم يُعذّب في الله ، وهم : بلال بن أبي رباح ، وعامر بن فهيرة ، وزنيرة ، والنهدية وابنتها ، وجارية بني المؤمل ، وأم عُبيس .
      ومن أعظم أعماله التي قام بها بعد تولّيه الخلافة حرب المرتدين
      فقد كان رجلا رحيما رقيقاً ولكنه في ذلك الموقف ، في موقف حرب المرتدين كان أصلب وأشدّ من عمر رضي الله عنه الذي عُرِف بالصلابة في الرأي والشدّة في ذات الله
      روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر : يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمِرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ؟ قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فو الله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق .

      لقد سُجِّل هذا الموقف الصلب القوي لأبي بكر رضي الله عنه حتى قيل : نصر الله الإسلام بأبي بكر يوم الردّة ، وبأحمد يوم الفتنة .
      فحارب رضي الله عنه المرتدين ومانعي الزكاة ، وقتل الله مسيلمة الكذاب في زمانه .
      ومع ذلك الموقف إلا أنه أنفذ جيش أسامة الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد إنفاذه نحو الشام .

      وفي عهده فُتِحت فتوحات الشام ، وفتوحات العراق

      وفي عهده جُمع القرآن ، حيث أمر رضي الله عنه زيد بن ثابت أن يجمع القرآن

      وكان عارفاً بالرجال ، ولذا لم يرضَ بعزل خالد بن الوليد ، وقال : والله لا أشيم سيفا سله الله على عدوه حتى يكون الله هو يشيمه . رواه الإمام أحمد وغيره .

      وفي عهده وقعت وقعة ذي القَصّة ، وعزم على المسير بنفسه حتى أخذ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بزمام راحلته وقال له : إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد : شِـمْ سيفك ولا تفجعنا بنفسك . وارجع إلى المدينة ، فو الله لئن فُجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا ، فرجع أبو بكر رضي الله عنه وأمضى الجيش .

      وكان أبو بكر رضي الله عنه أنسب العرب ، أي أعرف العرب بالأنساب .

      زهـده :
      مات أبو بكر رضي الله عنه وما ترك درهما ولا دينارا

      عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال : لما احتضر أبو بكر رضي الله عنه قال : يا عائشة أنظري اللقحة التي كنا نشرب من لبنها والجفنة التي كنا نصطبح فيها والقطيفة التي كنا نلبسها فإنا كنا ننتفع بذلك حين كنا في أمر المسلمين ، فإذا مت فاردديه إلى عمر ، فلما مات أبو بكر رضي الله عنه أرسلت به إلى عمر رضي الله عنه فقال عمر رضي الله عنه : رضي الله عنك يا أبا بكر لقد أتعبت من جاء بعدك .

      ورعـه :
      كان أبو بكر رضي الله عنه ورعاً زاهداً في الدنيا حتى لما تولى الخلافة خرج في طلب الرزق فردّه عمر واتفقوا على أن يُجروا له رزقا من بيت المال نظير ما يقوم به من أعباء الخلافة

      قالت عائشة رضي الله عنها : كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج ، وكان أبو بكر يأكل من خراجه ، فجاء يوماً بشيء ، فأكل منه أبو بكر ، فقال له الغلام : تدري ما هذا ؟ فقال أبو بكر : وما هو ؟ قال : كنت تكهّنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته ، فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه ، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه . رواه البخاري .

      وفاته :
      توفي في يوم الاثنين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، وه ابن ثلاث وستين سنة .

      تعليق


      • رد : سلسله الصحابه رضوان الله عليهم

        عمر بن الخطاب


        هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى ، يجتمع نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي ، فهو قرشي من بني عدي . وكنيته أبو حفص ، والحفص هو شبل الأسد ، كناه به النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر. ولقبه الفاروق ، لقبه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم يوم إسلامه ، فاعز الله به الإسلام ، وفرق بين الحق والباطل .

        صفته وبيئته

        نشأ في مكة عاصمة العرب الدينية ، من بيت عرف بالقوة والشدة ، كما كانت إليه السفارة في الجاهلية ، إذا وقعت بين قريش وبين غيرها حرب ، بعثته سفيرا يتكلم باسمها ، وإن نافرهم منافر، أو فاخرهم مفاخر، بعثوا به منافراً عنهم ، ومفاخراً بهم . وكان طويلا بائن الطول ، إذا مشى بين الناس أشرف عليهم كأنه راكب ، أسمر، مشربا بحمرة ، حسن الوجه ، غليظ القدمين والكفين ، أصلع خفيف العارضين ، جلداً شديد الخلق ، ضخم الجثة ، قوي البنية ، جهوري الصوت . قالت فيه الشفاء بنت عبد الله : كان عمر إذا تكلم أسمع ، وإذا مشى أسرع ، وإذا ضرب أوجع ، وهو الناسك حقا

        جاهليته

        كان من أنبه فتيان قريش وأشدهم شكيمة ، شارك فيما كانوا يتصفون به من لهو وعبادة . فشرب الخمر ، وعبد الأوثان واشتد بالأذى على المسلمين في سنوات الدعوة الأولى ، وكان يعرف القراءة والكتابة .

        إسلامه

        كان عمره يوم بعث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين سنة ، أو بضعا وعشرين سنة ، على اختلاف الروايات . وقد أسلم في السنة السادسة من البعثة ، في قصة مشهورة في السيرة النبوية . ومنذ أسلم انقلبت شدته على المسلمين إلى شدة على الكافرين ، ومناوأة لهم ، فأوذي وضرب ، وقد سبقه إلى الإسلام تسعة وثلاثون صحابيا فكان هو متمما للأربعين ، وقد استجاب الله به دعوة رسوله صلى الله عليه وسلم إذ قال : " اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : أبي جهل بن هشام أو عمر بن الخطاب " رواه الترمذي

        فكان إسلامه دون أبي جهل ، دليلاً على محبة الله له ، وكرامته عنده .

        صحبته للرسول صلى الله عليه وسلم

        كان في صحبته للرسول صلى الله عليه وسلم مثال المؤمن الواثق بربه ، المطيع لنبيه ، الشديد على أعداء الإسلام ، القوي في الحق ، المتمسك بما أنزل الله من أحكام . شهد المعارك كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بما يدل على عظيم منزلته عنده ، وبلائه في الإسلام . ومما ورد فيه قوله : " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ، وفرق الله به بين الحق والباطل " رواه الترمذي

        وكان ذا رأي سديد ، وعقل كبير ، وافق القران في ثلاث مسائل قبل أن ينزل فيها الوحي .

        كان من رأيه تحريم الخمر فنزل تحريمها بقوله تعالى :

        يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
        وكان من رأيه عدم قبول الفداء من أسرى بدر، فنزل القرآن مؤيدا رأيه ، كما أشار على النبي باتخاذ الحجاب على زوجاته أمهات المؤمنين فنزل القرآن بذلك . ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جزع لذلك جزعا شديداً ، حتى زعم أن رسول الله لم يمت ، وأنه ذهب يناجي ربه ، وسيعود إلى الناس مرة أخرى ، وأعلن أنه سيضرب كل من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات .

        وهكذا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمثل الشدة على أعداء الله من مشركين ومنافقين ، وكان إذا رأى أحداً أساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقول أو فعل ، قال لرسول الله : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق . . وقد شهد له رسول الله بالجنة ، وهو أحد العشرة المبشرين بها ، وحسبه شرفاً ومكانة عند الله أن رسول الله توفي وهو عنه راض .

        في خلافة أبي بكر

        وكان عمر في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وزير صدق ، ومساعد خير، به جمع الله القلوب على مبايعة أبي بكر يوم اختلف الصحابة في سقيفة بني ساعدة ، وكان إلهاما موفقا من الله أن بادر عمر إلى مبايعة أبي بكر، فبادر الأنصار والمهاجرون بعد ذلك إلى البيعة . ولقد كان أبو بكر أجدر الصحابة بملء هذا المكان الخطير ، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل لقد علم الصحابة جميعا ، أن الرسول حين استخلف أبا بكر على الصلاة إنما أشار بذلك إلى أهليته للخلافة العامة ، ولكن فضل عمر في مبايعة أبي بكر ، إنما كان في حسم مادة الخلاف الذي كاد يودي بوحدة المسلمين ، ويقضي على دولة الإسلام الناشئة .

        وكانت شدة عمر في حياة النبي عليه السلام ، هي في حياة أبي بكر ... فأبو بكر كان رجلا حليماً تملأ الرحمة برديه ، ويغلب الوقار والعفو على صفاته كلها ، فكان لا بد من رجل قوي الشكيمة كعمر ، يمزج حلم أبي بكر بقوة الدولة ، وهيبة السلطان ... فكان عمر هو الذي قام هذا المقام ، واحتل تلك المنزلة ، ولذلك كان أبو بكر يأخذ برأيه ، ويعمل بقوله . أمر أبو بكر يوما بأمر فلم ينفذه عمر، فجاءوا يقولون لأبي بكر : والله ما ندري : الخليفة أنت أم عمر ؟ فقال أبو بكر : هو إن شاء ! …

        وتلك لعمري نفحة من نفحات العظمة الإسلامية التي أرادها الله بشير خير للمسلمين وللعالم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم … عمر يقول لأبي بكر يوم السقيفة : أنت أفضل مني ، وأبو بكر يجيبه بقوله : ولكنك أقوى مني . . فيقول عمر لأبي بكر : إن قوتي مع فضلك .. وبذلك تعاونت العظمتان في بناء صرح الدولة الإسلامية الخالد ... فضل أبي بكر وحلمه وعقله وحزمه ، مع قوة عمر وباسه وشدته وهيبته .

        عمر في الخلافة

        ويتولى عمر الخلافة ، وهي أشد ما تكون حاجة إلى رجل مثله ، المسلمون يشتبكون في حروب طاحنة مع فارس والروم ، والبلاد الإسلامية التي فتحت تحتاج إلى ولاة أتقياء أذكياء ، يسيرون في الرعية سيرة عمر في حزمه وعفته وعبقريته في التشريع والإدارة ، والعرب الفاتحون قد أقبلت عليهم الدنيا فهم منها على خطر عظيم ، أن يركنوا إليها ، ويملوا حياة الجهاد والكفاح ، و يعبوا من لذائذها وزينتها وترفها ...

        تولى عمر الخلافة فسجل أروع الآثار في تاريخ ا لإسلام :

        ** أتم ما بدأ به أبو بكر من حرب فارس والروم ، فانتهت باستيلاء المسلمين على مصر والشام والعراق ومملكة فارس .

        ** نظم جهاز الدولة ، فدون الدواوين ، وفرض الأعطيات ، وجبى خراج الأراضي المفتوحة بأعدل طريق ، وأقوم سياسة ، وواجه حاجات الدولة الإسلامية في الأنظمة والقوانين ، بأعظم عبقرية تشريعية عرفها تاريخ الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

        ** حكم البلاد المفتوحة بيد تجمع بين القوة والرحمة ، وبين الرفق والحزم ، وبين العدل والتسامح ، فكان حكم عمر مضرب الأمثال في ذلك ، في تواريخ الأمم كلها ، وقل أن عرفت الإنسانية حاكما مثله خلده التاريخ بعدله ورحمته .

        تعليق


        • رد : سلسله الصحابه رضوان الله عليهم

          مجزأة بن ثور السدوسي ( الكمي الباسل ) رضي الله عنه وأرضاه

          قتل مائة من المشركين مبارزة, فمابالك بمن قتلهم في خضم المعارك!!


          هاهم أولاء الأبطال من جند الله ينفضون عنهم غبار القادسية جذلين فرحين بما آتاهم الله من نصر...
          مغتبطين بما كتب لإخوانهم الشهداء من أجر...
          متشوقين إلى معركة أخرى تكون أختاً للقادسية في روعتها و جلالها...
          متربصين أن يأتيهم أمر خليفة رسول الله عمر بن الخطاب بمواصلة الجهاد لاجتثاث العرش الكسروي من جذوره.



          لم يطل تشوق الغر الميامين وتشوفهم كثيراً.
          فها هو ذا رسول الفاروق يقدم من المدينة إلى الكوفة , و معه أمر من الخليفة لواليها أبي موسى الأشعري بالمضي بعسكره والالتقاء مع جند المسلمين القادمين من البصرة, والإنطلاق معا إلى

          الأهواز لتتبع الهرمزان والقضاء عليه وتحرير مدينة تستر درة التاج الكسروي, و لؤلؤة بلاد فارس.
          وقد جاء في الأمر الذي وجهه الخليفة لأبي موسى أن يصطحب معه الفارس الباسل "مجزأة بن ثور السدوسي" سيد بني بكر وأميرهم المطاع.


          صدع أبو موسى الأشعري بأمر خليفة المسلمين, فعبأ جيشه, وجعل على ميسرته "مجزأة بن ثور السدوسي", وانضم إلى جيوش المسلمين القادمة من البصرة, و مضوا معاً غزاة في سبيل

          الله.
          فما زالوا يحررون المدن, ويطهرون المعاقل, و الهرمزان يفر من أمامهم من مكان إلى آخر حتى بلغ مدينة "تستر", و احتمى بحماها.



          كانت "تستر" التي انحاز إليها "الهرمزان" من أجمل مدن الفرس جمالاً, وأبهاها طبيعة, و أقواها تحصيناً.
          وهي إلى ذلك مدينة عريقة ضاربة في أغوار التاريخ, مبنية على مرتفع من الأرض على شكل فرس, يسقيها نهر كبير يدعى بنهر "دجيل".
          و فوقها أحواض و نوافير بناها الملك "سابور", ليرفع إليها ماء النهر من خلال أنفاق حفرها تحت الأرض.
          و أحواض تستر و أنفاقها هي من عجائب البناء, شيدت بالحجارة الضخمة المحكمة, و دعِّمت بأعمدة الحديد الصلبة, و بلطت هي و أنفاقها بالرصاص.
          وحول "تستر" سور كبير عال يحيط بها إحاطة السوار بالمعصم, قال المؤرخون عنه:
          إنه أول و أعظم سور بني على ظهر الأرض.
          ثم حفر "الهرمزان" حول السور خندقاً عظيماً يتعذر اجتيازه, و حشد وراءه خيرة جنود فارس.




          عسكرت جيوش المسلمين حول خندق "تستر" و ظلت ثمانية عشر شهراً لا تستطيع إجتيازه.
          وخاضت مع جيوس "الفرس" خلال تلك المدة الطويلة ثمانين معركة.
          وكانت كل معركة من هذه المعارك تبدأ بالمبارزة بين فرسان الفريقين, ثم تتحول إلى حرب ضارية ضروس.
          وقد أبلى مجزأة بن ثور في هذه المبارزات بلاءً أذهل العقول, و أدهش الأعداء و الأصدقاء في وقت معاً.
          فقد تمكن من قتل مائة من شجعان العدو مبارزة, فأصبح اسمه يثير الرعب في صفوف الفرس, و يبعث النخوة والعزة في صدور المسلمين.
          وعند ذلك عرف الذين لم يكونوا قد عرفوه من قبل لم حرص أمير المؤمنين على أن يكون هذا البطل الباسل في عداد الجيش الغازي.



          وفي آخر معركة من تلك المعارك الثمانين حمل المسلمون على عدوهم حملة باسلة صادقة فأخلى الفرس لهم الجسور المنصوبة فوق الخندق, ولاذوا بالمدينة, و أغلقوا عليهم أبواب حصنها

          المنيع.


          انتقل المسلمون بعد هذا الصبر الطويل من حال سيئة إلي أخرى أشد سوءًا, فقد أخذ الفرس يمطرونهم من أعالي الأبراج بسهامهم الصائبة...
          وجعلوا يدلون من فوق الأسوار سلاسل من الحديد, في نهاية كل سلسلة كلاليب متوهجة من شدة ما حميت بالنار.
          فإذا رام أحد جنود المسلمين تسلق السور أو الإقتراب منه, أنشبوها فيه و جذبوه إليهم, فيحترق جسده, و يتساقط لحمه , و يقضى عليه.


          اشتد الكرب على المسلمين, و أخذوا يسألون الله بقلوب ضارعة خاشعة أن يفرج عنهم, و ينصرهم على عدوه و عدوهم.


          و بينما كان أبو موسى الأشعري يتأمل سور "تستر" العظيم, يائساً من اقتحامه, سقط أمامه سهم قُذِفَ نحوه من فوق السور, فنظر فيه فإذا فيه رسالة تقول: لقد وثقت بكم معشر المسلمين, و

          إني أستأمنكم على نفسي ومالي و أهلي و من تبعني, ولكم علي أن أدلكم على منفذ تنفذون منه إلى المدينة.
          فكتب أبو موسى أماناً لصاحب السهم, وقذفه إليه بالسهم.
          فاستوثق الرجل من أمان المسلمين لما عرف عنها من الصدق بالوعد والوفاء بالعهد, وتسلل إليهم تحت جناح الظلام, و أفضى لأبي موسى بحقيقة أمره فقال:
          نحن من سادات القوم, و قد قتل "الهرمزان" أخي الأكبر, و تعدى على ماله و أهله, و أضمر لي الشر في صدره حتى ما عدت آمنه على نفسي و أولادي...
          فآثرت عدلكم على ظلمه, ووفاءكم على غدره, وعزمت على أن أدلكم على منفذ خفي تنفذون منه إلى "تستر"...
          فأعطني إنساناً يتحلى بالجرأة والعقل, ويكون ممن يتقنون السباحة حتى أرشده إلى الطريق.



          استدعى أيو موسى الأشعري مجزأة بن ثور السدوسي, و أسر إليه بالأمر و قال:
          أعنَّي برجل من قومك له عقل و حزم, وقدرة على السباحة.
          فقال مجزأة: اجعلني ذلك الرجل أيها الأمير.
          فقال له أبو موسى : إذا كنت قد شئت, فعلى بركة الله.
          ثم أوصاه أن يحفظ الطريق, و أن يعرف موضع الباب, و أن يحدد مكان "الهرمزان", و أن يتثبت من شخصه, و ألا يحدث أمراً غير ذلك.



          مضى مجزأة بن ثور تحت جنح الظلام مع دليله الفارسي, فأدخله في نفق تحت الأرض يصل بين النهر والمدينة.
          فكان النفق يتسع تارة حتى يتمكن من الخوض في مائه وهو ماشٍ على قدميه, ويضيق تارة أخرى حتى يحمله على السباحة حملا.
          وكان يتشعب و يتعرج مرة, و يستقيم مرة ثانية...
          وهكذا حتى بلغ به المنفذ الذي ينفذ منه إلى المدينة, و أراه "الهرمزان" قاتل أخيه, و المكان الذي يتحصن فيه.
          فلما رأى مجزأة "الهرمزان", همَّ بأن يرديه بسهم في نحره, لكنه مالبث أن تذكر وصية أبي موسى له بألا يحدث أمرا, فكبح جماح هذه الرغبة في نفسه و عاد من حيث جاء قبل بزوغ الفجر.



          أعد أبو موسى ثلاثمائة من أشجع جند المسلمين قلباً, و أشدهم جلدا و صبراً, و أقدرهم على العوم و أمَّر عليهم مجزأة بن ثور وودَّعهم و أوصاهم... وجعل التكبير علامة على دعوة جند

          المسلمين لاقتحام المدينة.
          أمر مجزأة رجاله أن يتخففوا من ملابسهم ما استطاعوا حتى لا تحمل من الماء ما يثقلهم.
          وحذرهم من أن يأخذوا معهم غير سيوفهم... و أوصاهم أن يشدوها على أجسادهم تحت الثياب...
          و مضى بهم في آخر الثلث الأول من الليل.



          ظل مجزأه بن ثور وجنده البواسل نحوا من ساعتين يصارعون عقبات هذا النفق الخطير, فيصرعونها تارة و تصرعهم تارة أخرى.
          ولما بلغوا المنفذ المؤدي إلى المدينة وجد مجزأة أن النفق قد ابتلع مائتين وعشرين رجلاً من رجاله , و أبقى له ثمانين...



          وما أن وطئت أقدام مجزأة و صحبه أرض المدينة حتى جردوا سيوفهم, و انقضوا على حماة الحصن , فأغمدوها في صدورهم.
          ثم وثبوا إلى الأبواب و فتحوها و هم يكبرون.
          فتلاقى تكبيرهم من الداخل مع تكبير أخوانهم من الخارج...
          و تدفق المسلمون على المدينة عند الفجر...
          و دارت بينهم و بين أعداء الله رحى معركة ضروس قلما شهد تاريخ الحروب مثلها هولاً و رهبةً و كثرة في القتلى.



          و فيما كانت المعركة قائمة على قدم و ساق أبصر مجزأة بن ثور "الهرمزان" في ساحها, فاتجه نحوه, و ساوره بالسيف, فما لبث أن ابتلعه موج المتقاتلين و أخفاه عن ناظريه... ثم إنه بدا له مرة

          أخرى فاندفع نحوه و حمل عليه...
          وتصاول مجزأة و الهرمزان بسيفيهما فضرب كل منهما صاحبه ضربة قاضية, فارتد سيف مجزأة, و أصاب سيف الهرمزان...
          فخر البطل الكميُّ الباسل صريعا على أرض المعركة, و عينه قريرة بما حقق الله على يديه.
          وواصل جند المسلمين القتال, حتى كتب الله لهم النصر, ووقع الهرمزان في أيديهم أسيراً.



          انطلق المبشرون إلى المدينة المنورة يزفون إلى الفاروق بشائر الفتح.
          و يسوقون أمامهم الهرمزان وعلى كتفيه حلته الموشاة بخيوط الذهب ليراه الخليفة.
          و كان المبشرون يحملون مع ذلك تعزية حارة للخليفة بفارسه الباسل مجزأة بن ثور.

          تعليق


          • رد : سلسله الصحابه رضوان الله عليهم

            خالد بن سعيد
            فدائيّ، من الرعيل الأول
            رضي الله عنه وأرضاه


            ذات ليلة، رأى خالد بن سعيد في نومه أنه واقف على شفير نار عظيمة، وأبوه من ورائه يدفعه بكلتا يديه، ويريد أن يطرحه فيها، ثم رأى رسول الله يقبل عليه، ويجذبه بيمينه المباركة من ازاره فيأخذه بعيدا عن النار واللهب..

            ويصحو من نومه مزوّدا بخطة العمل في يومه الجديد، فيسارع من فوره الى دار أبي بكر، ويقصّ عليه الرؤيا.. وما كانت الرؤيا بحاجة الى تعبير..

            وقال له أبو بكر:

            " انه الخير أريد لك.. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه، فان الااسلام حاجزك عن النار".

            وينطلق خالد باحثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يهتدي الى مكانه فيلقاه
            في بيت وارف النعمة، مزهو بالسيادة، ولأب له في قريش صدارة وزعامة، ولد خالد بن سعيد بن العاص، وان شئتم مزيدا من نسبه فقولوا: ابن اميّة بن عبد شمس بن عبد مناف..

            ويوم بدأت خيوط النور تسري في أنحاء مكة على استحياء، هامسة بأن محمدا الأمين يتحدث عن وحي جاءه في غار حراء، وعن رسالة تلقاها من الله ليبلغها الى عباده، كان قلب خالد يلقي للنور الهامس سنعه وهو شهيد..!!
            وطارت نفسه فرحا، كأنما كان وهذه الرسالة على موعد.. وأخذ يتابع خيوط النور في سيرها ومسراها.. وكلما سمع ملأ من قومه يتحدثون عن الدين الجديد، جلس اليهم وأصغى في حبور مكتوم، وبين الحين والحين يطعّم الحديث بكلمة منه، أو كلمات تدفعه في طريق الذيوع، والتأثير، والايحاء..!

            كان الذي يراه أنئذ، يبصر شابا هادئ السمت، ذكيّ الصمت، بينما هو في باطنه وداخله، مهرجان حافل بلحركة والفرح.. فيه طبول تدق.. ورايات ترتفع.. وأبواق تدوّي.. وأناشيد تصلي.. وأغاريد تسبّح..

            عيد بكل جمال العيد، وبهجة العيد وحماسة العيد، وضجة العيد..!!!

            وكان الفتى يطوي على هذا العيد الكبير صدره، ويكتم سرّه، فان أباه لو علم أنه يحمل في سريرته كل هذه الحفاوة بدعوة محمد، لأزهق حياته قربانا لآلهة عبد مناف..!!

            ولكن أنفسنا الباطنة حين تفعم بأمر، ويبلغ منها حدّ الامتلاء فانها لا تملك لافاضته دفعا..

            وذات يوم..

            ولكن لا.. فان النهار لم يطلع بعد، وخالد ما زال في نومه اليقظان، يعالج رؤيا شديدة الوطأة، حادة التأثير، نفاذة العبير..



            نقول اذن: ذات ليلة، رأى خالد بن سعيد في نومه أنه واقف على شفير نار عظيمة، وأبوه من ورائه يدفعه بكلتا يديه، ويريد أن يطرحه فيها، ثم رأى رسول الله يقبل عليه، ويجذبه بيمينه المباركة من ازاره فيأخذه بعيدا عن النار واللهب..

            ويصحو من نومه مزوّدا بخطة العمل في يومه الجديد، فيسارع من فوره الى دار أبي بكر، ويقصّ عليه الرؤيا.. وما كانت الرؤيا بحاجة الى تعبير..

            وقال له أبو بكر:

            " انه الخير أريد لك.. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه، فان الااسلام حاجزك عن النار".

            وينطلق خالد باحثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يهتدي الى مكانه فيلقاه، ويسأل النبي عن دعوته، فيجيبه عليه السلام:

            " تؤمن بالله وحده، ولا تشرك به شيئا..

            وتؤمن بمحمد عبده ورسوله.. وتخلع عبادة الأوثان التي لا يسمع ولا تبصر، ولا تضر ولا تنفع"..

            ويبسط خالد يمينه، فتلقاها يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفاوة، ويقول خالد:

            " اني أشهد أن لا اله الا الله...

            وأشهد أن محمدا رسول الله"..!!

            وتنطلق أغاريد نفسه وأناشيدها..

            ينطلق لمهرجان كله الذي كان في باطنه.. ويبلغ النبأ أباه.




            **




            يوم أسلم سعيد، لم يكن قد سبقه الى الاسلام سور اربعة أو خمسة،فهو اذن من الخمسة الأوائل المبكرين الى الاسلام.

            وحين يباكر بالاسلام واحد من ولد سعيد بن العاص، فان ذلك في رأي سعيد، عمل يعرّضه للسخرية والهوان من قريش، ويهز الأرض تحت زعامته.

            وهكذا دعا اليه خالد، وقال له:" أصحيح أنك اتبعت محمدا وأنت تسمعه يهيب آلهتنا"..؟؟

            قال خالد: " انه والله لصادق..

            ولقد آمنت به واتبعته"..

            هنالك انهال عليه أبوه ضربا، ثم زجّ به في غرفة مظلمة من داره، حيث صار حبيسها، ثم راح يضنيه ويرهقه جوعا وظكأ..

            وخالد يصرخ فيهم من وراء الباب المغلق عليه:

            " والله انه لصادق، واني به لمؤمن".

            وبدا لسعيد أن ما أنزل بولده من ضرر لا يكفي، فخرج به الى رمضاء مكة، حيث دسّه بين حجارتها الثقيلة الفادحة الملتهبة ثلاثة أيام لا يواريه فيها ظل..!!

            ولا يبلل شفتيه قطرة ماء..!!

            ويئس الوالد من ولده، فعاد به الى داره، وراح يغريه، ويرهبه.. يعده، ويتوعّده.. وخالد صامد كالحق، يقول لأبيه:

            " لن أدع الاسلام لشيء، وسأحيا به وأموت عليه"..

            وصاح سعيد:

            " اذن فاذهب عني يا لكع، فواللات لأمنعنّك القوت"..

            وأجابه خالد:

            ".. والله خير الرازقين"..!!

            وغادر الدار التي تعجّ بالرغد، من مطعم وملبس وراحة..

            غادرها الى الخصاصة والحرمان..

            ولكن أي بأس..؟؟

            أليس ايمانه معه..؟؟

            ألم يحتفظ بكل سيادة ضميره، وبكل حقه في مصيره..؟؟

            ما الجوع اذن، وما الحرمان، وما العذاب..؟؟



            واذا وجد انسان نفسه مع حق عظيم كهذا الحق الذي يدعو اليه محمد رسول الله، فهل بقي في العالم كله شيء ثمين لم يمتلكه من ربح نفسه في صفقة، الله صاحبها وواهبها...؟؟

            وهكذا راح خالد بن سعيد يقهر العذاب بالتضحية، ويتفوق على الحرمان بالايمان..

            وحين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه المؤمنين بالهجرة الثانية الى الحبشة، كان خالد بن سعيد، ممن شدّوا رحالهم اليها..



            ويمكث خالد هناك الى ما شاء الله ان يمكث، ثم يعود مع اخوانه راجعين الى بلادهم، سنة سبع، فيجدون المسلمين قد فرغوا لتوهم من فتح خيبر..

            ويقيم خالد بالمدينة وسط المجتمع المسلم الجديد الذي كان أحد الخمسة الأوائل الذين شهدوا ميلاده، وأسسوا بناءه، ولا يغزو النبي غزوة، ولا يشهد مشهدا، الا وخالد بن سعيد من السابقين..

            وكان خالد بسبقه الى الاسلام، وباستقامة ضميره ونهجه موضع الحب والتكريم..

            كان يحترم اقتناعه فلا يزيفه ولا يضعه موضع المساومة.

            قبل وفاة الرسول جعله عليه السلام واليا على اليمن..

            ولما ترامت اليه أنباء استخلاف أبي بكر، ومبايعته غادر عمله قادما الى المدينة..

            وكانه يعرف لأبي بكر الفضل الذي لا يطاول..

            بيد أنه كان يرى أن أحق المسلمين بالخلافة واحد من بين هاشم:

            العباس مثلا، أو عليّ ابن أبي طالب..

            ووقف الى جانب اقتناعه فلم يبايع أبا بكر..

            وظل أبو بكر على حبه له، وتقديره اياه لا يكرهه على أن يبايع، ولا يكرهه لأنه لم يبايع، ولا يأتي ذكره بين المسلمين الا أطراه الخليفة العظيم، وأثنى عليه بما هو أهله..

            ثم تغيّر اقتناع خالد بن سعيد، فاذا هو يشق الصفوف في المسجد يوما وأبو بكر فوق المنبر، فيبايعه بيعة صادقة وثقى..




            **




            ويسيّر أبا بكر جيوشه الى الشام، ويعقد لخالد بن سعيد لواء، فيصير أحد أمراء الجيش..

            ولكن يحدث قبل أن تتحرك القوات من المدينة أن يعارض عمر في امارة خالد بن سعيد، ويظل يلح على الخليفة أن يغيّر قراره بشأن امارة خالد..

            ويبلغ النبأ خالد، فلا يزيد على قول:

            " والله ما سرّتنا ولايتكم، ولا ساءنا عزلكم"..!!

            ويخفّ الصدّيق رضي الله عنه الى دار خالد معتذرا له، ومفسرا له موقفه الجديد، ويسأله مع من من القوّاد والأمراء يجب أن يكون: مع عمرو بن العاص وهو ابن عمه، أو مع شرحبيل بن حسنة؟

            فيجيب خالد اجابة تنمّ على عظمة نفسه وتقاها:

            " ابن عمّي أحبّ اليّ في قرابته، وشرحبيل أحبّ اليّ في دينه"..

            ثم اختار أن يكون جنديا في كتيبة شرحبيل بن حسنة..



            ودعا ابو بكر شرحبيل اليه قبل أن يتحرّك الجيش، وقال له:

            " انظر خالد بن سعيد، فاعرف له من الحق عليك، مثل ما كنت تحبّ أن يعرف من الحق لك، لو كنت مكانه، وكان مكانك..

            انك لتعرف مكانته في الاسلام..

            وتعلم أن رسول الله توفى وهو له وال..

            ولقد كنت وليته ثم رأيت غير ذلك..

            وعسى أن يكون ذلك خيرا له في دينه، فما أغبط أحد بالامارة..!!

            وقد خيّرته في أمراء الجند فاختارك على ابن عمّه..

            فاذا نزل بك أمر تحتاج فيه الى رأي التقي الناصح، فليكن أول من تبدأ به: أبو عبيدة بن الجرّاح، ومعاذ بن جبل.. وليكن خالد بن سعيد ثالثا، فانك واجد عندهم نصحا وخيرا..

            واياك واستبداد الرأي دونهم، أو اخفاءه عنهم"..



            وفي موقعه مرج الصفر بأرض الشام، حيث كانت المعارك تدور بين المسلمين والروم، رهيبة ضارية، كان في مقدمة الذين وقع أجرهم على الله، شهيد جليل، قطع طريق حياته منذ شبابه الباكر حتى لحظة استشهاده في مسيرة صادقة مؤمنة شجاعة..

            ورآه المسلمون وهم يفحصون شهداء المعركة، كما كان دائما، هادئ السّمت، ذكي الصمت، قوي التصميم، فقالوا:

            " اللهم ارض عن خالد بن سعيد"..!!

            تعليق


            • رد : سلسله الصحابه رضوان الله عليهم

              نرغب بالمزيد من مشاركات الاخوه الاعضاء

              تعليق


              • رد : سلسله الصحابه رضوان الله عليهم

                نسيبة المازنية
                مقاتله من عصر النبوة
                رضي الله عنها وأرضاها



                ((أنتم على موعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة في آخر الثلث الأول من الليل)).

                أسر مصعب بن عمير بهذه الكلمة إلى واحد من مسلمي (( يثرب )), فسرى الخبر بينهم سريان النسيم في سرعة, وخفة, و هدوء.

                و أحيط به المسلمون الذين تسللوا من المدينة, و اندسوا بين جموع حجاج المشركين الوافدين على مكة من كل صوب.

                و أقبل الليل فاستسلم حجاج المشركين إلى النوم..

                وجعلوا يغطون في نومٍ عميق بعد يوم جاهد متعب قضوه في التطواف حول الأوثان ...
                و الذبح للأصنام...
                لكن أصحاب مصعب بن عمير من مسلمي (( يثرب )) لم يغمض لهم جفن ...

                وكيف لجفونهم أن تغمض ؟!
                وقلوبهم تخفق بين فرحة باللقاء الذي قطعوا من أجله الفيافي و الفقار و أفئدتهم تكاد تطير من بين ضلوعهم شوقاً لرؤية نبيهم الحبيب صلوات الله وسلامه عليه .
                فقد آمن به أكثرهم قبل أن يسعدوا بلقياه ...
                و تعلقوا به قبل أن تكتحل أعينهم بمرآه ...


                ***


                و في آخر الهزيع الأول من أوسط أيام التشريق, و عند (( العقبة )) في (( منى ))تم اللقاء الكبير في غفلة من قريش...
                فلقد تقدم اثنان و سبعون رجلاً من النبي صلوات الله وسلامه عليه ...
                ووضعوا أيديهم في يديه واحداً بعد آخر مبايعين أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم و أولادهم ...
                ولما انتهى الرجال من البيعة تقدمت امرأتان فبايعتا على ما بايع عليه الرجال ...

                ولكن من غير مصافحة ...

                ذلك لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يصافح النساء .

                وقد كانت إحدى هاتين المرأتين تعرف بأم منيع ...


                أما الأخرى فهي نسيبة بنت كعب المازنية المكناه بأم عمارة.


                ***


                عادت أم عمارة إلى (( يثرب )) فَرِحةً بما أكرمها الله به من لقاء الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم .
                عاقدة العزم على الوفاء بشروط البيعة ...

                ثم مضت الأيام سراعاً, حتى كان يوم (( أحد )) , و كان لأم عمارة فيه شأن و أي شأن ؟!

                خرجت أم عمارة إلى (( أحد )) تحمل سقاءها لتروي ظمأ المجاهدين في سبيل الله.
                و معها لفائفها لتمضد جراحهم ...

                و لا عجب, فقد كان لها في المعركة زوج و ثلاثة أفئدةٍ :

                هم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وولداها حبيب, و عبد الله ...

                وذلك بالإضافة إلى إخوتها من المسلمين الذائدين عن دين الله المنافحين عن رسول الله .


                ثم كان ما كان يوم (( أحد )) ...

                فلقد رأت أم عُمَارَةَ بعينيها كيف تحول نصر المسمين إلى هزيمة كبرى ...
                وكيف خذ القبل يصتد في صفوف المسلمين فيتساقطون على أرض المعركة شهيداً إثر شهيد ...
                و كيف زلزلت الأقدام , فتفرق الرجال إلا عشرة أو نحواً من عشرة ...

                مما جعل صارخ الكفار ينادي :
                لقد قتل محمدٌ ... لقد قتل محمدٌ ...

                عند ذلك ألقت أم عمارة سقاءها , و انبرت إلى المعركة كالنمرة التي قصد أشبالها بِشَرٍّ ...

                ولنترك لأم عمارة نفسها الحديث عن هذه اللحظات الحاسمات, فليس كمثلها من يستطيع تصويرها بدقة و صدق .

                قالت أم عمارة:

                خرجت أول النهار إلى (( أحد )) و معي سقاء أسقي منه المجاهدين حتى انتهيت إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) و الدولة والقوة له و لمن معه ...

                ثم ما لبث أن انكشف المسلمون عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم), فما بقي إلا في نفر قليل ما يزيدون على العَشْرَةِ ...
                فملت إليه أنا و ابني وزوجي ...

                وأحطنا به إحاطة السوار بالمعصم و جعلنا نذود عنه بسائر ما نملكه من قوة وسلاح ...

                ورآني الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) ولا ترس معي أقي به نفسي من ضربات المشركين .

                ثم أبصر رجلاً يفر هارباً و معه ترس فقال له :
                ( ألق ترسك إلى من يقاتل ) فألقى الرجل ترسه و مضى ...

                فأخذته و جعلت أتترس به عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) .
                وما زلت أضارب عن النبي بالسيف ...
                وأرمي دونه بالقوس حتى أعجزتني الجراح .
                وفيما نحن كذلك أقبل (( ابن قمئة )) كالجمل الهائج وهو يصيح :

                أين محمد ؟
                دلوني على محمد ...

                فاعترضت سبيله أنا و مصعب بن عمير, فصرع مصعباً بسيفه و أرداه قتيلاً ...
                ثم ضربني ضربة خلفت على عاتقي جرحاً غائراً ...
                فضربته على ذلك ضربات , ولكن عدو الله كانت عليه درعان ...

                ثم أتبعت نسيبة المازنية تقول :

                وفيما كان ابني يناضل عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ضربه أحد المشركين ضربة كادت تقطع عضده ...
                وجعل الدم يتفجر من جرحه الغائر ...

                فأقبلت عليه, و ضمدت جرحه, و قلت له :
                انهض يابني و جالد القوم ...

                فالتفت إلي الرسول صلوات الله عليه وسلامه عليه وقال :
                ( ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة) ؟!

                ثم أقبل الرجل الذي ضرب ابني فقال الرسول عليه الصلاة والسلام :
                ( هذا ضارب ابنك يا أم عمارة )
                فما أسرع أن اعترضت سبيله و ضربته على ساقه بالسيف؛ فسقط صريعاً على الأرض ...

                فأقبلنا عليه نتعاوره بالسيوف ونطعنه بالرماح حتى أجهزنا عليه, فالتفت إلى النبي الأعظم (صلى الله عليه وسلم) مبتسماً و قال :
                (لقد اقتصصت منه يا أم عمارة ...
                والحمد لله الذي أظفرك به ...
                و أراك ثأرك بعينك ).




                ***


                لم يكن ولدا أم عمارة أقل شجاعة وبذلا من أمهما و أبيهما, و لا أدنى تضحية و فداءً منهما ...
                فالولد سِّرُ أمه و أبيه , و صورة صادقة عنهما .

                حدث ابنها عبدالله قال :
                شهدت (( أحداً )) مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) , فلما تفرق الناس عنه دنوت منه أنا و أمي نذب عنه , فقال :
                ( ابن أم عمارة؟ )
                قلت: نعم
                قال: (ارمِ ...)
                فرميت بين يديه رجلاً من المشركين بحجر فوقع على الأرض , فما زلت أعلوه بالحجارة حتى جعلت عليه منها حِمْلاً , والنبي عليه السلام ينظر إليَّ و يبتسم ...

                وحانت منه التفاته فرأى جرح أمي على عاتقها يتصبب منه الدم فقال :
                ( أمك ... أمك ...
                اعصب جرحها . بارك الله فيكم أهل بيت ...
                بَمقامُ أمك خير من مقام فلان و فلان ...
                رحمكم الله أهل بيت ) .

                فالتفتت إليه أمي و قالت :
                ادع الله لنا أن نكون رفقائك في الجنة يا رسول الله .
                فقال : ( اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة )
                فقالت أمي :
                ما أبالي بعد ذلك ما أصابني في الدنيا .

                ثم عادت أم عُمارة من (( أحد )) بجرحها الغائر وهذه الدعوة التي دعا لها بها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) .
                وعاد النبي عليه الصلاة والسلام من (( أحد )) وهو يقول :
                ( ما التفت يوم أحد يميناً ولا شمالاً إلا و رأيت أم عُمارة تقاتل دوني ) .


                ***


                تمرست أم عمارة يوم أحد على القتال ؛ فأتقنته ...
                وذاقت حلاوة الجهاد في سبيل الله ؛ فما عادت تطيق عنه صبراً .
                وقد كتب لها أن تشهد مع الرسول صلوات الله وسلامه عليه أكثر المشاهد ...
                فحضرت معه الحديبية و خيبراً ...
                و عمرة القضاء , وحنيناً ...
                وبيعة الرضوان
                ولكن ذلك كله لايعد شيئاً إذا قيس بما كان منها يوم (( اليمامة )) على عهد الصديق رضي الله عنها وعنه .


                ***


                تبدأ قصة أمِ عُمارة مع يوم (( اليمامة )) منذ عهد الرسول صلوات الله وسلامه عليه .
                فقد بعث الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) ابنها حبيب بن زيد برسالة إلى مسيلمة الكذاب ...
                فغدر مسيلمة بحبيب و قتله قتلة تقشع منها الجلود .
                ذلك أن مسيلمة قيد حبيباً ثم قال له :
                أتشهد أن محمداً رسول الله ؟
                فقال : نعم .
                فقال مسيلمة : أتشهد أني رسول الله ؟
                فقال : لا أسمع ما تقول ...
                فقطع منه عضواً ...
                ثم مازال مسيلمة يعيد عليه السؤال نفسه , فيرد عليه الجواب نفسه ...
                لا يزيد عليه ولا ينقص ...

                وكان في كل مرة يقطع منه عضواً حتى فاضت روحه الطاهرة , وذلك بعد أن ذاق من العذاب ما تتزلزل منه الصخور الصلاب.


                ***


                نَعى الناعي حبيب بن زيد إلى أمه نسيبة المازنية فما زادت على أن قالت :
                من أجل مثل هذا الموقف أعددته ...
                وعند الله احتسبته ...
                لقد بايع الرسول (صلى الله عليه وسلم) ليلة العقبة صغيراً ...
                ووفى له اليوم كبيراً ...
                ولئن مكنني الله من مسيلمة لأجعلن بناته يلطمن الخدود عليه ...


                ***


                لم يبطئ اليوم الذي تمنته نسيبة كثيراً ...
                حيث أذن مؤذن أبي بكر في المدينة أن حيَّ على قتال المتنبئ الكذاب مسيلمة ...

                فمضى المسلمون يحثون الخطى إلى لقائه , و كان في الجيش أن عمارة المجاهدة الباسلة وولدها عبدالله بن زيد .

                ولما التقى الجمعان و حمي وطيس المعركة كان يترصد لمسيلمة نفر من المسلمين و على رأسهم أمّث عُمارة التب تريد أن تنتقم لابنها الشهيد ...
                ووحشي بن حرب قاتل حمزة يوم (( أحد )) ...
                فقد كان يريد أن يقتل شر الناس وهو مؤمن .
                بعد أن قتل أحد خيار الناس وهو مشرك .


                ***


                لم تستطع أمُّ عُمارة أن تصل إلى مسيلمة بعد أن قُطعت يدها في المعركة ...
                وأثخنتها الجراح ...
                لكن وحشي بن حرب , و أبا دجانة صاحب سيف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصلا إلى مسيلمة وضرباه عن يدٍ واحدةٍ ...
                فقد طعنه وحشي بالحربة ...
                وضربه أبو دجانة بالسيف ...
                فخر صريعاً في طرفة عين .


                ***


                عادت أم عُمارة بعد (( اليمامة )) إلى المدينة بيدٍ واحده و معها ابنها الوحيد .
                أما يدها الأخرى فقد احتسبتها عند الله كما احتسبت من قبل ولدها الشهيد .

                ولم لا تحتسبهما ؟!

                ألم تقل للرسول عليه الصلاة والسلام :
                ادع الله لنا أن نرافقك في الجنة ...
                فقال الرسول صلوات الله وسلامه عليه :
                ( اللهم اجعلهم رفاقي في الجنة )
                فقالت :
                ما أبالي بعد ذلك ما أصابني في الدنيا ...


                ***


                رضي الله عن أم عمارة و أرضاها ؛ فقد كانت طرازاً فريداً بين النساء المؤمنات ...
                و أنموذجاً فذاً بين المجاهدات الصابرات ...

                تعليق


                • رد : سلسله الصحابه رضوان الله عليهم

                  من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ..." جزء من الاية/23/ الاحزاب
                  " ما بين " العرس الملائكي الذي حمل روح خبيب بن عدي وعظمة الارتباط بينه وبين سعيد بن عامرا لتقي النقي ....


                  الحمد لله رب العالين والصلاة والسلام علي سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلي اله وأصحابه الذين كانوا القدوة والمثل الطيب لكل الأجيال التي سوف تأتي من بعد إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها ...
                  هؤلاء الصحب الكرام كانوا ومازالوا وسيظلون مصابيح للهدي والنور لكل الناس في كل زمان وكل مكان ليعلم الناس .. كل الناس أنهم بحق الذين قال الله تعالي فيهم :":"كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله... الآية"(الآية/110 جزء من الآية) –" آل عمران ..."
                  ولكي نقف علي عظمة هؤلاء الرجال لابد لنا من الوقوف علي سيرتهم العطرة التي كانوا بها في هذه الدرجة العظيمة من حب الله جل وعلا لهم ورسوله صلي الله عليه وسلم ووصلوا إلي هذه الخيرية التي لم يصل إليها غيرهم إلا من أحبهم الله جل وعلا كما أحب هؤلاء الصحب الكرام لأنهم كانوا أهلا لهذا الحب العظيم ولعل مااستوقفني وشد انتباهي بشدة صحابيان جليلان: احدهما :الصحابي الشهيد خبيب بن عدي والصحابي الجليل التقي النقي "سعيد بن عامر بن سلامان بن ربيعة الجمحي ""صفة الصفوة لابن الجوزي/280" ويعرف أيضا ب"سعيد بن عامر بن حذيم " رضي الله عنه .. وغيرهما كثير... ولكني أحببت أن أبدا بهما هذه السلسلة العطرة لهؤلاء الصحب الكرام لسيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه ... ومن هنا أبدا تلك السيرة العطرة لهذين الصحابيين فإنهما كانا وبصدق ...0 من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه !!!! وقصة هذين الصحابيين العطرة الغالية بما فيها من عظات وعبر ودروس
                  اهديها بصدق وأمانة وحب لكل مسلم موحد بالله ...كتوحيد خبيب وسعيد .. راض بالحبيب محمد صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا- بدرجة حبهما له صلي الله عليه وسلم - اهديها إليهم جميعا ليتعلموا كل ماهوجميل ورائع من هذا الشهيد الصابر المحتسب "خبيب" "وسعيد بن عامر" ذلك الرجل البسيط في ملبسه البسيط في مأكله البسيط في تعامله مع الدنيا الفانية ليجعل له في الآخرة زادا طيبا يفد به علي الله .. يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتري الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد - كما ..فعل خبيب من قبل - الرجل الذي لم تفتنه الدنيا التي كانت تحت قدميه ... أقدم قصة الرجلين لتكون للناس ..كل الناس قدوة ومثلا لما تجب أن تكون عليه الحياة لمن أرادها لله وللدين وللحب الطاهر النقي للرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم .. لمن أراد الآخرة رغم أن الدنيا كانت في يده اوتكاد ...-فلنبدأ علي بركة الله بقصة الشهيد الصابر "خبيب بن عدي" الذي قال له النبي صلي الله عليه وسلم يوم قتل0لا بل يوم استشهد بصبر الرجال .. وأي رجال؟؟ قال له صلي الله عليه وسلم يوم استشهاده-كما لو انه يخاطبه وجها لوجه - كما روي ابن حجر رحمه الله في شرحه علي صحيح البخاري رحمه الله كما في فتح الباري:"7/443" وهي من رواية موسي بن عقبة:فزعموا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ذلك اليوم وهو جالس:" وعليك السلام يا خبيب قتلته قريش" ... فهنيئا لك يا خبيب بالتحام السماء بالأرض في وحي ينزل من السماء ينزل به أمين رسالات السماء جبريل عليه السلام ليخبر أمين الرسالة في الأرض سيدنا محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم كما في رواية أبي الأسود عن عروة "فجاء جبريل إلي النبي صلي الله عليه وسلم فاخبره –أي بقتل قريش لخبيب رضي الله عنه- فاخبر أصحابه بذلك"
                  ونعود إلي القصة من بدايتها عندما أرسل النبي صلي الله عليه وسلم سرية عينا لتخبره بخبر قريش وأمر عليهم" عاصم بن ثابت" فانطلقوا حتى إذا كان بين عسفان ومكة ذكروا لحي من" هذيل" يقال لهم" بنو لحيان" فتبعوهم بقريب من مائة رام فاقتصوا آثارهم فلحقوهم فلجا عاصم وأصحابه إلي مكان مرتفع وأحاط بهم القوم وأعطوهم الأمان إذا نزلوا إليهم من غير قتال فلم ينزل عاصما وعدد آخرمعه... فقتلوا عاصما وسبعة ممن معه وبقي خبيب وزيد بن الدثنة ورجلا آخر فقاتلهم هذ الأخير عندما أحس بغدرهم فقتلوه .. وانطلقوا بخبيب وزيد فباعوهما في مكة واشتري بنو الحارث بن عمرو بن نوفل خبيبا لأنه كان قد قتل " الحارث" يوم بدر وظل الأسير الصابر عند هؤلاء حتى انتهت الأشهر الحرم وخرجوا به إلي" التنعيم "-وهي خارج حدود الحرم- لقتله ...0وذكرا بن كثير رحمه الله:"قال ابن هشام: أقام خبيب في أيديهم حتى انسلخت الأشهر الحرم ثم قتلوه"(البداية والنهاية:4/55) .. وفي مغازي موسي بن عقبة:أن خبيبا وزيد بن الدثنة قتلا في يوم واحد ... وان رسول الله صلي الله عليه وسلم سمع يوم قتلا وهو يقول: وعليكما أو عليك السلام : خبيب قتلته قريش!!!! وذكر أنهم لما صلبوا زيد بن الد ثنة رموه بالنبل ليفتنوه عن دينه فما زاده إلا إيمانا وتسليما"(المرجع السابق/نفس الصفحة ) ...0 ودعت قريش الرجال والنساء والصبيان لحضور هذا المشهد الذي غير كثيرا من الأمور التي كانت تجري بمكة هذه الأيام ومن بينها التحول الكبير الذي حدث لسعيد بن عامر رضي الله عنه الصاحب الثاني للشهيد الصابر خبيب بن عدي رضي الله عنه .....

                  ولعل الأحداث التي عاشتها"منطقة التنعيم" وهي تشهد صورة من أعظم صور الصبر لشهيد بطل كخبيب ... لعل هذه الأحداث قد تركت بصماتها علي كثير ممن شاهدوا هذا المشهد الدموي وكبار كفار مكة يقطعون أوصال خبيب ويقولون له لو انك امن في اهلك ومحمد يفعل به ما يفعل بك ؟؟.. ولكن حلاوة الإيمان ورسوخه في قلبه وحبه لرسول الله صلي الله عليه وسلم أنسته آلام جراحه ونزيف دمائه واقسم لهم –وهو الصادق- انه لا يحب أن يشاك رسول الله صلي الله عليه وسلم بشوكة وهو امن في بيته بين أهله.. وذكرا بن كثير رحمه الله في" البداية والنهاية" نص قول خبيب رضي الله عنه:"لا والله العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة -أي رسول الله صلي الله عليه وسلم- يشاكها في قدمه" وكذلك ذكرا بن إسحاق مثل هذا القول عن زيد بن الدثنة رضي الله عنه"(البداية والنهاية4/55) .. ووسط هذا الضجيج تخرج الكلمات الطاهرات من في خبيب - الذي اخذ غدرا وقتل ظلما - بالدعاء علي هؤلاء الظالمين من قتلته ممن تحجرت قلوبهم حتى أصبحت كالحجارة أو هي اشد .. وكانت كلمات تخرج من فم إنسان لا بل من فم بطل.. وبطل شجاع أيضا - رغم تعثرها في خروجها من فمه الطاهر من شدة الإعياء - إلا أنها كانت قوية كالصواعق المهلكة علي هؤلاء ... فقال رضي الله عنه" اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا" وفي رواية بريدة بن سفيان قال خبيب:" اللهم إني لا أجد من يبلغ رسولك مني السلام فبلغه".. يا الله ياخبيب يا بطل يامن لم تنس حبيبك في اشد حالات محنتك وابتلائك !!!! وأي سلام ذاك يا خبيب؟ اهو سلام الوداع لحبيب أحببته بكل حواسك وجوارحك ؟؟؟ أم سلام إلي الناس .. كل الناس لتقول لهم: أحبوا محمدا كما أحببته .. وافدوه كما فديته.. وكونوا حماة لدعوة الإسلام والتوحيد كما كنت؟؟؟؟ فرضي الله عنك ورسوله ياخبيب ..فكنت القدوة وكنت المثل.. واني لنا من ثرياك التي بلغتها بصبرك يوم التنعيم؟؟؟ فيا له من حب ووفاء ضربه لنا خبيب ليكون مثلا وقدوة لمن سيأتي بعدك يا خبيب! واني لنا ذلك؟؟؟؟؟
                  وهو السلام الذي رده النبي الهادي محمد صلي الله عليه وسلم كما ذكرنا آنفا كما في فتح الباري... وخبيب بن عدي رضي الله عنه وأرضاه هو احد المعذبين في الله ..غير الضجر ولا الخائف أو الغاضب علي ما أصابه لكنه الرضي بقضاء الله وقدره ... بل مطلق الرضي الثابت ثبوت الجبال الراسيات .. كل ذلك ترك انعكاساته المضيئة علي أفعال سعيد بن عامر رضي الله عنه ... وكان القدر جاء بخبيب وليري سعيد بعينيه كل تلك المشاهد ليشرح الله صدره للإيمان الصادق المشوب بالألم والندم والأسف ا لذي كان يعتصر قلبه بين الحين والحين لأنه لم ينصر خبيبا يوم التنعيم - يوم العرس الملائكي ا لسماوي ... والملائكة تحمل روحه الذكية الطاهرة في أكفان من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة كما في جزء من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه كما في صحيح الجامع : "1/345 " ح:1676 ... والملائكة من حوله تتسابق لحمل تلك الروح الطاهرة وعبير الجنة يفوح منها وكأنه عرس ملائكي لتلك الروح الغالية.. والحور العين فرحات مستبشرات بمقدمه ليعيش هذا الجسد- الممزق بالأيدي الآثمة- بين زوجاته من الحور العين ..!!!!! فلا يقوي سعيد علي تحمل هذا الموقف الذي لايغادر خياله .. فتصيبه غشية طالما لازمته عمره كله ولم يكن ذلك عيبا في سعيد رضي الله عنه بل كان منقبة له لم تتوفر لغيره من الكثير من الرجال حيث ذلك الإحساس المرهف والضمير الحي اليقظ دون الكثير من غيره ممن شهد هذ ا الموقف المؤلم المبكي لأصحاب الضمائر والعقول ... وخرج سعيد مع من خرج إلي التنعيم ليشهد استشهاد خبيب رضي الله عنه - ولا نقول مقتله -وقد اخذ خبيب غدرا من" بني لحيان" من اجل دنيا أصابوها .. فلم يكن لهم في هؤلاء الصحب حاجة... ولم يكن لهم عندهم ثار ولا أسير يفتدي ولم يكن خبيب رضي الله عنه أسفا اووجلا أو خائفا كما لم يكن في قتله –بل استشهاده- بهذه الصورة الوحشية إلا عظيم الفخر والشرف كما قال القائل:
                  ولا غرو بالإشراف إن ظفرت بهم... كلاب الأعادي من فصيح وأعجم فحربة وحشي سقت حمزة الردي... وموت علي من حسام بن ملجم وفي المقابل كان سعيد بن عامر رضي الله عنه ثمرة من ثمرات الثبات علي الحق الذي قال والثقة تملا جوانحه: " لقد كان لي أصحاب سبقوني إلي الله وما أحب أن انحرف عن طريقهم.. ولو كانت لي الدنيا بما فيها" وكانت المسافة غير بعيدة بين هذين الرجلين في فكرهما وحبهما لله جل وعلا ورسوله صلي الله عليه وسلم فنسمع الشهيد الصابر المحتسب يسمع الكون كله أنشودة عذبة وكلمات يفوح منها ريح المسك وهو يقول:

                  ولست أبالي حين اقتل مسلما ... علي أي جنب كان في الله مصرعي
                  وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك علي أوصال شلو ممزع

                  " البداية والنهاية للحافظ بن كثير : " /4/52 "
                  ولنعش مع ذلك الصحابي الجليل الذ ي اشتري الآخرة بالدنيا
                  وقد مكنه شبابه الموفور وفتوته المتد فقة من أن يزاحم الناس بالمناكب حتى
                  لقد حاذي شيوخ قريش من أمثال أبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وغيرهما ممن يتصدرون الموكب الذي تجري إحداثه تحت عين الله وسمعه
                  ثبات الإيمان في ساعات الشدة والوقوف بين يدي الله للصلاة
                  ووقف الفتي سعيد بن عامر الجمحي بقامته الممدودة يطل علي خبيب وهو يقدم إلي" خشبة الصلب" وسمع صوته الثابت الهادي من خلال صياح النسوة والصبيان وهو يقول:إن شئتم أن تتركوني اركع ركعتين قبل مصرعي فافعلوا ... ثم نظر إليه وهو يستقبل الكعبة وصلي ركعتين وذكرا بن كثير" قال السهيلي وإنما صارت الركعتان سنة-يعني عند القتل- لأنها فعلت في زمن النبي صلي الله عليه وسلم فاقر عليها واستحسنت من صنعه"(البداية والنهاية:4/55) ثم رآه يقبل علي زعماء القوم ويقول: والله لولا أن تظنوا أني أطلت الصلاة جزعا من الموت.. 0 لاستكثرت من الصلاة0 ثم شهد سعيد قومه بعين رأسه وهم يمثلون بخبيب حيا فيقطعون من جسده القطعة تلو القطعة .. والدماء تنزف منه و تفوح منه رائحة مسك الجنة.. ثم أبصره وهو يرفع بصره إلي السماء من فوق خشبة الصلب ويقول:" اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا" ... وكان أبواب السماء كانت مفتحة ليصعد إليها هذا الدعاء الصادق من تلك الشفاه الطاهرة بذكر الله عز وجل وهي دعوات مظلوم المعلوم من الدين بالضرورة أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم من حديث خزيمة بن ثابت : "اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل علي الغمام يقول الله : وعزتي وجلالي لانصرنك ولو بعد حين "صحيح الجامع/1/84/ح:"117 0وقد روي انه لم يبق احد ممن سمع ذلك الدعاء ولم ينبطح أرضا إلا اخذ بقدرة الله تعالي فيما أتي من أيام وصدق ربي العظيم إذ يقول"وكذلك اخذ ربك إذا اخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه اليم شديد" هود /102
                  ورغم تلك الجريمة التي اقترفتها قريش في حق ذلك الأسير الأعزل الذي لا يستطيع أن يدفع عن نفسه حتى الكلمات .. ناهيك عن طعنات السيوف والرماح ... رغم ذلك فقد كان ينتاب قريش الخوف والفزع من دعاء ذلك الرجل الماثل أمامهم كالجبل الأشم ..!!! وفي رواية بريدة بن سفيان المشار إليها سابقا والتي ذكرها ا بن حجرفي شرحه لحديث" سرية عاصم بن ثابت" المشار إليه آنفا قال:"فلبد رجل بالأرض خوفا من دعائه ...0 !!!
                  وحكي ابن إسحاق عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال" كنت مع أبي فجعل يلقيني إلي الأرض حين سمع دعوة خبيب.. "
                  " فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر"7/443"
                  وعادت قريش إلي مكة ونسيت في زحمة الإحداث الجسام خبيبا وصرعه لكن الفتي اليافع سعيد بن عامر الجمحي لم يغب خبيب عن خاطره لحظة كان يراه في حلمه إذا نام ويراه بخياله وهو مستيقظ ويمثل أمامه وهو يصلي ركعتيه الهادئتين المطمئنتين أمام خشبة الصلب ويسمع رنين صوته في أذنيه وهو يدعو علي قريش فيخشي أن تصعقه صاعقة أو تخر عليه صخرة من السماء .. وتعلم سعيد بن عامر من ملحمة خبيب أن الحياة الحقة عقيدة وجهاد في سبيل الله حتى الموت ... وعلمه أن الرجل الذي يحبه "خبيب " كل هذا الحب إنما هو نبي مؤيد من السماء .. عند ذلك شرح الله صدر سعيد بن عامر للإسلام ... فقام في ملا من الناس وأعلن براءته من آثام قريش وأوزارها وخلعه لأصنامها وأوثانها ودخوله في دين الله ..الاسلام العظيم وكان عليه أن يترك دنياه هذه وراء ظهره ليبدأ دنيا جديدة خالية من الجهالات والخرافات التي تعيش فيها قريش بظلام عباداتها الباطلة من أصنام وسدنة وسحرة ... كان عليه أن يهجر عالمه الذي يعج ظلما في مكة ويتوجه إلي عالم جديد طاهر نقي ... من اجل ذلك هاجر سعيد بن عامر إلي المدينة حيث رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته والعدل والنور والأمن والأمان الذي يعيش فيه خير الناس وخيرا لصحب مع النبي محمد صلي الله عليه وسلم وصحابته وكل الذين يعيشون تحت عدل الإسلام وظلاله الوارفة...0
                  سعيد بن عامر في المدينة "
                  لزم سعيد بن عامر النبي صلي الله عليه وسلم وشهد معه خيبر وما بعدها من الغزوات حتى لقي رسول الله صلي الله عليه وسلم ربه .. وهو راض عن سعيد .. ولم تنتهي حياة سعيد بموت النبي صلي الله عليه وسلم بل ظل سيفا مسلولا في أيدي خليفتيه:أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وكانا يعرفان لسعيد صدقه وتقواه ويستمعان إلي نصحه...0

                  سعيد بن عامر رضي الله عنه
                  الناصح المخلص لعمر رضي الله عنه " "
                  تحمل لنا النصوص والآثار الصحيحة موقفا عظيما من مواقف النصح الخالص لله ولرسوله صلي الله عليه وسلم من سعيد بن عامر للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
                  فقد دخل سعيد عليه ذات يوم وقال له :
                  يا عمر أوصيك أن تخشي الله في الناس ولا تخشي الناس في الله وألا يخالف قولك فعلك .. فان خير القول ما صدقه الفعل .. يا عمر:أقم وجهك لمن ولاك أمره من بعيد المسلمين وقريبهم وأحب لهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك .. واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك وخض الغمرات ا لي الحق..ولا تخف في الله لومة لائم ..
                  فقال عمر: ومن يستطيع ذلك ياسعيد؟ فقال: يستطيعه رجل مثلك ممن ولاهم الله أمر امة محمد وليس بينه وبين الله احد.. عند ذلك دعا عمربن الخطاب سعيدا بن عامر إلي مؤازرته وقال له عمر: يا سعيد: إنا مولوك علة أهل" حمص" فقال ياعمر: ناشدتك الله ألا تفتنني .. فغضب عمر وقال:ويحكم !! وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عني؟ والله لاادعك !!! ثم ولاه حمص" .. وقال له: ألا نفرض لك رزقا؟ قال: وما افعل به ياامير المؤمنين؟ فإن عطائي من بيت المال يزيد عن حاجتي ... !!
                  نعم يا سعيد بن عامر يا من قال عنك عمر !! وأي عمر؟ إنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوما"من سره أن ينظر إلي رجل نسيج وحده فلينظر إلي سعيد بن عامر"( البداية والنهاية لابن كثير/4/55)
                  وعن عبد الرحمن بن سابط قال: وكان إذا خرج عطاؤه-أي سعيد بن عامر- ابتاع لأهله قوتهم وتصدق ببقيته .. فتقول له امرأته: أين فضل عطائك؟؟ فيقول لها: قد أقرضته .. فاتاه ناس فقالوا: إن لأهلك عليك حقا وإن لأصهارك عليك حقا فقال:"ما أنا بمستاثرعليهم ولا بملتمس رضا احد من الناس لطلب الحور العين .. ولو اطلعت خيرة من خيرات الجنة لأشرقت لها الأرض كما تشرق الشمس وما أنا بمتخلف عن العنق الأول- أي الرعيل ا لاول- بعد إن سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:" يجمع الله عز وجل النا س ليوم معلوم فيجيء فقراء المؤمنين فيزفون كما يزف الحمام .. فيقال لهم قفوا عند الحساب فيقولون:ماعندنا حساب ولا آتيتمونا شيئ.. فيقول ربهم عزوجل: صدق عبادي فيفتح لهم باب الجنة فيدخلونها قبل الناس بسبعين عاما " صفة الصفوة لابن ا لجوزي/281" وعن حسان بن عطية قال : لما عز ل عمربن الخطاب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين عن الشام بعث سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي علي ولاية" حمص " التي كانت توصف بأنها" الكوفة الثانية" لكثرة تمرد أهلها واختلافهم علي ولاتها كما كانت كوفة العراق..وعلي الرغم من ولع الحمصيين بالتمرد إلا أن الله جل وعلا هدي قلوبهم لعبده الصالح سعيد بن عامر فأحبوه وأطاعوه ...0 وأسلوب عمر في اختيار ولاته ومعاونيه أسلوب يجمع أقصي غايات الحذر والدقة والاناة.. ذلك انه كان يؤمن أن أي خطا يرتكبه وال في أقصي الأرض سيسال عنه اثنان: عمر أولا .. وصاحب الخطأ ثاني..!!
                  والشام يومئذ حاضرة كبيرة وهي مركز هام للتجارة ومرتع رحيب للنعمة وهي بهذا ولهذا درء إغراء .. ولا يصلح لها في رأي عمر إلا قد يس تفر كل شياطين الإغراء أمام عزوف..وإلا زاهد .. عابد ..قانت .. اواب.
                  وصاح عمر: قد وجدته!!! إلي بسعيد بن عامر... !!!! ويأتي سعيد بن عامر إلي أمير المؤمنين عمر ويعرض عليه الخليفة ولاية حمص.. ولكن سعيدا يعتذر ويقول له:لا تقتلني ياامير المؤمنين !!! فيصيح عمر به.. والله لا ادعك.. أتضعون أمانتكم وخلافتكم في عنقي وتتركوني؟؟؟؟
                  واقتنع سعيد بن عامر بالأمر حينما وجد إصرار عمر ذلك.. وإذ عزف عن مسئولية الحكم أمثال سعيد بن عامر فاني لعمر من يعينه علي تبعات الحكم الثقال؟

                  قال:فخرج معه بجارية من قريش نضيرة الوجه قال: فما لبث إلا يسيرا حتى أصابته حاجة شديدة قال : فبلغ عمر ذلك فبعث إليه بألف دينار قال: فدخل بها علي امرأته فقال:إن عمر بعث إلينا بما ترين.. فقالت:لو انك اشتريت أدما وطعاما وادخرت سائرها فقال لها: أولا أدلك علي أفضل من ذلك؟؟ نعطي هذا المال من يتجر لنا فيه فنأكل من ربحها وضمانها عليه.. قالت: فنعم إذن.. فاشتري أدما وطعاما واشتري غلامين وبعيرين يمتا ران عليهما حوائجهم وفرقها علي المساكين وأهل الحاجة "صفة الصفوة لابن الجوزي/281"
                  وما هو إلا قليل حتى وفد علي أمير المؤمنين بعض من يثق بهم من أهل "حمص".. فقال لهم: اكتبوا لي أسماء فقرائكم حتى أسد حاجتهم فرفعوا إليه كتابا فإذا فيه: فلان وفلان وسعيد بن عامر .. فقال عمر: ومن سعيد بن عامر؟ فقالوا : أميرنا !! قال أميركم فقير؟ فقالوا : نعم .. ووالله إنه لتمر الأيام الطوال ولا يوقد في بيته نار .. فبكي عمر حتى تبللت لحيته من دموعه .. ثم عمد إلي ألف دينار فجعلها في صرة وقال لهم: اقرؤوا عليه السلام مني وقولوا له: بعث إليك أمير المؤمنين بهذ ا المال لتستعين به علي قضاء حاجاتك ...
                  وجاء الوفد إلي سعيد بن عامر فنظر إليها فإذا هي دنانير فجعل يبعدها عنه ويقول:
                  إنا لله وإنا إليه راجعون.. كأنما نزلت به نازلة أو حل بساحته خطب .. فهبت زوجته مذعورة وقالت : ما شانك ياسعيد؟ أمات أمير المؤمنين؟ قال: بل أعظم من ذلك0قالت: ااصيب المسلمون في وقعة؟؟ قال: دخلت علي الدنيا لتفسد آخرتي وحلت الفتن في بيتي .. قالت:
                  تخلص منه.. وهي لاتدري من أمر هذه الدنانير شيئا .. قال اوتعينيني علي ذلك؟؟ قالت: نعم !!! فاخذ الدنانير فجعلها في صرر ثم وزعها علي فقراء المسلمين..
                  ولم يمض وقت طويل حتى آتي عمرين الخطاب رضي الله عنه بلاد الشام يتفقد أحوالها فلما نزل "بحمص" وكانت تدعي " الكويفة" وهي تصغير للكوفة بالعراق وتشبيه حمص بها لكثرة شكاوي أهلها من عمالهم وولاتهم.. كما كان يفعل آهل الكوفة ..
                  فلما نزل بها لقيه أهلها بالسلام عليه فقال لهم: كيف وجدتم أميركم؟ فشكوا إليه وذكروا أربعا من أفعاله كل واحدة منها أعظم من الاخري .. قال عمر رضي الله عنه: فجمعت بينه وبينهم ودعوت الله أن لا يخيب ظني فيه- أي في سعيد بن عامر رضي الله عنه.. فقد كنت عظيم الثقة به .. فلما أصبحوا عندي هم وأميرهم .. قلت:
                  ماتشكون من أميركم؟؟ قالوا:
                  لايخرج إلينا حتى يتعالي النهار.. فقلت: وما تقول في ذلك ياسعيد؟؟ فسكت قليلا ثم قال: والله إني كنت اكره أن أقول ذلك ..اما وإنه لابد منه.. فإنه ليس لأهلي خادم فأقوم كل صباح فاعجن لهم عجينهم ثم أتريث قليلا حتى يختمر ثم اخبزه لهم ثم اتوضا واخرج للناس .. قال عمر: فقلت لهم: وما تشكون منه أيضا؟؟ .. قالوا:إنه لايجيب احد بليل .. قلت: وما تقول في ذلك يا سعيد؟؟ .. قال: والله إني كنت اكره أن أعلن عن ذلك أيضا فإني قد جعلت النهار لهم والليل لله عز وجل .. قلت:وما تشكون منه أيضا؟؟
                  قالوا:إنه لايخرج إلينا يوما في الشهر .. قلت: وما هذا ياسعيد؟؟
                  قال:ليس لي خادم ياامير المؤمنين وليس عندي ثياب غير التي علي!!! فانا اغسلها في الشهر مرة وانتظرها حتى تجف ثم اخرج إليهم آخر النهار.. ثم قلت: وما تشكون منه أيضا؟؟
                  قالوا:تصيبه من حين إلي حين غشية.. فيغيب عمن في مجلسه .. فقلت:
                  وما هذا ياسعيد؟؟؟
                  المحنة التي تحتها منحة
                  ,وكانت هذه المحنة التي عاينها سعيد بن عامر رضي الله عنه قد ملكت عليه كل جوارحه ومشاعره وأحاسيسه .. وكانت آلامها تعتصر نفسه عصرا للوم نفسه علي ما فرط فيه من نصرة ذلك الشهيد الصابر البطل خبيب بن عدي رضي الله عنه.. فكان هذ ا الأمر يؤرقه بالليل والنهار ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلي أن أصبح شيئا معتادا كلما جال بخاطره هذا الحد ث وأصبح ملازما له حتى انه كان يتكرر كثيرا حتى أثناء مجلس الحكم الذي يغشاه الكثير من الناس وقد كانت هذه الحالة مؤرقة لسعيد بن عامر حتى اشتكي منها المترددون علي مجلسه للفاروق عمر رضي الله عنه ..
                  قال ا بن إسحاق كما ذكر بن كثير رحمهما الله:وحدثني بعض أصحابنا قال: كان عمر بن الخطاب استعمل سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي علي بعض الشام فكانت تصيبه غشية وهوبين ظهري القوم .. فذكر ذلك لعمر وقيل إن الرجل مصاب فسأله عمر في قدمة قدمها عليه .. فقال يا سعيد: ما هذا الذي يصيبك؟ فقال:
                  والله يا أمير المؤمنين مابي من باس .. ولكني كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين قتل وسمعت دعوته .. فوا لله ما خطرت علي قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشيي علي.. فزادته عند عمر خيرا"(البداية والنهاية لابن كثير/4/55)
                  فكانت هذه الغشية التي كانت تأتيه من اثر ماراي وسمع من خبيب بن عدي رضي الله عنهما كانت تربطه بالآخرة التي كتبها الله جل وعلا لخبيب ولم يؤثر سعيد بن عامر يوما الدنيا علي الآخرة من شدة ما كان يعاني منها حتى ذكر ابن الجوزي حالته هذه .. وهي واحدة من بين شكاوي أهل حمص:"...0 قال عمر:وماذا؟ قالوا:يغنظ الغنظة بين الأيام أي تأخذه موتة"".. والغنظة:الأمر الصعب.. والغنظ:الكرب"( القاموس المحيط للفيروز أبادي/964)
                  وهكذا كانت المحنة التي عاشها سعيد بن عامر خلال تلك الساعات التي تمت فيها عملية الثار الظالمة من خبيب بن عدي رضي الله عنه قد سمت بروحه إلي نور الإسلام وعدله ونقائه وبعد ه عن الانتقام والظلم بين بني الإنسان وأصبحت هذه المحنة طريقا لهدايته إلي الإسلام العظيم فكانت منحة منحها الله إياه ليخرجه من الظلمات إلي النور بإذن ربه جل وعلا ويجعل الله جل وعلا منه ذلك النسيج المتفرد في نقائه وطهره وعفته وعفافه .. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ..
                  وكما قلنا لقد اختار سعيد عامر الآخرة ولم يتعلق بدنيا فانية ولم يكن ليسمع كلام امرأته عندما أرادت منه توفير بعض المال لحاجات البيت .. ولنستمع لذلك الحوار الذي دار بينه وبين امرأته يوم..
                  فقالت له امرأته:رحمك الله لو كنت حبست شيئا نستعين به ..فقال لها:
                  إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:
                  لوا طلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلي أهل الأرض لملأت ريح مسك وإني والله ما كنت اختارك عليهن... فسكتت !!!!!!
                  نعود مرة أخري لإجابة الصحابي سعيد بن عامر لعمر رضي الله عنهما قال:شهدت مصرع خبيب بن عدي وأنا مشرك ورأيت قريشا تقطع جسده وهي تقول:أتحب أن يكون محمدا مكانك ؟؟ فيقول:
                  والله ما أحب أن أكون آمنا في أهلي وولدي وان محمدا تشوكه شوكة!!!!!!
                  وإني والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف أني تركت نصرته إلا ظننت أن الله لا يغفر لي وأصابتني تلك الغشية ...
                  عند ذلك قال عمر: الحمد لله الذي لم يخيب ظني به
                  ثم بعث له بألف دينار ليستعين بها علي حاجته فلما رأتها زوجته قالت له:
                  الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك ...إشتري لنامؤونة واستأجر لنا خادما
                  فقال لها:وهل لك فيما هو خير من ذلك؟؟؟
                  قالت: وما ذاك؟ قال:ندفعها إلي من يأتينا بها ونحن أحوج ما نكون إليها!!
                  قالت:وما ذاك؟ قال : نقرضها الله قرضا حسن.. قالت:نعم ..وجزيت خير.. فما غادر مجلسه الذي هو فيه حتى جعل الدنانير في صرر وقال لواحد من أهله .. انطلق بها إلي أرملة فلان .. وإلي أيتام فلان .. وإلي مساكين آل فلان.. وإلي معوذي آل فلان..!!!!
                  رضي الله عن سعيد بن عامر يوم ولد ويوم اسلم لله رب العالين ويوم لقي ربه نقيا طاهرا له عند الله الكثير مما قدمت يداه وليس عليه شيء يدينه يوم يبعث الله الناس لميقات يوم معلوم فقد كان من الذين يؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ..
                  كلمات مضيئات" كان سعيد بن عامر كثيرا ما يردد هذه الكلمات المضيئات:
                  " ما أنا بالمتخلف عن الرعيل الأول بعد أن سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:
                  يجمع الله عز وجل الناس للحساب فيجيء فقراء المؤمنين يزفون كما تزف الحمائم .. فيقال لهم:
                  قفوا للحساب.. فيقولون: ما كان لنا شيء نحاسب عليه.. فيقول الله تعالي:صدق عبادي .. فيدخلون الجنة قبل الناس""
                  أي حظ من الهداية ناله هذا الطراز من الخلق؟؟؟
                  وأي معلم كان رسول الله صلي الله عليه وسلم؟؟
                  وأي نور نافذ كان كتاب الله؟؟؟
                  واي مدرسة ملهمة ومعلمة كان الإسلام؟
                  ولكن هل تستطيع الأرض أن تحمل فوق ظهرها عددا كبيرا من هذا الطراز؟
                  إنه لو حدث هذا .. لما بقيت ارض.. إنها تصير فردوسا!!!!!
                  اجل .. تصير كالفردوس الموعود !!!!
                  ولما كان الفردوس لم يأت زمانه بعد.. فإن الذين يمرون بالحياة ويعبرون الأرض من هذا الطراز المجيد الجليل قليلون دائما .. ونادرون..
                  وسعيد بن عامر واحد منهم ..!!!
                  الزاهد التقي .. يلقي ربه
                  وفي العام العشرين من الهجرة لقي سعيد بن عامر ربه كانقي ما يكون النقاء.. وانقي ما يكون صفحة .. وانقي ما يكون قلبا .. وانقي ما يكون سيرة وسريرة .. لقد طال شوقه إلي الرعيل الأول الذي نذر حياته لحفظه وعهده وتتبع خطاه .. اجل لقد طال شوقه إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم معلمه ..إلي رفاقه الأوابين المتطهرين.. واليوم يلقاهم قرير العين مطمئن النفس .. خفيف الظهر ليس معه ولا وراءه ..من أحمال ومتاعها مايثقل ظهره وكاهله .. ليس معه إلا ورعه وزهده وتقواه وعظمة نفسه وسلوكه.. وفضائل تثقل الميزان ولكنها لا تثقل الظهر ومزايا هز بها صاحبها الدنيا ولم يهزها غرورا ..اجل إنه ثمرة من ثمار الثبات علي الحق .. وكيف لا وقد اختاره الخليفة عن قناعة ورضي يوم ولاه حمص .. حمص المتمردة فقادها سعيد قيادة سلسة وكبح جماح عنفها فاستسلمت له وهي طائعة وراضية ..
                  وقالوا عن سعيد بن عامر:
                  الصحابي العابد التقي سعيد بن عامر ليس رجلا عاديا لكنه كان نسيجا وحده وكان متفردا بمزايا لم تتوفر في الكثير من إقرانه لذلك كان اختيار عمر رضي الله عنه اختيارا صحيحا يتفق مع فراسة عمر رضي الله عنه في معرفة ا لرجال ولم يخدع عمر طوال عهد خلافته بأحد ممن ولاهم علي مصر من الأمصار .. وكان سعيد بن عامر واحد من هؤلاء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. ولذلك قالوا عنه:
                  الحمد لله الذي لم يخيب فراستي فيك-أي في سعيد-"عمر بن الخطاب رضي الله عنه"
                  قال محمد بن الوليد ألبسري:سمعت يحيي بن القطان يقول:سعيد بن عامر شيخ العصر منذ أربعين سنة..
                  وقل ابوداود السجستاني:إني لأغبط جيران سعيد بن عامر..
                  وقال يحيي بن معين:حدثنا سعيد بن عامر الثقة المامون..
                  وقال احمد بن حنبل: ما رأيت أفضل منه ومن حسين الجعفي..
                  وقال ابو حاتم الرازي:كان سعيد بن عامر رجلا صالحا صدوق..
                  وفاته رضي الله عنه:
                  في العام العشرين من الهجرة لقي سعيد بن عامر ربه.. نقيا طاهر..
                  سلام علي سعيد بن عامر.. سلام عليه في محياه واخراه.. وسلام ثم سلام علي سيرته وذكراه .. وسلام علي الكرام البررة أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم..
                  وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .. وصلي اللهم وبارك علي عبدك ورسولك محمد صلي الله عليه وسلم

                  تعليق

                  جاري التحميل ..
                  X