إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خارج الزمان...من يرد للموت البصر؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خارج الزمان...من يرد للموت البصر؟

    عن عمر لو قيس بالإبداع والكتابة لكان الدهرَ كله، وعن سبع وستين عاماً (خارج المكان)، رحل واحد من ألمع رجالات الأدب المقارن والفكر والتأريخ. رحل المقدسي الذي ظل طيفُ حارته المقدسية يملأ خافقيه حتى عادى لأجل حارةٍ قارةً بأكملها، فتعاور أراذل الثقافة الأمريكية سيرته وعمله وحتى حياته الشخصية، تشهيراً وقذفاً وإقذاعاً وتكذيباً، من صرخة الميلاد وحتى سطر ذاتيته الأخير.

    منذ الدهشة الأولى التي استيقظت في السابعة على اسم تائه الهوية نصفه عربي ونصفه إنجليزي، وحتى تناقضات (الإستشراق)، كان صاحبَ عين لماحة للمفارقة. وأي مفارقة أكبر من أن يولد إشعاعه الأول في (قلب الظلمات) لجوزيف كونراد، لينطلق بعدها بلسان سليمانيٍّ يجيد من اللغات سبعاً، ومعرفةٍ موسوعية جامحة لا تعرف إلا التمدد والتوسع، فيكتب من (الثقافة والإمبريالية) وحتى (استكشافات في الموسيقى والمجتمع) دون أن يترك فرعاً ولا أصلاً إلا ويكشف فيه عن عظمة معدن وأصالة جوهر. كل هذا دون أن تشغله بلهنية الجمال ولا رغد الثقافة عن حمأة السياسة، فمن كتابة خطاب (البندقية وغصن الزيتون) الذي أعلى صوت فلسطين أمام العالم وحتى عضويةٍ امتدت 14 عاماً بالمجلس الوطني الفلسطيني، يوم كان المجلس موقفاً لا "مجلساً". وما أن حصلت فاجعة أوسلو حتى أعلن حربه على سماسرة الأحلام وتجار مصائر العباد، فهاجم الاتفاق وشنع بالموقعين عليه، ومنعت سلطة العورات يومها كتبه من النشر، وهُدد كما هُدد الذين من قبله، لكنه استلهم في نضاله (صور المثقف) كما رسمها في شبابه، يومَ جعل شرطها الأساس كلمة َ (لا).

    وشاءت الأمراض أن تتخير دمه مورداً لطقس انتحارها الأخير، فاجتاحت عروقه اللوكيميا، وولغت بدمه حتى كان لها أن ترتوي مساء هذا اليوم، 25\9\2003.


    وليس بعد عمرك الذي مضى رماديَّ الهوى خارج مكانك سوى أن أسأل الله سكينةً ينزلها عليك... وأنت خارج زمانك.



    في زمانٍ آخر، أسأل المولى أن يجمعنا بك، إدورد سعيد.

  • #2
    رحل وفي قلبه حزن على وطن

    وفاة المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد في نيويورك
    الخميس 25 سبتمبر 2003 15:30
    نيويورك- توفي اليوم في نيويورك المفكر الفلسطيني المعروف عالميا
    ادوارد سعيد بعد صراع طويل مع مرض السرطان كما افادت لورا كوراديتي
    التي تعمل في قسم الادب المقارن في جامعة كولومبيا حيث كان سعيد يدرس.
    ولد ادوارد سعيد في 1935 في القدس وصدر له العديد من الكتب التي تناولت
    النزاع في الشرق الاوسط.
    وقد كان متخصصا في الموسيقى ودرس الادب الانكليزي المقارن في جامعة كولومبيا.
    وكان يعاني من سرطان في الدم تم كشفه عام 1992.
    وكان ادوارد سعيد عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني طوال
    14 سنة قبل ان يستقيل منه في 1991 بسبب معارضته الشديدة لياسر عرفات
    الذي كان ينتقده لسعيه الى التقرب من اسرائيل.
    ووصف سعيد اتفاقات اوسلو 1993 بين اسرائيل والفلسطينيين بانها
    "اداة استسلام العرب" في وجه الدولة العبرية والولايات المتحدة.
    ومن بين ابرز كتبه "الاستشراق" (1978) الذي ترجم الى 26 لغة
    كما اصدر ايضا عدة كتب تدافع عن القضية الفلسطينية وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة.



    أدوارد سعيد أستاذ الأدب المقارن بجامعة كولومبيا تعرض هو للإرهاب
    شخصيا من قبل قوى صهيونية تعيش في الولايات المتحدة .. وله كتب
    عديدة تدافع عن الإسلام والمسلمين وهو المسيحي ضد ما كتبه مستشرقون
    عديدون وكان يكرس أغلب جهده ومحاضراته في سبيل تصحيح الصورة
    الخاطئة التي تشكلت عن الشرق والعرب والإسلام عموما عند الوعي الغربي ..


    لم اشعر بحزن وبهذا العمق ، وبكيت على رجل كبكائي على شهيد ..
    فهو لم يعر قلمه في زمن تكسرت فيه معظم الأقلام ..

    ادوار سعيد الحالم الى المكان الذي انبثقت فيه
    نفسه لم يتحقق .. !
    فمات غريبا ودمعة لم تفارق
    عيناه على عذابات الإنسان الذي
    لم يجد مكانا في الدنيا يغنيه عن ذاك المكان ..
    على الرغم من طول سنوات الإرتحال .


    رحمك الله يا ابن وطني الكبير

    تعليق


    • #3
      مقتبس من كريم :

      .. وله كتب
      عديدة تدافع عن الإسلام والمسلمين وهو المسيحي ضد ما كتبه مستشرقون
      عديدون وكان يكرس أغلب جهده ومحاضراته في سبيل تصحيح الصورة
      الخاطئة التي تشكلت عن الشرق والعرب والإسلام عموما عند الوعي الغربي


      أخي كريم .
      اسمح لي بهذا السؤال , هل اعتنق ادوارد سعيد الاسلام ؟

      رحمه الله لدفاعه عن الاسلام وعن فلسطين !

      وتحياتي لك أخي العزيز كريم

      تعليق


      • #4
        إلى الأخ نور الدين
        ألا يمكن أن نحب شخصاً غير مسلم؟؟!!
        لم يعتنق الإسلام، بل ربما كان كارهاً للديانات كلها، أعلم هذا
        ولكن هذا الرجل، كان شوكة علقم في مريء اللوبي الصهيوني في أمريكا
        كان يحدثهم بمنطقهم ويفحمهم، وهو كان يمكنه ان يتخلى عن فلسطين كلها، بما وصل إليه من رقي اكاديمي
        آن لنا أن نقبل الاخرين بحسب بيئتهم
        إنه حقاً فقيد فلسطين.ز تحية له ولصموده، تحية إلى اللامكان الذي حلم به، ولم يستطع الوصول إليه

        تعليق


        • #5
          شكرا لك أخي ياسر عزام لهذه المعلومة .
          فقط كان مجرد سؤال ولا علاقة له بالحب والتقدير .
          رحمه الله تعالى وجميع المدافعين عن الاسلام والمسلمين وعن فلسطين !

          تعليق


          • #6
            اشكر ادارتكم الكريمة وأشكر اخي العزيز حنظلة وأعتذر
            عن عيب بحق نفسي ارتكبه لعدم دخولي الى المحور الثقافي
            فسامحوني .

            واعتذر لأخي نور بسبب تأخري بالرد عليه وأشكر
            اخي ياسر عزام الذي اوجز ما يمكن ان اقوله ..

            شكرا لكم جميعا

            تعليق


            • #7
              صحيفة الخليج

              رحيل المفكر إدوارد سعيد



              رحل المفكر والأديب العربي الفلسطيني إدوارد سعيد أمس الخميس في نيويورك جراء إصابته بمرض عضال عانى منه منذ العام 1992.
              ولد إدوارد سعيد في الاول من نوفمبر/تشرين الثاني 1935 في القدس من والدة بروتستانتية تنتمي الى عائلة ميسورة وتاجر فلسطيني مسيحي ثري حصل على الجنسية الامريكية.
              وصل الى القاهرة مع اسرته في العام ،1947 ثم توجه في سن السابعة عشرة الى الولايات المتحدة ليتابع تحصيله العلمي. وتخرج اولا في جامعة برينستون، ثم حصل على شهادة دكتوراه في الأدب المقارن من جامعة هارفرد.

              في ،1963 بدأ التدريس في جامعة كولومبيا في نيويورك.

              بعد هزيمة العرب في يونيو/حزيران ،1967 انصرف الى العمل على شرح قضية شعبه في الولايات المتحدة. وقد خاض مرات عدة مواجهات مع القيادة الفلسطينية.

              واصبح إدوارد سعيد عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني في 1977 وحاول عبثا اقناع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بأهمية الجاليات الفلسطينية المنتشرة في انحاء العالم.

              وصدر ابرز كتبه “الاستشراق” في العام 1978. وقد ترجم الى 26 لغة. واعتبارا من ،1979 بدأ ينتقد اسلوب منظمة التحرير والدول العربية في التعامل مع القضية الفلسطينية، وظهر ذلك جليا في كتابه “مسألة فلسطين”. وقد صدر له العديد من الكتب التي تناولت النزاع في الشرق الاوسط.

              في ،1991 استقال من المجلس الوطني الفلسطيني بسبب معارضته الشديدة لياسر عرفات وانتقاده له بسبب سعيه التقرب من “اسرائيل”. الا انه واصل النضال. وبدأ يطالب منذ العام 1994 باستقالة عرفات الذي وصفه ب “بيتان الاسرائيليين” (نسبة الى المارشال هنري بيتان الفرنسي الذي تعاون مع الالمان خلال الحرب العالمية الثانية). واعتبر سعيد ان عرفات وافق، من خلال اتفاقات اوسلو “1993”، على التبرؤ من التاريخ الفلسطيني.

              وقد وصف اتفاقات اوسلو بين “اسرائيل” والفلسطينيين بأنها “اداة استسلام العرب” في وجه الدولة العبرية والولايات المتحدة.

              وكان إدوارد سعيد متخصصا ايضا في الموسيقا، وقد اسس مع قائد الاوركسترا “الاسرائيلي” الارجنتيني دانيال بارنبويم فرقة “ديوان الشرق والغرب” التي تضم موسيقيين من كل انحاء الشرق الاوسط.

              وكان لايزال يناضل من اجل انشاء دولة فلسطينية سيدة يعيش فيها شعبان متشابكان اصلا. وكان يقول ان الفلسطينيين و”الاسرائيليين” يعيشون “في دولة مزدوجة الجنسية بحكم الامر الواقع، الى جانب التمييز العنصري فيها”.

              وتزوج إدوارد سعيد عام 1970 وله ولدان.



              .................................................. .............................

              كرمته الامارات بجائزة الانجاز العلمي

              رحل أصدق من قال: الأرض كلها فندق.. وبيتي القدس


              “سكنتني رغبة العودة منذ إصابتي بمرض سرطان الدم. لكن ثمة عندما استيقظ كل صباح شعور غريب يتملكني منذ أن عدت إلى البلاد فأقول لنفسي: أنا في بلادي، في الأرض حيث شهدت عيناي النور. بيتي على بعد خطوتين ولكنه ليس لي، بل أنام في الفندق وأستيقظ فيه”. بهذه العبارات خاطب المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد إحدى الصحف الفرنسية في القدس.

              لقد كانت الأرض بما رحبت في فكر هذا المفكر العضوي الكبير مجرد فندق، أما بيته العائلي حيث تقيم ثقافته وجذوره فهو القدس، فهو فلسطين التي عاش مكافحا من أجلها من خلال ترسانة من الأفكار الجذرية التي كان يتمتع بها في مقارعة الفكر الصهيوني الاستيطاني. ولا تأتي شهرة هذا الرجل في الولايات المتحدة الامريكية واوروبا وبقية العالم من جراء ترجمة بعض مؤلفاته الفكرية الى اللغات الحية ومنها كتابه الذائع الصيت “الاستشراق” فقط بل من كونه من أهم الباحثين الذين فتتوا الظاهرة الاستعمارية وتعمقوا في آلياتها ومرجعياتها ونبهوا الضمير الانساني والأنتلجنسيا الثقافية في العالم الى خطورة ما يحدث في فلسطين، خاصة وأن ادوارد سعيد استطاع أن يخترق الثقافة الامريكية ويتفهم بعمق مشكلاتها وتناقضاتها، وقد استغل ذلك بذكاء كبير لتوصيل رسالته الوطنية التحررية.

              وقد تفطنت المؤسسة الاعلامية والثقافية في الامارات مبكرا الى أهمية ما يرسله هذا المفكر من إشارات سياسية وثقافية عميقة الصلة بالوجدان القومي الاماراتي والعربي، فاستضافته جريدة “الخليج” على صفحاتها محللا ومفكرا مرتين في الشهر عام 1996. كما منحته مؤسسة العويس الثقافية جائزة الانجاز العلمي سنة ،1998 وهي جائزة لا ينالها الا كبار المثقفين الذين قدموا لأمتهم الكثير في نضالها ضد العدو الأجنبي الاستيطان والعدو الداخلي التخلف.

              وها هو، إدوارد سعيد “الصورة” يتسلم من فقيد الوطن والعروبة تريم عمران وفقيد الثقافة في الامارات والوطن والعروبة سلطان علي العويس جائزة الانجاز العلمي، إنهم ثلاثة فرسان من طينة أصيلة تجمعهم صورة واحدة، كما جمعهم حب العروبة والأرض العربية.

              وكم كان معرض الشارقة الدولي للكتاب حريصا على نشر ثقافة التأصيل والمقاومة ضد الاحتلال والصهيونية، ومن أبرز ملامح ذلك توزيع كتاب “فلسطين.. إليكم الحقيقة” مجانا على زوار المعرض ومن أبرز ذلك شغف القراء والمثقفين في الامارات بشراء كتب المفكر الراحل ادوارد سعيد المقرون اسمه دائما بالرهبة لمكانة الرجل العالية في قلوب كل العرب كل المسلمين كل محبي الخير والعدل من أبناء البشرية. وفقيد القضية الفلسطينية ادوارد سعيد هو في واقع الأمر فقيد الثقافة الانسانية كلها، وفقيد الأحرار الذين نبذوا العنصرية والصهيونية والاستعمار في كل مكان ولا بأس أن نقدم نبذة عن مؤلفاته والجوائز التي نالها في مشواره الكفاحي، الذي سيظل نبراسا لأجيال الشباب في الوطن العربي فقد قذف الحجارة في وجه الجنود الصهاينة من “بوابة فاطمة” بعد تحرير جنوب لبنان مثلما قذف بالحق ثقافتهم الضالة.

              سطع نجم ادوارد سعيد في الغرب مع صدور كتابه “الاستشراق” في العام 1978 حيث تناول فيه مصادر الافكار والانطباعات التي استنبطها الكتّاب الغربيون عن العرب والمسلمين، وفند كثيرا من الآراء المسطورة في كتب المستشرقين حيث لم تكن تخلو من تشوهات كثيرة تعكس افكار هؤلاء حول الشعوب “الدونية المتخلفة”.

              ثم جاء كتابه “الثقافة والامبريالية” الصادر في العام 1993 بمثابة وثيقة تاريخية كشفت مباركة ابرز الادباء الانجليز لسياسات بلادهم الاستعمارية واستعباد الشعوب في افريقيا وآسيا، وقدم ادلته من داخل نصوص كونراد وكبلينيج وبيتس وجين اوستن.

              وقد اثار كتابه “الثقافة والامبريالية” ردود فعل واسعة بعضها اثنى على الكتاب ومعظمها هاجمه بشدة فكيف يجرؤ هذا العربي ذو المواقف السياسية المعروفة على التعرض لكاتبة مثل جين اوستن لها منزلة عليا عند الانجليز والايحاء بأن روايتها “متنزه مانسفيلد” تقدم ادلة كافية على تأييدها للرق في الكاريبي؟

              نال سعيد عشرات الجوائز الادبية والقى مئات المحاضرات في الجامعات الامريكية والبريطانية وهو عضو في هيئات اكاديمية ومؤسسات وجمعيات ادبية عديدة.

              وضع الدكتور ادوارد سعيد 18 كتابا من بينها “الاستشراق” ،1978 “المسألة الفلسطينية” ،1981 “الادب والمجتمع” ،1980 “اكتشاف الاسلام” ،1981 “العالم النص النقد” ،1983 “لوم الضحية” ،1978 “القلم السيف” ،1994 “غزة اريحا” ،1994 و”اوسلو 2 سلام بلا ارض” 1995.

              وقد ترجم كتابه “الاستشراق” الى العربية والفرنسية والاسبانية واليابانية والتركية والهولندية والصربية والكرواتية والنرويجية والبولندية والايرانية والايطالية والبرتغالية واليونانية والسويدية والالمانية كما ترجمت كتبه الاخرى الى معظم هذه اللغات والى الصينية والعبرية.

              وللدكتور سعيد اهتمام موسيقي واسع، وهو عازف بيانو ماهر ويمتلك ثقافة موسيقية واسعة وكتب دراسات موسيقية عديدة، وله كتاب عن الموسيقا ترجم الى عدة لغات.

              عياش يحياوي




              .................................................. .............................




              جانب من سيرته بقلمه:

              أبي الذي ولد في القدس



              ولد أبي في القدس في العام 1895 في حين ترجح أمي انه قد ولد في العام ،1893 ولم يخبرني حرفياً بأكثر من عشرة أمور أو أحد عشر أمراً عن ماضيه، وكلها لم تتغير روايته لها أبداً، ولم تكن سوى سلسلة من الكلمات القابلة للتحريض من حالة إلى أخرى.

              كان أبي في الأربعين حين ولدت، ومع أنني ولدت في القدس وقضينا فيها أوقاتاً متباعدة، إلا انه لم يقل لي عنها شيئاً سوى انها تذكرة بالموت. وقد أخبرني ان والده كان في مرحلة من مراحل حياته ترجماناً، وقيل انه بسبب معرفته باللغة الألمانية قد جال بالقيصر ويليام في ربوع فلسطين، هذا الرجل الذي مات منذ زمن طويل لم يشر احد إلى اسمه قط، فقد كانت أمي تشير إليه باسم “أبي أسعد”، ولم تكن تعرفه أبداً، فقد كان من آل إبراهيم، ولذلك عرف والدي باسم “وديع إبراهيم”. أما انا فحتى هذه اللحظة لا أعرف من أين جاءت كلمة “سعيد” ولا يبدو انني قادر على تفسير الأمر، بل ان الكتابة عن جدي تبدو لي الآن اشبه بالتعامل مع أشياء مجردة، والشيء الوحيد الذي كان والدي يفضل ان يذكره لي عن هذا الجد، ان ضربات أبيه بالسوط، كانت أشد قسوة من ضربات أبي لي، وقد سألته ذات مرة، كيف تحملت الضرب؟ فأجابني ضاحكاً: كنت أهرب معظم الأحيان. أما أنا فلم أكن قادراً على الهروب بل لم أفكر بذلك على الاطلاق.

              أما جدتي لأبي فكانت صورتها مبهمة أيضاً، كانت من آل شماس بالولادة، وكان اسمها “حنة” وكما قال لي أبي، فإنها هي التي أقنعته بالعودة من الولايات المتحدة العام ،1920 وكان أبي قد غادر فلسطين العام ،1911 اقنعته بالعودة لأنها كانت تريده بالقرب منها، لذلك كانت عودة أبي إلى المنزل الوطن أمراً، وكان أبي يقول انه نادم عليه، لكنه كان يقول في الوقت ذاته ان سر نجاحاته في أعماله يعود إلى انه “دار باله” على أمه، وأنها في المقابل كانت تصلي باستمرار كي تتحول الشوارع تحت قدميه إلى ذهب، وكانت أمي هي مصدر هذه التفاصيل الجزئية من هذه المعلومات المتعلقة بالسيرة الذاتية، والدرس الأخلاقي، واعتقد ان والدي هو الذي اخبرها بها دون ان يذكرها أمامي قط. ومع أنني لم أر شكل جدتي قط، ولم أر صورة واحدة لها، إلا انها كانت تمثل في النظام الأخلاقي الذي رسمه لي والدي كلمتين مأثورتين متناقضتين، لم استطع فهمهما، أو الوصول إلى حل لهما. فقد قال لي: على الأمهات ان يحببن وأن يعتنى بهن دون شروط، ولكنهن بسبب حبهن الأناني يحرفن الأطفال عن طموحاتهم المختارة، (فقد كان أبي يود ان يبقى في أمريكا) ولذلك يجب ألا يسمح لهن بالاقتراب كثيراً من أولادهن.

              أما المعلومات التي قدمها لي ابن هذين الجدين، فقد كانت أشد تضليلاً وافترضت وجود تاريخ طويل بعض الشيء للعائلة في القدس، واعتمدت في هذا الافتراض على طريقة سكن عمتي “نبيهة” وأولادها في المكان، وكأنهم ولا سيما، عمتي جسدوا روح المدينة الغريب، كي لا أقول القاحل والضيق. وفي فترة لاحقة سمعت أبي يتحدث عنا بوصفنا (خليفاويين)، وعلمت ان أصلنا البدوي الحقيقي، ولكن (الخليفاويين) من الناصرة، وفي منتصف الثمانينات ارسلت لي عمتي بعض المقتطفات من تاريخ منشور الناصرة، وكانت مع هذه المقتطفات شجرة عائلة لأحد (الخليفاويين) لعله والد جدي، ومنه كما يبدو لي، جاء أبي وأعمامي وعمتي، ولما لم تتطابق هذه المعلومة غير المتوقعة حتى حدود الدهشة، والتي اعطتني فجأة طقماً جديداً كاملاً من أولاد العم، مع أية تجربة معيشية أو ملمح إليها، فإنها لا تعني لي إلا القليل القليل.


              هرباً من التجنيد


              أنا أعلم بالتأكيد ان أبي ذهب إلى مدرسة القديس جورج في القدس، وبرع في كرة القدم والكريكيت وكان من بين لاعبي المدرسة الأحد عشر طوال أعوام متتالية كقلب هجوم وكحارس في اللعبتين على التوالي، وهو لم يصف لنا شيئاً عن تعليمه في مدرسة القديس جورج، سوى انه اشتهر بمحاورته بالكرة من أول الملعب إلى آخره قبل تسجيل الأهداف، ويبدو ان اباه قد حثه على مغادرة فلسطين هرباً من التجنيد الإلزامي في الجيش العثماني، وفي فترة لاحقة قرأت في مكان ما ان حرباً اندلعت في بلغاريا العام ،1911 فاحتاجوا إلى جنود، وتخيلت أبي من دون أية اشارة خفيفة منه، وهو يفر هارباً من المصير المروع لفلسطين.

              ان اياً من هذه الأمور كلها، لم يعرض لي في تسلسل منتظم وكأن النبذة القصيرة عن السنوات التي سبقت رحلته إلى أمريكا لم تكن على صلة بهويته الحالية بوصفه أبي، وزوج هيلدا ومواطناً أمريكياً. وكانت أهم قصة من القصص العظيمة الجاهزة التي اخبرت بها أكثر من مرة اثناء نشأتي، هي حكاية مجيئة إلى الولايات المتحدة، كانت رواية أو نسخة رسمية يقصد بها ان ترشد وتعلم مستمعيه الذين كانوا في معظمهم أولاده وزوجته، وقد رسخت هذه الحكاية كل ما يريد ان يعرف عنه قبل ان يتزوج أمي، وما سمح للملأ ان يعرفه منذ ذلك الحين فصاعداً، ان ما خلف اثراً قوياً في نفسي حتى الآن لا يعود إلى انه التزم القصة ذاتها، بكل أحداثها وتفاصيلها القليلة طوال الأعوام الستة والثلاثين التي كان فيها أبي الحقيقي الحي حتى وفاته العام ،1971 بل يعود إلى ان هذه القصة قد نجحت ايما نجاح في أن تعيد كل الجوانب الأخرى المنسية أو المنفية من قصته، وهي الجوانب التي يشركني فيها بوصفي ابنه الوحيد، ولم يخطر ببالي إلا بعد عشرين عاماً على وفاته اننا كنا انا وهو من عمر واحد تقريباً، حين جاء كل منا بفارق أربعين عاماً بالضبط، إلى أمريكا جاء هو ليصنع حياته، وجئت انا من أجل ان يصنعني مخططه لأؤديه، إلى ان عصيت إرادة مخططه وبدأت احاول ان اعيش وان اكتب مخططي الخاص بي.

              تعليق


              • #8
                بسم الله الرحمن الرحيم

                آسفة لتأخيري في العزاء

                رحم الله المفكر والأديب إدوارد سعيد

                مرّ صيف 2003 على فلسطين الأرض والإنسان ثقيلآ متثاقلاً على الضمير الإنساني وفي الوقت نفسه مليئاً بالعطاء، فقد حمل هذا الصيف مذابح الصهيونية الشارونية ضد الشعب الفلسطيني في وطنه وحمل لامبالاة العالم والعرب منهم بخاصة تجاه العذاب الفلسطيني المعطاء ، وبلغت أوجها في محاولات الكيان الغاصب وأذنابه في سلطة أوسلو الغدر بالانتفاضة عبر اغتيال قياداتها ليس العسكرية فحسب وإنما السياسية أيضاً وكان العطاء كبيراً
                ولم بتوقف هذا الصيف عند ذلك وإنما راح يتخطف قادة الفكر والإبداع الفلسطيني.
                فشهدنا خلالهم غياب المفكر العلامة الدكتور إحسان عباس ثم غياب الشاعر محمد القيسي والآن يودعنا إدوارد سعيد في خضم جوده وعطائه وكلهم كغيرهم من أبناء هذا الوطن المرابط لم ينسوا قضيتهم ولم ينسوا وطنهم الذي لم يستطيعوا العودة إليه وربما كان لاتفاقيات أوسلو قسط في ذلك.
                وبهذا رحل هؤلاء الأعلام عن عالمنا لكنهم أضاءوا لنا الطريق وعلمونا الدرس الذي لا ينسى وهي فلسطين أولاً وثانياً وثالثاً، بكل ما تحمله الكلمة من مقدسات وثقافة وشعب وأرض وتاريخ.
                فعزاؤنا على رحيل هؤلاء ومن سبقهم قبل هذا الصيف ومن سيتبعهم بعد هذا الصيف أن نسير على خطاهم وقد قالها ثلاثتهم في وصية ترفع بيارقها في مساقط رأس ثلاثتهم في بيت غزال وفي حيفا وفي القدس أن الحق المسلوب لا يعود بالخنوع والتخاذل وتحقيق المصالح الشخصية على حساب المصالح العامة للأرض والإنسان وإنما تعود الحقوق بالطريقة التي سلبت بها .
                ومن هنا نذكر بأن إدوارد سعيد بعد رحلة طويلة وتأمل ودفاع عن الحق الفلسطيني وصل إلى قناعة بأن الحل الأمثل للقضية هو استعادة فلسطين كاملة.

                تعليق

                جاري التحميل ..
                X