عن عمر لو قيس بالإبداع والكتابة لكان الدهرَ كله، وعن سبع وستين عاماً (خارج المكان)، رحل واحد من ألمع رجالات الأدب المقارن والفكر والتأريخ. رحل المقدسي الذي ظل طيفُ حارته المقدسية يملأ خافقيه حتى عادى لأجل حارةٍ قارةً بأكملها، فتعاور أراذل الثقافة الأمريكية سيرته وعمله وحتى حياته الشخصية، تشهيراً وقذفاً وإقذاعاً وتكذيباً، من صرخة الميلاد وحتى سطر ذاتيته الأخير.
منذ الدهشة الأولى التي استيقظت في السابعة على اسم تائه الهوية نصفه عربي ونصفه إنجليزي، وحتى تناقضات (الإستشراق)، كان صاحبَ عين لماحة للمفارقة. وأي مفارقة أكبر من أن يولد إشعاعه الأول في (قلب الظلمات) لجوزيف كونراد، لينطلق بعدها بلسان سليمانيٍّ يجيد من اللغات سبعاً، ومعرفةٍ موسوعية جامحة لا تعرف إلا التمدد والتوسع، فيكتب من (الثقافة والإمبريالية) وحتى (استكشافات في الموسيقى والمجتمع) دون أن يترك فرعاً ولا أصلاً إلا ويكشف فيه عن عظمة معدن وأصالة جوهر. كل هذا دون أن تشغله بلهنية الجمال ولا رغد الثقافة عن حمأة السياسة، فمن كتابة خطاب (البندقية وغصن الزيتون) الذي أعلى صوت فلسطين أمام العالم وحتى عضويةٍ امتدت 14 عاماً بالمجلس الوطني الفلسطيني، يوم كان المجلس موقفاً لا "مجلساً". وما أن حصلت فاجعة أوسلو حتى أعلن حربه على سماسرة الأحلام وتجار مصائر العباد، فهاجم الاتفاق وشنع بالموقعين عليه، ومنعت سلطة العورات يومها كتبه من النشر، وهُدد كما هُدد الذين من قبله، لكنه استلهم في نضاله (صور المثقف) كما رسمها في شبابه، يومَ جعل شرطها الأساس كلمة َ (لا).
وشاءت الأمراض أن تتخير دمه مورداً لطقس انتحارها الأخير، فاجتاحت عروقه اللوكيميا، وولغت بدمه حتى كان لها أن ترتوي مساء هذا اليوم، 25\9\2003.
وليس بعد عمرك الذي مضى رماديَّ الهوى خارج مكانك سوى أن أسأل الله سكينةً ينزلها عليك... وأنت خارج زمانك.
في زمانٍ آخر، أسأل المولى أن يجمعنا بك، إدورد سعيد.
منذ الدهشة الأولى التي استيقظت في السابعة على اسم تائه الهوية نصفه عربي ونصفه إنجليزي، وحتى تناقضات (الإستشراق)، كان صاحبَ عين لماحة للمفارقة. وأي مفارقة أكبر من أن يولد إشعاعه الأول في (قلب الظلمات) لجوزيف كونراد، لينطلق بعدها بلسان سليمانيٍّ يجيد من اللغات سبعاً، ومعرفةٍ موسوعية جامحة لا تعرف إلا التمدد والتوسع، فيكتب من (الثقافة والإمبريالية) وحتى (استكشافات في الموسيقى والمجتمع) دون أن يترك فرعاً ولا أصلاً إلا ويكشف فيه عن عظمة معدن وأصالة جوهر. كل هذا دون أن تشغله بلهنية الجمال ولا رغد الثقافة عن حمأة السياسة، فمن كتابة خطاب (البندقية وغصن الزيتون) الذي أعلى صوت فلسطين أمام العالم وحتى عضويةٍ امتدت 14 عاماً بالمجلس الوطني الفلسطيني، يوم كان المجلس موقفاً لا "مجلساً". وما أن حصلت فاجعة أوسلو حتى أعلن حربه على سماسرة الأحلام وتجار مصائر العباد، فهاجم الاتفاق وشنع بالموقعين عليه، ومنعت سلطة العورات يومها كتبه من النشر، وهُدد كما هُدد الذين من قبله، لكنه استلهم في نضاله (صور المثقف) كما رسمها في شبابه، يومَ جعل شرطها الأساس كلمة َ (لا).
وشاءت الأمراض أن تتخير دمه مورداً لطقس انتحارها الأخير، فاجتاحت عروقه اللوكيميا، وولغت بدمه حتى كان لها أن ترتوي مساء هذا اليوم، 25\9\2003.
وليس بعد عمرك الذي مضى رماديَّ الهوى خارج مكانك سوى أن أسأل الله سكينةً ينزلها عليك... وأنت خارج زمانك.
في زمانٍ آخر، أسأل المولى أن يجمعنا بك، إدورد سعيد.
تعليق