إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

{فاستخف قومَهُ فأطاعُوهُ}- الشيخ العلامة ياسين بن علي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • {فاستخف قومَهُ فأطاعُوهُ}- الشيخ العلامة ياسين بن علي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ }



    الكاتب: ياسين بن علي



    قال الله سبحانه وتعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ (56)}. (الزخرف)



    إن الأمة إذا لم تحاسب الحاكم إن أساء، ولم تأخذ على يديه إن ظلم، ولم تقف في وجه انحرافه وفساده، فإنّ ذلك سيجعله يتمادى في ظلمه وبغيه وطغيانه، ويمدّ في عمر نظامه الفاسد. وكلما صفقت الأمة للحاكم رغم ظلمه، أو هتفت باسمه رغم فساده، فإنه يزداد عنجهية ويتمادى في ظلمه وبغيه وعدوانه.

    لذلك، فإن من علامات الحيوية في الأمة أن تحاسب الحاكم بقوة إذا أفسد أو ظلم، وأن تقف في وجهه إن طغى وبغى، فإن لم تفعل، فقد تودّع منها.

    عن أبي بكر الصديق قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابه".(1) وفي رواية قال: "إنّ النّاس إذا رَأَوُا الْمُنْكَرَ لاَ يُغَيِّرُونَهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بعقابه".(2) وفي رواية أخرى: "إن أمّتي إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم الله منه بعقابه".(3)

    وعن عدي بن عميرة أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الخاصّة والعامّة".(4) وفي رواية عن العرس بن عميرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى تعمل الخاصة بعمل تقدر العامة أن تغيره ولا تغيره فذاك حين يأذن الله في هلاك العامة والخاصة".(5)



    لقد ضرب الله سبحانه لنا مثلا عن فرعون الذي كان طاغية عصره، فبغى وظلم، وادعى لنفسه الألوهية {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24)} (النازعات)، وأعطى لنفسه سلطة التدخل في فكر الناس وعقولهم، وجعل نفسه مركز الكون، فلا فعل بدون إذنه، ولا قول بدون إذنه، بل ولا تفكير بدون إذنه؛ لذلك صاح قائلا عندما آمن السحرة برب العالمين: { آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ }.



    لقد طغى فرعون في الأرض وتجبّر، إلا أنّ قومه كانوا يصفقون له، رهبة ورغبة، فيوافقونه في أعماله، ويظهرون له الولاء، ويطيعونه رغم إفساده في الأرض؛ فكانت مظاهر الخنوع هذه مدعاة له لأن يستخف بهؤلاء القوم الذين أطاعوه في المنكر، فلا يقيم لهم وزنا، ولا يعبأ بوجودهم، فازداد طغيانا وتجبرا.



    إن سكوت قوم فرعون عن ظلمه وطغيانه وكفره، جعلهم من الفاسقين؛ لأنهم أطاعوه في ظلم وكفر. {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ}.

    ولم يقف الأمر عند حدّ تفسيقهم، بل عمّهم العقاب، فأغرقهم الله أجمعين: فرعون الطاغية، وزبانيته، وكذلك قومه الذين سكتوا عن طغيانه وكفره. {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ. فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ}.



    إنّ ما حدث لفرعون وقومه عبرة لكل ظالم وطاغية في كل زمان ومكان، وهو أيضا عبرة لكل شيطان أخرس، ولكل ساكت عن الظلم.

    لذلك، فإن على الأمة أن تتحرك لقلع جذور الظلم والطغيان، ويحرم عليها السكوت عن الكفر البواح، لأنّ السكوت لا يغير من واقعها المرير، بل يزيد الظالم جرأة على دين الله وعلى طغيانه وبغيه.



    إنّ الأمة الإسلامية أمة قوية بإيمانها، فإذا جمعت أمرها ووحدت كلمتها، قدرت على إحداث التغيير. عن عبيد الله بن جرير عن أبيه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعزّ وأكثر ممن يعمله لم يغيروه إلا عمهم الله بعقاب». وفي رواية: «ما من قوم يعمل بين أظهرهم بالمعاصي هم أعزّ منهم وأمنع لم يغيروا إلا أصابهم الله منه بعقاب». (6) وورد في رواية بلفظ: « عن جرير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يغيروا عليه، فلا يغيروا، إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا».(7)

    فقد أرشد النبي r إلى أنّ تحقق الاستطاعة في بعض أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يكون بالجمع. قال الحافظ المناوي في شرح هذا الحديث: "لأن من لم يعمل إذا كانوا أكثر ممن يعمل كانوا قادرين على تغيير المنكر غالباً، فتركهم له رضاً بالمحرمات وعمومها، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح".(8)

    ولا نجانب الصواب إذا قلنا، إنّ في هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي توجب على العامة التغيير، ما يدلّ على أنّ من المنكرات، كمنكرات الحكام، ما يلزمه الثورة العامة والعصيان من الأمة حتى تغيره؛ لأنّها قوية بربها، وقوية بجمعها.


    عن مجلة الزيتونة- جمع من علماء الزيتونة.



    Kami merupakan daftar link slot gacor terbaru yang gampang menang di Vibes88 karena sudah terbukti bo paling aman & terkuat di bumi 2023.

    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) أخرجه أبو داود في السنن (3835)، الترمذي في السنن (2188)، أحمد في مسند أبي بكر (33 و34)، البيهقي في الكبرى (18540)، ابن حبان في صحيحه (305) وغيرهم.

    (2) أخرجه أحمد في مسند أبي بكر (1 و16 و54)، الترمذي في السنن (3130)، ابن ماجه في السنن (4036) وغيرهم.

    (3) أخرجه بهذا اللفظ البزار في مسنده، ما روى قيس بن حازم عن أبي بكر (51 و52)، وما روى محمد بن أبي بكر عن أبيه (109).

    (4) أخرجه أحمد في مسند الشاميين (17457)، وابن أبي شيبة في المسند (587)، ونعيم بن حماد في الفتن (1733)، وابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (65). وقال ابن حجر في فتح الباري (ج14 ص492): "أخرجه أحمد بسند حسن وهو عند أبي داود من حديث العرس بن عميرة وهو أخو عدي، وله شواهد من حديث حذيفة وجرير وغيرهما عند أحمد وغيره‏".‏

    (5) أخرجه الطبراني في الكبير (13788) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج7 ص529): رجاله ثقات.

    (6) حديث حسن أخرجه أحمد في المسند (18895 و18918)، ابن ماجه في سننه (4040)، ابن حبان في صحيحه في كتاب البر والإحسان (301)، والبيهقي في الكبرى (18541).

    (7) أخرجه أبو داود في السنن (3837)، ابن حبان في صحيحه في كتاب البر والإحسان (303)، والطبراني في الكبير (2330).

    (8) فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج5 ص493

  • #2
    رد : {فاستخف قومَهُ فأطاعُوهُ}- الشيخ العلامة ياسين بن علي

    بارك الله لك أخي الحبيب......

    وكل ما يكون عندك مواضيع رائعة مثل هيك ....اكتبها لنستمتع بقرائتها لأن فيها فكرا ً راقيا ً......

    تعليق


    • #3
      رد : {فاستخف قومَهُ فأطاعُوهُ}- الشيخ العلامة ياسين بن علي

      والمولى جل جلاله قال : (( إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ))

      فوالله لو أنّ الأمة قائمة على حدود الله بأفرادها ...... لما تجرأ طاغية على التصدر لأمورها وولاية امرها ..

      تعليق


      • #4
        رد : {فاستخف قومَهُ فأطاعُوهُ}- الشيخ العلامة ياسين بن علي

        بارك الله بالأخوين الكريمين محمد ومؤمن.


        (( إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم ))

        تعليق


        • #5
          رد : {فاستخف قومَهُ فأطاعُوهُ}- الشيخ العلامة ياسين بن علي

          بسم الله الرحمن الرحيم

          تغيير المنكر مظهر الفعالية في الواقع

          الكاتب: ياسين بن علي



          لم يرض الإسلام للمسلم أن يكون منفعلا في الوجود، متأثرا بالواقع، منطبعا به وبحركته الدائمة؛ إنّه يريد منه أن يكون متفاعلا مع الوجود تفاعلا إيجابيا تتجلّى فيه قدرته على الفعل والحركة والإبداع. يريد الإسلام أن يكون المسلم فاعلا مؤثّرا، صانعا للأحداث، قادرا على صياغة الواقع، ومستطيعا لتشكيل المادة التي سخرها رب العالمين له حسب رؤيته وإرادته.

          لقد جاءت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة مفعمة بهذه الروح الفاعلة الإيجابية، وحاثة للمسلم على الحركة والإبداع، والتمتّع بشخصية قوّية قادرة على حمل عبء هذه الرسالة الأمانة، ألا وهي رسالة الإسلام.

          إننا نجد في القرآن هذه الروح في مواضع عدة منها قوله تعالى: )وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ( (آل عمران139)، فقد عزاهم وسلاهم بما نالهم يوم أحد من القتل والجراح، ونهاهم عن العجز والفشل فقال )ولا تهنوا(، وقوله سبحانه وتعالى مذكرا بسنة الصبر والثبات التي يتبعها النصر، )وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ((آل عمران146-148).

          وعن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «لا تَكُونُوا إِمّعةً [هو الذي يتابع كل ناعق ويقول لكل أحد أنا معك لأنه لا رأي له يرجع إليه] تَقُولُونَ إِن أَحْسَنَ النّاسُ أَحْسَنّا، وإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وإِنْ أساءوا فَلاَ تَظْلمُوا».(1) وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيّ خَيْرٌ وَأَحَبّ إِلَىَ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضّعِيفِ، وَفِي كُلّ خَيْرٌ. احْرِصْ عَلَىَ مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللّهِ، وَلاَ تَعْجِزْ. وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنّي فَعَلْتُ كذا لم يُصبني كذا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللّهِ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشّيْطَانِ».(2)

          وهي دعوة منه صلى الله عليه وسلم إلى أن يكون المسلم قويا عتيدا، جلدا صارما لا يعرف الضعف ولا يعتريه الوهن، دؤوبا كدودا لا يتسرب إليه الملل، صبورا صلبا لا يرقى إلى صبره الضجر، مندفعا بحزم وعزم نحو غايته دون أن يعرف اليأس إلى قلبه سبيلا، لا يفتر عن السعي والطلب والعمل، ولا يزهد في الأخذ بالأسباب والمسببات بحجة التوكل على الله، ولا يغتر بما فيه من قدرة، و لا بما عنده من عقل وقابلية تدبير فينسى حاجته إلى عون ربّه سبحانه ومدده.

          إنّ الدعوة إلى الفعل والحركة الإيجابية في الواقع صريحة في الكتاب والسنة، واضحة فيهما وضوح الشمس في رابعة النهار. فالأشياء مرتبطة بفعلنا فيها، والواقع منفعل بحركتنا فيه إيجابا أو سلبا كما قال تعالى: )إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ(. (الرعد11)

          بناء عليه فإنّ الإسلام ضدّ النزعة الواقعية المستكينة للأحداث، وعدو العجز والرضوخ للموجود الفاسد؛ إنّه يرفض الروح الواهنة المتخاذلة المتمثلة في المثل القائل: "إذا لم يوافقك الزمان فوافقه، وإذا لم يدارك الناس فدارهم"، ويحتقر العزيمة الخائرة الخاملة المتجسدة في قول القائل:

          ارض الخمول تعشْ به نجوةً

          مما تخـاف ومن معاندة العِـدا

          دون المعالي غدوةٌ إن خضتها

          متقحّما أوردتَ مهجتَك الرَّدى

          ومن الأعمال الإيجابية التي تظهر فيها حركة المسلم الفاعلة في الواقع الذي يعيش فيه ويحيط به، التغيير المطلوب في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».(3) فقد أوجب الرسول صلى الله عليه وسلم العمل من أجل التغيير، والتحرّك من أجل إزالة المنكر، فلا يليق بعدها بالمسلم أن يركن إلي الفساد ويسكت عنه فلا يفوه في معارضته ببنت شفة، ولا ينبس بكلمة، ولا يحرّك لإزالته ساكنا. قال تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ(. (النساء135) وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا لا يمنعنّ أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب من أجل، ولا يباعد من رزق، أن يقول بحقّ أو يذكّر بعظيم».(4) وعن أبي ذر قال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصل رحمي وإن أدبرت، وأن أقول الحق وإن كان مرا، وأن لا تأخذني في الله لومة لائم...».(5)

          والتغيير يقال على وجهين: أحدهما، لتغيير صورة الشيء دون ذاته. يقال غيّرت داري إذا بنيتها بناء غير الذي كان. والثاني، لتبديله بغيره، نحو غيرت غلامي ودابتي، إذا أبدلتهما بغيرهما نحو )إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ( (الرعد11).(6)

          وقال أبو البقاء في الكليات: التغيير عبارة عن تبديل صفة إلى صفة أخرى مثل تغيير الأحمر إلى الأبيض. والتغيير إما في ذات الشيء أو جزئه أو الخارج عنه.(7)

          فالأصل في التغيير استبدال شيء بشيء آخر أي استبدال الشيء المرغوب فيه بالشيء المرغوب عنه، وهو في حقيقته ليس تركا وإزالة فحسب، بل يتبعهما عملية إقامة الجديد مقام المتروك المزال، فيكون التغيير بناء على هذا الاعتبار أعمّ من الإزالة ومن النهي عن إتيان الشيء.

          والأمر المتعلّق بالمنكر في الحديث الشريف هو (فليغيره)، فلم يقل النبي r فليزله، أو فليمنعه، أو فليذهبه، مع أن الإزالة هي المطلوبة في الأساس، وإنما قال فليغيّره، وكأنّه r يرشدنا إلى أنّ في غياب المنكر حضور المعروف، وفي وجود المنكر غياب المعروف، أو كأنّه r يرشدنا إلى تمام الفعالية وكمال الفريضة بإقامة المعروف مقام المنكر المزال حتىّ يتمّ القضاء على المنكر نهائيا ويتمّ في المقابل ترسيخ المعروف وتركيزه.




          --------------------------------------------------------------------------------



          (1) أخرجه الترمذي في سننه (2014)، والبزّار في مسنده (2434)، وذكر بعض العلماء معناه موقوفا عن عبد الله بن مسعود.

          (2) أخرجه مسلم في صحيحه (4945).

          (3) أخرجه مسلم في صحيحه (99) عن أبي سعيد الخدري، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان.

          (4) أخرجه أحمد في المسند (11293)، والطبراني في الأوسط (2911).

          (5) أخرجه الطبراني في الكبير (1625)، وأحمد في المسند (20956)، وابن حبان في صحيحه (450)، والبزّار في المسند (3364).

          (6) قاله الراغب الأصفهاني في المفردات، ص382

          (7) ينظر الكليات لأبي البقاء الكفوي، ص 294

          تعليق

          جاري التحميل ..
          X