إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    عقيدة الفرقة النّاجية

    قال المصنّف رحمه الله :

    بسم الرحمن الرحيم، الحمدالله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه، وكفى بالله شهيدا.
    وأشهد أن الله لا إله إلا الله وحده لاشريك له، إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.
    أمّا بعد؛ فهذا اعتقاد الفرقة النّاجية المنصورة إلى قيام السّاعة، أهل السّنة والجماعة:

    وهو الإيمان بالله ، وملائكته، ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره.

    ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه ( ليس كمثله شىء وهو السّميع البصير ) [ الشورى: 11] ؛ فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولايلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيّفون ولا يمثّلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سميّ له، ولا كفء له، ولا ندّ له، ولا يقاس بخلقه ؛ فإنّه سبحانه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا ، وأحسن حديثا من خلقه.

    ثم رسله صادقون مصدّقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون ولهذا قال: ( سبحان ربك رب العزّة عمّا يصفون {180} وسلام على المرسلين {181} والحمد لله رب العالمين {182} ) [ الصافات 180 - 182 ] فسبّح نفسه عمّا وصفه به المخالفون للرّسل، وسلّم على المرسلين ؛ لسلامة ما قالوه من النّقص والعيب.

    وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمّى به نفسه بين النّفي والإثبات.
    فلا عدول لأهل السّنّة والجماعة عمّا جاء به المرسلون ؛ فإنه الصّراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشهداء والصّالحين .

    التعديل الأخير تم بواسطة القائد; 23/08/2003, 02:51 PM.

  • #2
    جزاك الله خيرا

    بارك الله فيك واصل طيبك الله حيا وميتا

    تعليق


    • #3
      الجمع بين النفي والإثبات في وصفه تعالى

      وقد دخل في هذه الجملة:

      ما وصف الله به نفسه في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن ؛ حيث يقول: ( قل هو الله أحد {1} الله الصمد {2} لم يلد ولم يولد {3} ولم يكن له كفوا أحد {4} )

      وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتابه ، حيث يقول: ( الله لآ إله إلا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما فى السّماوات وما فى الأرض من ذا الّذى يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السّماوات والأرض ولا يْوده حفظهما وهو العلىّ العظيم {255}) [البقرة: 255] .


      الجمع بين علوّه وقربه وأزلّته وأديّته

      وقوله سبحانه: ( هو الأوّل والأخر والّظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم {3} ) [الحديد: 3] .
      وقوله سبحانه: ( وتوكّل على الحىّ الذى لا يموت) [الفرقان: 58] .
      وقوله: ( وهو العليم الحكيم) ( وهو الحكيم الخبير ) [سبأ: 1] .


      إحاطة علمه بجميع مخلوقاته

      ( يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السمآء وما يعرج فيها ) [سبأ: 2] ، ( وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلا هو ويعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبّة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مّبين {59} ) [الأنعام: 59] .
      وقوله : ( وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ) [فاطر: 11] .
      وقوله: ( لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكلّ شيء علما ) [الطلاق: 12].
      قوله: ( إن الله هو الرّزّاق ذو القوة المتين ) [الذاريات: 58] .


      إثبات السّمع والبصر لله سبحانه

      وقوله: ( ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير) [الشورى: 11] .
      وقوله: ( إن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سمعيا بصيرا ) [النساء: 58] .


      إثبات المشيئة والإرادة لله سبحانه

      وقوله : ( ولولآ إذ دخلت جنّتك قلت ما شاء لا قوة إلا بالله ) [الكهف: 39] .
      وقوله :( ولو شآء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ) [البقرة:253] .
      وقوله : ( أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلّى الصّيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد) [المائدة: 1] .
      وقوله :( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيّقا حرجا كأنما يصّعد فى السمآء ) [الأنعام: 125] .

      سوف نكمل إن شاء الله

      تعليق


      • #4
        إثبات محبة الله ومودته لأوليائه على ما يليق بجلاله


        وقوله : ( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) [البقرة: 195] ، ( وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ) [المائدة: 42] ،( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين ) [التوبة: 7] ، ( إن الله يحب التّوابين ويحب المتطهرين ) [آل عمران: 31] .
        وقوله : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله) [آل عمران: 31] .
        وقوله: ( فسوف يأتى الله بقوم يحبّهم ويحبّونه) [المائدة: 54] .
        وقوله : ( إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) [الصف: 4] .
        وقوله : ( وهو الغفور الودود) [البروج: 14] .


        إثبات اتّصافه بالرّحمة والمغفرة سبحانه

        وقوله : ( بسم الله الرّحمن الرّحيم ) [النمل: 30] ، ( ربّنا وسعت كل شيء رّحمة وعلما) [غافر: 7] ،( وكان بالمؤمنين رحيما) [الأحزاب: 43] ،( ورحمتى وسعت كلّ شيء) [الأعراف:156 ] ،( كتب ربّكم على نفسه الرّحمة ) [الأنعام: 154] ،( وهو الغفور الرّحيم) [يونس: 107[ ،( فالله خير حافظا وهو أرحم الرّحمين ) [يوسف: 64] .


        ذكر رضى الله وغضبه وسخطه وكراهيته وأنه متّصف بذلك

        قوله : ( رّضى الله عنهم ورضوا عنه ) [المائدة: 119] .
        وقوله : ( ومن يقتل مؤمنا مّتعمدا فجزآؤه جهنّم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه) [النساء: 93] .
        وقوله : ( ذلك بأنهم اتّبعوا مآ أسخط الله وكرهوا رضوانه ) [محمد: 28] ، ( فلمّآ ءاسفونا انتقمنا منهم ) [الزخرف: 55] .
        وقوله : ( كبر مقتا عند أن تقولوا ما لا تفعلون) [الصف: 2] .


        ذكر مجيء الله لفصل القضاء بين عباده على ما يليق بجلاله

        وقوله : ( هل ينظرون إلا إن يأتيهم الله فى ظلل من الغمام والملائكة وقضى الأمر ) [البقرة: 210[ ، ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتى ربك أو يأتى بعض ءايات ربك) [الأنعام: 158] ، ( كلا إذا دكت الأرض دكّا دكّا{21} وجاء ربّك والملك صفّا صفّا{22}) [ الفجر: 21، 22] ،،( ويوم تشّقق السمآء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا) [الفرقان: 25] .


        إثبات الوجه لله سبحانه

        وقوله : ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) [الرحمن: 27] , ( كل شيء هالك إلا وجهه) [القصص: 88] .


        إثبات اليدين لله تعالى

        وقوله : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدىّ) [ص: 57] ، ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) [المائدة: 64] .


        إثبات العينين لله تعالى

        وقوله : ( واصبر لحكم ربّك فإنك بأعيننا ) [الطور: 48] ،( وحملناه على ذات ألواح ودسر {13} تجرى بأعيننا جزاء لّمن كان كفر {14} ) [القمر: 13 ، 14] ، ( وألقيت عليك محبّة مّنى ولتصنع على عينى) [طه: 39] .


        إثبات السّمع والبصر لله سبحانه

        وقوله : ( قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير) [المجادلة: 1] ، وقوله : ( لّقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) [آل عمران: 181] ، وقوله: ( أم يحسبون أنّا لا نسمع سرّهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) [الزخرف: 80] ،( أنّنى معكما أسمع وأرى) [طه: 46] ،( ألم يعلم بأن الله يرى) [العلق: 14] ، ( الذى يراك حين تقوم {218} وتقلبك فى الساجدين {219} إنه هو السميع العليم {220} ) [الشعراء: 218 -220] ، ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون[COLOR=orangered]) [التوبة: 105][/COLOR.

        سوف نكمل إن شاء الله
        التعديل الأخير تم بواسطة القائد; 7/07/2003, 07:29 AM.

        تعليق


        • #5
          إثبات المكر والكيد لله تعلى على ما يليق به


          وقوله : ( وهو شديد المحال ) [الرعد: 13 } ، وقوله : ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) [آل عمران: 54] ، وقوله : ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ) [النمل: 50] .
          وقوله : ( وأكيد كيدا {16} فهمل الكافرين أمهلهم رويدا {17}) [الطارق: 16 ، 17] .


          وصف الله بالعفو والمغفرة والرّحمة والعزّة والقدرة

          وقوله : ( إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا) [النساء: 149] ، ( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رّحيم) [النور: 22] .
          وقوله : ( ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ) [المنافقون: 8] ، وقوله عن إبليس : ( فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين) [82] .


          إثبات الاسم لله ونفى المثل عنه

          وقوله : ( تبارك اسم ربك ذى الجلال والإكرام ) [الرحمن: 78] .
          وقوله : ( فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميّا ) [مريم: 65] ، ( ولم يكن له كفوا أحد ) [الإخلاص: 4] .
          وقوله : ( فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) [البقرة: 22] ، ( ومن النّاس من يتّخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ) [البقرة: 165] .


          نفي الشّريك عن الله تعالى

          وقوله : ( وقل الحمد لله الذى لم يتّخذ ولدا ولم يكن له شريك فى الملك ولم يكن له ولىّ من الذل وكبره تكبيرا ) [الإسراء: 111] ( يسبح لله ما فى السماوات وما فى الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) [التغابن: 1] .
          وقوله : ( تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا {1} الذى له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك فى الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا {2} ) [الفرقان: 1 ،2] .
          وقوله : ( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عمّا يصفون {91} عالم الغيب والشهادة فتعالى عمّا يشركون {92} ) [المؤمنون: 91، 92] ، ( فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لاتعلمون ) [النحل: 74] ، ( قل إنما حرّم ربّى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) [الأعراف: 33] .


          إثبات استواء الله على عرشه

          وقوله : ( الرحمن على العرش استوى) [طه: 5] في سبعة مواضع:
          في [سورة الأعراف: 54] قوله: ( إن ربّكم الله الذى خلق السماوات والأرض فى ستة أيام ثمّ استوى على العرش) , وقال في [سورة الرعد: 2] ( الله الذى رفع السماوات بغير عمد ترونها ثمّ استوى على العرش ) ، وقال في [سورة طه: 5] ( الرحمن على العرش استوى) ، وقال في[سورة الفرقان: 59] ( ثمّ استوى على العرش الرحمن ) ، وقال في [سورة السجدة: 4] ( الله الذى خلق السماوات والأرض وما بينهما فى ستة أيام ثمّ استوى على العرش) ، وقال في[سورة الحديد: 4] ( هو الذى خلق السماوات والأرض فى ستة أيام ثمّ استوى على العرش ) .


          إثبات علوّ الله على مخلوقاته

          وقوله : ( ياعيسى إنيّ متوفيك ورافعك إلىّ ) [آل عمران: 55] ، ( بل رّفعه الله إليه ) [النساء: 158] ، ( إليه يصعد الكلم الطّيب والعمل الصّالح يرفعه ) [فاطر: 10] ، ( ياهامان ابن لى صرحا لّعلى أبلغ الأسباب {36} أسباب السماوات فأطّلع إلى إله موسى وإنى لأظنّه كاذبا{37} ) [ غافر: 36، 37] .
          وقوله: ( ءأمنتم مّن فى السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هى تمور {16} أم أمنتم مّن فى السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير{17}) [الملك: 16، 17] .


          إثبات معية الله لخلقه

          ( هو الذى خلق السماوات والأرض فى ستة أيام ُثم استوى على العرش يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصيرا ) [الحديد: 4] .
          وقوله : ( ما يكون من نّجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبّئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم) [المجادلة: 7] ، ( لا تحزن إن الله معنا ) [التوبة: 40] .
          وقوله : ( إننى معكما أسمع وأرى ) [طه: 46] ، ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) [النحل: 128] ، ( واصبروا إن الله مع الصابرين) [الأنفال: 46] ، ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصّابرين ) [البقرة: 249] .


          إثبات الكلام لله تعالى

          وقوله : ( ومن أصدق من الله حديثا ) [النساء: 87] ، ( ومن أصدق من الله قيلا ) [النساء: 122] ،( إذ قال الله ياعيسى ابن مريم ) [المائدة: 110] ، ( وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا) [الأنعام: 115] .
          وقوله : ( وكلّم الله موسى تكليما) [النساء: 164] ، ( منهم مّن كلم الله) [البقرة: 253] ،( ولمّا جآء موسى لميقاتنا وكلّمه ربّه) [الأعراف: 143] ، ( وناديناه من جانب الطّر الأيمن وقربناه نجيّا) [مريم: 52] .
          وقوله : ( وإذ نادى ربّك موسى أن ائت القوم الظّالمين ) [الشعراء: 10] ، ( وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة ) [الأعراف: 22] ، ( ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين) [القصص: 65] .
          ( وأن أحد مّن المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام الله) [التوبة: 6] ، ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) [البقرة: 75] ، ( يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لّن تتّبعونا كذالكم قال الله من قبل ) [الفتح: 15] ، ( واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ) [الكهف: 27] .
          وقوله : ( إن هذا القرءان يقص على بنى إسرايل أكثر الذى هم فيه يختلفون ) [النمل: 76] .


          إثبات تنزيل القرآن من الله تعالى

          ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك) [الأنعام: 55] ، ( لو أنزلنا هذا القرءان على جبل رأيته خاشعا مّتصدعا مّن خشية الله) [الحشر: 21] ، ( وإذا بدّلنا ءاية مّكان ءاية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون{101} قل نزله روح القدس من رّبّك بالحق ليثبت الذين ءامنوا وهدى وبشرى للمسلمين {102} ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين {103}) [النحل: 101 - 103] .


          إثبات رؤية المؤمنين لربّهم يوم القيامة

          وقوله : ( وجوه يومئذ نّاضرة {22} لى ربّها ناظرة {23}) [القيامة: 22 ، 23] ، ( على الأرائك ينظرون) [المطففين: 23] ، ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [يونس: 26] وقوله : ( لهم مّا يشآءون فيها ولدينا مزيد ) [ق: 35] .
          وهذا الباب في كتاب الله كثير، من تدبر القرآن طالبا للهدى منه ، تبيّن له طريق الحقّ .

          سوف نكمل إن شاء الله

          تعليق


          • #6
            الاستدلال على إثبات أسماء الله وصفاته من السنّة

            ثمّ في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالسنّة تفسّر القرآن، وتبّينه، وتدلّ عليه، وتعبّر عنه.
            وما وصف الرسول به ربّه عزّ وجلّ من الأحاديث الصّحاح التي تلقّاها أهل المعرفة بالقبول، وجب الإيمان بها كذلك.
            فمن ذلك:


            ثبوت النّزول الإلهي إلى سماء الدنيا على ما يليق بجلاله

            مثل قوله صلى الله عليه وسلم : (( ينزل ربّنا إلى السّماء الدنيا كلّ ليلة حين يبقى ثلث اللّيل الآخر، قيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ )) متفق عليه .


            إثبات أن الله يفرح ويضحك ويعجب

            وقوله صلى الله عليه وسلم : (( الله أشدّ فرحا بتوبة عبده المؤمن التائب من أحدكم براحلته)) متفق عليه.
            وقوله صلى الله عليه وسلم : ((يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنّة )) متفق عليه.
            وقوله: ((عجب ربّنا من قنوط عباده وقرب غيره ينظر إليكم أزلين قنطين، فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب)) حديث حسن .


            إثبات الرّجل والقدم لله سبحانه

            وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لاتزال جهنّم يلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع ربّ العزّة فيها رجله - وفي رواية -: عليها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض، فتقول: قط قط)) . متفق عليه


            إثبات النّداء والصوت والكلام لله تعالى

            وقوله: (( يقول تعالى: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت: إنّ الله يأمرك أن تخرج من ذريّتك بعثا إلى النّار)). متفق عليه.
            وقوله: (( ما منكم من أحد إلا سيكلّمه ربّه وليس بينه وبينه ترجمان)) .


            إثبات علوّ الله على خلقه واستوائه على عرشه

            وقوله في رقْية المريض: (( ربّنا الله الذي في السّماء، تقدّس اسمك، أمرك في السّماء والأرض، كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك فى الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت ربّ الطّيبين، أنزل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ )). حديث حسن، رواه أبو داود وغيره.
            وقوله: ((ألا تأمنوني وأنا أمين من في السّماء؟! )) حديث صحيح.
            وقوله: ((والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه )). حديث حسن، رواه أبو داود وغيره.
            وقوله للجارية: ((أين الله؟)). قالت: في السماء. قال: ((من أنا؟)). قالت: أنت رسول الله. قال: (( أعتقها فإنهّا مؤمنة)) رواه مسلم.


            إثبات معيّة الله تعالى لخلقه وأنها لا تنافي علوّه فوق عرشه

            وقوله: (( أفضل الإيمان: أن تعلم أن الله معك حيثما كنت)). حديث حسن.
            وقوله: ((إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فلا يبصقنّ قبل وجهه، ولا عن يمينه؛ فإن الله قبل وجهه، ولكن عن يساره، أو تحت قدمه)) متفق عليه.
            وقوله صلى الله عليه وسلم : (( اللّهم ربّ السّماوات السّبع والأرض وربّ العرش العظيم، ربّنا وربّ كلّ شيء فالق الحبّ والنّوى، منزل التّوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شرّ نفسي ومن شرّ كل دابّة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنّي الدّين وأغنني من الفقر)) رواه مسلم.
            وقوله صلى الله عليه وسلم لما رفع الصحابة أصواتهم بالذّكر: (( أيّها الناس اربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، إنما تدعون سمعيا بصيرا قريبا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)) متفق عليه.


            إثبات رؤية المؤمنين لربّهم يوم القيامة

            وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إنكم سترون ربّكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها، فافعلوا)) متفق عليه.


            موقف أهل السّنّة من الأحاديث التي فيها إثبات الصفات الرّبّانية

            إلى أمثال هذه الأحاديث التي يخبر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربّه بما يخبر به، فإن الفرقة النّاجية - أهل السنة والجماعة - يؤمنون بذلك؛ كما يؤمنون بما أخبر الله به في كتابه، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكْييف ولا تمثيل، بل هو الوسط في فرق الأمّة، كما أن الأمّة هي الوسط في الأمم.


            مكانة أهل السّنة والجماعة بين فرق الأمّة

            فهم وسط في باب صفات الله بين أهل التّعطيل: الجهميّة، وأهل التّمثيل: المشبّهة.
            وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبريّة والقدريّة وغيرهم.
            وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيديّة من القدريّة وغيرهم.
            وفي باب أسماء الإيمان والدّين بين الحروريّة والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية.
            وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرّافضة والخوارج.


            وجوب الإيمان باستواء الله على عرشه وعلوّه على خلقه ومعيّته لخلقه وأنه لا تنافي بينهما

            وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله: الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسوله، وأجمع عليه سلف الأمّة، من أنه سبحانه فوق سماواته، على عرشه عليّ على خلقه، وهو سبحانه معهم أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون، كما جمع بين ذلك في قوله:
            ( هو الذى خلق السماوات والأرض فى ستة أيّام ثمّ استوى على العرش يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما بنزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعلمون بصير) [الحديد: 4] .
            وليس معنى قوله: ( وهو معكم ) : إنه مختلط بالخلق؛ فإن هذا لا توجبه اللغة، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان.
            وهو سبحانه فوق عرشه، رقيب على خلقه، مهيمن عليهم..... إلى غير ذلك من معاني ربوبّيته.
            وكلّ هذا الكلام الذي ذكره الله - من أنه فوق العرش وأنه معنا _ حقّ على حقيقته، لايحتاج إلى تحريف ، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة؛ مثل أن يظنّ أن ظاهر قوله: ( فى السماء) ، أن السماء تظلّه أو تقلّه، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان ؛ فإن الله قد وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره.


            وجوب الإيمان بقرب الله من خلقه وأن ذلك لا ينافي علوّه وفوقيّته

            وقد دخل في ذلك الإيمان بأنه قريب مجيب؛كما جمع بين ذلك في قوله: ( وإذا سألك عبادى عنّى فإنّى قريب.....) [البقرة: 186] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته))
            وما ذكر في الكتاب والسّنّة من قربه ومعيّته لا ينافي ما ذكر من علّوه وفوقيّته؛ فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو عليّ في دنوّه، قريب في علوّه.

            تعليق


            • #7
              وجوب الإيمان بأنّ القرآن كلام الله حقيقة

              ومن الإيمان بالله وكتبه: الإيمان بأن القرآن كلام الله، منزّل، غير مخلوق ، منه بدأ، وإليه يعود، وأن الله تكلّم به حقيقة، وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم :
              هو كلام الله حقيقة، لا كلام غيره .
              ولايجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله، أو عبارة، بل إذا قرأه النّاس أو كتبوه في المصاحف؛ لم يخرج بذلك عن كلام الله تعالى حقيقة، فإنّ الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئا، لا إلى من قاله مبلّغا مؤديا.
              وهو كلام الله؛ حروفه، ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف.


              وجوب الإيمان برؤية المؤمنين لربّهم يوم القيامة ومواضع الرؤية

              وقد دخل أيض فيما ذكرناه من الإيمان به وبكتبه وبملائكته وبرسله:
              الإيمان بأنّ المؤمنين يرونه يوم القيامة عيانا بأبصارهم كما يرون الشّمس صحوا ليس بها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته.
              يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة، ثم يرونه بعد دخول الجنّة، كما يشاء الله تعالى.


              ما يدخل في الإيمان باليوم الآخر

              ومن الإيمان باليوم الآخر:
              الإيمان بكلّ ما أخبر به النّبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فيؤمنون بفتنة القبر، وبعذاب القبر ونعيمه.
              فأمّا الفتنة، فإن الناس يمتحنون في قبورهم، فيقال للرّجل : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟
              فيثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثّابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة، فيقول المؤمن: ربّي الله، والإسلام ديني، ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيّي .
              وأما المرتاب، فيقول: هاه هاه، لا أدري، سمعت النّاس يقولون شيئا فقلته، فيضرب بمرزبّة من الحديد، فيصيح صيحة يسمعها كلّ شيء إلا الإنسان، لو سمعها الإنسان لصعق.
              ثمّ بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب، إلى أن تقوم القيامة الكبرى، فتعاد الأرواح إلى الأجساد.
              وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه، وعلى لسان رسوله، وأجمع عليها المسلمون، فيقوم النّاس من قبورهم لربّ العالمين حفاة عراة غرلا، وتدنو منهم الشمس، ويلجمهم العرق.
              فتنصب الموازين، فتوزن بها أعمال العباد، ( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون{102} ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم فى جهنّم خالدون {103} ) [المؤمنون: 102، 103] .
              وتنشر الدّواوين: وهي صحائف الأعمال، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره، كما قال : ( وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً {13} اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا {14} ) [الإسراء: 13، 14] .
              ويحاسب الله الخلائق، ويخلو بعبده المؤمن، فيقرّره بذنوبه ؛ كما وصف ذلك في الكتاب والسّنّة .
              وأمّا الكفّار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيّئاته ؛ فإنّه لا حسنات لهم، ولكن تعدّ أعمالهم، فتحصى، فيوقفون عليها، ويقرّرون بها.


              حوض النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومكانه وصفاته

              وفي عرصات القيامة:
              الحوض المورود للنّبيّ صلى الله عليه وسلم ماؤه أشدّ بياضا من اللّبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السّماء، طوله شهر، وعرضه شهر، من يشرب منه شربة، لايظمأ بعدها أبداً.


              الصّراط، معناه ومكانه وصفة مرور النّاس عليه

              والصّراط منصوب على متن جهنّم، وهو الجسر الذي بين الجنّة والنّار يمرّ النّاس على قدر أعمالهم، فمنهم من يمرّ كلمح البصر، ومنهم من يمرّ كالبرق، ومنهم من يمر كالرّيح، ومنهم من يمر كالفرس، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدوا، ومنهم من يمشي مشياً ومنهم من يزحف في جهنّم ؛ ومنهم من يخطف خطفا ويلقى في جهنّم ؛ فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم .


              القنطرة بين الجنة والنار

              فمن مرّ على الصّراط دخل الجنّة. فإذا عبروا عليه، وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتصّ لبعضهم من بعض، فإذا هذبّوا ونقّوا، أذن لهم في دخول الجنة.
              وأول من يستفتح باب الجنّة: محمد صلى الله عليه وسلم ، وأول من يدخل الجنّة من الأمم: أمته.


              شفاعات النبي صلى الله عليه وسلم

              وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات:
              أمّا الشفاعة’ الأولى:
              فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى ابن’ مريم عن الشفاعة حتى تنتهي إليه.
              وأمّا الشفاعة الثانية:
              فيشفع في أهل الجنّة أن يدخلوا الجنّة .
              وهاتان الشفاعتان خاصتان له .
              وأما الشفاعة الثالثة: فيشفع فيمن استحقّ النّار، وهذه الشفاعة له ولسائر النّبيين والصّدّيقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحقّ النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها .


              إخراج الله بعض العصاة من النار برحمته، وبغير شفاعة

              ويخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة، بل بفضله ورحمته، ويبقى في الجنة فضل عمّن دخلها من أهل الدّنيا، فينشىء الله لها أقواماً، فيدخلهم الجنّة .
              وأصناف ما تضمّنته الدار الآخرة من الحساب والثّواب و العقاب والجنة والنار وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء، والآثار من العلم المأثور عن الأنبياء، وفي العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك ما يشفي ويكفي، فمن ابتغاه وجده.

              تعليق


              • #8
                الإيمان بالقدر، ومراتب القدر

                وتؤمن الفرقة النّاجية من أهل السنة والجماعة بالقدر خيره وشرّه.
                والإيمان بالقدر على درجتين، كل درجة تتضمّن شيئين .
                فالدرجة الأولى:
                الإيمان بأن الله تعالى عليم بالخلق، وهم عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلا وأبدا، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق و الآجال، ثمّ كتب الله في اللّوح المحفوظ مقادير الخلق .
                فأوّل ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة.
                فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، جفّت الأقلام، وطويت الصّحف، كما قال تعالى : ( ألم تعلم أن الله يعلم ما فى السماء والأرض إن ذلك فى كتاب إن ذلك على الله يسير) [الحج: 70] ، وقال : ( مآ أصاب من مّصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب مّن قبل أن نّبرأها إن ذلك على الله يسير) [الحديد: 22] .
                وهذا التّقدير التّابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلا :
                فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء .
                وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه، بعث إليه ملكاً، فيؤمر بأربع كلمات، فيقال له :
                اكتب رزقه، وأجله وعمله، وشقيّ أم سعيد ونحو ذلك.
                فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديما، ومنكروه اليوم قليل .
                وأما الدرجة الثانية :
                فهي مشيئة الله النّافذة، وقدرته الشّاملة، وهو :الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السماوات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه، لا يكون في ملكه ما لا يريد، وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات، فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه، لا خالق غيره، ولا ربّ سواه .
                ومع ذلك، فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته.
                وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يأمر بالفحشاء، و لايرضى لعباده الكفر ، و لا يحب الفساد .
                والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم.
                والعبد: هو المؤمن، والكافر، والبرّ والفاجر، والمصلّى، والصائم.
                وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم وقدرتهم وإرادتهم ؛ كما قال تعالى : ( لمن شآء منكم أن يستقيم {28} وما تشآءون إلا أن يشاء الله رب العالمين {29} ) [التكوير: 28، 29]
                وهذه الدرجة من القدر يكذّب بها عامة القدرية الذين سمّاهم النبيّ صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة، ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات، حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها.


                حقيقة الإيمان وحكم مرتكب الكبيرة

                ومن أصول أهل السنة والجماعة :
                أن الدّين والإيمان قول وعمل، قول القلب واللّسان، وعمل القلب واللّسان والجوارح .
                وأن الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
                وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر - كما يفعله الخوارج - بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي ؛ كما قال سبحانه : ( فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف ) [البقرة:178] ، وقال:( وإن طآئفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفىء إلى أمر الله فإن فآءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين {9} إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم {10} ) [الحجرات: 9، 10] .
                ولا يسلبون الفاسق الملّيّ الإسلام بالكلّية، ولا يخلدونه في النار ؛ كما تقول المعتزلة .
                بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان ؛ كما في قوله : ( فتحرير رقبة مؤمنة ) [النساء: 92] ، وقد لايدخل في اسم الإيمان المطلق ؛ كما في قوله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا )[الأنفال: 2] ،
                وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، و لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن )) .
                ونقول: هو مؤمن ناقص الإيمان ، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ، فلا يعطى الاسم المطلق ، و لا يسلب مطلق الاسم.

                تعليق


                • #9
                  الواجب نحو الصحابة وذكر فضائلهم

                  ومن أصول أهل السنة والجماعة : سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما وصفهم الله به في قوله تعالى : ( والذين جآءو من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربّنا إنك رءوف رحيم ) [الحشر: 10] ، وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (( لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم و لا نصيفه ))
                  ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم.
                  ويفضّلون من أنفق من قبل الفتح - وهو صلح الحديبية - وقاتل، على من أنفق من بعد وقاتل. ويقدّمون المهاجرين على الأنصار.
                  ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر - وكانوا ثلاث مئة وبضعة عشر : (( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )) .
                  وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة - كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم . بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربع مئة.
                  ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم
                  ومن طعن في خلافة أحد من هولاء، فهو أضل من حمار أهله.؛ كالعشرة ، وثابت بن قيس بن شماس ، وغيرهم من الصحابة.
                  ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، وغيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ويثلّثون بعثمان، ويربّعون بعليّ رضي الله عنه ؛ كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة .
                  مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعليّ رضي الله عنه - بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر - أيهما أفضل؟ فقدّم قوم عثمان، وسكتوا، وربعوا بعلي، وقدم قوم علياً، وقوم توقّفوا.
                  لكن استقرّ أمر أهل السنة على تقديم عثمان، ثم عليّ .
                  وإن كانت هذه المسألة - مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلّل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة.
                  ولكن التي يضلّل فيها مسألة الخلافة، وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو بكر وعمر ثم عثمان ثم عليّ.

                  تعليق


                  • #10
                    منزلة أهل البيت النّبوي عند أهل السنة والجماعة

                    ويحبّون آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث قال يوم غدير خمّ : (( أذكركم الله في أهل بيتي )) .
                    وقال أيضاً للعباس عمّه - وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم - فقال : (( والذي نفسي بيده، لا يؤمنون حتى يحبوكم ؛ لله ولقرابتي ))
                    وقال : (( إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم )) .
                    ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة.
                    خصوصاً خديجة رضي الله عنها أمّ أكثر أولاده، وأول من آمن به وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية.
                    والصّدّيقة بنت الصّديق رضي الله عنها ، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : (( فضل عائشة على النساء كفضل الثّريد على سائر الطعام )) .


                    تبرّوّ أهل السنة والجماعة ممّا يقوله أهل البدع والضّلالة في حق الصحابة وآل البيت.

                    ويتبرّؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وطريقة النّواصب الذين الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل.
                    ويمسكون عمّا شجر بين الصحابة، ويقولون : إن هذه الآثار المرويّة في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغيّر عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون : إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون .

                    وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم - إن صدر - حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم ؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم .
                    وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون ، وأن المدّ من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم .
                    ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب ؛ فيكون قد تاب منه ، أو أتى بحسنات تمحوه ، أو غفر له ؛ بفضل سابقته ، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه .
                    فإذا كان هذا في الذنوب المحقّقة، فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين : إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور؟!
                    ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم ؛ من الإيمان بالله، ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة والنّصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح .
                    ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما منّ الله عليهم به من الفضائل، علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان و لا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله .


                    موقف أهل السنة والجماعة في كرامات الأولياء

                    ومن أصول أهل السنة : التصديق بكرامات الأولياء ، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات، في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات، والمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر فرق الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة.

                    تعليق


                    • #11
                      صفات أهل السنة والجماعة

                      ثمّ من طريقة أهل السنة والجماعة : اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً، واتباع سبيل السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث قال : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنّواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل بدعة ضلالة )) .

                      ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم، على هدي كل أحد .
                      ولهذا سمو أهل الكتاب والسنة ؛ وسموا أهل الجماعة ؛ لأن الجماعة هي الاجتماع، وضدها: الفرقة، وإن كان لفظ (( الجماعة)) قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين.
                      والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدّين .
                      وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين.

                      والإجماع الذي ينضبط :هو ما كان عليه السلف الصالح، إذ بعدهم كثر الاختلاف، وانتشر في الأمة.



                      بيان مكمّلات العقيدة من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال التي يتحلى بها أهل السنة

                      ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر ؛ على ما توجبه الشريعة .
                      يرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً أو فجاراً ، ويحافظون على الجماعات .
                      ويدينون بالنّصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً . وشبك بين أصابعه )) .
                      وقوله صلى الله عليه وسلم : (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو ؛ تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر )) .
                      ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشّكر عند الرّخاء، والرّضى بمرّ القضاء .
                      ويدعون إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً )) ، ويندبون إلى أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمّن ظلمك ، ويأمرون ببرّ الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى و المساكين وابن السيل، والرّفق بالمملوك، وينهون عن الفخر، والخيلاء، والبغي، والاستطالة على الخلق بحقّ أو بغير حق، ويأمرون بمعالي الأخلاق، وينهون عن سفسافها.

                      وكل ما يقولونه أو يفعلونه من هذا وغيره، فإنما هم فيه متّبعون للكتاب والسنة، وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم .

                      لكن لمّا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار ؛ إلا واحدة، وهي الجماعة وفي حديث عنه أنه قال : (( هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي )) ؛ صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة .
                      وفيهم الصديقون، والشهداء, والصالحون، ومنهم أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، أولوا المناقب المأثورة، والفضائل المذكورة وفيهم الأبدال، وفيهم أئمة الدين، الذين أجمع المسلمون على هدايتهم، وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خالفهم،ولا من خذلهم، حتى تقوم الساعة )) .
                      نسأل الله أن يجعلنا منهم، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب والله أعلم.

                      وصلى الله على محمد
                      وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

                      تعليق

                      جاري التحميل ..
                      X