النتائج 1 إلى 21 من 21

الموضوع: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة

  1. #1
    كاتبة الصورة الرمزية د. زهرة خدرج
    تاريخ التسجيل
    08 2016
    الدولة
    فلسطين
    المشاركات
    1,495

    معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة



    " مقدمة"
    " ما ترك الجهاد قوم قط إلا ذُلوا"!
    وكيف لا يُذلون يا رسول الله وقد وضعوا سلاحهم وطأطأوا رؤوسهم واستمرأوا العبودية، ورضوا الدنية في دينهم، وماذا بعد؟ ديست بلادهم وانتهكت أعراضهم وسالت دماؤهم وهدِّمت بيوتهم فوق رؤوسهم ودُمرت مدنهم وقراهم والتهم السجن أعمار أبنائهم وزهرة شبابهم وطاقاتهم.. والأعداء يجوسون خلال ديارهم بأمن وأمان.. وما من مجيب لآهات تعلو وأنين لا يتوقف..
    فكم من منادية تنادي واإسلاماه.. وامعتصماه.. واعرباه.. ولا تجد من يلبي صرخاتها ويمسح دمعاتها ويأويها

    رب وامعتصماه انطلقت** ملء أفواه الصبايا اليتم
    لامست أسماعهم** لكنها لم تلامس نخوة المعتصم
    (عمر أبو ريشة)

    ولكي يبقى الدين، ويبقى الوطن، ويبقى أهله.. الجهاد.. الجهاد..
    لا بد من الذود عن حياضه والدفاع عنه، وافتداؤه بالغالي والنفيس! وبما أننا في شهر الصيام والقيام والجهاد والفتوحات والتمكين والنصر العظيم.. بدأً بنصر بدر.. ومروراً بحروب الردَّة وفتح الأندلس وغيرها وغيرها من الوقائع العظيمة.. وصولاً إلى فرقان غزة التي هي ليست ببعيدة عنا.. والتي تؤكد على أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام..
    وما إن تُذكر الأحداث المهمة في تاريخ المسلمين والتي حدثت في رمضان؛ فإن أول ما يحضر في بال كل مسلم غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون بقيادة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على جحافل الكفر وصناديد الباطل من قريش، رغم أن معارك فاصلة كثيرة حدثت في هذا الشهر العظيم وأحداث أكبر من أن تُحصى هنا.. لذا ستكون زاويتنا هذه استحضاراً لتاريخ مشرِّف حري بنا أن نتعرف عليه ونعرف تفاصيله لأن سنن الله ثابتة لا تتغيَّر ولا تتبدَّل نحن مُطالبون بإدراكها، واستخلاص العبر منها، والبناء عليها.. فالتاريخ يعيد نفسه.. الأحداث تتكرر.. فما يتغير فقط هي المسميات والتفاصيل الدقيقة، أما العموميات فهي ذاتها!
    ارجع إلى أهم المحطات التاريخية في تاريخ الأمة والتي كانت ذات تأثير مباشر في حاضرها ومستقبلها، ستجد وكأنك تقرأ حاضرك ومستقبلك، اقرأ إن شئت عن ملوك الطوائف، وكيف تقاسموا بلاد الأندلس وجعلوا منها دويلات يحكم كلّا منها حاكم بأمره، يتحالف مع النصارى ليحمي مُلكه الذي يتوارثه أبناؤه ثم يقتسمونه فيما بينهم... وهكذا وفي حال تعارضت مصالح النصارى مع وجود هذا الحاكم( أو اللعبة بين أيديهم)، سارعوا للتخلص منه.. الأمر الذي دفع بالمعتمد بن عباد أمير إشبيلية حين نصحه بعض ملوك الطوائف الآخرين بعدم اللجوء ليوسف بن تاشفين لأنه إذا نجح في صدِّ الصليبيين فإنه سيتملك البلاد، ولن تبقى اشبيلية خاضعة لحكم ابن عبّاد. ردَّ عليهم ابن عبّاد بمقولته المشهورة:" لأنْ أرعى الإبل عند ابن تاشفين خير من أن أرعى الخنازير عند ألفونسو".
    فالكيِّس الفطن الذي لا يعيد تكرار تجارب السابقين ويقع في ذات الأخطاء، بل يتعلم منها ليختصر على نفسه الجهد والوقت ليحقق الأهداف التي وضعها نصب عينيه حتى تصب في مصلحته ومصلحة أمته.
    وبما أن أمة الإسلام الآن تعيش فترة من أسوأ فترات الاستضعاف والتخاذل والهوان، لا بد من استدعاء تاريخنا المشرق.. فلنذكِّر بعضنا بعضاً بالمراحل التاريخية الإسلامية المتألقة، التي كان لها عظيم الأثر في إرساء دعائم دولة الإسلام وتثبيت أُسسها حتى دامت قروناً طويلة تقود البشرية وتتصدر قرارات العالم..
    وكم هو من الأهمية بمكان في ظل التحديات الخطيرة والأوقات العصيبة التي نمر بها في مشارق الأرض ومغاربها أن نستلهم من هذا التاريخ ونتعلم منه ما يعيد لنا اعتبارنا ودورنا الريادي من قيم وأخلاق القادة والفاتحين وعوامل النصر والفتح والتمكين.. وليس لنتسلى ونبكي كالنساء على مجد لم نستطع صونه كالرجال!!
    فلنتآزر ونتكاتف لنحفظ هذا الدين ونرفع الظلم عن أمتنا ونستعيد كرامتنا المسلوبة وأرضنا المفقودة.
    د. زهرة خدرج
    كاتبة وروائية فلسطينية







    التعديل الأخير تم بواسطة ذكرى صلاح الدين ; 2022-04-04 الساعة 18:51

  2. #2
    كاتبة الصورة الرمزية د. زهرة خدرج
    تاريخ التسجيل
    08 2016
    الدولة
    فلسطين
    المشاركات
    1,495

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة



    "غزوة بدر الكبرى: المعركة الأولى والاختبار الأول والنصر الأول"

    "إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)" سورة الأنفال.. رؤيا رآها صلى الله عليه وسلم في منامه قبل اللقاء العسكري الأول بين أمة الإسلام وأمة الكفر، كان لها عظيم الأثر في نفوس المسلمين الأوائل: كان فيها المشركون في حالة قلة، ومهدت للنصر!
    الزمان: 17 رمضان العام الثاني للهجرة.
    المكان: أمام آبار بدر بين المدينة المنورة مكة.
    أطراف الصراع: ألف مقاتل من قريش مقابل ثلاثمائة وأربعة عشر مقاتلا من المسلمين.
    الحكاية: بدأت قبل اللقاء العسكري الأول بكثير!
    ظهر الدين الجديد الذي يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له في مكة، ومنذ اللحظة الأولى كذبته قوى الكفر وحاربته باختلاف مسمياتها، ولكن قريشا تصدرت المشهد.. فعذب كفارها المسلمين الأوائل وقتلوا منهم، وشرَّدوهم وصادروا أموالهم، دون أن يستطيع ذلك القضاء على الدين الجديد أو أتباعه، بل ازدادوا قوة وحنكة في التعامل مع الظروف المستجدة.. ثلة منهم هاجروا بدينهم إلى الحبشة، وامتد الدين إلى يثرب، وعقدت وفودها بيعة العقبة من الأوس والخزرج مع نبي الإسلام.. الذي وجد في هجرة المسلمين إلى يثرب منفذاً لإنقاذ هذا الدين قبل أن يلحق بهم مهاجراً برفقة صاحبه الصديق.
    احتوى الأوسُ والخزرجُ المهاجرين الذين تركوا كل شيء خلفهم في مكة، وفروا بأنفسهم ودينهم فقط، فأكرموهم وتقاسموا معهم كل ما يملكون فسُموا بالأنصار. لم تكن قريش العدو الوحيد، بل كان هناك اليهود والأعراب والمنافقون أيضاً الذين ناصبوا الإسلام والمسلمين العداء وكان يجمعهم الرغبة العارمة في القضاء على هذا الدين والتخلص من أهله.
    بعد بدء هجرة المسلمين إلى المدينة، استيقظت قريش على نفسها وتنبهت للخطر الماحق الذي يضيق الخناق على دين آبائها، فحاولت استدراك ما فاتها والتوجه مباشرة إلى قتل الرسول الكريم، من خلال فتيان استقدمتهم من جلّ بطون قبائل مكة ليتفرق دمه بين القبائل فيعجز بنو هاشم عن المطالبة بثأره منهم.. وكما نعرف جميعنا تفاصيل نجاته منهم وخروجه من بينهم حيث بلغ المدينة بعد صعوبات جمة استقبله أهلها استقبالاً حافلاً منشدين: طلع البدر علينا...
    في هذه ظل الأجواء العدائية المنذرة بالخطر، قرر المسلمون بقيادة رسول الله فرض معادلة جديدة على الأرض، وذلك باستهداف القوة الاقتصادية لقريش ومصدر ثرائها، ألم تصادر أموال المسلمين في مكة وتسلبهم كل ما يملكون؟ العين بالعين والسن بالسن، فلماذا لا تكون تجارتها وقوافلها التي كانت تعبر طرق يثرب من وإلى الشام هدفاً لهم؟
    أقبل أبو سفيان بقافلة تجارية كبيرة لقريش محمَّلة بمختلف البضائع التجارية، فصدر قرار الخروج للسيطرة على القافلة.، ولكن أخبار خروج المسلمين بلغت أبو سفيان الذي أنقذ القافلة بتغيير الطريق. ولكن قريش أصرت على اغتنام الفرصة لاستئصال شأفة المسلمين نهائياً، وقررت أنه حان الوقت للقضاء عليهم بالسلاح، أو تأديبهم على أقل تقدير.
    خرج الأنصار والمهاجرون على قلب رجل واحد بقيادة رسول الله تحت راية الإسلام وجعلوا آبار بدر خلفهم، انتظموا في الصفوف تتوقد نفوسهم للقتال الذي بدأ بمبارزة حامية بين قيادات قريش ومهاجرين تمكنوا من قتل المشركين، ليلتحم الجيشان بعدها.
    انتهت المعركة بمقتل نحو سبعين شخصاً من الكفار بينهم قيادات قريشية بارزة، وأسر سبعين آخرين افتدوهم بالمال، أو بتعليم المسلمين القراءة والكتابة، وعفوا عن آخرين فقراء.. أما بقية الجيش فعادت إلى مكة تجر ذيول الهزيمة والخيبة بعد أن ضُربت هيبة قريش وأصيبت في مقتل، وأصبح اقتصادها بأيدي المسلمين.
    انتصر الإسلام وارتفع نجمه في المدينة، وغدا جميع الأعداء يحسبون ألف حساب لهذه الثلة المؤمنة التي قويت شوكتها.
    " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) " سورة آل عمران.

  3. #3
    كاتبة الصورة الرمزية د. زهرة خدرج
    تاريخ التسجيل
    08 2016
    الدولة
    فلسطين
    المشاركات
    1,495

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة



    "فتح مكة.. الطريق من الاستضعاف إلى التمكين

    فتح مكة المكرمة كان الفتح الأعظم، حدث فاصل في تاريخ أمة الإسلام، أعز الله فيه دينه وأذل أعداءه، دخل الناس من أهل مكة على إثره في دين الله أفواجاً، وتغيرت المعادلة السابقة.. فبعد أن خرج المسلمون ونبي الله جماعات متفرقة سراً من مكة مهاجرين إلى المدينة فراراً بدينهم، عادوا إليها أعزة مكرمين، لم تستطع قريش الوقوف في وجوههم، بل سابق سادتها بقية الناس في الاحتماء من جحافل الإسلام التي أقبلت فاتحة في بيوتهم ودار أبي سفيان والمسجد الحرام.. وفُتحت مكة دون أن تُراق فيها الدماء، لتبدأ صفحة جديدة في تاريخ الدولة الإسلامية أصبحت فيها مُهابة الجانب تمتلك زمام أمرها.. فما من شيء يرد اعتبار الشخص وكرامته ويعلي شأنه أكثر من الجهاد وقتال الأعداء، وبذل الروح رخيصة في سبيل الله!
    "واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إليَّ ولولا أن أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ": كانت هذه آخر كلمات رسول الله لمكة وهو يغادرها مهاجراً إلى المدينة أولى معاقل الإسلام بعد أن حورب في مكة.. 8 سنوات غاب فيها الرسول الكريم عن مكة قبل أن يعود إليها فاتحاً.
    الزمان: العاشر من رمضان السنة الثامنة للهجرة.
    المكان: مكة المكرمة.
    أطراف الصراع: 12 ألف جندي من المسلمين.
    السبب: عُقد صلح الحديبية الذي ينظِّم العلاقة بين المسلمين والمشركين لعشر سنوات في السنة السادسة للهجرة، وعلى إثره دخلت قبيلة خزاعة في عهد المسلمين، ودخلت قبيلة بكر في عهد قريش. ولكن قريشا انتهكت الهدنةَ التي كانت بينها وبين المسلمين ونقضت العهد حين أعانت قبيلة بني بكر على قتال خزاعة، وكانت هاتان القبيلتان في حروب مستمرة وبينهم ثارات.
    لما بلغ النبي ما حدث، أمر المسلمين بالاستعداد للخروج إلى مكة، وأوصى بكتمان الأمر لمباغتة قريش.
    أدركت قريش بعد ذلك كارثية ما أقدمت عليه، فسارع زعيمها أبو سفيان إلى المدينة لرتق الخرق وتجديد الصلح مع الرسول، ولكنه وجد أن الفرصة قد فاتت وانتهى الأمر.
    سير الأحداث:
    خرج الرسول لفتح مكة بجيش من المهاجرين والأنصار والقبائل المسلمة حول المدينة قوامه 12 ألف جندي، ووزع الجيش إلى ثلاثة أقسام وأمَّر خالد بن الوليد والزبير بن العوام( حاملاً راية النبي) وأبا عبيدة بن الجراح على الفرق. ووجَّه الرسول أمراءَ الجيش الثلاثة بألا يقاتلوا إلا من قاتلهم. وأمرهم أن يضيئوا المشاعل ليلاً ليرعبوا أهل مكة ويُقعدوهم عن القتال.
    وصلوا مكة، ومرَّت كتائبهم من أمام أبي سفيان، فأدرك عِظم أمر الإسلام ومدى قوته، فثار الرعب في نفسه، وبات واثقاً من خسارة قريش أمامهم.
    دخل المسلمون مكة فاتحين رافعي الرؤوس.. وهم الذين خرجوا منها خفية مضطهدين يفرون بدينهم وأنفسهم.
    لم يجرِ قتال سوى ما كان من بعض رجال عكرمة بن أبي جهل الذين قاتلهم خالد وفرقته، وقُتل أفراد قلائل من الجانبين، وانتهى الأمر بفرار فلولهم إلى بيوتهم للحفاظ على أرواحهم.
    نزل الرسول بمكة وطاف في الكعبة، وأخذ يطعن الأصنام بقوسه فتخر ساقطة على وجوهها، قائلاً: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً"، وأمر بالصور والأنصاب والأزلام فكسرت. وعفا عن أهل مكة بعد أن سألهم: ماذا تظنون أني فاعل بكم؟
    فقالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم!
    فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
    ولما حانت الصلاة أمر بلال بن رباح وهو الذي عُذب في مكة ليترك هذا الدين، أن يصعد فيؤذن من فوق الكعبة.
    وفي اليوم التالي خطب النبي خطبة بيَّن فيها معالم الدين، ثم بايع أهل مكة على السمع والطاعة، وأقام بها 19 يوماً وضح لهم فيها معالم الإسلام وتعاليمه.
    دخلت مكة تحت نفوذ المسلمين، وزال حكم قريش عنها، وأصبح المسلمون قوة عظمى في جزيرة العرب.
    التعديل الأخير تم بواسطة ذكرى صلاح الدين ; 2022-04-08 الساعة 09:40

  4. #4
    مشرف الصورة الرمزية ذكرى صلاح الدين
    تاريخ التسجيل
    03 2010
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    3,504

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة

    موضوع رمضاني رائع ومتجدد يذكرنا بالأمجاد التي سطرها المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده،

    بورك قلمك وجهدك د. زهرة خدرج

    وشكرا للمشرف الكريم أبو القسام RBG1

    لجهده في هذه التصاميم الجميلة.

    نفع الله بكما وتقبل منكما.

    نتابع معكم بشوق لنعرف المزيد

  5. #5
    كاتبة الصورة الرمزية د. زهرة خدرج
    تاريخ التسجيل
    08 2016
    الدولة
    فلسطين
    المشاركات
    1,495

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة

    "حروب الردة: انشقاق خطير تصدى له أبو بكر الصديق بحزم شديد"

    " من كان يعبد محمَّداً؛ فإِنَّ محمَّداً قد مات، ومن كان يعبد الله؛ فإِنَّ الله حيٌّ لا يموت"أبو بكر الصديق

    توفي رسول الله في 12 ربيع الأوَّل 11هـ، وفي اليوم ذاته بويع أبو بكر الصدِّيق بالخِلافة ليحافظ على الدولة الإسلامية الناشئة التي كونها الرسول ورعاها ليتولى شؤونها. ولكنَّ جماعات وقبائل شرعت تعاجل بالارتداد عن الإسلام، بعد أن وجدوا بينهم منْ يدعي النبوة ويحرضهم، فارتد بنو أسد بقيادة طليحة بن خويلد الذي ادَّعى النبوَّة، وبنو فزارة بقيادة عيينة بن حصن، وبنو عامر وغطفان بقيادة قرَّة بن سلمة القشيري، وبنو سُلَيْم بقيادة الأشعث بن قيس الكِندي، وبنو بكر بن وائل في البحرين بقيادة الحكم بن زيد، وبنو حنيفة بقيادة مسيلمة الكذاب الذي ادَّعى النبوَّة أيضاً، بينما حافظت قريش وثقيف وأهل المدينة على ولائهم للإسلام وخليفة المسلمين.
    ظنت تلك القبائل المرتدَّة أن ولاءهم كان لشخص رسول الله، وبالتالي فإنه لم يعد من مبرر يرغمهم على دفع الزكاة لأحد بعد وفاة الرسول، وإلا فستكون هذه الإهانة بعينها! ناهيك عن أن بعض القبائل رفضت الخضوع لحكم أبي بكر الصديق لاعتقادهم بأنهم أولى بالحكم منه لأسباب قبلية شتى تغذيها العصبية القبلية.
    رفض أبو بكر نهائياً تراجع الأعراب عن دفع الزكاة وأطلق مقولته المشهورة:" والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه".. وصدر القرار الصارم بالتصدِّي للحركات الارتداديَّة بالقوَّة والحزم خاصَّةً بعد ورود أنباءٍ عن عزم القبائل المرتدَّة في شنِّ هجومٍ واسعٍ على المدينة وتدمير القاعدة المركزيَّة للدين الإسلامي.
    أرسل أبو بكر جيش أسامة الذي أمر به رسول الله قبل وفاته في الوقت ذاته لقتال الروم على الطريق التجاري بين مكَّة وغزَّة، الأمر الذي أخلى المدينة من غالبية المدافعين عنها، فتشجع بعض المرتدين منهم عبس وذبيان على مهاجمة المدينة. فعسكروا حولها، وأرسلوا وفداً يساوم أبا بكر على ألا يدفعوا الزكاة ولكن أبا بكر تصلب في موقفه، فشنَّ المحاصرون هجوما ليلياً بعد ثلاثة أيام، لم يحقِّقوا فيه نصراً بالرغم من قلَّة المدافعين.
    عاد جيش أسامة من الغزو بعد أربعين يوماً محملاً بالغنائم، ومضى أبو بكر يجهز جيشاً لمحاربة المرتدِّين، فعبَّأ المسلمين وجهَّز أحد عشر لواءً جعلها تتلاءم في عددها وإماراتها ووجهتها مع قوَّة القبائل الموجَّهة إليها ومدى خطورة ردَّتها. فكانت حصة الجنوب ثمانية ألوية لتركُز غالبيَّة المرتدِّين والمتنبِّئين فيه يقودها القادة: خالد بن الوليد، عكرمة بن أبي جهل، شرحبيل بن حسنة، المهاجر بن أبي أميَّة المخزومي، سويد بن مقرِّن رضي الله عنه إلى تهامة اليمن، العلاء بن الحضرمي، حذيفة بن محصن الغلفاني، عرفجة بن هرثمة.
    وثلاثة للشمال يقودها: عمرو بن العاص، معن بن حاجز السلمي، خالد بن سعيد بن العاص، حليف نوفل بن عبد مناف.
    وأبقى قوَّة عسكريَّة من الأنصار لحماية المدينة.
    أطلق الألوية الإسلاميَّة كلٌّ إلى وجهته المحدَّدة، وزوَّد قادتها بكتابٍ ذي مضمونٍ واحدٍ إلى جميع العرب، يوضح سياسته وأسلوبه في التعامل مع هذه الفتنة، وشرعت الألوية تقاتل، وما إن ينتهي لواء ويحقق ما خرج من أجله حتى ينضم للواء آخر يساعده في حربه على المرتدين، حتى تم تطهير الجزيرة العربية من حركات الردَّة والمرتدِّين.
    انتصرت الجيوش الإسلامية رغم قلة عددها مقارنة بأعداد المرتدين، وقُتل قادة الردَّة ومُدَّعو النبوة، وقُتل أيضاً منْ أصروا على ردَّتهم وكفرهم، وعاد كثير من المرتدين إلى ربقة الإسلام، وتوحَّدت شبه الجزيرة العربية تحت راية الإسلام، تحكمها المدينة، عاصمتها الوحيدة، وتجهزت جزيرة العرب لتكون قاعدة للفتوح الإسلامية التي حولت العرب والمسلمين من حروبهم الداخلية إلى نشر ديانتهم وتوسيع دولتهم خارج الجزيرة العربية.

    وكان جمع القرآن إحدى النتائج غير المباشرة بعد موت معظم حفظة القرآن في حروب الردة.








  6. #6
    مشرف الصورة الرمزية ذكرى صلاح الدين
    تاريخ التسجيل
    03 2010
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    3,504

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة


    "ملحمة اليرموك: هل حمل خالد آنذاك سيفاً من السماء؟"
    بقلم: د. زهرة خدرج


    "والله لأشغلن النصارى عن وساوس الشيطان بخالد بن الوليد" أبو بكر الصديق.

    معركة محفورة في تاريخنا بماء الذهب، وفي أعمق أعماق ذاكرتنا.. من أهم المعارك التي خاضتها الدولة الإسلامية؛ فهي بداية المدّ للفتوحات الإسلامية وانتصارات المسلمين خارج جزيرة العرب، وطريق تقدم الإسلام في بلاد الشام والعراق.

    كانت بلاد الشام تخضع للدولة البيزنطية (الروم) حين سير أبو بكر الصديق أربعة جيوش لفتحها ونشر الإسلام فيها ليتشتت الروم بأعدادهم الضخمة بين الجيوش المسلمة؛ فيسهل الانتصار عليهم، وقد جرت معارك كثيرة وتكبدوا فعلاً خسائر ضخمة في معاركهم مع المسلمين، فقرر هرقل حشد جيوشه من أرجاء الدولة البيزنطية لوقف المد الإسلامي المتعاظم في أراضي الشام.. وشرع يجمع جنده في حوض اليرموك!

    أصدر أبو بكر أوامره لخالد بن الوليد بأن يترك العراق وينضم لجيش الشام ويتسلم القيادة من أبي عبيدة بن الجراح.

    المكان: وادي اليرموك، النهر الذي ينبع من جبال حوران جنوب سوريا، ويصب في نهر الأردن جنوب بحيرة الحولة.

    عسكر جيش الروم في وادٍ سحيق تحيطه جبال شاهقة من جهات ثلاث، والجهة الرابعة يغلقها جريان نهر اليرموك فأصبحوا وكأنهم داخل خندق. أما المسلمون فضربوا معسكرهم في وادٍ مستوٍ على الطريق المفتوح لجيش الروم إلى يمين نهر اليرموك، وبذلك حاصروهم وأغلقوا الطريق أمامهم، فلم يعد لهم طريق يسلكونه إذا اضطروا للفرار!

    الزمان: بعد وفاة الرسول، سنة 13ه.

    أطراف الصراع: المسلمون بقيادة خالد بن الوليد في 36-40 ألف مقاتل، والروم بأعداد ضخمة وصلت إلى 240 ألف مقاتل تقريباً بقيادة باهان.

    قَسَّم خالد بن الوليد الجيش الإسلامي إلى (36-40) كردوساً، كل كردوس فيه 1000 مقاتل، قسمها إلى قلب وميمنة وميسرة وجعل على كل منها أميراً، أبو عبيدة عامر بن الجراح يقود كراديس القلب، عمرو بن العاص يقود كراديس الميمنة، يزيد بن أبي سفيان يقود كراديس الميسرة، حتى إذا شوهد جيش المسلمين من بعيد، ظنَّ الناظر أن أعدادهم أضعاف عددهم الحقيقي.. وجعل النساء في الخلف مسلحات بسيوفهن، وأصدر لهنَّ أوامره أن يقتلن من يحاول الفرار من أرض المعركة من المسلمين، بعد أن داخله شك في حديثي العهد بالإسلام أنه قد يصيبهم الرعب من أعداد الروم الضخمة فيولون الفرار!

    قرأ المسلمون الأنفال وآيات الجهاد، وبرغم عددهم القليل شدُّوا على الروم جنداً وقادة شدَّة رجل واحد.. كرٌّ وفرٌّ بجرأة منقطعة النظير وشجاعة نادرة استمدوها من إيمانهم بالله وثقتهم المطلقة بنصره، فالنصر يأتي من الإيمان بالمعتقد وليس من العدة والعتاد والعدد!!

    كثيرون من صحابة رسول الله بايعوا على الموت فقاتلوا ببسالة عجيبة حتى قُتلوا ومن عاد منهم كان مثخناً بجراح عميقة، وأصاب جيش الروم اضطرابٌ ورعبٌ، ويقال إن جند الروم سلسلوا أنفسهم الخمسة والستة في سلسلة واحدة لئلا يفروا، فلما هُزموا كان الواحد منهم يقع في نهر اليرموك فيجذب من معه في السلسلة حتى ردموا الوادي واستووا بحافتيه، وخلق كثير منهم داستهم الخيول وهلكوا.

    أسلم خلال المعركة جرجة أحد قادة الجيش البيزنطي بعد أن خرج لمبارزة خالد وسأل خالد حين رأى من شجاعته وذكائه العسكري ما لا يصُدق: هل تُقاتل بسيف من السماء؟

    قُتل عشرات الآلاف من الروم، وأُسر الآلاف، قرر قيصر الروم هرقل أن يهرب نحو القسطنطينية، عاصمة البيزنطيين، وكان يعرف أن المسلمين على الحق، فإذا فتحوا أرض الشام وحرروها من براثنه فلن تعود إلى سلطانه أبداً، ولكنه الصلف والتكبر والضَّنُّ بالملك وحب الذات ما منعه من الهداية!

    توفي أبو بكر الصديق والمعركة على أشُدها في حوض اليرموك، فأرسل عمر بن الخطاب الذي بويع على الخلافة كتاباً يعزل خالد عن قيادة الجيوش، ولكن خالدًا أخفى الخبر حتى ضمن نصر المسلمين ثم انضم جندياً بعدها تحت قيادة أبي عبيدة بن الجراح.. فنصر الإسلام هو الهدف وليس تحقيق المكاسب الشخصية.



  7. #7
    كاتبة الصورة الرمزية د. زهرة خدرج
    تاريخ التسجيل
    08 2016
    الدولة
    فلسطين
    المشاركات
    1,495

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة

    "القادسية: إنهاء سيطرة الفرس على العراق"

    "والله لأضربنَّ ملوك العجم بملوك العرب" عمر بن الخطاب.

    لم تكن القادسية أول اللقاءات الحربية الضخمة بين المسلمين والإمبراطورية الساسانية( الفرس). ولكنها كانت من أهم الوقائع بينهما، والتي غيرت من خريطة الأرض ومجرى التاريخ ومراكز القوى. رغم أن الفرس استخدموا فيها الفيَلة التي تُرعب البشر وتُفزع الخيول والإبل، التي لم تتعوَّد على رؤيتها.
    الزمان: عام 15هـ.
    المكان: منطقة القادسية في العراق.
    أطراف الصراع: المسلمون بقيادة سعد بن أبي وقاص في أكثر من ثلاثين ألف مقاتل، والامبراطورية الفارسية بقيادة رستم ومعه أكثر من مائة وعشرين ألفاً يرافقهم ثلاثة وثلاثون فيلاً.
    مجريات الأحداث:
    هُزم الفرس في العديد من المعارك في العراق وآخرها البويب هزيمة نكراء، ولكنهم استمروا في السيطرة على البلاد سياسياً وعسكرياً، فتطلَّع المسلمون إلى لقاء عسكري فاصل يُنهي وجودهم في العراق وينشر الإسلام فيها.
    نُصِّب يزدجرد بن كسرى مَلكًا على بلاد فارس ليعيد للفرس هيبتهم التي داسها المسلمون بعد هزائمهم المتلاحقة أمامهم، وكانت انتصارات المسلمين السابقة قد أضعفت الفرس وأخافتهم رغم تظاهرهم بالجلد، كما أنقصت جيوشهم بشكل لافت. تسابق القادة والرؤساء في طاعة يزدجرد، واجتمع الجند تحت رايته للحفاظ على الإمبراطورية الفارسية والقضاء على المدِّ الإسلامي المؤرق!
    في سنة 14هـ، ولَّى عمر بن الخطاب قيادة جيش العراق إلى سعد بن أبي وقاص وسيَّره في أربعة آلاف مجاهد لقتال الفرس، وأرسل إلى المثنَّى لينضمَّ إليه، وحشد الخطاب لهذه المعركة كل طاقات المسلمين حتى أنه سمح لأهل الردَّة الذين تابوا بالمشاركة في هذه المعركة، بعد أن مُنعوا من المشاركة في الفتوحات سابقاً.. حتى أصبح المدد يأتي سعداً من كل حدب وصوب.
    عسكر جيش المسلمين بالقرب من القادسيّة في العراق، وانتظروا ما يقارب شهراً دون أن يُطل جيش الفرس حتى ظنَّ المسلمون أنه لن يكون هناك قتال، حتى أطل جيش الفرس من نهر العتيق( أحد فروع الفرات) وعسكروا قبالة المسلمين على حافة النهر.
    وكان سعد بن أبي وقاص قد مرض مرضاً شديداً فلم يعد يقوى على المشي أو الجلوس، فاتخذ من أعلى قمة قصر قديس مكانًا للقيادة، ونام على صدره ووضع وسادة تحته، وبدأ بإدارة المعركة عبر رسائل يرسلها لخالد بن عرفطة الذي أمَّره على الجيوش.
    في يوم المعركة وقبل التحام الجيوش، صلى خالد بن عرفطة بالناس صلاة الحرب، وتعجب رستم قائلاً: عجيب أمر هؤلاء الناس، حتى وَهُمْ في ميدان المعركة حريصون على الصلاة! وأَمر سعد القرَّاء بقراءة سورة الأنفال، وخطب في الناس من أعلى القصر. وكبَّر سعد بن أبي وقاص تكبيرات مجلجلة إيذاناً لبدء المعركة، اهتزت قلوب الفرس لها، تبعها مبارزات حامية الوطيس، كتب الله بها النصر لفرسان المسلمين، وثبتهم الله وربط على قلوبهم، وألقى الرعب في قلوب الفرس.
    استمرت المعارك لأربعة أيام شاركت فيها الفيلة وقاتل المسلمون قتال الأبطال رغم قسوة المعركة وشراستها وضخامة عدد جيش الفرس، وثبتوا بشق الأنفس حتى مالت كفة المعركة إلى جهتهم. وفي آخر يوم وقبل انتهاء القتال، في وقتُ الزوال هبَّتْ رِيح شديدة، قلعت خيمة رستم وألقت بها في النهر، وتقدَّم القعقاع ومَن معه حتى وصلوا سرير رستم، فهرب منهم ورمى نفسه في نهر العتيق، ولحق به هلال بن علقمة وسحبَه وقتله، وصرخ صرخته المشهورة: قتلتُ رُستُمَ وربِّ الكعبة.
    انسحب الفرس نحو النهر ولحق بهم المسلمون بالرماح والنَّبل، وقتلوا قادة الجند وشتتوا فلولهم.
    انتهتْ المعركة بعدَ قتال شديد، دام أربعةَ أيام وثلاثَ ليال بنصرٍ حاسم للمسلمين، ترتَّب عليه نتائج مهمَّة على مجريات الأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة، وعلى سَيْر الدعوة الإسلامية فيها.

  8. #8
    مشرف الصورة الرمزية ذكرى صلاح الدين
    تاريخ التسجيل
    03 2010
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    3,504

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة

    معارك مهمة حقا تشهد على بطولات وتضحيات المسلمين، لتكون الغلبة لهذا الدين. يوركت دكتورة زهرة
    التعديل الأخير تم بواسطة ذكرى صلاح الدين ; 2022-05-02 الساعة 18:27

  9. #9
    كاتبة الصورة الرمزية د. زهرة خدرج
    تاريخ التسجيل
    08 2016
    الدولة
    فلسطين
    المشاركات
    1,495

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة



    "ذات الصواري: وما النصر إلا صبر ساعة"


    لم يعرف العرب إلا الصحراء.. بحور من الرمل تمتد في الأفق اللامتناهي.. حتى أن معاوية بن أبي سفيان لما عرض على عمر بن الخطاب خليفة رسول الله أن يركب المسلمون البحر للغزو، سأل عمر وما البحر؟ فلما علم ما هو، رفض رفضاً قاطعاً.. خوفاً على من يركبه من المسلمين، فتأجل الأمر حتى خلافة عثمان بن عفان الذي أمر بإنشاء الأسطول الإسلامي الذي انطلق فيه المسلمون يكملون فتوحاتهم حتى بلغوا جزيرة قبرص.. الأمر الذي أثار مخاوف الروم من أن يفتح المسلمون عاصمتهم القسطنطينية يوماً.
    فجمع الروم من السفن ما لم يجمعوه من قبل، وأبحروا بها لملاقاة المسلمين واحتلال الإسكندرية، كبرى موانئ البحر المتوسط، فخرج إليهم الأسطول الإسلامي في المعركة البحرية الأولى لهم، والتي كانت نقطة تحول كبرى في تاريخ الدولة الإسلامية ودورها الحضاري والقيادي في العالم... انتصر فيها الأسطول الإسلامي على الروم رغم حداثة عهدهم بالحروب البحرية!
    الزمان: عام 35هـ.
    المكان: البحر المتوسط بين سواحل مصر والأناضول.
    أطراف الصراع: المسلمين بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي سرح والي مصر في 200 سفينة فقط، والروم بقيادة قسطنطين بن هرقل ملك الروم فيما يزيد عن 1000 سفينة.
    أقضَّ نشاط المسلمين البحري مضاجع الروم، خاصة بعد أن أصبحت المناطق الساحلية التي يسيطر عليها الروم في مرمى الخطر بعد سيطرة الأسطول الإسلامي على سواحل المتوسط من رودس اليونانية حتَّى برقة.. فقرر قسطنطين بن هرقل أن يجمع أسطولاً بحرياً هائلاً لقتال المسلمين، فيحافظ على مُلكه، ويسترد هيبته التي كسرها المسلمون، وتبقى لهم السَّيطرة في المتوسِّط.. وقد غلب لديه الظن أنَّ المواجهة ستكون مضمونة النَّتائج، أمام مسلمين لا يجيدون نزال البحر ومقارعة الأمواج.
    أشار أمير المؤمنين عثمان بن عفان ببدء الاستعداد لصدِّ عدوان الروم البحري المنتظر..
    بدأت الاستعدادات بأن أرسل معاوية بن أبي سفيان والي الشام مراكب الشَّام بقيادة بُسْر بن أرطاة لينضم إلى مراكب مصر بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي السَّرح. فاجتمع في جيش المسلمين أشجع المجاهدين ممَّن شاركوا في قتال الروم وهزيمتهم، وسقطت هيبتهم من نفوسهم في صولات وجولات سابقة.
    انطلق المسلمون إلى عمق المياه، لرفع دين الله، وكسر شوكة الرُّوم المتغطرسين بقلوب مؤمنة بنصر الله.
    التقى الجيشان وكانت الريح لصالح مراكب الروم، فعمد المسلمون إلى المرفأ فرسوا ساعة، ورسا الروم بقربهم.. فعرض المسلمون على الروم أن ينزلوا إلى الساحل ويقتتلوا حتى ينتصر أحدهما، ولكن الروم قالوا: بل الماء، الماء، الماء! وذلك لثقتهم بخبرتهم البحريَّة، وأملهم في النَّصر بسبب تفوقهم على المسلمين في فنون البحر.
    انقضى اليوم الأول وموقف المسلمين حرج للغاية، حتى طلب قائدهم المشورة فأشاروا عليه.. وباتوا ليلتهم في عرض البحر يصلُّون ويتضرعون لله لهم دوي يشبه دوي النحل يختلط بصوت تلاطم الأمواج تضرب المراكب. أمَّا الرُّوم؛ فباتوا يدقون النَّواقيس في سفنهم.
    أصبح القوم، وأراد قسطنطين أن يسارع للقتال، وكان عبد الله بن أبي السرح قد اتفق مع مستشاريه وقادة جنده على أن يجعلوا المعركة برِّيَّة في عرض البحر بأن ينزل الفدائيون المسلمون إلى الماء فيربطون سفنهم بسفن الأعداء بحبالٍ متينة، كل عشرة أو عشرين منها متَّصلةٌ مع بعضها، وكأنها قطعة أرض ستجري عليها المعركة.
    انطلق الروم يقاتلون بشراسة يظنون أنهم منتصرون.. وحذا المسلمون حذوهم، فسالت الدماء غزيرة اصطبغت بها مياه البحر وغدت حمراء قانية. وتساقطت الجثث من الطرفين في الماء.
    صمد المسلمون رغم قسوة المعركة، وثبتوا وصبروا، فكتب الله لهم النَّصر ..
    وانهزمت فلول أسطول الروم، وتمكن ملكهم قسطنطين من الفرار يجر ذيول الخيبة والهزيمة، بجراح تملأ جسده، وحسرة تأكل فؤاده.
    انتصر المسلمون وتفوَّقت العقيدة الصَّحيحة على الخبرة البحرية العسكريَّة العريقة بإذن الله، وانتهى اسم بحر الروم إلى الأبد وأصبح منذئذ بحر الشام.

  10. #10
    كاتبة الصورة الرمزية د. زهرة خدرج
    تاريخ التسجيل
    08 2016
    الدولة
    فلسطين
    المشاركات
    1,495

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة

    فتح الأندلس: هكذا تُشيَّد الأمجاد، ولكن أتضيع يوماً؟



    «أيها الناس؛ أين المفرُّ؟! والبحر من ورائكم والعدوُّ أمامكم، فليس لكم والله إلاَّ الصدق والصبر، ولا أقوات لكم إلاَّ ما تستخلصونه من أيدي أعدائكم..." طارق بن زياد.
    ما إن أبدأ بتذكر الأندلس وحضارتها حتى تجيش مشاعري وتعاجلني دموعي، رغم أني أكتب الآن عن الفتح الذي سبق رقياً وحضارة تسامقت لما يزيد عن 800 عام. ولكن فقدانها بطريقة بشعة مذلَّة وما رافقه من مجازر بحق المسلمين لا تزال تُعتبر من أسوأ المجازر في التاريخ البشري على الإطلاق، يبقى حاضراً في ذهني لا يفارقني.. لدرجة أصبح فيها اسم الأندلس مقروناً بمنسوب عالي من ألم لا يوصف في القلب وحرقة تذيب النفس وتؤرِّقها!
    موقعة وادي برباط، من الوقائع التي لم يسمع بها كثيرون، رغم كونها بالغة الأهمية في التاريخ الإسلامي، وقد يبقها فتح فارس والروم، والسيطرة على مناطقهم وعواصمهم، لينتقل المسلمون بعدها لفتح شبه جزيرة أيبيريا التي أطلقوا عليها اسم الأندلس لاحقاً، وتغيير واقعها ومستقبلها. فما الذي دفع المسلمين ليحققوا تلك الانتصارات في هذا الزمن القصير (92 عاماً) ويصلوا إلى الأندلس؟
    - إنها العقيدة والإيمان بالفكرة التي تدفع أصحابها لاستصغار الموت وتذليل الصعاب في سبيلها.. أضف إلى ذلك الإعداد العقائدي والعقلي والبدني للمحاربين، والمعرفة الدقيقة بالخصم وإمكانياته وقدراته.
    في عهد الدولة الأموية، فتح المسلمون بلاد المغرب بقيادة موسى بن نصير، وكان يحكمها البيزنطيون، ما عدا مدينة سبتة في الجهة المقابلة للمغرب. وكان هذا الفتح مقدمة لفتح الأندلس، فقد أصبحت السواحل المغربية معرضة لهجمات الروم بهدف استعادة السيطرة عليها، ومعرضة أيضاً لهجمات القوط الإسبان لحمايتها من خطر غزو المسلمين، ومحاولة فتحها، فكان لا بد من تأمين هذه المناطق التي أصبحت جزءاً من الدولة الإسلامية.
    أمَّر بن نصير القائد البربري المسلم الشجاع طارق بن زياد قائداً على الجيش، وأوكله بمحاولة فتح سبته، وكان يحكم سبتة القائد الروماني يوليان، الذي يمدُّه ويدعمه ملك القوط الإسباني" غيطشه"، ولكن هجمات طارق المتكررة أجبرت يوليان على الصلح مع المسلمين.
    وفي سنة 90ه توفي غيطشه ملك القوط، فاستولى أحد كبار قادته العسكريين "لذريق" على حكم إسبانيا وكانت عاصمتها طُليطلة. فشتَّت لذريق شمل ورثة غيطشه، واغتصب ابنة يوليان حاكم سبتة التي كانت تتأدب بآداب الملوك في طُليطلة كما جرت عادتهم. غضب يوليان وأراد الانتقام من لذريق بالتعاون مع المسلمين وتحريضهم على فتح إسبانيا النصرانية.
    في البداية أرسل موسى بن نصير سرية صغيرة تدرس طبيعة الأندلس وتختبر إمكانية فتحها، ثم أرسل فرقة من الجيش قوامها 500 جندي عبرت الأندلس، وشنت غارات على الساحل وغنمت الكثير وعادت لقواعدها بسلام. ما دفع موسى بن نصير لأن يجهز جيشاً لغزو الأندلس، قوامه سبعة آلاف مقاتل من الشجعان بقيادة طارق بن زياد، عبر بهم في أربع سفن، وتجمعوا عند جبل سُمي بعد ذلك باسمه، وتوغل يفتح مدن الأندلس ويقترب من طليطلة.
    وصلت أخبار تقدم المسلمين إلى لذريق الذي ظنَّ أنها عملية إغارة لبربر هربوا من قيظ الصحراء وجدبها، ليسلبوا وينهبوا! فأرسل لهم فرقة جيش صغيرة، هُزمت وقُتل جنودها وعاد رجل منها للذريق بالأخبار. فسار بنفسه يقود جيشاً قوامه 100,000 مقاتل ومعه مئة عربة محملة بالحبال والقيود ليقيد الجيش الاسلامي لتجرؤهم عليه!
    وكان طارق بن زياد قد عسكر بجيشه عند نهر برباط قُرب منطقة شذونة بعد أن تحسس أخبار لذريق، وطلب المدد من موسى بن نصير فأمدَّه بخمسة آلاف، ليصبح تحت إمرته نحو 12,000مقاتل.
    وفي 28 رمضان 92 هـ التقى الجيشان في ملحمة كبرى استمرت لثمانية أيام متواصلة، انتهت بهزيمة ساحقة للذريق الذي فر وبقية جيشه، ولم يعثر له على أثر، واستشهد 3000 مسلم.
    وأصبح الطريق مفتوحاً لباقي المدن.. ففتح المسلمون استجة وقرطبة ورية ومالقة وغرناطة وإشبيلية وشذونة ومدوّرة وقرمونة واستمر الفتح حتى العاصمة طليطلة. وكان موسى بن نصير قد انضم لطارق بن زياد يكمل الفتح الإسلامي ووصل حتى الحدود الجنوبية مع فرنسا، عينه ترنو إلى فتح أوروبا كاملة، حين أتاه أمر الخليفة الوليد بن عبد الملك بالتوقف والعودة لخشيته على المسلمين في هذه البلاد المجهولة.








  11. #11
    كاتبة الصورة الرمزية د. زهرة خدرج
    تاريخ التسجيل
    08 2016
    الدولة
    فلسطين
    المشاركات
    1,495

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة



    " بلاط الشهداء: إسدال الستار على الحلم الأخَّاذ"

    كتب الخليفة عثمان بن عفَّان في وصيته: "إن القسطنطينية تفتح من قِبَل الأندلس، وإنكم إن فتحتم ما أنتم بسبيله؛ فأنتم شركاء لمن يفتح القسطنطينية في الأجر".

    كان هدف الفتوح الإسلامية في شمال إفريقيا، الوصول إلى الضفة المقابلة.. إلى أوروبا؛ لتمهِّد الطريق إلى القسطنطينية! فوصلت إلى الأندلس ودخلت فرنسا لتتوغل عبرها إلى أوروبا، لكن ذلك الحلم تبدد قطعياً بهزيمة المسلمين في معركة بلاط الشهداء!
    موقعة بواتييه أو بلاط الشهداء.. سميت كذلك لكثرة الشهداء.. اندلع القتال بين الجيشين لمدة تسعة أيام لا غالب ولا مغلوب. وفى اليوم العاشر نشبت معركة هائلة، حتى بدأ الإعياء على الفرنجة ولاحت تباشير النصر للمسلمين، ولكن حدث أن التفت فرقة من فرسان العدو إلى الخلف حيث معسكر الغنائم! فاضطربت الصفوف، وانفتحت ثغرة نفد منها الفرنجة.
    الزمان: عام 114هـ.
    المكان: منطقة تسمى البلاط (فيها قصر قديم مهجور) بين مدينة بواتييه ومدينة تور في فرنسا.
    أطراف الصراع: خمسون ألفا من المسلمين تحت قيادة عبد الرحمن الغافقي والي الأندلس، مقابل أربعمائة ألف من الفرنجة ما بين محاربين ومرتزقة وهمج وأمراء وعامة وعبيد بقيادة شارل مارتل أحد القادة العسكريين للفرنجة.
    بقيت عيون المسلمين ترنو صوب العمق الأوروبي بعد فتح الأندلس، وعندما تولى عمر بن العزيز الخلافة واختار السمح الخولاني لولاية الأندلس، تجددت في عهده الفتوحات بصورة منظَّمة وجدية إلى ما وراء جبال البرت، الفاصلة بين إسبانيا وفرنسا، بعد أن توقفت حوالي 7 سنوات، بعد فتح الأندلس.
    فتح الخولاني مقاطعة سبتمانيا جنوب شرق فرنسا، بمدنها السبع الكبرى، وجعلها ثغراً أقام عليها حاكماً مسلماً، وقاعدة عسكرية لمواصلة الفتوحات، ولكنه استشهد في معركة تولوز بطرسونة التي سقط فيها شهداء كثر فتسلم قيادة الجيش عبد الرحمن الغافقي، الذي جمع شتات الجيش، وقاد عملية انسحاب بارعة إلى القاعدة الإسلامية المنيعة في سبتمانيا، ومنها عاد إلى الأندلس.
    لم تكسر تلك الهزيمة القاسية شوكة المسلمين، بل مهَّدت لما بعدها من حملات.
    وبعد استشهاد الخولاني شهدت الأندلس موجات فتنة وتمرد، لم يستطع أي إمساك زمام الأمور فيها إلا عبد الرحمن الغافقي عام 112ه، الذي وليَّ فيها ووحَّد الناس تحت راية واحدة، وجمعهم في جيش كبير وانطلق بهم إلى فرنسا ليستكمل الفتوح، لعل القسطنطينية تكون المحطة التالي.. انطلق الغافقي في البداية يقوي الثغور ويقضي على الثورات فيها ويحصنها، ودخل مناطق في أقصى غرب فرنسا لم يدخلها السابقون، فاتحاً المدينة تلو الأخرى. حتى وصل إلى أقطانية وفتحها فهرب دوقها مستنجداً بشارل مارتل الذي جمع جيشاً كبيراً لمواجهة المسلمين وحماية النصرانية.
    وكان مكمن الخطر في قلوب جيش عبد الرحمن الغافقي يحمل نذير الهزيمة وبذور الهوان! إنها القلوب المعلقة بالدنيا، المفتونة بالغنائم الضخمة التي غنموها في طريقهم.. لدرجة نادى فيها البعض بالعودة إلى الأندلس لتأمين هذه الغنائم حتى لا يأخذها الفرنسيون.. كما تجددت العصبيات بين العرب والبربر، بسبب الغنائم الكثيرة التي لم توزع!
    ولكن عبد الرحمن الغافقي جمع الناس قائلاً: ما جئنا لأجل هذه الغنائم، ما جئنا إلا لتعليم هؤلاء الناس هذا الدين، ولتعبيد العباد لرب العباد.
    استدرج شارل مارتل جيش المسلمين المتحصنين في تور إلى سهل غرب نهر اللوار، وتقدم شارل بقواته ونزل في مواجهة جيش الغافقي استعداداً للمعركة. اندلعت مواجهات شرسة استمرت قرابة 9 أيام شهدت خلالها موجات مد وجذر بين الجيشين، غير أنها لم تسفر عن انتصار ساحق لأي من الطرفين، وبينما كان يمني المسلمون أنفسهم بالنصر في اليوم العاشر، إذ اخترقت فرقة من فرسان جيش مارتل صفوف المسلمين. وقسمت الجيش إلى قسمين ووصلت موضع الغنائم!
    أُصيب جيش الغافقي بالارتباك، وفشل في إعادة تنظيم صفوفه، وكان لذلك أسوأ الأثر في نفوس الجنود الذين اشتد بينهم الخوف والفزع. حاول الغافقى أن يعيد النظام ويرد الحماس إلى نفوس الجيش، لكنه سقط شهيداً، وانسحب جيشه نحو سبتمانيا لينتصر جيش الفرنجة ويلوذوا بالغنائم المبعثرة دون جند!
    وأُسدل ستار حلم دخول قارة أوروبا في الإسلام!
    التعديل الأخير تم بواسطة ذكرى صلاح الدين ; 2022-04-20 الساعة 11:41

  12. #12
    كاتبة الصورة الرمزية د. زهرة خدرج
    تاريخ التسجيل
    08 2016
    الدولة
    فلسطين
    المشاركات
    1,495

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة



    ملاذكرد: نصر المحاربين الشجعان


    "إنني أقاتل محتسباً صابراً. فإن سلِمت فنعمة من الله عز وجل وإن كانت الشهادة فهذا كفني .. وأكملوا معركتكم تحت قيادة ابني ملكشاه" - ألب أرسلان.

    ألب أرسلان.. الأسد الشجاع، الذي نظَّم جيوش المسلمين وقادهم ليهزموا الروم البيزنطيين هزيمة مادية ومعنوية مزلزلة حين أسروا الإمبراطور البيزنطي رومانوس الرابع.. لم يكن من نصيبه مرافقة رسولنا الكريم في بدر الكبرى، أو مرافقة خالد في اليرموك، أو سعد في القادسية، ولكنه صنع لأمة الإسلام تاريخاً ماجداً في ملاذكرد، وأوقف الخطر البيزنطي عن بلاد الإسلام، وعبَّد العباد لرب العباد في مناطق الأناضول..

    الزمان: شهر رمضان عام 463هـ.

    المكان: ملاذكرد( ملازغرد حالياً في محافظة موش في تركيا).

    أطراف الصراع: ما يقارب 50 ألف جندي بقيادة السلطان محمد ألب أرسلان، مقابل أكثر من 300 ألف جندي بيزنطي بقيادة الإمبراطور رومانوس.

    استطاع طغرل بك التركي أن يسيطر على مقاليد الخلافة العباسية ويتقرب من الخليفة، بعد أن أطاح بعرش البويهيين الشيعة الذين تعاظم خطرهم على الخلافة في بغداد، وبعد وفاته استطاع ألب أرسلان أن يرتقي إلى حكم الدولة السلجوقية التابعة للخلافة العباسية، حيث حافظ عليها من خطر الفاطميين الشيعة في مصر والشام شرقاً، والبيزنطيين في الأناضول شمالاً، وكانت عاصمة السلاجقة مدينة الريّ في إيران.

    قضى ألب أرسلان على القلاقل الداخلية، ثم خرج بجيشه مجاهداً لاستعادة حلب الواقعة على حدود الإمبراطورية البيزنطية من الفاطميين، وفي طريقه سيطر على ديار بكر أيضاً، الأمر الذي أقضَّ مضاجع الإمبراطور البيزنطي رومانوس ديوجينيس.. فسيطرة السلاجقة على حلب يُعدُّ أمراً خطيراً سيجرُّ الويلات، فهم لن يتوقفوا عن الزحف تجاه الأناضول! لذا لا بدَّ من مواجهتهم.

    خرج رومانوس على رأس جيش ضخم، للقضاء على دولة السلاجقة بقصد إنهاء وجودها في إيران وشرق الأناضول ثم الانتقال إلى عاصمة الخلافة الإسلامية، بغداد للتخلص من هذا الخطر المتصاعد.. وصل البيزنطيون منطقة ملاذكرد وسيطروا عليها، وقسَّم الإمبراطور جيوشه لعدَّة أقسام، وحدث أن نشبت معركة بين جيش ألب أرسلان وأحد أقسام جيوش الروم، هزمهم المسلمون هزيمة نكراء!

    أراد ألب أرسلان أن يستثمر هذا النصر لإنهاء القتال عند هذا الحد، فأرسل يطلب من رومانوس الصلح والتوصُّل إلى اتفاقٍ سلميّ، فرفض بغرور قائلا: "لا هدنة إلا في الريِّ" (أي أنني لن أهزمك فقط، بل سأسيطر على عاصمتك أيضاً)!
    فما كان من ألب أرسلان إلا أن لبس كفنه وتحنَّط وخطب في جنده باكياً لله متوسلاً النصر ووعظهم بالإيمان بالله والتوجه إليه في هذه الشِّدَّة، وحمَّسهم على القتال، وأمَّ بهم في صلاة الجمعة، وعقد ذيل فرسه، ثم التقى الجيشان ودارت بينهما حرب شرسة استمرت حتى غروب الشمس أبلى فيها السلاجقة بلاءً حسناً رغم قلة عددهم مقارنة بعدوهم، وانتصر فيها نصراً ساحقاً على الروم مهَّد لفتح القسطنطينية لاحقاً، ووقع إمبراطور الروم في الأسر وأُبيدَ معظم جيشه.

    أصبحت بذلك الأناضول موطناً للأتراك المسلمين بعد أن كانت موطناً للروم الأرثوذكس، فقد أرغم ألب أرسلان الإمبراطور البيزنطي على التنازل عن بعض المناطق التابعة للروم مثل أنطاكية والرها، وزادت هيبة دولة السلاجقة في العالم.
    البلاط البيزنطي فلم يتقبل هزيمة الإمبراطور وأسره، فانقلبوا عليه، ونفوه إلى جزيرة بعيدة.

    ملحوظة: كان العرب قديماً يعقدون ذيل الفرس قبل النزول إلى المعركة، وتسمى ربطة الموت، وتعني أن لا رجوع عن المعركة إلا بنصر أو شهادة، فإن مات الفارس ترك ذيل فرسه مربوطا خلفه وإن انتصر حلَّها بنفسه.. وفعلها سلاطين الأتراك قبل النزول إلى المعارك.
    التعديل الأخير تم بواسطة ذكرى صلاح الدين ; 2022-04-23 الساعة 11:54

  13. #13
    مشرف الصورة الرمزية ذكرى صلاح الدين
    تاريخ التسجيل
    03 2010
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    3,504

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة

    معارك تظهر ان المسلمين إذا أعدوا العدة متوكلين على الله ووعده بالنصر للمؤمنين، فلا بد أن تعود العزة لهم ويمكنهم الله من عدوهم.
    أسأل الله ان يعزنا وينصرنا على الصهاينة المجرمين ونطهر مسجدنا الأقصى منهم في العاجل القريب إنه سميع قريب مجيب.

    شكرا جزيلا أختي د. زهرة لجهدك في هذه الجولة في تاريخنا التي ترصد أهم المعارك المؤثرة في تاريخ الأمة، نتذكرها ونعتبر من مآلاتها وأحداثها. جزاك الله عنا خير الجزاء

  14. #14
    كاتبة الصورة الرمزية د. زهرة خدرج
    تاريخ التسجيل
    08 2016
    الدولة
    فلسطين
    المشاركات
    1,495

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة



    معركة الزَّلاَّقة: المنقذة من أن تنتهي القصة هنا!!

    " لأنْ أرعى الإبل عند ابن تاشفين.. خير من أن أرعى الخنازير عند ألفونسو!" المعتمد بن عباد ملك إشبيلية
    .
    المكان: سهل الزلاقة في شمال الأندلس.
    الزمان: 479 هـ.
    أطراف الصراع: ثلاثون ألف مقاتل يضم جيش المرابطين وجيش المعتمد بن عباد ومتطوعين من قرطبة وإشبيلية وبطليوس تحت قيادة يوسف بن تاشفين، أمام ثلاثمئة ألف مقاتل من النصارى بقيادة ألفونسو السادس ملك قشتالة( أي 10 أضعاف عدد المسلمين).
    سقطت طليطلة وجاست الجيوش الصليبية خلال مدنها وحصونها دون مقاومة تُذكر من ملوك الطوائف للحفاظ على وحدة الأندلس.. فكل أمير استقل بمقاطعة أعلن عنها دولة مستقلة سياسياً لا تتبع لحكم قرطبة ونصَّب نفسه ملكاً عليها أو حتى أميراً للمؤمنين! تناسى ملوك الطوائف الهدف أن التالي قد يكون هو بحسب قاعدة" إنما أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"، فما هي إلا مسألة وقت حتى تتهاوى بقية الدويلات.. لم يهبُّ أحد لنجدة طليطلة واستعادتها من أيدي النصارى المتربصين، بل وقفوا متفرجين عليها تنهار وتسقط في يد ألفونسو ملك قشتالة بعد أن مضوا يتسابقون على نيل رضاه طالبين عونه ضد بعضهم بعضاً بل وصل الحال ببعضهم أن دفع له الجزية..
    شرع ملوك شمال إسبانيا النصارى يشنون سلاسل متواصلة من الهجمات والحروب على الدويلات الأندلسية المفتتة الأوصال أسموها بحروب الاسترداد، أصبحت بموجبها جميع الدويلات تحت مقصلة النصارى..
    واستفاق ملوك الطوائف ليدركوا أنهم السبب المباشر لهذه الخسارة الفادحة، وخاصة المعتمد بن عباد!
    تعالت الأصوات من هنا وهناك تطالب بالتعالي على الخلافات الشخصية، وتناسي المصالح الذاتية.. فالبلاد في خطر عظيم، مناطقها تضيع واحدة إثر الأخرى.. طالَب العُقلاء بالاستنجاد بالمرابطين، إخوة الدين في الشمال الإفريقي الذين نمت قوتهم على الضفة الأخرى من البحر المتوسط ليوقفوا زحف النصارى على الأندلس المسلمة.. ولكن ضيِّقوا الأفق الذين يؤثرون الخاص على العام والذات على البلاد خوَّفوا المعتمد بن عباد أمير إشبيلية من الإقدام على خطوة كهذه قد تُفقده مُلكه إلى الأبد، لم يأبه ابن عباد للتحذيرات وقال قولته التي سارت مثلاً في التاريخ: لأن أرعى الإبل عند ابن تاشفين...
    عبَر يوسف بن تاشفين مضيق جبل طارق بجيش المرابطين متجهاً إلى إشبيلية حيث استُقبل استقبال الفاتحين ثم توجه إلى بطليوس، وكان ألفونسو آنذاك، يحاصر مملكة سرقسطة، فحين وصلته أنباء جيش المرابطين، ترك حصار سرقسطة وسار بجيوشه للتصدي لهم في سهل الزلاقة.
    حاول ألفونسو خداع ابن تاشفين في بأن طلب تأجيل المعركة إلى ما بعد أيام الجمعة والسبت والأحد المقدسة عند الديانات الثلاث، ولكن ابن عباد فطِن إلى الخدعة، فحذَّر ابن تاشفين، وتجهز جيش المسلمين لهجوم محتمل لألفونسو.. وفي صباح يوم الجمعة فاجأ ألفونسو مقدمة جيش الأندلس بهجوم حاد أربكهم وكاد يهزمهم، ولكنهم صمدوا بشقِّ الأنفس.. ومع تقدم المعركة وإصابة قائد الأندلسيين المعتمد بن عباد بجراح عميقة، اختلت الموازيين لولا أمر يوسف بن تاشفين لأحد كتائب جيشه بنجدتهم.. هاجموا الجيش الصليبي الذي صمد أمامهم بقوة، فدفع ابن تاشفين كتائب جيشه من البربر أيضاً فاجتمعوا على جيش ألفونسو وهاجموهم، وشتتوا شملهم.
    هرب ألفونسو من المعركة بإصابة بالغة في فخذه تسببت في عرجه طوال حياته.
    وانتهت معركة الزلَّاقة بنصر حاسم للمسلمين، الذين أصبحت الطريق مفتوحة أمامهم للزحف إلى عاصمة ألفونسو نفسه بعد القضاء على جيشه، ولكن ظروف خاصة بمنطقة المغرب منعت يوسف بن تاشفين من ذلك، ودفعته إلى أن يعاجل بالعودة إلى عاصمته.
    ولكن عدم ملاحقة ألفونسو شجعته على العودة مرة أخرى لمهاجمة دويلات الأندلس وإنشاء التحالفات مع ملوك النصارى الآخرين للقضاء على الوجود الإسلامي فيها.. ولكن رغم ذلك ولأحداث كثيرة جرت آنذاك، أخرت معركة الزلَّاقة سقوط الأندلس لما يزيد عن قرنين ونصف!
    التعديل الأخير تم بواسطة ذكرى صلاح الدين ; 2022-04-24 الساعة 01:57

  15. #15
    مشرف الصورة الرمزية ذكرى صلاح الدين
    تاريخ التسجيل
    03 2010
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    3,504

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة




    " معركة حطين: بداية نهاية الوجود الصليبي، واستعادة بيت المقدس"

    بقلم: د. زهرة خدرج

    "نعم أنا أنوب عن رسول الله، أنتَ قلتَ للمسلمين: هاتوا محمَّداً يُخلِّصكم، وأنا أنوب عن رسول الله اليوم فأخلص المسلمين من شرِّك" صلاح الدين الأيوبي لأرناط بعد النصر في حطين.

    الزمان: 583هـ

    المكان: سهل حطين بين بحيرة طبريا والناصرة شمال فلسطين.

    أطراف الصراع: اثنا عشر ألف مقاتل من المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي، مقابل خمسين ألف مقاتل من الصليبيين بقيادة أمير طرابلس وأمير الكرك وملك بيت المقدس.

    كان الصليبي أرناط الأمير على حصن الكرك في شرق الأردن يحمل عداءً وكراهيةً للإسلام والمسلمين يفوق التصور، فكان يعتدي على قوافل المسلمين المارة من تلك المنطقة، ذلك أن حصن الكرك يتحكَّم في الطرق التجاريَّة المتَّجهة إلى الحجاز واليمن، ناهيك عن وقوعه بالقرب من ساحل البحر الأحمر؛ هذا الموقع الاستراتيجي جعل أرناط بكلِّ صليبيَّته وغروره وطمعه للمال يخطط لمشروع صليبي هو الأخطر في تاريخ الحملات الصليبية على الإطلاق؛ وهو تحقيق السيادة الصليبية على البحر الأحمر تمهيداً لغزو بلاد الحرمين، والهجوم على المدينة المنورة، ونبش القبر الشريف لاستخراج الجسد الطاهر لسيِّد الخلق والمرسلين، ونقله إلى فرنسا (منبع الصليبية) ودفنه هناك، فلا يُسمح للمسلمين بزيارته إلَّا بعد دفع رسوم كبيرة!

    بعد توقيع معاهدة بين مملكة بيت المقدس النصرانية وصلاح الدين الأيوبي لمدة عامين على أن تضمن حريَّة التجارة للمسلمين والمسيحيين، وأن يجتاز أيٍّ من الطرفين بلاد الآخر بحرِّية..
    ولكنَّ أرناط لم يقبل أن تمرَّ قوافل المسلمين من منطقته دون مقابل. فخرج مع قوَّةٍ كبيرة، إلى الطريق التجاري بين دمشق والمدينة ومكة، واعتدى على قافلةٍ تتجه جنوباً واستولى على كلِّ ما تحمله من ثروة، وأسر من فيها.

    راسل صلاح الدين ملك مملكة بيت المقدس بغضب مذكِّراً إياه بالهدنة مطالباً بالتعويض، خاطب الملك أرناط الذي تعجرف بالرفض، دون أن يتغير الموقف، فقرر صلاح الدين الاستعداد لحرب فاصلة..
    فلا بد من القضاء على الوجود الصليبي جذرياً في بلاد الشام!

    عسكر صلاح الدين بجيشه قرب حصن الكرك والشوبك، حين عمد إلى بعث قوَّة استطلاعية سريَّة إلى صفورية( قرية يسكنها الصليبيين بالقرب من الناصرة). خرجت السريَّة في الهزيع الأخير من الليل، وهاجمت صفورية التي كانت تغط في نوم عميق في الصَّباح الباكر، فاستيقظت هلِعة على صليل السيوف وضرب الرماح، وسارعت إلى تجميع قوتها للتصدي للقوات المهاجمة.. التقى الجيشان في معركة طاحنة انتصر فيها المسلمون نصراً مؤزراً، وسقط الصليبيون ما بين قتيل وجريح وأسير.

    كان هذا النصر بشير خير لصلاح الدين الذي عاجل بالسير بجيشه ناحية العدو، معسكراً على سفح جبل طبريَّة المشرف على سهل حطِّين.. استدرج صلاح الدين الصليبيين إلى مكان محدد وهو يطوف بين صفوفه يُحرِّضهم على الجهاد.

    بدأ القتال منذ صباح الجمعة ولم يتوقفوا إلا عند اشتداد الظلام، وعادوا للقتال في صبيحة اليوم التالي.. أخذ صلاح الدين يُطوِّقهم بجيشه شيئاً فشيئاً، واستمات المسلمون في القتال وهم يدركون أنَّ وراءهم نهر الأردن، وأمامهم الروم، فلن يُنجِّيهم إلَّا الله.

    حاصر المسلمون الصليبيين في أعلى الجبل وعمدوا إلى الاستيلاء على صليبهم الأعظم الذي يزعمون أنَّ فيه قطعةً من الخشبة التي صُلب عليها المسيح، وما إن تمكَّن المسلمون من أخذه حتى أيقن الصليبيون بالهلاك.
    بطولات رائعة حدثت في سهل حطين، فيها قُتل وأُسِر صليبيون كُثر، وكان من بين القتلى والأسرى أعظم ملوك الروم وأمرائهم. ولمـَّا انتهت الوقعة سجد صلاح الدين شكراً لله تعالى باكياً، وأمر بمخيم عظيم، جعل فيه سريره، وأُوتِي بملوك النصارى في قيودهم ومن بينهم أرناط الذي كان صلاح الدين قد أقسم أن يقتله بيده!

    أجلس صلاح الدين ملوك النصارى بجانبه، وقدم لهم الماء البارد، ما عدا أرناط الذي دعاه للإسلام فامتنع، ثم قال له: أنت الذي فعلت وفعلت (يذكِّره بجرائمه)... فكان يقول: هذه عادة الملوك.. فقام إليه صلاح الدين وضربه بسيفه ليخلص المسلمين من شره بارَّاً بقسمه.

    كانت معركة حطين بداية تحرير الساحل الشامي وطريق النصر في بيت المقدس!

  16. #16
    مشرف الصورة الرمزية أبو القسام RBG1
    تاريخ التسجيل
    12 2009
    الدولة
    غزة ــ فلسطين
    المشاركات
    11,477

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة

    يعطيكم العافية
    متابعين معكم
    موضوع قيم للغاية ..

  17. #17
    مشرف الصورة الرمزية ذكرى صلاح الدين
    تاريخ التسجيل
    03 2010
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    3,504

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة



    "عين جالوت: النهوض من قعر الانكسار إلى قمة النصر"
    بقلم: د. زهرة خدرج


    " واإسلاماه.. من للإسلام إن لم نكن نحن".. قالها قطز فوقعت في قلوب الأمراء.. فضجوا جميعًا بالبكاء! وأعلنوا موافقتهم على الجهاد والوقوف في وجه التتار.

    " إنَّا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلَّطنا على من حلَّ به غضبه. فلكم بجميع البلاد معتبر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم... فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرقُّ لمن اشتكى، فعليكم بالهرب... فما لكم من سيوفنا خلاص! فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، فأبشروا بالمذلة والهوان" من رسالة هولاكو لقطز.

    الزمان: 658هـ.

    المكان: سهل عين جالوت بين بيسان شمالاً ونابلس جنوباً في فلسطين.

    نحن لا نحب الحديث عن الهزائم والانكسارات، بل نحب الحديث عن الظفر والانتصارات.. ولكن النصر لا يأتي إلا بالعزيمة والهمة العالية، وإخلاص النوايا لله؛ لذا لا بد لنا من الحديث عن معركة عين جالوت!

    تيموجين أو جنكيز خان( وتعني الحاكم العالمي)، القائد الأعظم للتتار وأحد أهم القادة العسكريين في العالم، احتل جنوب غرب آسيا وأخضع ما يزيد عن ثلث العالم القديم! وحَّد قبائل منغوليا وأنشأ من العدم إمبراطورية هابها الناس في مشارق الأرض ومغاربها، وسفكت أنهاراً من الدماء! كان جيشه يتألف من الخيَّالة المتمرسين يتسلحون بالقوس والنشاب.

    بعد وفاة جنكيز خان أكمل أحفاده إخضاع مناطق شاسعة وبعيدة لإمبراطوريتهم.. فخرج هولاكو على رأس 120 ألف جندي من خيرة فرسان المغول، لإخضاع الدولة العباسية. وفي طريقه استولى على حصون طائفة الإسماعيلية (الحشاشين)، ومن بينها قلعة آلموت التي يتحصن فيها ابن الصباح زعيمهم في بلاد فارس.

    ثم إلى بلاد الرافدين وأرسل يهدَّد الخليفة المستعصم بالله ويتوعَّده، وأمره بتسليم بغداد، لكن الخليفة رفض وقرر المقاومة، بالرغم من ضعفه.. فحاصر هولاكو بغداد وسيطر عليها وارتكب فيها المجازر والفظائع. ثم هرع إلى بلاد الشام ومصر ليسيطر عليها.. يُسقط في طريقه مدن الشام ويريق فيها الدماء، سقطت حلب بعد حصار قصير، واستسلمت دمشق دون قتال وفرَّ ملكها بقوَّاته. وأرسل هولاكو رسالة حرب للسلطان قطز في مصر.

    وقد شاعت بين المسلمين في كل البلاد مقولة:" إذا أخبرك أحد أن التتار يُهزمون فلا تصدقه!"؛ فكان لا بد من استئصال الهزيمة المعنوية التي ترسَّخت في أرواح المسلمين ونفوسهم!

    اختار قطز أن يقتل رُسل هولاكو، ويعلَّق رؤوسهم في شوارع القاهرة.. وشرع يعدُّ جيشه وخرج بهم إلى سهل عين جالوت في فلسطين لملاقاة المغول.. بعد أن اجتاز معارك داخلية لتسوية الأمور مع أمراء المماليك الذين يخافون بطش التتار.

    اختبأ المسلمون في سهل عين جالوت خلف التلال، وترك مقدمة الجيش بقيادة الظاهر بيبرس تُظهر نفسها، اختارها قطز من خيرة فرسان المماليك، ليعتقد جواسيس التتار أن المقدمة هي كل الجيش. نزلت كتائب المقدمة من أحد التلال لسهل عين جالوت على مراحل، كل كتيبة ترتدي ملابس ذات لون مختلف عن الكتائب الأخرى، ويتلقى قادتها الأوامر من ضربات الطبول المُتفق عليها سابقاً..

    قاد قطز المعركة عن بعد.. ووقف الظاهر بيبرس بقواته على المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، بينما السهل بكامله بقي خالياً من خلفه، ما جعل كتبغا يطمع في حسم المعركة لصالحه بسرعة! فدخل بكامل جيشه وقواته لقتال مقدمة الجيش (وبهذا يكون قطز قد نجح في استدراجه حسب الخطة).

    وعندما اقتربت جموع التتار من المسلمين، أطلق بيبرس إشارة البدء، وكان الانطلاق، وارتفعت سحب الغبار وعلت دقات الطبول.. ثبتت مقدمة الجيش في القتال، وأصبح كامل جيش التتار في ساحة المعركة، فأصدر قطز أوامره لبيبرس بالهرب إلى داخل سهل عين جالوت ليلحق بهم التتار، نفَّذت المقدمة تراجعاً سريعاً ولحق بهم كتبغا، وبعد أن اكتمل جيشه في السهل نزل جيش المسلمين الرئيسي من خلف التلال إلى ساحة المعركة، وأغلقت فرقة قوية من المماليك المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، فأحاطت قوات جيش المسلمين بالتتار من كل جانب.

    قاتل التتار بشجاعة، وتساقط الشهداء في جيش المسلمين، وقطز يدير المعركة من مكانٍ عالٍ خلف الصفوف حتى إذا تأزم الموقف بشكل خطير، نزل بنفسه لأرض المعركة، ورمى خوذته وأخذ يصرخ «واإسلاماه... واإسلاماه»، واحتدم القتال حتى بدأت الكفة تميل لصالح المسلمين، وتبارز أمير مع كتبغا وقتله، فانهارت عزيمة التتار، وأخذوا يقاتلون ليتمكنوا من الهرب، ففتحوا ثغرة في المدخل الشمالي انطلقوا منها إلى بيسان.. لحق بهم المسلمون، وعادوا للقتال حتى أبادوا جيش التتار.

    هُزم المغول هزيمة نكراء لأوَّل مرَّة في تاريخهم، بعد أن يئست القلوب وتزلزلت.
    طرد المسلمون المغول من دمشق، وأصبحت بلاد الشام حتى نهر الفرات تحت حكم المماليك.

  18. #18
    مشرف الصورة الرمزية ذكرى صلاح الدين
    تاريخ التسجيل
    03 2010
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    3,504

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة



    "سقوط الأندلس: وضاعت جنة الدنيا!"
    بقلم: د. زهرة خدرج


    تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً *** وإذا افترقن تكسرت آحاداً

    لا بد من دراسة تاريخ الأندلس وسقوطها دراسة واعية ناقدة بعيدةً عن المشاعر الجياشة، فذلك التاريخ فيه من الدروس والعبر ما ليس في غيره، لذا لا ينبغي أن نمر على أحداث سقوطها مرَّ الكرام دون أن يكون لنا معها وقفات على سنن الله الغالبة في قيام الأمم وسقوطها.

    فتح طارق بن زياد وموسى بن نصير أيبيريا عام 92هـ، وانتشر الإسلام في ربوعها بسرعة عجيبة، وأصبحت من أكثر دول العالم علماً ورقيَّاً وتحضُّراً، وتوافد إليها الطلبة والباحثون عن العلم والمعرفة من مختلف بقاع الأرض.

    بدأ الحكم فيها ولاة يوالون الدولة الأموية في الشام، كان أولهم عبد العزيز بن موسى بن نصير. سقطت الدولة الأموية عام 132هـ بعد معركة الزاب مع العباسيين الذين استولوا على الحكم، وأخذ عسكر العباسيين يبطشون بفلول الأمويين، ونقلوا عاصمة الحكم من دمشق إلى بغداد. أما الأندلس التي كانت تتبع لحكم الأمويين ويحكمها يوسف الفهري، فامتدت إليها فوضى الحكم والارتباك، وأخذت الفتن تموج فيها منذرةً بضياعها!

    هبت الرياح لصالح الأمير الأموي" عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك"، ولاحت الفرصة أمامه ليعيد بثَّ الحياة في عروق بني أمية من جديد بعد أن رحل إلى العراق فراراً من بطش العباسيين، ثم إلى مصر فتونس التي سبقه إليها أمراء أمويين كُثر، وخاف حاكمها من أن تعلو لفلول الأمويين السطوة فينازعوه ملكه، فشرع يلاحقهم بالقتل ويصادر أموالهم، فضاقت السبل أمام عبد الرحمن الداخل الذي غادر إلى قبائل البربر في المغرب حيث أخواله، ولكن طموحه كان أكبر من مجرد البقاء آمناً في المغرب!

    وصل عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس عام 138هـ، وكانت تعج بالفوضى والثورات الداخلية لدرجة ظن فيها كثيرون أن الإسلام سينتهي منها قريباً. التف حوله أنصار كُثر تبنوا دعوته، وفي موقعة "المصارة" انتصر على "يوسف الفهري" آخر ولاة الأندلس، فدخل قرطبة وبويع أميراً أمويَّاً على الأندلس ليبدأ عصر الأمراء، واتخذ من قرطبة عاصمةً لدولته.

    تعاقب على الأندلس بعد عبد الرحمن الداخل تسعة حكام، حكم آخرهم حتى عام 399هـ، حيث استولى على الحكم المنصور بن أبي عامر، وفي عام 422هـ سقطت الدولة الأموية ليبدأ عهد جديد حالك في الأندلس سُمي بعهد ملوك الطوائف.
    قُسِّمت البلاد بموجبه على أمراء متناحرين مهادنين للعدو ضمت أكثر من 20 زعيماً تفرقوا على دويلات مستقلة يسود بينها الاضطراب والفتن والخلافات كل واحد فيهم سمى نفسه بلقب ملك أو خليفة أو حتى أمير للمؤمنين.

    شجع ذلك ملوك النصارى الإسبان على فرض إتاوات على بعض الإمارات، كما سقطت طليطلة في أيديهم سنة 478هـ.
    استغاث المعتمد بن عباد أمير إشبيلية بدولة المرابطين في المغرب، حيث سارع يوسف بن تاشفين لنجدتهم، وحققوا نصراً مؤزراً في معركة الزلاقة، استولى بعدها المرابطون على حكم الأندلس، وحين ضعف المرابطون ورثهم الموحدون، الذين انتصروا على النصارى في معركة الأراك، وبقي هناك مدٌّ وجزر في الأعمال العسكرية بين الموحدين والنصارى حتى هُزم الموحدون هزيمة قاسية في معركة العقاب التي كانت سبباً في القضاء على الوجود الإسلامي في الأندلس كلها.

    سقطت دولة الموحدين، وسقطت إشبيلية، وتهاوت مدن أندلسية أخرى أمام الزحف النصراني، سرقسطة، المرية، بلنسية، لشبونة... وبقي الحكم الإسلامي ينحصر في غرناطة التي اتخذ منها بنو الأحمر دولة حكمت ما يقارب قرنين ونصف من الزمان، حكمها أبو عبد الله الصغير آخر ملوك الأندلس حتى عام 897هـ، حين حاصرها الملكان المسيحيان ملكة قشتالة وليون إيزابيلا، وزوجها فرديناند ملك أرغون، لمدة 8 أشهر حصاراً شديداً قطعوا عنها كل الإمدادات حتى أكل الناس الفئران، وانتهت بتسليم ملكها لمفاتيح غرناطة إلى المحاصرين. وبسقوطها سقطت الأندلس وانتهى عهد المسلمين فيها.

    نصر حققه قادة عظام بدماء زكية، أضاعه أشخاص سيطرت عليهم شهوة الحكم، حتى غدت أغلى أمانيهم، ضحوا في سبيلها بالأرض والشعوب وأصبحت تلك الحضارة المزدهرة مجرد لعبة في يد الفرنجة يعبثون بها ويمحون آثارها..

    وخسرنا الأندلس فهل ستعود؟

  19. #19
    مشرف الصورة الرمزية ذكرى صلاح الدين
    تاريخ التسجيل
    03 2010
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    3,504

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة



    "فتح القسطنطينية: وتحققت البشارة!"
    بقلم: د. زهرة خدرج

    مقولة انتشرت بين أهل القسطنطينية:" ستسقط القسطنطينية عندما ترى سفن تمخر اليابسة"!
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش".

    لا أراني أملُّ الحديث عن فتح القسطنطينية، ولا استذكار نصرها العظيم.. وكيف لا يكون كذلك وهي الفتح الموعود وإعلان اندثار الامبراطورية البيزنطية؟ ألا يُعدُّ ذلك من أحد أبرز التحولات المهمة في تاريخ الغرب، حتى أن التاريخ الحديث أصبح يُؤرخ من هذا الفتح؟

    لم تبدأ ملحمة القسطنطينية مع بدأ التخطط للمعركة، ولا من حصارها الذي استمر 54 يوماً.. أبداً، بل هي جهود تراكمية بدأها المسلمون منذ العصور الأولى للإسلام كلٌ منهم يرغب في أن يحوز على شرف تحقيق بشارة رسول الله، فكان كل خليفة تسلَّم حكم المسلمين يتمنى أن يكون صاحب هذا الفتح المُشرِّف الذي تأخر حتى عهد الدولة العثمانية، وزاد الاهتمام بها حتى تحقق الوعد الإلهي لتصبح تلك المدينة العظيمة داراً للإسلام منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا.

    الزمان: 857هـ

    المكان: القسطنطينية عاصمة الامبراطورية البيزنطية

    السلطان محمد.. ابن السلطان مراد الثاني المولود في أدرنه عاصمة العثمانيين عام 835 هـ، والسلطان العثماني السابع. عمل بعد توليه الحكم على إصلاح شؤون الدولة الداخلية دافعاً إلى بها للتقدم والاستقرار، قبل أن يوجَّه أنظاره إلى عاصمة البيزنطيين، والمعقل الاستراتيجي للتحركات الصليبية ضد العالم الإسلامي.. القسطنطينية.. المدينة الأكثر تحصينا على الإطلاق!

    فما بين أسوار شاهقة وقلاع منيعة وحصون تمتلئ بالجند، وتحصينات طبيعية تفتح على ثلاثة بحار، تجعل من الصعب اختراقها.. كانت القسطنطينية تستعصي على كل المحاولات السابقة لفتحها.. فكان لا بد من قائد فذٍّ لهذه المهمة الشاقة التي تأخرت ثمانية قرون بأكملها!
    بدأ محمد الفاتح بإعداد الجيش، فجهَّز له أحدث الأسلحة، وطور الأسطول العثماني وزاد في تسليحه، واستدعى مهندسين لصناعة مدافع متطورة على رأسها المدفع الأول" مدفع الدردنيل"! وجهَّز الحصون والقلاع على أطراف القسطنطينية، ناهيك عن الخرائط العسكرية اللازمة، وزيارات استطلاعية قام بها بنفسه مستكشفاً استحكامات القسطنطينية وأسوارها ومواطن قوتها وضعفها، ومشرفاً على تمهيد الطريق بين أدرنه والقسطنطينية لجر المدافع العملاقة وصولاً للهدف.. ومتتبِّعاً أخبارها أولاً بأول.

    شعر الامبراطور البيزنطي بالخطر، فحاول ثنيه بأموال ومعاهدات الصلح لم يأبه لها السلطان الذي يتحرَّق لرؤية البشارة!
    وبدأ القتال والحصار والتعبئة المعنوية للجيش المرابض خارج الأسوار وهو يكاد يرى الوعد الإلهي بعيونه!

    دافعت الحامية البيزنطية عن أسوارها باستماتة، وأحكموا التحصينات وتوزيع الجنود.. وكان لا بد من حل عبقري يمكِّن العثمانيين من اختراق تلك التحصينات. حُفرت خنادق من خارج الأسوار إلى داخلها، سرعان ما اكتشفها البيزنطيون فأعملوا القتل في الفدائيين الذي تجرَّؤا على هذه الخطوة.. ولكن ذلك لم يفتَّ في عضد من تجاوز همتهم الثريا.. بل كان له عظيم الأثر في انهيار معنويات البيزنطيين من قوة هؤلاء الفاتحين وجرأتهم.

    ثم كانت الفكرة الإبداعية العبقرية!
    أمر السلطان بجرِّ السفن من مرساها في البوسفور إلى خليج القرن الذهبي تحت جنح الظلام عبر الطريق البري الواقع بين الميناءين( نحو ثلاثة أميال من أرض غير ممهدة) على سيقان أشجار مدهونة بالزيت..
    أكثر من سبعين سفينة تمكن العثمانيون من سحبها لخليج القرن الذهبي على حين غفلة من العدو الذي ارتبك وانهارت معنوياته وكثرت بينه الإشاعات، واضطر لسحب قواته من الجهات الأخرى لحماية منطقة الخليج.

    عند الساعة الواحدة صباحاً، بدأ الهجوم العام على المدينة براً وبحراً ممزوجاً بالتكبير وقد باع المجاهدون أرواحهم لله السلطان في مقدمتهم والعلماء يحفزونهم على بذل الروح حتى النصر! رُعب السكان من شراسة الهجوم الذي لم يتوقعوه يوماً، والتجأوا إلى الكنائس ودقُّوا نواقيسها.. بينما قاتل جنودهم باستبسال.. وسقط ضحايا بأعداد كبيرة من الطرفين..
    حتى استطاع المسلمون فتح أبواب القسطنطينية... ودخلوها!!

    توجه محمد الفاتح إلى كنيسة آيا صوفيا وقد اختبأ فيها خلق كثير وقسيسون ورهبان خافوا على أنفسهم، ولكن الفاتح طلب من الرهبان تهدئة الناس وطمأنهم وطلب منهم العودة إلى بيوتهم بأمان، فما كان من البعض إلا أن أعلنوا إسلامهم.

    حوَّل الفاتح الكنيسة إلى مسجد أقيمت فيه صلاة الجمعة القادمة، وفرض الجزية على النصارى وأعطاهم حرية إقامة الشعائر الدينية.



  20. #20
    مشرف الصورة الرمزية ذكرى صلاح الدين
    تاريخ التسجيل
    03 2010
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    3,504

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة




    معركة بروزة البحرية: التاريخ يخلد ذكر أشخاص وأحداث"
    بقلم: د. زهرة خدرج

    لم تستمر معركة بروزة أكثر من خمس ساعات.. تمكَّن خير الدين بربروس في نهايتها من حسم المعركة لصالحه، في نصر روَّع أوروبا، وجعل من البحرية العثمانية القوة البحرية الأولى في البحر المتوسط، وسادته دون منازع.
    وفي اليوم الذي وقعت فيه معركة بروزة من كل عام، يحتفل الأتراك بيوم البحرية التركية.

    الزمان: في 28 أيلول 1538م الموافق 945 هـ.

    المكان: قبالة ميناء بروزة (أو بريفيزا) غرب اليونان.

    أطراف الصراع: الأسطول العثماني في 122 سفينة بقيادة البحَّار العثماني خير الدين بربروس ويحمل 22 ألف جندي، مقابل "الأسطول المقدس" للأوروبيين الذي ضمَّ أكثر من 600 سفينة حربية ضخمة شاركت فيها إسبانيا وألمانيا والنمسا والبندقية والبرتغال وجنوة ومالطا بقيادة البحَّار الإسباني أندريا دوريا أعظم بحار أوروبي ومعه أكثر من 60 ألف جندي.

    ضج القرن الهجري التاسع بالكثير من الأحداث الكبرى التي كان منها ما غيَّر وجه التاريخ الحديث للمسلمين والأوروبيين على السواء.. ففي عام 857هـ كان فتح القسطنطينية وتحولها من النصرانية إلى الإسلام حدثاً مزلزلاً، وبعد 40 عام فقط وفي عام 897 هـ تحديداً كان سقوط غرناطة.. آخر المعاقل الأندلسية لينتهي الحكم الإسلامي في شبه جزيرة أيبيريا الحدث المزلزل الآخر.. حاولت الدولة العثمانية التدخُّل لإنقاذ الأندلس وتقديم المساعدة لسكّانها، إلا أنَّ عوامل كثيرة منها حروب ومحاولات الغرب لاستعادة القسطنطينية، وقفت حائلاً دونهم، ناهيك عن بُعد المسافة وعدم وجود طريق برِّي مباشر بين الدولتين، أضف إلى ذلك انشغالهم بوضع حدٍّ للمماليك والدولة الصفوية الذين يثيرون القلاقل.

    بالرغم من الصراع على السلطة الذي صبغ تلك الفترة، إلا أن الثمانية والأربعين عاماً التي قضاها السلطان سليمان بن سليم الأول المُلقب بالقانوني بلغت فيها الدولة العثمانية أوجها من العظمة والرفعة. فقد اتسعت رقعة الفتوحات الإسلامية لتشمل أوروبا وآسيا وأفريقيا.
    في عهد سليمان القانوني اتحد الإسبان والبرتغاليون لشنِّ هجمات على مدن الساحل الإفريقي. وبدأ البابا "بول الثالث" من روما بعقد تحالف صليبي ضم أعراقاً أوروبية مختلفة رغم التباغض والأحقاد فيما بينهم؛ ليمنع الدولة العثمانية من التقدم، بل ولمحاولة القضاء عليها.

    كان قادة الأسطول الصليبي على ثقة تامة من كسبهم للمعركة لتفوقهم العددي والعسكري، لدرجة وصلت بهم إلى اقتسام ممتلكات الدولة العثمانية قبل بداية المعركة!
    كانت معظم قطع البحرية العثمانية تتكون من سفن صغيرة خفيفة يسهل عليها المناورة والالتفاف وتوجيه قذائف مدافعها بعيدة المدى المتطورة بسهولة نحو سفن الأعداء الضخمة المكتظة بالجنود والمعدات التي تدور بتثاقل، فتصيب أهدافها بدقة متناهية.

    أبقى خير الدين أسطوله في المياه العميقة مقابل سواحل بروزة على مسافة 9 كيلومترات، ما ساعده على مباغتة الأسطول الأوروبي ومنعه من التقدم أو الاستدارة، كما استطاع العثمانيون من خلال استخدامهم المتقن لمدافعهم البعيدة المدى أن يلحقوا خسائر بالغة بالأسطول الأوربي، وهو ما أجبر أندريا دوريا على الانسحاب من المعركة بعد خمس ساعات فحسب من بدايتها.

    حاصر أندريا قاعدة بروزة، أهم قواعد الأسطول العثماني على الساحل اليوناني وبدأ بقصفها، فأرسل بربروس قائده طرغوت الريس مع مجموعة من الأسطول لرصد تحركات الصليبيين.
    ولما بلغ أندريا نبأ اقتراب الأسطول العثماني أمر برفع الحصار والانسحاب إلى الشمال؛ لاستدراج الأسطول لمعركة غير متكافئة، بعد أن يحصره في حيز ضيق، فيدمِّره بسهولة حينها، ثم يقضي على الحامية التركية في بروزة بعدها.
    ولكنه في الصباح فوجئ بالأسطول العثماني يرسو على مسافة قريبة منهم، ثم بدأ يقصف الأسطول الصليبي بمدافعه الحارقة فلم تستطع سفنه التحرك بسهولة فدُمِّر جزء كبير منها.

    وانقلب اتجاه الرياح الشديدة ناحية الأسطول الصليبي مما ساعد الأسطول العثماني، الذي أتم التفافه حول السفن المعادية، وشرع في دكِّها.. فسادها الاضطراب والفوضى، ومضت تحاول الفرار، فغرق عدد كبير منها.

    فقد أندريا صوابه، وأقدم على انسحاب مفاجئ وسريع، تاركاً جزءا من الأسطول يواجه النيران بمفرده.. وعندما حلَّ الظلام أُطفت الأنوار، وتم الانسحاب كاملاً.. وتتبع الأسطول العثماني السفن الفارَّة، وتمت السيطرة على بعضها.

    وكانت معركة بروزة هزيمة ساحقة للصليبيين سُجِّلت في تاريخ الحروب البحرية حتى ذلك العصر.








  21. #21
    مشرف الصورة الرمزية ذكرى صلاح الدين
    تاريخ التسجيل
    03 2010
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    3,504

    رد: معارك هامَّة أثَّرت في تاريخ الأمة




    " حصار عكا: كيف أوقفت عكا أطماع فرنسا في الشرق؟"
    بقلم: د. زهرة خدرج

    " على أسوارك تحطمت أحلامي يا عكا، لو أنك سقطتِ لغيرتُ وجه العالم.. وداعاً لا لقاء بعده" نابليون بونابرت بعد هزيمته في احتلال عكا!

    أحمد باشا الجزار، العثماني ذو الأصول البوسنية والذي كان والياً للدولة العثمانية على عكا، أعاد تحصين وصيانة سور عكا المنيع ذي الطبقتين والخندق العريض الذي يفصل بينهما.. فما إن بلغته أنباء الغزو الفرنسي لمصر وسقوط الاسكندرية في أيديهم حتى شرع يُعدُّ عكا ويرفع من جهوزيتها تحسُّباً لأن تكون هي المحطة القادمة، فحصَّنها ضد الغزو، وحشد فيها الجند، وكدس العتاد والمؤن للسكان والمقاتلين.

    نابليون بونابرت، القائد العسكري الفرنسي الذي لم يخسر معركة برية قط سوى معركته أمام أسوار عكا التي امتدت لثلاثة وستين يوماً.. لتنتهي بذلك أحلامه في استعمار الشرق.

    عكا المدينة الكنعانية الضاربة في القدم.. من أقدم وأهم مدن فلسطين الساحلية. عايشت حضارات عدَّة، وتمردت على غزاة ومعتدين.. فتحها شرحبيل بن حسنة، وصدت غزو نابليون بونابرت وأسقطت حملة الاحتلال الفرنسية على الشرق!

    بعد أن احتل مصر وأخضعها.. اتجه نابليون ليافا التي استسلمت له حاميتها المكونة من الألبان والعثمانيين وعندما تمكن منها ارتكب فيها مجازر مروعة، قبل أن يتجه إلى عكا شمالاً، ويضرب الحصار حولها وعينه ترنو إلى إخضاع الشام عبر بوابة عكا..

    كان أحمد باشا الجزار يحكم عكا حين فرض نابليون حصاره عليها! وكان متأكداً من أنها لن تصمد أمامه أكثر من يومين.. فأرسل رسالة إلى الجزار يملأها الغرور والعجرفة يقول فيها:" إنني الآن أمام قلاع عكا، ولن يُكسبني قتل شخص هرم مثلك شيئاً.. لذا فإني لا أرغب بالدخول معكم في معركة، كن صديقاً وسلم المدينة دون إراقة دماء!"

    رد الجزار على رسالته بعزة وشهامة قائلاً:" الحمد لله أننا قادرون على حمل السلاح، وعلى الدفاع عن أنفسنا.. إنني أنوي قضاء الأيام القليلة الباقية من عمري في الجهاد ضد الكفار".

    قال حينها بونابرت لمن معه: يبدو أن هذا العجوز الهرم سيكون سبباً في ضياع بضعة أيام منا.. ولكن لا بأس سندخل المدينة ونلقنه درساً!"
    أخذ الجيش الفرنسي مواقعه حول أسوار عكا، وشرعوا يحفرون الخنادق ويطلقون النيران ويحاولون تسلق الأسوار.. استبسل جنود عكا في الدفاع عنها وقصف القوات الغازية بنيران كثيفة دمرت الكثير منهم، ولكن القوات الفرنسية استطاعت إحداث فجوات ضخمة في السور الخارجي، تمكنت من النفاذ منها إلى السور الداخلي للمدينة حيث كانت تنتظرها مصيدة أبادت الكثير منها.

    طال الحصار والقصف.. حتى إنه يقال بأن نابليون هاجم عكا 7 مرات خلال حصاره لها باءت جميعها بالفشل، وسرعان ما دب الطاعون في الجيش الفرنسي بسبب كثرة القتلى وتراكم الجثث، وقتل العديد من قادة فرق جيشه من الأقوياء، الامر الذي اضطر نابليون أن يُقرَّ بالهزيمة.. فكتب إلى حكومته في باريس بأن احتلال عكا لا يستحق كل هذه الخسائر، وجاءه الأمر بالعودة إلى فرنسا!

    ولكنه رفض الانسحاب قبل أن يدمر المدينة ويقتل أكبر عدد منها.. فأصدر قراراً بالاستمرار في دكِّ المدينة طوال فترة الانسحاب.. أربعة أيام متواصلة مكثت فيها عكا تحت القصف، حتى أكمل الانسحاب مخلفاً وراءه الجرحى وجثث القتلى والمطعونين من جيشه!

    غادر وقد قال في مذكراته بعد ذلك: لو استوليت على عكا لكان الجيش الفرنسي وصل إلى حلب ودمشق، وفي غمضة عين كنت وصلت إلى الفرات، ولكان مسيحيو سوريا وأرمينيا والدروز انضموا أيضاً...".






ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •