مظاهر العجز والكسل الإداري:
من هذه المظاهر ما يتبدَّى في التسويف وتأجيل بعض الأعمال المهمة، فالطبيعي أن هناك دائمًا أمورًا ينبغي إنجازها في أوقات محددة، فإذا تأخرت عن هذه الأوقات باتت غير نافعة أو غير ذات جدوى، تمامًا كالذي يتأخر عن الانتهاء من مقالة في جريدة يومية، فتطبع الجريدة في الصباح وقد صار مكان المقالة فارغًا أو أبيضًا!!
وكذلك ما يظهر في عمل المهم وترك الأهم، أو عمل غير المهم وترك المهم، أو الاهتمام بالمفضول على حساب الأفضل، وكل بيئة عمل فيها هذه الترتيبات، فهناك دومًا أولويات، وهناك دومًا أشياء عاجلة وأخرى غير عاجلة، ومن مظاهر العجز والكسل هنا ترك العاجل والبدء في غير العاجل.
ومنها أيضا ترك المدير مثلا الأعمال الجسيمة أو العظيمة أو القرارات الاستراتيجية المؤثرة في مستقبل منظمته، وشغل الوقت بما هو تافه وقليل النفع أو عديم الفائدة، أو التفرغ للأعمال السهلة البسيطة التي لا تأخذ جهدًا ولا وقتًا والتي يمكن أن يؤديها من هو دونه في السلم الإداري؛
ومن مظاهر العجز والكسل أيضا ترك السبيل الصعب والناجع، والتمسك بالسبيل السهل غير الناجع؛ فيتم اتخاذ القرارات السهلة وإن كانت غير صحيحة، والتخلي عن القرارات الصعبة وإن كانت هي الصحيحة ، تحت ذريعة عدم تحمل أعبائها، أو عدم التأهل لها، أو أن هذا العمل يتطلب وقتًا كبيرًا وزمنًا طويلاً وموارد كبيرة ...؛ تمامًا مثل الرجل الذي يجلس ينتظر نزول المطر من السماء ليسقي زرعه، وما بين زرعه وبين الماء إلا خبطات بالفأس ليحفر قناة إلى موضع بستانه!!
ومن مظاهر العجز والكسل أيضًا الرضا بالدون أو القليل، أو الخضوع للأمر الواقع وعدم السعي إلى تغييره، تحت أي حجة أو أي سبب.
ومن جملة مظاهر العجز والكسل كذلك: تضييع الأوقات فيما لا فائدة منه، وعدم التعلم والتزود وتنمية المهارات، وضعف الطموح وضحالة الأهداف، والركون إلى شهوات النفس وحظوظها الدنيوية، وعدم التطلع إلى المعالي والتشوق إلى المراكز المرموقة، وانعدام المبادرة ولإقدام..
ولا مكان في هذه الحياة لخاملٍ ولا لعاجز ولا كسول، فمثل هؤلاء يفوتهم قطار الفرص التي تبوؤهم مجالس العظام.
وكما قال شوقي:
وما استعصى على قوم منال *** إذا الإقدام كان لهم ركابا
وما نيل المطـــالب بالتمني *** ولكن تؤخـذ الدنيــا غـلابــا
وكما قال يحيى بن كثير: "لا يُنال العلم براحة الجسم"؛ فلا يُنال التميز في الأداء والمنافسة ، ولا تُنال الأماكن المرموقة والوظائف العالية، وبالكلية لا ينال استحقاقية الوجود إلا مجاهد ومثابر!
يقول الشافعي رحمه الله:
وأبِيتُ سهران الدجى وتبيته *** نومًا وتبغي بعد ذاك لحاقي؟!
ولنا أن ننظر في أبيات جميلة ومعبرة للشيخ أحمد بن يحي النجمي رحمه الله وهو يعاتب فيها نفسه ويلومها على تقصيرها، فيقول فيها:
أُحيْمـدُ يا كسـولُ عن المعالي *** ويا رقَّاد فـي سُـود اللّيالـي
تـرومُ المجـدَ مع كسلٍ وعجْزٍ *** أضعتَ العمرَ فـي طلب المحالِ
تشاغـلُ بالتـوافه ثم ترجـو *** لحاقاً معْ ألـي الهمم العـوالـي
فما إيثـارُك الـدنيـا بخيـر *** ولـو كان اصطناعـا للحـلالِ
وخيـر منه في الأخرى وأجدى *** بأن تحظى بخـدمة ذي الجـلالِ
فسلْه العـونَ إدمـاناً مُلحَّاً *** يحـبُّ اللهُ مِلْحاحَ السـؤال