صفحة 4 من 7 الأولىالأولى 1234567 الأخيرةالأخيرة
النتائج 91 إلى 120 من 190

الموضوع: دورة كتابة القصة

  1. #91
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


    خاتمة الموضوع الأول
    الأمر الأخير (وليس آخر) وهو أن يكون للأديب جانبا في شخصيته من المثل والقيم (ولابد للأدب من قيمة يحملها) التي يدعو إليها، فاكتمال شخصية الأديب مع نصوصه ضرورة، فالرأى النقدى حول استبعاد بيئة وشخصية الأديب عن عمله الفنى لا أرضى به، فالفن العظيم لا يصدر سوى من فنان عظيم، وأعتقد أن القاص لا يكتسب تلك المهارة والقدرة سوي بمزيد من العطاء والبذل والتعلم والاحتكاك والصبر لاجتناء ثمار الأدب الشهية له عند معايشة عمله الفني ، ومرة أخري للقراء والذين لا ينسون له أبدا أنه أطعمهم شهد الكلمات.

  2. #92
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


  3. #93
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. زهرة خدرج مشاهدة المشاركة
    أيغدو البشر ركاماً كالمدن المدمرة؟
    ركام فتاة سورية


    كانت فتاة غضة، لم تغادر عالم الطفولة بعد.. إلا أنها بدت كعجوز هرمة سئمت من الحياة.. وقفتْ أمام صحفي لإحدى وكالات الأنباء العالمية بانكسار، تطأطئ رأسها.. تشي عيونها بالخوف والمذلة، كان يلح عليها بأسئلته العديدة، عساه يسمع منها ما يمكِّنه من إعداد تقريره لوكالته.. أخذت تقول له بغضب أعلن عن نفسه في نبرة صوتها:

    ماذا تريدني أن أحكي لك يا سيدي؟؟ أأقول لك بأن جميع الفئات الضالة القذرة تآمرت معاً ضد مدينتنا التي كانت تخاف حتى من التلفظ باسمها لأنها كانت كالكابوس المرعب الذي يقض نومهم وراحة بالهم؟ أأقول لك بأنهم تآمروا ليفتكوا بنا ويقتلوا الأمل داخلنا؟ دخلوا مدينتنا بعد مقاومة شرسة، جعلت قلوبهم تمتلئ حقداً وكرهاً لنا.. حاصروا بيوتنا، وأخرجوني وكثير من الفتيات مثلي ونحن نتضور جوعاً بعد أن أعدموا الرجال أمام أعيننا وكان من بينهم أبي وأخي الصغير الوحيد الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره.. واقتادوا أمي كما باقي النساء الكبيرات لمكان لا أعرفه.. كما لا أدري ماذا فعلوا معهن بعد ذلك، علمت أنهم قد قاموا بذبحهن كما النِعاج.

    أأقول لك بأن جنودهم المرتزقة قد انتهكوا طُهري.. عندما وضعونا في ملعب لكرة القدم أنا والفتيات من أمثالي.. وبدأ مهرجان تمزق الملابس، وكشف العورات وفضح الستر.. أقول عن نفسي: أطفأوا سجائرهم في نهداي.. وداسوا ببساطيرهم عظام صدري، شعرت بها تتكسر تحت ركلاتهم.. وعبثوا بجسدي يا سيدي.. وكأنني لست ببشر.. اغتصبوني بطريقة وحشية تعجز الكلمات عن وصفها، حتى الحيوانات المفترسة تتورع عن فعلها.. وماذا أقول لك يا سيدي؟ أأقول لك بأنني رجوتهم، وذكرتهم بأعراض أخواتهم وأمهاتهم ليتركوني، فلم يفعلوا؟ بل زادوا في غيهم وجبروتهم وعبثهم.. ماذا أقول؟ أأقول بأنهم أخذوا يكتبون أسمائهم بسجائرهم في المنطقة الحساسة من جسدي؟؟ أأقول بأنني حتى الصراخ لم أعد أقوى عليه؟.

    تمنيت حينها يا سيدي لو أنني مت قبل هذا.. لو أن أمي لم تلدني.. لو أنني انتحرت أو لو أنني ذُبحت كما أمي، أو لو أن صاروخ مزق جسدي قبل أن تسقط مدينتنا.. تمنيت يا سيدي لو أنني وحدي من سقطت.. تمنيت لو بقيت مدينتي وذهبت أنا.. لكان الأمر يهون حينها.. ولكني سقطتُ وسقطت مدينتي، فكان السقوط مضاعفاً وكارثياً.. أكثر أهل مدينتي ماتوا مرة واحدة، وأنا وآخرين أمثالي متنا آلاف المرات.. وبصور شتى.

    كرهت نفسي منذ ذلك الحين.. ولم يكتفوا بما فعلوه معي.. بل ألقوا بي قرب حاوية قمامة وأنا غائبة عن الوعي وعارية لتأكلني الكلاب والقطط الجائعة.. ولكن قدري لم يكن ليكتبه هؤلاء الأنذال.. فما زال في عمر هذه الفتاة الشقية الماثلة أمامك بقية.. ولا تدري ماذا تخبئ لها الأقدار في علم الغيب.

    آلامي يا سيدي لا يمكنني أن أصفها لك.. ليس الألم مما جرى لي أنا فقط.. وإنما من كل ما جرى لبلادي وشعبي وأهل مدينتي وأهلي.. ولكني رغم كل ذلك لست يائسة يا سيدي.. فالجراح ستندمل وتزول، ومن مات سيولد غيره يكمل مسيره، والآلام ستذهب في سبيلها.. ومدينتي ستعود بإذن الله، سنعمِّرها بأيدينا وسنزرعها لنبث الروح فيها وتعود أفضل مما كانت يا سيدي.. فالدماء التي أريقت لن تذهب هدراً.. والأعراض التي هُتكت لن تروح هكذا عبثاً.. فليغدو الحديد نقياً، لا بد له من النار والطرق.. وهو ما يحدث لنا الآن.. وهو ما يبشر بقرب النصر والتمكين بإذن الله.. فأعلنها يا سيدي على لسان فتاة صغيرة انتُهك عِرضها.. لتؤنس قلوب المسحوقين.. فالظالم لن تبقى قوته التي تسمح له بظلم الناس.. ستزول كما تزول الشمس في آخر النهار، كما لن يبقى المستضعف على حاله.. وسيكون حينها وقت الحساب العسير لكل طاغية وظالم.

    وأطلب منك يا سيدي أيضاً أن تبلغ المتفرجين الذين يصمتون صمت القبور أمام مآسينا وأقول لهم: لن يشفع لكم التاريخ جبنكم، ولن يغفر الله لكم صمتكم.. وإذا بقيتم على حالكم سيأتي دوركم.. "ألا إنما أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض".

    د. زهرة خدرج
    #شعاع_من_الذائقة
    مرحبًا مع قصة أخرى ودكتورة زهرة خدرج
    الملمح الأول لشعاع الذائقة هو العنوان والذي يحدد تمامًا مغزي وموضوع القصة، ليس هذا وفقط بل ووضع العنوان الآخر والذي لا يختلف عن العنوان الأول عن كشف القصة تمامًا، وكما أقول أنه ينبغي أن يكون العنوان أيقونة للقصة ومغراها، وجاذبًا للقارئ وفي نفس الوقت لا يسلم القصة هكذا مبكرًا للقارئ دون أن يخوض هو بذاته رحلة الكشف في المتن القصصي، والعنوان بذلك من الأمور الصعبة في القصة القصيرة، والتي تحتاج إلي جهد قد يوازي إبداع متن القصة ذاتها، بل ويفوق أحيانًا.
    الأمر الثاني: أن فكرة الحديث للإعلام صاغت صوت بطلة الحدث وهي تحكي مأساتها وتصف ما لاقته من أهوال، وهناك لا شك بلاغة قولية، وغرض نبيل ولا اكثر ألمًا وأروع، فإذا لم تصف القصص مثل هذا الحدث الدامي فماذا عساها تصف، ولكن هي أيضا قطعة عريضة، وقطاع متسع وكأنه نقل فوتوعرافي للواقع المعيش، ولكن هذا لا ينفي بلاغته.
    الأمر الثالث أن ذائقي ترحب بالمتن مع تحفظي علي سعة السرد الذي لا تتحمله القصة القصيرة بحال، لكن فقرة في علم الغيب فهي تمليها الحماسة وتخرج من إطار القصة القصيرة وتذهب لعالم المقالة الرحيب، إن خاتمة القصة لا تقل أهمية من بدايتها لأن فيها الأمر الباقي من مغزي القصة وقيمتها الفنية في عقل وفؤاد القارئ، إن أعظم القصص التي كتبت هي التي أضافت من خلال شجاعة وجرأة الكاتب بحدف من نصه الإبداعي.
    شكرًا لهذه القصة الهامة.

  4. #94
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


  5. #95
    كاتبة الصورة الرمزية د. زهرة خدرج
    تاريخ التسجيل
    08 2016
    الدولة
    فلسطين
    المشاركات
    1,495

    رد: دورة كتابة القصة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد جوده مشاهدة المشاركة
    #شعاع_من_الذائقة
    الأمر الثالث أن ذائقي ترحب بالمتن مع تحفظي علي سعة السرد الذي لا تتحمله القصة القصيرة بحال، لكن فقرة في علم الغيب فهي تمليها الحماسة وتخرج من إطار القصة القصيرة وتذهب لعالم المقالة الرحيب، إن خاتمة القصة لا تقل أهمية من بدايتها لأن فيها الأمر الباقي من مغزي القصة وقيمتها الفنية في عقل وفؤاد القارئ، إن أعظم القصص التي كتبت هي التي أضافت من خلال شجاعة وجرأة الكاتب بحدف من نصه الإبداعي.
    شكرًا لهذه القصة الهامة.
    شكراً جزيلاً لك أستاذي لتعليقاتك المهمة والتي تحددد نقاط الضعف في كتاباتنا
    وهي ما أشعر أنني أستفيد منه بشكل كبير:
    تشخيص الداء، إن صح التعبير

    ولكنك حيرتني هنا أيضاً بقولك:
    سعة السرد والتي لا تتحملها القصة القصيرة

    وصدقاً لم أفهم قصدك بذلك، وللمرة الثانية
    هل يمكنك أن تفيدني أكثر؟
    وهل يمكنك تزويدي هنا بإيميل أتواصل مع حضرتك مباشرة من خلاله؟
    فلدي بعض الأسئلة التي تحيرني في مجال الكتابة الأدبية

    أشكرك مرة أخرى








  6. #96
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة

    [QUOTE=د. زهرة خدرج;16539054]شكراً جزيلاً لك أستاذي لتعليقاتك المهمة والتي تحددد نقاط الضعف في كتاباتنا
    وهي ما أشعر أنني أستفيد منه بشكل كبير:
    تشخيص الداء، إن صح التعبير

    ولكنك حيرتني هنا أيضاً بقولك:
    سعة السرد والتي لا تتحملها القصة القصيرة

    وصدقاً لم أفهم قصدك بذلك، وللمرة الثانية
    هل يمكنك أن تفيدني أكثر؟
    وهل يمكنك تزويدي هنا بإيميل أتواصل مع حضرتك مباشرة من خلاله؟
    فلدي بعض الأسئلة التي تحيرني في مجال الكتابة الأدبية

    أشكرك مرة أخرى
    [/QUOTE
    دكتورة زهرة خدرج
    السلام عليكم
    بداية قصتك ممتازة في موضوعها الحيوي، وأدائها اللغوي الجزل، وربما فقرة في علم الغيب فقط دفعت لها الحماس الشديد، فكانت تأكيد لمضمون سبق سرده بالقصة.
    وربما لأن القصة جيدة فعلاً مما دفعني دفعًا للتعبير عن رأيى هذا، مع رعاية أن الأدب حمال أوجه، ولا توجد كما قلت في فقرة سابقة بالموضوع واعتبرتها حقيقة دامغة أنه لا يوجد مطلقا من يملك الحقيقة الأدبية كاملة.
    أما قصدي بسعة السرد، فيتصل بمفهوم القصة القصيرة بانها دفعة واحدة، إذا أمتد زمنها تحدد مكانها، والعكس صحيح، ويتحقق هذا في رأي قطاع من نقاد القصة القصيرة أن تكون قائمة علي لمحة أو لحظة زمنية محددة، وأنها بين أمور أخري اختياراً فنياً مقصوداً لبرهة من الزمن قد تكون دقائق معدودة، مع إكسابها الدلالة الإنسانية، ويتم الحركة من اللحظة الزمنية الحاضرة بالسرد ذهابا وأيابا بتقنيات الاسترجاع بنوعيه الداخلي والخارجي واسميها آلة الزمن السردية، والتقنية العكسية الأخري الاستباق، بمعني أن القصة هنا ذات لغة جيدة ودلالة إنسانية عميقة بطبيعة الموضوع والعرض القصصي، لكن اللحظة ذاتها ممتدة والأماكن كثيفة، مثلاً لو بدأت القصة بلحظة وجود بطلة الحدث بالقرب من حاوية القمامة ثم استعملت القصة تقنية الاسترجاع بتذكر ما حدث لها مع خاتمة مثلا ذهابها في غيبوبة بعد رحلة التذكر دون أن أشير للقارئ بأنه أكلت يوم أكل الثور الأبيض فالقصة توجعه وتدفعه للعمل لتغيير هذا الواقع، هذا طبعا علي سبيل المثال.
    أما البريد فهو [email protected]
    ويسعدني تواصلكم بالرأي والتوضيح
    ولكم خالص التقدير

  7. #97
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم كوثر مشاهدة المشاركة
    سؤال أستاذنا الفاضل :
    نفترض أن أحدا لا يتمتع بموهبة الكتابة ، فقد تكون منحة ربانية ، لكن لديه رغبة شديدة في كتابة القصة ، كيف سيكتسب هذه الملكة وماهي المهارات التي سيعتمد عليها لتنميتها وتطويرها ، وكيف يصقل رغبته في الكتابة وهل يكفي اجتهاده المتواصل في التمرين على الكتابة لبلوغ قمة النجاح وحتى إجادت فن الكتابة أم ماذا ؟
    وهل الإبداع القصصي غير مرتبط بالمضمون ؟
    الأستاذة الفاضلة أم كوثر
    تحية طيبة لشخصكم الكريم
    وشكراً جزيلا تفضلكم بطرح هذا السؤال الهام
    واتفهم سؤال حضرتك عن المضمون وأهميته، وتم استيعابي أنك تقصدين أن المضمون القيمي يدفعك لكتابة القصص للتعبير عن هذا المضمون
    بالطبع المضمون في غاية الأهمية للقصة ولولا هذا المضمون ما الدافع أساسا للكتابة إذا لم يكن لدي الكاتب رسالة يود التعبير عنها
    ولكن نقاد القصة يتحدثون عن التفرقة بين المتن الحكائي والمبني الحكائي، المتن هو الحكاية أو الحدوتة أو الفكرة أو الموضوع أيا كانت التسمية، والمبني هو كيفية التعبير عن هذه الحدوتة انه عرض الموضوع من خلال تضفير بنيات المكان الزمان الشخصيات وحركتها في الزمان والمكان أي الحدث وتصعيده أي الحيكة، بمعني آخر القصة مزيج بين عنصرين موضوع أو حكاية وكيف تقوم بحكي هذه الحكاية، والأخيرة هامة جدا والا تحولت القصة الي لون أخر وهو النثر أو المقال
    وعندما تحدثت عن خلطة الابداع السحرية فهي مزيج بين الموهبة والحرفة وتختلف النسب في هذا المزيج فاذا قلت الموهبة لزم بذل الجهد الأكبر والحرفة الأعظم، والعكس صحيح، وفي الحالة الأولي سيثمر الأمر لا شك قطعا أدبية جيدة قد لا تكون قصة كاملة بالمفهوم الخاص بها ولكنها ستكون جيدة لأن فيها تشغيل عالي
    المهارات كتبت عنها بصفة عامة في الدورة وساستمر في الكتابة وسيتم التلخيص والإضافة في نهاية الدورة بالموضوع الثالث قواعد كتابة القصة الأربعون، وأتمني الإفادة وأن استفيد أيضا من توجيهي بمثل هذه الأسئلة وبالتوفيق دائما

  8. #98
    مشرف الصورة الرمزية ذكرى صلاح الدين
    تاريخ التسجيل
    03 2010
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    3,504

    رد: دورة كتابة القصة

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    شكرا جزيلا لكم أديبنا المفضال ا. خالد جودة
    متابعون بشغف بإذن الله للموضوع الثاني في هذه الدورة المباركة
    "شغاف قلب القصة"
    وقد ألح علي سؤال وأنا أتابع هذه الدورة المباركة،
    كيف نكتسب ملكة حسن اختيار العنوان الجذاب الجميل المشوق للقراءة المعبر عن مغزى القصة؟
    خاصة أنني أحتار طويلا دوما في اختيار العنوان
    وكثيرا ما أستسلم للعنوان الأول الذي خطر ببالي لأول وهلة، وهذا يبدو غير جيد بالنسبة لقصة نبتغي بها لفت انتباه محبي القصص


  9. #99
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ذكرى صلاح الدين مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    شكرا جزيلا لكم أديبنا المفضال ا. خالد جودة
    متابعون بشغف بإذن الله للموضوع الثاني في هذه الدورة المباركة
    "شغاف قلب القصة"
    وقد ألح علي سؤال وأنا أتابع هذه الدورة المباركة،
    كيف نكتسب ملكة حسن اختيار العنوان الجذاب الجميل المشوق للقراءة المعبر عن مغزى القصة؟
    خاصة أنني أحتار طويلا دوما في اختيار العنوان
    وكثيرا ما أستسلم للعنوان الأول الذي خطر ببالي لأول وهلة، وهذا يبدو غير جيد بالنسبة لقصة نبتغي بها لفت انتباه محبي القصص

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    العنوان قد يحتاج إلي جهد وتشغيل مثل ما احتاجه متن القصة ذاتها، والأمر ليس علي نحو ثابت، فالعنوان جزء من ذكاء القاص في نسج قصته، كما أنه يدخل ضمن لحظة الإضاءة، فاحيانا يتشكل العنوان ذاته قبل بناء القصة أو اكمال نسجها، وأحيانا يكتب القاص ولا يجد العنوان المناسب لقصته، وعليه أن يعيد قراءة ما كتبة بصوت عالي ومرات سراً بينه وبينه نفسه، فإذا وجد العنوان الذي يحقق شروط العنوان الجيد ويرضي عنه كان بها، وإلا فعليه انتظار فترة أخري ليعيد المحاولة مرة أخري، ويمكن كتابة أكثر من عنوان والترجيح بينها، والاستعانة بدائرة القراء الأوائل ممن يثق القاص بذائقتهم الأدبية، وشروط العنوان الجيد من وجهة نظري ال يكون كاشفا لمحتوي القصة وفي نفس الوقت معبرا عن المغزي بها وأن يكون مشوقا ودافعا للقارئ كي يقع أسيرا لغواية سرد القصة طبعا الأمر شاق جدا أن يتم حل مثل هذه المعادلة وسيكون في منشورات قادمة باذن الله ضرب أمثله ولكم خالص التحية والتقدير

  10. #100
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


    التشويق في القصة القصيرة بين التوابل الفنية والأثر الأدبي

    كاتب القصة القصيرة يحقق التميز إذا استطاع ان ينسج قصصه باستخدام السحر الأدبي، فتكون قصته راقية مشوقة، أي باستعمال هذا المزيج المتفرد من التوابل الفنية إذا أراد أن يأسر قارئ قصتة، وتلك من أهم خصائص القصة القصيرة، إذ كيف يستحوذ القاص علي القارئ فلا يدعه من أول كلمة حتى الخاتمة المفاجئة، أو الخاتمة المنيرة بقصدية القاص، أو الخاتمة المفتوحة التي تثير الأسئلة وتوقظ الوعي، ثم إذا استمتع القارئ بالقصة وتشويقها الفني، فيبقي الشق الآخر وهو الأثر الباقي من القصة علي مر الأيام، فالقيمة الموضوعية والجمالية هي التي تستقر في ذهن القارئ، وبذلك تحقق القصة نجاحها المأمول بين التشويق وبقاء الأثر، وليست الخاتمة المفاجئة هي مدار نجاح القصة في حد ذاتها، بل هي وسيلة للتشويق أيضا بحيث لا يكشف القاص جميع أوراقه سريعًا، وليس الموضوع المطروق كثيرا سببا أيضا في إخفاق القصة، بل مدار نجاح القصص حول طريقة التناول، وقدرة الاستحواذ علي القارئ علي حالين بين المتابعة حتى الكلمة الأخيرة والأثر الباقي، واستعمال القاص بحرفية عالية التوابل الفنية يجعل القصة وجبة شهية، يلتهمها القارئ التهاما، لكن هناك ملمحا هاما يعبر عن معيار القصة الفني، بحيث يتمثل النجاح فيما ذكرناه حول جذب القارئ وتوحده مع العمل الأدبي وفي نفس الوقت تصل إليه قيمة معينة، واحب أن اعبر أيضا عن مشاعري وأنا أتابع أحداث أمثال هذه القصص بنهم وهو أن مشاعري تصبح كالموج المتدافع وكأن عاصفة تتجاذبني مع الأحداث وهنا اذكر مقولة الكاتب المهجري (ميخائيل نعيمة): (ما الذي تتعطشين إليه يا نفسي والذي إليه تتوقين انك تتعطشين إلي مجد الكاتب وحظ الشاعر، وأي الناس لا يطمع في أن يكون له قلم يتحكم في أفكار الناس أو يتلاعب بأفئدتهم إذا ما هو سال بالشعر الرقراق)، واعتقد أن القاص المتمكن يمارس ذلك باقتدار فيتحكم في مشاعر القراء ليتابعوا الأفكار والحدث المتنامي.
    فقد تنوعت المذاهب الأدبية في الإحتفاء بالثيمة الموضوعية، ومضمون القصص، أو أخري بالشكل الفني والبنية النصية للأثر الإبداعي، بل حاولت بعضها الفوز بنصيب وميزة من كل مذهب أدبي، لكنها جميعاً اتفقت علي ضرورة حصاد المتعة في العمل الأدبي، باعتبارها البساط السحري لقصدية القاص.
    ويصعب أن نشير في هذا الحيز لجميع عناصر التوابل الفنية في القصة لكن:
    · استخدام الجمل القصيرة التلغرافية.
    · والمزاوجة بين الحدث الخارجي والمنولوج الداخلي لشخصية الحدث القصصي، أي يتم إتاحة ما يسمي المناجاة، أو الحوار الداخلي، ويحقق هذا البوح للشخصيات، والتجول في أنحاء النفس الإنسانية.
    · وسرد التفاصيل بما يعطي حيوية لاستبطان الشخصية وإنسانيتها، فيشعر القارئ أنه في قلب الأحداث، أو ما يسمي في الأدب (الإيهام بالواقع)، شرطاً أن تكون تلك التفاصيل موحية.
    · والانتقال السلس بين الحوار والمنولوج الداخلي، فالحوار يحقق وظيفة الكشف عن الآراء والدرامية في حالة تعارض وجهات النظر، وتضاد الإرادات، والمناجاة (المونولوج) يحقق الإفضاء والبوح.
    · التصوير الحي المتفاعل للمشاعر المتنامية، تصوير الصراع الداخلي وانتقاء عبارات موحية.
    · المراوحة بين العقلانية والعاطفية في صراع درامي بالقصة.
    · مراعاة ثقافة المتلقي وتراثه ونسق المجتمع القيمي والأخلاقي.
    · رعاية الاستهلال، فيما قيل عنه روعة الاستهلال، تقول الأديبة (ماريان مور): (إذا لم تستطيع أن تشد انتباه القارئ منذ البداية، وتجعله يتعلق بالقصة، فلا فائدة من الاستمرار)، وقالت القاصة التشيلية (إليزابيل الليندي): (اعتقد ان أهم شىء في القصة القصيرة ان تحصل علي النغمة الصحيحة في الأسطر الستة الأولي)
    · والفكرة الطريفة أيضًا من بواعث التشويق، فالقاص لا يجب أن يكرر نفسه وإلا أضاف منا لا كيفا، فيجب عليه أن يأتي بجديد، بمعني أن الأدب يتصل في شانه جميعاً بإطراف القارئ، أي إضافة جديدة سواء بتحديث طريقة تناول موضوع سابق، أو الاستخدام الجيد للغة وجزالتها، أو التناص المبهر، وهكذا يقول الناقد المغربي (د. بنسالم حميش): (من شروط القصة القصيرة الأصالة والطرافة)
    · وطريقة قصة النتيجة بالبدء من لحظة سردية ثم العودة للماضي بآلة الزمن السردية (تقنية الاسترجاع) للكشف عن الأسباب والحبكة التي أدت لتلك النتيجة، أو بتقنية الاستباق للتجول في المستقبل، إن طريقة المسرح في إزالة الأستار عن غموض القصة شيئاً فشيئاً أمراً مشوقا ومثيراً.
    · أيضا طريقة الإعلان السردي الاستباقي، من خلال تلميح يسير أو وصف مكان يجهز القارئ للقادم في القصة، بمعني أن يقوم القاص بادراج عبارة تشوق القارئ للقادم، يقول له انتظرني عندي حدث أو أحداث مشوقة ستأتي في السياق القادم، صحيح أن هذه التقنية ممتازة في الرواية لكن يمكن أيضا استعمالها بذكاء في القصة القصيرة.
    · أو استعمال المراوغة السردية بكسر أفق توقع القارئ، وهذا يحقق ما يسمي المسافة أو الفجوة الجمالية وتكون ممتعة للقارئ، بحيث كان يتوقع أمراً وكان هناك مفاجأة مختلفة أعدها له القاص.
    فالحقيقة أن القصة القصيرة خاصة عنصر نجاحها الاساسي، ان تشدك شدًا وتجعلك منتبهًا مستمتعًا متأملًا ضاحكًا أو باكيًا، او هم جميعًا معًا،
    وعلي القاص أن يدرك أن قصته كل متكامل فإذا ضعف جزء منها سقط العمل جميعه، فإذا نحج القاص في حشد توابله الفنية، وذاتيته الأدبية، وقدرة الحكي، ونجح بالفعل في جذب القارئ، ثم جاءت الخاتمة ضعيفة سقطت القصة، فالحذر من التخلص الفجائي من الأحداث، وقصر النفس بالانتقال السريع جدًا للوصول إلي النهاية، بما يتناقض مع شحن القصة بتلك الشحنة الشعورية والصراع المحتدم المأزوم، وفي نفس الوقت البطء الشديد يضر العمل ضررا بالغا ويجعله مملا ويفقده أهم ميزاته، وحرص القاص علي عنصر التشويق في القصة كملمح أساسي وعدم فك أسرالقارئ من قراءته للقصة، يحتاج إلي تأمل جديد واستيعاب لمدي السماح للكاتب بالدخول إلي فضاء نصه لتأكيد رأيا معينا يؤمن به، حيث هذا يضعف التواصل بين القارئ والقصة وينفي اندماجه مع الشخصيات (أقنعة القاص).








  11. #101
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


  12. #102
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


  13. #103
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


  14. #104
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


  15. #105
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة

    كثيرًا ما تثار قضية حجم القصة القصيرة في اللقاءات والمنتديات الأدبية، وطبيعي أنها كشأن أي قضية أدبية تحتوي العديد من وجهات النظر وتباين الرؤى، وإذا كان العرض يشتمل مختلف الآراء فإنه مما لا شك فيه أنه ما زالت هناك الحاجة لإقرار بضع مبادئ ثابتة، علي رأسها أنه لا يجب الجزم بالاحتفاظ بمساحة ثابتة مقررة للقصة القصيرة، او الأقصوصة، أو القصة القصيرة جدًا، او قصة الومضة، إلي آخر هذه التسميات، أكثر من احتفاظها بخصائص الأداء القصصي المميزة، بمعني أن "حجم القصة القصيرة" ذاته هو قمة الجبل العائم في القصة، وأن جسد الجسد المختفي أغلبه تحت الماء، هو خصائص الأداء القصصي ذاته، والتفصيل.
    فالبعض يري أن طبيعة القصة القصيرة لا تتحمل سوي بضع صفحات أو سطور قليلة استجابة لطبيعة الحياة السريعة وإيقاعها الموصول المرتفع الأداء، وضرورة أيضا من حيث مقتضيات النشر بحيث لا تستغرق القصة القصيرة مساحة كبيرة خاصة في الصحف والمجلات، كما يرون أن طبيعة القصة القصيرة نفسها توجب ألا تتجاوز صفحة واحدة بحال من الأحوال، حيث أنها عادة ما تقدم لحظة عابرة منفصلة، أو شريحة حياتية ترصد شيء من تفاصيل الحياة المحكمة، ولا شك أن طول القصة يتوقف علي هذا الاختيار الإبداعي، فالقصة القصيرة لقطة فنية من الحياة لكنها في ذات الوقت تشتمل علي جميع عناصر ودراما الحياة، كأنما هي جزء من مادة أو قطرة من بحر الحياة الزاخر تحمل في طياتها ككقطرة جميع أوصاف ذاك البحر الصاخب.
    أما د. مصطفي علي عمر فيفرق من حيث الحجم بين القصة القصيرة والأقصوصة ويري أن الأقصوصة حكاية تعرض في عدد قليل من الصفحات وتعتمد في بعض الأحيان علي خبر، يدور حول مجموعة قليلة من الأفعال، وقد تشمل موقفا معينا يعبر عنه الكاتب بإيجاز دون إسهاب أو إفاضة، فمن سماتها الخفة والسرعة، بينما يري أحد الكتاب: (أنه يبدو للمتعجلين أن قضية الحجم في القصة القصيرة ليست قضية جوهرية، بل ربما اعتبر الإيجاز والتركيز ميزة يتطلبها العصر ويتفق مع ايقاعه المتسارع، وهذا خطأ محض فليس التركيز فضيلة في ذاته فالفن ليس فكرة أو قضية مجردة، فالتشكيل عنصرا أساسيا، بل هو سر الجمال، ومصدر الإقناع بالفكرة، أو الانتماء إلي القضية، ولن تستطيع الصفحة الواحدة، أو الصفحتان أو الثلاث أن تقوم بحق الوفاء لعمق التحليل أو دقة التصوير أو إشباع الغوص وراء الدوافع ... وبعض الكاتبين يعتمدون في تكوين قصصهم علي ذكاء المفارقة، أو طرافة الحادثة، أو اللعب باللغة، وما يصنعونه يمكن أن يكون شيئا غير أن يكون "قصة قصيرة" بالمعني الاصطلاحي لهذه الكلمة)، وهذا الرأي كما نري مؤيدا لعدم تحديد حجما معينا للقصة القصيرة.
    ولكن هناك وجهة نظر أخري ترد علي هذا الرأي منتقدة الإسهاب وتري أنه ينماع به بناء القصة، (فكاتبها لا محيص له من الإحكام والوصف الدقيق الموحي الذي يقصيه عن السرد والتقرير المباشر ويؤدي إلي التكثيف الذي ينتشله من مهاوي السذاجة، لكي تنضج "الحدوته" نضجا واضحا، ومن الإصابة التي تقطع أنفاس الحاشية المطولة، ومن ثم كانت المشقة التي يعانيها كاتب القصة القصيرة وإن بدا للآخرين أمرا سهل التأتي)، لذلك كانت القصة القصيرة لا تتسع لرسم شخصية كاملة بكافة التفاصيل أو عدة شخصيات من كافة الجوانب ولا تتسع كذلك للحوادث الكثيرة ولا للحادثة الواحدة التي لا تتم إلا مع التشعب والاستيفاء والإحاطة بأحوال جمة من الناس في مختلف الأحوال والمواقف، لكنها تعطينا لونا من ألوان الشخصية كما تتمثل في موقف من المواقف فنفهمها بالإيحاء والاستنتاج، وقد تعرض موقفا نفسيا أو موضعا اجتماعيا ينفرد بنظرة عابرة ويؤخذ علي حدة فيدل دلالة الموقف والإيحاء، يقول "هوارتون": (إن الموقف هو الموضوع الغالب علي القصة القصيرة، ورسم الشخصية هو الموضوع الغالب علي الرواية)، وعلي هذا فجميع ذلك يؤكد ضرورة عدم إتخام العمل الأدبي وشحنه بزوائد قد تكون أحمالا علي العمل ولا تؤدي إلي خدمة معاني وأفكار القصة.
    ويذكر الناقد د. شكرى محمد عياد، في كتابه (القصة القصيرة في مصر – دراسة في تأصيل فن أدبي)، في معرض التفرقة بين القصة القصيرة والرواية (ولها فقرتها الخاصة في الدورة): (تشترك القصة القصيرة مع الرواية في كثير من الخصائص، ولكن هناك اختلافا، ولكن ما هي أهم المعايير في التمييز بينهما؟، لعل مقياس الطول – او عدد الكلمات – هو أسهل المعايير للفصل بينهما، فأشهر تعريف للقصة القصيرة أنها تقرأ في جلسة واحدة، والبعض قال أنها بين 2000 إلي 12000 كلمة، أما الحد الأدني للرواية ف 30000 كلمة لكنه رغما عن ذلك فهو أقل المعايير صلاحية لذلك، فهناك قصص تقع بين 12000 كلمة و30000 كلمة، إضافة أن هذا التحديد يتفاوت تفاوتا شديدا من بلد إلي آخر ومن عصر إلي آخر، فالرواية الإنجليزية في العصر الفيكتوري يمكن أن تصل إلي 200000 كلمة، وفي العصر الحديث ما بين 50000 و 80000 كلمة، أما الرواية الفرنسية فغالبا تقل عن ذلك، إذن المعيار الفصل هو الخصائص الفنية ( الخصائص الداخلية للنوع ) لا الحجم ، فالأخير معيارا نسبيا وتحكميا).
    وبالفعل فبالعودة إلي التأصيل التاريخي للقضية نجد أنها ترتبط ببداية نشأتها علي شكلها الفني الحديث والذي ابتكره "إدجار آلان بو" القاص الأمريكي في حديثه عن وحدة الانطباع أو التأثير، فالمعيار الفني لديه يتوقف علي وحدة الانطباع لنقله إلي القارئ، لذلك فهو يعترض علي القصة الطويلة من الناحية الفنية لأن طول القصة قد يقتضي التوقف في قراءتها من آن إلي آخر مما يشتت وحدة الأثر ويدمرها، فيحرم القصة بذلك من تلك القوة التي تنشأ عن قراءتها قراءة متصلة، فإذا جاز التجاوز عن هذا الأمر في الرواية الطويلة فإنه يعد أمرا جوهريا في القصة القصيرة لا غناء عنه، وفي قصرها اكبر معينا علي تحقيق هذا الأمر، ويحدد "بو" فترة قراءة القصة بين نصف ساعة وساعتين، يسيطر خلالها الكاتب علي روح القارئ، ويستطيع أن يحقق أثره علي أكمل وجه، وفي حيز القصة المحدود يتوقف نجاح الكاتب علي إتقان صنعته، وهذا التحديد يعد قديما أما التحديد الحديث والذي يذهب إليه معظم النقاد هو أن يتراوح طولها بين خمس صفحات وثلاثين صفحة – فإذا قصرت عن خمس صفحات صارت "أقصوصة" – وإذا زادت عن ثلاثين صارت رواية قصيرة، يذكر د . محمد عناني أن هذا التحديد أيضا غير دقيق فكثيرا ما تطول القصة عن ثلاثين صفحة وتحتفظ بكل الخصائص المهمة للقصة القصيرة، ومثل هذا الرأي يتحدث به الكتاب الألمان منهم "بيتس" و "فرانك أكونور" فيرون أن القصة القصيرة تختلف اختلافا تاما عن غيرها من أنواع القصص، والمسألة ليست مسألة طول أو قصر إنما هي روح القصة القصيرة نفسها فهي عمل أدبي مستقل ومتميز ولا يمكن أن تسمي إلا قصة قصيرة، ويتخذ آخرون مقياسا آخر لطول وقصر القصة القصيرة ليس حسب قدرة القارئ علي البقاء وقراءة القصة، إنما لمطالب النشر لا لقدرة القارئ علي مدة التركيز، فيذكر "هنري جيمس" القاعدة الثابتة المتعامل بها في المجلات المعاصرة وهي أن تتراوح القصة القصيرة ما بين 6000 : 8000 كلمة، وبالطبع تختلف هذه القواعد من وقت لآخر ومن مجلة إلي أخري ومن مكان للنشر إلي مكان آخر، فبينما نجد أن القصة الواحدة قد يكون حجمها ملائما لناشر وغير ملائم لناشر آخر، أما "سومرست موم" الكاتب الإنجليزي الشهير فيري أن الحجم المتوسط للقصة القصيرة يقع بين 1600 : 20000 كلمة، ولكن هذه أيضا ليست قاعدة فهناك القصة الفلاش كما ذكر د. محمد حسن عبد الله والتي لا تتجاوز سطور عدة، وهناك قصصا تقل عن 500 كلمة وقصصا أخري تتجاوز 32000 كلمة، يقول "آيان رايد" صاحب المرجع الهام في القصة القصيرة: (لا يرضينا أن يكون عدد الكلمات هو المعيار الوحيد فالفن الأدبي لا يحسب حسابيا)، وعدد أخر من الكتاب يرون أن القصة القصيرة إذا طالت أصبحت رواية قصيرة وأن هناك نوعا وسطا أو شكلا فنيا آخر يقع بين القصة القصيرة والرواية يسمي "النوفيلا"، وهكذا تظل قضية حجم القصة القصيرة قمة الجبل العائم والمختفي جميعه تحت الماء مما يستلزم غوصا نحوه بالتأمل واستكشاف خصائص الأداء القصصي ، وهذا ما نطمح إليه في هذه الدورة السابق منها واللاحق.

  16. #106
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


  17. #107
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


    الحدوته والقصة القصيرة - التقاء و افتراق

    تعد الحدوتة هي المادة الخام للقصة القصيرة بصيغتها التقليدية، فتلك "القصصية" أو "الحكائية" هي الشكل المبكر جدا والقديم من الأزل لفن القصة القصيرة، وهي تراث الشعوب وميراث الحضارة الإنسانية، أما القصة القصيرة بشكلها الفني المعاصر فبدأت قريبا منذ عشرات السنين فقط وعلي أيدي روادها الأوائل خاصة الأمريكي (إدجار آلان بو) بنقده الشهير وتلخيصه خصائص القصة بوحدة التأثير (الانطباع) وأشار نحو أن القصة القصيرة يجب أن تقرأ في جلسة واحدة، وأن الرواية ليست بها تلك الوحدة في الشعور حيث غالبا ما تقرأ منجمة، أما القصة القصيرة فمن شرائطها الأولي هي تلك الوحدة المقصودة، كما أن القصة القصيرة لم تؤسس فنيا سوي بابداعات تشيكوف وجوجول، حتى قيل أن القصاصين خرجوا جميعهم من معطف جوجول، وإدجار آلان بو، وموبوسان الفرنسي والذي قيل عنه القصة القصيرة هي موباسان، ويؤيد د. مصطفي علي عمر تلك الرؤية بأن الحدوته هي العمود الفقري للقصة القصيرة فيقول: (الحكاية العمود الفقري للقصة وهى تجعل القارئ يتشوق إلي معرفة الأحداث، وإذا افتقدت القصة عنصر التشويق أصبحت رواية بلا روح تبعث الملل في النفس، ونحن جميعا شهريار نتشوق إلي معرفة ما سوف يحدث بعد فالحكاية في الرواية تمثل القلب ونبضاته بالنسبة للإنسان، بمعنى أن الرواية تقص علينا حكاية .. ترتبط بزمن وقيم أي سرد مجموعة من الأحداث تقصها في أزمنة لا تشعر فيها بالاضطراب والقلق مع تشوق القارئ لمعرفة ما يخفيه المستقبل أو تأتي به الأيام)، ويقول نجيب محفوظ: (إن العمل الفني بلا حكاية، بلا حدوتة، يصعب –مهما يتسم بالجدة- أن تسمي عملا فنيًا، لأنه حينئذ يفتقد أهم مقوماته)، ويقول فورستر: (الحكاية هي العمود الفقري للقصة)، ويقول محمد جبريل: (أقوي دعامات القصة الحدوتة)
    وحيث أن ألوان السرد الحكائي أكثر من أن تحصي لكن ليست شرطًا أن تكون هي القصة القصيرة بشروطها الفنية ونضجها المعاصر، ويبدو الأمر أيضا مع الخامة الأدبية الأولي في كتابة القصة حيث تظهر تلك العجالة الأدبية أو الصور الأدبية بشكل الحكاية، والقصة القصيرة هي في أصلها حكاية أكتمل لها النضج الفني، أو الحكاية قصة قصيرة لم تنضج بعد، لذلك أحيانا نجد قصصا قصيرة رائعة رغم أن موضوعها قد تطرق إليه الأدباء عشرات المرات، أي ليس هناك ابتكارية في الموضوع، إنما الإبتكارية في التناول الأدبي وتوابله الفنية .
    هذا في التناول التقليدي، أما وقد احتلت القصة القصيرة مكانها العصري لفن شديد المعاصرة بل وأكثر الألوان الأدبية قربا من العصر، إضافة إلي ذلك التداخل الكثيف الحادث بين القصة وسائر ألوان الفنون تقريبا، لذلك أصبحت القصة القصيرة اكثر انتشارا صحافيا وموضوعيا، وأكثر ألوان الأدب قربا من المشكلات الحياتية، وأزماتها الاجتماعية، فقد ظهرت القصة الحديثة والتي تركن اكثر للتجريد، ورعاية حالة كاملة وليس شرطا لحظة فنية اقتنصها القاص بمهارته في قصته القصيرة، ولكن ما زال الكثير من التناول النقدي، والإقبال القرائي يهتم أكثر بخط الحدوتة ويرونها روح القصة القصيرة، واهم خصائصها، وما زال الجدل مستمرا.

  18. #108
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


  19. #109
    مشرف الصورة الرمزية ذكرى صلاح الدين
    تاريخ التسجيل
    03 2010
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    3,504

    رد: دورة كتابة القصة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد جوده مشاهدة المشاركة

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    العنوان قد يحتاج إلي جهد وتشغيل مثل ما احتاجه متن القصة ذاتها، والأمر ليس علي نحو ثابت، فالعنوان جزء من ذكاء القاص في نسج قصته، كما أنه يدخل ضمن لحظة الإضاءة، فاحيانا يتشكل العنوان ذاته قبل بناء القصة أو اكمال نسجها، وأحيانا يكتب القاص ولا يجد العنوان المناسب لقصته، وعليه أن يعيد قراءة ما كتبة بصوت عالي ومرات سراً بينه وبينه نفسه، فإذا وجد العنوان الذي يحقق شروط العنوان الجيد ويرضي عنه كان بها، وإلا فعليه انتظار فترة أخري ليعيد المحاولة مرة أخري، ويمكن كتابة أكثر من عنوان والترجيح بينها، والاستعانة بدائرة القراء الأوائل ممن يثق القاص بذائقتهم الأدبية، وشروط العنوان الجيد من وجهة نظري ال يكون كاشفا لمحتوي القصة وفي نفس الوقت معبرا عن المغزي بها وأن يكون مشوقا ودافعا للقارئ كي يقع أسيرا لغواية سرد القصة طبعا الأمر شاق جدا أن يتم حل مثل هذه المعادلة وسيكون في منشورات قادمة باذن الله ضرب أمثله ولكم خالص التحية والتقدير
    يبدو أن التسرع في إخراج القصة للقارئ بعناصر غير مكتملة يفقدها جودتها ومن ذلك عدم التروي في اختيار عنوان يزيد من جمالها وجاذبيتها للقراءة. أتابع منشوراتكم القادمة بإذن الله بخصوص الأمثلة.
    بوركتم أستاذنا الكريم ا. خالد جودة وبورك نبضكم ودام عطاؤكم
    خالص الشكر والتحية لكم.

  20. #110
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ذكرى صلاح الدين مشاهدة المشاركة
    يبدو أن التسرع في إخراج القصة للقارئ بعناصر غير مكتملة يفقدها جودتها ومن ذلك عدم التروي في اختيار عنوان يزيد من جمالها وجاذبيتها للقراءة. أتابع منشوراتكم القادمة بإذن الله بخصوص الأمثلة.
    بوركتم أستاذنا الكريم ا. خالد جودة وبورك نبضكم ودام عطاؤكم
    خالص الشكر والتحية لكم.
    فعلا أستاذة ذكري
    الكتابة هي إعادة الكتابة، وبعض الكتاب يكررون الكتابة، ويعدون عشرات المسودات، وتلك الصورة النهائية تكاد تختلف تماماً عن الصورة الأولي، إن الإعداد والصبر وبذل الجهد الكبير يخبر عن قاص مجتهد حريص علي التنمية الفنية والإجادة
    خالص التحية والتقدير








  21. #111
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


    مقدمة :
    تتمتع القصة القصيرة والرواية باعتبارهما من الفنون القولية الممتعة بشعبية كبيرة بين جموع القراء ، بحيث لا تكاد تخلو منهما صفوف الكتب في المكتبات ، ومساحات الصحف والدوريات علي اختلاف أنواعها ، باعتبار القصة من الألوان المحببة للقارئين علي اختلاف مستوياتهم ، كذلك تداخلت الرؤية النقدية لتضع السمات الخاصة في التناول الإبداعي للقصة بحيث تؤسس شروطا معينة للقصة بصفة عامة ، ثم لأنواع القصة بصفة خاصة ، وبين يد حضراتكم ورقة نقدية مختصرة نرصد من خلالها مدي توافق تلك الرؤي المنوعة في تمهيد الطريق نحو مناطق الاقتراب بين القصة القصيرة والرواية باعتبارهما من فنون القصة ، ومن خلال الآراء والمناقشات المثمرة نصل إلي تشكيل أبعادا فكرية وفنية حول تلك النقاط ، بما يشكل رؤية موفقة يستفيد منها الأديب والمتلقي علي حد سواء .

    تداخل الأنواع الأدبية :
    بداية نشير إلي انصراف البحث النقدي إلي تعريف الضرب الأدبي الفني أو الصنف الأدبي بكونه ( أحد القوالب التي تصف فيها الآثار الأدبية ، فالمسرحية مثلا جنس أدبي ، وكذا القصة وهكذا ، بحيث يتميز كل صنف أدبي تميزا واضحا عن غيره من الأجناس الأدبية ) ، لكن الاتجاه النقدي الحديث يؤسس لمفهوم تداخل الأنواع الأدبية ، بحيث يتم نفي التمسك بأسس التفرقة الشكلية ، ويصبح الأهم التمييز بين أغراض الأدب في أجناسه المختلفة ، بمعني أن الرؤية النقدية لا تري في تصنيف الأنواع الأدبية وظيفة ضرورية عند التحليل والتقييم ، إنما يتم اتخاذ هذا التصنيف كوسيلة مساعدة ( وصفية مفيدة ولكنها ليست تحكمية كما كان الحال في الماضي ) ، بحيث ظهرت أعمال أدبية تقتني أشكال مبتكرة في الأداء الأدبي بحيث يصعب تصنيفها تحت لواء واحدا من الأنواع الأدبية التقليدية ، هذا رغم ما تؤديه في ذاتها من غرض أدبي في المتعة والمنفعة معا ، وليس هدف المقال دراسة تلك الرؤي الجديدة ( فتلك لها بحثها الخاص ) بقدر الاكتفاء بالتلميح إليها بما يفيد في تفسير وإلقاء الضوء علي مناطق الاقتراب بين القصة القصيرة والرواية بأنواعها ، فنسير بداية إلي أن كثير من الكتابات منذ عشرات السنين أشارت باستفاضة إلي شرح خصائص الأنواع الأدبية المختلفة خاصة القصة القصيرة ، والتعرض لتلك الأفكار الهامة رافدا يصب في ناحية هدفنا من تقديم تلك الورقة كما يلي :

    الفروق التقليدية بين الرواية والقصة القصيرة :
    لا شك أن الرواية والقصة القصيرة ينتميان إلي مجموعة الفنون القولية الدرامية والتي أساسها اللغة النثرية ، والتي تقوم علي أحداث وقعت أو يمكن أن تقع ، والقصة بصفة عامة تستخدم آلية السرد والحوار معا في تحقيق المتعة الفنية للمتلقي ومن خلال الأداء القصصي بدرامية الأحداث وعقدتها وحبكتها القصصية ، هذا بصفة عامة ، أما من حيث الخصائص الأساسية للقصة القصيرة والتي تشكل فواصل بين النوعين فتتمثل في الخصائص الثلاث الشهيرة والمتداخلة والمترابطة معا ، بحيث تشمل إحداث وحدة التأثير أوالانطباع لدي المتلقي من خلال التركيز علي حدث واحد أو أزمة واحدة من خلال بناء قصصي محكم ، كما أشار تعريف قاموس المصطلحات الأدبية عام 1964م عند الحديث عن لحظة التنوير : " وفي معظم الأحيان نجد أن كاتب القصة القصيرة في القرن التاسع عشر أو في القرن العشرين يركز اهتمامه نحو حدث واحد ، أو شخصية واحدة في حدث واحد ، وبدلا من أن يصور لنا تطور هذه الشخصية فهو يوضح أمرها في لحظة معينة " ، وغالبا ما تكون لحظة التنوير التي تمر بها الشخصية القصصية تعبر عن التغيير الحاسم والفاصل في لحظة تمر بها الشخصية .
    ويري أحد النقاد ( أن الرواية أيضا تعرض الحياة في شمولها أما القصة القصيرة فهي نقطة يتلاقي فيها الحاضر والماضي والمستقبل ، فالرواية تصوير من المنبع إلي المصب ، أما القصة القصيرة فتصوير دوامة واحدة فقط علي سطح النهر ) ، ولذلك فالرواية لها تسلسلها الزمني المعين ، وإن كان يمكن الخروج عن هذا النسق بحيلة فنية تتمثل في الفلاش باك ، أما القصة فتمثل إضاءة لحظة واحدة من الحياة ، ومن الفروق الآخري ما ذكره ( فرانك أوكونور ) في كتابه الشهير " الصوت المنفرد " بأن القصة القصيرة فن الوحدة والعزلة ( بمعني أن القصة القصيرة تتعامل مع الانكسار والهزيمة والإشفاق والكبت والضياع ولا تتعامل مع الانتصار ، فينكمش بطلها في قصة قصيرة ترضي به ويرضي بها ، أما لو كان البطل متوافقا اجتماعيا ونفسيا لكان أولي به أن يحتل صفحات رواية ) ، ويشير د . شكري عياد ( رحمه الله ) إلي أن فنان الرواية فيه شيئا من الباحث الاجتماعي أو المؤرخ أو العالم النفسي أو هؤلاء جميعا ، لذلك تغلب عليه طبيعة السرد النثري ، بعكس كاتب القصة القصيرة من حيث انه فنان شديد الفردية ويتلقى الحياة بحساسيته الخاصة لذلك يميل إلي تسجيل انطباعاته دون التفاصيل ، لذلك تغلب عليه قوة الشعر والإحساس بالدراما ، ومن الفروق الآخري أن القصة القصيرة تقوم علي الأداء الدقيق للأحداث لإحداث وحدة الانطباع لدي القارئ لذلك يجب التطابق التام بين الشكل والمضمون ، في حين تكون الرواية أشبه بالوعاء الذي يضم موادا مختلفة ، يذكر أوكونور ( أن الرواية لها شكلها الجوهري الذي نراه في الحياة من حيث التطور الزمني لشخصات الحدث ، في حين أن كاتب القصة القصيرة لا يعرف شيئا اسمه الشكل الجوهري لأنه لا يطمع في تصوير الحياة الإنسانية في مجموعها ، بل يختار فقط ما يتناول الحياة من احدي زواياها ) ، ويذكر القاموس الأمريكي والصادر عام 1968 م أن القصة القصيرة لها نمو محدد من ناحية الشكل ، وتتركز حول جانب وحيد من الجوانب العديدة في الرواية ، والشخصية فيها تتكشف ولا تتطور كما في الرواية ، أما الناقد محمد نبيل عاطف فيذكر : " القصة الآن – متعددة المذاهب ، كثيرة الدروب ، مختلفة المسالك ، قد تكون اللحظة فيها هي الحدث ، أو تكون الشخص أو الوسيلة ، أو النظرة العابرة ، أو اللفتة السريعة ، أو البوح أو غير ذلك ، وقد تكون القصة خاطرة مرئية أو واقعية أو غير واقعية ، أو تجربة شعورية ، أو تنفيسا وقتيا أو اعترافا ضمنيا ، وليس معني هذا ، أن القصة أسهل في كتابتها من الرواية ، ولكننا نؤكد بكل وضوح ، أن الرواية شيء ، والقصة القصيرة شيء آخر – ومن هنا فلابد للروائي أن يكون خصب الخيال ، قادرا علي خلق شخوصه ، متمكن من أعماقهم ، يستطيع أن يحركهم ذات اليمين وذات اليسار ، في فهم وإدراك ، والا ضاع منه الخيط الروائي ، وفقد أحداث روايته وجاءت شخوصه بلهاء " ، ويري آخرون أن للرواية دورها في تصوير حركة المجتمع بل وحركة الإنسان المعاصر عموما ، لذلك فهي تستغرق تقصيلات كثيرة وشخوص أكثر من إطار القصة القصيرة ، أما د . محمد عناني فيذكر خمس خصائص مشتركة بين القصة القصيرة والرواية وهي : كلاهما فن أدبي منثور ، وخيالية ( أي تختلف عن الحقائق التاريخية ) ، ويستخدم الكاتب فيهما السرد ( بدلا من التعبير عن مشاعر آنية كما يحدث في الشعر ، وبدلا من الحوار كما يحدث في المسرح ) ، وإن كان هذا لا يمنع من مزج الحوار في الأحداث القصصية ، لكن السرد هو الأغلب ، والسمة الثالثة أن كلاهما تخضع الأحداث فيها ( سواء الأفعال الإرادية البشرية أو الحوادث القدرية ) لنوع من المنطق أو التسلسل سواء كان تسلسلا زمنيا أم خاضعا لقانون العلة والمعلول وسواء كان السرد يتبع خطا متقدما في الزمن أم متعرجا يتردد بين الماضي والحاضر ، وهي تحاول إبراز المعني الكامن في هذه الأحداث البشرية ودلالتها ، كما يشتركا في سمة أنهما من الفنون الصعبة لنفس الأسباب التي تجعل فن القص يبدو سهلا ، أما السمات الفارقة فتتمثل في أن الرواية لا تخضع لتقاليد ثابتة أو ضوابط شكلية تسهل علي الكاتب مهمته فلا هي مثل الشعر يكتب نظما ، ولا هي مقسمة لمشاهد تخضع لأعراف سائدة في المسرح ، فالروائي له أن يسرد الأحداث دون التقيد بمكان أو زمان ودون أن تحده حدود الطول أو القصر ، كما أنه ليس مقيد اليدين إزاء الوصف والاستطراد وعدد الشخصيات ، فهو يستطيع أن يقدم أي عدد من الشخصيات أو يتعدي وحدة الانطباع فيخلق العديد من الانطباعات ، ورغم ذلك فإن في رأي بعض النقاد أن سمات القصة القصيرة والتي أشرنا إليها من تحقيق وحدة الانطباع والتركيز علي لحظة فارقة ، أو موقفا واحدا ، أو جانبا وحيدا للشخصية القصصية ، إنما هي ملامح النوع الأدبي الذي تأسس في القرن التاسع عشر ، أما القصة القصيرة الحديثة فقد تنوعت أشكالها لدرجة يصعب فيها رصد شكل ثابت لها ، فظهرت قصة الصورة والتي تستند علي الوصف والتحليل ، وتعدد وجهات النظر ، والنهايات المفتوحة ، وقصة الشخصية والتي لا تعتمد علي الموقف بل تعمد إلي الوصف النفسي الخالص بما يعرف بتيار الشعور ، أي التحليل والغوص في أعماق النفس الإنسانية أكثر من الاعتماد علي الحدث أو الوصف الخارجي والحركة خارج الذات ، والقصة الرمزية غير التقليدية لتتعدي قدرة الحدث وعناصر القص شكلها الواقعي إلي معان أخري تتعدد بتعدد القراء ودون تخطي حدود المعني الظاهر ، وهكذا يتضح أن الأمر يتجه أكثر إلي تقارب أنواع الأدب وهدم الحواجز الفاصلة بينها ، وإن كانت الرؤية الكلاسيكية تميل إلي تأصيل الفوارق التقليدية بين نوعي القص الرئيسيين ( القصة القصيرة والرواية ) ، ورغم قناعتي بحرية الأديب في التعبير عن فكرته بشكلها المناسب ، وأن تأسيس أشكال أدبية جديدة يكون من تأصيل الأدباء ثم يبلورها النقاد لاحقا ، وأن الأديب له أن يمزج سمات الأنواع الأدبية في دائرة عمله الأدبي ، لكن أميل إلي تأييد الفروق التقليدية تلك والاعتراف بها كسمات أصيلة تحدد النوع الأدبي بصفة عامة ، ولكن توجد منطقة متاحة ومشتركة بين النوعين ، كدائرتين اشتبكا في منطقة تماس تتسع أو تضيق حسب الرؤية النقدية ، لكن يظل دائما للأسس الثابتة دورها الهام في البناء عليها والتطوير منها ليكون البناء الأدبي راسخا ، ونشير ( بعون الله تعالي ) لتلك المنطقة المشتركة ونقاط التماس في الفقرات الآتية ، وسبق أن أشرنا لقضية حجم القصة القصيرة لما لها من اهمية بالغة في هذا الشأن، ونتابع أيضًا بفقرات أخرى.

    الرواية القصيرة ( Novelle ) :
    للأديب الكبير يوسف الشاروني تعبيرا لطيفا حول قصية التفرقة تلك فيقول : " كما أن القط والنمر ينتميان إلي فصيلة واحدة ، ومع ذلك فإننا نميز بينهما ، كذلك الأمر في الرواية والقصة القصيرة فإنهما مع إنتمائهما إلي فصيلة فنية واحدة يمكن التمييز بينهما ، وإن حدث تهجين بينهما في السنوات الأخيرة بما يطلق عليه الرواية القصيرة وهي التي تقع في حدود المائتي صفحة ، وبذلك أخذت الفروق التقليدية بين القصة القصيرة والرواية تذوب حتى أصبح الفرق بين الاثنين شفافا رهيفا "
    والعوامل التي ساعدت علي هذا التطوير الرؤية النقدية السابق الإشارة إليها من حيث تمازج الفواصل بين الأصناف الأدبية ، إضافة إلي ما ذكره النقاد من أن فنون القص بصفة عامة من أصعب الفنون الأدبية رغم ما يبدو من سهولتها وهو غياب الضوابط الشكلية أو التقاليد الثابتة التي تسهل علي الكاتب مهمته .
    ومن ناحية أخري يري البعض أن قضية الحجم هي الفيصل الوحيد في التفرقة بين الرواية والقصة القصيرة ، فيقول د . عبد العزيز السبيل : " السرد واحد من أقدم الفنون ، فلا شك ان السرد هو البوابة الرئيسة التي يدلف من خلالها كاتب القصة القصيرة وكذلك الرواية ، وليس من الممكن الحديث عن القصة القصيرة بمعزل عن الرواية فثمه تداخل بينهما بل إن هناك من يري أنه من المستحيل تمييز القصة القصيرة عن الرواية علي أساس معين غير الطول " ، ويتحفظ الكثيرين حول تلك الرؤية ، ويرونها مجافية للطبائع الخاصة بكل نوع كما أشرنا لكن مع المرونة اللازمة ، فهناك دائما في المنطقة الوسط نوعا أدبيا ( وهو هنا الرواية القصيرة ) تمزج بين طبائع الصنفين وتشكل منطقة التلاقي ، بحيث إذا كانت الرواية القصيرة تستعين بخصائص وشروط معينة يجب تحققها في القصة القصيرة فإن التزام القصة القصيرة بتلك الشروط ألزم لها بينما يبقي للقاص الحرية في منطقته الوسط في الإلتزام بتلك الشروط والطبائع من عدمه ، ولتوضيح تلك الرؤية نري أن الطول ليس هو فقط الفيصل الوحيد بين الصنفين وإن ظل من أهم العناصر الفاصلة ، لكن هناك عناصر أخري هامة ، فمثلا يري أصحاب المذهب الأول بإزالة الحواجز نهائيا بين الصنفين ( أنه لا يستطيع أحد أن يقول أن القصة القصيرة أكثر وحدة من الرواية من حيث إحداث وحدة الانطباع ، فكل منهما يمكن أن تكون ذات وحدة متساوية، كما أن الملحمة يمكن أن تكونا ذات وحدة متساوية، رغم الفارق الكبير في طول كل منهما. أيضاً لا يمكن لأحد القول بأن القصة القصيرة تتعامل مع شخصيات أقل، أو فترة زمنية أخصر من الرواية، وحيث أن هذه هي الحالة الغالبة، فإن القصة ذات الصفحات المحدودة يمكن أن تتناول عدداً كبيراً من الشخصيات خلال أكثر من عقد من الزمن، في حين أن الرواية الطويلة يمكن أن تقصر نفسها على يوم واحد في حياة ثلاث أو أربع شخصيات ) ، ولكن لا يمكن القياس علي الاستثناء أو الحالات الابداعية الخاصة إلا بعد استقراها حسب التنظير النقدي والذي يتبع الممارسة الابداعية الممتدة لعدد من السنوات والأجيال الأدبية ، وعلي هذا الاساس لا يمكن إنكار أن القصة القصيرة بصفة خاصة من حيث تناولها للقطة واحدة من الحياة ، أو لحظة واحدة في حياة الشخصية القصصية ، او تناول موقفا وحيدا في الحياة ، بحيث يمكن الجزم إلي حد كبير بأن القصة القصيرة تتعامل مع شخصيات أقل وممكن فترة زمنية أخصر من الرواية في الأغلب وذلك بحكم امكانياتها الفنية الخاصة في التكثيف الفني والذي لا تستسيغه الرواية بحكم طبيعتها الفنية أيضا في تناول الأحداث الروائية ،( فمثلا يمكن للرواية القصيرة ان تحقق وحدة الانطباع ، فإن كان لها ذلك لكن لها الحرية بعدم التقيد بذلك ، بعكس القصة القصيرة التي يشترط فيها توفره حفاظا علي عدم تشتت ذهن القارئ وتحقيق الوحدة الشعورية له باعتبارها الهدف الأصيل للقصة القصيرة ، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف فمن المستحسن في القصص القصيرة ألا تتعدد الشخصيات او الأمكنة أو الأزمنة لكن يظل أهمها عدم تعدد الشخصيات ، وإن كانت أيضا بعض الروايات المتوسطة تحقق عدم كثرة الشخصيات ، لكن يظل هذا غير جائزا في القصة القصيرة ) ، أما بالنسبة للتعريف فالكلمة ألمانية وتعني القطعة القصيرة الأقصر من الرواية والتي تتراوح بين ثلاث صفحات عند كلابست إلي 300 صفحة عند لودفيج ، وتتميز بالتحول غير المتوقع ، وقربها توماس شتورم المصطلح من مفهوم القصة القصيرة ليتم تأكيد هذا التداخل .

    نسق المجموعة القصصية بين القصة القصيرة والرواية :
    عادة ما يضم القاص في مجموعتة القصصية حسب نسق معين بحيث تخدم نسيج أفكاره ، فتكون متحدة موزعة حسب تنويعات ورؤى معينة خاصة به ، فالتجميع لا يصح أن يكون خبط عشواء مما سبق كتابته ( وقد يكون نشر بعضه في الصحف والدوريات ) لغرض التجميع والنشر وفقط بل لابد من رعاية أن الكتاب والذي يضم مجموعة القصص له تأثير من حيث وضع القصص بجوار بعضها البعض ، وتتابعها الخاص في نسقها الفني ، فالبعض يختار غالبا قصصه والتي تمثل أعظم نضج فني نتتحوذ عليها ، أو لأنها تخدم هدفه الرئيس من موضوعات القصة لديه ، بل وأحيانا قد يختار عنوانا لا يمثل أحد عناوين مجموعته بل كأسلوبا مبتكرا معبرا عن الموضوعات القصص المنوعة ، والبعض ينصح بقراءة المجموعة مرتبة لأنها قد تمثل تصاعدا وتدريجا معينا يقصده الكاتب بدلا من أسلوب القراءة القائم على الإنتقاء العشوائي للقصص لقرائتها كما يفعل البعض ، ويرتقي هذا الأسلوب لدرجة مزج القصص القصيرة في إطار روائي ، ونقدم نموذجا لتلك الفكرة في رواية الروائي الكبير محمود دهموش ( خلف الأبواب المغلقة ) ، فماذا يجد القارئ عندما يطرق أبواب الرواية حتي تفاجئه مع تتابع القراءة أنه أمام مجموعة قصصية قصيرة فريدة ، والكاتب أوجد لها نسق روائي يضمها من خلال ذلك الخيط ممثلا في سكان وظروف عمارة الأستاذ سعيد ، وكان تأثير هذه الشخصيات المتعددة أنه لم يبلغ حد الاندماج الكامل في إطار رواية مكتملة الأركان فكانت كل قصة تسلم لأختها وأحيانا من خلال سرد قصصا منوعة لشخصيات مرتبطة بعلاقات صداقة من عائلات مختلفة تقطن هذه العمارة ، وقد يرمي القاص ( حسب فهمي ) باعتبارها رواية الحياة المتجددة والتي تنبئ أن وراء كل باب مغلق قصص إنسانية عجيبة وقد تكون معقدة ومتشابكة ، وتضم الرواية علي امتدادها نماذج إنسانية متنوعة تمتد بين الطيبة والعطاء والبخل والجحود والشر كطبيعة الحياة نفسها وإن كانت بعض الشخصيات قد نالت جزاءها العادل ، وأما من قدم خيرا فنال خيرا ، وبقيت شخصيات لم نعرف جزاءها حتي أغلقنا أبواب الرواية ، وهي مجموعة علي إجمالها تضم أطرافا متداخلة لحد ما وكأنها مجموعة قصصية تقع خلف أبواب رواية الحياة .


    خاتمة :
    ويظل دائما الاتجاه نحو الصدق الفني هو الأمر الهام في تحقيق أصالة الأداء الأدبي ومتعته ، يذكر الأديب الأستاذ علي شلش بما معناه أن ما يعيننا في كتابة الكاتب شيء من إحساسه ، فبدون الاحساس والشخصية تكون القصة القصيرة كالقنبلة المعدومة القدرة علي الانفجار ولكان في وسع ماكينة الخياطة عندئذ أن تكتبها . ، والعنصر الآخر هو أهمية ما تحققه الآثار الأدبية من التوازن وكمال الحياة ، فيقال( أن القصة لا تمتع ، أو تخبر أو تعلم ، رغم أنها تفعل ذلك كله ولكنها تعيد استيعاب القارئ للواقع وفهمه له ، أي الاكتشاف ، بمعني أن الفن لا يخلق الجمال وكنه يكشف عنه ، يقول شيلي : " إن الشعر يرفع النقاب عن الجمال المخبوء في العالم " وهو قول يصدق علي القصة بأصنافها كما يصدق علي الشعر ، لتكون كما يقول أيضا شلي : " قيمة القصة هي رفع الستائر وفتح النوافذ وإدخال الضوء "


  22. #112
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


  23. #113
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


  24. #114
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


    من القضايا الأدبية الساخنة والتي تثير الجدل دائما ، قضية الرمز في العمل الأدبي ، وهل الغموض ميزة في العمل الأدبي ، أم أنه اشكالية خاصة به ؟ ، البعض يقول بالغموض المقنن ، بما يشبه ملح الطعام ، بحيث يجعل العمل الأدبي محببا وجاذبا ، لكن شرطا أن لا تزيد جرعة الغموض بحيث لا يكون العمل الأدبي مستساغا ، ويبدو الأمر متصلا بتحرير المفاهيم بداية حول معاني الرمز والغموض ، حتي نتحرك عبر أرض صلبة في تلك القضية الهامة قد يكون من أهم أسباب اختلاف الرؤى حول القصة القصيرة المعاصرة غموضها ووقوعها فى دائرة الاغراب واشتمالها على استبطان القاص لذاته واستغراقه فيها ، وبداية نشير إلى المذهب الرمزى فى الأدب ( والذى يشتمل فيه العمل الادبى على لونين من المستوى فى المعنى وهما مستوى العالم الواقعى ومستوى عالم ما وراء الواقع واذدواجية المعنى ... ونجد فيه التحرر من السرد والاتجاه الى التدليل العميق والاسلوب المركز الموحى " وبالتالى يعاهد المتلقى عملا ادبيا له معنا ظاهرا ومعنا باطنا يذكر د . مصطفى عمر فى تعليقه على المدرسة الرمزية : " فانصار الرمزية يرون ان عالم المادة انما هو صور زائفة ولجؤا الى الرمز فكفى ما عاناه المجتمع من عالم الماديات وانكروا ان تكون الماديات مصدر الحقائق وامنوا بداخل الاشياء فاستبطنوا ذواتهم وانكروا الظواهر المادية كصور محسوسة فى المجتمع لذلك كانت خاصيتهم الاولى " الايحاء والالهام " وعدم التميز بين العالم الداخلى والخارجى ورؤا ان كل لون من الالوان الادبية يحمل مدلولين من المعانى مدلولا داخليا كشف عن اعماق الصورة ومدلولا خارجيا ينقل الينا صورة ناطقة لواقع وانكرو اى عمل ادبى لا يحمل هذين المدلولين واعتبروه ضربا ناقصا من ضروب الفن ولم يكتمل نضجه ولكنهم نظرو للعالم من خلال رؤيتهم فقط فجاءت غامضة لا وضوح فيها ، ولكن الايحاء وسيلتهم فى الكتابة فالكلمة رمز لمدلول بعيد بالتالى اللفظ يجب ان يوضع فى مكانه بما يحدث من جرس يؤدى الى متعة ولذة ولذلك غمرت اعمالهم الروح الشعرية حتى فى قصصهم ورواياتهم النثرية والاقتراب ايضا الى الموسيقى والخيالات التى تشبه الاحلام والاهتمام الصور الميتافيزيقية والهيام فى الاجواء الغيبية "
    ولكن نجد ان الاستغراق فى الرمز الى حد الغموض لاقى انتقادا واسعا ، اذ ليس معنى الوضوح فى العمل الادبى وتيسير وصول مقصوده الى فؤاد وعقل المتلقى ينفى عنه التكثيف الفنى وان يحمل بين طياته العديد من الدلالات والرمز الموحى المعبر اذ يرى البعض ان هذا الغموض ( والذى يبدو معه العمل الادبى كالمعميات و الطلاسم الملغزة ) لا يمكن ان يكون معيارا للحداثة والتفرد الابداعى ، انما هو ثمرة مرة من ثمار التخمة المادية وطغيان الفردية والاستغراق الكامل فى الاستبطان الداخلى دون اى فائدة مرتجاة للقارئ ، وترى الاستاذة سناء صليحة " ان الرمزية المغرقة فى الغموض تحير القارئ وتفقده اهتمامه بالعمل وان استخدام الرمز يكون بالتوسل بان يكون واضحا جليا لا يغرق القارئ فى متاهات بعيدة عن قضية الكاتب الحقيقية "
    يقول اليوت بأن هناك اسبابا كثيرة للغموض في العمل الادبى قائلا : " أرى أن هناك طرائق شتي كثيرة للغموض ، فهناك غموض هو في الواقع نوع من الإدعاء ، فالمؤلف يحاول ان يخدع نفسه ويعمل علي ان يقنع غيره بان عنده أشياء يريد ان يقولها أعمق مما عنده ، ومن أسباب الغموض صعوبة التعبير عن شئ تشعر به شعورا خاصا ، هو ما يعرض للكتاب الناشئين ، وهناك الغموض ياتي من طبيعة الموضوع ، ويكون كامنا في الافكار التى يعبر عنها الشاعر " .
    ولا شك ان الوضوح هو شاطئ الامان الذى يأوى اليه الحائرون والتائهون فى بيداء صحراء الحياة المحرقة المخيفة ، وليس شرطا للوضوح فى العمل الادبى ( كما ذكرنا ) ان يكون على حساب اهدار القيم الفنية فى العمل ، فليس معنى الابداع الغموض بحجة انه يتدفق من الوعى واللاوعى .
    ويرى د . مراد عبد الرحمن مبروك أن ظاهرة " الغموض الفني " قد غلب علي القصة الحديثة نتيجة للتطور في تكنيكها وجنوح الكاتب إلي الوسائل التعبيرية المستحدثة كما أشار نحو ان ظاهرة الاغتراب وعدم التواصل بين الكاتب والمجتمع انعكس علي شخصو القصص بالهروب من الواقع والاستبطان والاعتماد علي الذاكرة واستحضار الجزئيات الدقيقة للماضي .
    ويبقى التساؤل هل يكون الوضوح فى العمل الأدبى لدرجة تحول ان يحمل اكثر من دلالة ؟ ، هذا ليس صحيحا فالتكثيف وان يشتمل الاثر الادبي على اكثر من مستوى من الفهم والاستعانة بالرمز ليس معناه الاغراق فى الغموض تذكر الكاتبة سناء صليحة : " الفكرة فى العمل الادبى يمكن لها ان تمتزج فى نسيج العمل جميعه وتتغلغل خلف الحدث من خلال الصورة والنسق التعبيرى " ، ويشير احد الكتاب الى هذا المعنى قائلا : " بعض الادباء يسرفون فى رموزهم بحيث يتحول العمل الادبى الى لغز كبير تحار فيه الافهام ربما يكون من اهم عوامل نجاح العمل الفني أن يحتمل أكثر من تفسير ولكن ان تكون الرموز معقولة وعلى أن يكون للعمل الفني – الى جانب الرمز – صورته البسيطة التي يستطيع ان يفهمها القارئ العادي "
    يقول د . مجدي توفيق : منتقدا قيام قاص بتحميل الحدث القصصي بالرمز يجعل الحدث غير مفهوم بغير الإهابة بالدلالة ، ويجعله كذلك غير مباشر في دلالاته غير سطحي في معناه ، وإن كان هذا التحميل نفسه يحدث لدي القارئ نفورا من القصة ، لأن الحميل الرمزى للإحداث اليومية البسيطة يثقلها .
    يقول الأديب والشاعر المغربي إبراهيم القهوايجي : " الرمز مطلوب في العمل الادبي بما يتيح لقاريء النص من ملامسة الابعاد والزوايا المتحركة داخله..أما الغموض فهو ما يحقق الادهاش ويخلق تلك اللمسة الجمالية بين النص والملقي وقديما قيل للمتنبي :لماذا لاتقول ما يفهم فرد : لم لا تفهم ما أقول... " ونرى انه
    بالطبع لابد من وجود خلفية ثقافية مشتركة بين المبدع والقارئ حتى يفهم الأخير عن المبدع ، والغموض لا شك أنه ملح العمل الأدبي ، لكن أحيانا أديبنا يزداد الغموض ويفقد التواصل مع القارئ ، فيصبح العمل الأدبي مرا ، حتى لو أرتقي المتلقي في ثقافته ، أظن المتنبي والعقاد مثلا في عصرنا هما من الأدباء الذين يحتاج القارئ إلي بذل المجهود ورفع ذائقته الأدبية حتى يصل إلي مضامين أعمالهم
    ،
    ويلخص الكاتب الكبير / علي ادهم اسباب متعدده وراء الغموض في الأعمال الأدبية قائلا : " الغموض قد يكون مصدره الرغبة فى التضليل والإدعاء أو محاولة ستر الاغراض المقصوده لتفاهتها وقلة غنائها أو الخوف من إذاعتها ، وقد يكون سببه قصور التعبير وعجز الاداء وعدم تمكن الناشئين من الفن الذي يعالجونه ، وقد يكون يببه عمق الفكرة أو طرافتها أو تعصيها علي التعبير الواضح وتأبيها على المنطق المفهوم "، ويضيف : " وظيفة اللغة هي توضيح الأفكار وليست إخفاء الافكار كما يزعم بعض الساخرين "

    ويفسر بعض الدارسين الغموض الذى يكتنف بعض أعمال الكتاب بان هؤلاء الادباء حاولوا الافلات من جحيم الحصار والقهر فاحتموا بغابات الابهام والغموض السوداء واغرقوا تماما فى الرمز لدرجة الغموض حتى يحافظوا على نقائهم الفكرى وقيمهم الابداعية ، وهم فى ذلك معذورين فكيف يمكن ابلاغ رسالة الى القارئ بوسائط فنية وفى نفس الوقت يتم الافلات من المنع والحصار السلطوى ، يعبر احد الشعراء عن ازمة الاديب فى احساسه المأزوم بانه لم يعد له التأثير المأمول فى حركة الحياة وتحريك العواطف فقال :
    " شاعركم جبان / يخاف من جريمة الافصاح / لذا تراه يختفى خلف حلكة العبارة / ينسجها من اغرب / الرموز / يملؤها بالليل والأشباح / وكل قطعة تلوح كالمغارة / مغلقة على اعجب الرموز " وعلى هذا الاساس يكون ادب الاسقاط السياسي من اشق الوان التناول الأدبى واكثرها احتياجا الى مهارة وحذق الأديب الاريب إذ يؤدي الهدف الرامي اليه بحيث يصل الى المتلقى فى صورته الرمزية بوضوح فى ذات الوقت الذى لا تطاله أى مؤاخذة.

  25. #115
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


  26. #116
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


  27. #117
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


    سبق الحديث حول قضية حجم القصة القصيرة، وأنها القضية التي تمثل قمة الجبل العائم، المختفي معظمه أسفل الماء، بمعني أن خصائص الأداء القصصي هي التي تشكل المحور الرئيس لروح القصة القصيرة، يقول شيخ كتاب القصة الرائد الراحل "محمود تيمور": (إن القصة روح قبل أن تكون مظهراً، وفكرة قبل أن تكون حادثة، وإن روح القصة الحي وفكرتها الصميمة يجب أن تكون قبساً من الإنسانية التي إليها مرد الفن الرفيع في شتي صوره)، ولكن قضية الحجم هي الدليل علي الجبل ذاته والتي تشير إليه، رغم أنه لا يمكن الجزم بمساحة محددة للقصة القصيرة ليقال عنها قصة قصيرة، يقول القاص "إبراهيم عبد المجيد": (عدد لا بأس به من الكتاب يعرفون أن القصة القصيرة هي دفعة واحدة، إذا امتد زمنها تحدد مكانها، والعكس صحيح)، إن القصة لا تستغرق التبحر في شخصية وأفعالها حتي يتم إستفائها، أو جذور حدث قصصي أو مجموعة من الأحداث لبيان آثارها ومواردها، بل هي إنتقاء لحظة مأزومة، أو متوترة، او كاشفة من محيط الحياة، تقتني ما يعرف بلحظة الاشتعال، إنها نقطة تحول أو مادة مكثفة تمثل جوهر في الحياة، تثير دهشة الاكتشاف وتتعاطف مع الإنسان في محنته، ولعل من أديبات القصة القصيرة المقولة الشهيرة لصاحبها "فرانك أكونور": (القصة القصيرة صوت الطبقة المسحوقة، لأنها تتعامل مع الانكسار والإشفاق والكبت والصراع، فينكمش بطلها في قصة قصيرة ترضي به ويرضي بها، فالقصة لا تزدهر في حياة الخمول بل تزدهر مع حياة المعاناة لأنها تتخذ الومضة النفسية والحضارية للمجتمع والإنسان محورًا لها).
    وذهب روادها للحديث عن قوة الإقناع في القصة القصيرة، ووحدة الأثر فيها، أو ما تحدثه من انطباع، والبعض قال بوقت معين تستغرقه القراءة ما بين نصف ساعة وبعضهم قال ساعتين، وهو من الشروط الصعبة والتي كشفنا أن روح القصة القصيرة هي الفيصل، قيل: (القصة القصيرة تشبه سباق الخيل، أهم ما فيها هو البداية والنهاية)، فهي كما يقول الناقد "حسن الجوخ": (كانت وما تزال أقرب الفنون الأدبية إلي روح العصر، لأنها انتقلت بمهمة القصة الطويلة من التعميم إلي التخصيص، فلم تعد تتناول حياة باكملها أو شخصية كاملة، بكل ما يحيط بها من حوادث، وظروف وملابسات، وإنما اكتفت بتصوير جانب واحد من جوانب حياة الفرد، او زاوية واحدة من زوايا الشخصية الإنسانية، او موقف واحد من المواقف، او تصوير خلجة واحدة، أو نزعة واحدة من خلجات النفس الإنسانية ونوازعها، تصويرًا مكثفًا خاطفًا)، كما قال ما معناه: (إن إحاطة مفهوم القصة القصيرة بالقيود يفقدها كثيرًا من حسنها وروائها)، وكل قصة ناجحة عالمًا خاصًا يحكمه الإبداع وسحر الفن أساسًا، تقول القاصة التشيلية "إيزابيل الليندي": اعتقد أن لكل مؤلف مدخلًا مختلفًا، ولا يمكنك أن تعطي معادلة أو وصفة للقصة، لأنها لن تفلح).
    وهذا التكثيف وتقطير الحياة في قطرات مركزة من السرد، جعل القصة القصيرة لها عشرات التعريفات والمصطلحات، وظلت تمارس التكثييف حتي كانت بعد "الأقصوصة"، و "القصة القصيرة جدًا"، "قصة الومضة"، و "قصة الفلاش"، و "قصة السطر"، وغيرها كثير، إن التقطير والإيجاز مع مثول رواء الفن من الصعوبة بمكان، لدر جة أن الليندي أيضًا اعلنت كراهية كتابتها تقول في مقولة موجزة: (إنني لا أحب كتابة القصص القصيرة، إنني أكرهها، أحب أن أقرأها، لكنني لا أحب كتابتها، فانا أفضل كثيرًا أن أكتب آلاف الصفحات من رواية طويلة علي أن أكتب قصة قصيرة، لأنه كلما ازدادت القصة قصرًا زادت صعوبة كتابتها)، فالتقطير الفني للحكي فارس الرهان للتعبير عن العصر، ولذلك ينقم الناقد "د. عبد المنعم تليمة" علي القصة القصيرة التي لا تمت بصلة للقصة القصيرة يقول: (الرواية قطاع من الحياة، بينما القصة القصيرة تركز علي لحظة حياتية متأزمة، وليس هناك أسوأ من القصة القصيرة التي في حقيقتها رواية طويلة ملخصه)، إن هذا الوعي لازمًا لادراك كنه القصة القصيرة وروائها الفني الخلاق، وهكذا كان الرواد، يقول القاص البارع "محمود بدوي" راهب القصة القصيرة الذي أخلص لها إخلاصًا شديدًا فلم يكتب غيرها، وترك تراثًا هائلًا لها: (يجب أن تكون لحظة التنوير في القصة واضحة، وأن تتمتع بخاصية التركيز، وان يبتعد كاتبها عن الاستطراد او الإسهاب وكثرة الوصف .. لا يجب أن أقرأ القصة فلا أكاد أميز بينها وبين المقالة .. القصة القصيرة الناضجة هي التي تجذبك من سطورها الثلاثة الأولي، وهي التي تعيد قراءتها مرة ومرات من غير ملل)، أما ساحر القصة القصيرة وصاحب ريادة واقعيتها " يوسف إدريس" فيذهب في صراحة إلي التحديد الكمي هكذا: (إن الهدف الذي أسعي إليه هو أن أكثف في خمس وأربعين كلمة، أي في جملة واحدة تقريبًا، الكمية القصوي من الإحساس، وبإستخدام أقل عدد ممكن من الكلمات).
    بقي أن نشير لأنواع كتابة القصة في ظلال فكرة التصعيد الدرامي ونفي هذا التصعيد، عبر طرق أربعة لكتابة القصة علي سبيل المثال، فالحقيقة أن الطريقة مرهونة أساسًا بالإبداع والبصمة الخاصة بكاتبها، ذكر هذه الطرق "أحمد عمر شاهين"، نسردها بتصرف: (الطريقة التقليدية المساة بالقصة القوس والتي تكون ذروتها في منتصفها، ثم يقودنا المؤلف إلي الحل بالتدريج في النهاية، أو قصة الذروات كسلسلة جبلية، أو قصة التجلي كما أسماها جيمس جويس، وهي التي يتضح فيها الفكرة في الأسطر الأخيرة أو الصفحة الأخيرة، أو قصة الفكرة التي تكون مسيطرة من البداية إلي النهاية المفتوحة غالباً، دون ذروة أو تجل)، ثم كانت القصة القصيرة جدًا بانواعها والتي تحمل سمات المفارقة والتقطير الشديد، وتوظيف العنوان، والوصول إلي السخرية، ولحظة الاشتعال والتحول في الوقف أو الشخصية، ولم يشهد مثله نوع أدبي مؤخراً من جدل محتدم خلال عشرات الندوات والمؤتمرات حول هوية هذا النوع وأحقيته في الحياة، لذلك نقول مع "سمير عبد الفتاح": (يوجد تعريف تقليدي سائد للقصة يمكن قبوله لبعض الوقت بأنها لحظة مشحونة، او شريحة موجزة، محددة الزمان والمكان والشخصيات من خلال لغة مركزة بدورها مشحونة وتلغرافية)


  28. #118
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


  29. #119
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة


  30. #120
    باحث وكاتب
    تاريخ التسجيل
    06 2010
    المشاركات
    198

    رد: دورة كتابة القصة













ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •