بل فريدةٌ عزيزة ..
بقلم : الأديبة عبير النحاس
أذكُر أنَّه عندما قامتْ بعضُ القنواتِ بعرضِ مسلسل الحَاج متولي، صَدرت إحصائِية تقول: "إنَّ تجار الذهب يؤكِّدون أنَّ هناك ارتِفاعا كبيرا قد حَصل في نسبة مبيعاتِ الذهب، وبخاصَّة تلك الأساور التي تُشبه ما تحلَّت بها زوجة البطل الثانية "!. وعندما بدأتْ موضة عملياتِ التجميل، وبدأتْ بها (الممثلات و المغنيات على الشاشات) أخرجت إلينا عيادات التجميل نسخاً كثيرة من بعض هؤلاء! . و لما بدأت موضة (التاتو) أو الوَشم سارعت النسَاء إلى تطبِيقها بغضِّ النَّظر عن حُرمتها و أخطارِها الصحيِّة.و كمْ أخرجَت لنا الموضة من نماذِجَ بشرية متماثلة في ملابسها وإكسسواراتها، وألوان وقصَّات شعرها. وكم نسيت بعض الصبايا السابِحات في تيَّارها أنَّها قد لا تليقُ بهنَّ أو أنَّها لا تَتناسبُ ومجتَمعاتهنَّ. قد لا أسْتغرِب عندما أرى أنَّ هذا ما يحدث في تلك المجتَمعات غير الملتزمة، والتي قد تدفع فيها الفتاة سَعادتها و سمعتها ثمنا للحُصول على الشهرة، أو المظهرِ اللافتِ للأنظار، و نعرِف جميعا أنَّها أعزّ مطلوب هناك.وكذلك نرى هذه الظاهرة بوضُوح في المجتمعاتِ الغربيةِ، فنجِد نُسخا كثيرة للمشاهير تسير بيننا، و هي أمور عاديّة و مَقبولة عندهم رغم وجودِ الكثير من الدعوات القديمَة و الجديدة التي تدعو الشبَاب لأن يكونوا أنفسهم، و أن يثِقوا بما لديهم ، و لا يقبلوا بأن يكونوا نُسخا مقلَّدة من غيرهم.
فها هو "ديل كارنيجي" يقول في كتابه: (دع القلق وابدأ الحياة)
" ألَّف أنجلو باتري ثلاثة عشر مجلدا وألافا من المقالات التربوية للأطفال،
ولكنه لم يتأثر إلا بهذه الجملة التي قالها : ((ليس أشقى من الإنسان الذي يود أن يكون إنسانا آخر غير الذي يؤهله له كيانه الجسدي والفكري))".
وقال أيضا في كتابه القيِّم :" اكتشف نفسك وكن من أنت وتذكر ليس على وجه الأرض مثلك".
ويكون مُستوى التقليد للآخرين متفاوتا عند البشر وقد يقلِّد أحدهم الآخر بأمور عديدة:
فربما يقلده بشكله، أو بقصَّة شعره، أو بأفكارِه، أو بعباراتِه، أو لعلَّ التقليد يشمل الحركات وطريقةَ الكلام وحتى اللهجة.
وقد يدفع الشباب لتقليد َغيرهم عدَّة عوامل: فالصُحبة، والمحبَّة، والرغبة في الاندماج ، والإعجاب، وعدم تقدير الذات، وعدم الاعتزاز بالنفس هي العوامل الأساسية في كلِّ هذا.
ولو سألنا أنفسنا:
- ما الذي سَنكسبُه لو قمنا بتقليد الآخرين؟
وما الذي سنخسَره من هذا العمل؟
وأظن الجواب هو:
- إننا سنكتسب شهرة مفادها :" أننا نشبه فلانا "
وهي شُهرة لا خَير فيها ولا سرور كما أعتَقد.
- وقد قرأت لأحد الكتاب الغربيين قوله:
"سوف يعلم الإنسان يوما أنّ الحسد جهل، وأنَّ التشبه بالغير هو انتحار للشخصية ذاتها "إيمرسون.
وهو قولٌ رائِعٌ بلا شك،
و قد بيَّن لنا فيه َضرر التقليد،
وصدق في ما قاله، فمن يهِبُ نفسه لصورةِ غيره أو فكره يخسرها أولا.
- وفي التقليد إقرار منَّا لمن نقلِّدهُ بأنَّه ذو مرتبةٍ تفوقنا،
وأنَّنا نتمنى لأنفسِنا تلك المكانة التي وصل إليها،
وفي هذا تقليل من شَأن المقلِّد لا محالةَ،
وفيه أيضا نَيل سافر من عزتِه وكرامتِه،
وقد أُمر المُسلم بالحفاظ عليها لأنَّها أغلى ما مَلك.
وقد أمرنا الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بالتمسك بالعزة في الكثير من الآيات والأحاديث الشريفة:
ومنها قوله تعالى:{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِين }المنافقون 8.
ومنها حَديث عُمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه قال: سَمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزناالله به أذلنا الله"
أورده الألباني في السلسة الصحيحة.
وبعد كل هذا أقول: ثقي أنك قطعة نادرة لا مثيلَ لها ولن تتكرر أبداً، وأنَّكِ مُسلمة أيضا وهذا يعني أنَّ العزة أوَّل ميراثك، و لنْ تقبلي بأن تكوني إلا تلكَ الفَريدة العَزيزة و المُستقيمة العَفيفة.
