حزم الأمهات.. مفتاح الشخصيات الناجحة...
بقلم:الأديبة عبير النحاس
ابتسمت وقالت: عندما رأت إصراري على أن يقوم ولدي بما طلبته منه في ذلك الوقت: جميل ما رأيته من حزمك.. لا أحب الأمهات (التشاتيش).
كلمة (تشتوش) في اللهجة السورية تقال لمن لا يملك أي نوع من أنواع الحزم؛ فنجده يرخي الحبل على الغارب لمن يعيلهم أو من يقوم على أمرهم أو من يترأسهم في العمل، وهذه الشخصية معروفة بتضييع من تشرف عليه، وقد تُسعد الكُسالى منهم، وتفتح المجال للتهرب من المهام والمسؤوليات والواجبات.
قليل الحزم أو (التشتوش) قد تنطبق على زوج لا يتمتع بالقوامة على أهله، وقد تقال لأب فقد الإشراف والسيطرة على أفراد عائلته، وتقال لمدير يسرح ويمرح العمال والموظفون في مؤسسته، وكلها شخصيات هدامة توصل للفشل الذريع لدى من هم تحت إشرافها ومن تدير شؤونهم، ولكنها برأيي تكون الأخطر عندما تتملك الأمهات.
تحتاج الأم إلى الحزم منذ الأيام الأولى لأمومتها، وهي بهذا تعين أولادها على الانضباط والالتزام وتبعدهم عن المزاجية والكسل والفشل وحب الراحة والتهاون في أداء الواجبات، وتصنع منهم تلك الشخصيات الرائعة التي يحتاجها المجتمع لتقوده، لأنها بداية ستكون قادرة على قيادة نفسها والتخلي عن رغباتها التي تعيق تقدمها، وبالتالي ستكون المؤهلة لقيادة الآخرين.
أين يلزمنا الحزم؟
يلزمنا في كل تفاصيل الحياة بعد مزجه بقليل من الحب والحنان؛ فالحزم لا يعني القسوة، بل يقع في مجال طاقة الإنسان وقدراته واحتماله، وهو فقط ما يخرجه من دائرة الكسل والإهمال والشهوة والتردد، ويدخله في دائرة أخرى أشد قليلا، ولكنها تبشر بمستقبل جميل سعيد، وهي دائرة القيام بما يلزم وما يجب وما هو طيب نافع.
فالحزم مطلوب من الأم، عندما تقرر مواعيد نوم الأولاد مثلاً، وكذلك مواعيد وأنواع الطعام الذي يتناولونه وكمياته أيضاً، ومطلوب عندما تدربهم على تنظيف أنفسهم والمحافظة على نظافتهم كذلك، وعندما تعلمهم أصول الطهارة وأنواع النجاسات، وعند أداء العبادات، وفي التواجد المحترم في بيوت الغرباء، وفي تعليمهم أصول وقواعد تناول الطعام، وفي ترتيب وتنظيف غرفهم وما يخصهم من أشياء، وكذلك في أداء الصلوات، وفي إتمام واجباتهم المدرسية بإتقان، وعندما يرتكبون الأخطاء ويتعمدون أذى الجيران والأصحاب.
في كل منحى من مناحي الحياة نجد أننا نحتاج إلى وقفة تلك الأم الحازمة القوية الصلبة التي لا تهاب ولا تخشى من فقدان حب ابنها وتعلقه بها، ولا تخشى على طفلها من تعب أو قليل من العناء؛ لأنها تدرك أن في فعلها هذا يكون البناء السليم.
مع الحزم لا بد من الإصرار:
لن يكون الحزم نافعا لو لم يمزج بالحب والحنان كما أسلفنا، ولن يكون له الأثر الطيب لو لم يخالطه ذلك الإصرار، فهناك صفات أخرى لازمة ليكون لحزمنا مع أولادنا معنى وأثر جميل، وأول وأهم صفة علينا أن نتمتع بها كأمهات هي:
المتابعة وعدم التهاون أو الملل.
أخطر ما في التربية من أخطاء هو عدم المتابعة، وفقدان الإصرار، والتهاون في الأداء؛ فقد رأيت من هذه النماذج مبنى هياكل مخلخلة من شخصيات كان يمكن أن تكون رائعة لو كان لدى الوالدة بعض الصبر فقط وبعض الهمة والنشاط.
في إحدى الرحلات اضطرت بعض العائلات لترك أولادهم مجتمعين في عناية بعض الأقارب في بيتهم، وهناك حظي الأطفال بعشاء لذيذ وسهرة ممتعة مع أترابهم، وعندما جاء وقت النوم اقتربت طفلة في العاشرة من عمرها من صاحبة المنزل وهي تبكي لتخبرها أنها تخشى من أن تبلل الفراش وأن والدتها كانت تحتاط للأمر يوميا، وبعد أن عادت الوالدة من رحلتها سألتها صاحبة المنزل عن السبب في فعلها هذا؟ فأجابت بحزن وألم بأنها السبب فيما يحصل مع طفلتها، فقد اعتادت أن تضع لها الفوط كل ليلة عندما كانت صغيرة بعد أن تدربت الطفلة على تركها، وأنها - أي الوالدة - كانت تطلب منها العودة للنوم عندما توقظها ليلا لدخول الحمام؛ لأنها لم تكن تحب النهوض من السرير في ليالي الشتاء؛ فاعتادت الطفلة على عدم القيام ليلا واستمر بها الحال إلى هذه السن نتيجة لكسل الأم أو تكاسلها عن الذهاب مع طفلتها ليلا إلى الحمام.
هذه حادثة عادية، وقد يعتبرها البعض تافهة، ولكنها سببت للطفلة صدمة نفسية عميقة حتى عندما كبرت وصارت صبية وكانت نتيجة تكاسل والدتها.
ما زال هناك الكثير من الحكايات التي تدمي القلوب، والتي يتسبب بها عادة كسل الأهل، أو عدم اهتمامهم، أو انشغالهم عن تربية أبنائهم، وهي من أهم ما على الأم فعله أو لعله الأهم مطلقا.
فتعليم الأولاد الصلاة قد يكون أمرا ممتعا أو صعبا؛ لكنه سيضيع حتما لو لم تتبعه ملاحقة وإصرار وتذكير يومي، بل ولن يكفي التذكير وحده بل الإشراف الكامل حتى ترسخ في قلبه تلك العبادة و تختلط بنفسه كعادة سهلة جميلة لا يطيق فراقها.
والدرس والتعلم لا بد معها من متابعة وصبر وإشراف وتجنب للكلل أو الكسل.
وكذلك أداء الواجبات المنزلية.
وتلك الاجتماعية منها.
الكثير من الأمور في رحلة التربية تحتاج منا حزماً وصبرا, وروحا لا تعرف الملل أو الكلل, و لعل في رؤيتنا لأولادنا كالشموس بين أقرانهم في تهذيبهم ونظافتهم وفهمهم وفقههم وانتظامهم والتزامهم ونظافتهم وتفوقهم ما يجعلنا ندرك بالفعل معنى أن نكون حازمات، وما يدفعنا بالفعل للحزم والصبر عليه والإصرار كذلك.