الواجبات قبل الهوايات.. متعة الإنجاز
بقلم: الأديبة عبير النحاس
في سنوات دراستي الإعدادية، كنت دائما تلك الفتاة التي تنجز واجباتها قبل النوم،
وكنت أيضاً أترك بعضا من تلك الواجبات لأكتبها بين الدروس،
وكانت الأمور تجري والأيام تمضي، وكنت راضية بنتائجي، والتي كانت تعتبر جيدة،
وفي الحقيقة كنت أعتمد على قدرتي على الحفظ والإنجاز السريع،
وما يسمونه بإنجازات اللحظة الأخيرة.
لا أخفيكم سرًا، هذه الطريقة كانت تنجح غالبا،
وكنت أستطيع تذكر المعلومات في الامتحانات الشفوية،
وأحصل على درجات ترضيني، وإن لم تكن تامة.
ولكن المشكلة في الأمر أنني كنت أشعر بتوتر دائم،
ولم أكن أشعر بارتياح أو سرور،
أو حتى بسلام مع نفسي وأنا أذهب إلى المدرسة كل صباح،
لقد كنت أحمل الهمَّ دوما.
في أيام الامتحانات كانت الأمور تزداد توتراً،
وكنت أسابق الزمان لأخزِّن المقرر في ذاكرتي،
ولا تهدأ نفسي إلا عندما أتناول ورقة الامتحان،
وكنت أشعر بندم كلما مر سؤال لم أعرف إجابته بسبب تقصيري.
علمتني صديقتي..
وفي يوم من تلك الأيام العصيبة اضطررت لمهاتفة صديقتي المجتهدة للاستفسار عن أمر يخص الامتحان،
وكنت كعادتي أسابق الزمن جريا وحفظا،
ووجدتها هادئة، يزين صوتها سكينة جميلة،
وبالطبع أثار الأمر استغرابي وحيرتي،
فصديقتي أخبرتني أنها لم تبدأ بعد بدراسة المادة التي سنمتحن بها في الصباح،
وأنها ما تزال تكتب الوظائف، وتحفظ الدروس المقررة علينا في الحصص الأخرى.
يومها فقط شعرت بالحزن على نفسي،
وعرفت الفرق بيني وبين صديقتي التي تحصل دائما على علامات كاملة أو قريبة من الكاملة،
ودون أن تعاني ما أعانيه من التوتر الدائم،
وعرفت أن نظرتها للوظائف والدروس كواجب تفعله كل يوم بهدوء وثقة،
كانت تختلف عن نظرتي لها كهم ثقيل، ليس فيه أي متعة،
وكنت أحب فقط القيام بما يمتعني ويسرني، وكانت قراءة القصص والروايات من أهمها على الإطلاق.
في ذلك اليوم اتخذت قراري
وعرفت أن السعادة في الحياة ليست في القيام بما نحبه من أعمال،
وإنما تكمن في إنجاز الواجبات قبل أي عمل قد نفضله ونحبه ونهواه،
وحينها سيكون شعورنا بالارتياح والرضا عن أنفسنا هو سر سعادتنا،
وسنسر حينها أكثر عند ممارسة بقية الأعمال التي نحب.
صديقتي غدت طبيبة، وغدوت أنا كاتبة ورسامة،
وما زلت أذكر لها تلك اللفتة الطيبة التي تعلمت منها الكثير،
وما زالت أثارها تمتد في مساحات أيامي،
وما زلت بها أستطيع أن أنجز الكثير والكثير من الأعمال التي أحبها،
بعد أن أنتهي من واجباتي المنزلية وما علي من أمور تتطلبها وظيفتي أو ما تحتاجه عائلتي.
وما زلت أحكي للفتيات عن سر السرور والسعادة التي ذقت طعمها،
واستشعرتها في ذلك الهدوء والرضا الذي يرافق تأدية الواجبات أولا بأول،
وأن ممارسة الهوايات وما نحبه سيكون أكثر لذة ومتعة حينها.