إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كيف جعل الفن والأدب والفيلم فلسطين أيقونة عالمية؟ عربي 21

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف جعل الفن والأدب والفيلم فلسطين أيقونة عالمية؟ عربي 21

    كيف جعل الفن والأدب والفيلم فلسطين أيقونة عالمية؟
    لندن- عربي21 الأربعاء، 30 نوفمبر 2022
    قال الناقد الأدبي الأمريكي حميد دباشي، إن القضية الفلسطينية اليوم، لم تعد قضية الفلسطينيين وحدهم، وتمكن الفن من إيصالها إلى العالم كله، وبات الجميع معنيا بانتصارها في نهاية المطاف.
    أوضح دباشي في مقال نشره موقع "ميدل إيست آي" وترجمته "عربي21"، أنه لا يوجد مشروع معنوي أو أخلاقي أو سياسي شرعي واحد في أي مكان في العالم، دون أن تكون قضية فلسطين في القلب منه.
    وفي ما يأتي النص الكامل للمقال:
    لم تعد فلسطين اليوم قضية الفلسطينيين وحدهم. بل غدا العالم كله معنياً بانتصارهم في نهاية المطاف. فلا يوجد اليوم مشروع معنوي أو أخلاقي أو سياسي شرعي واحد في أي مكان من هذا العالم دون أن تكون قضية فلسطين في القلب منه.
    دُعيت مؤخراً إلى النسخة التاسعة من مهرجان أيام السينما الفلسطينية، والذي نُظم في رام الله ما بين الأول والسابع من نوفمبر/ تشرين الثاني. ولكن قيود متعددة تحد من القدرة على السفر، لم أتمكن من الذهاب إلى فلسطين شخصياً ولم أجد مفراً من إلقاء كلمتي عبر الزوم.
    انطلق مهرجان أيام السينما الفلسطينية للمرة الأولى في عام 2014، ولم يزل المهرجان السينمائي الدولي الوحيد الذي ينعقد داخل فلسطين ليس من باب التضامن مع الفلسطينيين، ولكنه من صنع الفلسطينيين أنفسهم. توزعت فعاليات الحدث الذي طال انتظاره على العديد من المدن، بما في ذلك القدس ورام الله وحيفا وبيت لحم والناصرة وغزة.
    في الذكرى السنوية الأربعين لخروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت في عام 1982، عُرضت في المهرجان هذا العام أفلام مختارة توثق لتلك الحقبة التي كان لها ما بعدها، ورافقت ذلك سلسلة من الندوات والنقاشات التي سلطت الضوء على ذلك الحدث، الذي ضاع في زحمة التطورات السياسية الكبرى حول العالم فلم يحظ باهتمام يذكر، ولكن بالنسبة لنا معشر الملتزمين بالقضية الفلسطينية كان لا بد من أن نتوقف عند الذكرى السنوية لهذا الحدث لما له من أهمية تاريخية كبيرة.
    كيف عسانا أن نقيس نهوض القضية الفلسطينية من كونها مجرد حركة تحرير وطني إلى وعي عالمي أكبر من الحياة ذاتها، بما في ذلك من أصدقاء معنويين وسياسيين بالغي الأثر؟ ما فعلته في مداخلتي هو أنني توقفت عند لحظات أيقونية كبيرة في السينما والرواية والفن والتفكير النقدي الفلسطيني والعربي في حقبة ما بعد الخروج من بيروت في عام 1982، والتي ساهمت على مدى العقود الأربعة الماضية في إعادة موضعة القضية الفلسطينية بشكل راديكالي على مستوى العالم بأسره. وهذه المحطات ليست نهائية ولا موسوعية، ولكنها تمثل شيئاً أضخم من ملخصاتها الكلية.
    يمكن القول إن الفاجعة التاريخية للخروج من بيروت في أغسطس/ آب من عام 1982 كان لها أثر محفز على الوعي الوطني الفلسطيني، بما رافق ذلك من تداعيات اجتماعية وسياسية واضحة. إلا أن هذا التسامي لم يكن مقتصراً على الوعي بالذات لدى الفلسطينيين فحسب، بل كانت له مضامين عالمية بالغة الأثر من حيث التشكيل والتنظيم الخاص بالقضية الفلسطينية.
    فواجع بارزة
    تتشكل الدراما الفلسطينية المستمرة من العديد من الفواجع البارزة التي غدت معالم على الطريق، بما في ذلك نكبة عام 1948، ونكسة عام 1967، وأيلول الأسود في عام 1970، وحرب أكتوبر في عام 1973، وخروج منظمة التحرير من بيروت في عام 1982، ومذبحة صبرا وشاتيلا بعد ذلك ببضعة أسابيع فقط، والانتفاضتان في عام 1987 وفي عام 2000.
    يمكن اعتبار هذه الأحداث الخطيرة كما لو كانت سلسلة من الهزائم المتعاقبة أو سلسلة من التوسعات المتتالية للقضية الفلسطينية. بدون هذه الفواجع، كان يمكن للمرء أن يتصور سيناريو تظهر بموجبه فلسطين تماماً كما ظهرت غيرها من الأقطار المجاورة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية البائدة. ولكن الذي حدث بسبب هذه الفواجع هو أن فلسطين برزت كجرح نازف وفي نفس الوقت كاستعارة شاملة للنضالات العالمية الأشمل ضد الاحتلال الاستعماري وضد الظلم.
    هناك بضعة مؤشرات مهمة تميز ما طرأ من تحولات على القضية الفلسطينية بحيث غدت استعارة كونية، الأمر الذي يعتبر منحة ومحنة في الوقت نفسه. وذلك أن تلك الأحداث بقدر ما ساعدت في عولمة القضية الفلسطينية، فإنها أخرت التحرير النهائي والحاسم فيها.
    خذ على سبيل المثال المقال الأيقوني لـ إدوارد سعيد، بعنوان "السماح بالرواية"، والذي نشر في عام 1984، حيث يبدأ بتقرير عن هيئة دولية تتكون من ستة قضاة برئاسة شون ماكبرايد، كلفت بالتحقيق في مزاعم بارتكاب إسرائيل انتهاكات للقانون الدولي أثناء غزوها للبنان في عام 1984، وينتهي بمناشدة بعيدة النظر للسرديتين الفلسطينية والإسرائيلية بضرورة أن تجتمعا في حيز ثالث يتجاوز الهويات العشائرية.
    كان من الممكن أن يقدم ذلك الموقف نظرة أكثر واقعية للتخلي التام عن جميع السرديات الوطنية. ولكن منذ نشره، فإن المقال اعتبر مقدمة نظرية للترحيب بسرديات من شردوا في حقبة ما بعد الاستعمار، والذين ظلوا حتى تلك اللحظة يُحال بينهم وبين أن يحتلوا مكان الصدارة.
    ولا يقل أيقونية في تلك الحقبة عن ذلك كتاب جان جينيت، بعنوان "أربع ساعات في شاتيلا"، والذي صدر في عام 1983، ويعتبر واحداً من التقارير الأولى التي توثق إفادات شهود العيان لما كان عليه الوضع مباشرة بعد المجزرة في صبرا وشاتيلا. لقد غدت الصور الأيقونية التي وثقها في كتابه رموزاً للفظائع التي ارتكبتها قوات الكتائب اللبنانية وأنصارها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين العزل، والذين لا حول لهم ولا قوة: "في بعض الأحيان أغلقت جثة طفل هامدة الطرق: فقد كانت صغيرة جداً، ضيقة جداً، وكان الموتى كثيرون جداً. لربما كانت الرائحة مما يألفه المسنون، فهي لم تقلقني. ولكن كان الذباب كثيراً جداً.. رفعت المنديل أو الصحيفة العربية التي كانت تغطي رأس أحدهم، فأزعجتها. أسخطه ما فعلته فانطلق نحوي وانقض على يدي من الخلف يريد أن يتغذى هناك".
    غدا تقرير جينيت رمزاً للوعي العالمي بمحنة الفلسطينيين.
    العودة إلى تصور الفظائع
    ولكن لربما كانت الصورة الأكثر أيقونية لتلك الحقبة هي المنتج الرائع للفنان العراقي ضياء العزاوي بعنوان "مذبحة صبرا وشاتيلاً 1982-1983" والذي خلد واقعة ذبح الفلسطينيين في مخيمات بيروت للاجئين. من خلال الجمع بين التجريد الانهياري والصور المجازية.. أعاد العزاوي تصور فظائع جرائم القتل التي ارتكبت بحق الفلسطينيين الأبرياء على المستوى الكوني – وهو ما يذكر بقوة بلوحة بيكاسو غرينيكا في عام 1937. عملا جينيت والعزاوي كلاهما رفعا من قدر الحالة الفلسطينية لتؤول إلى حقيقة من حقائق ما فوق الطبيعة، بعيداً عن متناول آلة الدعاية الصهيونية.
    وفي عام 1987، خلد اغتيال فنان الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي شخصية حنظلة التي أنتجها، فتحولت إلى شاهد دائم الحضور على التحدي والنضال الفلسطيني. وبعد ذلك جاء الفيلم الوثائقي الذي أنتجته المخرجة الفلسطينية مي مصري، بعنوان "أطفال شاتيلا" في عام 1998، ليكرس كاميرتها العطوفة والواثقة في خدمة أصغر ضحايا التشريد والاحتلال.
    ومن المعالم الأخيرة لهذه الحقبة قصيدة محمود درويش "كيف نشفى من حب تونس" – وهي عبارة عن رسالة حب موجهة إلى العالم الأرحب، انطلاقاً من تونس التي استضافت الفلسطينيين في واحدة من أشد فصول تاريخهم حلكة. وتكمن أهمية هذه القصيدة في كونها تضع الفلسطينيين في القلب من حركات التحرر الوطني حول العالم بأسره.
    قبل انقضاء القرن الماضي، جاءت بوابة الشمس لإلياس خوري في 1998 لتقدم تدبراً مستداماً لموقع الذاكرة من التاريخ. ففي ضربة أدبية عبقرية واحدة، غرس الحقيقة الفلسطينية في القلب من الخيار الأدبي العالمي. ومن الأعمال التي لا تقل أهمية في تلك المرحلة رواية أطياف لرضوى عاشور في عام 1999، والتي يقرأ المرء فيها سرديتين، أحدهما أدبية والأخرى تاريخية، أحدهما بقلم الأديب والأخرى بقلم المؤرخ، كل منهما شبح للآخر – وفي القلب منهما ما تعرض له الفلسطينيون من مذابح.
    ما بين خوري وعاشور، ما نظر له سعيد باعتباره السردية الفلسطينية أصبح الحقيقة الواقعية.
    لوحة الإنسانية
    وقبل مرور وقت طويل جاءت رواية مساس للكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي في 2010 لتضع فتاة فلسطينية صغيرة في القلب من عائلتها ومن قومها ومن وطنها، بحيث تغدو مصدر رؤية كل ما تحت الضوء وما في الظلام، ومصدر كل موسيقى وصرخات شعبها، وحيث تحتل أحداث صبرا وشاتيلا الصدارة في ذاكرتها المعذبة.
    وفي ختام كلمتي الموجهة لمهرجان أيام السينما الفلسطينية أشرت إلى مصور الفيديو الفنان الإيطالي ماريو ريزي، وإلى فيلمه الأخير بعنوان "الفانوس الصغير"، الذي صدر في عام 2019، والذي يسجل فيه حكاية أني هوفر كنفاني، المرأة الدانمركية التي تبلغ من العمر خمسة وثمانين عاما، والتي انتقلت إلى بيروت في ستينيات القرن الماضي لتعيش مع زوجها الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، والتي لم تتخل يوماً عن التزامها بالقضية الفلسطينية. يجمع الفيديو، الذي اكتسب اسمه من رواية للكاتب كنفاني، بين الحقيقة والخيال ليسرد حكاية رمزية باقية.
    من الفلسطينيين إلى العرب الآخرين، وإلى ما لا يحصى عدده من البشر حول العالم، كانت نتيجة هذه الأعمال الفنية والأدبية والنقدية هي تمكين وإثراء الحالة الفلسطينية حتي تصبح شيئاً متجاوزاً لحدود غاياته الآنية والمباشرة.
    والحكمة من هذا التدبر والنظر في تاريخ النضالات الفلسطينية على مدى العقود الأربعة الماضية هو رؤية كيف تحول مسار نضالهم ضد الطغيان، الذي هم ضحيته، إلى لوحة فنية لإنسانيتنا، تتجاوز في حجمها الحياة ذاتها.
    لم تعد فلسطين اليوم قضية الفلسطينيين وحدهم. بل غدا العالم كله معنياً بانتصارهم في نهاية المطاف. فلا يوجد اليوم مشروع معنوي أو أخلاقي أو سياسي شرعي واحد في أي مكان من هذا العالم دون أن تكون قضية فلسطين في القلب منه.
جاري التحميل ..
X