أيها الإخوة المؤمنون، يشتكي الكثير من الناس من ضيق الرزق بسبب الأزمة التي تسبَّب فيها (وباء كورونا)، فاحتاج الأمر إلى التفقه في مفاتيح الرزق، فما هذه المفاتيح؟
وقبل الحديث عن هذه المفاتيح لا بد من ذكر مسلَّمات إيمانية عقدية فيما يتعلق بقضية الرزق:
1- تقدير الرزق قبل خلق السماوات والأرض: وجَب العلم أن الله هو الذي قدَّر المقادير، وقسم الأرزاق، وحدَّد الآجال قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ﴾ (الحديد: 22)؛ أي قبل خلق الأرض فهي مكتوبة ومقدرة، وقال تعالى: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ (الذاريات: 22).
2- تقدير رزقك في بطن أمِّك: حينما يكون الإنسان في بطن أمِّه، قالصلى الله عليه وسلم: "إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ في ذلكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ في ذلكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فيه الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ..."[1]. ومحل الشاهد أنه يؤمر المَلك بكَتْب رزقك وأنت جنينٌ في بطن أمِّك فلا تَقلق.
3- الله هو الباسط القابض: ومن معَانيه أنه يبسُط الرزق لمن يشاء ويوسِّع عليه، ويضيِّق على من يشاء، وهذه قسمة الله لا يُسأل عما يفعل سبحانه، فالفقر ودرجاته قسمة الله، والغنى ودرجاته قسمة الله، فلا حول لي ولا حول لك، وإنما الحول لله. وهذا كله داخل في الابتلاء؛ قال تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ (المائدة: 48)، وقال: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ (الملك: 2)، فالفقير ابتلاه الله بالفقر لينظر أيصبر أم لا، هل يرضى أم لا؟ وابتلى الغَنيَّ بالمال لينظر هل يشكر أم لا؟ هل يؤدي حقَّ الله في ماله أم لا؟ هل يُراعي حق الفقراء والمساكين أم لا؟ إذًا هناك ابتلاء.
4- لن تموت نفس حتى تستكمل رزقَها: فأبرِد على نفسك، واطلب المال من حلِّه؛ قالصلى الله عليه وسلم: "أيُّها النَّاسُ اتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ، فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتَّى تستوفيَ رزقَها وإن أبطأَ عنْها فاتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ، خذوا ما حلَّ ودعوا ما حَرُمَ"[2].
إذًا الرزق محسوم، وقد يسأل سَائل: ما الجدوى من هذه المفاتيح؟
نعم الرزق محتوم ولكن لن تصل إليه إلا بأسبابه ومفاتيحه، فما بعض مفاتيح الرزق؟:
المفتاح الأول: التوبة والاستغفار: لماذا التوبة والاستغفار؟ لأن العبد قد يُحرم الرِّزق بالذنب يُصيبه، ماذا قال نوح عليه السلام لقومه؟ قال لهم: "اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا "، فما فوائد هذا الاستغفار؟ ﴿ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ (نوح: 11-12)، فالمطرُ رزق، ويأتي بالأرزاق، والمال رزق، والبنين رزق، فعلينا أن نكثر من الاستغفار معاشر الإخوة الأفاضل. قصة: ذكر الإمام القرطبي عن ابن صَبيح قال: "شَكا رجل إلى الحسن البصري الجدوبةَ فقال له: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر، فقال له: استغفر الله، وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدًا، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بُستانه، فقال له: استغفر الله، فقال له الربيع بن صَبيح أتاك رجال يشكون أنواعًا، فأمرتهم كلهم بالاستغفار، فقال: ما قلت من عندي شيئًا، إن الله عز وجل يقول في سورة نوح: ﴿ قُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ (نوح: 10-12). ولذلك قالصلى الله عليه وسلم: "مَن لزمَ الاستغفارَ، جعلَ اللَّهُ لَهُ من كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ومن كلِّ همٍّ فرجًا، ورزقَهُ مِن حيثُ لا يحتسِبُ"[3]. فرزقُك يأتيك من حيث لا تحتسب شريطة الاستغفار، فأسأل نفسي، واسأل نفسك: كم مرة نستغفر الله في اليوم؟ وهذا رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مائة مرة" [4]. وعن ابن عمر أنه كان قاعدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم اغفر لي وتبْ عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم، حتى عدَّ العادُّ بيده مائة مرة"[5].
هذا وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
المفتاح الثاني: تقوى الله: والتقوى أن يُطاع الله فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، وقال طَلق بن حَبيب: التقوى أن تطيع الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معاصي الله على نور من الله تخشى عقاب الله؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ (الأعراف: 96)، وقال: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ (البقرة: 197)، ومن اتقى الله رأى العجب، والسؤال: لماذا تزيد التقوى في الرزق؟ لأن المتقي يتجنَّب الإسراف والتبذير، فيربَح ما يبذِّره غيره في الحرام بسبب تقواه التي منعته أن يكون أخًا للشيطان، ولا يُسرف حتى في الحلال؛ لأن الله لا يحب المسرفين، فلا يشتري ما لا يحتاجه، ويوفر مالًا للنفقة على أهله أو للصدقة وفعل الخير، وهذا طريق لحفظ المال، يخبرنا النبيصلى الله عليه وسلم عن رجل فقال: "بَيْنا رَجُلٌ بفَلاةٍ مِنَ الأرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا في سَحابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحَّى ذلكَ السَّحابُ، فأفْرَغَ ماءَهُ في حَرَّةٍ، فإذا شَرْجَةٌ مِن تِلكَ الشِّراجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذلكَ الماءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الماءَ، فإذا رَجُلٌ قائِمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بمِسْحاتِهِ، فقالَ له: يا عَبْدَ اللهِ ما اسْمُكَ؟ قالَ: فُلانٌ، لِلاِسْمِ الذي سَمِعَ في السَّحابَةِ، فقالَ له: يا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فقالَ: إنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا في السَّحابِ الذي هذا ماؤُهُ يقولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، لاِسْمِكَ، فَما تَصْنَعُ فيها؟ قالَ: أمَّا إذْ قُلْتَ هذا، فإنِّي أنْظُرُ إلى ما يَخْرُجُ مِنْها، فأتَصَدَّقُ بثُلُثِهِ، وآكُلُ أنا وعِيالِي ثُلُثًا، وأَرُدُّ فيها ثُلُثَهُ"[6]، بهذه التقوى استحق الرزق.
المفتاح الثالث: التوكل على الله: هل نحن متوكلون حقيقة؟ انظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد دخل ذات يوم على عائشة رضي الله عنها فقال: "يا عَائِشَةُ، هلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ؟ قالَتْ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما عِنْدَنَا شيءٌ، قالَ: فإنِّي صَائِمٌ"[7]، ليس لأن الفطور لم يُعَد، ولكن الفطور غير موجود أصلًا، فافترض لو نحن في مكان النبيصلى الله عليه وسلم كيف نتصرف؟ لكي تعرفوا التوكل الحقيقي، قال تعالى: "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا" (الطلاق: 3).
فالتوكل الحقيقي لا بد له من أسباب، ولذلك قال الله لمريم عليها السلام: "وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ، تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا"(مريم: 25)، يعلِّمنا الله الأسباب، ويعلِّمنا الرسولصلى الله عليه وسلم بقوله: "لو أنَّكم كنتُم توَكلونَ علَى اللهِ حقَّ توَكلِه، لرُزِقتُم كما يرزقُ الطَّيرُ تغدو خماصًا وتروحُ بطانًا"[8]، وقال: "بورِكَ لأمَّتي في بُكورِها"[9].
المفتاح والسبب الرابع: من مفاتيح الرزق: التفرغ لعبادة الله تعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: يا بن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلًا ولم أسد فقرك»؛ [سنن ابن ماجه كتاب الزهد، باب: الهم بالدنيا «4107»، والألباني في الصحيحة «1359»]. وفي رواية أخرى صحيحة قال: «قال ربكم: ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأملأ يديك رزقًا، ابن آدم لا تباعد مني أملأ قلبك فقرًا وأملأ يديك شغلًا». وليس معنى هذا الحديث أنك لا تطلب الرزق ولا تتكسب، ولكن معناه أن يكون العبد حاضر القلب حال عبادته، غير ذاكر لأمر من أمور الدنيا، بل متوجهًا إلى الله تعالى بكل قلبه. ويقول الله جل وعلا: ﴿ وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ والْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [سورة طه: 132]. قال ابن كثير رحمه الله: وقوله: ﴿ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ ﴾ [طه: 132]؛ يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].
وقبل الحديث عن هذه المفاتيح لا بد من ذكر مسلَّمات إيمانية عقدية فيما يتعلق بقضية الرزق:
1- تقدير الرزق قبل خلق السماوات والأرض: وجَب العلم أن الله هو الذي قدَّر المقادير، وقسم الأرزاق، وحدَّد الآجال قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ﴾ (الحديد: 22)؛ أي قبل خلق الأرض فهي مكتوبة ومقدرة، وقال تعالى: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ (الذاريات: 22).
2- تقدير رزقك في بطن أمِّك: حينما يكون الإنسان في بطن أمِّه، قالصلى الله عليه وسلم: "إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ في ذلكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ في ذلكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فيه الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ..."[1]. ومحل الشاهد أنه يؤمر المَلك بكَتْب رزقك وأنت جنينٌ في بطن أمِّك فلا تَقلق.
3- الله هو الباسط القابض: ومن معَانيه أنه يبسُط الرزق لمن يشاء ويوسِّع عليه، ويضيِّق على من يشاء، وهذه قسمة الله لا يُسأل عما يفعل سبحانه، فالفقر ودرجاته قسمة الله، والغنى ودرجاته قسمة الله، فلا حول لي ولا حول لك، وإنما الحول لله. وهذا كله داخل في الابتلاء؛ قال تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ (المائدة: 48)، وقال: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ (الملك: 2)، فالفقير ابتلاه الله بالفقر لينظر أيصبر أم لا، هل يرضى أم لا؟ وابتلى الغَنيَّ بالمال لينظر هل يشكر أم لا؟ هل يؤدي حقَّ الله في ماله أم لا؟ هل يُراعي حق الفقراء والمساكين أم لا؟ إذًا هناك ابتلاء.
4- لن تموت نفس حتى تستكمل رزقَها: فأبرِد على نفسك، واطلب المال من حلِّه؛ قالصلى الله عليه وسلم: "أيُّها النَّاسُ اتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ، فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتَّى تستوفيَ رزقَها وإن أبطأَ عنْها فاتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ، خذوا ما حلَّ ودعوا ما حَرُمَ"[2].
إذًا الرزق محسوم، وقد يسأل سَائل: ما الجدوى من هذه المفاتيح؟
نعم الرزق محتوم ولكن لن تصل إليه إلا بأسبابه ومفاتيحه، فما بعض مفاتيح الرزق؟:
المفتاح الأول: التوبة والاستغفار: لماذا التوبة والاستغفار؟ لأن العبد قد يُحرم الرِّزق بالذنب يُصيبه، ماذا قال نوح عليه السلام لقومه؟ قال لهم: "اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا "، فما فوائد هذا الاستغفار؟ ﴿ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ (نوح: 11-12)، فالمطرُ رزق، ويأتي بالأرزاق، والمال رزق، والبنين رزق، فعلينا أن نكثر من الاستغفار معاشر الإخوة الأفاضل. قصة: ذكر الإمام القرطبي عن ابن صَبيح قال: "شَكا رجل إلى الحسن البصري الجدوبةَ فقال له: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر، فقال له: استغفر الله، وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدًا، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بُستانه، فقال له: استغفر الله، فقال له الربيع بن صَبيح أتاك رجال يشكون أنواعًا، فأمرتهم كلهم بالاستغفار، فقال: ما قلت من عندي شيئًا، إن الله عز وجل يقول في سورة نوح: ﴿ قُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ (نوح: 10-12). ولذلك قالصلى الله عليه وسلم: "مَن لزمَ الاستغفارَ، جعلَ اللَّهُ لَهُ من كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ومن كلِّ همٍّ فرجًا، ورزقَهُ مِن حيثُ لا يحتسِبُ"[3]. فرزقُك يأتيك من حيث لا تحتسب شريطة الاستغفار، فأسأل نفسي، واسأل نفسك: كم مرة نستغفر الله في اليوم؟ وهذا رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مائة مرة" [4]. وعن ابن عمر أنه كان قاعدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم اغفر لي وتبْ عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم، حتى عدَّ العادُّ بيده مائة مرة"[5].
هذا وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
المفتاح الثاني: تقوى الله: والتقوى أن يُطاع الله فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، وقال طَلق بن حَبيب: التقوى أن تطيع الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معاصي الله على نور من الله تخشى عقاب الله؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ (الأعراف: 96)، وقال: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ (البقرة: 197)، ومن اتقى الله رأى العجب، والسؤال: لماذا تزيد التقوى في الرزق؟ لأن المتقي يتجنَّب الإسراف والتبذير، فيربَح ما يبذِّره غيره في الحرام بسبب تقواه التي منعته أن يكون أخًا للشيطان، ولا يُسرف حتى في الحلال؛ لأن الله لا يحب المسرفين، فلا يشتري ما لا يحتاجه، ويوفر مالًا للنفقة على أهله أو للصدقة وفعل الخير، وهذا طريق لحفظ المال، يخبرنا النبيصلى الله عليه وسلم عن رجل فقال: "بَيْنا رَجُلٌ بفَلاةٍ مِنَ الأرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا في سَحابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحَّى ذلكَ السَّحابُ، فأفْرَغَ ماءَهُ في حَرَّةٍ، فإذا شَرْجَةٌ مِن تِلكَ الشِّراجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذلكَ الماءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الماءَ، فإذا رَجُلٌ قائِمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بمِسْحاتِهِ، فقالَ له: يا عَبْدَ اللهِ ما اسْمُكَ؟ قالَ: فُلانٌ، لِلاِسْمِ الذي سَمِعَ في السَّحابَةِ، فقالَ له: يا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فقالَ: إنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا في السَّحابِ الذي هذا ماؤُهُ يقولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، لاِسْمِكَ، فَما تَصْنَعُ فيها؟ قالَ: أمَّا إذْ قُلْتَ هذا، فإنِّي أنْظُرُ إلى ما يَخْرُجُ مِنْها، فأتَصَدَّقُ بثُلُثِهِ، وآكُلُ أنا وعِيالِي ثُلُثًا، وأَرُدُّ فيها ثُلُثَهُ"[6]، بهذه التقوى استحق الرزق.
المفتاح الثالث: التوكل على الله: هل نحن متوكلون حقيقة؟ انظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد دخل ذات يوم على عائشة رضي الله عنها فقال: "يا عَائِشَةُ، هلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ؟ قالَتْ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما عِنْدَنَا شيءٌ، قالَ: فإنِّي صَائِمٌ"[7]، ليس لأن الفطور لم يُعَد، ولكن الفطور غير موجود أصلًا، فافترض لو نحن في مكان النبيصلى الله عليه وسلم كيف نتصرف؟ لكي تعرفوا التوكل الحقيقي، قال تعالى: "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا" (الطلاق: 3).
فالتوكل الحقيقي لا بد له من أسباب، ولذلك قال الله لمريم عليها السلام: "وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ، تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا"(مريم: 25)، يعلِّمنا الله الأسباب، ويعلِّمنا الرسولصلى الله عليه وسلم بقوله: "لو أنَّكم كنتُم توَكلونَ علَى اللهِ حقَّ توَكلِه، لرُزِقتُم كما يرزقُ الطَّيرُ تغدو خماصًا وتروحُ بطانًا"[8]، وقال: "بورِكَ لأمَّتي في بُكورِها"[9].
المفتاح والسبب الرابع: من مفاتيح الرزق: التفرغ لعبادة الله تعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: يا بن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلًا ولم أسد فقرك»؛ [سنن ابن ماجه كتاب الزهد، باب: الهم بالدنيا «4107»، والألباني في الصحيحة «1359»]. وفي رواية أخرى صحيحة قال: «قال ربكم: ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأملأ يديك رزقًا، ابن آدم لا تباعد مني أملأ قلبك فقرًا وأملأ يديك شغلًا». وليس معنى هذا الحديث أنك لا تطلب الرزق ولا تتكسب، ولكن معناه أن يكون العبد حاضر القلب حال عبادته، غير ذاكر لأمر من أمور الدنيا، بل متوجهًا إلى الله تعالى بكل قلبه. ويقول الله جل وعلا: ﴿ وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ والْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [سورة طه: 132]. قال ابن كثير رحمه الله: وقوله: ﴿ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ ﴾ [طه: 132]؛ يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].
المفتاح الخامس من مفاتيح الرزق: المتابعة بين الحج والعمرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد»؛ [صحيح مسلم كتاب الحج «1381» من حديث أبي هريرة]، قال أهل العلم: إزالة المتابعة بين الحج والعمرة للفقر، كزيادة الصدقة للمال.
قال الشوكاني رحمه الله عند تفسير هذه الآية: ﴿ واللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ﴾ [سورة النحل: 71]: «فجعلكم متفاوتين فيه أي الرزق، فوسَّع على بعض عباده، حتى جعل له من الرزق ما يكفي ألوفًا مؤلَّفة من بني آدم، وضيَّقه على بعض عباده حتى صار لا يجد القوت إلا بسؤال الناس والتكفف لهم، وذلك لحكمة بالغة تقصر عقول العباد عن تعقلها والاطلاع على حقيقة أسبابها».
لمفتاح السادس من المفاتيح المؤدية إلى كثرة المال والرزق في الدنيا: صلة الرحم: نعم صلة الرحم، والمقصود بالرحم هم الأقارب، وهم كل من بينك وبينهم نسب من جهة الولادة سواءً كان ذلك من طريق الأب أو الأم. وصلة الرحم معناه تقديم الإحسان بكل أنواعه حسية ومعنوية، وسواء كانوا صغارًا أو كبارًا، نساءً أو رجالًا، يسكنون في بلدك أو بعيدون عنك، روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله يقول: «مَن سرَّه أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه»، ولهذا بوَّب البخاري رحمه الله فقال: باب من بُسِط له في الرزق بصلة الرحم. وقال القاضي عياض رحمه: لا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطعها معصية كبيرة والأحاديث تشهد لهذا، ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة بالكلام والسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة، ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعًا، ولو قصَّر عما يقدر عليه وينبغي له، لا يسمى واصلًا؛ [مسلم بشرح النووي «16 /96» ط. دار الفكر]. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لأن أصل أخًا من إخواني بدرهم أحب إلي من أن أتصدق بعشرين درهمًا، ولأن أصله بعشرين درهمًا أحب إلى من أن أتصدق بمائة درهم، ولأن أصله بمائة درهم أحب إلي من أن أعتق رقبة».
سابعًا: من أسباب الرزق أيضًا، وأسباب البركات التي توجب على العباد الرحمات النفقات والصدقات، فمن يسَّر على معسر يسَّر الله له في الدنيا والآخرة، ومن فرَّج كربة المكروب، فرَّج الله كربته في الدنيا والآخرة، فارحموا عباد الله، يرحمكم من في السماء، والله يرحم من عباده الرحماء؛ قال الله تعالى: ﴿ ومَا أَنفَقْتُمْ مّن شيء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سورة سبأ: 39]؛ قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي مهما أنفقتم من شيء مما أمركم الله به وأباحه لكم، فهو يُخلفكم ويُخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب، ولذا لما أمر الله تعالى بالإنفاق في سبيل الله قال بعد ذلك: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ ويَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ واللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وفَضْلًا واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة البقرة: 268].
وقال: «أنفقْ يا بلال ولا تخشَ من ذي العرش إقلالًا»؛ [صححه الألباني]. فمتى ما أنفقت من مالك يا عبد الله، كان ذلك سببًا لكثرته، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال الله تبارك وتعالى: «يا بن آدم، أنفق أُنفق عليك». الله أكبر ما أعظمه من ضمان بالرزق، أنفقْ أُنفق عليك، فمن أنفق لوجه الله ضاعف الله له الأجر؛ فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة لا يعلمها إلا الله، ولك الخَلَف من الله، فما نقص مالٌ من صدقة. وروى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله: «ما من يوم يُصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدها: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا». قيل لأحد السلف: ما سر زهدك في الدنيا؟ قال: «أربع، علمت أن رزقي لا يأخذه أحد غيري فاطمأنَّ قلبي، وعلمت أن عملي لا يقوم به أحد سواي، فاشتغلت به، وعلمت أن الموت لا شك قادم، فاستعددت له، وعلمت أني لا محالة مسؤول واقفٌ بين يدي ربي، فجعلت أعد للسؤال جوابه».
ثامنًا: من أعظم أسباب الرزق ومفاتيحه: العناية بالضعفاء والمحتاجين والفقراء، والإنفاق على طلبة العلم؛لأن المصطفى قال: «هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم»؛ [رواه البخاري].
فمن رغب في رزق الله له، وبسطه عليه، فلا ينسَ الضعفاء والمساكين، فإنما بهم تُرزق ويُعطى لك، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يقول: «أبغوني في ضعفائكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم»؛ [رواه النسائي وأبو داود والترمذي]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أخَوان على عهد رسول الله، فكان أحدهما يأتي النبي، والآخر يحترف، فشكى المحترف أخاه إلى النبي، فقال عليه الصلاة والسلام: «لعلك تُرزق به»؛ [رواه الترمذي]. قال شُرَّاح هذا الحديث: قوله: لعلك تُرزق به؛ أي: أرجو أنك مرزوق ببركته، فلا تَمنُن عليه بصَنعتك.
تاسعًا: من مفاتيح ومستجلبات الرزق: المهاجرة في سبيل الله، والسعي في أرض الله الواسعة، فما أغلق دونك هنا، قد يُفتح لك هناك؛ قال تعالى: ﴿ ومَن يُهَاجِرْ في سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ في الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وسَعَةً ﴾ [سورة النساء: 100].
كم من الناس تركوا بلادًا هي أحب البلاد لقلوبهم ولو خُيِّروا لاختاروها على غيرها - لكنه الرزق - فتح الله عليهم في غير أرضهم، وفي غير بلادهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
عاشرًا: ومن أسباب زيادة الرزق والبركات: الدعاء والالتجاء إلى الله جل وعلا، فهو الملاذ في الشدة، فإن ضاق عليك رزقك وعظُم عليك همُّك وغمُّك، وكثُر عليك دَينك، فالجأ إلى الله، واقرَع الباب الذي لا يَخيب قارعه، واسأل الله جل جلاله فهو الكريم الجواد، وما وقف أحد ببابه فنحَّاه، ولا رجاه عبد فخيَّبه في دعائه ورجاه، «دخل النبي يومًا إلى مسجده المبارك، فنظر إلى أحد أصحابه وجده وحيدًا فريدًا، ونظر إلى وجه ذلك الصحابي فرأى فيه علامات الهم والغم، رآه جالسًا في مسجده في ساعة ليست بساعة صلاة، فدنا منه الحليم الرحيم صلوات الله وسلامه عليه، وكان لأصحابه أبر وأكرم من الأب لأبنائه، وقف عليه رسول الهدى، فقال: «يا أبا أمامة، ما الذي أجلسك في المسجد في هذه الساعة؟»، قال: يا رسول الله، هموم أصابتني وديون غلبتني - أصابني الهم وغلبني الدين الذي هو همُّ الليل وذل النهار - فقال: «ألا أُعلمك كلمات إذا قلتهنَّ أذهَب الله همَّك وقضى دينك»، صلوات ربي وسلامه عليه، ما ترك باب خير إلا دلَّنا عليه، ولا سبيل هدى ورشد إلا أرشدنا إليه، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًّا عن أمته: «ألا أدلك على كلمات إذا قلتهنَّ أذهب الله همك وقضى دَينك؟» قال: بلى يا رسول الله، قال: «قل إذا أصبحت وأمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال»، قال رضي الله عنه وأرضاه: فقلتهنَّ،فأذهب الله همي وقضى ديني»؛[رواه أبو داود في كتاب الوتر، باب في الاستعاذة «4 /412»؛ عون المعبود شرح سنن أبي داود، عن أبي سعيد الخدري].
المفتاح الحادي عشر من مفاتيح الرزق والبركة إقامة شرع الله تعالى:
كيف لا والله تعالى يقول: ﴿ ولَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ والإِنجِيلَ ومَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ ومِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة المائدة: 66]، ﴿ ولَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ والإِنجِيلَ ومَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [سورة المائدة: 66]؛ قال ابن عباس وغيره: هو القرآن، وقوله تعالى: ﴿ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ ومِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ [سورة المائدة: 66]؛ يعني بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء والنابت لهم من الأرض، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ﴿ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ ﴾ [سورة المائدة: 66]؛ يعني لأرسل السماء عليهم مدرارًا، ﴿ ومِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ [سورة المائدة: 66]؛ يعني يخرج من الأرض بركاتها؛ كما قال تعالى: ﴿ ولَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ ﴾ [سورة الأعراف: 96].
ومن أين يأتي القحط والضر والفساد والبلاء إلا من المعاصي والإعراض عن شرع الله؛ قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [سورة الروم: 41].
ويقول: «إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه»؛ [رواه الإمام أحمد وابن ماجه في سننه، وأورده الألباني في ضعيف الترغيب «1473، 1478»].
المفتاح الثاني عشر من مفاتيح الرزق والبركة: الصلاة والذكر،
فأما الصلاة من حافظ عليها كانت له نورًا ونجاةً وبركة وسعادة في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ والْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [سورة طه: 132].
يعني إذا أقمت الصلاة يأتيك رزقك من حيث لا تحتسب. عباد الله، بيتٌ فيه قاطع للصلاة بيت تقل فيه البركة، فالناس في مساجدهم والله في قضاء حوائجهم، ولذلك عندما تدخل المسجد يا عبد الله تحمد الله وتصلي على النبي، وتقول: اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وعند الخروج كذلك وتقول: الله اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك؛ قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاةُ فَانتَشِرُواْ في الأَرْضِ وابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [سورة الجمعة: 10].
المفتاح الثالث عشر للبركة والرزق والتيسير: التبكير في طلب الرزق فعن صخر الغامدي رحمه الله، قال: قال رسول الله: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»؛ [رواه أحمد وقال الشيخ الألباني: «صحيح»؛ انظر حديث رقم: 1300 في صحيح الجامع]. وروي عن فاطمة رضي الله عنها قالت: مر بي رسول وأنا مضطجعة، فحركني برجله، ثم قال: يا بنية، قومي اشهدي رزق الله ولا تكوني من الغافلين، فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس»؛ [فيض القدير شرح الجامع الصغير 1457].
المفتاح الرابع عشر والأخير: الزواج لمن يريد العفاف، الزواج الذي يحرص الزوجان فيه على طاعة الله تعالى؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله والمكاتب يريد الأداء، والناكح يريد العفاف»؛ [حديث حسن كما في صحيح ابن ماجه للألباني «2041»].
وقال تعالى: ﴿ وأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة النور: 32]، وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي قال: «أربعٌ من أُعطيهن أعطي خير الدنيا والآخرة: قلبًا شاكرًا ولسانًا ذاكرًا، وبدنًا على البلاء صابرًا، وزوجة لا تبغيه خونًا في نفسها ولا ماله»؛ [رواه البيهقي في شعب الإيمان]. وأخيرًا عباد الله، إن عطاء الله، وإغداقه سبحانه في الرزق على العبد، لا يدل على محبة الله لهذا العبد، ورضاه عنه؛ قال تعالى: ﴿ ومَن كَفَرَ فَأُمَتّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ ﴾ [سورة البقرة: 126]، فلو وسِّعَ عليك في رزقك، وأصبحت تربح الألوف بدل المئات، والملايين بدل الألوف، فلا تظن بأن هذا بسبب محبة الله لك، فالله قد يُعطي الفجار أكثر من الأبرار، وقد يرزق الكافرين أضعاف أضعاف المسلمين.
المفتاح الرابع عشر والأخير: الزواج لمن يريد العفاف، الزواج الذي يحرص الزوجان فيه على طاعة الله تعالى؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونهم، المجاهد في سبيل الله والمكاتب يريد الأداء، والناكح يريد العفاف»؛ [حديث حسن كما في صحيح ابن ماجه للألباني «2041»].
وقال تعالى: ﴿ وأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة النور: 32]، وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي قال: «أربعٌ من أُعطيهن أعطي خير الدنيا والآخرة: قلبًا شاكرًا ولسانًا ذاكرًا، وبدنًا على البلاء صابرًا، وزوجة لا تبغيه خونًا في نفسها ولا ماله»؛ [رواه البيهقي في شعب الإيمان]. وأخيرًا عباد الله، إن عطاء الله، وإغداقه سبحانه في الرزق على العبد، لا يدل على محبة الله لهذا العبد، ورضاه عنه؛ قال تعالى: ﴿ ومَن كَفَرَ فَأُمَتّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ ﴾ [سورة البقرة: 126]، فلو وسِّعَ عليك في رزقك، وأصبحت تربح الألوف بدل المئات، والملايين بدل الألوف، فلا تظن بأن هذا بسبب محبة الله لك، فالله قد يُعطي الفجار أكثر من الأبرار، وقد يرزق الكافرين أضعاف أضعاف المسلمين.
د. أمير بن محمد المدري
شبكة الالوكة
شبكة الالوكة
[1] رواه مسلم، برقم: 4718.
[2] صحيح ابن ماجة، برقم: 1756.
[3] ضعيف أبي داود، برقم: 1518.
[4] رواه مسلم، برقم: 2702.
[5] رواه أحمد وصححه شعيب الأرنؤوط ، برقم: 5564.
[6] رواه مسلم، برقم: 2984.
[7] رواه مسلم، برقم: 1154.
[8] صحيح الترمذي، برقم: 2344.
[9] السلسلة الصحيحة، برقم: 2841.
[2] صحيح ابن ماجة، برقم: 1756.
[3] ضعيف أبي داود، برقم: 1518.
[4] رواه مسلم، برقم: 2702.
[5] رواه أحمد وصححه شعيب الأرنؤوط ، برقم: 5564.
[6] رواه مسلم، برقم: 2984.
[7] رواه مسلم، برقم: 1154.
[8] صحيح الترمذي، برقم: 2344.
[9] السلسلة الصحيحة، برقم: 2841.