إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الطريق إلى باب الريان يبدأ في شهر رمضان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الطريق إلى باب الريان يبدأ في شهر رمضان

    هنيئا لكم -أيها الإخوة الكرام-، هنيئا بلوغ هذا الشهر الكريم، وأسأل الله -جل وعلا- أن يجعل بلوغه على الجميع مباركا، وأن يعيننا جميعا فيه على ما يحبه ويرضاه.


    أيها الإخوة الكرام: لقد نزلتم بساحة ملأى بالفرص ومجالات السباق إلى جنات النعيم، لقد أدركتم موسما فيه من الخيرات ما لا يحصيه إلا الله -جل وعلا-، فحيث ما انقلبتم وأينما التفتم، وجدتم خيرا كثيرا، فالسباق السباق إلى هذه الخيرات؛ فينبغي ألا تفوت لحظة من اللحظات إلا وفيها من الخير الذي يدون في الصحائف ما يرجى معه المغفرة والرضوان عند الله -جل وعلا-.


    أيها الإخوة الكرام: خمس ليال مضت في كل ليلة من هذه الليال لله عتقاء من النار، فتأمل -يا عبد الله- هل دون اسمك ضمن هذه الأسماء التي امتن الله -جل وعلا- عليها، وهو أمر لا شك أنه -في بادئ الأمر ومنتهاه- محض فضل الله -جل وعلا-، وامتنانه على عباده، لكن الله -جل وعلا- جعل للأمور أسبابا، فمهما أتى العبد بالسبب، فإن الله حكيم رحيم، والله -جل وعلا- شاكر عليم.


    فتأمل -يا عبد الله- فيمن دونت أسماؤهم في هذه الليالي الخمس الماضية، وقد اعتقوا من النار هل كنت من ضمنهم؟ هذا في علم الغيب، لكن كما تقدم أن من سابق بالعمل، وتيسر له ما شاء الله -تعالى- من المسابقة، فإنه يحسن ظنه بربه أنه جل وعلا يكتبه في هؤلاء العتقاء من النار.


    أيضا -أيها الإخوة الكرام-: فرص متوالية في الليل والنهار؛ فمن ذلك أن جل وعلا قد جعل للصائم دعوة لا ترد؛ سواء في لحظات يومه كله، أو عند فطره، فقد ثبت عن النبي ﷺ فيما رواه الإمام أبو داود والإمام الترمذي، وابن ماجه، أنه عليه الصلاة والسلام قال: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم" ~ (صححه ابن حبان وغيره).


    نعم -أيها الإخوة الكرام- إن هذه الدعوة التي يرفعها العبد إلى ربه -جل وعلا-، قد يجعل الله -تعالى- بها صلاح دينه ودنياه، وعاقبته ولقاه بربه -جل وعلا-، فكم ضيعنا من الأوقات التي ينبغي أن نبادر فيها بالدعاء إلى الله -جل وعلا-؟


    وتأملوا أن ربنا -سبحانه- قد أعقب آيات الصيام بهذه الآية الكريمة وهي قوله جل وعلا: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) ~ [سورة البقرة: ١٨٦].


    نعم -أيها الإخوة الكرام- لا يهلك على الله إلا هالك، فإنه سبحانه قد سهل السبل إليه، وهيأ الأمور، ومما يضاعف فرص الثواب عند الله -جل وعلا-، والقبول عنده سبحانه أنه جعل أيضا من أوقات الإجابة لدعائه سبحانه وقتا فاضلا يكثر من الناس اليوم أن يكونوا متهيئين فيه، ألا وهو: وقت السحر، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "ينزل الله -تعالى- في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من داع، فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟"، وذلك كل ليلة، حتى ينفجر الصبح، فتأملوا هذا الفضل العظيم، ولذا قال بعض العلماء: هذا واحد من أسرار بركة هذا الوقت، وهو وقت السحر.


    وفي شأن الدعاء أيضا شرع للمسلم عند فطره أن يتوجه إلى الله -تعالى- بالحمد والشكر والثناء الذي هيأ له الطاعة والقربى منه جل وعلا، ولذلك ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يدعو بهذا الدعاء، أو يحث عليه: "ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله"، وهذا حسن ظن بالله -جل وعلا-، واستشعار للطاعة واستشعار للنعمة، فالمؤمن الذي أمسك قبل لحظات عن الطعام والشراب والمفطرات، ها هو الآن يفطر بأمر الله -جل وعلا-، وهذه هي حقيقة العبودية أن المؤمن يقبل على الشيء أو ينتهي عنه بحسب أمر الله -جل وعلا-، وما شرع له، ومن الفضائل والفرص في هذا الشهر الكريم قوله عليه الصلاة والسلام كما ثبت في الصحيحين: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه".


    أيها الإخوة الكرام: هذه العبارات الثلاث، هذه الجمل الثلاث في هذا الحديث الشريف، ربما قرعت أسماعنا عدة مرات، لكن تأملوا -أيها الأخوة- إنه شأن عظيم، إنه شأن كبير أن يغفر للإنسان كل ما تقدم من ذنبه في عمل يسير؛ ولذلك لا يفوت هذه الفرصة إلا محروم.


    "من صام رمضان إيمانا واحتسابا"، فهو صائم بأمر الله -تعالى-، يرجو الثواب عنده سبحانه لا رياء ولا سمعة ولا موافقة للناس، ولكنه امتثال لأمر الله -جل وعلا-، ولا بد أيضا أن يكون هذا الصوم كما أمر الله -جل وعلا- محفوظا مما يخل به أو يضعفه عند الله -جل وعلا-.


    هذا الصوم الذي اختصه الله -جل وعلا- من بين بقية الأعمال بأن يكون له ثواب خاص، وجزاء مختص، لا يماثله شيء من الثواب؛ كما دل على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: "قال الله -تعالى-: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشرة أمثالها إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به".


    تأمل -أيها الأخ الكريم- أن ربنا -سبحانه- يبين في هذا الحديث أن الصوم لا يخضع لهذه القاعدة، وهي قاعدة عظيمة فيها امتنان من الله -تعالى- بمضاعفة الثواب.


    فمن رحمة الله -سبحانه-: أنه لا يجزي الحسنة بحسنة مثلها، ولكن يضاعفها الحسنة بعشر أمثالها، وقد يضاعف الله أضعافا كثيرة إلى سبعمائة ضعف، وإلى أضعاف ذلك، لكن في الصيام له قانون خاص، وله قاعدة أخرى، وله امتنان أعظم عند الرب -جل وعلا-، فالثواب عليه لا تدركه عقول بني آدم؛ فالإنسان الذي توصل إلى الأرقام وعرف منتهاها، لا يمكن أن يحيط عقله ولا خياله بعظم الثواب وجزيل العطاء على الصيام، "إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به".


    والصوم جزء من الصبر ونوع من الصبر، والله -تعالى- قال في كتابه عن الصبر وثواب الصابرين: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) ~ [سورة الزمر: ١٠].


    ولتطف بعقلك كيفما شئت، ولتتصور أنى شئت هذه الآية الكريمة: (يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) ~ يا ألله! بغير حساب، لا يمكن للأرقام ولا للخيال أن يحد هذا الثواب، وإنما يكون هذا الأمر -أيها الإخوة- لمن صام إيمانا واحتسابا، وحقق مراد الله -جل وعلا- في صيامه، وذلك أن يصوم إيمانا واحتسابا، وأن يحفظ صومه من خوارمه، ومما يقل ثوابه، ومما يضعفه عند الله -جل وعلا-، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: "فإذا كان صوم يوم أحدكم، فلا يرفث ولا يفسق، وإن جادله أحد، أو قال إن قاتله أحد، فليقل: إني امرؤ صائم".


    "إني امرؤ صائم" كأنه تاج على رأسه له مزية تستثنيه عن الدخول في أي جدال أو خصومة، إني صائم لا يمكن أن أذهب الثواب، ولا أن أعطل الجزاء من الله -جل وعلا- في دخول في خصومة، حتى ولو أخطأت علي، أو ظلمتني يا من تقابلني، وبلا شك ينبغي أن يكون هذا الصوم أيضا مبعدا للمؤمن عما يكون من الرفث والفسوق، وأنواع العصيان، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "من لم يدع قول الزور والجهل، والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".


    إن الله غني عنا وعن أعمالنا، وقد قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: (وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميد) ~ [سورة النساء: ١٣١]؛ أخبر الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم أن من يكفر، فإنه لا يضر الله شيئا، وإنما يضر نفسه، فالله -جل وعلا- غني عن عباده، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، والمعنى أن هذا الذي يدع الطعام والشراب الذي أحله الله في الأصل، ثم يتعاطى المحرمات والآثام التي هي محرمة في كل حين، فلا داعي لهذا الصوم منه؛ لأنه حينئذ لم يستشعر حقيقة الصيام ومغزاه، ومراده وحكمته، فهو حينئذ ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش؛ إذ ينبغي أن يكون للصوم أثره وسكينته على المؤمن في نهاره، ثم يستتبع ذلك في ليله.

    للأسف نجد بعض المسلمين -هداهم الله- لا يعرفون بشهر رمضان ولا فضائله ولا أحكامه إلا من خلال ما يحضرونه من خطب عن شهر رمضان أيام الجمعة. ولا حول ولا قوة إلا بالله.


    أيها الإخوة الكرام: ومن الفرص العظيمة ما جاء في هذا الحديث المتقدم أيضا: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقد سن لن نبينا ﷺ قيام رمضان جماعة في المساجد، كما ثبت من فعل السلف الصالح، ومن فعل الخلفاء الراشدين، وإمامهم في هذا محمد ﷺ الذي صلى بعض الليالي بالصحابة في ليالي رمضان، ثم ترك ذلك خشية أن يفرض عليهم رحمة بأمته، ثم أعاد عمر -رضي الله عنه- هذه السنة، وجمع الناس على أبي بن كعب -رضي الله عنه-، ولا تزال هذه السنة إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ملايين من المسلمين صفوا أقدامهم في ليالي رمضان عاما بعد آخر على مدى ألف وأربعمائة وثلاث وثلاثين عاما تقريبا.


    فقد فرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة، وصام نبينا ﷺ تسعة رمضانات، والمقصود أين مكانك -يا عبد الله- ضمن هذه الملايين التي تتابعت على هذه السنة العظيمة سنة محمد بن عبد الله الذي شرع لنا قيام رمضان، وبين الفضل والثواب فيه في هذا الحديث: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه".


    وقد قال العلماء -رحمهم الله-: إن من قام التراويح في رمضان -في كل ليالي رمضان- فإنه بإذن الله -تعالى- حائز لهذا الفضل والثواب، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن المؤمن إذا صلى مع إمامه فينبغي ألا ينصرف حتى يقضي الصلاة، فقد قال: "إذا قام العبد مع إمامه، فلا ينصرف" فقال عليه الصلاة والسلام في شأن المأموم: "فلا ينصرف حتى ينصرف إمامه".


    "من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" فقيام الليلة يكتب لك إذا بقيت مع إمامك حتى ينصرف؛ سماعا للقرآن، وتعبدا للرحمن، وخضوعا بين يدي الملك الديان -جل وعلا-.


    ومن الفرص في هذا الشهر الكريم التي يمنحها الله -جل وعلا- لعباده ما يكون فيه من المبادرة إلى الخيرات، ومن ذلك: تلاوة القرآن الكريم، فقد كان من هدي نبينا ﷺ أنه يعرض القرآن الكريم على جبريل -عليه السلام- في كل عام مرة، ويكون ذلك في رمضان، ويدل على هذا ما ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان النبي ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، فيدارسه القرآن، فلرسول الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة".


    تأمل انعكاس هذا الفضل، انعكاس هذه المدارسة -مدارسة القرآن- فلرسول الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة، وفي آخر رمضان صامه نبينا ﷺ عرض القرآن تلاه كاملا على جبريل مرتين، ومن هنا استحب العلماء: أن يكون للمؤمنين عنايتهم بالقرآن الكريم بختمه وتلاوة كلام ربهم، وبخاصة في شهر رمضان، وقد أثر عن السلف وعباد الله الصالحين أخبار عظيمة في هذا، فمنهم من كان يختم القرآن كل ثلاثة أيام، فيختمه عشر مرات في هذا الشهر الكريم، ومنهم من كان يختمه كل ليلتين، وجاء عن الإمام الشافعي وعن غيره من الأئمة: أنهم كانوا يختمون القرآن في رمضان كل يوم وليلة، وهذا الأمر يتهيأ لمن فتح الله عليه، وفرغ نفسه من الشواغل، أو أنه لم يكن مطالبا بشيء من الالتزامات؛ لأن الفراغ والبعد عن المشاغل نعمة من الله -جل وعلا-، ألم تقرؤوا قول النبي ﷺ: "نعمتان مغبون فيها كثير من الناس: الصحة والفراغ"؟


    فإذا وجد الإنسان فراغا فليبادر، وإلا فليجعل له حصة يومية لا يغادرها، فإن فاتته من القرآن اليوم عوضها من الغد، حتى تكون له ختمة أو ختمتان في هذا الشهر الكريم، فهذا الشهر شهر القرآن، قال ربنا -سبحانه-: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) ~ [سورة البقرة: ١٨٥].
جاري التحميل ..
X