وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين (29):
يختم الخالق عزَّ وجل السورة الكريمة والتي نحن بصدد دراستها والبحث في أسرارها ومعانيها الآن ألا وهي سورة التكوير، بحكمة ربانية عظيمة وشأن رباني فريد، فالخالق الذي خلق الإنسان مؤمنهُ وكافره.
وخلق الأرض بما فيها من نشأتها لمُستقرِّها.
وخلق السماوات بكواكبها وشموسها ومجراتها.
وخلق الخلق أجمعين من حيوانات إلى نبات إلى جن وملائكة وإلى ما نعرف وما لا نعرف.
هذا الخالق العظيم لن يعجزه هداية الضالين، ولن يقهرهُ عصيان المُضلين، ولن يضرَّهُ وساوس الشياطين لعبادهِ المخلصين، فالمشيئة في هداية الخلق بيد الله وحده سُبحانهُ وتعالى، والإرادة في إدارة شؤون العباد من تدبير الله وحده لا إله إلا هو، والقدرة على قهر الأعداء طوع يمين الله جلَّة قدرتهُ، وهذا ما قَالَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىظ°: ï´؟وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًاغڑ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىظ° يَكُونُوا مُؤْمِنِينَï´¾ يونس (99)).
فخاتِمة كُل مَن خَلق تتحدد بحكمة الله العزيز القهَّار، فلا شيء قبله ولا شيء بعده لا إله إلا هو رب العرش العظيم، فلا يظن أحد بأنَّه مُعجز الله كائن من يكون، كما قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا في سورة غافر: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)).
وبالعودة إلى الآية الكريمة وفي قولهِ تعالى (وَمَا تَشَاؤُونَ) نُلاحظ الإشارة هُنا إلى مشيئة العبد عندما يُريد شيئاً ويحرِص على الحصول عليهِ بطريقةٍ ما أو بأخرى وذلك في كلمة (تشاؤون) حيث يظن أغلب الناس بأنَّ لهُم مشيئة في تحديد أقدارهِم وفي الاختيار ما بين الخير والشر، اليمين والشمال، الحق والباطل، وهكذا دواليك، ولا يعرفون أنَّ مشيئة العبد هي تمني ومشيئة الله هي نافذة، بمعنى أنَّ كل البشر لهُم الحق أن يتمنوا ويأملوا في الحصول على هذا أو تحقيق ذلك، ولكن لا أحد يستطيع أن يضمن تحقيق تلك الأمنية وإن تحققت فذلك يعني أنَّ الله شاء لها أن تتحقق كون مشيئة الله واجبة وحتمية الحدوث، أما مشيئة العبد فهي ضنية الحدوث قد تحدث وقد لا تحدث، كذلك حرية الإنسان في الاختيار إنما هي حرية في التمني، بمعنى أنَّ المسلم يتمنى الإيمان ويتمنى دخول الجنَّة ولكن الخالق وحده وبمشيئتهِ النافذة وحده يتم تنفيذ تلك الأمنية أو لا يتم تنفيذها.
وبخصوص العدالة فإنها تتحقق في أمنية الفرد، فعلى سبيل المثال عندما تكون هُناك وظيفة يرغب مجموعة من الشباب في الحصول عليها عن طريق تعبئة طلبات التوظيف ومن ثُمَّ تقديمها، إذاً هؤلاء الشباب شاءوا أن يحصلوا على تلك الوظيفة، وكان سبيلهُم لذلك عن طريق تقديم طلبات التوظيف وهذهِ هي حدود حريتهُم في الاختيار عند مقدمي الطلب، أما العدالة والمشيئة الحقَّة تكون في اختيار الأشخاص ممن لديهِم الكفاءة والقُدرة على تلبية مهام تلك الوظيفة ومن ثُمَّ تنفيذ هذا الاختيار عن طريق تشغيل هؤلاء.
إذاً حرية الفرد تتمثل في اختيار الوظيفة والسعي على حصولها.
أما العدالة والمشيئة الحقَّة تقتضي أن يحصل على تلك الوظيفة من يستحقها والجدير بها.
بالنسبة للمؤمنين بالله والكافرين بأنعُمهِ فحريتهُم محصورة بأن يتمنى هؤلاء كل ما يُريدون.
فالخالق بمشيئتهِ الجبرية وأمرهُ النافذ يمنح الراغب في الطريق الأعوج كل السبل ليكون أعوجاً كما تمنى، وهناك من يتمنى الاعوجاج والفساد ولا ينالهُ ويبقى صالحاً كون الخالق يعلم بعدم فساده ويريده ضمن عبيده.
كذلك الخالق بمشيئتهِ الجبرية وأمرهُ النافذ يمنح الراغب في الطرق المستقيم كل السبل ليكون مستقيماً كما تمنى، وهناك من يتمنى الاستقامة ولا ينالها ويبقى فاسداً كون الخالق يعلم بعدم صلاحه ولا يريده أن يكون من عباده.
نستشهد على ما نقول هُنا بقول الله العزيز القدير في سورة الليل: (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَىٰ (13))، نقرأ هُنا القسم الرباني الخاص بجميع البشر من ذكر وأنثى والمتمثل بأنَّ سعيهُم في تحقيق أمنياتهِم سوف يذهَب سُدا وإلى الشتات والضياع، فالذي يتمنى رضى الخالق العظيم ورب العالمين عن طريق العمل الصالح وتصديقه للأنبياء ومنهُم المرسلين بكتب سيد الخلق أجمعين، سوف يشاء لهُ الرحمن أن يتم فتح باب التيسير لهُ ليسير بطريق مستقيم إلى الهدف النبيل ليتحقق ما تمنى.
أما الذي يتمنى عصيان الخالق العظيم ورب العالمين عن طريق العمل الفاسد وتكذيبه للأنبياء والمرسلين، سوف يشاء لهُ الخالق القهَّار أن يتم فتح باب التعسير لهُ ليسير بطريق أعسر ومتعرج لتتحقق أمنيتهُ بالفساد ولن ينفع الغني الذي يملك المال الكثير من أن يتردى حالهُ وتسيء أموره عند الله خالقه.
فالهُدى والمشيئة النافذة بيد الله وحدهُ وهو الذي يملك زمام الأمور كلها، من أولها إلى أخرها سُبحانهُ.
وبخصوص الآية الحالية فمجرد دخول (ما) النافية لمشيئة الخلق نتأكد مما سبق شرحهُ، حينها أدخل الخالق جلَّ وعلا أداة الاستثناء (إلا) متبوعة ب(أن) المؤولة بنفي المشيئة عن المخلوقات، ليتبعها فعل الشرط (يَشَاء اللَّهُ) وذلك بسبب كونهُ (رَبُّ الْعَالَمِين) ومن دون شك.
مُلخص هذهِ الآية الكريمة وما سبقها من آيات مُحكمات أنَّ ما حدث سابقاً من بداية نشأة الكون وخلقهِ وما سيحدث لاحقاً من يوم القيامة والبعث ثُم بعد ذلك من حياة أزلية سواء كانت في الجنّةَ أم النار، كان وما زال وسيبقى مرهون بمشيئة الله وحده لا بمشيئة أحدِ غيره.
فكل هذهِ الأحداث التي عرفناها بالعلم والمعرفة كنشئة الكواكب وأشكالها الكروية لنعرف بمشيئة الله سر تكور النجوم والكواكب وبعثرتها.
وكل ما عايشناه ولمسناه في واقعنا الحالي من مشتقاه بترولية لنعرف بمشيئة الله سر جثث الوحوش المحشورة في الأرض كالديناصورات وزمانها.
كذلك كل ما تنبأ به المُرسلون والأنبياء الداعون إلى وحدة الدين والعقيدة سوف يحدث ذلك وبمشيئة الله وحدهُ عن طريق دين واحد ألا وهو دين الإسلام العظيم.
والمحذِرون من يوم الحساب العظيم سوف يحدث ذلك بمشيئة الله وحدهُ، ولا ننسى جميع التحضيرات ليوم البعث تنفيذاً لأمره سُبحانه.
كل هذهِ الأمور ما كانت لتتم وتحدث لولا مشيئة الخالق جلَّ وعلا وتنفيذاً لأمرهِ وحده فقط.
فليس هُناك دليل أقوى على صِدق الأنبياء والمُرسلين من تكوير النجوم والكواكب التي فوقنا.
وليس هُناك رحمة وفضل عظيم من رب العالمين أكبر من تسخير جثث الديناصورات وتحضيرها لملايين السنين لتكون على هيئة بترول وغاز فتخدم رفاهية الإنسان وحدهُ دون المخلوقات من حوله.
وليس هُناك مسؤولية في إدارة شؤون المخلوقات أنجح من تحذير الناس أجمعين من يوم الحساب حيث لا ينفع فيهِ لا مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وهذا ما جاء في سورة الشعراء من قولهِ تعالى: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)).
جعلنا الله وإياكم من الصالحين الذين يأتون الله بقلبِ سليم لينالوا رضى الخالق العظيم ورحمتهِ فيدخلون الجنَّة مُكرمين رافعين رؤوسهِم ومهللين:
الله أكبر الله أكبر ... لا أله إلا الله .... الله أكبر الله أكبر ..... ولله الحمد ..... الله أكبر كبيرا ... والحمد لله كثيرا ..... وسبحان الله بكرة وأصيلا.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسين محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
تمَّ بعون الله وفضله
محمد "محمد سليم" الكاظمي (المقدسي)
يختم الخالق عزَّ وجل السورة الكريمة والتي نحن بصدد دراستها والبحث في أسرارها ومعانيها الآن ألا وهي سورة التكوير، بحكمة ربانية عظيمة وشأن رباني فريد، فالخالق الذي خلق الإنسان مؤمنهُ وكافره.
وخلق الأرض بما فيها من نشأتها لمُستقرِّها.
وخلق السماوات بكواكبها وشموسها ومجراتها.
وخلق الخلق أجمعين من حيوانات إلى نبات إلى جن وملائكة وإلى ما نعرف وما لا نعرف.
هذا الخالق العظيم لن يعجزه هداية الضالين، ولن يقهرهُ عصيان المُضلين، ولن يضرَّهُ وساوس الشياطين لعبادهِ المخلصين، فالمشيئة في هداية الخلق بيد الله وحده سُبحانهُ وتعالى، والإرادة في إدارة شؤون العباد من تدبير الله وحده لا إله إلا هو، والقدرة على قهر الأعداء طوع يمين الله جلَّة قدرتهُ، وهذا ما قَالَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىظ°: ï´؟وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًاغڑ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىظ° يَكُونُوا مُؤْمِنِينَï´¾ يونس (99)).
فخاتِمة كُل مَن خَلق تتحدد بحكمة الله العزيز القهَّار، فلا شيء قبله ولا شيء بعده لا إله إلا هو رب العرش العظيم، فلا يظن أحد بأنَّه مُعجز الله كائن من يكون، كما قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا في سورة غافر: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)).
وبالعودة إلى الآية الكريمة وفي قولهِ تعالى (وَمَا تَشَاؤُونَ) نُلاحظ الإشارة هُنا إلى مشيئة العبد عندما يُريد شيئاً ويحرِص على الحصول عليهِ بطريقةٍ ما أو بأخرى وذلك في كلمة (تشاؤون) حيث يظن أغلب الناس بأنَّ لهُم مشيئة في تحديد أقدارهِم وفي الاختيار ما بين الخير والشر، اليمين والشمال، الحق والباطل، وهكذا دواليك، ولا يعرفون أنَّ مشيئة العبد هي تمني ومشيئة الله هي نافذة، بمعنى أنَّ كل البشر لهُم الحق أن يتمنوا ويأملوا في الحصول على هذا أو تحقيق ذلك، ولكن لا أحد يستطيع أن يضمن تحقيق تلك الأمنية وإن تحققت فذلك يعني أنَّ الله شاء لها أن تتحقق كون مشيئة الله واجبة وحتمية الحدوث، أما مشيئة العبد فهي ضنية الحدوث قد تحدث وقد لا تحدث، كذلك حرية الإنسان في الاختيار إنما هي حرية في التمني، بمعنى أنَّ المسلم يتمنى الإيمان ويتمنى دخول الجنَّة ولكن الخالق وحده وبمشيئتهِ النافذة وحده يتم تنفيذ تلك الأمنية أو لا يتم تنفيذها.
وبخصوص العدالة فإنها تتحقق في أمنية الفرد، فعلى سبيل المثال عندما تكون هُناك وظيفة يرغب مجموعة من الشباب في الحصول عليها عن طريق تعبئة طلبات التوظيف ومن ثُمَّ تقديمها، إذاً هؤلاء الشباب شاءوا أن يحصلوا على تلك الوظيفة، وكان سبيلهُم لذلك عن طريق تقديم طلبات التوظيف وهذهِ هي حدود حريتهُم في الاختيار عند مقدمي الطلب، أما العدالة والمشيئة الحقَّة تكون في اختيار الأشخاص ممن لديهِم الكفاءة والقُدرة على تلبية مهام تلك الوظيفة ومن ثُمَّ تنفيذ هذا الاختيار عن طريق تشغيل هؤلاء.
إذاً حرية الفرد تتمثل في اختيار الوظيفة والسعي على حصولها.
أما العدالة والمشيئة الحقَّة تقتضي أن يحصل على تلك الوظيفة من يستحقها والجدير بها.
بالنسبة للمؤمنين بالله والكافرين بأنعُمهِ فحريتهُم محصورة بأن يتمنى هؤلاء كل ما يُريدون.
فالخالق بمشيئتهِ الجبرية وأمرهُ النافذ يمنح الراغب في الطريق الأعوج كل السبل ليكون أعوجاً كما تمنى، وهناك من يتمنى الاعوجاج والفساد ولا ينالهُ ويبقى صالحاً كون الخالق يعلم بعدم فساده ويريده ضمن عبيده.
كذلك الخالق بمشيئتهِ الجبرية وأمرهُ النافذ يمنح الراغب في الطرق المستقيم كل السبل ليكون مستقيماً كما تمنى، وهناك من يتمنى الاستقامة ولا ينالها ويبقى فاسداً كون الخالق يعلم بعدم صلاحه ولا يريده أن يكون من عباده.
نستشهد على ما نقول هُنا بقول الله العزيز القدير في سورة الليل: (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَىٰ (13))، نقرأ هُنا القسم الرباني الخاص بجميع البشر من ذكر وأنثى والمتمثل بأنَّ سعيهُم في تحقيق أمنياتهِم سوف يذهَب سُدا وإلى الشتات والضياع، فالذي يتمنى رضى الخالق العظيم ورب العالمين عن طريق العمل الصالح وتصديقه للأنبياء ومنهُم المرسلين بكتب سيد الخلق أجمعين، سوف يشاء لهُ الرحمن أن يتم فتح باب التيسير لهُ ليسير بطريق مستقيم إلى الهدف النبيل ليتحقق ما تمنى.
أما الذي يتمنى عصيان الخالق العظيم ورب العالمين عن طريق العمل الفاسد وتكذيبه للأنبياء والمرسلين، سوف يشاء لهُ الخالق القهَّار أن يتم فتح باب التعسير لهُ ليسير بطريق أعسر ومتعرج لتتحقق أمنيتهُ بالفساد ولن ينفع الغني الذي يملك المال الكثير من أن يتردى حالهُ وتسيء أموره عند الله خالقه.
فالهُدى والمشيئة النافذة بيد الله وحدهُ وهو الذي يملك زمام الأمور كلها، من أولها إلى أخرها سُبحانهُ.
وبخصوص الآية الحالية فمجرد دخول (ما) النافية لمشيئة الخلق نتأكد مما سبق شرحهُ، حينها أدخل الخالق جلَّ وعلا أداة الاستثناء (إلا) متبوعة ب(أن) المؤولة بنفي المشيئة عن المخلوقات، ليتبعها فعل الشرط (يَشَاء اللَّهُ) وذلك بسبب كونهُ (رَبُّ الْعَالَمِين) ومن دون شك.
مُلخص هذهِ الآية الكريمة وما سبقها من آيات مُحكمات أنَّ ما حدث سابقاً من بداية نشأة الكون وخلقهِ وما سيحدث لاحقاً من يوم القيامة والبعث ثُم بعد ذلك من حياة أزلية سواء كانت في الجنّةَ أم النار، كان وما زال وسيبقى مرهون بمشيئة الله وحده لا بمشيئة أحدِ غيره.
فكل هذهِ الأحداث التي عرفناها بالعلم والمعرفة كنشئة الكواكب وأشكالها الكروية لنعرف بمشيئة الله سر تكور النجوم والكواكب وبعثرتها.
وكل ما عايشناه ولمسناه في واقعنا الحالي من مشتقاه بترولية لنعرف بمشيئة الله سر جثث الوحوش المحشورة في الأرض كالديناصورات وزمانها.
كذلك كل ما تنبأ به المُرسلون والأنبياء الداعون إلى وحدة الدين والعقيدة سوف يحدث ذلك وبمشيئة الله وحدهُ عن طريق دين واحد ألا وهو دين الإسلام العظيم.
والمحذِرون من يوم الحساب العظيم سوف يحدث ذلك بمشيئة الله وحدهُ، ولا ننسى جميع التحضيرات ليوم البعث تنفيذاً لأمره سُبحانه.
كل هذهِ الأمور ما كانت لتتم وتحدث لولا مشيئة الخالق جلَّ وعلا وتنفيذاً لأمرهِ وحده فقط.
فليس هُناك دليل أقوى على صِدق الأنبياء والمُرسلين من تكوير النجوم والكواكب التي فوقنا.
وليس هُناك رحمة وفضل عظيم من رب العالمين أكبر من تسخير جثث الديناصورات وتحضيرها لملايين السنين لتكون على هيئة بترول وغاز فتخدم رفاهية الإنسان وحدهُ دون المخلوقات من حوله.
وليس هُناك مسؤولية في إدارة شؤون المخلوقات أنجح من تحذير الناس أجمعين من يوم الحساب حيث لا ينفع فيهِ لا مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وهذا ما جاء في سورة الشعراء من قولهِ تعالى: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)).
جعلنا الله وإياكم من الصالحين الذين يأتون الله بقلبِ سليم لينالوا رضى الخالق العظيم ورحمتهِ فيدخلون الجنَّة مُكرمين رافعين رؤوسهِم ومهللين:
الله أكبر الله أكبر ... لا أله إلا الله .... الله أكبر الله أكبر ..... ولله الحمد ..... الله أكبر كبيرا ... والحمد لله كثيرا ..... وسبحان الله بكرة وأصيلا.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسين محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.
تمَّ بعون الله وفضله
محمد "محمد سليم" الكاظمي (المقدسي)