إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سر الكواكب والديناصورات في القرآن - الجزء الثلاثون

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سر الكواكب والديناصورات في القرآن - الجزء الثلاثون

    لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28):


    نعود إلى عنوان الفصل الخامس الذي نحن بصددهِ الآن وإلى إشارتهِ للسؤال الكبير، ذلك السؤال المُستنبط من خلال تسلسل آيات سورة التكوير والتي تُشير عند تتبع مراحلها إلى الحكمة من الوجود ككل، والذي هو في حقيقتهِ نابع من حكمة الخالق الذي أوجد الخلق في الأصل.
    فالسؤال الكبير في هذا الفصل وفي هذهِ السورة بالذات هو:
    - أين يذهبون الناس إن لم يكن إلى رب العالمين؟
    - ولمن يلجؤون إن لم يكن للرحمن الرحيم؟
    - وبمن يستنصرون إن لم يكن بالجبَّار ذي القوة المتين؟
    وكما نُلاحظ هُنا بأنَّ جواب السؤال العظيم لا يحتمل إلَّا إجابة منطقية واحدة، إلا وهي: إلى رب العالمين، خالق الخلق أجمعين سُبحانهُ لا إله إلا هو، وهذا هو الرد الوحيد للرد على الآية الاستفهامية (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ).
    حينها تكون الآية التي تليها عبارة عن تصريح رباني بمعرفتهِ المُسبقة لجواب السؤال، لا لشيء سوى لكونهِ خالق الخلق فهو الجهة الوحيدة التي يمكن للعبد أن يلجأ إليها وليس هُناك من جهة سواها وهذا هو المنطق الصحيح، أما سبب اللجوء فهو لينال رحمة الخالق الرحمن الرحيم المضمونة لكل المؤمنين، عندئذٍ يكونوا الفائزين بالعيش الكريم في جنَّة الخُلد ولأبد الآبدين، كذلك وليتقوا عذاب الخالق الجبار المُنتقم من كل كافر مُجرم لعين، عندئذِ يتجنبوا الخلود في النار والذي إن حصل فسيكون لأبد الآبدين.
    وهذا الأمر هو ما تُشير إليه الآية الكريمة من سورة يوسف في قولهِ تعالى جَلَّ وعَلَا: (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)).
    أما في هذهِ الآية الكريمة والتي نحن بصدد دراستها الآن والوقوف على معانيها وأحكامها، نجد فيها نوع من التحديد في الإشارة إلى فئة معينة من البشر ألا وهُم الراغبون في الهداية والاستقامة، وفيها تكون هذهِ الآية الكريمة بعيدة عن الإطلاق لتشمل جميع البشر كما في الآيتين السابقتين من الفصل الخامس، ففي الآيتين (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ)، (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) كان الكلام موجهاً لجميع الناس دون استثناء، أما هُنا فإننا نُلاحظ بأنَّ الكلام قد تمَّ تحديدهُ بفئة معينة من الناس، وهي الفئة التي ترغب بالاستقامة وتبحث عنها بمشيئة حُرَّة ومن دون أي ضغوط أو إجبار وترهيب.
    في هذهِ الحالة تكون مشيئة الله في إدارة مراحل الخلق بالصورة التي تصل بالإنسان إلى الرفاهية غير المسبوقة في العيش كما يعيشها الآن، وذلك على مدى السنين الطوال التي قضاها على الأرض منذ وجود أدم وحواء عليهما السلام إلى الآن، ففي هذهِ الفترة الطويلة تمَّ تسخير جميع مقدرات الأرض من سهول وجبال وأنهار، كذلك السماء من نجوم وكواكب وأيضاً الحيوان والنبات، كل هذهِ المخلوقات خدمت الإنسان بطريقة ما أو بأخرى، والسبب هو هذهِ الآية الكريمة (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ).
    بمعنى آخر أنَّ كل الأحداث والتطورات التي مرَّت بها المخلوقات جميعاً سواء الفانية منها أم الحاضرة إنما كان الهدف منها هو دعم ومساندة الإنسان الراغب بالاستقامة والعدل والحياة الكريمة حتى يتمكن من ذلك بكل إرادة حرَّة ومشيئة ذاتية خالية من أي ضغوط خارجية أو نزعات فردية.
    فكل إنسان راغب بحياة كريمة وسعيدة تبدأ على الأرض وتستمر في السماء عند جنَّات الرحمن حيث الخلود الأبدي في حياة مرضية كاملة الرفاهية لا يشوبها شائبة، يكون الله في عونهِ كذلك ملائكتهُ ورسلهِ والخلق أجمعين، وبمعنى آخر لمن شاء من البشر أن يستقيم فيكون من المؤمنين بالله واليوم الآخر، حينها ينطبق عليهِ قولهِ تعالى من سورة النساء: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)).
    بالمقابل نجد أنَّ كل إنسان مُشاغب أناني لا يحب الخير للآخرين بسبب عجزهِ عن ملاحظة أي شيء من فضل الله عليه، إضافة إلى عدم قدرتهِ على فهِم تسخير الخالق للمخلوقات من حولهِ وذلك حتى تكون في خدمتهِ كإنسان دونً عن باقي مخلوقات الله أجمعين، حينها تكون النتيجة فقدانهُ للبوصلة الإنسانية التي تميزهِ كجنس بشري ذو خصوصية وتمييز، وهذا يقود إلى فقدانهِ للبوصلة الأخلاقية التي تُحدد مساره كمخلوق متميز بكينونتهِ الأخلاقية فتكسبهُ صفة الأفضلية وتعطيهِ القدرة على خلافة الأرض والسماء كما شاء لهُ الرحمن في أول الزمان.
    فمعنى الأخلاق هو التمييز الخُلقي، وإن لم يكن الإنسان مُتميز بكينونتهِ الخلقية عن باقي مخلوقات الله، فما قيمة وجودهِ أصلاً وما معنى تكريم الخالق لهُ دوناً عن الخلق أجمعين.
    نُلاحظ هذا جلياً في سعي الإنسان الكافر بأنعم الله الملحوظ من أعمالهِ للإلغاء استحقاقه وتميزهِ الخُلقي وإبطال جدارتهِ العقلية ورفض قُدسيتهُ الروحية كإنسان جدير بخلافة الله على الأرض وفي الجنان عندما يأتي الأوان.
    يتجلى هذا الأمر عندما يحرص الكُفَّار لتكون حياتهُم محدودة في الدهر، فلا يعود لهُم أي معنى أو قيمة لوجودهِم كبشر في الأكوان، حينها ينحصر طموح الكافر بأنعُم الله في الحياة بأن يموت على أمل أن يكون في موتهِ راحة أبدية من عناء الحياة، ولكنَّهُ في الحقيقة بعد موتهِ سوف يزداد عناءهُ ويتضاعف عندما يُخلَّد في عذاب جهنَّم وبئس المصير، دليلنا في هذا التوجه عندما نقرأ آيات الذكر الحكيم من سورة الجاثية في قَولهِ سُبْحَانَهُ: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُۚ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)).

    محمد "محمد سليم" الكاظمي (المقدسي)
جاري التحميل ..
X