كيف ولماذا نحارب التطبيع؟
بقلم: ياسين عز الدين
التطبيع في الحالة الفلسطينية وصف يطلق على عملية القبول بالاحتلال الصهيوني ونسج علاقات مختلفة معه، وهذه العلاقات قد تتطور وتتجاوز العلاقات "الطبيعية" إلى التحالف والتبعية المطلقة.
والموضوع أكبر من التواصل الإعلامي مع الصهاينة أو مصافحة هنا وقبلة هناك، فالكيان الغاصب يشعر بهشاشة وضعه وأنه جسم غريب في المنطقة، ويريد ضمان وجوده للأبد من خلال نسج علاقات اقتصادية وسياسية تجعل العرب والفلسطينيين معتمدين عليه حصرًا ولا يستطيعون التخلي عنه.
لذا فالتطبيع في الحالة الفلسطينية هو أكبر من التطبيع بالمفهوم السياسي العام، هو عملية كاملة تهدف إلى ضمان بقاء الكيان الصهوني وإلى تكبيل العرب والفلسطينيين باتفاقيات وعلاقات تديم الاحتلال وتضمن سيطرته.
لهذا لا يكتفي الاحتلال بالمصافحات والابتسامات بل يريد علاقات اقتصادية وأمنية وسياسية ويريد التدخل في شؤون الدول العربية الداخلية وينظم الانقلابات والمؤامرات ضد الإرادة الشعبية (مثلما فعل عندما تآمر مع الإمارات للإطاحة بمرسي).
لذا نحارب التطبيع ليس فقط لأن مشاعرنا كشعب محتل تجرح من رؤية الأيدي تمتد وتصافح العدو الصهيوني، فهذه أصغر الآثام وأهونها، بل لأننا إن تهاونا بأمره كتبنا عمرًا أطول لهذا الاحتلال وسمحنا له بالتمدد شرقًا وغربًا، فالحرب ليست فقط أعمالًا عسكرية بل مناورات سياسية واقتصادية، وإفشال محاولة الاحتلال التمدد في الدول العربية لا يقل أهمية عن الحروب التي خاضتها المقاومة المسلحة.
محاربة التطبيع يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الآتي:
- محاربة كافة أشكال العلاقة مع الاحتلال وليس فقط تلك التي تطفو على السطح، مثل المصافحات والابتسامات أمام الكاميرات، وبالأخص العلاقات الاقتصادية وهنا تأتي حملات المقاطعة الاقتصادية ومحاربة كل من ينسج علاقات كهذه.
- يجب إبراز النماذج الشجاعة الرافضة للتطبيع من دول وجماعات وأفراد، وتهميش تلك الأصوات النشاز التي لا يعرفها أحد لولا خروجها وترويجها للتطبيع، وللأسف فما يحصل على وسائل التواصل الاجتماعي هو العكس تمامًا، وهذا يخدم الاحتلال لأنه يرفع معنويات المطبعين ويحبط معنويات أنصار القضية الفلسطينية.
يجب أن نخلق جوًا رافضًا للتطبيع من خلال إبراز المواقف الإيجابية والإشادة بها، حتى نوصل رسالة للجميع أن معشر المتمسكين بالقضية هم الأقوى والأكثر سيطرة.
- رفض التبرير لأي علاقات مع الاحتلال الصهيوني، وبالأخص ما يأتي منها تحت لافتة "الاضطرار" و"لقمة العيش"، وحتى لو كان هنالك اضطرار فعلي فلا يجب أن يصبح الاستثناء قاعدة وأن ندافع عنه.
- لا تستهينوا بصوتكم فإشعار المطبعين أنهم منبوذون اجتماعيًا وإعلاميًا وسياسيًا سيردعهم، وسيجعل الكثيرين يتراجعون ويسكتون، لا تستمعوا لأصوات المثبطين والمحبطين لأنه أحيانًا نكون على مرمى حجر من النصر إلا أن عدم إيماننا بقدراتنا يجعلنا نتراجع ونستسلم.
- التطبيع يهدف لترسيخ وجود الاحتلال، إذًا يجب أن نعمل من أجل العكس وأن نحارب الاحتلال في كل مكان وبكافة الوسائل، فكلما ضعف الاحتلال أصبح موقف المطبعين أكثر ضعفًا، وكلما ضعفنا تشجع ضعاف النفوس على القفز من السفينة والارتماء في حضن الاحتلال.
- يجب إعادة التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي، وأنها قضية عقيدة تمس كل المسلمين لارتباطها بالأقصى، وذلك لإفشال مسعى المطبعين لتقزيم القضية وجعلها مقتصرة على الفلسطينيين فقط.
في الختام يجب أن ننظر للتطبيع على أنه عملية متكاملة تهدف لاختراق أمتنا والسيطرة عليها من أجل إدامة وجود الاحتلال، ومحاربة التطبيع يجب أن تصب في النهاية باتجاه إضعاف الاحتلال وتقويض أركانه، وأن نحسن محاربته وأن لا تكون مجرد ردود أفعال عاطفية غير مدروسة.
تعليق