خواطر صيف
إنَّنا إن تأمَّلنا في طعامنا عملاً بقوله تعالى: "فلينظر الإنسان إلى طعامه"، فإننا سنجد أنَّ من أهم الإنجازات البشريَّة في بداياتها الأولى تحقيق نجاحٍ نوعيٍّ في المحافظة على اللّحوم والثِّمار صالحةً للأكل أكبر فترةٍ ممكنةٍ باستخدام طرقٍ عديدةٍ كالتَّجفيف والتَّقديد والتَّمليح والتَّدخين والتَّسكير والتَّجبين (تخمير الحليب وتحويله إلى جبن)، وهو ما أتاح نقلها عبر القوافل التي كانت تُمضي أشهُراً طويلةً في بيئاتٍ صعبةٍ نسبياً. وهو ما أمكَنَ تناولُ العنبِ زبيباً، والتِّين "قُطِّيناً" (التِّين المجفف)، في منتصف الشِّتاء، وتناولُ السَّمك مملَّحاً أو مدخّناً في قلب الصَّحراء.
أمَّا عصرنا هذا، فلا أبالغ إن قلتُ جازماً بأنَّ الأكثريّة منَّا لا يمكنُهم التَّفريق بين فاكهة الصَّيف من فاكهة الشِّتاء، فوسائل النَّقل الحديثة أتاحت إيصال المنتجات الزِّراعيّة طازجةً من أقصى نقطةٍ في جنوب الكرة الأرضيّة، إلى أقصى نقطة في شمالها بسهولةٍ ويُسر، ولعلَّ أكبر دليلٍ على معلوماتنا المُرتبكةِ حيال ذلك جَهلَنا بأنَّ الموز والتّفاح من الفواكه الشّتويّة، إذ أنَّنا بالكاد نفقدْهما ولو في يومٍ واحدٍ من أيّام السّنة!!
وأقول جازماً أيضاً بأنَّ سيِّدنا زكريّا عليه السّلام لم يكن على شاكلتنا في ذلك، فقد كان التَّفريق بينهما سهلٌ يسير جدّاً عليه، ذلك أنَّ أحداً في زمانه لم يكن ليستطيع أن يحصل على فاكهةٍ في غيرِ موسمها، سِوى ما أخبرنا الله -جلّ في علاه- في كتابه المجيد عن مريم بنت عمران عليها السَّلام، الصدِّيقة التي تَقَبَّلها ربُّها بقَبُولٍ حَسَن وأنبتَها نباتاً حسَنا، واصطفاها لتكونَ عابدةَ بيت المقدِس وخادِمة مسجده.
إنَّها من تلك العائلة المباركة التي خلَّد الله ذكرها في سورةٍ من أعظم سور القرآن الكريم وحملت اسمها، وجاء فيها ثناء الله على تسابق أبنائها في الخير وحرصهم عليه، ما جعل ذكرهم يُذكِّر بطاعة الله وعبادته، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولياءُ اللهِ الذينَ إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ".
إنّها عائلة آل عمران التي سكنت الأرض المباركة، فإنْ ذُكِرَتْ أو ذُكِر أحد أفرادها تذكَّرْتَ الأرضَ المباركة، وإنْ ذُكِرَتْ الأرض المباركة فستجد نفسك تذكر تلك العائلة المباركة وأفرادها. كفاهم فخراً أنَّ الله اصطفاهم على العالمين كما اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم فقال: "إنّ الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآلَ عمران على العالمين". ذلك الاصطفاء يجعلك تتلقَّف كلّ ما ورد عنهم بروِيَّةٍ وتأنٍّ كي تكتشف الأحوال التي أهَّلتهم لذلك الاصطفاء.
هذا زكريّا عليه السّلام وهو من تلك العائلة المباركة، وارتبط اسمه بالمحاريب والدُّعاء والذِّكر والتَّسبيح، يخصُّه الله بشرفِ كفالة ابنة أختِهِ مريم بنت عمران، فكان من أمره أنَّه كان كلَّما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقاً. قال المفسِّرون بأنَّ ذلك الرِّزق هو فاكهة الصَّيف في الشِّتاء وفاكهة الشِّتاء في الصَّيف.
إنَّني لا أملك كلّما مررت بقصَّته في سورة آل عمران إلاَّ أن أدع نفسي تحلِّق بعيداً لأتخيَّله في صيفٍ مقدسيٍّ جميلٍ، يَمضي فيه نحو المسجد سعيداً مسروراً، يقصد محرابه ليؤدّي الأمانة التي عليه بتفقّدِ أحوال مريم وتلبية احتياجاتها، وعندها تقع المفاجأة.
ها هو يرى بأمِّ عينه في محرابها شيئاً من الرمَّان والتّفاح وفاكهة الشِّتاء، وهو ما لا يمكن أن يجده عند أحد في ذلك الفصل من العام، فلا يملك والدَّهشة تغمره إلاَّ أن يتساءل متعجِّباً: أنَّى لك هذا؟ فلو أنَّ ما رآه عندها فاكهةً صيفيّةً لما اندهش وتعجَّب، فقد تكون قد أحضرتها هي معها. لكنَّ الذي رآه لا يمكن أن يوجد في هذا المكان، وفي هذا الوقت إلا بخارقةٍ ومعجزة.
أتخيَّله يكاد يطير من الفرح وهو يسمع جوابها: "هو من عند الله إنَّ الله يرزق من يشاء بغير حساب"، إنَّ الذي يرزقها ويكفلها هو الله وحده، لقد ذكَّرته كلماتها تلك بحقيقة هو في أمسّ الحاجة إلى تذكّرها، وهو أنَّها رغم ضعفها وقلَّة حيلتها إلاَّ أنَّها في غِنىً عن كفالته لها، فعناية الله تحيط بها ولا تُحوِجها لأحدٍ من خلقه. صحيحٌ أنَّه كفيلٌ لها أمامَ النَّاس، ولكنَّه في الوقت ذاته أشدُّ منها حاجةً لكفالةِ من يكفلها ويرعاها.
تلك الضَّعيفة أطمَعَتْهُ في رزقٍ لطالما تاقَ إليه، فكأنَّها نبَّهَتْهُ إلى المكان والوسيلة للحصول عليه، محرابٌ تملأه دعاءً ونداءً خفيّاً، مع انطراحٍ وتذلّلٍ ببابه، وتوكّلٍ عليه، وثقةٍ تامَّةٍ بما عنده، لتأتيك بشارة الملائكة بالَّذي سألتَهُ قبل أن تغادر محرابك.
ذلك ما رأيناه عياناً في صيفٍ مقدسيٍّ حاول فيه الصَّهاينة لَيَّ أعناق المرابطين والمرابطات وإجبارهم على دخول المسجد الأقصى عبر بوَّاباته الإلكترونيَّة، إمعاناً في غطرسته وعنجهيَّته الرَّامية إلى تثبيت سيادته على المسجد الأقصى المبارك، فكانت "مريمات" القدس له بالمرصاد، وأفشلن عليه كافَّة مخطَّطاته بثباتِهنَّ وإصرارهِنَّ على عدم دخول الأقصى بأيِّ شرطٍ من شروط المحتلِّين.
ولمَّا رأى أهل القدس والمدن المحتلَّة عام 1948 تأثيرهنَّ على المحتلّ، عرفوا أنهنّ مرابطاتٍ في محراب مريم، وأنَّهنَّ يَحْظَيْنَ برعايةِ وكفالةِ الّذي أَطعَمَ مريم بنت عمران فاكهة الشِّتاء في "عزّ الصيف". وهو ما دفعهم دفعاً إلى أن يتداعوا جميعاً للانضمام إلى اعتصامهنّ على أبواب الأقصى، فقد بدا لهم ما بدا لزكريَّا عليه السَّلام بأنَّ الله كفيلهم، كما هو كفيل لمريمات القدس، وأنَّهم يشتركون في محرابٍ واحدٍ يوشك أن تتنزَّل عليه الملائكة ببشارة الرِّزق والفرج الرَّباني.
جاء الرِّزق وفيراً بتفكيك البوَّابات ودخول المقدِسِيّين من باب حِطَّة منتصرين مهلّلين مكبِّرين، في مشهدٍ رأت فيه الأمَّة بأسرها نموذجاً لمشهد تحرير الأقصى المبارك في يومٍ نراه قريباً، ويراه الصَّهاينة والمطبِّعون معهم بعيداً.
الأمّة ترقُب البيت المُقدَّس، وكيف تواجه مريماتُه المِخرَزَ بالكفِّ بكلِّ ثباتٍ وإصرارٍ وإرادةٍ لا تتزعزع، وما على الأمَّة إلاّ أن تحذو حذْوَ زكريّا عليه السّلام وأهالي بيت المقدس وأكنافه المباركة، فتجثو في محراب الاستسلام للواحد القهَّار، وتمضي متوكِّلةً عليه لتقارع المحتلِّين بعزمٍ ويقين وإصرارٍ، بأنَّ نصر الله المبين قاب قوسين أو هو أقرب، لمن في محرابِه بكى وانتَحَب، ووثق بخالِقِه، فما ارتابَ أو تردَّد أوِ اضطرَّب، نصرُ الله قريب لمن له قنوتٌ لربِّهِ كقُنوتِ مريم، وركوعاً له كَرُكُوعها. نصرُ الله آتٍ آتْ لمن له تسبيحاتٍ بالغُدوات، كتسبيحاتِ زكريّا عليه السَّلام، مع خبيئة خيرٍ يدَّخرها ذخراً له بعد الممات.
صيفٌ مقدسيّ
مخلص برزق
نِعَمٌ كثيرة نتقلَّب فيها ولا نكاد نبذل لها شكراً للواهب المُنعِم المُتفضِّل سبحانه وتعالى، والفَطِن المُوَفَّق مَنْ أعْمَلَ فكره وبذل جهده ليُنَقِّبَ عنها، فلا يترك لحظةً إلاّ وجعل في ميزانه شكراً جديداً ليكون من القليل الشَّاكر الذين قال الله عنهم: "وقليلٌ من عبادي الشَّكور".إنَّنا إن تأمَّلنا في طعامنا عملاً بقوله تعالى: "فلينظر الإنسان إلى طعامه"، فإننا سنجد أنَّ من أهم الإنجازات البشريَّة في بداياتها الأولى تحقيق نجاحٍ نوعيٍّ في المحافظة على اللّحوم والثِّمار صالحةً للأكل أكبر فترةٍ ممكنةٍ باستخدام طرقٍ عديدةٍ كالتَّجفيف والتَّقديد والتَّمليح والتَّدخين والتَّسكير والتَّجبين (تخمير الحليب وتحويله إلى جبن)، وهو ما أتاح نقلها عبر القوافل التي كانت تُمضي أشهُراً طويلةً في بيئاتٍ صعبةٍ نسبياً. وهو ما أمكَنَ تناولُ العنبِ زبيباً، والتِّين "قُطِّيناً" (التِّين المجفف)، في منتصف الشِّتاء، وتناولُ السَّمك مملَّحاً أو مدخّناً في قلب الصَّحراء.
أمَّا عصرنا هذا، فلا أبالغ إن قلتُ جازماً بأنَّ الأكثريّة منَّا لا يمكنُهم التَّفريق بين فاكهة الصَّيف من فاكهة الشِّتاء، فوسائل النَّقل الحديثة أتاحت إيصال المنتجات الزِّراعيّة طازجةً من أقصى نقطةٍ في جنوب الكرة الأرضيّة، إلى أقصى نقطة في شمالها بسهولةٍ ويُسر، ولعلَّ أكبر دليلٍ على معلوماتنا المُرتبكةِ حيال ذلك جَهلَنا بأنَّ الموز والتّفاح من الفواكه الشّتويّة، إذ أنَّنا بالكاد نفقدْهما ولو في يومٍ واحدٍ من أيّام السّنة!!
وأقول جازماً أيضاً بأنَّ سيِّدنا زكريّا عليه السّلام لم يكن على شاكلتنا في ذلك، فقد كان التَّفريق بينهما سهلٌ يسير جدّاً عليه، ذلك أنَّ أحداً في زمانه لم يكن ليستطيع أن يحصل على فاكهةٍ في غيرِ موسمها، سِوى ما أخبرنا الله -جلّ في علاه- في كتابه المجيد عن مريم بنت عمران عليها السَّلام، الصدِّيقة التي تَقَبَّلها ربُّها بقَبُولٍ حَسَن وأنبتَها نباتاً حسَنا، واصطفاها لتكونَ عابدةَ بيت المقدِس وخادِمة مسجده.
إنَّها من تلك العائلة المباركة التي خلَّد الله ذكرها في سورةٍ من أعظم سور القرآن الكريم وحملت اسمها، وجاء فيها ثناء الله على تسابق أبنائها في الخير وحرصهم عليه، ما جعل ذكرهم يُذكِّر بطاعة الله وعبادته، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولياءُ اللهِ الذينَ إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ".
إنّها عائلة آل عمران التي سكنت الأرض المباركة، فإنْ ذُكِرَتْ أو ذُكِر أحد أفرادها تذكَّرْتَ الأرضَ المباركة، وإنْ ذُكِرَتْ الأرض المباركة فستجد نفسك تذكر تلك العائلة المباركة وأفرادها. كفاهم فخراً أنَّ الله اصطفاهم على العالمين كما اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم فقال: "إنّ الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآلَ عمران على العالمين". ذلك الاصطفاء يجعلك تتلقَّف كلّ ما ورد عنهم بروِيَّةٍ وتأنٍّ كي تكتشف الأحوال التي أهَّلتهم لذلك الاصطفاء.
هذا زكريّا عليه السّلام وهو من تلك العائلة المباركة، وارتبط اسمه بالمحاريب والدُّعاء والذِّكر والتَّسبيح، يخصُّه الله بشرفِ كفالة ابنة أختِهِ مريم بنت عمران، فكان من أمره أنَّه كان كلَّما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقاً. قال المفسِّرون بأنَّ ذلك الرِّزق هو فاكهة الصَّيف في الشِّتاء وفاكهة الشِّتاء في الصَّيف.
إنَّني لا أملك كلّما مررت بقصَّته في سورة آل عمران إلاَّ أن أدع نفسي تحلِّق بعيداً لأتخيَّله في صيفٍ مقدسيٍّ جميلٍ، يَمضي فيه نحو المسجد سعيداً مسروراً، يقصد محرابه ليؤدّي الأمانة التي عليه بتفقّدِ أحوال مريم وتلبية احتياجاتها، وعندها تقع المفاجأة.
ها هو يرى بأمِّ عينه في محرابها شيئاً من الرمَّان والتّفاح وفاكهة الشِّتاء، وهو ما لا يمكن أن يجده عند أحد في ذلك الفصل من العام، فلا يملك والدَّهشة تغمره إلاَّ أن يتساءل متعجِّباً: أنَّى لك هذا؟ فلو أنَّ ما رآه عندها فاكهةً صيفيّةً لما اندهش وتعجَّب، فقد تكون قد أحضرتها هي معها. لكنَّ الذي رآه لا يمكن أن يوجد في هذا المكان، وفي هذا الوقت إلا بخارقةٍ ومعجزة.
أتخيَّله يكاد يطير من الفرح وهو يسمع جوابها: "هو من عند الله إنَّ الله يرزق من يشاء بغير حساب"، إنَّ الذي يرزقها ويكفلها هو الله وحده، لقد ذكَّرته كلماتها تلك بحقيقة هو في أمسّ الحاجة إلى تذكّرها، وهو أنَّها رغم ضعفها وقلَّة حيلتها إلاَّ أنَّها في غِنىً عن كفالته لها، فعناية الله تحيط بها ولا تُحوِجها لأحدٍ من خلقه. صحيحٌ أنَّه كفيلٌ لها أمامَ النَّاس، ولكنَّه في الوقت ذاته أشدُّ منها حاجةً لكفالةِ من يكفلها ويرعاها.
تلك الضَّعيفة أطمَعَتْهُ في رزقٍ لطالما تاقَ إليه، فكأنَّها نبَّهَتْهُ إلى المكان والوسيلة للحصول عليه، محرابٌ تملأه دعاءً ونداءً خفيّاً، مع انطراحٍ وتذلّلٍ ببابه، وتوكّلٍ عليه، وثقةٍ تامَّةٍ بما عنده، لتأتيك بشارة الملائكة بالَّذي سألتَهُ قبل أن تغادر محرابك.
ذلك ما رأيناه عياناً في صيفٍ مقدسيٍّ حاول فيه الصَّهاينة لَيَّ أعناق المرابطين والمرابطات وإجبارهم على دخول المسجد الأقصى عبر بوَّاباته الإلكترونيَّة، إمعاناً في غطرسته وعنجهيَّته الرَّامية إلى تثبيت سيادته على المسجد الأقصى المبارك، فكانت "مريمات" القدس له بالمرصاد، وأفشلن عليه كافَّة مخطَّطاته بثباتِهنَّ وإصرارهِنَّ على عدم دخول الأقصى بأيِّ شرطٍ من شروط المحتلِّين.
ولمَّا رأى أهل القدس والمدن المحتلَّة عام 1948 تأثيرهنَّ على المحتلّ، عرفوا أنهنّ مرابطاتٍ في محراب مريم، وأنَّهنَّ يَحْظَيْنَ برعايةِ وكفالةِ الّذي أَطعَمَ مريم بنت عمران فاكهة الشِّتاء في "عزّ الصيف". وهو ما دفعهم دفعاً إلى أن يتداعوا جميعاً للانضمام إلى اعتصامهنّ على أبواب الأقصى، فقد بدا لهم ما بدا لزكريَّا عليه السَّلام بأنَّ الله كفيلهم، كما هو كفيل لمريمات القدس، وأنَّهم يشتركون في محرابٍ واحدٍ يوشك أن تتنزَّل عليه الملائكة ببشارة الرِّزق والفرج الرَّباني.
جاء الرِّزق وفيراً بتفكيك البوَّابات ودخول المقدِسِيّين من باب حِطَّة منتصرين مهلّلين مكبِّرين، في مشهدٍ رأت فيه الأمَّة بأسرها نموذجاً لمشهد تحرير الأقصى المبارك في يومٍ نراه قريباً، ويراه الصَّهاينة والمطبِّعون معهم بعيداً.
الأمّة ترقُب البيت المُقدَّس، وكيف تواجه مريماتُه المِخرَزَ بالكفِّ بكلِّ ثباتٍ وإصرارٍ وإرادةٍ لا تتزعزع، وما على الأمَّة إلاّ أن تحذو حذْوَ زكريّا عليه السّلام وأهالي بيت المقدس وأكنافه المباركة، فتجثو في محراب الاستسلام للواحد القهَّار، وتمضي متوكِّلةً عليه لتقارع المحتلِّين بعزمٍ ويقين وإصرارٍ، بأنَّ نصر الله المبين قاب قوسين أو هو أقرب، لمن في محرابِه بكى وانتَحَب، ووثق بخالِقِه، فما ارتابَ أو تردَّد أوِ اضطرَّب، نصرُ الله قريب لمن له قنوتٌ لربِّهِ كقُنوتِ مريم، وركوعاً له كَرُكُوعها. نصرُ الله آتٍ آتْ لمن له تسبيحاتٍ بالغُدوات، كتسبيحاتِ زكريّا عليه السَّلام، مع خبيئة خيرٍ يدَّخرها ذخراً له بعد الممات.
تعليق