أَمَّا بَعدُ، فَـ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ )[البقرة: 21].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، حُلُولُ المَصَائِبِ وَنُزُولُ البَلايَا بِالإِنسَانِ، مِمَّا لا يَنفَكُّ عَنهُ أَحَدٌ كَائِنًا مَن كَانَ، وَمَن ذَا الَّذِي يَسلَمُ مِنَ البَلاءِ أَو تُخطِئُهُ صُرُوفُ اللَّيَالي، مِن فَقدِ عَزِيزٍ أَو مَوتِ قَرِيبٍ، أَو حُدُوثِ مَرَضٍ أَو تَلَفِ مَالٍ، أَو ضِيقِ رِزقٍ أَو تَعَسُّرِ أَمرٍ، أَو نُشُوزِ زَوجَةٍ أَو عُقُوقِ وَلَدٍ، أَو غَيرِ ذَلِكَ مِمَّا لا يَسلَمُ مِنهُ أَحَدٌ.
وَكَمَا يُصَابُ الأَفرَادُ وَتُبتَلَى الأُسَرُ، تُصَابُ المُجتَمَعَاتُ وَتُبتَلَى الأُمَمُ، فَيَتَعَسَّرُ مَا كَانَ يَسِيرًا، وَيَقِلُّ مَا كَانَ كَثِيرًا، وَيَغلُو مَا كَانَ رَخِيصًا، وَيَضعُفُ مَن كَانَ ذَا قُوَّةٍ وَهَيبَةٍ، وَيَذِلُّ مَن كَان ذَا عِزَّةٍ وَشِدَّةٍ، غَيرَ أَنَّ مِن خَطَأِ المُجتَمَعَاتِ مَعَ مَا يَعرِضُ لَهَا وَيَحدُثُ، أَنَّ تَفكِيرَ أَفرَادِهَا يَنصَبُّ أَوَّلَ مَا يَنصَبُّ عَلَى مَخلُوقٍ تُنزَلُ بِهِ الحَاجَةُ وَتُشكَى إِلَيهِ الحَالُ، فَتَرَى الأَبصَارَ تُقَلَّبُ يَمنَةً وَيَسرَةً، وَالأَفكَارَ تَذهَبُ أَبعَدَ مَا تَكُونُ عَنِ الوَاقِعِ، وَيَبحَثُ الجَمِيعُ وَيَتَسَاءَلُونَ: عَلَى مَنِ المُعتَمَدُ؟! وَإِلى مَنِ المَلجَأُ؟! وَمَن ذَا الَّذِي سَيَقضِي الحَاجَةَ أَو يُفَرِّجُ الكُربَةَ؟! مَن هُوَ الأَقوَى؟! وَمَن ذَاكَ الأَغَنى؟! وَهَل ثَمَّ عِلاقَةٌ قَوِيَّةٌ بِالفَاعِلِينَ المُؤَثِّرِينَ؟! وَأَينَ مَوقِعُنَا مِن بَينِ العَالَمِينَ؟! وَيَتَدَرَّجُ الأَمرُ بِالنَّاسِ بِحَسَبِ شِدَّةِ مَا يُصِيبُهُم، مِنَ الإِسرَارِ بِمَا تَجِيشُ بِهِ الصُّدُورُ إِلى الزُّمَلاءِ وَالأَصدِقَاءِ، إِلى اللُّجُوءِ إِلى المُفَكِّرِينَ وَالعُلَمَاءِ وَالكُبَرَاءِ، إِلى رَفعِ الشَّكوَى لِلمُسؤُولِينَ وَأَصحَابِ الوِلايَاتِ وَالرُّؤَسَاءِ، وَيَظَلُّ النَّاسُ في بَحثِهِم عَن حَلِّ المُتَعَقِّدِ وَتَيسِيرِ المُتَعَسِّرِ يَحسِبُونَ حِسَابًا لِقَولِ فُلانٍ، وَيُعَلِّقُونَ آمَالَهُم بِرَأيِ عَلاَّنٍ، أَو يَتَرَقَّبُونَ قَرَاراتٍ أَو يَنتَظِرُونَ وُعُودًا، أَو يَتَشَوَّفُونَ إِلى نَتَائِجِ تَدبِيرٍ بَشَرِيٍّ، وَلا تَسَلْ عَن فَرَحِهِم بِمَا يَرَونَهُ أَو يَسمَعُونَهُ، مِمَّا ظَاهِرُهُ الوُقُوفُ في صَفِّ المُستَضعَفِينَ وَنَصرُ المَظلُومِينَ، وَإِعَادَةُ الحُقُوقِ إِلى أَصحَابِهَا وَوَضعُ الأُمُورِ في نِصَابِهَا. هَكَذَا تَعتَلِجُ الهُمُومُ في الصُّدُورِ، وَهَكَذَا يَحصُلُ في الوَاقِعِ وَيَدُورُ، وَمَا عَلِمَ هَذَا الإِنسَانُ الضَّعِيفُ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا يُعَاني مِنهُ مِن تَفَاقُمِ البَلاءِ، أَو يَشكُوهُ مِن تَعَقُّدِ الأُمُورِ، لم يَكُنْ إِلاَّ حِينَ تَجَاهَلَ الأَسبَابَ الحَقِيقِيَّةَ لِمُشكِلاتِهِ، وغَفَلَ عَمَّن بِيَدِهِ الخَلاصُ مِنَ المَآزِقِ وَالوَرطَاتِ، وَهَرَبَ مِمَّن يَملِكُ حَلَّ العُقَدِ، في مُقَابِلِ اعتِمَادٍ عَلَى العَاجِزِينَ، أَو رُكُونٍ إِلى الظَّالِمِينَ، أَو تَقَرُّبٍ لِلمُعَادِينَ، أَو ثِقَةٍ في المُغرِضِينَ المُتَرَبِّصِينَ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، كُلُّنَا يَقرَأُ قَولَ اللهِ - تَعَالى -: ( وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكرِمٍ ) [الحج: 18] وَقَولَهُ - جَلَّ وَعَلا -: (أَمَّن هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُم يَنصُرُكُم مِن دُونِ الرَّحمَنِ إِنِ الكَافِرُونَ إِلاَّ في غُرُورٍ * أَمَّن هَذَا الَّذِي يَرزُقُكُم إِن أَمسَكَ رِزقَهُ بَل لَجُّوا في عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ) [الملك: 20، 21] وَقَولَهُ - سُبحَانَهُ -: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ أَيَبتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا ) [النساء: 139] وَقَولَهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ )[يونس: 31، 32] وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: ( أَوَلَمَّا أَصَابَتكُم مُصِيبَةٌ قَد أَصَبتُم مِثلَيهَا قُلتُم أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ )
نَعَم - أَيُّهَا الإِخوَةُ - يَقرَأُ المُسلِمُونَ جَمِيعًا هَذِهِ الآيَاتِ وَلا يَشُكُّونَ فِيمَا جَاءَ فِيهَا، وَلَكِنَّ العَجِيبَ أَن يَقرَؤُوهَا وَيَفهَمُوهَا، ثم يَستَنكِرُوا مَا يُصِيبُهُم مِن هَوَانٍ، أَو يَرجُوا عِزَّةً أَو نَصرًا مِمَّن أَهَانَهُ اللهُ، أَو إِصلاحًا لِشُؤُونِهِم مِمَّن بَعُدَ عَنِ اللهِ؟! أَو رِزقًا مِمَّن لا يَملِكُهُ؟! أَو تَفرِيجَ هَمٍّ مِمَّن لا زَالَتِ الهُمُومُ تُلاحِقُهُ وَتَملأُ قُلبَهُ؟! وَفي الحَدِيثِ عَن عِبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ -: " مَن نَزَلَت بِهِ فَاقَةٌ فَأَنزَلَهَا بِالنَّاسِ لم تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَن نَزَلَت بِهِ فَاقَةٌ فَأَنزَلَهَا بِاللهِ فَيُوشِكُ اللهُ لَهُ بِرِزقٍ عَاجِلٍ أَو آجِلٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
نَعَم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - حِينَمَا تَتَوَالَى الفِتَنُ وَالمِحَنُ، وَتُلقِي الأَحدَاثُ بِظُلمَتِهَا عَلَى الأَجوَاءِ، وَتَتَنَافَرُ المَوَاقِفُ وَتَتَنَاقَضُ الآرَاءُ، فَلَيسَ الخَلاصُ مِن كُلِّ هَذَا بِالقُدرَةِ عَلَى تَحلِيلِ الأَحدَاثِ، أَو في دِقَّةِ استِنتَاجِ نَتَائِجِهَا وَعُمقِ الاستِشرَافِ لِلمُستَقبَلِ، أَو بِادِّعَاءِ الفَهمِ لِلوَاقِعِ وَالانقِيَادِ لَهُ وَمُسَايَرَتِهِ، بِتَميِيعِ النُّصُوصِ الشَّرعِيَّةِ وَلَيِّ أَعنَاقِهَا، لِتَتَوَافَقَ مَعَهُ عَلَى مَا فِيهِ مِن سُوءٍ، أَو لِتُقنَعَ الأَنفُسُ الأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ بِصَوَابِ مَا تَفعَلُ، نَعَم - أَيُّهَا الإِخوَةُ - لَيسَ كَشفُ الغُمَّةِ وَلا رَفعُ المَقتِ عَنِ الأُمَّةِ، وَلا إِزَالَةُ البَلاءِ عَنِ المُجتَمَعِ، في مُتَابَعَةِ أَخبَارٍ وَقَنَواتٍ، وَلا في الإِصغَاءِ لِتَغطِيَاتٍ وَتَحلِيلاتٍ، فَذَاكَ عَالَمٌ يَجمَعُ الحَابِلَ وَالنَّابِلَ، وَيَضُمُّ الغَثَّ وَالسَّمِينَ، وَيَختَلِطُ فِيهِ الكَذِبُ بِالتَّدلِيسِ، وَيَكثُرُ الفُجُورُ في الخُصُومَاتِ، وَالاصطِيَادُ في المَاءِ العَكِرِ، وَنَبشُ الأَحقَادِ القَدِيمَةِ وَتَصفِيَةُ الحِسَابَاتِ. إِنَّ الخَلاصَ لا يَكُونُ إِلاَّ بِاللَّجَأِ إِلى اللهِ وَالانطِرَاحِ بَينَ يَدَيهِ، وَالعَودَةِ الصَّادِقَةِ إِلَيهِ، وَتَقوِيَةِ العِلاقَةِ بِهِ، مَعَ التَّبَرُّؤِ مِن حَولِ النُّفُوسِ وَقُوَّتِهَا، وَالانصِرَافِ عَن جُهُودِ البَشَرِ وَتَدبِيرِهِم، إِلى حَولِ اللهِ وَقُوَّتِهِ وَتَدبِيرِهِ وَتَوفِيقِهِ، فَمَا يَجرِي عَلَى الأَرضِ شَيءٌ إِلاَّ بِقَدَرِهِ، وَلا عَاصِمَ مِن أَمرِهِ إِلاَّ رَحمَتُهُ، وَلا يَرفَعُ القَدَرَ وَيَرُدُّ الشَّرَّ وَيَصرِفُ السُّوءَ إِلاَّ دُعَاؤُهُ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " لا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ " أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ، وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَا مِن مُسلِمٍ يَدعُو بِدَعوَةٍ لَيسَ فِيهَا إِثمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعطَاهُ اللهُ بِهَا إِحدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَن يُعَجِّلَ لَهُ دَعوَتَهُ، وَإِمَّا أَن يَدَّخِرَهَا لَهُ في الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَن يَصرِفَ عَنهُ مِنَ السُّوءِ مِثلَهَا " قَالُوا: إِذًا نُكثِرُ. قَالَ: " اللهَ أَكثَرُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَكُنْ مَعَهُ بِقُلُوبِنَا وَجَوارِحِنَا، وَلْنَتَرَقَّبْ مِن حَكِيمِ أَمرِهِ وَلَطِيفِ تَدبِيرِهِ مَا يُغَيِّرُ مَجرَى الأُمُورَ وَيَقلِبُ المَوَازِينَ؛ فَإِنَّهُ - تَعَالى - هُوَ رَبُّ الكَونِ وَمُدَبِّرُهُ، الخَلقُ خَلقُهُ وَالأَمرُ أَمرُهُ، وَسَيَمضِي الأَمرُ بِمَا قَضَى، وَلَن يَكُونَ إِلاَّ مَا يَشَاءُ وَيُرِيدُ، لا ما يُرِيدُهُ مَن يَظُنُّونَ اليَومَ أَنَّهُم يَتَحَكَّمُونَ في مَجرَى الأَحدَاثِ، وَيَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُم يُرسُونَ قَوَاعِدَهَا وَيُوَجِّهُونَهَا كَيفَ شَاؤُوا، فَنَسأَلُهُ أَن يَجعَلَ في قَضَائِهِ الخَيرَ لِلإِسلامِ وَالمُسلِمِينَ، فَإِنَّهُ - سُبحَانَهُ - القَائِلُ: ( وَإِن يَمسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمسَسْكَ بِخَيرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ القَاهِرُ فَوقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ) [الأنعام: 17، 18] وَالقَائِلُ: (وَإِن يَمسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيرٍ فَلا رَادَّ لِفَضلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ )[يونس: 107].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، حُلُولُ المَصَائِبِ وَنُزُولُ البَلايَا بِالإِنسَانِ، مِمَّا لا يَنفَكُّ عَنهُ أَحَدٌ كَائِنًا مَن كَانَ، وَمَن ذَا الَّذِي يَسلَمُ مِنَ البَلاءِ أَو تُخطِئُهُ صُرُوفُ اللَّيَالي، مِن فَقدِ عَزِيزٍ أَو مَوتِ قَرِيبٍ، أَو حُدُوثِ مَرَضٍ أَو تَلَفِ مَالٍ، أَو ضِيقِ رِزقٍ أَو تَعَسُّرِ أَمرٍ، أَو نُشُوزِ زَوجَةٍ أَو عُقُوقِ وَلَدٍ، أَو غَيرِ ذَلِكَ مِمَّا لا يَسلَمُ مِنهُ أَحَدٌ.
وَكَمَا يُصَابُ الأَفرَادُ وَتُبتَلَى الأُسَرُ، تُصَابُ المُجتَمَعَاتُ وَتُبتَلَى الأُمَمُ، فَيَتَعَسَّرُ مَا كَانَ يَسِيرًا، وَيَقِلُّ مَا كَانَ كَثِيرًا، وَيَغلُو مَا كَانَ رَخِيصًا، وَيَضعُفُ مَن كَانَ ذَا قُوَّةٍ وَهَيبَةٍ، وَيَذِلُّ مَن كَان ذَا عِزَّةٍ وَشِدَّةٍ، غَيرَ أَنَّ مِن خَطَأِ المُجتَمَعَاتِ مَعَ مَا يَعرِضُ لَهَا وَيَحدُثُ، أَنَّ تَفكِيرَ أَفرَادِهَا يَنصَبُّ أَوَّلَ مَا يَنصَبُّ عَلَى مَخلُوقٍ تُنزَلُ بِهِ الحَاجَةُ وَتُشكَى إِلَيهِ الحَالُ، فَتَرَى الأَبصَارَ تُقَلَّبُ يَمنَةً وَيَسرَةً، وَالأَفكَارَ تَذهَبُ أَبعَدَ مَا تَكُونُ عَنِ الوَاقِعِ، وَيَبحَثُ الجَمِيعُ وَيَتَسَاءَلُونَ: عَلَى مَنِ المُعتَمَدُ؟! وَإِلى مَنِ المَلجَأُ؟! وَمَن ذَا الَّذِي سَيَقضِي الحَاجَةَ أَو يُفَرِّجُ الكُربَةَ؟! مَن هُوَ الأَقوَى؟! وَمَن ذَاكَ الأَغَنى؟! وَهَل ثَمَّ عِلاقَةٌ قَوِيَّةٌ بِالفَاعِلِينَ المُؤَثِّرِينَ؟! وَأَينَ مَوقِعُنَا مِن بَينِ العَالَمِينَ؟! وَيَتَدَرَّجُ الأَمرُ بِالنَّاسِ بِحَسَبِ شِدَّةِ مَا يُصِيبُهُم، مِنَ الإِسرَارِ بِمَا تَجِيشُ بِهِ الصُّدُورُ إِلى الزُّمَلاءِ وَالأَصدِقَاءِ، إِلى اللُّجُوءِ إِلى المُفَكِّرِينَ وَالعُلَمَاءِ وَالكُبَرَاءِ، إِلى رَفعِ الشَّكوَى لِلمُسؤُولِينَ وَأَصحَابِ الوِلايَاتِ وَالرُّؤَسَاءِ، وَيَظَلُّ النَّاسُ في بَحثِهِم عَن حَلِّ المُتَعَقِّدِ وَتَيسِيرِ المُتَعَسِّرِ يَحسِبُونَ حِسَابًا لِقَولِ فُلانٍ، وَيُعَلِّقُونَ آمَالَهُم بِرَأيِ عَلاَّنٍ، أَو يَتَرَقَّبُونَ قَرَاراتٍ أَو يَنتَظِرُونَ وُعُودًا، أَو يَتَشَوَّفُونَ إِلى نَتَائِجِ تَدبِيرٍ بَشَرِيٍّ، وَلا تَسَلْ عَن فَرَحِهِم بِمَا يَرَونَهُ أَو يَسمَعُونَهُ، مِمَّا ظَاهِرُهُ الوُقُوفُ في صَفِّ المُستَضعَفِينَ وَنَصرُ المَظلُومِينَ، وَإِعَادَةُ الحُقُوقِ إِلى أَصحَابِهَا وَوَضعُ الأُمُورِ في نِصَابِهَا. هَكَذَا تَعتَلِجُ الهُمُومُ في الصُّدُورِ، وَهَكَذَا يَحصُلُ في الوَاقِعِ وَيَدُورُ، وَمَا عَلِمَ هَذَا الإِنسَانُ الضَّعِيفُ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا يُعَاني مِنهُ مِن تَفَاقُمِ البَلاءِ، أَو يَشكُوهُ مِن تَعَقُّدِ الأُمُورِ، لم يَكُنْ إِلاَّ حِينَ تَجَاهَلَ الأَسبَابَ الحَقِيقِيَّةَ لِمُشكِلاتِهِ، وغَفَلَ عَمَّن بِيَدِهِ الخَلاصُ مِنَ المَآزِقِ وَالوَرطَاتِ، وَهَرَبَ مِمَّن يَملِكُ حَلَّ العُقَدِ، في مُقَابِلِ اعتِمَادٍ عَلَى العَاجِزِينَ، أَو رُكُونٍ إِلى الظَّالِمِينَ، أَو تَقَرُّبٍ لِلمُعَادِينَ، أَو ثِقَةٍ في المُغرِضِينَ المُتَرَبِّصِينَ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، كُلُّنَا يَقرَأُ قَولَ اللهِ - تَعَالى -: ( وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكرِمٍ ) [الحج: 18] وَقَولَهُ - جَلَّ وَعَلا -: (أَمَّن هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُم يَنصُرُكُم مِن دُونِ الرَّحمَنِ إِنِ الكَافِرُونَ إِلاَّ في غُرُورٍ * أَمَّن هَذَا الَّذِي يَرزُقُكُم إِن أَمسَكَ رِزقَهُ بَل لَجُّوا في عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ) [الملك: 20، 21] وَقَولَهُ - سُبحَانَهُ -: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ أَيَبتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا ) [النساء: 139] وَقَولَهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ )[يونس: 31، 32] وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: ( أَوَلَمَّا أَصَابَتكُم مُصِيبَةٌ قَد أَصَبتُم مِثلَيهَا قُلتُم أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ )
نَعَم - أَيُّهَا الإِخوَةُ - يَقرَأُ المُسلِمُونَ جَمِيعًا هَذِهِ الآيَاتِ وَلا يَشُكُّونَ فِيمَا جَاءَ فِيهَا، وَلَكِنَّ العَجِيبَ أَن يَقرَؤُوهَا وَيَفهَمُوهَا، ثم يَستَنكِرُوا مَا يُصِيبُهُم مِن هَوَانٍ، أَو يَرجُوا عِزَّةً أَو نَصرًا مِمَّن أَهَانَهُ اللهُ، أَو إِصلاحًا لِشُؤُونِهِم مِمَّن بَعُدَ عَنِ اللهِ؟! أَو رِزقًا مِمَّن لا يَملِكُهُ؟! أَو تَفرِيجَ هَمٍّ مِمَّن لا زَالَتِ الهُمُومُ تُلاحِقُهُ وَتَملأُ قُلبَهُ؟! وَفي الحَدِيثِ عَن عِبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ -: " مَن نَزَلَت بِهِ فَاقَةٌ فَأَنزَلَهَا بِالنَّاسِ لم تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَن نَزَلَت بِهِ فَاقَةٌ فَأَنزَلَهَا بِاللهِ فَيُوشِكُ اللهُ لَهُ بِرِزقٍ عَاجِلٍ أَو آجِلٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
نَعَم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - حِينَمَا تَتَوَالَى الفِتَنُ وَالمِحَنُ، وَتُلقِي الأَحدَاثُ بِظُلمَتِهَا عَلَى الأَجوَاءِ، وَتَتَنَافَرُ المَوَاقِفُ وَتَتَنَاقَضُ الآرَاءُ، فَلَيسَ الخَلاصُ مِن كُلِّ هَذَا بِالقُدرَةِ عَلَى تَحلِيلِ الأَحدَاثِ، أَو في دِقَّةِ استِنتَاجِ نَتَائِجِهَا وَعُمقِ الاستِشرَافِ لِلمُستَقبَلِ، أَو بِادِّعَاءِ الفَهمِ لِلوَاقِعِ وَالانقِيَادِ لَهُ وَمُسَايَرَتِهِ، بِتَميِيعِ النُّصُوصِ الشَّرعِيَّةِ وَلَيِّ أَعنَاقِهَا، لِتَتَوَافَقَ مَعَهُ عَلَى مَا فِيهِ مِن سُوءٍ، أَو لِتُقنَعَ الأَنفُسُ الأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ بِصَوَابِ مَا تَفعَلُ، نَعَم - أَيُّهَا الإِخوَةُ - لَيسَ كَشفُ الغُمَّةِ وَلا رَفعُ المَقتِ عَنِ الأُمَّةِ، وَلا إِزَالَةُ البَلاءِ عَنِ المُجتَمَعِ، في مُتَابَعَةِ أَخبَارٍ وَقَنَواتٍ، وَلا في الإِصغَاءِ لِتَغطِيَاتٍ وَتَحلِيلاتٍ، فَذَاكَ عَالَمٌ يَجمَعُ الحَابِلَ وَالنَّابِلَ، وَيَضُمُّ الغَثَّ وَالسَّمِينَ، وَيَختَلِطُ فِيهِ الكَذِبُ بِالتَّدلِيسِ، وَيَكثُرُ الفُجُورُ في الخُصُومَاتِ، وَالاصطِيَادُ في المَاءِ العَكِرِ، وَنَبشُ الأَحقَادِ القَدِيمَةِ وَتَصفِيَةُ الحِسَابَاتِ. إِنَّ الخَلاصَ لا يَكُونُ إِلاَّ بِاللَّجَأِ إِلى اللهِ وَالانطِرَاحِ بَينَ يَدَيهِ، وَالعَودَةِ الصَّادِقَةِ إِلَيهِ، وَتَقوِيَةِ العِلاقَةِ بِهِ، مَعَ التَّبَرُّؤِ مِن حَولِ النُّفُوسِ وَقُوَّتِهَا، وَالانصِرَافِ عَن جُهُودِ البَشَرِ وَتَدبِيرِهِم، إِلى حَولِ اللهِ وَقُوَّتِهِ وَتَدبِيرِهِ وَتَوفِيقِهِ، فَمَا يَجرِي عَلَى الأَرضِ شَيءٌ إِلاَّ بِقَدَرِهِ، وَلا عَاصِمَ مِن أَمرِهِ إِلاَّ رَحمَتُهُ، وَلا يَرفَعُ القَدَرَ وَيَرُدُّ الشَّرَّ وَيَصرِفُ السُّوءَ إِلاَّ دُعَاؤُهُ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " لا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ " أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ، وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَا مِن مُسلِمٍ يَدعُو بِدَعوَةٍ لَيسَ فِيهَا إِثمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعطَاهُ اللهُ بِهَا إِحدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَن يُعَجِّلَ لَهُ دَعوَتَهُ، وَإِمَّا أَن يَدَّخِرَهَا لَهُ في الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَن يَصرِفَ عَنهُ مِنَ السُّوءِ مِثلَهَا " قَالُوا: إِذًا نُكثِرُ. قَالَ: " اللهَ أَكثَرُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَكُنْ مَعَهُ بِقُلُوبِنَا وَجَوارِحِنَا، وَلْنَتَرَقَّبْ مِن حَكِيمِ أَمرِهِ وَلَطِيفِ تَدبِيرِهِ مَا يُغَيِّرُ مَجرَى الأُمُورَ وَيَقلِبُ المَوَازِينَ؛ فَإِنَّهُ - تَعَالى - هُوَ رَبُّ الكَونِ وَمُدَبِّرُهُ، الخَلقُ خَلقُهُ وَالأَمرُ أَمرُهُ، وَسَيَمضِي الأَمرُ بِمَا قَضَى، وَلَن يَكُونَ إِلاَّ مَا يَشَاءُ وَيُرِيدُ، لا ما يُرِيدُهُ مَن يَظُنُّونَ اليَومَ أَنَّهُم يَتَحَكَّمُونَ في مَجرَى الأَحدَاثِ، وَيَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُم يُرسُونَ قَوَاعِدَهَا وَيُوَجِّهُونَهَا كَيفَ شَاؤُوا، فَنَسأَلُهُ أَن يَجعَلَ في قَضَائِهِ الخَيرَ لِلإِسلامِ وَالمُسلِمِينَ، فَإِنَّهُ - سُبحَانَهُ - القَائِلُ: ( وَإِن يَمسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمسَسْكَ بِخَيرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ القَاهِرُ فَوقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ) [الأنعام: 17، 18] وَالقَائِلُ: (وَإِن يَمسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيرٍ فَلا رَادَّ لِفَضلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ )[يونس: 107].
أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا * وَيَرزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا ) [الطلاق: 2، 3].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لا يَنبَغِي لِمَكرُوبِينَ أَو مُبتَلَينَ، أَن يَغفُلُوا عَمَّا وَعَدَ اللهُ بِهِ في كِتَابِهِ وَحَكَمَ بِهِ، فَقَد قَالَ - تَعَالى -: (وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيهِم صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ )[البقرة: 155 - 157] وَقَالَ - تَعَالى -: ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ * فَانقَلَبُوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضلٍ لم يَمسَسْهُم سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضلٍ عَظِيمٍ )[آل عمران: 173-174] وَقَالَ - سُبحَانَهُ - عَن مُؤمِنِ آلِ فِرعَونَ: (وَأُفَوِّضُ أَمرِي إِلى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرعَونَ سُوءُ العَذَابِ ) [غافر: 44، 45] وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقدِرَ عَلَيهِ فَنَادَى في الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاستَجَبنَا لَهُ وَنَجَّينَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي المُؤمِنِين ) [الأنبياء: 87، 88] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا (وَمَا كَانَ قَولَهُم إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا في أَمرِنَا وَثَبِّتْ أَقدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ. فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنيَا وَحُسنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ )[آل عمران: 147] إِنَّهُ لَعَجِيبٌ أَن تُقرَأَ هَذِهِ الآيَاتُ وَتَتَرَدَّدَ عَلَى المَسَامِعِ، وَيُستَحضَرَ مَا دَلَّت عَلَيهِ مِن شَدَائِدَ كَشَفَهَا اللهُ بِأَسبَابٍ بَذَلَهَا المُبتَلَونَ عَن يَقِينٍ، ثم تَمُرَّ هِيَ وَأَمثَالُهَا عَلَى المُسلِمِينَ مُرُورَ الكِرَامِ، وَكَأَنَّ الَّذِي وَعَدَ بِمَا فِيهَا وَحَكَمَ بِهِ أَحَدٌ غَيرُ اللهِ الحَكِيمِ العَلِيمِ، الَّذِي لا يَبطُلُ حُكمُهُ وَلا يُخلَفُ وَعدُهُ؟! إِنَّهُ لا حُلُولَ لِرَحمَةٍ بَعدَ ابتِلاءٍ، وَلا هِدَايَةَ لِقَلبٍ لأَقوَمِ السُّبُلِ، وَلا أَحسَنَ مُنقَلَبًا لِعَبدٍ وَلا أَسلَمَ لَهُ مَرجِعًا، وَلا وِقَايَةَ مِن مَكرٍ وَلا نَجَاةَ مِن غَمٍّ، وَلا ثَبَاتَ لأَقدَامٍ وَلا نَصرَ عَلَى الكَافِرِينَ، إِلاَّ بِلُزُومِ الصَّبرِ وَحُسنِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، وَتَقوِيَةِ العِلاقَةِ بِهِ وَتَفوِيضِ الأُمُورِ إِلَيهِ، وَالاعتِرَافِ بِالتَّقصِيرِ في حَقِّهِ وَتَعجِيلِ التَّوبَةِ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ وَلْنَتَوَكَّلْ عَلَيهِ ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَد جَاءَكُمُ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَنِ اهتَدَى فَإِنَّمَا يَهتَدِي لِنَفسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيهَا وَمَا أَنَا عَلَيكُم بِوَكِيلٍ * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيكَ وَاصبِرْ حَتَّى يَحكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيرُ الحَاكِمِينَ ) [يونس: 108، 109].
الشيخ عبد الله البصري
شبكة الالوكة
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لا يَنبَغِي لِمَكرُوبِينَ أَو مُبتَلَينَ، أَن يَغفُلُوا عَمَّا وَعَدَ اللهُ بِهِ في كِتَابِهِ وَحَكَمَ بِهِ، فَقَد قَالَ - تَعَالى -: (وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيهِم صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ )[البقرة: 155 - 157] وَقَالَ - تَعَالى -: ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ * فَانقَلَبُوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضلٍ لم يَمسَسْهُم سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضلٍ عَظِيمٍ )[آل عمران: 173-174] وَقَالَ - سُبحَانَهُ - عَن مُؤمِنِ آلِ فِرعَونَ: (وَأُفَوِّضُ أَمرِي إِلى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرعَونَ سُوءُ العَذَابِ ) [غافر: 44، 45] وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقدِرَ عَلَيهِ فَنَادَى في الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاستَجَبنَا لَهُ وَنَجَّينَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي المُؤمِنِين ) [الأنبياء: 87، 88] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا (وَمَا كَانَ قَولَهُم إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا في أَمرِنَا وَثَبِّتْ أَقدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ. فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنيَا وَحُسنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ )[آل عمران: 147] إِنَّهُ لَعَجِيبٌ أَن تُقرَأَ هَذِهِ الآيَاتُ وَتَتَرَدَّدَ عَلَى المَسَامِعِ، وَيُستَحضَرَ مَا دَلَّت عَلَيهِ مِن شَدَائِدَ كَشَفَهَا اللهُ بِأَسبَابٍ بَذَلَهَا المُبتَلَونَ عَن يَقِينٍ، ثم تَمُرَّ هِيَ وَأَمثَالُهَا عَلَى المُسلِمِينَ مُرُورَ الكِرَامِ، وَكَأَنَّ الَّذِي وَعَدَ بِمَا فِيهَا وَحَكَمَ بِهِ أَحَدٌ غَيرُ اللهِ الحَكِيمِ العَلِيمِ، الَّذِي لا يَبطُلُ حُكمُهُ وَلا يُخلَفُ وَعدُهُ؟! إِنَّهُ لا حُلُولَ لِرَحمَةٍ بَعدَ ابتِلاءٍ، وَلا هِدَايَةَ لِقَلبٍ لأَقوَمِ السُّبُلِ، وَلا أَحسَنَ مُنقَلَبًا لِعَبدٍ وَلا أَسلَمَ لَهُ مَرجِعًا، وَلا وِقَايَةَ مِن مَكرٍ وَلا نَجَاةَ مِن غَمٍّ، وَلا ثَبَاتَ لأَقدَامٍ وَلا نَصرَ عَلَى الكَافِرِينَ، إِلاَّ بِلُزُومِ الصَّبرِ وَحُسنِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، وَتَقوِيَةِ العِلاقَةِ بِهِ وَتَفوِيضِ الأُمُورِ إِلَيهِ، وَالاعتِرَافِ بِالتَّقصِيرِ في حَقِّهِ وَتَعجِيلِ التَّوبَةِ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ وَلْنَتَوَكَّلْ عَلَيهِ ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَد جَاءَكُمُ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَنِ اهتَدَى فَإِنَّمَا يَهتَدِي لِنَفسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيهَا وَمَا أَنَا عَلَيكُم بِوَكِيلٍ * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيكَ وَاصبِرْ حَتَّى يَحكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيرُ الحَاكِمِينَ ) [يونس: 108، 109].
الشيخ عبد الله البصري
شبكة الالوكة