لماذا يتمنى المسلمون الشرَّ للناس ويكرهون لهم الحرية والرفاهية ؟
عنوان هذهِ المقالة هو عبارة عن سؤال يرددهُ الناس من حين إلى آخروربما نجد بأنَّ هُناك من المسلمين أنفسهم من يردده ، وذلك بسبب ما يُؤخذ على المسلمين بشكل عام من رفض لمظاهر الحرية والرفاهية التي تظهر على الناس من حين إلى آخر، وتفضيل المسلمين للحياة العصامية البسيطة والبعيدة كل البعد عن الرفاهية الكاملة والإباحية المفرطة التي يتميز بها عادة أصحاب المال والجاه والسلطان .
فالناس بشكل عام يطلبون الحرية في التصرف بأموالهم وأجسادهم ، ويتمنون أن يسكنوا القصور الفارهة ويأكلون الطعام الشهي ويتمتعون بأجسادهم دون قيود أو محاذيروبأن يعيشوا بسلام وويآم ويلبسون أجمل الثياب ويتنقلون بأفخم السيارات ويسافرون إلى كل الأماكن حيث يُرَحَب بهم من قبل الآخرين عندما يُستقبلون بالإبتسامات العريضة والبيوت المفتوحة والتكريم العظيم .
أما السؤال الجوهري هُنا هو: هل هناك للمسلمين حُجَّة حقيقية على من يخالفهم في الدين والمُعتقد في رفضهم لتصرفات الناس وأفكارهم عندما تكون بعيدة عن دين الإسلام، شريطة أن تكون تلك الحجج مأخوذة من صميم الحياة والواقع الذين يعيشونهُ الناس ، ليتم مقارنة الحُجة بالحُجة والفِكرة بالفِكرة والمُتعة بالمُتعة والسَعادة بالسَعادة بكل إنصاف، فلا يتكلمون الناس حينها عن السعادة ونكلمهم نحن المسلمين عن التعاسة، أو عندما يتكلمون عن الغِنى نُكلمهم نحن عن الفقر، وعندما يتكلمون عن النجاح نكلمهم عن الفشل، كذلك عندما يتكلمون عن المُتعة والجمال نكلمهم نحن عن الذنوب والآثام، أو عندما يُكلموننا عن الحب نكلمهم عن الكره والحقد ، إذاً المطلوب هُنا هو أن نكون نحن المسلمون إيجابيين في طرحنا للحجج والبراهين لأفكارنا وتبرير تصرفاتنا أمام الناس وليس سلبيين أو يائسين كما يتصورنا البعض متهمين إيانا بالكره والحقد على الآخرين بسبب نجاحهم وتفوقهم بالحياة، ففي النهاية المسلمين هُم من البشر وليسوا ملائكة معصومون عن الخطأ ، وبالتالي لا نستطيع كمسلمين أن ندَّعي العِصمة والكمال بينما نتَّهِم الآخرين بالمعصية والنقصان.
ومن ناحية أخرى فإنهُ وبناءاً على تعاليم الإسلام وأحكامه لا يجوز للمسلمين بأن يفرحوا ويستمتعوا بفشل الآخرين أو أن يتمنون تعاسة الناس وشقائهم فيستأنسوا بفشل الغير مسلم ويغاروا من سعادته .
فالمشكلة الحقيقية إنما تكمن في سوء فهم بعضنا للبعض الآخر كبشر عند تنوع طرقنا للنيل من هذهِ الملذات الدنيوية، أو سوء تعبيرنا عن حقيقة مشاعرنا إتجاه هذهِ الإيجابيات حينما نظهر تمسكنا بها ونعبر عن شوقنا إليها، وبناءاً عليه نجد أنَّ المسلم قد وجد الطريق المثالي لنيل تلك الملذات وكذلك التفسير المنطقي عن حقيقة تلك الإيجابيات وطبيعتها في آيات القرآن الكريم وفي السُنَّة المُطهَّرة للرسول العظيم، فنجده قد فرح بها وإلتزم بالتعاليم التي تهدف بمجملها في مساعدتهِ للوصول إلى تلك الإيجابات والملذات شريطة إلتزامه بالمتطلبات والشروط الضرورية للوصول إليها ، كون المسلم إنما يرغب أن يكون إمتلاكه لتلك الإيجابيات بصورة أبدية ودائمة شريطة أن تكون غير قابلة للفناء أو النقصان بأي حال من الأحوال .
وبخصوص غير المسلم فإنهُ قد وجد الوصف الذي يناسبه والخاص بتلك الإيجابيات في الأديان والعقائد أو الفلسفات والإجتهادات الغير إسلامية وذلك بالرغم من محدوديتها في الوصف والشرح، حيث نجد أنَّ بعضها يفرض نهاية وجود الإنسان بمجرد موتهِ كالفكر الشيوعي الماركسي ، وبعضها يفرض تحوله إلى مخلوق آخر كحيوان أو نبات أو مادة كالفكر البوذي أو الهندوسي وغيره ، أما بالنسبة للأديان السماوية الغير مسلمة كالنمسيحية واليهودية فهي تحصر الجنَّة بمحيط الأرض فقط .
مما سبق نفهم بأنَّ الفروقات الفكرية والعقائدية بين الناس والتي بُنيت في حقيقتها على أوهام وأحلام وتهيئات ولم تبنى على ماديات ملموسة أو أشياء ثابتة ومحسوسة، هي المسبب الرئيسي في التفريق بين البشر وفي نشر الأحقاد والكراهية بينهم، وذلك على الرغم من أن قواعد العيش المشترك المنطقية تفرض وجود تصرفات لائقة ومنطقية إتجاه الآخر بحيث تحرص على جعل الإنسان يرغب في وجود وبقاء أخيه الإنسان بقربهِ وليس العكس وذلك كون الإنسان مخلوق إجتماعي ولا يستطيع العيش منفرداً لوحده، وعليه فلا يجوز أن يحرص أي إنسان على تدمير وتحطيم الإنسان الآخر ولأي سبب كان وإن حدث ذلك فأنَّهُ عندها يكون قد سعى إلى تحطيم نفسهِ وتهديد وجوده هو على الأرض.
فعند دراستنا لإسلوب الفكر الأوروبي الغربي الغني بمادياته حيث الناس هُناك فرحين بسعادتهم المطلقة كما يضنون و بإنجازاتهم العظيمة والفريدة كما يحلمون وبمحاربتهِم للفقر في الدول الفقيرة كما يُشرعون، كذلك بدفاعهِم المستمر عن حقوق الإنسان كما يقولون، أو ببحثهِم عن المساواة والعدالة بين الناس جميعاً دون أي فرق كما يصرحون، وهم أيضاً فرحين بدفاعهِم عن المظلوم وبمحاربتهِم للظالم كما يدَّعون أوكما نراهم في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، إضافة إلى دعمهمِ لمنظمات الإغاثة في الدول النامية والفقيرة كما نراهُم يفعلون،أو بمحاربتهِم للطمع والجشع والإستغلال أوالإستعباد بين الناس كما يُشرعون، وبقبولهم كذلكِ لللاجئيين المعدمين من الدول الأخرى كما هو معروف عنهُم،وغير ذلك من الإنجازات العظيمة والكبيرة والتي يهبها الغرب دون مُقابل كما يدَّعي وبدون أي فكر عنصري أو مصلحة شخصية منظورة أو محسوسة كما يقولون، وكل هذا صحيح وملموس ومرئي بشهادة الجميع ، مع الأخذ بنظر الإعتبارأنَّ هذهِ التصرفات المفروضة من قبل تلك الدول الغربية لم تحدث من قبل هذا العصر أبداً بالصورة التي نراها الآن ، ولم يتقدم كذلك أي دين سماوي أو فلسفة أرضية بهذا المنهج أو الفكر من قبل هذا الزمان، فكونك تعمل للغير دون مقابل وتعطي بلا حدود وتمنح بطيبة نفس دون إنتظار المردود، وكل ذلك من دون أن تنتظر أو أن تطلب بالمقابل لأي مكسب مادي أو معنوي كما يفعل الغرب أو كما يحاولون أن يظهروا أمام العالم فهذا شيء عجيب ، لأنهُ فعلاً جميل أن يُمنح الإنسان السعادة والغِنى والمتعة والصحة والرعاية للآخر لمجرد كونهُ إنسان ومن دون أن يُفكر ذلك الآخر بأي مُقابل يدفعهُ أو في بذل أي مجهود للحصول عليه أو أن يسعى جاهداً لنيلهِ وإستحقاقه ، فكل إنسان في الغرب يُمنح المال من البنوك والرعاية الصحية من الدولة والمتعة الجسدية والنفسية من الناس دون رقيب أو حسيب فلا تقاليد هناك ،ولا قيود أو دين محدد ، فكل إنسان يفعل ما يشاء وكما يشاء وفي أي مكان يشاء.
أليس هذا ما نريده جميعاً ، أليس كل إنسان فينا يتمنى أن يفعل ذلك أو على الأقل يحلم بذلك ، وهو أن يفعل ما يريد وكيفما يُريد وأينما يُريد ، أليس الإنسان في الغرب قد وصل إلى هذهِ المرحلة؟
فإذا كانوا هم سُعداء وراضون بذلك فلماذا نحقِد عليهِم نحن المسلمين ؟
نستطيع أن نجيب على هذهِ الأسئلة جميعاً من خلال جوابنا على سؤال واحد فقط !
والسؤال هو : ماذا فعل الإنسان ليستحق كل هذا الخير؟ بمعنى أنَّهُ بأي حق نتمتع بكل هذهِ المزايا كبشر من دون أن نُسأل عن المُقابل ، وهل نحن نستحق ذلك ، وماذا فعلنا بالتحديد كي نستحق كل هذا الخير والنعيم والسعادة والهناء وكذلك الغِنى الذي نتمناه فيناله البعض منَّا ويحلم به البعض دون أن يناله ؟
كلنا يعلم بأنَّ الإنسان مخلوق وليس خالق، وهذهِ المميزات العظيمة التي يتمتع بها الإنسان من حين إلى آخر إنما مُنحت لهُ ولم يخلقها هو بنفسهِ من العدم، وإنما يُسَّرت له الأسباب وسمحت له الأقدار فأخذت من هذا الإنسان وأُعطت ذاك وهكذا ، ولن نجد خير من آيات الله المحكمات في توضيح الأمر وفصله بيننا وبينهم، بقوله تعالى في سورة غافر:
بسم الله الرحمن الرحيم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ(76))
فمثلاً عندما نسأل الكافر بأنعم الله من أين لك هذا؟ يقول هو من عندي ( وسوف نغُض النَظر عن الحِجج والبراهين التي يعتمدها لأن النتيجة واحدة في عدم إقتناعهِ بالرأي الآخر، فغروره الذي أوصله لهذا التفكير سوف يمنعهُ من تقبل أي طرح جديد أو فكر مناهض لتفكيرهِ هذا).
وعندما نسأل المؤمن بالله وباليوم الآخرأي المسلم من أين لك هذا فإنَّهُ يقول : هو من عند الله، يأتي ملكهُ من يشاء ويمنع الملك عمَّن يشاء بيده الأمر كلهُ وهو على كل شيء قدير( وهذا ما يفرضهُ عليه إيمانه وتواضعهُ وصدقهِ وفهمهِ للحقيقة والواقع التي تفرض على الإنسان بأن يدرك حقيقة إمكانياته وقدراته الفعلية والحقيقية وبأن لا يُبالغ أو يُكابر أو يُزاود على الله في إدارة شؤون خلقهِ ).
وعندما نسأل المشرك بالله فيقول: هذا من آلهة الحب، وذلك من آلهة الرزق .. وهكذا، ( ولكونهُ قد إرتضى بتقسيم الآلهة كما يشاء هو دون دليل أو برهان فلا سبيل إلى طرح بدائل ، خصوصاً كونهُ قد بنى قناعاتهِ على التجزءة والتقسيم أي على إضعاف القيَّم والعقائد والدين الذي يؤمن بهِ، فكون دين الشرك الذي يدين به قد بُني على التفرقة والشتات فإنما يعني ذلك بأن ذلك الإنسان مشتت وضائع وهو بالتالي راضي بأن يكون مهمَّش إلى الأبد ).
إذاً عندما يؤمِن المرء بالخالق الواحد الأحد، إنما يعلن بذلك عن عدم قبولهِ بتفسيرات الآخرين وبأنَّه لايقبل أن يتعامل مع ألأمور المحيطة بهِ كما هي دون حذر أو تفكير مسبق أو منطق حقيقي في الحكم والتفسير، فالمؤمن هو ذلك الإنسان الذي لا يقبل بأن يأخذ دون أن يعطي، أو يمتلك دون أن يستحق، وأن يسعد دون أن يعرف لماذا وكيف وبأي جهد كان ذاك .
وعليه، فلا يُمكن لأي مسلم أن يتقبل غِنا وتميُّز ورفاهية أي إنسان مهما كان أو يكون من دون أن يربطها بالوجود كلَّهُ وبالخالق أولاً وآخراً، فأغنياء المسلمين لا يقولون بأنهم عباقرة والفقراء أغبياء، وبالتالي فهم لا يؤمنون بتسلط الإنسان الغني على الإنسان الفقير لمجرد كون ذلك الإنسان محظوظ بغناه والآخر متعوس بفقرهِ، وهذا ما يفعلهُ الغرب .
فعندما نتسائل هُناك لماذا حقوق الإنسان ولماذا الأمم المتحدة ولماذا وكالة الغوث ولماذا المساعدات الدولية ومن الذي أقرَّها ولماذا ؟ يأتينا الجواب بأن أغنياء العالم يعطفون على فقراءه بسبب كون الأغنياء هم المحظوظونً في هذهِ الدنيا والفقراء هم المتعوسون فيها، بمعنى أن أغنياء العالم قد نصَّبوا أنفسهم آلهة فيعطون المال ويهبون الغذاء ويمنحون المساعدات بشروطهم وحدهم هم وقوانينهم وحدهم هم، وكما تشتهي أنفسهم وليس كما يشاء خالقهُم الله سبحانه.
إذاً فعلى غير المسلمين أن يعلموا جيداً بأنَّ المسلمين لا يتقبلون الهباة دون مُقابل ، فحتى العبادة إنما يبتغي بها المسلم مرضاة الله وحده وهذهِ المرضاة هي التي سوف تقودهُ للسعادة الأبدية، ولن ينال أي إنسان تلك السعادة الأبدية من دون أن يسعى لها سعيها في الدنيا لينال نعيمها في الآخرة، وبالتالي فإنهُ لن ينالها لكونهُ محظوظ وممُيَّز عن الآخرين، إنما لكونهُ قد جاهد وعمل كل ما يستطيع لكي يُرضي الله ورسوله وعندها يكون قد إستحق السعادة الأبدية الحقيقية والتي جاءت عن طريق إستحقاق وجدارة وكفاءة وإيمان، تصديقاً لقولهِ تعالى في سورة البقرة: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) ۞ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264).
فالمسلم لا يمكن أن يكون كالكافر أوالمشرك، فهو لن يقبل أو يقتنع بأنَّ النعيم هو ضربة حظ تصيب هذا وتُخطيء ذاك، إذاً المسلمون لا يحقدون أو يتشائمون بل هم يُفكرون ويعقلون ويتدبرون ولذلك فهم لا يتقبلون الأمور كما هي أوكما يتمنون ويشاؤون الكفار بعيداً عن مشيئة الله، فكتاب الله المتمثِّل بالقرآن الكريم وسنن رسولهِ المصطفى الأمين محمد عليهِ أفضل الصلاة وأتم تسليم وتأريخ الأمم والأحداث الجسام كلها تقول وتأكد بأنَّه لا عطاء أو فضل دون مُقابل، فإذا إعترف الإنسان بصاحب الفضل الحقيقي وهو الله وحده كانت سعادتهُ وهنائهُ أبديان، وإذا قال بأنَّه لا فضل لأحد عليه في هذا العطاء أو المكسب كانت سعادتهُ وهنائهِ محدودة وقصيرة مهما طالت وبالتالي تكون النهاية مفجعه.
أما كون بعض المسلمين الآن يتمتعون بمميزات الغرب ورفاهيتهُ وبأنَّ الغرب يتفضل عليهم بهذا كلَّهُ وبالمال والغذاء أيضاً فنحن نقول بأنَّ الفضل بهذا الخير لله وحدهُ ولا فضل لأي إنسان على الآخر إللا بالتقوى والله وحدهُ يسبب الأسباب.
من هنا فلا يمكننا كمسلمين أن نأخذ شيئاً دون إستحقاق أو أن نعطي شيئاً دون أن نذكر فضل الله وحدهُ لا شريك له علينا وعلى الناس أجمعين، وبالتالي فلن نكون أبداً كالكفار والمشركون الذين يُقامرون بحياتهم وبحيات مجتمعهم عندما ينسون فضل الله عليهم ورحمتهُ بهم ، ولن يكونوا بمنئى عن عذاب الله وسخطهِ عليهم، فإبتلاء الله للمسلمين رحمة وإمتحان، وعطائه لهم فتنة وإختبار كي ينالوا النعيم الأبدي في جنّات النعيم وذلك هو الفوز الكبير والحظ العظيم، أما إبتلاء الله للكفَّار والمشركين بالنعيم المؤقت فهو في حقيقتهِ جحيم مستعجِل، وعطاء اللهُ للمشركين متاعٌ قليل يتبعهُ جحيم أبدي لا يُرحمون ولا ينجون منهُ أبدا، وعدٌ من الله والله لا يخلف الميعاد، فما أكثر الآيات في كتاب الله العظيم وهو القرآن الكريم تؤكد هذا الكلام وترسخ هذهِ المفاهيم عند المؤمنين فر يغرهُم، ونختم المقالة هُنا بقولهِ تعالى من سورة آل عمران: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ (198).
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين
محمد "محمد سليم" الكاظمي (المقدسي)
عنوان هذهِ المقالة هو عبارة عن سؤال يرددهُ الناس من حين إلى آخروربما نجد بأنَّ هُناك من المسلمين أنفسهم من يردده ، وذلك بسبب ما يُؤخذ على المسلمين بشكل عام من رفض لمظاهر الحرية والرفاهية التي تظهر على الناس من حين إلى آخر، وتفضيل المسلمين للحياة العصامية البسيطة والبعيدة كل البعد عن الرفاهية الكاملة والإباحية المفرطة التي يتميز بها عادة أصحاب المال والجاه والسلطان .
فالناس بشكل عام يطلبون الحرية في التصرف بأموالهم وأجسادهم ، ويتمنون أن يسكنوا القصور الفارهة ويأكلون الطعام الشهي ويتمتعون بأجسادهم دون قيود أو محاذيروبأن يعيشوا بسلام وويآم ويلبسون أجمل الثياب ويتنقلون بأفخم السيارات ويسافرون إلى كل الأماكن حيث يُرَحَب بهم من قبل الآخرين عندما يُستقبلون بالإبتسامات العريضة والبيوت المفتوحة والتكريم العظيم .
أما السؤال الجوهري هُنا هو: هل هناك للمسلمين حُجَّة حقيقية على من يخالفهم في الدين والمُعتقد في رفضهم لتصرفات الناس وأفكارهم عندما تكون بعيدة عن دين الإسلام، شريطة أن تكون تلك الحجج مأخوذة من صميم الحياة والواقع الذين يعيشونهُ الناس ، ليتم مقارنة الحُجة بالحُجة والفِكرة بالفِكرة والمُتعة بالمُتعة والسَعادة بالسَعادة بكل إنصاف، فلا يتكلمون الناس حينها عن السعادة ونكلمهم نحن المسلمين عن التعاسة، أو عندما يتكلمون عن الغِنى نُكلمهم نحن عن الفقر، وعندما يتكلمون عن النجاح نكلمهم عن الفشل، كذلك عندما يتكلمون عن المُتعة والجمال نكلمهم نحن عن الذنوب والآثام، أو عندما يُكلموننا عن الحب نكلمهم عن الكره والحقد ، إذاً المطلوب هُنا هو أن نكون نحن المسلمون إيجابيين في طرحنا للحجج والبراهين لأفكارنا وتبرير تصرفاتنا أمام الناس وليس سلبيين أو يائسين كما يتصورنا البعض متهمين إيانا بالكره والحقد على الآخرين بسبب نجاحهم وتفوقهم بالحياة، ففي النهاية المسلمين هُم من البشر وليسوا ملائكة معصومون عن الخطأ ، وبالتالي لا نستطيع كمسلمين أن ندَّعي العِصمة والكمال بينما نتَّهِم الآخرين بالمعصية والنقصان.
ومن ناحية أخرى فإنهُ وبناءاً على تعاليم الإسلام وأحكامه لا يجوز للمسلمين بأن يفرحوا ويستمتعوا بفشل الآخرين أو أن يتمنون تعاسة الناس وشقائهم فيستأنسوا بفشل الغير مسلم ويغاروا من سعادته .
فالمشكلة الحقيقية إنما تكمن في سوء فهم بعضنا للبعض الآخر كبشر عند تنوع طرقنا للنيل من هذهِ الملذات الدنيوية، أو سوء تعبيرنا عن حقيقة مشاعرنا إتجاه هذهِ الإيجابيات حينما نظهر تمسكنا بها ونعبر عن شوقنا إليها، وبناءاً عليه نجد أنَّ المسلم قد وجد الطريق المثالي لنيل تلك الملذات وكذلك التفسير المنطقي عن حقيقة تلك الإيجابيات وطبيعتها في آيات القرآن الكريم وفي السُنَّة المُطهَّرة للرسول العظيم، فنجده قد فرح بها وإلتزم بالتعاليم التي تهدف بمجملها في مساعدتهِ للوصول إلى تلك الإيجابات والملذات شريطة إلتزامه بالمتطلبات والشروط الضرورية للوصول إليها ، كون المسلم إنما يرغب أن يكون إمتلاكه لتلك الإيجابيات بصورة أبدية ودائمة شريطة أن تكون غير قابلة للفناء أو النقصان بأي حال من الأحوال .
وبخصوص غير المسلم فإنهُ قد وجد الوصف الذي يناسبه والخاص بتلك الإيجابيات في الأديان والعقائد أو الفلسفات والإجتهادات الغير إسلامية وذلك بالرغم من محدوديتها في الوصف والشرح، حيث نجد أنَّ بعضها يفرض نهاية وجود الإنسان بمجرد موتهِ كالفكر الشيوعي الماركسي ، وبعضها يفرض تحوله إلى مخلوق آخر كحيوان أو نبات أو مادة كالفكر البوذي أو الهندوسي وغيره ، أما بالنسبة للأديان السماوية الغير مسلمة كالنمسيحية واليهودية فهي تحصر الجنَّة بمحيط الأرض فقط .
مما سبق نفهم بأنَّ الفروقات الفكرية والعقائدية بين الناس والتي بُنيت في حقيقتها على أوهام وأحلام وتهيئات ولم تبنى على ماديات ملموسة أو أشياء ثابتة ومحسوسة، هي المسبب الرئيسي في التفريق بين البشر وفي نشر الأحقاد والكراهية بينهم، وذلك على الرغم من أن قواعد العيش المشترك المنطقية تفرض وجود تصرفات لائقة ومنطقية إتجاه الآخر بحيث تحرص على جعل الإنسان يرغب في وجود وبقاء أخيه الإنسان بقربهِ وليس العكس وذلك كون الإنسان مخلوق إجتماعي ولا يستطيع العيش منفرداً لوحده، وعليه فلا يجوز أن يحرص أي إنسان على تدمير وتحطيم الإنسان الآخر ولأي سبب كان وإن حدث ذلك فأنَّهُ عندها يكون قد سعى إلى تحطيم نفسهِ وتهديد وجوده هو على الأرض.
فعند دراستنا لإسلوب الفكر الأوروبي الغربي الغني بمادياته حيث الناس هُناك فرحين بسعادتهم المطلقة كما يضنون و بإنجازاتهم العظيمة والفريدة كما يحلمون وبمحاربتهِم للفقر في الدول الفقيرة كما يُشرعون، كذلك بدفاعهِم المستمر عن حقوق الإنسان كما يقولون، أو ببحثهِم عن المساواة والعدالة بين الناس جميعاً دون أي فرق كما يصرحون، وهم أيضاً فرحين بدفاعهِم عن المظلوم وبمحاربتهِم للظالم كما يدَّعون أوكما نراهم في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، إضافة إلى دعمهمِ لمنظمات الإغاثة في الدول النامية والفقيرة كما نراهُم يفعلون،أو بمحاربتهِم للطمع والجشع والإستغلال أوالإستعباد بين الناس كما يُشرعون، وبقبولهم كذلكِ لللاجئيين المعدمين من الدول الأخرى كما هو معروف عنهُم،وغير ذلك من الإنجازات العظيمة والكبيرة والتي يهبها الغرب دون مُقابل كما يدَّعي وبدون أي فكر عنصري أو مصلحة شخصية منظورة أو محسوسة كما يقولون، وكل هذا صحيح وملموس ومرئي بشهادة الجميع ، مع الأخذ بنظر الإعتبارأنَّ هذهِ التصرفات المفروضة من قبل تلك الدول الغربية لم تحدث من قبل هذا العصر أبداً بالصورة التي نراها الآن ، ولم يتقدم كذلك أي دين سماوي أو فلسفة أرضية بهذا المنهج أو الفكر من قبل هذا الزمان، فكونك تعمل للغير دون مقابل وتعطي بلا حدود وتمنح بطيبة نفس دون إنتظار المردود، وكل ذلك من دون أن تنتظر أو أن تطلب بالمقابل لأي مكسب مادي أو معنوي كما يفعل الغرب أو كما يحاولون أن يظهروا أمام العالم فهذا شيء عجيب ، لأنهُ فعلاً جميل أن يُمنح الإنسان السعادة والغِنى والمتعة والصحة والرعاية للآخر لمجرد كونهُ إنسان ومن دون أن يُفكر ذلك الآخر بأي مُقابل يدفعهُ أو في بذل أي مجهود للحصول عليه أو أن يسعى جاهداً لنيلهِ وإستحقاقه ، فكل إنسان في الغرب يُمنح المال من البنوك والرعاية الصحية من الدولة والمتعة الجسدية والنفسية من الناس دون رقيب أو حسيب فلا تقاليد هناك ،ولا قيود أو دين محدد ، فكل إنسان يفعل ما يشاء وكما يشاء وفي أي مكان يشاء.
أليس هذا ما نريده جميعاً ، أليس كل إنسان فينا يتمنى أن يفعل ذلك أو على الأقل يحلم بذلك ، وهو أن يفعل ما يريد وكيفما يُريد وأينما يُريد ، أليس الإنسان في الغرب قد وصل إلى هذهِ المرحلة؟
فإذا كانوا هم سُعداء وراضون بذلك فلماذا نحقِد عليهِم نحن المسلمين ؟
نستطيع أن نجيب على هذهِ الأسئلة جميعاً من خلال جوابنا على سؤال واحد فقط !
والسؤال هو : ماذا فعل الإنسان ليستحق كل هذا الخير؟ بمعنى أنَّهُ بأي حق نتمتع بكل هذهِ المزايا كبشر من دون أن نُسأل عن المُقابل ، وهل نحن نستحق ذلك ، وماذا فعلنا بالتحديد كي نستحق كل هذا الخير والنعيم والسعادة والهناء وكذلك الغِنى الذي نتمناه فيناله البعض منَّا ويحلم به البعض دون أن يناله ؟
كلنا يعلم بأنَّ الإنسان مخلوق وليس خالق، وهذهِ المميزات العظيمة التي يتمتع بها الإنسان من حين إلى آخر إنما مُنحت لهُ ولم يخلقها هو بنفسهِ من العدم، وإنما يُسَّرت له الأسباب وسمحت له الأقدار فأخذت من هذا الإنسان وأُعطت ذاك وهكذا ، ولن نجد خير من آيات الله المحكمات في توضيح الأمر وفصله بيننا وبينهم، بقوله تعالى في سورة غافر:
بسم الله الرحمن الرحيم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ(76))
فمثلاً عندما نسأل الكافر بأنعم الله من أين لك هذا؟ يقول هو من عندي ( وسوف نغُض النَظر عن الحِجج والبراهين التي يعتمدها لأن النتيجة واحدة في عدم إقتناعهِ بالرأي الآخر، فغروره الذي أوصله لهذا التفكير سوف يمنعهُ من تقبل أي طرح جديد أو فكر مناهض لتفكيرهِ هذا).
وعندما نسأل المؤمن بالله وباليوم الآخرأي المسلم من أين لك هذا فإنَّهُ يقول : هو من عند الله، يأتي ملكهُ من يشاء ويمنع الملك عمَّن يشاء بيده الأمر كلهُ وهو على كل شيء قدير( وهذا ما يفرضهُ عليه إيمانه وتواضعهُ وصدقهِ وفهمهِ للحقيقة والواقع التي تفرض على الإنسان بأن يدرك حقيقة إمكانياته وقدراته الفعلية والحقيقية وبأن لا يُبالغ أو يُكابر أو يُزاود على الله في إدارة شؤون خلقهِ ).
وعندما نسأل المشرك بالله فيقول: هذا من آلهة الحب، وذلك من آلهة الرزق .. وهكذا، ( ولكونهُ قد إرتضى بتقسيم الآلهة كما يشاء هو دون دليل أو برهان فلا سبيل إلى طرح بدائل ، خصوصاً كونهُ قد بنى قناعاتهِ على التجزءة والتقسيم أي على إضعاف القيَّم والعقائد والدين الذي يؤمن بهِ، فكون دين الشرك الذي يدين به قد بُني على التفرقة والشتات فإنما يعني ذلك بأن ذلك الإنسان مشتت وضائع وهو بالتالي راضي بأن يكون مهمَّش إلى الأبد ).
إذاً عندما يؤمِن المرء بالخالق الواحد الأحد، إنما يعلن بذلك عن عدم قبولهِ بتفسيرات الآخرين وبأنَّه لايقبل أن يتعامل مع ألأمور المحيطة بهِ كما هي دون حذر أو تفكير مسبق أو منطق حقيقي في الحكم والتفسير، فالمؤمن هو ذلك الإنسان الذي لا يقبل بأن يأخذ دون أن يعطي، أو يمتلك دون أن يستحق، وأن يسعد دون أن يعرف لماذا وكيف وبأي جهد كان ذاك .
وعليه، فلا يُمكن لأي مسلم أن يتقبل غِنا وتميُّز ورفاهية أي إنسان مهما كان أو يكون من دون أن يربطها بالوجود كلَّهُ وبالخالق أولاً وآخراً، فأغنياء المسلمين لا يقولون بأنهم عباقرة والفقراء أغبياء، وبالتالي فهم لا يؤمنون بتسلط الإنسان الغني على الإنسان الفقير لمجرد كون ذلك الإنسان محظوظ بغناه والآخر متعوس بفقرهِ، وهذا ما يفعلهُ الغرب .
فعندما نتسائل هُناك لماذا حقوق الإنسان ولماذا الأمم المتحدة ولماذا وكالة الغوث ولماذا المساعدات الدولية ومن الذي أقرَّها ولماذا ؟ يأتينا الجواب بأن أغنياء العالم يعطفون على فقراءه بسبب كون الأغنياء هم المحظوظونً في هذهِ الدنيا والفقراء هم المتعوسون فيها، بمعنى أن أغنياء العالم قد نصَّبوا أنفسهم آلهة فيعطون المال ويهبون الغذاء ويمنحون المساعدات بشروطهم وحدهم هم وقوانينهم وحدهم هم، وكما تشتهي أنفسهم وليس كما يشاء خالقهُم الله سبحانه.
إذاً فعلى غير المسلمين أن يعلموا جيداً بأنَّ المسلمين لا يتقبلون الهباة دون مُقابل ، فحتى العبادة إنما يبتغي بها المسلم مرضاة الله وحده وهذهِ المرضاة هي التي سوف تقودهُ للسعادة الأبدية، ولن ينال أي إنسان تلك السعادة الأبدية من دون أن يسعى لها سعيها في الدنيا لينال نعيمها في الآخرة، وبالتالي فإنهُ لن ينالها لكونهُ محظوظ وممُيَّز عن الآخرين، إنما لكونهُ قد جاهد وعمل كل ما يستطيع لكي يُرضي الله ورسوله وعندها يكون قد إستحق السعادة الأبدية الحقيقية والتي جاءت عن طريق إستحقاق وجدارة وكفاءة وإيمان، تصديقاً لقولهِ تعالى في سورة البقرة: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) ۞ قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264).
فالمسلم لا يمكن أن يكون كالكافر أوالمشرك، فهو لن يقبل أو يقتنع بأنَّ النعيم هو ضربة حظ تصيب هذا وتُخطيء ذاك، إذاً المسلمون لا يحقدون أو يتشائمون بل هم يُفكرون ويعقلون ويتدبرون ولذلك فهم لا يتقبلون الأمور كما هي أوكما يتمنون ويشاؤون الكفار بعيداً عن مشيئة الله، فكتاب الله المتمثِّل بالقرآن الكريم وسنن رسولهِ المصطفى الأمين محمد عليهِ أفضل الصلاة وأتم تسليم وتأريخ الأمم والأحداث الجسام كلها تقول وتأكد بأنَّه لا عطاء أو فضل دون مُقابل، فإذا إعترف الإنسان بصاحب الفضل الحقيقي وهو الله وحده كانت سعادتهُ وهنائهُ أبديان، وإذا قال بأنَّه لا فضل لأحد عليه في هذا العطاء أو المكسب كانت سعادتهُ وهنائهِ محدودة وقصيرة مهما طالت وبالتالي تكون النهاية مفجعه.
أما كون بعض المسلمين الآن يتمتعون بمميزات الغرب ورفاهيتهُ وبأنَّ الغرب يتفضل عليهم بهذا كلَّهُ وبالمال والغذاء أيضاً فنحن نقول بأنَّ الفضل بهذا الخير لله وحدهُ ولا فضل لأي إنسان على الآخر إللا بالتقوى والله وحدهُ يسبب الأسباب.
من هنا فلا يمكننا كمسلمين أن نأخذ شيئاً دون إستحقاق أو أن نعطي شيئاً دون أن نذكر فضل الله وحدهُ لا شريك له علينا وعلى الناس أجمعين، وبالتالي فلن نكون أبداً كالكفار والمشركون الذين يُقامرون بحياتهم وبحيات مجتمعهم عندما ينسون فضل الله عليهم ورحمتهُ بهم ، ولن يكونوا بمنئى عن عذاب الله وسخطهِ عليهم، فإبتلاء الله للمسلمين رحمة وإمتحان، وعطائه لهم فتنة وإختبار كي ينالوا النعيم الأبدي في جنّات النعيم وذلك هو الفوز الكبير والحظ العظيم، أما إبتلاء الله للكفَّار والمشركين بالنعيم المؤقت فهو في حقيقتهِ جحيم مستعجِل، وعطاء اللهُ للمشركين متاعٌ قليل يتبعهُ جحيم أبدي لا يُرحمون ولا ينجون منهُ أبدا، وعدٌ من الله والله لا يخلف الميعاد، فما أكثر الآيات في كتاب الله العظيم وهو القرآن الكريم تؤكد هذا الكلام وترسخ هذهِ المفاهيم عند المؤمنين فر يغرهُم، ونختم المقالة هُنا بقولهِ تعالى من سورة آل عمران: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ (198).
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين
محمد "محمد سليم" الكاظمي (المقدسي)