تدبر آية:
إذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا
يقول الله عز وجلّ عن نبيه زكريا، عن حالة من الحالات التي كان قد مرّ بها ذلك النبي نتأمل ونتدبر في تلك الحالة ونحاول أن نقوم بتوظيفها وتشغيلها في حياتنا نحن: “النداء الخفيّ”
الدعاء المستتر الخفيّ الذي لا يُظهره الإنسان لأحد من البشر لأنه يريد أن يوجّهه للرب سبحانه الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء يسمع السرّ ويعلمه كما يعلم الجهر والعلانية سبحانه.
يقول الله سبحانه وتعالى عن نبيه زكريا في سورة مريم
(كهيعص *ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا *وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (مريم))
تلك المناجاة، ذلك الصوت الخفي المستتر، ذلك ذلك الدعاء تلك الصلة بين العبد وربه نحتاج إليها اليوم جدا خاصة وأننا قد أصبحنا نعيش في عالم يضج بالأصوات المرتفعة، الأصوات العالية، الصاخبة كل شيء صاخب، كل شيء يرتفع بالصوت!
الصلة بين الإنسان وربه لا تحتاج إلى صوت مرتفع، تحتاج إلى إخفاء عن الآخرين في كثير من الأحيان ولذلك ربي سبحانه يحدثنا كثيرًا عن أعمال السرّ التي تكون مستترة عن أعين البشر ولكنها عند الله عز وجلّ معلومة يوجهها الإنسان لربّه فيتحرّى فيها الصدق والإخلاص: صدقة السر، البكاء من خشية الله، ذكر الله عز وجلّ في السرّ، أشياء متنوعة متعددة.
والنداء الخفي الذي توجّه به زكريا، توجّه بضعفه إلى القوي سبحانه، توجّه بفقره إلى الغني سبحانه، توجّه وهو العبد العاجز إلى الرب القوي القادر، وحين توجّه زكريا عليه السلام وكلنا يمكنه أن يتوجّه فالرب سبحانه قريب سميع مجيب الدعاء، يسمع لدعائك يسمع لذلك السرّ ولتلك الخواطر والهمسات والأنين والحنين مهما كان في أعماق وداخل أنفسنا وأرواحنا مهما بلغ به الأمر مهما وصل به العمق فالله يعلمه
(يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) [الأنعام: 3]
فإذا كان ربي سبحانه وتعالى بكل هذه الصفات العظيمة قريب بما يليق بجلاله من عباده إذن لماذا لا نتوجه إليه بهمومنا بخواطرنا بمناجاتنا له بأحاسيسنا بكل ما يشغل أفكارنا كما توجه زكريا عليه السلام؟!
ولذلك حديث زكريا عليه السلام لم يكن حديثًا مختصرًا ولا كلامًا مقتضبًا، أبدًا، حكى الحكاية على الرغم من أنه يعلم تمامًا وهو على يقين أن الله عز وجلّ يعلم ما في نفسه ولو لم يتحدث ولكن نحن تكلمنا في مرة من المرات عن الشكوى للناس وقلنا أن المؤمن لا يبث شكواه لغير خالقه سبحانه بل يتوجه بكل الهموم وبكل الأفراح وبكل الخواطر وبكل ما يشغل البال لخالقه سبحانه وتعالى وأجمل وأحلى ما تكون تلك المناجاة في ساعات الليل الأخيرة ربما في ثلث الليل الأخير حيث لا ينام أصحاب الهموم والمشاغل، عادة الناس حينما يكون الذهن مشغولا بشيء ما بموضوع مهم أو بموعد أو بهمّ قد أثقل كاهل الإنسان في النهار أو حزن أو ألم شديد لا ينام بالليل، يفارقه النوم تمامًا والنعاس ولا يعرف النعاس ولا النوم إلى قلبه وإلى عينيه طريقًا، اجلس في تلك الساعة، استيقظ، قُم من فراشك في تلك الساعة وتوضأ اغسل كل تلك الأحاسيس والمشاعر التي يمكن أن تقف حاجزًا بينك وبين النداء، بينك وبين مناجاة الله عز وجلّ، في تلك الساعة العظيمة آنِس قلبك بذكر الله فهو يسمع الهمس وبيده مفتاح كل شيء، بيده كل ما تسأل وكل ما لم يخطر على بالك أن تسأله.
فهاهو زكريا عليه السلام فهو رجل قد كبر في السن ورغم هذا الأمر الذي هو بوحده كفيل بأن يحول بينه وبين تحقق تلك الأمنية القديمة الغالية إلا أنه مع ذلك هناك مانع آخر وهو أن زوجته عقيم عاقر لا تلد، ورغم كل تلك الموانع إيمان زكريا عليه السلام إيمان عميق بقدرة الله سبحانه القادر على أن يفعل الأشياء ولو حتى لم تكن لها أسباب فهو مسبّب الأسباب يعطّل الأسباب بقدرته ويُعمِل الأسباب بقدرته وكذلك يُعمِل الأمور والنتائج دون وجود أسبابها إن شاء.
كل ما نحتاج إليه أن يكون لدينا خزين من الثقة والإيمان والاطمئنان لأمر الله سبحانه وتعالى وأن نأتي بكل أمانينا المتأخرة، كل أمانينا القديمة والعاجلة والمستعجلة وكل ما نحلم به، أن نأتي به في تلك الساعة ونقف بين يديه سبحانه ولنا أن نطيل الوقوف بين يديه ببكاء صامت على ما فات، تقصير على ما قد فرّطنا في جنبه سبحانه واستجداء لرحمته ورأفته وكرمه وفضله وجوده.
سل الله عز وجلّ حين تسأل وأنت موقن تمامًا أن لا أحد من البشر يملك لك شيئاً من دون الله سبحانه وأن كل ما تبحث عنه إنما هو بين يديه سبحانه وأن خزائن ملكه لا تنفذ ولا تنقضي أبدًا وأن عطايا البشر مهما كانت فهي في نهاية الأمر ممنونة محسوبة منقوصة منغّصة لا يمكن أن تكون أو تأتي دون أمر من الخالق سبحانه الذي حين يعطيك يعطيك عطاء ليس بمنّ وليس فيه نقص وليس فيه ذلك النوع من التحسّر والتحسّف أو ما نشعر به حين نتكلم مع البشر في حاجة لنا نتمنى أن تقضى على أيديهم.
توجه بكل حاجاتك وبكل أمانيك وبكل طموحاتك وآمالك لخالقك سبحانه وناده نداء خفيا استتر فيه عن أعين وأسماع الخلق بثّه شكواك، بثّه أحزانك وآلآمك وإن كان سبحانه عالمٌ بها فهو الرؤوف الرحيم الذي يحب أن يُدعى، الذي يحب أن نتوجه إليه وأن نسأله.
المصدر
إسلاميات
إذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا
يقول الله عز وجلّ عن نبيه زكريا، عن حالة من الحالات التي كان قد مرّ بها ذلك النبي نتأمل ونتدبر في تلك الحالة ونحاول أن نقوم بتوظيفها وتشغيلها في حياتنا نحن: “النداء الخفيّ”
الدعاء المستتر الخفيّ الذي لا يُظهره الإنسان لأحد من البشر لأنه يريد أن يوجّهه للرب سبحانه الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء يسمع السرّ ويعلمه كما يعلم الجهر والعلانية سبحانه.
يقول الله سبحانه وتعالى عن نبيه زكريا في سورة مريم
(كهيعص *ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا *وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (مريم))
تلك المناجاة، ذلك الصوت الخفي المستتر، ذلك ذلك الدعاء تلك الصلة بين العبد وربه نحتاج إليها اليوم جدا خاصة وأننا قد أصبحنا نعيش في عالم يضج بالأصوات المرتفعة، الأصوات العالية، الصاخبة كل شيء صاخب، كل شيء يرتفع بالصوت!
الصلة بين الإنسان وربه لا تحتاج إلى صوت مرتفع، تحتاج إلى إخفاء عن الآخرين في كثير من الأحيان ولذلك ربي سبحانه يحدثنا كثيرًا عن أعمال السرّ التي تكون مستترة عن أعين البشر ولكنها عند الله عز وجلّ معلومة يوجهها الإنسان لربّه فيتحرّى فيها الصدق والإخلاص: صدقة السر، البكاء من خشية الله، ذكر الله عز وجلّ في السرّ، أشياء متنوعة متعددة.
والنداء الخفي الذي توجّه به زكريا، توجّه بضعفه إلى القوي سبحانه، توجّه بفقره إلى الغني سبحانه، توجّه وهو العبد العاجز إلى الرب القوي القادر، وحين توجّه زكريا عليه السلام وكلنا يمكنه أن يتوجّه فالرب سبحانه قريب سميع مجيب الدعاء، يسمع لدعائك يسمع لذلك السرّ ولتلك الخواطر والهمسات والأنين والحنين مهما كان في أعماق وداخل أنفسنا وأرواحنا مهما بلغ به الأمر مهما وصل به العمق فالله يعلمه
(يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) [الأنعام: 3]
فإذا كان ربي سبحانه وتعالى بكل هذه الصفات العظيمة قريب بما يليق بجلاله من عباده إذن لماذا لا نتوجه إليه بهمومنا بخواطرنا بمناجاتنا له بأحاسيسنا بكل ما يشغل أفكارنا كما توجه زكريا عليه السلام؟!
ولذلك حديث زكريا عليه السلام لم يكن حديثًا مختصرًا ولا كلامًا مقتضبًا، أبدًا، حكى الحكاية على الرغم من أنه يعلم تمامًا وهو على يقين أن الله عز وجلّ يعلم ما في نفسه ولو لم يتحدث ولكن نحن تكلمنا في مرة من المرات عن الشكوى للناس وقلنا أن المؤمن لا يبث شكواه لغير خالقه سبحانه بل يتوجه بكل الهموم وبكل الأفراح وبكل الخواطر وبكل ما يشغل البال لخالقه سبحانه وتعالى وأجمل وأحلى ما تكون تلك المناجاة في ساعات الليل الأخيرة ربما في ثلث الليل الأخير حيث لا ينام أصحاب الهموم والمشاغل، عادة الناس حينما يكون الذهن مشغولا بشيء ما بموضوع مهم أو بموعد أو بهمّ قد أثقل كاهل الإنسان في النهار أو حزن أو ألم شديد لا ينام بالليل، يفارقه النوم تمامًا والنعاس ولا يعرف النعاس ولا النوم إلى قلبه وإلى عينيه طريقًا، اجلس في تلك الساعة، استيقظ، قُم من فراشك في تلك الساعة وتوضأ اغسل كل تلك الأحاسيس والمشاعر التي يمكن أن تقف حاجزًا بينك وبين النداء، بينك وبين مناجاة الله عز وجلّ، في تلك الساعة العظيمة آنِس قلبك بذكر الله فهو يسمع الهمس وبيده مفتاح كل شيء، بيده كل ما تسأل وكل ما لم يخطر على بالك أن تسأله.
فهاهو زكريا عليه السلام فهو رجل قد كبر في السن ورغم هذا الأمر الذي هو بوحده كفيل بأن يحول بينه وبين تحقق تلك الأمنية القديمة الغالية إلا أنه مع ذلك هناك مانع آخر وهو أن زوجته عقيم عاقر لا تلد، ورغم كل تلك الموانع إيمان زكريا عليه السلام إيمان عميق بقدرة الله سبحانه القادر على أن يفعل الأشياء ولو حتى لم تكن لها أسباب فهو مسبّب الأسباب يعطّل الأسباب بقدرته ويُعمِل الأسباب بقدرته وكذلك يُعمِل الأمور والنتائج دون وجود أسبابها إن شاء.
كل ما نحتاج إليه أن يكون لدينا خزين من الثقة والإيمان والاطمئنان لأمر الله سبحانه وتعالى وأن نأتي بكل أمانينا المتأخرة، كل أمانينا القديمة والعاجلة والمستعجلة وكل ما نحلم به، أن نأتي به في تلك الساعة ونقف بين يديه سبحانه ولنا أن نطيل الوقوف بين يديه ببكاء صامت على ما فات، تقصير على ما قد فرّطنا في جنبه سبحانه واستجداء لرحمته ورأفته وكرمه وفضله وجوده.
سل الله عز وجلّ حين تسأل وأنت موقن تمامًا أن لا أحد من البشر يملك لك شيئاً من دون الله سبحانه وأن كل ما تبحث عنه إنما هو بين يديه سبحانه وأن خزائن ملكه لا تنفذ ولا تنقضي أبدًا وأن عطايا البشر مهما كانت فهي في نهاية الأمر ممنونة محسوبة منقوصة منغّصة لا يمكن أن تكون أو تأتي دون أمر من الخالق سبحانه الذي حين يعطيك يعطيك عطاء ليس بمنّ وليس فيه نقص وليس فيه ذلك النوع من التحسّر والتحسّف أو ما نشعر به حين نتكلم مع البشر في حاجة لنا نتمنى أن تقضى على أيديهم.
توجه بكل حاجاتك وبكل أمانيك وبكل طموحاتك وآمالك لخالقك سبحانه وناده نداء خفيا استتر فيه عن أعين وأسماع الخلق بثّه شكواك، بثّه أحزانك وآلآمك وإن كان سبحانه عالمٌ بها فهو الرؤوف الرحيم الذي يحب أن يُدعى، الذي يحب أن نتوجه إليه وأن نسأله.
المصدر
إسلاميات