و الليل إذا يغشي "
الأزمان تعرف بآثارها وفي كل زمن يغشي ليل ما كل الأحداث ويظمأ الحائرون لقطرة ضوء تروي ضلالهم في هذا الليل الدامس فيشرق بدرٌ جليٌ يهدي عيونا شاخصةً في سماء مظلمةٍ إلي نجومٍ لامعةٍ والله معها في كل حين.
والليل في حد ذاته لا قيمة له الا بالظلام فيقسم الله عز وجل بالليلِ وظلامُه يبدد الضياء فيغشي كل شئ ويغطيهِ ، فعبر الله عن غائب بصفة له وهي غشاءه الأكوان وهذا من بلاغة القرآن فلم يحدد سر الليل بالظلام فقط إنما أطلقها بالغشاوة فالليل يغشي الكون بالظلام وبالمشاعر المتنوعة كأمواج الظلام المتلاطمة فتارة يراود ذكريات عن نفسها و يقد دجية الظلام بلمع فكرة في عقل مؤمن عن حال أمته ليخرجها من ظلمات ليل الضلال وهو صابر بإخوانه موقن بالشمس التالية لهذا الليل وتارة يمد ضلال الظلام في عقل شيطان يحجل طيور الحرية عن جر صباح جديد.
ويقسم الله دائما حينما يقسم بالظواهر الكونية بالمتغيرات والمتقلبات المعبرة عن حال هذه الدنيا فهي في تقلب دائم حتي تقوم الساعة فأمم تنهض وأمم تندرس تحت التراب وشعوب تباد بعد مجد تليد لكن البزوخ دائما لأمة محمد صلي الله عليه وسلم ما استمسكوا بكتاب الله.
فنجد في سورة النجم "والنجم إذا هوي" ، ونجد في سورة الضحي" والضحي والليل إذا سجي"، ونجد في سورة الشمس "والشمس وضحاها والقمر اذا تلاها والنهار اذا جلاها والليل إذا يغشاها"، ونجد في سورة الطارق "فلا اقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر اذا اتسق" ،ونجد في سورة التكوير "والليل اذا عسعس والصبح اذا تنفس" .
"والنهار إذا تجلي"
قسمٌ من ربِّ العزةِ بالنهارِ حينَ يجلو الظلمة عن الأشياءِ ويتجلي كحورية
في السماءِ .
"وما خلق الذكر والأنثي"
قسمٌ من ربِّ العزة بخلق الزوجينِ الذكر والأنثي في جميع المخلوقات ،ف(ما) هنا قد تكون مصدرية مطلقة او وصل بمعني الذي ،نسبةً الي رب العزة وبذلك يكون تأويل الاية الكريمة (والله ،خلقِهِ الذكرَ والأنثي )
"إن سعيكم لشتي"
و هذا هو المقسم عليه اختلاف وتنوع سعي البشر إلي مصيرين إما الجنة أو النار .. وإطلاق كلمة سعي في الآية الكريمة دون تحديد صفة لهذا السعي الشتيت هو إجمال سيأتي تفصيله في الآيات القادمة بعد هذه الآية وهذا من روعة القرآن فهو يفتح نوافذ القلوب علي مختلف المشاهد وكل يختار مشهدا يسير فيه إلي يوم القيامة.
"فأما من أعطي واتقي وصدق بالحسني فسنيسره لليسري"
وفي كتاب الله نجد دائما فضل الإنفاق في سبيل الله ولو بشق تمرة تعطيها لجائع في يوم يلتهم الجوع أحشاءه "أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة" وهذا له فضل عظيم إذ أنه مفتاح رقة القلب وانسراح قسوته وانشراح طمأنينته أن الله الذي يرزقه ويرزق غيره يراه وهو يعطي مسكينا صدقة طامعا في عفوه وجنته "ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة " فكما كانت يده تحنو علي فقير في ليلة يعض الجوع أحشاءه فيها ستحنو يد الله عليه يوم القيامة -يود الظالم لو افتدي بكل ما يملك حر نار جهنم ولا تفتدي بمال ولا بأهل ولا بولد- ، ف"ولئك أصحاب الميمنة"
وما قل مال من صدقة.
"وأما من بخل واستغني وكذب بالحسني فسنيسره للعسري"
بخل معناها ضن مع وفرة الشئ لشح نفس، و استغني معناها تخلي وأهمل ،و كذب معناها أنكر الشئ لجهله .
فترسم الآية صورة من خلال هذه المعاني الفياضة في كلمات موجزة تعبر عن حال فريق من الناس معهم المال فبخلوا أن ينفقوه في سبيل الله ليهدروه في سبيل الشيطان واستغنوا عن تلكم السبيل تكذيبا منهم بالجنة التي هي نهاية سبيل الله والفوز العظيم فهؤلاء ميسرون لعسر الحال في الدنيا فلا يهنأون بنوم ولا تقر لهم عين ولا يسيرون علي هدي من أمرهم إلي قرار في الدنيا .
"و ما يغني عنه ماله إذا تردي "
وما يفتديه في حر جهنم مال.
"إن علينا للهدي وإنا لنا للآخرة والأولي"
ويقرر الله أن الهدي هداه فليطلبه العبد منه لا من غيره وأن يلتمس سبله بالصدق مع الله فالدنيا والآخرة ملكه والزمن خاضع لحكمه والقدر موضوع بأمره.
"فأنذرتكم نارا تلظي لا يصلاها إلا الأشقي الذي كذب وتولي"
ثم يعلو جرس النذير القرآني ،كأنه الناقور ينفخ فيه ملك الموت فتشيب الولدان وترتعب الأبدان وتنعق الغربان ،بنارٍ وهيجها لا انقطاع له تتلظي منذ خلقت إلي أبد الآبدين . وعويلها يحجب صراخ وعويل من يتحرق بداخلها من حطب جهنم ،فكأن صمت الليل المخيف يطبق علي حرائق ،الغابات
ولا يصلاها الا الأشقي واطلاق صفة الشقاء للتفضيل يدل علي ان كل من يصلي جهنم هو أشقي الخلق وهم لا يعدون ولا يحصون .
فقد كذب بالجنة واعرض عن ربه ولم يعمل لها .
"وسيجنبها الأتقي الذي يؤتي ماله يتزكي ومالأحد عنده من نعمة تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الأعلي ولسوف يرضي"
و" أتقوا النار ولو بشق تمرة" كأن الله -تعالي- يقول لعباده هذا الحديث النبوي الشريف في هذه الآية الكريمة .
وهنا جوانب بيانية جميلة في هذه الآية الكريمة أن التقي نجاة العبد من النار وأن كل ناج من النار هو الأتقي مفضلا عن الأشقي.
"و"ولسوف يرضي
ابهام يفتح آفاق الخيال علي الحقائق العديدة أن يد الله
التي حركت العبد وحركت الأقدار حوله ليكون مؤمنا يدٌ شاملة عليا لا يد فوقها فهي القوي العظمي والوجود الذي اوجد هذا العدم المسمي الدنيا وفي ساعة سيتحول الي عدم مرة اخري وهي تحرك كل ذرة مطلقة في هذا الكون لتلتئم مع ذرة أخري وهكذا تتجمع الذرات وتتحرك بأمر الله ليتكون هذا الوجود الماضي الي فناء بأمر الله ثم يبدأ عالم الخلود.
اذن ولسوف يرضي هنا تتحدث عن عالم آخر فيه من التشويق ما جعل الله يتحدث عن جزاء المتصدق بماله المؤمن بربه بهذا الابهام المطلق ، ففي الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر و إن حث المرء خطاه اليها بالانفاق في سبيل الله والإيمان به والتذلل والخضوع له والطمع في رحمته بكل وسيلة من سبل الخير فلسوف يرضي بجنة عرضها كعرض السماوات والأرض .
كريم بلال
الأزمان تعرف بآثارها وفي كل زمن يغشي ليل ما كل الأحداث ويظمأ الحائرون لقطرة ضوء تروي ضلالهم في هذا الليل الدامس فيشرق بدرٌ جليٌ يهدي عيونا شاخصةً في سماء مظلمةٍ إلي نجومٍ لامعةٍ والله معها في كل حين.
والليل في حد ذاته لا قيمة له الا بالظلام فيقسم الله عز وجل بالليلِ وظلامُه يبدد الضياء فيغشي كل شئ ويغطيهِ ، فعبر الله عن غائب بصفة له وهي غشاءه الأكوان وهذا من بلاغة القرآن فلم يحدد سر الليل بالظلام فقط إنما أطلقها بالغشاوة فالليل يغشي الكون بالظلام وبالمشاعر المتنوعة كأمواج الظلام المتلاطمة فتارة يراود ذكريات عن نفسها و يقد دجية الظلام بلمع فكرة في عقل مؤمن عن حال أمته ليخرجها من ظلمات ليل الضلال وهو صابر بإخوانه موقن بالشمس التالية لهذا الليل وتارة يمد ضلال الظلام في عقل شيطان يحجل طيور الحرية عن جر صباح جديد.
ويقسم الله دائما حينما يقسم بالظواهر الكونية بالمتغيرات والمتقلبات المعبرة عن حال هذه الدنيا فهي في تقلب دائم حتي تقوم الساعة فأمم تنهض وأمم تندرس تحت التراب وشعوب تباد بعد مجد تليد لكن البزوخ دائما لأمة محمد صلي الله عليه وسلم ما استمسكوا بكتاب الله.
فنجد في سورة النجم "والنجم إذا هوي" ، ونجد في سورة الضحي" والضحي والليل إذا سجي"، ونجد في سورة الشمس "والشمس وضحاها والقمر اذا تلاها والنهار اذا جلاها والليل إذا يغشاها"، ونجد في سورة الطارق "فلا اقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر اذا اتسق" ،ونجد في سورة التكوير "والليل اذا عسعس والصبح اذا تنفس" .
"والنهار إذا تجلي"
قسمٌ من ربِّ العزةِ بالنهارِ حينَ يجلو الظلمة عن الأشياءِ ويتجلي كحورية
في السماءِ .
"وما خلق الذكر والأنثي"
قسمٌ من ربِّ العزة بخلق الزوجينِ الذكر والأنثي في جميع المخلوقات ،ف(ما) هنا قد تكون مصدرية مطلقة او وصل بمعني الذي ،نسبةً الي رب العزة وبذلك يكون تأويل الاية الكريمة (والله ،خلقِهِ الذكرَ والأنثي )
"إن سعيكم لشتي"
و هذا هو المقسم عليه اختلاف وتنوع سعي البشر إلي مصيرين إما الجنة أو النار .. وإطلاق كلمة سعي في الآية الكريمة دون تحديد صفة لهذا السعي الشتيت هو إجمال سيأتي تفصيله في الآيات القادمة بعد هذه الآية وهذا من روعة القرآن فهو يفتح نوافذ القلوب علي مختلف المشاهد وكل يختار مشهدا يسير فيه إلي يوم القيامة.
"فأما من أعطي واتقي وصدق بالحسني فسنيسره لليسري"
وفي كتاب الله نجد دائما فضل الإنفاق في سبيل الله ولو بشق تمرة تعطيها لجائع في يوم يلتهم الجوع أحشاءه "أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة" وهذا له فضل عظيم إذ أنه مفتاح رقة القلب وانسراح قسوته وانشراح طمأنينته أن الله الذي يرزقه ويرزق غيره يراه وهو يعطي مسكينا صدقة طامعا في عفوه وجنته "ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة " فكما كانت يده تحنو علي فقير في ليلة يعض الجوع أحشاءه فيها ستحنو يد الله عليه يوم القيامة -يود الظالم لو افتدي بكل ما يملك حر نار جهنم ولا تفتدي بمال ولا بأهل ولا بولد- ، ف"ولئك أصحاب الميمنة"
وما قل مال من صدقة.
"وأما من بخل واستغني وكذب بالحسني فسنيسره للعسري"
بخل معناها ضن مع وفرة الشئ لشح نفس، و استغني معناها تخلي وأهمل ،و كذب معناها أنكر الشئ لجهله .
فترسم الآية صورة من خلال هذه المعاني الفياضة في كلمات موجزة تعبر عن حال فريق من الناس معهم المال فبخلوا أن ينفقوه في سبيل الله ليهدروه في سبيل الشيطان واستغنوا عن تلكم السبيل تكذيبا منهم بالجنة التي هي نهاية سبيل الله والفوز العظيم فهؤلاء ميسرون لعسر الحال في الدنيا فلا يهنأون بنوم ولا تقر لهم عين ولا يسيرون علي هدي من أمرهم إلي قرار في الدنيا .
"و ما يغني عنه ماله إذا تردي "
وما يفتديه في حر جهنم مال.
"إن علينا للهدي وإنا لنا للآخرة والأولي"
ويقرر الله أن الهدي هداه فليطلبه العبد منه لا من غيره وأن يلتمس سبله بالصدق مع الله فالدنيا والآخرة ملكه والزمن خاضع لحكمه والقدر موضوع بأمره.
"فأنذرتكم نارا تلظي لا يصلاها إلا الأشقي الذي كذب وتولي"
ثم يعلو جرس النذير القرآني ،كأنه الناقور ينفخ فيه ملك الموت فتشيب الولدان وترتعب الأبدان وتنعق الغربان ،بنارٍ وهيجها لا انقطاع له تتلظي منذ خلقت إلي أبد الآبدين . وعويلها يحجب صراخ وعويل من يتحرق بداخلها من حطب جهنم ،فكأن صمت الليل المخيف يطبق علي حرائق ،الغابات
ولا يصلاها الا الأشقي واطلاق صفة الشقاء للتفضيل يدل علي ان كل من يصلي جهنم هو أشقي الخلق وهم لا يعدون ولا يحصون .
فقد كذب بالجنة واعرض عن ربه ولم يعمل لها .
"وسيجنبها الأتقي الذي يؤتي ماله يتزكي ومالأحد عنده من نعمة تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الأعلي ولسوف يرضي"
و" أتقوا النار ولو بشق تمرة" كأن الله -تعالي- يقول لعباده هذا الحديث النبوي الشريف في هذه الآية الكريمة .
وهنا جوانب بيانية جميلة في هذه الآية الكريمة أن التقي نجاة العبد من النار وأن كل ناج من النار هو الأتقي مفضلا عن الأشقي.
"و"ولسوف يرضي
ابهام يفتح آفاق الخيال علي الحقائق العديدة أن يد الله
التي حركت العبد وحركت الأقدار حوله ليكون مؤمنا يدٌ شاملة عليا لا يد فوقها فهي القوي العظمي والوجود الذي اوجد هذا العدم المسمي الدنيا وفي ساعة سيتحول الي عدم مرة اخري وهي تحرك كل ذرة مطلقة في هذا الكون لتلتئم مع ذرة أخري وهكذا تتجمع الذرات وتتحرك بأمر الله ليتكون هذا الوجود الماضي الي فناء بأمر الله ثم يبدأ عالم الخلود.
اذن ولسوف يرضي هنا تتحدث عن عالم آخر فيه من التشويق ما جعل الله يتحدث عن جزاء المتصدق بماله المؤمن بربه بهذا الابهام المطلق ، ففي الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر و إن حث المرء خطاه اليها بالانفاق في سبيل الله والإيمان به والتذلل والخضوع له والطمع في رحمته بكل وسيلة من سبل الخير فلسوف يرضي بجنة عرضها كعرض السماوات والأرض .
كريم بلال