خواطر صيف (2)
أورد ابن سعد في الطبقات الكبرى بسند صحيح عن التابعي الجليل أبي مجلز لاحق بن حميد رحمه الله تعالى عبارة (لما مات عبد الله عطف أبو طالب على محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال فكان لا يسافر سفراً إلا كان معه فيه). ولا عجب فالحقيقة أنه كان شديد التعلق به حتى أنه كان أحب إليه من أبنائه وهو الذي قال عنه: (لعمري لقد كَلِفْتُ وَجْداً بأحمدٍ وإخوته دأب المحب المواصل) فما كان له أن يدعه في رحلة طويلة من رحلات قريش الصيفية إلى الشام.
تلك الرحلة التي تبدت بها دلائل النبوة واحتفت فيها كل الكائنات بمقدمه عدا يهود!! فلكأني بالغمام يرقب مجيئه ليشرف بتظليله من شمس الصيف الحارة، ففي الحديث: (فأقبلَ وعليْهِ غمامةٌ تظلُّهُ فلمَّا دنا منَ القَومِ وجدهم قد سبقوهُ إلى فَيءِ الشَّجرةِ فلمَّا جلسَ مالَ فيءُ الشَّجرةِ عليْهِ فقالَ انظُروا إلى فَيءِ الشَّجرةِ مالَ عليْهِ)..
وهذا بحيرا الراهب يرى منه ما يبهر العقول والأبصار فيقول لأشياخ من قريش كانوا في قافلته: "إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر وحجر إلا خرّ ساجداً ولا يسجدان إلا لنبي". وأتبع ثناءه ذلك بتحذير الناصح المحب المشفق لعمه أبي طالب محذراً إياه -كما في سيرة ابن هشام ودلائل النبوة للبيهقي وإمتاع الأسماع للمقريزي وغيرهم- قائلاً: "ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن، فأسرع به إلى بلاده". عاد سالماً غانماً، ولم تظفر به يهود وما كان لهم أن يمسوه بسوء، فقد استبقاه الله لهم ليكسر شوكتهم ويزيل علوهم ويريح الخلق في زمانه من طوفان إفسادهم، ويطهر المدينة المنورة منهم.
محمد صلى الله عليه وسلم أشرف وأكرم من وطئت أقدامه الشام، فيا لهناء الشام وسعادة أرضه وسمائه بالحبيب. كانت البداية يوم مولده عندما سطع نورأ منه أضاءت له قصور الشام كما ذكرت ذلك أمه، ثم كانت رحلة الصيف الأجمل مع عمّه أبي طالب، تبعتها رحلات الزوج الوفي متاجراً بمال زوجه خديجة رضي الله عنها.
ويشاء الله تعالى أن تتوج تلك الرحلات المباركة برحلة الإسراء والمعراج ليكون الشام نقطة انطلاقه صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلا، وليكون منصة التشريف الرباني بتقديمه إماماً للأنبياء والمرسلين في المسجد الأقصى، قلب الشام ودرته ومنبع بركاته. كانت تلك الرحلة العظيمة أيضاً في الصيف بدلالة رؤية نبينا صلى الله عليه وسلم قافلة لقريش يتقدمها جملُ أورق عليه غرارتان كما أخبرهم، فيا لجمال الصيف حين نتذكر فيه الحبيب المصطفى، يا لروعة الصيف حين يقترن بذكر الخصائص التي اختصّ الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم وفضّله وشرّفه بها على سائر خلقه.
صيفٌ نبوي
مخلص برزق
في بيت أبي طالب ترعرع، وبانت منه خصال وسجايا جعلت عمّه يلاحقه بنظرات الإعجاب والافتخار ممزوجة بالحنان والحب لذلك اليتيم صلى الله عليه وسلم. فهل كان قرار اصطحابه معه في ذلك الصيف إلى الشام بدافع صقل شخصيته وإكسابه مهارات جديدة في الحياة، أم أنه لم يطق فراقه لحظة واحدة؟أورد ابن سعد في الطبقات الكبرى بسند صحيح عن التابعي الجليل أبي مجلز لاحق بن حميد رحمه الله تعالى عبارة (لما مات عبد الله عطف أبو طالب على محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال فكان لا يسافر سفراً إلا كان معه فيه). ولا عجب فالحقيقة أنه كان شديد التعلق به حتى أنه كان أحب إليه من أبنائه وهو الذي قال عنه: (لعمري لقد كَلِفْتُ وَجْداً بأحمدٍ وإخوته دأب المحب المواصل) فما كان له أن يدعه في رحلة طويلة من رحلات قريش الصيفية إلى الشام.
تلك الرحلة التي تبدت بها دلائل النبوة واحتفت فيها كل الكائنات بمقدمه عدا يهود!! فلكأني بالغمام يرقب مجيئه ليشرف بتظليله من شمس الصيف الحارة، ففي الحديث: (فأقبلَ وعليْهِ غمامةٌ تظلُّهُ فلمَّا دنا منَ القَومِ وجدهم قد سبقوهُ إلى فَيءِ الشَّجرةِ فلمَّا جلسَ مالَ فيءُ الشَّجرةِ عليْهِ فقالَ انظُروا إلى فَيءِ الشَّجرةِ مالَ عليْهِ)..
وهذا بحيرا الراهب يرى منه ما يبهر العقول والأبصار فيقول لأشياخ من قريش كانوا في قافلته: "إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر وحجر إلا خرّ ساجداً ولا يسجدان إلا لنبي". وأتبع ثناءه ذلك بتحذير الناصح المحب المشفق لعمه أبي طالب محذراً إياه -كما في سيرة ابن هشام ودلائل النبوة للبيهقي وإمتاع الأسماع للمقريزي وغيرهم- قائلاً: "ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن، فأسرع به إلى بلاده". عاد سالماً غانماً، ولم تظفر به يهود وما كان لهم أن يمسوه بسوء، فقد استبقاه الله لهم ليكسر شوكتهم ويزيل علوهم ويريح الخلق في زمانه من طوفان إفسادهم، ويطهر المدينة المنورة منهم.
محمد صلى الله عليه وسلم أشرف وأكرم من وطئت أقدامه الشام، فيا لهناء الشام وسعادة أرضه وسمائه بالحبيب. كانت البداية يوم مولده عندما سطع نورأ منه أضاءت له قصور الشام كما ذكرت ذلك أمه، ثم كانت رحلة الصيف الأجمل مع عمّه أبي طالب، تبعتها رحلات الزوج الوفي متاجراً بمال زوجه خديجة رضي الله عنها.
ويشاء الله تعالى أن تتوج تلك الرحلات المباركة برحلة الإسراء والمعراج ليكون الشام نقطة انطلاقه صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلا، وليكون منصة التشريف الرباني بتقديمه إماماً للأنبياء والمرسلين في المسجد الأقصى، قلب الشام ودرته ومنبع بركاته. كانت تلك الرحلة العظيمة أيضاً في الصيف بدلالة رؤية نبينا صلى الله عليه وسلم قافلة لقريش يتقدمها جملُ أورق عليه غرارتان كما أخبرهم، فيا لجمال الصيف حين نتذكر فيه الحبيب المصطفى، يا لروعة الصيف حين يقترن بذكر الخصائص التي اختصّ الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم وفضّله وشرّفه بها على سائر خلقه.
تعليق