إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

في رحاب كتاب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في رحاب كتاب



    أعضاء منتدانا الأبرار وكل من يتابعنا من الزوار





    والكتاب عبارة عن دراسة إدارية معمقة للتوجيهات النبوية الواردة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أمامة الأنصاري:


    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِد فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي". رواه أبو داود.


    هذا الدعاء الذي نردده في أذكار الصباح والمساء

    انطلاقا من توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أمامة

    استخلص الكاتب منه ثمانية مكبلات للفعالية الشخصية وإدارة الذات

    وخصص لكل مكبلين تحليلا جميلا خاصا:


    1- التخلص من مكبلي الهم والحزن

    2- التخلص من مكبلي العجز والكسل

    3- التخلص من مكبلي الجبن والبخل

    4- التخلص من مكبلي غلبة الدين وقهر الرجال.


    نقدم لكم مقتطفات من هذا الكتاب المميز

    عبارة عن إضاءات جميلة للتحرر من هذه المكبلات الثمانية


    وبيان أثرها سواء على الأداء الشخصي أو الإداري

    كما سماها مؤلف الكتاب: قبسات إدارية من السنة النبوية

    راجين أن تجدوا فيها ما يشحذ همتكم ويجدد أملكم

    ويطلق مهاراتكم وقدراتكم لتبلغوا بطموحاتكم عنان السماء وتحققوها...

    تابعــــونا



    التعديل الأخير تم بواسطة ذكرى صلاح الدين; 20/08/2017, 05:31 PM.

  • #2
    رد: في رحاب كتاب

    متوضوع شيق .
    بانتظار المقتطفات

    تعليق


    • #3
      رد: في رحاب كتاب

      مبادرة رائعة جداااا
      في الإنتظار أختي الفاضلة
      جزاك الله ألف خير وبارك الله في جهودك الطيبة

      تعليق


      • #4
        رد: في رحاب كتاب

        وقفة مع الحديث والهزيمة الداخلية:
        في قصة هذا الحديث نجد أن أبا أمامة قد استغرقته مشكلاته الداخلية، وبدلاً من أن ينهض لعلاجها فإنه قد استغرق فيها واستسلم لإحساسٍ داخلي بالعجز، وهذا - لا شك - يضاعف من وطأة أي مشكلة ويعمق من آثارها، وهذا السلوك - للأسف – لا يزال منهجًا لكثيرٍ من الأفراد على اختلافهم حينما ينهزمون داخليًا أمام المشكلات، ويعلنون استسلامهم لها بدلاً من استنهاض هممهم لمواجهتها والتغلب عليها.
        والحقيقة أنه لا يوجد أحدٌ في هذه الحياة بلا مشكلات
        (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ)، ولم تُخلق الحياة أصلاً إلا لاقتحام المشكلات والعقبات والتغلب عليها؛ بما أودع الله فينا من مواهب، وبما خلق لنا من حواسٍ وعقل، وبما زودنا بمنهج الهداية (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ).

        فلماذا يخرج الإنسان عن المنهج السوي الذي خلقه الله له، والفطرة السليمة التي أوجده عليها، ويحاصر نفسه بمكبِّلات داخلية تُقيِّده وتشل طاقاته وتقتل إبداعاته عن الانطلاق والإيجابية؟!

        إن في الآيات السابقة تساءل وتعجبٌ: لماذا يمكن أن ينحرف الإنسان وينجرف عن المنهج القويم، ويتحول إلى عنصرٍ سلبي تشاؤمي لا يجلب لنفسه أو غيره إلا الشؤم، بدلاً من أن ينطلق لفعل الخير كل الخير؟! والتي أوضحت الآيات نماذج له؛ كفكِّ الرقاب وتحريرها، سواء كان ذلك بعتقها من ذل العبودية أو الاستعباد والاستبداد بكل صوره وألوانه، أو من باب أولى بعدم قهرها إذا كنت أنت المتحكم فيها والقيِّم على أمرها بأي صورة من الصور، فرغم اختفاء ظاهرة الرق والعبودية، إلا أنه لا يزال لها صورٌ أخرى متعددة في عصرنا الحديث في كثير من الممارسات الإدارية والسياسية بالعديد من الدول..

        فإذا استطعنا تحرير النفس الإنسانية من مكبل القهر والظلم فإننا بذلك نكون قد أطلقنا قواها النفسية ومواهبها العقلية في الطريق الصحيح لفعل الخيرات بكل أنواعها، وفي أي موقع أو تخصص، ولعلنا نلاحظ كيف ختم الحديث بقهر الرجال.

        أما المظهر الآخر من مظاهر الانطلاق الإيجابي للتغلب على مشكلات وعقبات الحياة - كما حددته الآيات - فهو الإطعام، والذي يرمي لانتصار النفس على أهم معوقاتها الداخلية، وهو الحب الشديد للمال
        (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) مما قد يدفعها – في الغالب - إلى البخل والشح به، والذي يترتب عليه كثير من المفاسد.

        ولا يقف الأمر حسب توجيه الآيات في سورة البلد السابقة على مثل تلك النماذج فقط،
        بل يجب أن يتعداها المسلم السوي كامل الإيمان إلى ما يمكن أن نطلق عليه قمة الإيجابية؛ وذلك ببذل أقصى الوسع والجهد في الدعم النفسي التفاعلي مع من حوله ليثبتهم على طريق الإيجابية، والاستمرار على الانطلاق لفعل الخير بكل أوجهه وفي كل حالاته، بل وتحقيق أعلى درجات السبق فيها (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)..

        وقد حددت آيات سورة البلد ذلك الدعم النفسي التفاعلي في قوله تعالى:
        (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)، وبذلك تستمر الحركة الإيجابية النشطة للمؤمن الحق ومن معه بذلك الدعم، والذي تكرر التأكيد عليه في أكثر من موضع في كتاب الله تعالى، منها قوله سبحانه وتعالى في سورة العصر: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، والتي أوضحت بشكل جلي كيف ينزلق الإنسان إلى دائرة الخسران ما لم ينطلق بتلك الأفعال الإيجابية الأربع (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).


        ويجب أن نلحظ في حديث أبي أمامة كيف عالج الرسول ذلك الانهزام والاستسلام النفسي الداخلي، لقد عالجه بضده، وهو تقوية الإرادة والعزيمة الداخلية، وزيادة الثقة بالله ومن ثمَّ بالنفس، والخروج من ضيق النفس الذي صنعه لنفسه إلى رحابة الرجاء في الله وشدة التوكل عليه والثقة فيه، بهذا الدعاء المتكرر صباحًا ومساء؛ ليعيد له برمجة نفسه إيجابيًا على عكس ما كان يظن، وليخرج من حالة الاستغراق في المشكلة والانهزام أمامها إلى حالة تحجيم المشكلة وحصارها، وليتعلم كيف يقف بوضوح أمام ذاته محددًا أهم ما يمكن أن يقعده من أعداء داخليين؛ كالهمِّ والحَزَنِ، والعجز والكسل، والجبن والبخل، أو خارجيين كغلبة الدَّيْن وقهر الرجال، فلا يستسلم لهم، بل يعمل دائمًا في الاتجاه الصحيح لعدم الوقوع تحت طائلة أيٍّ منها ابتداءً.

        فالعلاج هنا - إذن - علاجٌ نفسيٌ بحت، يعتمد على تعريف الإنسان بقواه الداخلية الحقيقية، والمستمدة من علاقته الوطيده بربه مالك السموات والأرض، فإن استعاد الإنسان توافقه النفسي وأعاد ترتيب حواره الداخلي مع نفسه بشكل إيجابي وليس سلبي أو تشاؤمي، فإنه سوف يكون أقدر على حل كل مشكلاته، ودون الحاجة إلى معينات خارجية تحل له مشكلاته وهو قاعد!!

        التعديل الأخير تم بواسطة ذكرى صلاح الدين; 16/08/2017, 11:28 PM.

        تعليق


        • #5
          رد: في رحاب كتاب

          المشاركة الأصلية بواسطة أبو بكر.الرازي مشاهدة المشاركة
          موضوع شيق .
          بانتظار المقتطفات
          شكر الله لكم اخي الكريم أبو بكر الرازي
          أسأل الله أن يعيذنا وإياكم من المكبلات الثمانية
          وينفعنا بهذا الكتاب الجميل.

          تعليق


          • #6
            رد: في رحاب كتاب

            المشاركة الأصلية بواسطة أم كوثر مشاهدة المشاركة
            مبادرة رائعة جداااا
            في الإنتظار أختي الفاضلة
            جزاك الله ألف خير وبارك الله في جهودك الطيبة
            يبدو أنك تحبين الكتب
            أختي الغالية أم كوثر
            نفعك الله ونفع بك.

            تعليق


            • #7
              رد: في رحاب كتاب

              تابعي عزيزتي ذكرى
              ما أروع ما نقلت
              كلمات ترفع الهمم وتقتل الهزيمة داخل النفس
              جزاك الله خيراً

              تعليق


              • #8
                رد: في رحاب كتاب

                1-التخلص من مكبلي الهمُّ والحَزَن

                الهم والحزن من أكبر المعوقات التي يمكن أن تصيب الشخصية بالقعود عن العمل، وتشلّ طاقاتها الإبداعية.

                ومن ثم كان على الفرد مع نفسه، أو على المربي مع تلاميذه، أو على المدير مع مرؤوسيه،

                أن يراعي ضرورة استئصال دواعي الهمّ والحزن في بيئة العمل،

                كما أن عليه أن يكون متيقظًا لمثل تلك العوارض،

                ويعمل على إزالتها واستئصالها في نفسه أو في نفس من هو مسؤول عنه،

                ولا يتركها تتأصل في الشخصية؛ لأنه إن تجاهل ذلك واهتم فقط بإصدار الأوامر والتعليمات،

                فإن النتيجة لن تكون مرضية.

                فالرسول صلى الله عليه وسلم، وهو المُربِّي الأعظم،

                لما مرَّ على أبي أمامة رضي الله عنه ووجده جالسًا مهمومًا في المسجد،

                بادره بالسؤال على الفور عن الذي أهمَّه، فذكر له أبو أمامة السبب، وهو الديون التي لزمته،

                فعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم وعلم المسلمين من بعده أن يدعو بهذا الدعاء المذكور

                كل صباح وكل مساء، ففعل ذلك أبو أمامة، فكانت النتيجة أن قضى الله عنه دّيْنَه وفرَّج همَّه

                الذي كان سببه الدَّيْن.

                ولعل هذا الدور من أهم الأدوار الإدارية والتربوية التي كثيرًا ما يغفل عنها المديرون والمربون عمومًا،

                وهو ما يمكن أن نسميه بـ
                "دور التزكية".

                ودور التزكية هذا يعني أن على كل منا أن يجتهد، ليس فقط في تزكية نفسه، من منطلق

                (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)،

                وإنما أيضًا في العمل على مساعدة الآخرين على التزكية،

                وقد كان هذا الدور من ضمن أدواره صلى الله عليه وسلم التي وضحها لنا المولى عز وجل

                حين قال - وفي أكثر من موضع:


                (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ).

                تعليق


                • #9
                  رد: في رحاب كتاب

                  أربعة أصناف من الناس بين الهمِّ والحَزَن:

                  يختلف الناس في كيفية تمكن الهم والحزن منهم ويمكن تصنيفهم في ذلك إلى أربعة أصناف:

                  1- البائس المحبط

                  2- الحزين على ما مضى

                  3- القلِق

                  4- المتحرر المنطلق.

                  ولكل من هذه الأنماط الشخصية سمات وخصائص قد تكون مسيطرة عليها وباتت سمةً لها،

                  ونحن نحتاج إلى أن نفهم ونتعرف على كل ذلك؛ حتى يمكننا فهم أنفسنا والآخرين،

                  ومن ثم إمكانية تجنب السلبيات أو علاجها إن وجدت،

                  أو على الأقل حسن التعامل معها بأفضل ما يمكن.

                  تعليق


                  • #10
                    رد: في رحاب كتاب

                    المشاركة الأصلية بواسطة ذكرى صلاح الدين مشاهدة المشاركة
                    أربعة أصناف من الناس بين الهمِّ والحَزَن:

                    يختلف الناس في كيفية تمكن الهم والحزن منهم ويمكن تصنيفهم في ذلك إلى أربعة أصناف:

                    1- البائس المحبط

                    2- الحزين على ما مضى

                    3- القلِق

                    4- المتحرر المنطلق.

                    ولكل من هذه الأنماط الشخصية سمات وخصائص قد تكون مسيطرة عليها وباتت سمةً لها،

                    ونحن نحتاج إلى أن نفهم ونتعرف على كل ذلك؛ حتى يمكننا فهم أنفسنا والآخرين،

                    ومن ثم إمكانية تجنب السلبيات أو علاجها إن وجدت،

                    أو على الأقل حسن التعامل معها بأفضل ما يمكن.

                    .
                    ماذا يعني المتحرر المنطلق وهل هذا المسمى من ضمن اصناف الناس

                    تعليق


                    • #11
                      رد: في رحاب كتاب

                      المشاركة الأصلية بواسطة د. زهرة خدرج مشاهدة المشاركة
                      تابعي عزيزتي ذكرى
                      ما أروع ما نقلت
                      كلمات ترفع الهمم وتقتل الهزيمة داخل النفس
                      جزاك الله خيراً

                      تسعدني متابعتك للموضوع د. زهرة
                      يا ذات الهمة العالية ما شاء الله

                      تعليق


                      • #12
                        رد: في رحاب كتاب

                        المشاركة الأصلية بواسطة أبو بكر.الرازي مشاهدة المشاركة
                        .
                        ماذا يعني المتحرر المنطلق وهل هذا المسمى من ضمن اصناف الناس
                        أهلا بك وبمتابعتك أخي أبو بكر الرازي
                        سنتحدث بإذن الله في هذه المقتطفات عن الأصناف الأربعة بتفصيل.
                        وردا على سؤالك فالمتحرر المنطلق هنا هو الصنف الأفضل والوضع الأمثل لأنه تحرر من مكبلي الهم والحزن.

                        تعليق


                        • #13
                          رد: في رحاب كتاب

                          أصناف الناس بين مكبلي الهم والحزن

                          الشخصية الأولى: البائس المحبط

                          هي شخصية استغرقها الحُزن على ما فات والهم على ما هو آت!! لدرجة أنها لم تعد قادرة على التفكير في أي شيء آخر غير الخوف والوجل من المستقبل، والحسرة والتألم على ما مضى وما فات، بمعنى أنه غارق في أحزان الماضي لا يتجاوزها (مكبِّلالحزَن) ومتوجس ومهموم وقلق من مستقبل أسود (مكبِّل الهم). وهي من أصعب وأسوأ الحالات على الإطلاق.


                          وهذه الشخصية تحمِّل نفسها أكثر مما تطيق، وهي تدمر نفسها وتحرق أعصابها مع الوقت، وتحطم كوامن الخير داخلها، بل إنها تعمل مع الوقت على إحداث شلل لكافة قواها المبدعة التي خلقها الله سبحانه وتعالى فيها، فتتحول إلى طاقة عاطِلة معطَّلة، وتصبح عبئًا على نفسها وعلى من حولها، بل وتصبح مصدرًا مستمرًا للمشكلات والأزمات! وإن كان ذلك في مجال عملٍ، فإننا يجب أن نحذر من وصول أي فرد إلى هذه الحالة المدمرة، سواء حدث ذلك له من تلقاء نفسه نتيجة لهمومه ومشكلاته الخاصة، أو نتيجة لقرارات ظالمة أو متعسفة، أو بيئة عمل سلبيةٍ وغامضة لا يطمئن الانسان فيها على حاضره ولا مستقبله،


                          فعلى الإدارة ليس فقط الامتناع عن كل ما يؤدي بالفرد إلى مثل تلك الحالة، بل عليها أيضًا اليقظة التامة لاستئصال أي بادرة لها بمجرد هجومها على الشخص وهي في مراحلها الأولى، ومساعدة الأفراد على تخطيها والانتصار سريعًا عليها، تمامًا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي أمامة، ويجب ألا يسمح المدير أو المربي لنفسه بتجاهل مثل هذه الحالات باعتبارها شؤونًا شخصية لا علاقة له بها؛ لأن آثارها لا محالة سوف تنعكس على تصرفاتهم وأدائهم في العمل بشكل سلبي.


                          ويجب على كل من في مواقع القيادة والتوجيه أن يراعوا ما قد تحدثه قراراتهم وتصرفاتهم من أثرٍ نفسي على من معهم من الأفراد. فإذا وصلنا إلى مديرٍ لا يبالي بما قد يصيب الأفراد جرَّاء قراراته أو تصرفاته من همِّ أو حزن، فإن النتيجة غالبًا ما تكون قاسية ومدمرة على الشخص، ومن ثم على إنتاجيته في العمل؛ إذ إن الأداء هو حاصل تفاعل بين قدرة الشخص ورغبته في العمل (الأداء = القدرة × الرغبة)، فلو افترضنا أن القدرة المثلى = 10 والرغبة المثلى= 10 فإن الأداء الأمثل = 10 × 10 = 100. فإذا ما أصبحت الرغبة صفرًا؛ نتيجة لما يصيب الفرد من قوى معطلة ومشكلات نفسية من داخله ومن خارجه كالهمِّ والحزن، فإن الأداء في هذه الحالة = 10 × صفر = صفرًا.


                          فكلما كنا أكثر قدرة على التحكم في كل من جانبي القدرة بالتدريب والتنمية، والرغبة بالتحفيز والتشجيع والبعد عن المحبطات، أدى ذلك إلى الارتقاء بإنتاجية الفرد عمومًا، وهذا من المفاتيح المهمة لإدارة الذات، أو لإدارة الآخرين. وعلينا كأفراد أن نتنبه إلى ذلك في تعاملاتنا وإدارتنا لأنفسنا، وكذلك على المديرين أو كل من يتعامل مع الآخرين في موضع الإدارة أو التوجيه أو الإرشاد أو التربية أن يراعيه ويتنبه إليه بشكل واضح.


                          وكخلاصة فإن هذا الوضع (البائس المحبط) لأي شخصية يجب ابتعاد المسلم عنه تمامًا، فإن وقع فيه فيجب أن يعمل على التخلص منه بأسرع وقت؛ إذ إن الاستمرار فيه قد يؤدي إلى نتائج نفسية مدمرة، ومن هنا نرى عظمة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم المستمر، والذي كان يحرص عليه ويأمر أتباعه بالدوام عليه صباحًا ومساءً:
                          "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن...".

                          فهو صلى الله عليه وسلم يتعوذ من كليهما ابتداء كوقاية وبشكل مستمر، ومن هنا تأتي أهمية المداومة والتيقظ العقلي والنفسي الدائم لهذا الأمر، فإن الفرد في معركة مستمرة، لو غفل فيها لحظة لا يدري ما الذي يمكن أن يفترسه من ألوان الهموم والأحزان السلبية التي يمكن أن تُقعده تمامًا وتشلّ إرادته وحركته؛ فغالبًا ما يفضي الحزن الشديد بالمرء -مع الوقت- إلى مزيد من الهم وإغلاق باب الأمل في المستقبل، والاستلام للإحباط واليأس.

                          تعليق


                          • #14
                            رد: في رحاب كتاب

                            أصناف الناس بين مكبلي الهم والحزن

                            الشخصية الثانية: الحزين على ما مضى:

                            ومثل هذا الشخص قلما يظل على هذه الحالة فقط من الحزن على الماضي دون أن يكون لذلك تأثير أيضًا على الحاضر والمستقبل! وفي هذه الحالة سوف ينطبق عليه كل ما ذكرناه عن النمط السابق تمامًا.
                            والأمر الذي أود الالتفات إليه هنا أن هناك علاقة وطيدة بين المراحل المختلفة على خط الزمن لأي إنسان، بين كل من الماضي والحاضر والمستقبل.
                            والعجيب أن كلاً من حالتي الحزن، وهي تتعلق بالماضي، والهمّ، وهي تتعلق بالمستقبل، تؤثران بشكل سلبي على حاضر الإنسان، وهذا ما يهمنا تمامًا، فالذي يغير وجه الحياة ويصنع الأحداث هو أسلوبنا وطريقتنا في إدارة واقعنا وحاضرنا الذي يظل دائمًا نقطة ينبغي الانتباه انها هي التي بين أيدينا الآن بين الماضي والمستقبل.
                            والعجيب أن هناك من لا نستطيع أن يفصل بينهم بشكل صحيح؛ ومن ثم يمتد الماضي (الحزن الشديد على ما فات مثلاً كما هو في حالتنا هذه) ليتحكم في حاضر البعض، فيشلّ طاقاته الإنتاجية، وهو في الوقت نفسه يُدمر مستقبله؛ لأن المستقبل ليس إلا نتيجة طبيعية ومؤكدة لأسلوبنا في تعريف واقعنا وحاضرنا.
                            كما نجد أنه في الطرف الآخر يقفز المستقبل والخوف عليه والقلق والهم الشديد تجاهه، ليؤثر على الحاضر أيضًا، ويشل طاقات الفرد نحو التعامل الفعال معه.

                            ولا شك أن علاج هذا الشخص المحزون أسهل من سابقه إذا تم استدراك ذلك قبل أن يستفحل الأمر معه ويقوده إلى الهم والإحباط.
                            وهنا تنفع تمامًا التربية الإسلامية والنبوية خصوصًا في التعامل مع مثل هذه الحالات، ولنتذكر ونذكر أنفسنا والآخرين بآيات وأحاديث شريفة مثل:
                            • قول الله عز وجل عقب غزوة أحد:(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين)، فرغم الهزيمة المؤلمة إلا أن الله عز وجل أراد أن يخرجهم من حالة الحزن الشديدة على ما حدث، والاستغراق في المشكلة، ويبث فيهم روح الاستعلاء والأمل وعدم اليأس، طالما أن الإيمان ما زال في قلوبهم.
                            • ما رواه صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ".
                            • ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ "لَوْ" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ".

                            ومن هنا لا نجد مؤمنًا حقيقيًا أبدًا يداوم على روافد الإيمان يمكن أن يصيبه الحَزَن لدرجة الشلل والتدمير، وذلك على نحو ما يحدث لكثير من الناس، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى علينا.
                            والشيء الأهم أن الحياة الإيمانية الصحيحة لا تعالج حالات الحزن هذه بسرعة فحسب، وإنما تعمل على الوقاية من الوقوع فيها أصلاً، ولا توجد علاجات أرضية حتى الآن يمكن أن تكون ناجحة مثل ما وضعه الإسلام في نظامه ومنظومة حياة المسلم التي يصيغها بشكل يضمن حياة نفسية صحية مستمرة له.

                            تعليق


                            • #15
                              رد: في رحاب كتاب

                              أصناف الناس بين مكبلي الهم والحزن

                              الشخصية الثالثة: القَلِق والمهموم على المستقبل



                              لا شك أن القَلَق شيء يمكن أن يصيب أي إنسان في أي وقت، وكذلك الهم، لكن هناك درجات متفاوتة لذلك بين الناس..
                              فمن الناس من يكون لديه قدر صحي من القلق أو الهم يدفعه إلى أخذ العدة واتباع الأسباب التي تجنبه ما يخاف وتحقق له ما يتمنى، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه "الهم أو القلق الإيجابي"، وهو ما يحتاج إليه جميع الأفراد الناجحين بل والمتميزين في الحياة.

                              فالرسول صلى الله عليه وسلم كان قلقًا جدًا على الدعوة ومهمومًا على مستقبلها، و
                              لكن بالقدر الذي يجعله يعمل ويفكر ويبدع ويبتكر من الأساليب التي تنشرها وتحملها إلى الآفاق،وكثيرًا ما نجد القرآن يحاور الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الشأن ليؤكد على ضرورة التزامه بالقدر المناسب والمعقول من القلق أو الهم والحزن على أمر الدعوة بما لا يضر به هو شخصيًا فيقعده ويوقف تقدمه، فقد قال الله عز وجل يخاطب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في أكثر من آية: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ).

                              فإنه من سنة الحياة أن النجاح لا يأتي فجأة ولا بخطوة واحدة، وإن من الأمور التي تتطلب جهدا ووقتا وصبرا هي تغيير النفوس وتحويلها من وضع أو عادات سيئة إلى عادات حسنة. ومن هنا نفهم مثل هذه التوجيهات القرآنية العظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم محاورة إياه ومصححة لحواره النفسي الداخلي مثل قوله تعالى:

                              (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا).
                              (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) .
                              (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
                              (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ).
                              (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ).
                              (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
                              (وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).

                              تعليق


                              • #16
                                رد: في رحاب كتاب

                                أصناف الناس بين مكبلي الهم والحزن

                                الشخصية الرابعة: المتحرر المنطلق:


                                وهذا هو الوضع الأمثل الذي ننشده؛ حيث فهم الانسان فيه حقيقة الأمور، وعلم أنه لا مشكلة إلا ولها حل، وأنه يجب أن يفكر دائمًا بصورة إيجابية، ومن منطلق الثقة الكاملة في تيسير الله له، مرددًا من حين لآخر آيات تُعمِّق هذه المعاني الإيجابية ولو في أشد المواقف الحالكة.

                                يقول الدكتور محمد المحمدي الماضي:
                                لقد كنت كثيرًا ما أذكُر لنفسي ولمن معي في مواقف قد تبدو شديدة الضيق والعنت قول الله تعالى:
                                (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)، وقوله تعالى: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)، وقوله تعالى:(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) .. وغير ذلك من الآيات العظيمة التي تُريح النفس، وتُهدِّئ من روعها، وتُطمئن الفؤاد؛ مما يجعل الفرد دائمًا في حالة انطلاق إيجابي للقيام بدوره وأداء ما عليه، بصرف النظر عن النتائج المتوقعة، أو مواقف الآخرين.
                                لقد كان أثر ذلك دائمًا إيجابيًا، ليس فقط عليَّ كفرد بل على من حولي أيضًا، لدرجة أنني كنت أجد - من حين لآخر - أن من يأتي إليَّ من الأصدقاء يتحدث معي بعض الوقت ويبث لي بعضًا مما يحزنه أو يهمه، فإذا انتهى الحديث قال: إنما جئت بعد أن ضاقت نفسي حتى التمس الأمل عندك، إنك تشعرني أنه لا مشكلة...

                                إنني أذكر في هذا الصدد الحديث العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ" !
                                حيث يبث في الفرد المسلم قمة الإيجابية والتفاؤل والأمل؛ ليظل الإنسان يعمل للمستقبل حتى وإن كان المستقبل نفسه قد أوشك على الانتهاء بالنسبة له شخصيًا، طالما كان لديه أدنى قدرة على العمل.

                                إن من أكثر ما يحبط الكثيرين عن العمل هو اليأس من تحقيق النتيجة المرجوَّة، وعدم اليقين من إمكانية تحقيقها في ظل ظروف معينة، ومن ثَمَّ اليأس والاستسلام، سواء بشكلٍ مباشر وواضح، أم بشكلٍ قد ينتقل إلى لوم الآخرين ممن ظل لديهم الأمل واستمروا في العمل، حتى لو كانت النتيجة المؤكدة هي عدم جني أى ثمرة سِوَى القيام بواجب الشهادة والإذعان لحديث الفسيلة التي أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالحرص على غرسها، في وضعٍ لا يختلف اثنان على أنه وضع لا أمل فيه أن يجني الإنسان ثمار ما يغرسه!!

                                إن اتباع منهجنا الإسلامي الحنيف يخلق مثل هذا الفرد المنطلق الايجابي من أصحاب النمط الرابع؛ فردٌ لا يقف على ما فات من حزن، ولا يفرح ويختال بما أُوتي من عَرَض، كما ذكر القرآن الكريم:
                                (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور).

                                فردٌ متوازنٌ في مشاعره وردود أفعاله دائمًا؛ فلا يكون هلعًا يجزع عند المصائب والشرور، ولا يغتر عندما يفتح الله عليه من أبواب الخير
                                (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ).

                                فردٌ يظل دائمًا يُحسن الظن بالله تعالى، ولا يظن بالله إلا خيرًا، فينطبق عليه ما جاء في الحديث القدسي الشريف: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" .

                                فردٌ إذا أصابته سرَّاء شكر، وإذا أصابته ضرَّاء صبر؛ فينال الأجر في الحالتين.

                                إن جوهر رسالة الإسلام هو صناعة مثل هذا الفرد الذي يكون نواة حقيقية لحمل الخير في الأرض لكل من فيها، لا يُقعده عن ذلك أحدٌ ولا يستسلم في سبيل تحقيق رسالته أمام أي عقبة، فردٌ رباني يسير على خطى النبوة، يعتبر نفسه صاحب رسالة ورؤية، لا يستريح إلا في بذل أقصى ما في وسعه لتحقيقها..


                                تعليق


                                • #17
                                  رد: في رحاب كتاب

                                  2- التخلص من مُكبِّلي العجز والكسل

                                  العجز والكسل.. سر الاقتران والملازمة

                                  قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه بين صفة العجز والكسل ورتبهما معًا.
                                  ويمكن تلخيص تأثير ذلك في المعادلة الآتية:


                                  السلوك (الأداء) = الإرادة (الرغبة) × القدرة

                                  باعتبار أن الكسل ضد الإرادة، والعجز ضد القدرة، ومن هنا لا يمكن أن يكتمل الفعل دون انتفاء كل من العجز والكسل وحدوث عكسهما متمثلاً في الإرادة والقدرة.


                                  ومهمة الإنسان مع نفسه أو المربي مع غيره أو المدير مع موظفيه أن يعمل جاهدًا في الحفاظ على درجة عالية من تمام الإرادة وتمام القدرة؛ حتى يكتمل تمام السلوك أو الأداء.

                                  فلو افترضنا أن كمال كل منهما يتمثل في (10) درجات من (10)، فإن تمام الأداء يقتضي أن يكون مساويًا لـ (100)، باعتبار المعادلة السابقة: الأداء = الإرادة (10) × القدرة (10) = (100).. وإذا أصبح أحدهما صفرًا فلن تكن النتيجة سوى صفر، حتى لو الآخر يساوي (10)!!

                                  ولعل هذا سرٌّ عجيب في اقترانهما معًا (العجز والكسل)، وبقدر الانخفاض في أي منهما أو في كليهما، سينخفض الأداء الكلي للفرد أو لمجموعة الأفراد الذين حدث فيهم هذا الانخفاض.




                                  حيث تعني الإرادة إعداد العدة واتخاذ الأسباب، وبالمعنى الإداري الحديث إعداد خطة لتنفيذ الأمر،

                                  وهذا مصداقاً لقوله تعالى:
                                  (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) [التوبة: 46].

                                  يقول الشاعر:
                                  أمانِ إن تكن حقا تكن أسعد المنى *** وإلا فقـد عشنـا بهـا زمنـا رغــدًا


                                  تعليق


                                  • #18
                                    رد: في رحاب كتاب

                                    مظاهر العجز والكسل الإداري:


                                    من هذه المظاهر ما يتبدَّى في التسويف وتأجيل بعض الأعمال المهمة، فالطبيعي أن هناك دائمًا أمورًا ينبغي إنجازها في أوقات محددة، فإذا تأخرت عن هذه الأوقات باتت غير نافعة أو غير ذات جدوى، تمامًا كالذي يتأخر عن الانتهاء من مقالة في جريدة يومية، فتطبع الجريدة في الصباح وقد صار مكان المقالة فارغًا أو أبيضًا!!

                                    وكذلك ما يظهر في عمل المهم وترك الأهم، أو عمل غير المهم وترك المهم، أو الاهتمام بالمفضول على حساب الأفضل، وكل بيئة عمل فيها هذه الترتيبات، فهناك دومًا أولويات، وهناك دومًا أشياء عاجلة وأخرى غير عاجلة، ومن مظاهر العجز والكسل هنا ترك العاجل والبدء في غير العاجل.

                                    ومنها أيضا ترك المدير مثلا الأعمال الجسيمة أو العظيمة أو القرارات الاستراتيجية المؤثرة في مستقبل منظمته، وشغل الوقت بما هو تافه وقليل النفع أو عديم الفائدة، أو التفرغ للأعمال السهلة البسيطة التي لا تأخذ جهدًا ولا وقتًا والتي يمكن أن يؤديها من هو دونه في السلم الإداري؛

                                    ومن مظاهر العجز والكسل أيضا
                                    ترك السبيل الصعب والناجع، والتمسك بالسبيل السهل غير الناجع؛ فيتم اتخاذ القرارات السهلة وإن كانت غير صحيحة، والتخلي عن القرارات الصعبة وإن كانت هي الصحيحة ، تحت ذريعة عدم تحمل أعبائها، أو عدم التأهل لها، أو أن هذا العمل يتطلب وقتًا كبيرًا وزمنًا طويلاً وموارد كبيرة ...؛ تمامًا مثل الرجل الذي يجلس ينتظر نزول المطر من السماء ليسقي زرعه، وما بين زرعه وبين الماء إلا خبطات بالفأس ليحفر قناة إلى موضع بستانه!!

                                    ومن مظاهر العجز والكسل أيضًا
                                    الرضا بالدون أو القليل، أو الخضوع للأمر الواقع وعدم السعي إلى تغييره، تحت أي حجة أو أي سبب.

                                    ومن جملة مظاهر العجز والكسل كذلك:
                                    تضييع الأوقات فيما لا فائدة منه، وعدم التعلم والتزود وتنمية المهارات، وضعف الطموح وضحالة الأهداف، والركون إلى شهوات النفس وحظوظها الدنيوية، وعدم التطلع إلى المعالي والتشوق إلى المراكز المرموقة، وانعدام المبادرة ولإقدام..

                                    ولا مكان في هذه الحياة لخاملٍ ولا لعاجز ولا كسول، فمثل هؤلاء يفوتهم قطار الفرص التي تبوؤهم مجالس العظام.

                                    وكما قال شوقي:

                                    وما استعصى على قوم منال *** إذا الإقدام كان لهم ركابا
                                    وما نيل المطـــالب بالتمني *** ولكن تؤخـذ الدنيــا غـلابــا

                                    وكما قال يحيى بن كثير: "لا يُنال العلم براحة الجسم"؛ فلا يُنال التميز في الأداء والمنافسة ، ولا تُنال الأماكن المرموقة والوظائف العالية، وبالكلية لا ينال استحقاقية الوجود إلا مجاهد ومثابر!

                                    يقول الشافعي رحمه الله:


                                    وأبِيتُ سهران الدجى وتبيته *** نومًا وتبغي بعد ذاك لحاقي؟!

                                    ولنا أن ننظر في أبيات جميلة ومعبرة للشيخ أحمد بن يحي النجمي رحمه الله وهو يعاتب فيها نفسه ويلومها على تقصيرها، فيقول فيها:

                                    أُحيْمـدُ يا كسـولُ عن المعالي *** ويا رقَّاد فـي سُـود اللّيالـي
                                    تـرومُ المجـدَ مع كسلٍ وعجْزٍ *** أضعتَ العمرَ فـي طلب المحالِ
                                    تشاغـلُ بالتـوافه ثم ترجـو *** لحاقاً معْ ألـي الهمم العـوالـي

                                    فما إيثـارُك الـدنيـا بخيـر *** ولـو كان اصطناعـا للحـلالِ
                                    وخيـر منه في الأخرى وأجدى *** بأن تحظى بخـدمة ذي الجـلالِ
                                    فسلْه العـونَ إدمـاناً مُلحَّاً *** يحـبُّ اللهُ مِلْحاحَ السـؤال

                                    تعليق


                                    • #19
                                      رد: في رحاب كتاب

                                      علاج العجز والكسل:


                                      وقد وضح لنا الرسول صلى الله عليه وسلم الطريق-كما يروي الإمام مسلم في صحيحه– حين قال: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ".

                                      كما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول في دعائه: "أعوذ بالله من جَلَد الفاجر وعجز الثقة"،
                                      ومعنى الثقة هنا الرجل الذي وثق به الناس لعقله وخلقه وكفاءته، يتعوذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عجز هذا الرجل الكفء والمؤتمن والذي يمتلك المهارات المتعددة، ثم لا يقوم بحق ما أنعم الله به عليه، ليترك المكان خاليًا لغير المؤتمن وغير الكفء لكنه مثابر ومبادر!

                                      وقد روى أبو داود في السنن عن عوف بن مالك رضي الله عنه أنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

                                      والأمر يحتاج إلى نوع من التحدي ووقفة حاسمة مع النفس، وإلا فلن يبرح الإنسان مكانه ولن يتقدم أبدًا، وقد قيل: "ما لزم أحد الدَعَة (الراحة) إلا ذلّ، وحب الهوينا يُكسب الذل، وحب الكفاية (أي حب الاكتفاء بما عليه الإنسان وعدم الرغبة في الارتقاء) مفتاح العجز".

                                      وقد يحتاج هذا التحدي إلى نوع من التدرب والتدرج والتدريب المستمر حتى يحصل الإنسان على مراده ويحقق طموحه وذاته،

                                      وقبل تحدي النفس ثم ممارسة التدريب انظر إلى قول المتنبي:



                                      إذا غامرت في شرف مَرُوم *** فلا تقنع بما دون النجومِ
                                      فطعم الموت في أمرٍ حقير *** كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ

                                      يرى الجبناء أن العجز عقل *** وتلك خديعة الطبع اللئيمِ

                                      وقول أبي القاسم الشابي:

                                      ومن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر.

                                      تعليق


                                      • #20
                                        رد: في رحاب كتاب

                                        3- التخلص من مُكبِّلي الجبن والبخل

                                        الهدف الأساسي من وراء التخلص من مكبلي الجبن والبخل يكمن في تخليص الإنسان من داء الخوف الذي يؤدي إلى الجبن، ومن الأثرة والبخل، وحثِّه في الآن نفسه على الإرادة والإقدام وخوض غمار التجربة، وعلى البذل والتضحية.

                                        المُكبِّلان الخامس والسادس: الجبن والبخل..
                                        في إرشاده صلى الله عليه وسلم لأبي أمامة المهموم المُحبط، الذي يُمثل قطاعًا عريضًا وشريحة كبيرة من المجتمع في هذه الأيام، والذي ظن أن كل الأبواب قد أوصدت في وجهه، وأنه لم يعد هناك بابٌ يلج منه نحو حياة أفضل، أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله - من جملة ما يدعو - بأن يُخلِّصه من الجبن والبخل.. فما طبيعة هاتين الصفتين؟ ولماذا هما من جملة الصفات التي يُستعاذ منها؟ ولماذا قرنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلهما متلازمتين؟

                                        لعلنا يمكن أن نقف على الإجابة حين نعلم أن النفس والمال هما أنفس ما يمتلكه الإنسان في الحياة، بل هما الثمن الحقيقي لسلعة الحياة الدنيوية الكريمة والجنة الأخروية الغالية، فإذا ما ضنَّ الإنسان بالنفس صار جبانًا، وإذا ما ضنَّ بالمال صار بخيلاً، وفي كلتا الحالتين أو في إحداهما لن يستطيع الحصول على السلعة الغالية المعروضة، والتي لا تُشترى إلا بالنفس والمال، يقول الله تعالى:
                                        (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 111].

                                        فصفتا الجبن والبخل تمنعان التضحية بالنفس وإنفاق المال، ومن ثم فتبور مثل هذه التجارة الأخروية المعروضة مع الله عز وجل، وتضيع الصفقة المعروضة على الشاري ولا يحصل بذلك على الفوز العظيم.
                                        هذا في الآخرة، وأما في الدنيا
                                        فإن صفتي الجبن والبخل لتقفان كذلك سدًا منيعًا أمام الإنسان، تحولان بينه وبين الطموح والإرادة والإقدام وخوض غمار التجربة، واتخاذ القرارات الجريئة المتحدية والمؤثرة ، ومن ثم تدعانه في مؤخرة الركب وفي أدنى الدركات!

                                        تعليق


                                        • #21
                                          رد: في رحاب كتاب

                                          المشاركة الأصلية بواسطة ذكرى صلاح الدين مشاهدة المشاركة
                                          3- التخلص من مُكبِّلي الجبن والبخل

                                          الهدف الأساسي من وراء التخلص من مكبلي الجبن والبخل يكمن في تخليص الإنسان من داء الخوف الذي يؤدي إلى الجبن، ومن الأثرة والبخل، وحثِّه في الآن نفسه على الإرادة والإقدام وخوض غمار التجربة، وعلى البذل والتضحية.

                                          المُكبِّلان الخامس والسادس: الجبن والبخل..
                                          في إرشاده صلى الله عليه وسلم لأبي أمامة المهموم المُحبط، الذي يُمثل قطاعًا عريضًا وشريحة كبيرة من المجتمع في هذه الأيام، والذي ظن أن كل الأبواب قد أوصدت في وجهه، وأنه لم يعد هناك بابٌ يلج منه نحو حياة أفضل، أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله - من جملة ما يدعو - بأن يُخلِّصه من الجبن والبخل.. فما طبيعة هاتين الصفتين؟ ولماذا هما من جملة الصفات التي يُستعاذ منها؟ ولماذا قرنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلهما متلازمتين؟

                                          لعلنا يمكن أن نقف على الإجابة حين نعلم أن النفس والمال هما أنفس ما يمتلكه الإنسان في الحياة، بل هما الثمن الحقيقي لسلعة الحياة الدنيوية الكريمة والجنة الأخروية الغالية، فإذا ما ضنَّ الإنسان بالنفس صار جبانًا، وإذا ما ضنَّ بالمال صار بخيلاً، وفي كلتا الحالتين أو في إحداهما لن يستطيع الحصول على السلعة الغالية المعروضة، والتي لا تُشترى إلا بالنفس والمال، يقول الله تعالى:
                                          (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 111].

                                          فصفتا الجبن والبخل تمنعان التضحية بالنفس وإنفاق المال، ومن ثم فتبور مثل هذه التجارة الأخروية المعروضة مع الله عز وجل، وتضيع الصفقة المعروضة على الشاري ولا يحصل بذلك على الفوز العظيم.
                                          هذا في الآخرة، وأما في الدنيا
                                          فإن صفتي الجبن والبخل لتقفان كذلك سدًا منيعًا أمام الإنسان، تحولان بينه وبين الطموح والإرادة والإقدام وخوض غمار التجربة، واتخاذ القرارات الجريئة المتحدية والمؤثرة ، ومن ثم تدعانه في مؤخرة الركب وفي أدنى الدركات!
                                          ": لولا ان جعل الله الخوف في الناس لاهلكو انفسهم , فالشجاعة ان تتغلب على خوفك في مواطن الحزم وان تبعث في خصمك من الخوف اكثر مما تبعث في نفسك فانه يحرص على حياته كما تحرص على حياتك "
                                          ,.
                                          عمر بن الخطاب

                                          تعليق


                                          • #22
                                            رد: في رحاب كتاب

                                            معنى الجبن والبخل:

                                            يهمنا أن نُلقي الضوء على تعريف الجُبْن والبخل لنقف على كنههما ومن ثم إمكانية توصيفهما وتحليل أسبابهما ووضع سبل علاجهما في النفس.
                                            فكلمة (
                                            الجبن) مصدر للفعل جبن يجبن، وتعني الضعف والخور وتهيُّب الأشياء، يقول ابن منظور: الجَبانُ من الرِّجالِ الذي يَهاب التقدُّمَ على كلّ شيء، لَيْلاً كان أَو نهارًا، والجمع جُبَناء، وهو ضِدُّ الشَّجاعة والشُّجاع، وعرف الشوكاني الجبن بأنه "المهابة للأشياء والتأخر عن فعلها"، وقال عنه صاحب عون المعبود: "ضد الشجاعة وهو الخوف عند القتال، ومنه عدم الجراءة عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
                                            وقال المناوي:
                                            "الجبن: الخور عن تعاطي الحرب خوفا على المهجة وإمساك النفس والضن بها عن إتيان واجب الحق".
                                            وعرفه ابن مسكويه بأنه
                                            "الخوف مما لا ينبغي أن يُخاف منه".
                                            وقال الجاحظ:
                                            "هو الجزع عند المخاوف والإحجام عمّا تحذر عاقبته أو لا تؤمن مغبّته".
                                            وقال الجرجانيّ:
                                            "هيئة حاصلة للقوّة الغضبيّة بها يحجم عن مباشرة ما ينبغي وما لا ينبغي".
                                            وكلها إذن معاني تدل على ضعف في القلب، وعدم الإقدام، وترك ما ينبغي وفعل ما لا ينبغي، وتهيُّب الأشياء والتأخر عن فعلها..

                                            أما البخل: فهو من بخل يبخل، وهو ضد الكرم، ومنه قول عمرو بن معد يكرب: يا بني سليم، لقد سألناكم فما أبخلناكم، أي فما وجدناكم بخلاء، وقال عنه الجرجانيّ: هو المنع من مال نفسه، والشّحّ هو بخل الرّجل من مال غيره، وقيل: البخل: ترك الإيثار عند الحاجة، وقال عنه ابن حجر في فتح الباري: "هو منع ما يُطلب مما يُقتنى، وشرُّه ما كان طالبه مستحقًا، ولاسيما إن كان من غير مال المسئول".
                                            وقال صاحب عون المعبود إنه:
                                            "ضد الكرم، ويعني ترك أداء الواجبات المالية".
                                            وقال الجاحظ:
                                            "البخل هو منع المسترفد (العطاء)، مع القدرة على رفده".
                                            وقال القرطبيّ:
                                            "البخل المذموم في الشرع هو الامتناع عن أداء ما أوجب الله تعالى عليه".
                                            وسُئل الحسن رضي الله عنه عن البخل فقال:
                                            هو أن يرى الرجل ما أنفقه سرفًا وما أمسكه شرفًا.

                                            تعليق


                                            • #23
                                              رد: في رحاب كتاب

                                              المشاركة الأصلية بواسطة أبو بكر.الرازي مشاهدة المشاركة
                                              ": لولا ان جعل الله الخوف في الناس لاهلكو انفسهم , فالشجاعة ان تتغلب على خوفك في مواطن الحزم وان تبعث في خصمك من الخوف اكثر مما تبعث في نفسك فانه يحرص على حياته كما تحرص على حياتك "
                                              ,.
                                              عمر بن الخطاب
                                              سنرى فيما يلي اخي الكريم أبو بكر الرازي أن مؤلف الكتاب الدكتور محمد المحمدي الماضي حاول ان يعطي لمفهوم الجبن والبخل مفهوما أوسع اكثر مما يتبادر إلى ذهننا لأول وهلة حين نقرأ نص الحديث النبوي الشريف. وأعتقد أن الكاتب نجح بذلك في رؤية جديدة لمفهومهما من زاوية أكبر.

                                              تعليق


                                              • #24
                                                رد: في رحاب كتاب

                                                الجبن والبخل بالمعنى الواسع:

                                                أعطى الكاتب مفهوما أوسع لصفتي الجبن والبخل من خلال الحديث عنهما في بيئة العمل وفي ميادين غير بارزة وغير تقليدية..

                                                فقد يظن البعض أن الجبن يقتصر فقط على تهيب الحروب ومواطن الضرب والقتال وميادين الكر والفر والنزال، وأن الجبناء هم فقط من يفرون من هذه الميادين ويتهيبونها، والحقيقة أن ميادين الجبن أكثر من أن تحصى، والجبناء أكثر من أن يُحصروا في ميدان واحد، ولعل الفارين من ميادين العمل وميادين الكفاح وميادين الطموح وميادين الرفعة والمعالي هم أكثر الناس جبنًا؛ إذ إن هذه الميادين هي أكثر الميادين اختبارًا للنفس.

                                                وعليه فإن قاعدة الجبناء تتسع لتشمل قطاعًا عريضًا من الناس، تتسع لتشمل كل هيَّاب لخطة تطور ذاتي، كل متخوف من مواجهة مصاعب الحياة ومشكلاتها، كل من لا يريد أن يدخل معترك الحياة، كل من يخشي عقد الصفقات ،ومزاولة التجارة ،وعمل مشروع اقتصادي حر خوفًا من الخسارة، كل من لا يبذر الحب حتى يرى الثمرة، كل من لا يجرب إلا إذا كان ضامنًا التجربة، كل من يتهيب مواطن الرفعة والعلو لأنها مرهقة، كل من ينأى عن تقلد المناصب خوفًا من المسئولية، كل من لا يقدر على مواجهة نفسه وتقويم سلوكها، كل من يخشى المستقبل ويخاف المجهول، كل من يسكت عن خطأ أو يتستر على باطل، كل من لا يصدع بالحق في المواقف الحاسمة رغبة أو رهبة، كل من يخاف التحدث ضعفًا أو حياءً، كل من لا يذود عن أعراض الناس وهي تنتهك أمامه، الذي يتحدث من وراء الناس وليس أمامهم، الذي يتلون للناس، الذي يكيل المديح للناس ويسعى لرضاهم دون اقتناع ولا رضًا من نفسه، الذي يتملص من أقواله وأفعاله، الذي يرضى بالذل وبالدون، الذي يخاف الفقر ويخشى الفاقة، الذي لا يستطيع الحسم وتحمل نتائج قراراته، الذي لا يثبت في الشدائد والملمات، الذي يخشى الناس ولا يخشى الله أو يخشى الناس كخشية الله...

                                                كل هؤلاء جبناء ليس بإمكانهم أن يقيموا حقًا أو يهدموا باطلاً، ولا أن ينشئوا رفعة أو يبنوا مجدًا وتقدمًا، ويؤكد ذلك الشوكانيُّ رحمه الله تعالى حين يقول: "وإنما تعوذ منه صلى الله عليه وسلم لأنه يؤدي إلى عدم الوفاء بفرض الجهاد والصدع بالحق وإنكار المنكر، ويجر إلى الإخلال بِكثير من الواجبات".

                                                أما البخل فالقاعدة كذلك عريضة، ولا تقتصر فقط على منع المال أو عدم إنفاقه، حيث ميادين البخل كذلك أكثر من أن تحصى، والبخلاء أكثر من أن يجمعهم ميدان منع المال وعدم إنفاقه، وليس أدل على ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يصف فيه البخيل بأنه من تكاسل عن الطاعة، ففي الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي"، قال القاري: "فمن لم يُصلّ عليه (صلى الله عليه وسلم) فقد بخل ومنع نفسه من أن يكتال بالمكيال الأوفى، فلا يكون أحد أبخل منه كما تدل عليه رواية: البخيل كل البخيل".
                                                وعلى هذا فإن
                                                المعنى العام والأشمل للبخيل أنه من يحرم نفسه الأجر الكبير والثواب العظيم ويفوت على نفسه الاستفادة من الخيرات التي تعرض له، أو هو من يحرم نفسه الأجر سواء في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معًا.

                                                وإذا ما طبقنا هذه القاعدة فسنجد كم هو عدد البخلاء، وسنجد كم هم محرومون من تحصيل الأجر الكبير والثواب العظيم في الدنيا والآخرة، وكم هم بعيدون عن السيادة والمراكز المتقدمة والأمامية!
                                                وعلى هذا
                                                فإن الجبن والبخل معًا وكل منهما على حدة من المثبطات عن الرفعة والمعالي والفوز بالأجر العظيم في الدنيا والآخرة، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الولد مبخلة مجبنة".
                                                فالولد مبخلة لأنه يحمل أبويه على البخل بالصدقة للمحافظة على المال من أجله، وهو مجبنة لأنه يجبن أباه عن الخروج للجهاد خشية ضيعته.

                                                تعليق


                                                • #25
                                                  رد: في رحاب كتاب

                                                  في تلازم صفتي الجبن والبخل وخطورتهما:

                                                  مثل بقية صفات الحديث التي جاءت مثنى مثنى، وكان بين كل منهما تلازم واقتران، فإن ثمة تلازم قوي بين صفتي أو آفتي الجبن والبخل، يبين هذه العلاقة ابن القيم حيث يقول:
                                                  "الجبن هو تعطيل عن النفع بالبدن، والبخل هو تعطيل عن النفع بالمال"، فالبذل المنتظر اليوم من صاحب الرسالة والهمة والمكانة إما بماله وإما ببدنه؛ والبخيل يضن بماله، والجبان يضن ببدنه؛

                                                  والصفتان متلازمتان رضعتا من ثدي واحد؛ لذلك يقول صلى الله عليه وسلم في يوم حنين:
                                                  ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جبانًا، وجاء في صفته على لسان أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأشجعهم، في إشارة واضحة إلى تآخي الصفتين؛
                                                  ولاشتهار هذه الصلة فقد أشار الشعراء إلى هذا الترابط فتواترت كلماتهم تمزج بين الشجاعة والكرم، ومنها قول الشاعر المتنبي:

                                                  وكلٌ يرى طرق الشجاعة ِ والندى * ولكنً طبع النفس ِ للنفس قائدُ

                                                  تعليق


                                                  • #26
                                                    رد: في رحاب كتاب

                                                    المدير الجبان:

                                                    هناك من المديرين من يكون فيه بعض من صفات الجبن أو كثير منها، ولا شك أن ذلك ينعكس بشكل واضح على قراراته وتصرفاته مع الآخرين.
                                                    وتكمن أسوأ ألوان الجبن الإداري في المدير الاستراتيجي، حيث إن من أهم صفاته أن يكون لديه استعداد واضح ومؤكد لاتخاذ قرارات استراتيجية متحدية تُبنى على رؤية وبصيرة مستقبلية تتخطى القيود والمحددات.


                                                    ولقد شاهدنا نوعيات من هؤلاء المديرين الجبناء الذين لا يستطيعون تحمل مسؤولية اتخاذ قرار، كبيرًا كان أو صغيرًا، وهذه آفة إذا أصيبت بها إدارة أو منظمة فإنها سوف تتأخر أكثر مما تتقدم، وسوف تعاني الكثير والكثير في مضمار منافستها الآخرين.

                                                    وإن
                                                    من أهم سمات هذا المدير الجبان التردد والتأخر والهروب من اتخاذ قرارات حقيقية متحدية من شأنها أن تقفز بالمنظمة في مجال التطور والتقدم، وعلى قدر جرأة وشجاعة المدير الاستراتيجي في اتخاذ قرارات جريئة وشجاعة ومتحدية يتوقف سر تطورها وتميزها.

                                                    وإذا رجعنا إلى أدبيات الإدارة الاستراتيجية، سوف نجد أن هناك بُعدين أساسيين تم اعتمادهما في ذلك، وهما:

                                                    -بُعد الميل للتحدي في اتخاذ القرارات.

                                                    -بُعد التدخل في التفاصيل ودرجة الاستعداد للتفويض والرقابة عند التطبيق.
                                                    ومن ثم يكون لدينا أربعة أنماط:
                                                    النمط الأول:قائد يبحث عن التحدي ويفوض عمليات الإنجاز
                                                    النمط الثاني:قائد يبحث عن التحدي ولكنه لا يفوض ويحافظ على رقابته على كافة جوانب التطبيق
                                                    النمط الثالث:قائد يتجنب التحدي وفي نفس الوقت يفوض عملية التطبيق
                                                    النمط الرابع:قائد يتجنب التحدي ولا يفوض ويمارس رقابة على التطبيق.



                                                    التعديل الأخير تم بواسطة ذكرى صلاح الدين; 28/08/2017, 12:55 AM.

                                                    تعليق


                                                    • #27
                                                      رد: في رحاب كتاب

                                                      أي الأنماط أفضل للقائد الاستراتيجي؟

                                                      رأينا الأنماط الأربعة للقائد الاستراتيجي حسبما يوضحه الجدول أعلاه،
                                                      وبذلك يتضح أنه لا يمكن لأي مدير على الإطلاق أن يتصف بصفة مدير استراتيجي إلا إذا كان ما بين النمط الأول والثاني، وإن كان النمط الأول هو الأفضل مطلقًا، حيث إن من أكبر الآفات أن يتحول المدير أو القائد الاستراتيجي إلى قائد ضاغط ومتدخل في كل صغيرة وكبيرة لمرؤوسيه، بالإضافة إلى كونه متخذًا لقرارات متحدية وشجاعة.

                                                      فمثل هذا المدير (النمط الثاني) سوف يكون - رغم جرأته - عاملاً مفرغًا لكوادر منظمته القيادية مع الوقت، محولها شيئًا فشيئًا إلى درجة عالية من الاعتمادية على شخصه، لتصبح منظمة الفرد الواحد، وهذا وضع في منتهى الخطورة، وينطوي على قدر غير قليل من
                                                      نوع خطير ومهم من أنواع البخل، ألا وهو بخل نقل الخبراتوبناء الكوادر التالية، وإنفاق الوقت لتعليم الآخرين كيف يعتمدون على أنفسهم في القيام بأداء العمل، وأن نثق فيهم ونفوض لهم المزيد من المهام ونوجههم ونشرف عليهم في أدائها، وندعمهم ونساندهم في الاعتماد على الذات وتعوَد المبادرة والإيجابية والإنجاز.

                                                      إن مثل هذه التصرفات وذلك الفهم لطبيعة الدور الإداري لا يتأتى إلا لمدير جمع بين كل من صفتي الشجاعة والكرم، وتخلص من مكبلي الجبن والبخل، وهو صنف المدير الذي ذكرناه في النمط الأول، والذي يمثل النمط الإداري الأفضل، ولعل هذا مما يفسر ذلك السر العجيب في اقتران هاتين الصفتين معًا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
                                                      وإذا كان ذلك متعلقًا بطبيعة اتخاذ القرارات الاستراتيجية على مستوى الإدارة العليا، فلا شك أن الأمر يحتاج إلى دراسة نفسية هؤلاء المديرين أو المديرات الذين يقضون مدة إدارتهم مشغولين بتوافه الأمور وكل ما هو إجرائي وروتيني، دون أن يتحملوا اتخاذ أي قرار متحدٍّ،


                                                      تعليق


                                                      • #28
                                                        رد: في رحاب كتاب

                                                        المدير البخيل:

                                                        هل يمكن النظر إلى المديرين من زاوية البخل والكرم؟ وأي النمطين أفضل، الأكثر ميلاً للبخل أم للكرم؟
                                                        لا شك أن البخل - كما اتضح في تعريفه - صفة بغيضة في النفس البشرية يبغضها الله والناس، وهذه الصفة توجد في كل شيء، وليس فقط في المال والإنفاق كما هو شائع،
                                                        وأشد أنواع البخل الإداري ما نراه شائعًا في البخل عن توريث الخبرات، وبذل ما لدى المدير من خبرة بسعة صدر وصبر لنقلها وتعليمها للآخرين.

                                                        فالمدير الكريم حقًا هو ذلك الذي تزداد سعادته كلما نجح في إيجاد كوادر وصفوف إدارية تالية يمكنها تسيير العمل في غيبته بدرجة تفوق ما كان يؤديه هو، وأشد المديرين بخلاً هو من يبخل بما لديه من علم وخبرة على الآخرين، ويشح بها ويعتبرها من الأسرار المكنونة التي لا يجب أن يطلع عليها أحد، وربما يرى أنه كلما كان من حوله ومن بعده جهلاء قليلي الخبرة والفهم والقدرة على القيام بما يؤدَّى، فإن ذلك معناه زيادة في أهميته، وهذا يعتبر - رغم شيوعه - خطأ قاتلاً.

                                                        أما عن البخل الإداري في مجال الإنفاق، فإنه بلا شك مذموم، شديد الذم عند الله وعند الناس، ولكن ما هو الحد الذي لا يكون المدير في إنفاقه بخيلاً ولا مسرفًا، حيث البخل والإنفاق مذمومان شرعًا وعرفاً؟
                                                        والحقيقة أن من أعظم الضوابط التي أكد عليها القرآن واعتبرها من صفات عباد الرحمن في ذلك قوله تعالى:
                                                        (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان: 67].

                                                        فنحن هنا إذن عند مصطلح مهم يجب أن نتأمله في الإنفاق عمومًا والإداري خصوصًا، وهو (القوام).
                                                        ولعل ذلك يقودنا إلى سؤال مهم، وهو كيف يمكن للمسلم كمدير، وخاصة في المستويات الإدارية العليا التي يتوقف مستقبل أي منظمة على سلوكه في اتخاذ قرارات الإنفاق، سواء في بداية إنشائها أو أثناء عملية التشغيل المستمر لها، أن يلتزم بهذا الحد (القوام) دون زيادة أو نقصان؟
                                                        لا شك أن ذلك لن يتحقق إلا في حالة واحدة فقط دون سواها، ألا وهي: أن أي قرار إنفاق لا بد وأن يقوم على دراسة علمية دقيقة للاحتياجات الحقيقية بشكل شامل ومتكامل، والتي قد تسمى في بداية أي مشروع بدراسة الجدوى، وهذه الدراسة - إن صحت - فإنها تقدر الاحتياجات الدقيقة لضمان سير المشروع منذ البداية بالحد اللازم لجعله متميزًا ومنافسًا مع الوقت.
                                                        وقد رأينا كثيرًا من المشروعات التي عانت في بداية حياتها، وربما أدت هذه المعاناة إلى انهيارها تماما، لأن قرارات تحديد احتياجاتها المالية كانت أقل بكثير مما هو مطلوب لضمان حد القوام، وكذلك لا يخفى علينا أن التقدير المبالغ فيه سوف يؤدي إلى تحميل المشروع ما لا يُحتمل من موارد زائدة تقلل من فرص ربحيته.
                                                        ومن ثم يجب على المدير في أي موقع، بل على أي فرد مسلم أن يكون أحد عاداته السلوكية المتأصلة في النفس التزام حد القوام والاعتدال في الإنفاق والبعد عن طرفي الإسراف والتقتير، ولعل القرآن الكريم قد صور ذلك في أكثر من موضع، مثل قوله تعالى:
                                                        (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) [الإسراء: 29].

                                                        وإن كانت الصفة السلبية الغالبة المشاهدة في عالم الناس، وخاصة الإدارة هي صفة البخل، فكثيرًا ما نرى المدير البخيل أكثر مما نرى المدير الكريم،
                                                        ولهذه الصفة مظاهر ملموسة، وهي من قبيل:
                                                        - انعدام أو التأخر في صرف المكافآت والحوافز المادية.
                                                        - عدم تقييم أداء المرؤوسين.
                                                        - انعدام أو قلة الثناء والمدح على أداء المرؤوسين، ولو بالكلمة الطيبة.
                                                        - التجهم وعدم التبسم مع المرؤوسين.
                                                        - التقتير الشديد في صرف بعض النثريات أو الأدوات المكتبية.
                                                        - التقصير في تهيئة وتحسين بيئة العمل الداخلية بما يشق على نفسه ومن معه.

                                                        إن الإدارة يجب أن تتوقف كثيرًا عند هذين المحددين أو المكبلين للشخصية (الجبن والبخل)، بحيث نعمل على حسن تدريب ليس فقط المديرين، بل النشء على تفاديهما، ونتأكد عند اختيار أي قائد، وخاصة الاستراتيجي، من خلوه تمامًا من أيهما؛ لأن التكلفة التي تتحملها أي منظمة من وجود أي من هاتين الصفتين غالبًا ما تكون باهظة، وأحيانًا غير منظورة في المدى القصير.

                                                        تعليق


                                                        • #29
                                                          رد: في رحاب كتاب


                                                          4- التخلص من مكبلي غلبة الدين وقهر الرجال

                                                          على عكس المكبلات الست السابقة التي رأينا أنها مكبلات داخلية، فإن المكبلين السابع والثامن: غلبة الدين وقهر الرجال، اللذين امرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتعوذ منهما هما مكبلان خارجيان، فماذا يعني كل منهما؟

                                                          غلبة الدين: متى يغلب الدين صاحبه؟ إذا استقرض مالاً لإنفاقه في شيء ليس ضرورياً، إذا أخذه، وليس في نيته أن يرده إلى صاحبه، عندئذ يغلبه الدين،
                                                          والدّين إذا غلب الإنسان ذهب بعزه، وأودى بنعيمه وأنسه وأتى على طارفه وتليده وقديمه وجديده.إذا غلب الإنسان ملك عليه فكره وعقله، وصوابه ورشده فلا يذوق طعم الهناءة ولا يحسن التفكير ولا يهتدي إلى الصواب. وإنما يغلب الدين إنسانا استدان بلا بصيرة ولم يدبر أمره وينظم شأنه. ويجدّ في طلب وتلمس الطرق المشروعة إليه ليقوم بالسداد، وإنما يغلب من استدان ولم يعزم على الوفاء بل كانت نيته التقصير. إنما يغلب من استدان لغير حاجة ماسة بل لارواء شهوة أو ابتغاء الشهرة والملق والرياء وحب الظهور الكاذب والمدح بالباطل.
                                                          أما من استدان لضرورة ملجئة عازما على الوفاء فهذا الله ضامنه، وموفقه للسداد ورازقه من حيث لا يحتسب حتى يخلصه مما أهمه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) سورة الطلاق.
                                                          وغلبة الدين تُوقع الإنسان في الهم والغم والقلق النفسي، وربما توقع الإنسان في بعض الخصال المذمومة، مثل الكذب وإخلاف الوعد، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى في التشهد الأخير في كل صلاة يصليها، يقول: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم) المأثم يعني الإثم، المعاصي، والمغرم: الدين، فسأله سائل قال: يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ قال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف، وهذا في الصحيحين، إذا غرم يعني إذا غلبه الدَّين, وهذا واقع ومشاهد، تجد بعض الناس إنسانا صالحا تقيا، لكن بسبب غلبة الدين يكذب، وبسبب غلبة الدين يُخلف الوعد، فتسبب غلبة الدين في وقوعه في خصال مذمومة.
                                                          ولهذا ينبغي للمسلم أن يستعيذ بالله من المغرم ومن غلبة الدين، وأن يبتعد عن الأسباب التي تُسبب له غلبة الدَّين، فلا يتهوّر، ويدخل في أمور فيهامخاطرة كبيرة قد توقعه في غلبة الدين، وكم من إنسان كان في سلامة وعافية ثم تهوَّر ووقع في مخاطرات، تسببت في تراكم الديون عليه، فربما حُبس بسبب ذلك، وانقطع عن أهله وأسرته، ومجتمعه. أما إذا كان الدّين يسيرا وليس غالبا، ووفاؤه قريب، فلا بأس به.والدَّين يُعتبر من جملة حقوق العباد، وحقوق العباد تبقى لأصحابها يومالقيامة، ما يُكفرها شيء، حتى الشهادة في سبيل الله ما تُكفرها.

                                                          قهر الرجال في قول كثير من العلماء: ما يصيب الإنسان من قهر وهم وغم بغلبة انْتُصِر عليه بها وهو يعلم أنه على الحق وخصمه على الباطل.
                                                          وجاء في فيض القدير: ضلع الدين وقهر الرجال قرينتان فإن استعلاء الغير إن كان بحق فضلع الدين أو بباطل فقهر الرجال.
                                                          يقول الشيخ محمد راتب النابلسي:
                                                          قيل لرجل: ما الذل ؟ قال: أن يقف الكريم بباب اللئيم ثم يرده ـ الذل أن يقهر الإنسان إنسانا مثله، قال تعالى:(
                                                          وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)
                                                          [سورة النساء: الآية 141]
                                                          أي هذا ليس سهلاً، لأن الإنسان له كرامته، له مكانه، له عزته، له شرفه، يأتي إنسان كافر يمرغه في الوحل، ويتحكم فيه، ويذيقه ألوان العذاب؟

                                                          تعليق

                                                          جاري التحميل ..
                                                          X