عاشوراء بين الأسطورة والتاريخ
بقلم: ياسين عز الدينتمثل ذكرى عاشوراء بالنسبة للكثيرين الثورة على الظلم، وكيف ضحى الحسين بحياته وروحه من أجل محاربة الظلم رغم عدم تكافؤ المعركة، بينما يرمز ليزيد بن معاوية بأنه الشر المطلق الذي استباح الدماء وفجر بالخصومة.
ورأى الشيعة في المعركة نقطة البداية لحربهم مع من لم يؤيد الحسين في ذلك الزمان، أو يؤيد الشيعة بوصفهم ورثة الحسين في الأزمان اللاحقة، فالولاء والبراء عندهم أصبح محكومًا بمبايعة أهل البيت، وقد حولوا الحكم واختيار الحاكم إلى مسألة من مسائل العقيدة وليس اجتهادًا بشريًا.
كما أن الكثير من السنة تعاطفوا مع الرواية التاريخية لما حصل بدون أن يقفزوا إلى نتائج الشيعة، فلم يجعلوا اختيار الحاكم من آل البيت قضية عقائدية.
وجاء مفكرون سنة معاصرون (إسلاميون وغير إسلاميين) ليتهموا معاوية ويزيد بأنهم لم يخطئوا مع الحسين فحسب بل حرفوا مسار التاريخ الإسلامي منذ ذلك الحين بتحويلهم الخلافة إلى ملك عضوض، فهل يعقل أن الفكر السياسي الإسلامي هش لهذه الغاية؟ أي أن يقرر شخص أو شخصان ارتكبا خطأ قبل 1200 عام شكل نظام الحكم في الإسلام؟
وهنالك بعض الحكواتية الذين يسمون أنفسهم مؤرخون حاولوا إرضاء كل الأطراف، فالحسين كان على حق ومعاوية لم يرد الحرب ويزيد كان صوامًا قوامًا لا يأتيه الباطل من بين يديه، والمشكلة كلها في المحيطين بهما ممن كانوا يرتكبون الأخطاء.
المشكلة في النظرة السابقة لمعركة عاشوراء والصراع بين علي ومعاوية، ثم الحسين ويزيد، ثم الشيعة والأمويين، هي بعدها الأسطوري وانفصالها عن السياق الطبيعي.
بداية يجب أن ندرك أن أغلب ما جاء في كتب التاريخ ليس صحيحًا بشكل قطعي، قسم منه يغلب الظن أنه صحيح، وقسم بحاجة لمراجعة وتنقيح، كما أن الخصوم السياسيين لبني أمية قد أدخلوا روايتهم في التاريخ فاختلطت الدعاية السياسية بالحقائق التاريخية.
هنالك أحداث عامة يمكن قبولها كحقائق تاريخية مثل الخلاف بين علي ومعاوية، وقتل الحسين في معركة عاشوراء، لكن عندما ننزل إلى التفاصيل فيجب التأني بالقبول، هذا لو أردنا دراسة الحدث تاريخًا وليس أسطوريًا.
فأسطوريًا الحسين هو إمام المظلومين وحامل رايتهم، ويزيد هو كبير المجرمين، لكن لنسأل أنفسنا ما القضية التي حملها الحسين؟ أليست أحقيته بالخلافة؟ هل طالب بالشورى وتداول الحكم؟ أين الرسالة السامية في ذلك؟
قتل الحسين جريمة لا ريب في ذلك لكن هل هو أول شخص يقتل في صراع سياسي بين خصوم حتى نصف يزيد بأنه الشيطان الرجيم؟ لماذا لا نعتبره مجرمًا عاديًا؟ أو اجتهد فأخطأ كما نصف عددًا من حكام اليوم الذين قتلوا خصومهم بالعشرات أو بالآلاف؟ ولدينا صدام حسين كمثال (رغم قناعتي أنه يزيد في أسوأ حالاته لا يصل إلى 10% من إجرام صدام حسين).
إذا كان تحويل الخلافة إلى حكم ملكي وراثي جريمة ارتكبها معاوية وأكد عليها يزيد، فلماذا أصر أنصار الإمام علي على توريث الإمامة في أبنائه؟ وكانوا وقتها مجرد حزب سياسي قبل أن يتحولوا إلى طائفة مذهبية في عصور لاحقة.
لماذا لم يرجع العباسيون أو العثمانيون الخلافة إلى منهاج النبوة؟ لماذا لعن العباسيون الأمويين لكن تبنوا منهاجهم في الحكم؟ لماذا لم يمارس الأيوبيون أو المماليك أو المرابطون أو الموحدون أو غيرهم نظام حكم يتداولون به السلطة عن طريق الشورى؟ لماذا أصروا على التوريث؟
أنصح بقراءة ما كتبه ابن خلدون عن الصراع بين علي ومعاوية، فقد قدم قراءة تاريخية، وأنصح أيضًا بأن لا نسقط مفاهيم وقيم اليوم (مثل الديموقراطية أو تداول السلطة سلميًا) على أحداث قد جرت في عصور سابقة كان الطبيعي فيها توريث الحكم، هكذا كان استيعاب وفهم البشر كلهم في ذلك الوقت.
العيش في التاريخ مصيبة، ومصيبتنا في أحداث عاشوراء تتجاوز الهوس الشيعي لمحاربة أهل السنة سبب أحداث حصلت قبل 1300 عام، إلى فهم ناقص حول فلسفة الحكم في الإسلام.
أهم الدروس التي يجب أن نتعلمها من "عاشوراء الأسطورة" هو حرمة اعتبار اختيار الحاكم مسألة عقيدة، لأن هذا سيقودنا إلى حروب دموية وجرائم لا تمحى، وما الخطيئة التي وقعت فيها داعش إلا أنها اعتبرت مبايعة خلافتها المزعومة اختبارًا لإيمان المسلم.
كما يجب أن نبتعد عن تحويل الصراعات السياسية إلى صراعات عقائدية أو صراع حق وباطل، فعاشوراء الأسطورة تقول لنا أن هنالك طرف يمثل الباطل المطلق، والطرف الآخر هو الحق المطلق، بين عاشوراء التاريخ تقول لنا أن هنالك طرفين لكل منهما خطأه وصوابه.
فلنترك دراسة التاريخ لأهله ولنبعتد عن الرؤية الأسطورية فربما ينصلح حالنا هكذا.
تعليق