إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التفائل بالخير ,, اساسه الايمان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التفائل بالخير ,, اساسه الايمان

    ندوات تلفزيونية - قناة اقرأ - موسوعة الأخلاق الإسلامية - الدرس (07-28 ) : التفاؤل والتشاؤملفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-02-07


    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدمة :
    نرحب بكم أيها الأخوة والأخوات ، نصطحبكم في موسوعة الأخلاق الإسلامية مع خلق جديد من الأخلاق ، ضيفنا اليوم فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في كليات الشريعة ، وأصول الدين ، فأهلاً وسهلاً بكم أستاذنا الكريم .
    الدكتور راتب :
    بكم أستاذ أحمد ، جزاكم الله خيراً .
    الأستاذ أحمد :
    سيدي الكريم نتمنى أن نتحدث اليوم وإياكم عن خلق التفاؤل ، وهل التفاؤل حسن الظن بالله عز وجل ؟ ما تعريف هذا الخلق ؟ .
    تعريف التفاؤل :

    الدكتور راتب :
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
    التفاؤل : هو حسن الظن بالله ، والتفاؤل توقع الخير ، والتفاؤل ألا تسمح للمصائب أن تأخذك إلى اليأس ، التفاؤل أن ترى ما عند الله ، وأن تكون واثقاً بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك ، التفاؤل أن تكون غنياً بالله ، التفاؤل أن تنقل اهتماماتك إلى الدار الآخرة ، فالدنيا عندئذٍ لا تعنيك ، التفاؤل أن ترى الهدف البعيد ، فإذا حالت عقبات دونه وأنت مُصر عليه فأنت متفائل ، والتفاؤل صفة العظماء ، والتفاؤل صفة المؤمنين ، والتفاؤل صفة الذين عرفوا أن الأمر بيد الله ، صفة الموحدين ، فالتفاؤل توقع الخير ، والتفاؤل حسن الظن بالله ، والتفاؤل أن تكون محصناً من أن يأخذك اليأس إلى مكان بعيد .
    الأستاذ أحمد :
    قلتم أن التفاؤل من صفات المؤمنين ، أين أرشدنا القرآن الكريم إلى أن التفاؤل من صفات المؤمنين ؟.
    التفاؤل أساسه الإيمان و هو ثمرة من ثمراته :
    الدكتور راتب :
    المؤمن متفائل حتماً ، لأنه يعلم علم اليقين أن الأمر بيد الله ، وأن الله قوي .
    (( ما شاءَ اللهُ كانَ ، وما لم يشأْ لم يكن ))
    [ أخرجه أبو داود عن بنت من بنات النبي ]
    وأن الله في أية لحظة بيده المعادلات كلها ، بيده موازين القوى ، وأن الأمر يرجع إليه ، وما أمرك الله أن تعبده إلا بعد أن طمأنك فقال : ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
    ( سورة هود الآية : 123 )

    التفاؤل أساسه الإيمان ، أنت حينما تؤمن أن الله وحده هو القوي ، وأن أمره هو النافذ ، وأن : ﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾
    ( سورة الأعراف الآية : 54 )
    ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
    ( سورة الزمر )
    ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
    ( سورة الزخرف الآية : 84 )
    ﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
    ( سورة الكهف )
    ما دام الله عز وجل ، صاحب الأسماء الحسنى ، هو الرحيم ، هو العدل ، هو القوي ، هو الغني ، هو الحنان ، هو المعطي ، ما دام الأمر بيده الله عز وجل قال : ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
    ( سورة هود )
    ألزم ذاته العلية إلزاماً ذاتياً في الاستقامة ، هو العدل ، وسعت رحمته كل شيء ، لا يمكن أن يجتمع إيمان بالله مع التشاؤم ، إيمان بالله مع اليأس ، إيمان بالله مع السوداوية ، لذلك قال تعالى : ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾
    ( سورة يوسف )
    أي كأن التشاؤم من صفات الكفار ، وكأن التفاؤل من صفات المؤمنين . التشاؤم من صفات الكفار والتفاؤل من صفات المؤمنين :
    الإيمان بالله أثمر التفاؤل ، وعدم الإيمان به يؤدي إلى التشاؤم ، إنسان لا يرى أن الله بيده كل شيء ، يرى قوى مخيفة ، طاغية ، معتدية ، حاقدة ، جبارة ، لا ترحم ، وأنه ضعيف أمامها ، طبعاً تحصيل حاصل أن يكون متشائماً ، تحصيل حاصل أن يسحق نفسياً ، أن يحس بالإحباط ، كل مشاعر الإحباط ، والخوف الشديد القاتل ، واليأس القاتل ، بسبب ضعف الإيمان .
    مثلاً لا أعتقد أن هناك حالة أصعب من أن يكون عدواً قوياً ، حاقداً ، ظالماً ، متغطرساً ، وراءك بكل قوته ، وأنت مع بعض الأشخاص قلة قليلة لا تملكون شيئاً ، والبحر أمامكم .
    ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
    ( سورة الشعراء )
    لا يعقل أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام وهو في الغار ، وقد وصلوا إليه ، وقد وضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً ، أو ميتاً ، وأن يبقى ثابتاً ، واثقاً من الله عز وجل ، قال يا رسول الله ، في رواية : لقد رأونا ، وفي رواية : (( لو أن أحدهم نظر إِلى قَدَمْيه أبْصَرَنَا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ ))
    [أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أنس بن مالك ]
    طبعاً هذه صفات الأنبياء ، لكن لكل مؤمن من هذه الصفات نصيب بقدر إيمانه ، فأنت حينما ترى أن الله سبحانه وتعالى حينما يقول : ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
    ( سورة الجاثية )
    هذه آية تملأ القلب تفاؤلاً ، أنت إنسان مستقيم ، وقاف عند حدود الله ، دخلك حلال ، بيتك إسلامي ، عملك إسلامي ، لا تعصي الله ، لا تكذب ، لا تغش المسلمين ، لم تبنِ مجدك على أنقاضهم ، ولا حياتك على موتهم ، ولا غناك على فقرهم ، ولا أمنك على خوفهم ، ولا عزك على ذلهم ، إنسان تخشى الله ، لا بدّ لك من معاملة خاصة ، لا بدّ لك من أن تكون متميزاً عن بقية الناس . آيات من القرآن الكريم تثبت أن الإيمان والتوحيد يورثا التفاؤل :
    لذلك الإيمان والتوحيد يورثا التفاؤل ، والشواهد كثيرة جداً ، هذه الآية أوضح آية:
    ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
    ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
    ( سورة السجدة )
    ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
    ( سورة القلم )
    ﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
    ( سورة القصص )
    ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ﴾
    ( سورة التوبة الآية : 51 )
    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾
    ( سورة فصلت )
    القرآن الكريم يملأ القلب تفاؤلاً : ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
    ( سورة طه )
    ﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
    ( سورة الروم )
    ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
    ( سورة الصافات )
    ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
    ( سورة غافر الآية : 51 )
    الآيات كثيرة جداً : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
    ( سورة النور الآية : 55 )
    ﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
    ( سورة الروم )
    ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾
    ( سورة النساء )
    هذه آيات في كتاب الله ، هذه وعود رب العالمين ، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين . المؤمن دائماً متفائل و لا يسمح لشيء أن يسحقه أو يشلّ قدراته :
    كيف لا يكون المؤمن متفائلاً وقد يرى أن الله سبحانه وتعالى معه ؟
    ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
    ( سورة الأنفال )
    أي الله معهم بالنصر ، والتأييد ، والحفظ ، والتوفيق ، هذه معية خاصة ، لذلك المؤمن قطعاً متفائل ، ولا يسمح لمصيبة أن تسحقه ، ولا يسمح لمصيبة أن تأخذه إلى اليأس ، ولا يسمح لمصيبة أن تشل قدراته ، ولا يسمح لمصيبة أن تجعله سوداوياً متشائماً ، لكن ضعف الإيمان يودي إلى التشاؤم ، ضعف الإيمان يودي إلى السوداوية ، واليأس .
    الأستاذ أحمد :
    ضعف الإيمان يودي إلى السوداوية واليأس ، ولكن هل من الممكن لإنسان أصابه شيء من اليأس ، أن يصل به يأسه إلى الكفر ؟ هل المسألة عكسية ؟ . الإنسان يتشاءم بقدر ضعف إيمانه ويتفاءل بقدر قوة إيمانه :

    الدكتور راتب :
    والله الإنسان مخير ، فإذا أصابته حالة سلبية عليه أن ينتبه لنفسه ، وأن يذكر ما عند الله من وعود ، وأن يتوب إلى الله من بعض الذنوب ، التشاؤم حالة مؤلمة جداً ، أحياناً هي عقاب من الله ، الإنسان حينما يعصي ربه ، أو حينما يقصر ، يشعر بالكآبة ، والكآبة توصله إلى التشاؤم ، أو حينما لا يوحد ، حينما يرى آلهة في الأرض ، والآلهة مصالحها متناقضة ، ومتنافسة فيما بينها ، وهو ضاع بين هذه الآلهة ـ المتوهمة طبعاً ـ أما إذا وحّد الله فالأمر بيد الله .
    (( ما شاءَ اللهُ كانَ ، وما لم يشأْ لم يكن ))
    وكل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق .
    إذاً الإنسان يتشاءم بقدر ضعف إيمانه ، ويتفاءل بقدر قوة إيمانه ، وكلما كان الإيمان أقوى كان التفاؤل أقوى .
    لذلك عظماء الأرض كانت أمامهم عقبات وعقبات ، يقول عليه الصلاة والسلام : (( لقد أُخِفْتُ في الله ما لم يُخَفْ أَحدٌ ، وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد ، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة ، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال ))
    [ أخرجه الترمذي عن أنس رضي الله عنه ]
    ومع ذلك كان سيد أهل الأرض .
    الأستاذ أحمد :
    سيدي الكريم هل من مثال تطبيقي عملي على مسألة التفاؤل حتى نفهمه على أرض الواقع بشكل أوضح ؟. مثال تطبيقي عملي على مسألة التفاؤل :
    الدكتور راتب :
    كل أخوتنا يعلمون أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما هاجر وأفلت من يد قريش، وضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، كلمة مئة ناقة تعني شيئاً كبيراً ، الناقة تساوي مبلغاً كبيراً جداً ، مئة ناقة ، ثروة طائلة ، لذلك تهافت الناس على التسابق لأخذ هذه الجائزة إذا جاؤوا بالنبي حياً أو ميتاً ، النتيجة أن إنساناً اسمه سراقة طمع بالجائزة ، فركب فرسه ، وعدا إلى طريق الهجرة ، أدرك النبي ، لكن النبي كما تعلم متفائل ، وموقن بنصر الله عز وجل ، قال له كلمة ـ نحن نرددها كثيراً ، وقد لا نفهم معناها ، أو قد لا ننتبه إلى خلفياتها ، أو إلى مدلولاتها ، أو إلى أبعادها ـ قال له : يا سراقة ! كيف بك إذا لبست سواري كسرى ؟ شيء لا يصدق ! إنسان مطارد ، مهدور دمه ، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، لسان حاله يقول : أنا سأصل آمناً ، وسأؤسس دولة ، وسأحارب أقوى دولتين في العالم، الفرس والروم ، وسوف ينهزم الفرس ، وسوف تأتيني كنوز فارس ، وسوف تأتي إلى المدينة ، ويا سراقة لك سواري كسرى ، هذا الذي وقع مستحيل ! .
    كأن نخاطب دولة متفلتة ، في طرف الصحراء ، تعاني من مليون مشكلة ، نقول لها : أنت سوف تحتلين البيت الأبيض ، هذه هي النسبية .
    لذلك قال له : كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى ؟ فكان عليه الصلاة والسلام متفائلاً ، لكن تفاؤله حقيقي ، تفاؤل يعتمد على إيمانه .
    التفاؤل من ثمار الإيمان :

    وأنا أقول الآن بدافع من الإيمان : لا تستطيع جهة في الأرض مهما تكن قوية ، مهما تكن تملك الأسلحة الفتاكة ، والإعلام ، والاقتصاد ، لا يمكن للقطب الأوحد في الأرض أن يفسد على الله هدايته لخلقه ، مستحيل وألف ألف ألف مستحيل .
    أنت أب وقوي ، وعالم ، وغني ، لك أولاد ، هدفك الأول أن يتعلم أولادك ، وأن ينالوا شهادات عليا ، أحد هؤلاء الأولاد يمنع أخوته من الذهاب إلى الامتحان ، والأب ينظر إليه ، ويراقبه ، والأمر بيد الأب ، وكل شيء بيده ، أيعقل هذا ؟! أيعقل أن يسمح لواحد من أولاده أن يفسد على الأب خطته في تربية أولاده ؟! مستحيل .
    لكن الله يسمح للأقوياء أن يهددوا ، ليمتحن إيمان المؤمنين ، يسمح للأقوياء أن يعلنوا عن خططهم الجهنمية ليمتحن إيمان المؤمنين .
    ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
    ( سورة آل عمران )
    لذلك أنا مؤمن أن التفاؤل من خصائص المؤمنين ، بل إن التفاؤل من ثمار الإيمان ، وإن التشاؤم واليأس والسوداوية والإحباط من ثمار الشرك أولاً ، والمعصية ثانية .
    الأستاذ أحمد :
    هذا مثال من السيرة ، أما مثال تطبيقي ، فما يحضركم في التفاؤل ؟. القصص في القرآن الكريم وقعت وأرادها الله أن تكون قانوناً وحافزاً لنا :
    الدكتور راتب :
    هناك شعور أنك حينما تتصل بالله ، ترى أن القوى بيديه ، وأن الله سبحانه وتعالى بيده الأمر .
    إنسان وجد نفسه في بطن حوت ، هل هناك حالة أصعب من هذه الحالة ؟
    ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
    ( سورة الأنبياء )
    قلة قليلة وراءها جيش ضخم ، كثير العَدد ، والعُدد ، له قيادة حاقدة ، وطاغية ، وظالمة ، والبحر أمامنا ، الأمل صفر ، أعتقد أن مليون إنسان كانوا في مثل هذا الموقف يوقنون بالهلاك ، يتشاءمون ، ييئسون : ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
    فهذه القصص لنا ، هي وقعت وأرادها الله أن تكون قانوناً لنا ، وحافزاً إلينا .
    الأستاذ أحمد :
    الآن ما الفرق بين التفاؤل ، والتشاؤم ؟ . الفرق بين التفاؤل والتشاؤم :

    الدكتور راتب :
    هناك خرافات كانت سائدة في العصر الجاهلي ، الإنسان إذا طار عن يساره طير يتشاءم ، يتوقع الهلاك ، والمصائب ، وإن طار الطير عن يمينه يتفاءل ، فالله عز وجل ردّ على هؤلاء ، وقال :
    ﴿ طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ﴾
    ( سورة يس الآية : 19 )
    سبب تفاؤلك منك ، سبب تشاؤمك منك ، أي أنت حينما تستقيم ، وتؤدي الحقوق تفاءل ، لأن الله يعدك بالتوفيق ، وحين تبني مجدك على أنقاض الناس ، تأخذ ما ليس لك ، تعتدي على أعراضهم ، يلقي الله في قلب هذا العاصي التشاؤم والخوف والقلق ، فالتفاؤل والتشاؤم لا يأتي من جهة بعيدة عنك ، يأتي منك ، فأنا معي أسباب التفاؤل هي طاعتي لله ومعي أسباب التشاؤم هي التقصير والمعصية ، فكل إنسان يعصي الله يصاب بالكآبة أولاً ، ثم بالسوداوية ، والتشاؤم ، واليأس ، وهناك يأس خاطئ .
    طبعاً نهاية اليأس الانتحار ، والمؤمن مستحيل وألف ألف مستحيل أن يقدم على هذه المرحلة ، لأن الله موجود ، وقد يخلق الله من الضعف قوة ، ومن الجهل علماً ، ومن عدم الحكمة نجاحاً وتفوقاً ، والأمثلة كثيرة جداً .
    الأستاذ أحمد :
    عندما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفأل فعرفه بالكلمة الصالحة يسمعها أحدكم ، كيف تكون الكلمة الصالحة من الفأل ؟. إحساس الإنسان بالضعف يجعله يلجأ إلى الله عز وجل :

    الدكتور راتب :
    أي أنت حينما ترى مريضاً لا ينبغي أن تقول له : مرضك قاتل ولا علاج له ، ينبغي أن تنفس له في الأجل ، أحياناً الله عز وجل يمنح الشفاء الذاتي من دون أسباب علمية ، هناك بحث في الطب اسمه الشفاء الذاتي ، آلاف الحالات ، مرض مستعص ، مرض عضال، يأتي معه شفاء ذاتي .
    فلذلك أخطر شيء في الحياة أن تهزم من الداخل ، أن تقع في اليأس ، فأحياناً أنت ضعيف هذا سرّ قوتك ، إحساسك بالضعف يجعلك تلجأ إلى الله .
    لذلك قالوا : الله عز وجل يستجيب لعباده إذا دعوه ، ولكن وفق شروط .
    ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾
    ( سورة البقرة )
    كأن الله سبحانه وتعالى وضع ثلاثة شروط ثلاثة لاستجابة الدعاء ، أن تؤمن ، وأن تستجيب ، وأن تكون في دعائك مخلصاً ، ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ـ أي مخلصاً ـ فَلْيَسْتَجِيبُوا ـ يطيعوني ـ لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾
    لكن العلماء استثنوا إنسانين ، استثنوا المظلوم واستثنوا المضطر ، فالمظلوم يستجيب الله له ، لا لأهليته بالدعاء ، ولكن بعدل الله ، والمضطر يستجيب الله له ، لا لأهليته في الدعاء ، ولكن برحمة الله .
    فالله عز وجل موجود ، وهو ينتظر دعاءنا ، فقد قال الله عز وجل : ﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾
    ( سورة الفرقان الآية : 77 )
    الدعاء علاج التشاؤم :

    ماذا يعني الدعاء ؟ يعني الدعاء أنه مستحيل على الإنسان أن يدعو جهة ليس مؤمناً بوجودها ، وألا يعد مجنوناً ، فما دمت تقول : يا رب ، أنت موقن أن الله موجود ، وموقن أيضاً أن الله يسمعك ، وموقن أيضاً أن الله قادر على تلبية طلبك ، وموقن أيضاً أن الله يحب أن يلبك ، موقن بوجوده ، وسمعه ، وعلمه ، وقدرته ، ومحبته لك .
    لذلك الذي يدعو الله مؤمن ، من لا يدعُني أغضب عليه ، إن الله يحب الملحين في الدعاء ، إن الله يحب من عبده أن يسأله شسع نعله إذا انقطع ، إن الله يحب من عبده أن يسأله حاجته كلها ، إن الله يحب من عبده أن يسأله ملح طعامه .
    فالدعاء مرغوب عند الله عز وجل ، وما أمرك أن تدعو الله إلا ليستجيب لك ، وما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك ، وما أمرك أن تتوب إليه إلا ليتوب عليك ، إذاً الدعاء هو الذي يخرج الإنسان من التشاؤم .
    ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ﴾
    ( سورة الأعراف الآية : 55 )
    والله عز وجل يقول : (( إذا قال العبد : يا رب وهو راكع ، قال الله له : لبيك يا عبدي ، فإذا قال : يا رب وهو ساجد ، قال الله له : لبيك يا عبدي ، فإذا قال : يا رب وهو عاصٍ قال الله له : لبيك ثم لبيك ثم لبيك ))
    [ ورد في الأثر القدسي ]
    إذاً مع الدعاء ليس هناك تشاؤماً ، مع التوجه إلى الله ليس هناك تشاؤماً ، والتشاؤم علاجه الدعاء .
    الأستاذ أحمد :
    التفاؤل هو حسن الظن بالله عز وجل ، فمن فوائد التفاؤل عند الله عز وجل ـ لا بد من هذا التفاؤل بثمرة ـ وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما هي فوائد وثمرات التفاؤل ؟. فوائد وثمرات التفاؤل :

    الدكتور راتب :
    الحقيقة التفاؤل حينما يأتي بعده استجابة للدعاء يقوي الإيمان ، والتفاؤل يهب الإنسان طاعة سيد الأنام ، النبي علمنا التفاؤل ، والتفاؤل يجعلك إنساناً محبباً ، هناك إنسان أينما جلس يخوف الناس من الحروب ، صار هذا الإنسان مربوطاً بالشر ، صار وجوده ثقيلاً،هناك أشخاص سوداويون ، إذا جلس يعطيك الصورة القاتمة للمستقبل ، يعطيك ضعف الأمل بإنجاز ما نعاني منه ، المتفائل محبوب ، والمتفائل استجاب لقول النبي الكريم في محبته للتفاؤل ، والمتفائل ازداد إيمانه قوة ، والمتفائل ازداد مكانة عند الناس .
    الأستاذ أحمد :
    إذاً هل من فوائد الخُلق ـ خلق التفاؤل ـ أنه يجلب السعادة إلى النفس ، وإلى القلب ، وأنه يقوي من العزيمة ، ويحث النفس على العمل ؟.
    المؤمن يكافأ بالتفاؤل وغير المؤمن يعاقب بالتشاؤم :
    الدكتور راتب :
    الحقيقة التفاؤل سرّ السعادة ، مثلاً ، أضرب لك هذا المثل : إنسان سيسافر إلى بلد بمركبته وهو يعلم أن العجلة الاحتياطية ليست صالحة ، الآن يركب ويمشي ، يشعر في أثناء سيره بقلق شديد ، لأنه لو تعطلت إحدى العجلات توقف ، إذا هناك خوف ، أو تشاؤم ، أو سوداوية من هذه الرحلة ، لو أن ابنه أصلح له العجلة ولم يخبره معنى ذلك أنه شعر بأسباب القلق ، والخوف ، والتشاؤم ، وهي في الحقيقة الواقعية ليست موجودة معه ، عجلة احتياط صالحة ، حالة معاكسة ، لو أنه يظن أو يعتقد أن العجلة الاحتياط صالحة لكنها في الحقيقة معطوبة ، وسار إلى بلد بعيد ، وكان في راحة نفسية ، هو شعر بالأمن والتفاؤل مع أنه لا يملك أسباب التفاؤل .
    معنى ذلك أن الله قادر أن يخلق التشاؤم واليأس من دون أسباب مادية ، وأن يخلق الأمن والطمأنينة من دون أسباب مادية .
    إذاً المؤمن يكافأ بالتفاؤل ، وغير المؤمن مع أنه يملك أسباب القوة ، والأموال ، وكل شيء ، هو قلق ، لذلك يكون التفاؤل أحياناً مكافأة للمؤمن ، ويكون التشاؤم معاقبة للمسيء ، فقد تكون متفائلاً ولا تملك أسباب التفاؤل ، وقد تكون متشائماً ومعك أسباب التفاؤل .
    فالعبرة أن الله سبحانه وتعالى بيده قلوب العباد ، يقلبها كيف يشاء ، وفي الأعمّ الأغلب يجعل هذا القلب متفائلاً إذا كان منيباً لله عز وجل ، ويجعله أيضاً متشائماً إذا كان بعيداً عن الله عز وجل .
    خاتمة و توديع :
    الأستاذ أحمد :
    نشكركم أستاذي الكريم على هذه الإضاءات ، وهذه اللمحات التي ألمحتم فيها إلى هذا الخُلق ، إلى لقاء آخر أعزائي وأخواتي المشاهدات والمشاهدون ، نستودعكم الله على أمل اللقاء بكم .
    والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    والحمد لله رب العالمين

  • #2
    رد: التفائل بالخير ,, اساسه الايمان

    جزاكم الله عل الخير على الموضوع الطيب

    تعليق

    جاري التحميل ..
    X