تويت
أسطول عكا أول أسطول حربي إسلامي
إعداد: عبد الرؤوف القططي
في سنة 18هـ تعرضت سواحل المسلمين لغارات بيزنطية، ووجد والي الشام حينذاك معاوية بن أبي سفيان نفسه مقيداً في صد هجومهم، فكتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب t يصف له حال المسلمين، واستأذنه في غزو البحر، وقال له:
"إن قرية من قرى حمص ليسمع أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم".
وهكذا صوَّر معاوية للخليفة عمر قرب جزيرة قبرص من الساحل وبين له مدى خطر الروم. ويذهب المؤرخون إلى أن الخليفة عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص بمصر يسأله أن يصف له البحر، فكتب عمرو إليه: "يا أمير المؤمنين إني رأيت البحر خلقاً كبيراً يركبه خلق صغير، ليس له إلا الماء، إن ركد حزب القلوب، وإن زل أزاغ العقول، يزداد فيه اليقين قلة، والشك كثرة، هم فيه كدود على عود، إنه مال غرق، وإن نجا برق".
فلما وصله كتاب عمرو كتب إلى معاوية: "لا والذي بعث محمداً بالحق لا أحمل فيه مسلماً أبداً ... وتالله لمسلم واحد أحب إليه بما حوته الروم"، وأمره بترميم حصون ساحل الشام، وترتيب المجاهدين فيها، وإقامة الحرس على مناظرها واتخاذ المواقيد لها.
ويرى عدد من المؤرخين أن عمر رفض الاهتمام بالعمليات العسكرية الحربية لأنه تحقق من عدم دراية العرب بالمعارك البحرية إذا ما قورنوا بالفرس والروم، وسبق أن فشل المسلمون في غزوتين قبل ذلك مرة في سنة 17هـ حين غزا العلاء بن الحضرمي والي البحرين وعبر الخليج الفارسي برجاله دون إذن الخليفة وتقدم إلى اصطخر ولكن الفرس قطعوا عليه الطريق بينه وبين سفنه، ولم تستطع قواته العودة إلا بعد أن وصلتها النجدات الإسلامية من العراق، وقد عزله بعدها عمر عن البحرين. أما الغزوة الثانية فهي حين اضطر عمر بن الخطاب رضي الله عنـه سنة 20هـ إلى تجهيز حملة بحرية للإغارة على الحبشة لأنها أغارت على أطراف الدولة الإسلامية، غير أن هذه الحملة لم تفلح، ولهذا عزم عمر على أن لا يحمل المسلمين على خوض معارك لا يألفوها، بل حتى في اختيار عواصم الولايات الإسلامية تجنب عمر اتخاذ الإسكندرية عاصمة لمصر، فعندما عرض عمرو بن العاص عليه أن يتخذ الإسكندرية عاصمة للحكم الإسلامي في مصر قال له: "إني لا أحب أن تنزل بالمسلمين منزلاً يحول الماء بيني وبينهم في شتاء ولا صيف"، وكانت مياه الفيضان تعزل الإسكندرية عن بقية مدن الدلتا.
بناء أسطول تجاري:
من الظاهر أن رأي الفاروق عمر رضي الله عنـه كان مختلفاً بالنسبة للملاحة السلمية والتجارية، طالما أنها في أمان من غزو الأعداء، فقد أمر بإنشاء السفن عام الرمادة حتى يتسنى له إرسال القمح والمؤونة اللازمة إلى المدينة وكتب إلى عمرو بن العاص:
"سلام أما بعد، فلعمري يا عمرو ما تبالي إذا شبعت أنت ومن معك، إن أهلك أنا ومن معي، فيا غوثاه ثم يا غوثاه".
وقد لبى عمرو نداء الخليفة، ولكن يبدو أن إرسال الطعام بالقوافل استغرق وقتاً طويلاً، ولهذا فإن الفاروق أرسل إلى عمرو يقول له: "يا عمرو إن الله قد فتح على المسلمين مصر وهي كثيرة الخير والطعام، أن احفر خليجاً من نيلها حتى يسيل في البحر فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة".
ثم شرع عمرو في حفر الخليج الذي عرف بخليج أمير المؤمنين من النيل إلى القلزم (السويس) فلم يأتِ الحول حتى جرت فيها السفن.
محاولة الروم استعادة الاسكندرية:
في سنة 25هـ أرسل الإمبراطور البيزنطي (قسطانز الثاني بن هرقل) أسطولاً بحرياً مكوناً من 300 سفينة بقيادة (منويل الخصي)، وكان ذلك في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنـه، وأمير مصر عمر بن العاص، ونزل الروم الإسكندرية ووصلوا إلى الدلتا واستمرت المعارك بين الجيش الإسلامي والأسطول البيزنطي حتى استطاع عمرو بن العاص إلحاق الهزيمة بهم وقتل الجزء الأكبر من الحملة، وتمكن القليل أن يلحق بسفنه فراراً من الهلاك، ومن ثم هدم عمرو سور الإسكندرية حتى لا يعود إليها الروم مرة أخرى.
أول أسطول عسكري إسلامي:
كان ثغر عكا من أهم الثغور التي فتحها المسلمون أثناء فتحهم لبلاد الشام، وكان فيها دور لصناعة السفن منذ العهد البيزنطي، وقد اعتنى بها المسلمون حتى أصبحت أعظم مصانع السفن في تاريخ الإسلام البحري، بعد دور مصر، الأمر الذي حدا بأمير الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنـه إلى استخدامها لإنشاء الأسطول العربي الإسلامي الأول، وبعد إلحاح معاوية على الخليفة عثمان بن عفان أجابه بالموافقة على خيار الصحابة وطوعهم، فاختار الغزوة جماعة من الصحابة فيهم أبو ذر وأبو الدرداء وشداد بن أوس وعبادة بن الصامت وزوجه أم حرام بنت ملحان، والتي بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بغزو البحر. فعنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عندهم، فاستيقظ وهو يضحك، قال: قلت: يارسول الله، ما أضحكك؟ قال: رأيت قوماً ممن يركب ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرَّة. قالت: يا رسول الله، أدعُ الله أن يجعلني منهم، قال: فأنت منهم" [رواه أبو داود في سننه].
وكان في الشام نفر غير قليل من الروم الذين أسلموا سبق لهم أن مارسوا الملاحة وشئون البحر، وبلغوا فيها من الحذق والمهارة شأواً كبيراً فاستعان بهم في تسيير ذلك الأسطول، لاسيما أن جنده من عرب الجزيرة لم يكن لهم إلمام يذكر بركوب البحر والملاحة. انطلق الأسطول الإسلامي المكون من 17 ألف صارية لفتح قبرص في أول حملة بحرية ضخمة قام بها المسلمون، وأمَّر معاوية على الجيش عبد الله بن قيس الجاسي، وجاء عبد الله بن سعد بن أبي سرح من مصر فاجتمعوا على الغزو، واجتاح المسلمون الجزيرة بعد سقوط العاصمة (كونستنتيا)، وقد توفيت في تلك الأثناء الصحابية أم حرام ودفنت بالقرب من (لارنكا)، وبنى على قبرها أعظم مساجد الجزيرة احتراماً عند مسلمي قبرص، وهو مسجد "هالة سلطان تكة". لم يكتفِ معاوية بغزو قبرص بل سيَّر أسطوله بعد أن اكتملت عدته شمالاً لفتح القسطنطينية، وولى إمرته القائد بسر بن أرطأة واشترك معه الأسطول المصري بقيادة ابن أبي سرح، فالتقى الأسطول الإسلامي بالأسطول البيزنطي بقيادة قسطنطين الثاني بن هرقل على ساحل ليسيا جنوب غربي تركيا اليوم، واشتبكا في فينكس (فنكي اليوم) عام 34هـ / 654م، فانتصر أسطول المسلمين انتصاراً كبيراً في أول معركة بحرية عظيمة خاضها العرب، وذلك بأن ربطوا سفنهم إلى السفن البيزنطية واثبين على جنود الأسطول البيزنطي ومشتبكين معهم بالسلاح، ونظراً لتقارب صواري سفن الأسطولين العربي والبيزنطي عرفت هذه المعركة (بذات الصواري)، وغلبت فيها الدماء على سطح ماء البحر وطرحت الأمواج جثث القتلى.
المراجع:
-تاريخ ابن خلدون، بيروت، دار الفكر، ط3، 1996م ج2، ص575.
-مجلة صوت الإسلام، عدد 98، سنة 1379هـ.
-سنن أبي داود، حديث رقم 2490، كتاب الجهاد.
-دائرة المعارف الإسلامية، مركز الشارقة للإبداع الفكري، ط1، 1998م، ج26، ص8068.
-الموسوعة الفلسطينية، هيئة الموسوعة الفلسطينية، دمشق، 1984م، ج4، ص238.
إعداد: عبد الرؤوف القططي
في سنة 18هـ تعرضت سواحل المسلمين لغارات بيزنطية، ووجد والي الشام حينذاك معاوية بن أبي سفيان نفسه مقيداً في صد هجومهم، فكتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب t يصف له حال المسلمين، واستأذنه في غزو البحر، وقال له:
"إن قرية من قرى حمص ليسمع أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم".
وهكذا صوَّر معاوية للخليفة عمر قرب جزيرة قبرص من الساحل وبين له مدى خطر الروم. ويذهب المؤرخون إلى أن الخليفة عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص بمصر يسأله أن يصف له البحر، فكتب عمرو إليه: "يا أمير المؤمنين إني رأيت البحر خلقاً كبيراً يركبه خلق صغير، ليس له إلا الماء، إن ركد حزب القلوب، وإن زل أزاغ العقول، يزداد فيه اليقين قلة، والشك كثرة، هم فيه كدود على عود، إنه مال غرق، وإن نجا برق".
فلما وصله كتاب عمرو كتب إلى معاوية: "لا والذي بعث محمداً بالحق لا أحمل فيه مسلماً أبداً ... وتالله لمسلم واحد أحب إليه بما حوته الروم"، وأمره بترميم حصون ساحل الشام، وترتيب المجاهدين فيها، وإقامة الحرس على مناظرها واتخاذ المواقيد لها.
ويرى عدد من المؤرخين أن عمر رفض الاهتمام بالعمليات العسكرية الحربية لأنه تحقق من عدم دراية العرب بالمعارك البحرية إذا ما قورنوا بالفرس والروم، وسبق أن فشل المسلمون في غزوتين قبل ذلك مرة في سنة 17هـ حين غزا العلاء بن الحضرمي والي البحرين وعبر الخليج الفارسي برجاله دون إذن الخليفة وتقدم إلى اصطخر ولكن الفرس قطعوا عليه الطريق بينه وبين سفنه، ولم تستطع قواته العودة إلا بعد أن وصلتها النجدات الإسلامية من العراق، وقد عزله بعدها عمر عن البحرين. أما الغزوة الثانية فهي حين اضطر عمر بن الخطاب رضي الله عنـه سنة 20هـ إلى تجهيز حملة بحرية للإغارة على الحبشة لأنها أغارت على أطراف الدولة الإسلامية، غير أن هذه الحملة لم تفلح، ولهذا عزم عمر على أن لا يحمل المسلمين على خوض معارك لا يألفوها، بل حتى في اختيار عواصم الولايات الإسلامية تجنب عمر اتخاذ الإسكندرية عاصمة لمصر، فعندما عرض عمرو بن العاص عليه أن يتخذ الإسكندرية عاصمة للحكم الإسلامي في مصر قال له: "إني لا أحب أن تنزل بالمسلمين منزلاً يحول الماء بيني وبينهم في شتاء ولا صيف"، وكانت مياه الفيضان تعزل الإسكندرية عن بقية مدن الدلتا.
بناء أسطول تجاري:
من الظاهر أن رأي الفاروق عمر رضي الله عنـه كان مختلفاً بالنسبة للملاحة السلمية والتجارية، طالما أنها في أمان من غزو الأعداء، فقد أمر بإنشاء السفن عام الرمادة حتى يتسنى له إرسال القمح والمؤونة اللازمة إلى المدينة وكتب إلى عمرو بن العاص:
"سلام أما بعد، فلعمري يا عمرو ما تبالي إذا شبعت أنت ومن معك، إن أهلك أنا ومن معي، فيا غوثاه ثم يا غوثاه".
وقد لبى عمرو نداء الخليفة، ولكن يبدو أن إرسال الطعام بالقوافل استغرق وقتاً طويلاً، ولهذا فإن الفاروق أرسل إلى عمرو يقول له: "يا عمرو إن الله قد فتح على المسلمين مصر وهي كثيرة الخير والطعام، أن احفر خليجاً من نيلها حتى يسيل في البحر فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة".
ثم شرع عمرو في حفر الخليج الذي عرف بخليج أمير المؤمنين من النيل إلى القلزم (السويس) فلم يأتِ الحول حتى جرت فيها السفن.
محاولة الروم استعادة الاسكندرية:
في سنة 25هـ أرسل الإمبراطور البيزنطي (قسطانز الثاني بن هرقل) أسطولاً بحرياً مكوناً من 300 سفينة بقيادة (منويل الخصي)، وكان ذلك في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنـه، وأمير مصر عمر بن العاص، ونزل الروم الإسكندرية ووصلوا إلى الدلتا واستمرت المعارك بين الجيش الإسلامي والأسطول البيزنطي حتى استطاع عمرو بن العاص إلحاق الهزيمة بهم وقتل الجزء الأكبر من الحملة، وتمكن القليل أن يلحق بسفنه فراراً من الهلاك، ومن ثم هدم عمرو سور الإسكندرية حتى لا يعود إليها الروم مرة أخرى.
أول أسطول عسكري إسلامي:
كان ثغر عكا من أهم الثغور التي فتحها المسلمون أثناء فتحهم لبلاد الشام، وكان فيها دور لصناعة السفن منذ العهد البيزنطي، وقد اعتنى بها المسلمون حتى أصبحت أعظم مصانع السفن في تاريخ الإسلام البحري، بعد دور مصر، الأمر الذي حدا بأمير الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنـه إلى استخدامها لإنشاء الأسطول العربي الإسلامي الأول، وبعد إلحاح معاوية على الخليفة عثمان بن عفان أجابه بالموافقة على خيار الصحابة وطوعهم، فاختار الغزوة جماعة من الصحابة فيهم أبو ذر وأبو الدرداء وشداد بن أوس وعبادة بن الصامت وزوجه أم حرام بنت ملحان، والتي بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بغزو البحر. فعنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عندهم، فاستيقظ وهو يضحك، قال: قلت: يارسول الله، ما أضحكك؟ قال: رأيت قوماً ممن يركب ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرَّة. قالت: يا رسول الله، أدعُ الله أن يجعلني منهم، قال: فأنت منهم" [رواه أبو داود في سننه].
وكان في الشام نفر غير قليل من الروم الذين أسلموا سبق لهم أن مارسوا الملاحة وشئون البحر، وبلغوا فيها من الحذق والمهارة شأواً كبيراً فاستعان بهم في تسيير ذلك الأسطول، لاسيما أن جنده من عرب الجزيرة لم يكن لهم إلمام يذكر بركوب البحر والملاحة. انطلق الأسطول الإسلامي المكون من 17 ألف صارية لفتح قبرص في أول حملة بحرية ضخمة قام بها المسلمون، وأمَّر معاوية على الجيش عبد الله بن قيس الجاسي، وجاء عبد الله بن سعد بن أبي سرح من مصر فاجتمعوا على الغزو، واجتاح المسلمون الجزيرة بعد سقوط العاصمة (كونستنتيا)، وقد توفيت في تلك الأثناء الصحابية أم حرام ودفنت بالقرب من (لارنكا)، وبنى على قبرها أعظم مساجد الجزيرة احتراماً عند مسلمي قبرص، وهو مسجد "هالة سلطان تكة". لم يكتفِ معاوية بغزو قبرص بل سيَّر أسطوله بعد أن اكتملت عدته شمالاً لفتح القسطنطينية، وولى إمرته القائد بسر بن أرطأة واشترك معه الأسطول المصري بقيادة ابن أبي سرح، فالتقى الأسطول الإسلامي بالأسطول البيزنطي بقيادة قسطنطين الثاني بن هرقل على ساحل ليسيا جنوب غربي تركيا اليوم، واشتبكا في فينكس (فنكي اليوم) عام 34هـ / 654م، فانتصر أسطول المسلمين انتصاراً كبيراً في أول معركة بحرية عظيمة خاضها العرب، وذلك بأن ربطوا سفنهم إلى السفن البيزنطية واثبين على جنود الأسطول البيزنطي ومشتبكين معهم بالسلاح، ونظراً لتقارب صواري سفن الأسطولين العربي والبيزنطي عرفت هذه المعركة (بذات الصواري)، وغلبت فيها الدماء على سطح ماء البحر وطرحت الأمواج جثث القتلى.
المراجع:
-تاريخ ابن خلدون، بيروت، دار الفكر، ط3، 1996م ج2، ص575.
-مجلة صوت الإسلام، عدد 98، سنة 1379هـ.
-سنن أبي داود، حديث رقم 2490، كتاب الجهاد.
-دائرة المعارف الإسلامية، مركز الشارقة للإبداع الفكري، ط1، 1998م، ج26، ص8068.
-الموسوعة الفلسطينية، هيئة الموسوعة الفلسطينية، دمشق، 1984م، ج4، ص238.
تعليق