السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم في شبكة فلسطين للحوار ...
في حال كانت زيارتكم الأولى ننصح زيارة قسم المساعدة للتعرف على شروط الانتساب في شبكة فلسطين للحوار.
أما في حال رغبتكم المشاركة، فينبغي عليك الانتساب أولًا.
د. عبد الرحمن البر: البيعة والمبايعة: عبارة عن المُعَاقَدة والمُعَاهدة بين طرفين على أمرٍ ما، كأنَّ كلَّ واحد منهما باع ما عِنده من صاحبه، وأعطاه خالِصَةَ نفسِه وطاعتَه في الموضوع محل المبايعة، والبيعة تنقسم قسمين: بيعة عامة، وبيعة خاصة. فالبيعة العامة: هي بيعة المواطنين للحاكم أو الرئيس، إذ لا بد للأمة من حاكم يقيم الدين، وينتصف للمظلومين، ويستوفي الحقوق، ويقيم العدل، ويفصل بين السلطات، وبيعة هذا الرئيس وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أخرجه مسلم: "مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً"، ومن صور هذه البيعة الانتخابات، فمن حاز على ثقة أغلبية الشعب في انتخابات حرة نزيهة فقد انعقدت له البيعة من جميع المواطنين حتى الذين لم يعطوه أصواتهم، وتقتضي هذه البيعة دُخُولَ المواطنين جميعًا تَحْتَ طَاعَةِ الحاكم في غير معصية الله، وَعليهم أن يَسْمَعوا وَيُطِيعوا لَهُ فِي السِّرِّ والعلانية، وَلاَ يَعْتَقِدوا خِلَافًا لِذَلِكَ، فَإِنْ أَضْمَرَ أحد المواطنين خيانة هذه البيعة والخروج عليها بالسلاح فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةً. وإذاً فهذه البيعة العامة للحاكم لا يجوز أن تُعطى لاثنين شرعًا، وهي ليست البيعة التي يبايع عليها الإخوان قيادتهم على الإطلاق، وليس المرشد العام في نظر الإخوان حاكمًا، ولا منازعًا للحاكم القائم على الإطلاق. القسم الثاني: هو البيعة الخاصة، وهي بيعة على أمرٍ خاص غير الحكم، كالبيعة على التعاون في نشر الدين ونصرة القيم والأخلاق والعمل لإعزاز الدين وغير ذلك، وهذه يمكن أن تكون بين الحاكم وبعض رعيته ولا يلزم أن تكون عامة لجميع المواطنين، كما يمكن أن تكون بين أي مجموعة من الناس، وهذه البيعة يجب أن يلتزم بها مَن بايع عليها، فقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾، ويكون الالتزام أوجب إذا تعاهد أطراف هذه البيعة على الالتزام بفريضة الشورى فيما بينهم، كما هو الحال في جماعة الإخوان المسلمين. أما مَن لم يبايع هذه البيعة الخاصة فليس ملتزمًا بالوفاء بها. فمما بايع عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعض الناس بيعةً خاصةً: ما أخرجه مسلم عن جَرِير بْن عَبْدِ اللَّهِ قال: "بَايَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ"، ومن ذلك ما بايع عليه النساء بعدم النوح، فقد أخرج الشيخان عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: "أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ"، ومن لطائف روايات هذا الحديث: أن إحدى النساء امتنعت من هذه البيعة حتى تُجامل امرأةً في النياحة على ميتها، ثم جاءت فبايعت، فقد أخرج البخاري عن أم عَطِيَّةَ، قَالَتْ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَأَ عَلَيْنَا ﴿أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا﴾ وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ يَدَهَا، فَقَالَتْ: أَسْعَدَتْنِي فُلاَنَةُ أُرِيدُ أَنْ أَجْزيهَا (يعني ناحت على ميتٍ لي وأريد أن أفعل ذلك معها)، فَمَا قَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، فَانْطَلَقَتْ وَرَجَعَتْ فَبَايَعَهَا. وهذه البيعة يمكن أن تُسمَّى عهدًا أو عقدًا أو اتفاقًا أو نحو ذلك، وليست معارضة على الإطلاق للبيعة العامة التي يعطيها المواطنون للحاكم، وفي السيرة للفزاري: قال أبو إسحاق الفزاري: قلت للأوزاعي: لو أن إمامنا أتاه عدو كثير فخاف على مَن معه فقال لأصحابه: تعالوا نتبايع على ألا نفر، فبايعوا على ذلك؟. قال: ما أحسن هذا. قلت: فلو أن قومًا فعلوا ذلك بينهم دون الإمام؟ قال: لو فعلوا ذلك بينهم شبه العقد في غير بيعة.
تعليق