إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أسئلة الإمتحان التي وزعت وكشفت

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أسئلة الإمتحان التي وزعت وكشفت

    إن حديثنا اليوم هو عن أستاذ وزّع الأسئلة على تلاميذه، وأخبرهم أن هذه الأسئلة سوف تأتيهم في الاختبار، وهي سبعة أسئلة، ثلاثة في الفترة الأولى، وأربعة في الفترة الثانية، وأقسم لهم بالله أن هذه هي الأسئلة، ولن يحصل فيها تغيير أو تبديل، ولأنه أخبرهم قبل الاختبار بفترة طويلة انقسم الطلاب والتلاميذ إلى قسمين: القسم الأول كذبوه، والقسم الثاني صدقوه، ولكنهم أيضًا انقسموا إلى قسمين، قسم حفظوها وطبقوها فنجحوا في الفترة الأولى وهم ينتظرون الفترة الثانية، وقسم قالوا: إذا قرب الامتحان حفظناها وطبقناها.
    أيها الأحبة، سوف أذكر اسم هذا الأستاذ، وما هي أسئلته لعلّه يعتبر بها معتبر، وكيف لا أذكر اسمه وقد أعلن اسمه على الملأ، بل إني أجزم أنكم كلّكم تعرفونه، إنه الأستاذ الكبير والمعلم الجليل محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي ، وزّع الأسئلة وما أخذ عليها أجرًا، قال الله تعالى حاكيًا عنه: قُلْ لا أسْألُكُمْ عليْهِ أجْرًا [الشورى:23]. وزع الأسئلة وما كان توزيعه خيانة، حاشاه عليه الصلاة والسلام، بل كان توزيعه عين الأمانة، قال جل جلاله: يا أيُّها الرّسُولُ بلِّغْ ما أُنزِل إِليْك مِنْ ربِّك [المائدة:76]. أما أسئلته التي وزعها فإن النجاح فيها هو كلّ النجاح، والفوز فيها هو كل الفوز والله، قال الله تعالى: ومنْ يُطِعْ اللّه ورسُولهُ فقدْ فاز فوْزًا عظِيمًا [الأحزاب:71]، وقال تعالى: فمنْ زُحْزِح عنْ النّارِ وأُدْخِل الْجنّة فقدْ فاز [آل عمران:185]، وقال عن الذين دخلوا الجنة: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الصافات:60].
    أما أسئلته عليه الصلاة والسلام فهي سبعة، ثلاثة في القبر، فكما يدخل الطالب قاعة الامتحان وحده فلا يدخل معه أبوه ولا أمه ولا زوجته ولا ابنه، ولا ينفعه في الإجابة المال ولو كان جيبه قد ملئ منه، كذلك غدًا سيدخل كلّ واحد منا قاعة الامتحان الرهيب، تلك القاعة المظلمة إلا على من نوّرها الله عليه، تلك القاعة المنتنة التي تفسّخت وذابت فيها جثث موتى من قبلنا وجئنا على بقاياهم، تلك القاعة الموحشة، القبر سيدخله كلّ واحد منّا وحده، يضعه أولاده وأحبابه فيه، وما يلبثون أن ينفضوا أيديهم وثيابهم من التراب الذي علق بها من دفنه، مستقذرين له، ولن يدخل معك هناك إلا عملك، كما أن الطالب لا يدخل معه إلا معلوماته التي ذاكرها. أخرج البخاري عن أنس بن مالِكٍ قال: قال رسُولُ اللّهِ : ((يتْبعُ الْميِّت ثلاثةٌ، فيرْجِعُ اثْنانِ ويبْقى معهُ واحِدٌ، يتْبعُهُ أهْلُهُ ومالُهُ وعملُهُ، فيرْجِعُ أهْلُهُ ومالُهُ، ويبْقى عملُهُ)). وأربعة يوم القدوم على الحيّ القيوم.
    أما التي في القبر فهي: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ أما التي في الآخرة فهي كما صح عنه عليه الصلاة والسلام من قوله: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟)).
    أما التي في القبر فإن كان العبد مؤمنًا صالحًا تقيًا مصليًا مزكيًا صائمًا صابرًا فإنه إذا قيل له: من ربك؟ فإنه يقول بلسانه: ربي الله، أما لسان حاله فيقول: ربي الله العظيم الحليم الكريم الذي أنعم علي بنعمة الإسلام والإيمان والقرآن الذي حفظني من الشرك والضلال والانحلال، الذي وفقني للخير والهداية وجنبني الشر والغواية، الذي هداني يوم ضل كثير من خلقه، الذي منّ علي وتفضل، ولولاه جل وعلا لكنت ضالاً شقيًا فقد قال: ولوْلا فضْلُ اللّهِ عليْكُمْ ورحْمتُهُ ما زكا مِنْكُمْ مِنْ أحدٍ أبدًا ولكِنّ اللّه يُزكِّي منْ يشاءُ [النور:21]، وقال تعالى: ولوْلا فضْلُ اللّهِ عليْكُمْ ورحْمتُهُ لاتّبعْتُمْ الشّيْطان إِلاّ قلِيلاً [النساء:83]، وقال تعالى: وما بِكُمْ مِنْ نِعْمةٍ فمِنْ اللّهِ [النحل:53]، ربي الله الذي طالما تلذذت في الدنيا بمناجاته، ربي الله الذي أحببته حبًا لا يعلم مداه إلا هو، ربي الله الذي حبست نفسي عن شهواتها وغيّها ابتغاء مرضاته، ربي الله الذي عبدته يوم عبد الناس أموالهم وشهواتهم، ربي الله الذي سجدت له يوم سجد الكفار لأصنامهم وأوثانهم، وجئته اليوم وأنا أفقر ما أكون إليه، راجيًا رحمته، طالبًا مغفرته، وهو الحليم العليم الحكيم الكريم، الذي لا يردّ من دعاه، ولا يخيب من سأله، ثم ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، من نبيك؟ نبيي محمد.
    أما تلك الأسئلة الأربعة فهي أسئلة عظيمة رهيبة، سوف تسأل عنها بين يدي الله الواحد القهار، عن عمرك فيم أفنيته؟ وعن شبابك فيم أبليته؟ وعن علمك ماذا عملت به؟ وعن مالك من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟ هذه أسئلة مكشوفة واضحة أمام الجميع، ولكن السعيد من يوفق للإجابة، والتعيس من خسر الآخرة.
    معاشر الإخوة، نعيش في هذه الأيام الامتحانات كما يقال، في هذه الأيام يتهيّأ الآلاف من الأبناء والبنات لدخول اختباراتهم الدراسية بعد شهور من العمل والجد والاجتهاد، فتجدون الكل ينشطون بأنواع النشاط والاستعداد، فالاختبار فيه شيء من الرهبة، وهو يحدد مصير صاحبه، فتغمره الفرحة بالنجاح، ويسودّ وجهه أو يعلوه الاكتئاب بالفشل والرسوب إن كان عنده كسل أو تقصير.
    قد أعلِنت حالة الطوارئ في البيوت استعدادًا وتجهيزًا وترتيبًا، وهذا أمر لا لومَ فيه ولا عتب، بل هو مما يحمد الناس عليه، خاصة إذا صلحت فيه النية طلبًا للعلم تعلمًا وتعليمًا، لكن ـ عباد الله ـ لا بد أن يذكرنا هذا بالاستعداد للامتحان الأعظم والاختبار الأجل في يوم يقوم الناس فيه لرب العالمين، يوم تذهل فيه المرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، يوم يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، يوم يتذكر فيه الإنسان ما سعى وبرّزت الجحيم لمن يرى، يوم مقداره خمسون ألف سنة، يقف الناس فيه على أقدامهم حفاة عراة غرلاً، تقطّعت فيه الأنساب، وانتهت فيه الأحساب، أذلاّء بين يدي ربّ الأرباب، إنه يوم الدين، وما أدراك ما يوم الدين؟! يوم لا تملك نفس لنفس شيئًا والأمر يومئذ لله، قال مخبرًا عن ذلك اليوم العظيم: ((أنا سيّد الناس يوم القيامة، هل تدرون مم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟! ألا ترون ما قد بلغكم؟! ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟! فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم، فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى الأرض، وسماك الله عبدًا شكورًا، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! فيقول لهم نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم، فيقولون: يا إبراهيم، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا عند إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! فيقول لهم إبراهيم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات، فذكرها، نفسي نفسي، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله، فضّلك الله برسالاته وبتكليمه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسًا لم أمر بقتله، نفسي نفسي، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله وكلّمت الناس في المهد، وكلِمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! فيقول لهم عيسى: إنّ ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبًا، نفسي نفسي، اذهبوا إلى محمد ، فيأتون فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟! ألا ترى ما قد بلغنا؟! فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربي، ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه لأحد قبلي، ثم قال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: يا محمد، أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال: والذي نفس محمد يده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى)) رواه مسلم.
    أيها الإخوة المؤمنون، إن امتحان الدنيا أهون والله من امتحان الآخرة، وشتان ما بين الامتحانين، ولكن المؤمن الصادق يذكره هذا الامتحان بذاك الامتحان.
    عبد الله، إن امتحان الدنيا يسعك فيه التعويض، فإن نجحت في الفصل الأول وإلا عوضت في الفصل الثاني، وإن لم يكن ففي الدور الثاني، وإن لم يكن ففي السنة التي بعدها، وإن لم يكن تركت الدراسة وبحثت لك عن وظيفة، وما خسرتَ إلا الشهادة، ولكن يوم القيامة الخسارة أعظم وأجل، إنها خسارة النفس. يخسر الإنسان شهادته، وظيفته، يخسر سيارته، يخسر تجارته، يخسر بيته وعمارته ومزرعته، كل ذلك يهون، لكن المصيبة كل المصيبة أن يخسر الإنسان نفسه، يأتي يوم القيامة يريد أن يدخل الجنة مع المؤمنين فيقال له: أنت حطب من حطب جهنم، قال الله تعالى: اقْترب لِلنّاسِ حِسابُهُمْ وهُمْ فِي غفْلةٍ مُعْرِضُون [الأنبياء:1].
    عباد الله، كلنا في امتحان، فبين راسب وناجح، والمادة هي "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، بين عامل بمقتضاها قائم بأركانها وشروطها وواجباتها، قالها موقنا محبًا منقادًا مستسلمًا، صدّقها قلبه، وعملت جوارحه بها، فهو الناجح، وأي نجاح؟! وآخر قالها بلسانه وما صدقها بالعمل، فهو الراسب المنافق، وآخر لم ينطقها، فإلى جهنم وبئس القرار.
    أيها الآباء، وأنتم تعدون أبناءكم للامتحان اتقوا الله فيهم، اعلموا وعلّموهم أن سلعة الله أغلى وأعلى، علِّموهم أن الامتحان والنجاح بقصْر النفس على ما يرضِي الله، علموهم أن السعادة في تقوى الله، واعلموا أنتم أنه لن ينصرف أحد من الموقف وله عند أحد مظْلمة، يفرح ابنك أن يجد عندك مظلمة، تفرح زوجتك أن تجد عندك مظلمة، يأتي ابنك يقف يحاجّك بين يدي الله قائلا: يا رب، سل أبي لِم ضيعني عن العمل لما يرضيك، ورباني كالبهيمة، ما يكون جوابك أيها الأب الحنون؟! أعِدّ للسؤالِ جوابًا.
    اللهم إنّا نسألك أن تجعلنا من الفائزين الناجين يوم القُدُوم عليك يا أكرم الأكرمين،
جاري التحميل ..
X