-سيد-قطب-الأردنّ
عندما يغدو موت أحدهم صدقة جاريّة لإتقان الحياة، تُدرِكُ كيف أنّ الموت لا يمكنه أنْ يخترق أكثر من الرداء الخارجي المسمّى الجسد، وبينما تشيعُ صناعة الظلام ويصبح السُبات حرفة، قليلٌ من قليل الذين يشترون النّهارَ بأرواحهم ليزرعوا الزنبقَ في ضميرنا ومِنْ ثَمَّ يرحلون، يوقظون الليلَ بوميض دمائهم يلملمون شتات الحريّة لتستوطن في العدالة، منهم أستاذ جامعيّ شاب لم تمنعه قبضة الطاغوتية الناصريّة وقت إعدام سيّد قطب من إرسال برقية إلى جمال عبدالناصر يستنكرُ فيها فعلهم و يُنذرَهم باستمرار ركب الدعوة الإسلاميّة، والتي وقّعها باسمه صراحةً (عبدالله عزّام ). العالم الفقيه المؤمن بأنّ مفسدة الظالم وقهره في اغتصاب حقّ الشعب أعظم من تبعات مقاومته، وأنّ رفع الظلم مصلحة عُظمى لا يمكن التغاضي عنها أو تأجيلها أو الاستعاضة عنها، فيقول:» هنالك مصالح عامّة ومقاصد كبرى جاء الدينُ لإقرارها في الأرض وعلى رأسها رفع الظلم وإقرار العدل.. رفع الظلم جزء من مهمتنا في هذه الحياة ما دمنا قادرين».
سيّد قطب والأردنّ أكثر من مُجرد عنواني ذاكرة عند د.عبدالله عزّام، فلم يكن الأردنّ في وعيّه محطة عابرة أو جسر انتقال ما بين فلسطين وأفغانستان، بل كان أحد دعائم مهد نهجه الإصلاحيّ الإسلاميّ، فها هو يشرف على عملية جهاديّة في قواعد الشيوخ شمال الأردنّ ضد العدو الصهيونيّ تحمل اسم (عملية سيّد قطب) في عام 1970 من بين عمليات عدّة قادها وأشرف عليها، وبعد توقّف العمل الجهاديّ في قواعد الشيوخ عمل د.عزّام مُدرساً في كلية الشريعة في عمّان، وكان دائم التردد على مراكز تحفيظ القرآن الأردنية لحثّ الشباب على الانخراط في مسار الدعوة، خاصّة بعد أن عمل مسؤولاً لقسم الإعلام في وزارة الأوقاف الأردنية حيث صبّ اهتمامه في بوتقة المساجد وتفعيل دور الخطباء، ويؤكد د.همام سعيد بأنّ د.عبدالله عزام كان في الأردنّ: «يمارس جميع النشاطات في الجماعة..، ولقد كان الشيخ عبد الله شعلة من العمل والنشاط في صفوف الجماعة.»، وهذا إنّما يعكس حقيقة دور د.عبدالله عزّام الذي تبنّاه إذ لم يحصر بغيته في قيادة عسكريّة بل حملَ مشروعاً نهضويّاً رساليّاً، لإدراكه بقوة الفكرة إنْ غمرت العقل وعمرت العاطفة، ومنه قوله:»لقد وجدت أنّ العلماء المخلصين وأبناء الدعوة الصادقين هم صمّام أمان لدماء النّاس، وأعراضهم ومبادئهم وأموالهم».
في عام 1973 عُيّن د.عبدالله عزام أستاذاً في كلية الشريعة في الجامعة الأردنيّة، لتشهد تلك القاعات التدريسيّة بزوغ ثقافة دعويّة وسياسية جديدة، يزدحم في مدرجاتها الطلبة من داخل وخارج الجامعة، ينشدون عبارات الحقّ والحريّة والدفاع عن الإسلام، بأسلوب آسر يجذب المُستمع إليه طوعاً فثمة شيء من رونقٍ ذهبيّ ساحر في حماسة صوت د.عزّام يَصْعُبُ على السامع تمريره دون التبحّر في عباراته، كما تمتّع الدكتور بحضورٍ مؤثر في مَنْ حوله فيصفه الشاعر د.عبد الرحمن بارود : « ذو طلعة يوسفيّة، وعزمة عمريّة، وحسام خالديّ.»، فعزّام في فترة إعداده للدكتوراة في الأزهر كان يتردد على آل قطب يستقي منهم سيرة سيّد حتى عاد إلى الأردنّ بثارة قطبيّة، ومن شدّة تأثره بسيّد في محاضراته لقبّه الشباب «سيّد قطب الأردنّ»، ويصفه تلميذه وصهره عبدالله أنس:» لا أكون مبالغاً إذا قلت إنّي لم أرَ رجلاً اجتمعت فيه صفات ومؤهلات كالتي اجتمعت في الشيخ عبدالله عزام، وهي صفات ومؤهلات يكفي وجود واحدة منها في الشخص كي يكون متميزاً بين أقرانه.»، وفي عام 1980 صدر قرار فصل د.عزّام من الجامعة الأردنية إثرَ طلبه من مدير صحيفة أردنيّة الاعتذار عن كاريكاتير نشرته صحيفته يصوّر علماء الدين كعملاء ل(CIA)، وعندما نُصح د.عزّام بالاعتذار رفض قائلاً:»والله لو جاء وأعتذر لي ما قبلت اعتذاره.»، ولا يمكن إلّا أن تتوقع هكذا موقف من رجل طالما تغنّى بموقف سيّد قطب الرافض للاعتذار للطاغية، فها هو يُطّبق ما تشرّبه حُبّاً وعلماً.
ومضى رحمه الله مُسافراً يحيي في الأمّة شرارة نبضها الخافق، يقول الشيخ راشد الغنوشي عنه هو الشاب القويّ الذي يَصْدُقُ فيه بحقّ صفات مِنْ طالوت « إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ «.). وفي هذه الأيام بعد مرور 24 عاماً على رحيلكم مُعلمنا، لو ترى طلبة الحريّة جالسين في محاضراتكم يستوعبون درسكم جيّداً، يوجد في التاريخ دوماً مُتسع لسيّد قطب آخر، ولجيش طالوت آخر.
عندما يغدو موت أحدهم صدقة جاريّة لإتقان الحياة، تُدرِكُ كيف أنّ الموت لا يمكنه أنْ يخترق أكثر من الرداء الخارجي المسمّى الجسد، وبينما تشيعُ صناعة الظلام ويصبح السُبات حرفة، قليلٌ من قليل الذين يشترون النّهارَ بأرواحهم ليزرعوا الزنبقَ في ضميرنا ومِنْ ثَمَّ يرحلون، يوقظون الليلَ بوميض دمائهم يلملمون شتات الحريّة لتستوطن في العدالة، منهم أستاذ جامعيّ شاب لم تمنعه قبضة الطاغوتية الناصريّة وقت إعدام سيّد قطب من إرسال برقية إلى جمال عبدالناصر يستنكرُ فيها فعلهم و يُنذرَهم باستمرار ركب الدعوة الإسلاميّة، والتي وقّعها باسمه صراحةً (عبدالله عزّام ). العالم الفقيه المؤمن بأنّ مفسدة الظالم وقهره في اغتصاب حقّ الشعب أعظم من تبعات مقاومته، وأنّ رفع الظلم مصلحة عُظمى لا يمكن التغاضي عنها أو تأجيلها أو الاستعاضة عنها، فيقول:» هنالك مصالح عامّة ومقاصد كبرى جاء الدينُ لإقرارها في الأرض وعلى رأسها رفع الظلم وإقرار العدل.. رفع الظلم جزء من مهمتنا في هذه الحياة ما دمنا قادرين».
سيّد قطب والأردنّ أكثر من مُجرد عنواني ذاكرة عند د.عبدالله عزّام، فلم يكن الأردنّ في وعيّه محطة عابرة أو جسر انتقال ما بين فلسطين وأفغانستان، بل كان أحد دعائم مهد نهجه الإصلاحيّ الإسلاميّ، فها هو يشرف على عملية جهاديّة في قواعد الشيوخ شمال الأردنّ ضد العدو الصهيونيّ تحمل اسم (عملية سيّد قطب) في عام 1970 من بين عمليات عدّة قادها وأشرف عليها، وبعد توقّف العمل الجهاديّ في قواعد الشيوخ عمل د.عزّام مُدرساً في كلية الشريعة في عمّان، وكان دائم التردد على مراكز تحفيظ القرآن الأردنية لحثّ الشباب على الانخراط في مسار الدعوة، خاصّة بعد أن عمل مسؤولاً لقسم الإعلام في وزارة الأوقاف الأردنية حيث صبّ اهتمامه في بوتقة المساجد وتفعيل دور الخطباء، ويؤكد د.همام سعيد بأنّ د.عبدالله عزام كان في الأردنّ: «يمارس جميع النشاطات في الجماعة..، ولقد كان الشيخ عبد الله شعلة من العمل والنشاط في صفوف الجماعة.»، وهذا إنّما يعكس حقيقة دور د.عبدالله عزّام الذي تبنّاه إذ لم يحصر بغيته في قيادة عسكريّة بل حملَ مشروعاً نهضويّاً رساليّاً، لإدراكه بقوة الفكرة إنْ غمرت العقل وعمرت العاطفة، ومنه قوله:»لقد وجدت أنّ العلماء المخلصين وأبناء الدعوة الصادقين هم صمّام أمان لدماء النّاس، وأعراضهم ومبادئهم وأموالهم».
في عام 1973 عُيّن د.عبدالله عزام أستاذاً في كلية الشريعة في الجامعة الأردنيّة، لتشهد تلك القاعات التدريسيّة بزوغ ثقافة دعويّة وسياسية جديدة، يزدحم في مدرجاتها الطلبة من داخل وخارج الجامعة، ينشدون عبارات الحقّ والحريّة والدفاع عن الإسلام، بأسلوب آسر يجذب المُستمع إليه طوعاً فثمة شيء من رونقٍ ذهبيّ ساحر في حماسة صوت د.عزّام يَصْعُبُ على السامع تمريره دون التبحّر في عباراته، كما تمتّع الدكتور بحضورٍ مؤثر في مَنْ حوله فيصفه الشاعر د.عبد الرحمن بارود : « ذو طلعة يوسفيّة، وعزمة عمريّة، وحسام خالديّ.»، فعزّام في فترة إعداده للدكتوراة في الأزهر كان يتردد على آل قطب يستقي منهم سيرة سيّد حتى عاد إلى الأردنّ بثارة قطبيّة، ومن شدّة تأثره بسيّد في محاضراته لقبّه الشباب «سيّد قطب الأردنّ»، ويصفه تلميذه وصهره عبدالله أنس:» لا أكون مبالغاً إذا قلت إنّي لم أرَ رجلاً اجتمعت فيه صفات ومؤهلات كالتي اجتمعت في الشيخ عبدالله عزام، وهي صفات ومؤهلات يكفي وجود واحدة منها في الشخص كي يكون متميزاً بين أقرانه.»، وفي عام 1980 صدر قرار فصل د.عزّام من الجامعة الأردنية إثرَ طلبه من مدير صحيفة أردنيّة الاعتذار عن كاريكاتير نشرته صحيفته يصوّر علماء الدين كعملاء ل(CIA)، وعندما نُصح د.عزّام بالاعتذار رفض قائلاً:»والله لو جاء وأعتذر لي ما قبلت اعتذاره.»، ولا يمكن إلّا أن تتوقع هكذا موقف من رجل طالما تغنّى بموقف سيّد قطب الرافض للاعتذار للطاغية، فها هو يُطّبق ما تشرّبه حُبّاً وعلماً.
ومضى رحمه الله مُسافراً يحيي في الأمّة شرارة نبضها الخافق، يقول الشيخ راشد الغنوشي عنه هو الشاب القويّ الذي يَصْدُقُ فيه بحقّ صفات مِنْ طالوت « إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ «.). وفي هذه الأيام بعد مرور 24 عاماً على رحيلكم مُعلمنا، لو ترى طلبة الحريّة جالسين في محاضراتكم يستوعبون درسكم جيّداً، يوجد في التاريخ دوماً مُتسع لسيّد قطب آخر، ولجيش طالوت آخر.
تعليق