ما قصة حاطب رضي الله عنه ؟
وهل فيها خلاف بين العلماء بين من يكفر من عمل عمله ولكن هو من أهل بدر فغفر له النبي صلى الله عليه وسلم وبين من يجعل فعله ذنب لأنه لو كفر لأقام عليه النبي "الحد" ويرد على من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"ما أدراك يا عمر لعلى الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم لقد غفرت لكم" لأن النبي أقامة على "مسطح رضى الله عنه"الحد" وهو من أهل بدر ؟
فى كتاب للشيخ ابن جبرين رحمه الله المسمى"العقيدة الإسلامية" شرح الشيخ مصطفى العدوي ويقول الشيخ ابن جبرين أيضا أنه (من تجسس للكفار من أجل مال أو دنيا لا يكفر حتى يحبهم؟ أو من كان يعيش فى دولة كافرة وحارب معهم المسلمين " أجباري" كالحاصل على الجنسية لدولة كافرة محاربة وأجبروه على القتال معهم لا يكفر الا اذا أحبهم؟ وما معنى أجباري= عند الشيخ ابن جبرين..... هل هو الأكراه؟ وإذا كان كلمة "أجباري معناها أكراه؟ وهل للأكراه شروط؟ فأنا التجنيد فى الجيوش العربية يقولوا أجباري؟ فأذا لم يأتي الى الجيش ليقضى سنوات الجيش يصبح مطارد ويمنع من الحصول على جواز سفر ويصبح مطلوب ولا يخفى عليكم لا يقدر على السفر لجلب المال للمتطلبات المعيشية فهل هذا عذر للمجند أجباري؟
السائل: أبوحمزةالأنصاري
المجيب: اللجنة الشرعية في المنبر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين ,
وبعد :
اخي الكريم هذه أجوبة على ما تفضلت به من أسئلة :
س1 :
ما قصة حاطب رضي الله عنه ؟
وهل فيها خلاف بين العلماء بين من يكفر من عمل عمله وبين من يجعل فعله ذنبا ؟
ج1 :
اختلف الناس في قصة حاطب وتفسيرها وقد بينت هذا الأمر في إجابة بعنوان :
الرد على بحث مناط الكفر بموالاة الكفار لعبد الله القرني , رقم السؤال: 4142.
ومما قلت فيها :
(بالنسبة لقصة حاطب فإنه يصدق عليها قول أهل العلم : وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال .
وهي القاعدة التي أشار إليها الشيخ سيدي عبد الله في المراقي بقوله :
قيام الاحتمال في الأفعال ....قل مجمل مسقط الاستدلال .
وقصة حاطب هذه كل فريق يفسرها باحتمال يوافق مذهبه فلا يمكن أن تكون بيانا لأنها مجملة .
فكيف نترك الاستدلال بالآيات القرآنية البينة ونستدل بقصة يتطرق إليها أكثر من احتمال .
إن العدول عن المحكم واتباع المتشابه سبب من أسباب الانحراف .
ثالثا :
الآيات القرآنية صرحت بأن مولاة الكفار كفر..
فلماذا لم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا ؟
هناك قولان في المسألة :
القول الأول قال أصحابه: لم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا لأن ما فعله لم يكن مولاة مكفرة .
ثم انقسموا إلى فريقين :
- فبعضهم قال إنما لم يكفره لأن مكاتبة الأعداء والتجسس لهم ليست من الموالاة المكفرة .
- وبعضهم قال إنما لم يكفره لانه لم يوالهم موالاة دينية وهذا هو قول الكاتب .
القول الثاني : أن ما فعله حاطب يعتبر موالاة مكفرة وإنما عذره النبي صلى الله عليه وسلم لتأوله .
والأدلة الشرعية دالة على صحة هذا القول الأخير .
أما الدليل على أن ما فعله حاطب كفرا فهو عموم الأدلة الدالة على أن موالاة الكفار كفر وقد سمى الله تعالى عمل حاطب موالاة فقال :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة : 1]
فالآية الكريمة نزلت في شأن قصة حاطب وقد وصفت فعله بأنه مولاة :
{لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} فاعتبر الله تعالى إلقاء المودة إليهم ومراسلتهم بأخبار المسلمين من الموالاة .
وأما الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم عذر حاطبا لتأوله فهو :
حديث عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول :
( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوا منها قال فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا لها أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب قال فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش يقول كنت حليفا ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله السورة{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق إلى قوله فقد ضل سواء السبيل }) رواه البخاري .)اهـ الاستشهاد.
س2 :
فى كتاب للشيخ ابن جبرين رحمه الله المسمى"العقيدة الإسلامية" شرح الشيخ مصطفى العدوي , يقول الشيخ ابن جبرين أنه من تجسس للكفار من أجل مال أو دنيا لا يكفر حتى يحبهم ..؟
ج2 :
للإجابة على ما قاله الشيخ رحمه الله نحتاج إلى معرفة : هل التجسس داخل في الموالاة المكفرة ؟
الصحيح في هذه المسألة أن التجسس من جنس الموالاة المكفرة , والجاسوس قد يكون ضرره أخطر من ضرر المقاتلين .
وقصة حاطب دليل على أن التجسس داخل في الموالاة المكفرة , لأن صورة سبب النزول قطعية الدخول كما يقول أهل الأصول .
وما فعله حاطب من التجسس هو سبب نزول قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ...} فاعتبر ما فعله حاطب داخلا في التولي , وفي هذا دليل على ان التجسس داخل في الموالاة .
بقي بعد هذا أن نعرف : هل موالاة الكفار لمجرد غرض دنيوي تعتبر كفرا ؟
ذكرت الإجابة على هذا الإشكال في الإجابة السابقة في الرد على مقال عبد الله القرني فقلت فيها :
(الشبهة الثامنة :
8- إن اعتذار حاطب عما فعل بالغرض الدنيوي ونفيه عن نفسه الرضى بالكفر والردة عن الإسلام دليل على أن مظاهرة الكفار لمجرد غرض دنيوي ليست لذاتها كفرًا وإن كانت ذنبًا عظيمًا. ودليل على مناط الكفر بموالاة الكفار، وهو موالاتهم على دينهم.
الجواب عليها:
العكس هو الصحيح بل نفي حاطب الردة عن نفسه بقوله ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام) دليل على أن ما فعله علامة على الكفر .
وإذا كانت الأحكام بالكفر لا تناط إلا بالأعمال الظاهرة فالعبرة بعمله لا باعتقاده .
ووجه قبول النبي صلى الله عليه وسلم لعذر حاطب ليس لأنه لم يوال الكفار موالاة دينية ..بل لأنه اجتهد فعلم بأن الله ناصر دينه وأن فعله لا ضرر فيه على المسلمين وفيه مصلحة له هوفقال في الحديث السابق:
(إني كنت امرأ ملصقا في قريش يقول كنت حليفا ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه قد صدقكم).
وهذا التأويل الذي وقع فيه حاطب معدود في الخطأ المغفور وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره وتأويله .
وقال الحافظ في الفتح : (وعذر حاطب ما ذكره، فإنه صنع ذلك متأولاً ألاّ ضرر فيه).
ولهذا فقد أخرج البخاري قصة حاطب في (باب ما جاء في المتأولين) وفقه البخاري في تبويبه )اهـ الاستشهاد.
إضافة إلى ذالك أقول : إن من يدعي بأن الموالاة لغرض دنيوي غير مكفرة اعتمادا على قصة حاطب إنما يقلب الدليل ويستدل على الشيء بنقيضه !
لأنه بعد أن فعل حاطب ما فعل من مراسلة المشركين بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم , أنزل الله تعالى قوله :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1].
فحاطب رضي الله عنه كان معذورا فيما فعله قبل نزول الآية ,وقد قال تعالى في الآية : {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} فنفت الآية بعد نزولها عذر كل من فعل ذالك وحكمت عليه بأنه غير معذور في توليه للكافرين .
فقصة حاطب دليل على عذره هو ودليل على عدم عذر كل من يفعل فعله بعد النهي عنه في آية الممتحنة.
س3 :
من كان يعيش فى دولة كافرة وحارب معها المسلمين " إجباريا" كالحاصل على الجنسية لدولة كافرة محاربة وأجبروه على القتال معهم لا يكفر الا اذا أحبهم ..؟
ج3 :
لقد بينت أيضا في الإجابة السابقة في الرد على عبد الله القرني عدم صحة هذا القول , فقلت هناك :
(وهذا التعليل باطل من جهة معارضته لصريح القرآن، فالله تعالى أخبر بأن كل نصرة للكافر على المسلم ينقطع بها الإيمان وينقطع بها الولاء للإسلام والمسلمين .
قال تعالى : {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران : 28]
وقال تعالى : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}.
ومن جهة أخرى فإن كل الآيات التي تحدثت عن المولاة أناطت الكفر فيها بالعمل الظاهر لا بالاعتقاد :
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} [المائدة : 51 – 53]
فربطت الآية الكريمة بين كفر الظاهر وكفر الباطن وهو النفاق وجعلت الكفر الظاهر علامة على كفر الباطن.
وكقوله تعالي {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران : 28]
وعبارة {لا يتخذ} دالة على أن الأمر يتعلق بالعمل لا بالاعتقاد .
وقال تعالى{ ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هو خالدون. ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون} [المائدة:80،81].
فالآية الكريمة نفت الإيمان عن كل من يتولى الكافرين وتوعدته بالخلود في النار الذي لا يتوعد به إلا الكافرون .
وقوله تعالى {ترى} دليل على أن هذه الموالاة المكفرة تتعلق بالفعل الذي يرى لا بالاعتقاد الخفي .
والأحكام إنما تناط بالأعمال الظاهرة لا بالاعتقادات الباطنة
كما قال في منظومة الإيمان :
وليس محصورا في الاعتقاد *** وهل ترى خبيئة الفؤاد .
فمناط التكفير في الموالاة هو النصرة والمعونة للكفار لا حبهم أو الرغبة في دينهم .
فكل من ناصر الكفار على المسلمين فهو كافر سواء رغب في دين الكفار أم كانت موالاته لسبب دنيوي )اهـ الاستشهاد.
س4 :
ما معنى "الإجباري" عند الشيخ ابن جبرين...هل هو الأكراه ؟
وإذا كان كلمة "إجباري" معناها الإكراه فهل للإكراه شروط ؟
ج4 :
لست أدري إن كان الشيخ رحمه الله يقصد حقيقة الإكراه أم انه يعطي هذا الحكم لكل منخرط في الجيش ولو لم يكرهوه على مباشرة القتال .
لكن بالنسبة لشروط الإكراه ننبه منها على مسألتين :
المسألة الأولى : أن العقوبات التي تترتب على التخلف عن القتال مع تلك الجيوش وما يتبع ذالك من فساد في المصالح لا يرقى إلى مستوى الإكراه الذي يبيح ارتكاب المسائل المكفرة .
فالإكراه يختلف من مسألة إلى اخرى , وفي ذالك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :
(تأملت المذاهب، فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره، فليس المعتبر في كلمات الكفر، كالإكراه المعتبر بالهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب وقيد، ولا يكون الكلام إكراهاً، وقد نص على أن المرأة لو وهبت زوجها صداقها بمسكنه فلها أن ترجع على أنها لا تهب إلا إذا خافت أن يطلقها أو يسيء عشرتها، فجعل خوف الطلاق أو سوء العشرة إكراهاً، ولفظه في موضع آخر لأنه أكرهها، ومثل هذا لا يكون إكراهاً على الكفر، فإن الأسير إن خشي الكفار أن لا يزوجوه أو أن يحولوا بينه وبين امرأته لم يبح له التكلم بكلمة الكفر )اهـ.
وقد بينت في رسالة "مشركون في سبيل الله" أن الإكراه في المسائل المكفرة لا يعتبر إلا في حالة الإكراه الملجئ .
المسألة الثانية : أن الإكراه على قتل مسلم معصوم لا يبيح قتله .
قال أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله:" انعقد الإجماع على أن المكرَه على القتل مأمور باجتناب القتل والدفع عن نفسه وأنه يأثم إن قتل من أكره على قتله" فتح الباري: 12/386.
ويقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله في كتاب (جامع العلوم والحكم ) عند شرحه للحديث التاسع والثلاثين : "واتفق العلماء على أنه لو أكره على قتل معصوم لم يصح له أن يقتله ، فإنه إنما يقتله باختياره افتداء لنفسه من القتل ، هذا إجماع من العلماء المعتد بهم " انتهى .
س5 :
التجنيد فى الجيوش العربية يقولوا إجباري .. فإذا لم يأت الى الجيش ليقضى سنوات الجيش يصبح مطاردا ويمنع من الحصول على جواز سفر ويصبح مطلوبا ولا يخفى عليكم أنه لا يقدر على السفر لجلب المال للمتطلبات المعيشية فهل هذا عذر للمجند إجباريا ؟
ج5 :
أجبت على هذه المسألة في إحدى الإجابات السابقة , وقلت فيها :
الدخول في الجيوش الحامية لأنظمة الردة ينطوي على ممارسة أعمال مكفرة لا تستباح إلا بالإكراه الملجئ لا بمجرد فساد بعض المصالح الدنيوية ..
فمن علم بأن الدخول في هذه الجيوش والمشاركة فيها من الكفر البين فعليه أن يفر منه فراره من النار وأن يستسهل في ذالك التضحية بالمصالح الدنيوية
وقد ألغى الشرع اعتبار بعض المصالح الحاجية إذا كانت مؤدية إلى الكفر كما حدث في قصة حاطب عندما احتاج إلى مداراة قريش فحاول التودد إليهم بنقل أخبار النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة : 1].
وقد روى البخاري عن خباب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه).
والله أعلم
والحمد لله رب العالمين .
أجابه، عضو اللجنة الشرعية :
الشيخ أبو المنذر الشنقيطي
وهل فيها خلاف بين العلماء بين من يكفر من عمل عمله ولكن هو من أهل بدر فغفر له النبي صلى الله عليه وسلم وبين من يجعل فعله ذنب لأنه لو كفر لأقام عليه النبي "الحد" ويرد على من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"ما أدراك يا عمر لعلى الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم لقد غفرت لكم" لأن النبي أقامة على "مسطح رضى الله عنه"الحد" وهو من أهل بدر ؟
فى كتاب للشيخ ابن جبرين رحمه الله المسمى"العقيدة الإسلامية" شرح الشيخ مصطفى العدوي ويقول الشيخ ابن جبرين أيضا أنه (من تجسس للكفار من أجل مال أو دنيا لا يكفر حتى يحبهم؟ أو من كان يعيش فى دولة كافرة وحارب معهم المسلمين " أجباري" كالحاصل على الجنسية لدولة كافرة محاربة وأجبروه على القتال معهم لا يكفر الا اذا أحبهم؟ وما معنى أجباري= عند الشيخ ابن جبرين..... هل هو الأكراه؟ وإذا كان كلمة "أجباري معناها أكراه؟ وهل للأكراه شروط؟ فأنا التجنيد فى الجيوش العربية يقولوا أجباري؟ فأذا لم يأتي الى الجيش ليقضى سنوات الجيش يصبح مطارد ويمنع من الحصول على جواز سفر ويصبح مطلوب ولا يخفى عليكم لا يقدر على السفر لجلب المال للمتطلبات المعيشية فهل هذا عذر للمجند أجباري؟
السائل: أبوحمزةالأنصاري
المجيب: اللجنة الشرعية في المنبر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين ,
وبعد :
اخي الكريم هذه أجوبة على ما تفضلت به من أسئلة :
س1 :
ما قصة حاطب رضي الله عنه ؟
وهل فيها خلاف بين العلماء بين من يكفر من عمل عمله وبين من يجعل فعله ذنبا ؟
ج1 :
اختلف الناس في قصة حاطب وتفسيرها وقد بينت هذا الأمر في إجابة بعنوان :
الرد على بحث مناط الكفر بموالاة الكفار لعبد الله القرني , رقم السؤال: 4142.
ومما قلت فيها :
(بالنسبة لقصة حاطب فإنه يصدق عليها قول أهل العلم : وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال .
وهي القاعدة التي أشار إليها الشيخ سيدي عبد الله في المراقي بقوله :
قيام الاحتمال في الأفعال ....قل مجمل مسقط الاستدلال .
وقصة حاطب هذه كل فريق يفسرها باحتمال يوافق مذهبه فلا يمكن أن تكون بيانا لأنها مجملة .
فكيف نترك الاستدلال بالآيات القرآنية البينة ونستدل بقصة يتطرق إليها أكثر من احتمال .
إن العدول عن المحكم واتباع المتشابه سبب من أسباب الانحراف .
ثالثا :
الآيات القرآنية صرحت بأن مولاة الكفار كفر..
فلماذا لم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا ؟
هناك قولان في المسألة :
القول الأول قال أصحابه: لم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا لأن ما فعله لم يكن مولاة مكفرة .
ثم انقسموا إلى فريقين :
- فبعضهم قال إنما لم يكفره لأن مكاتبة الأعداء والتجسس لهم ليست من الموالاة المكفرة .
- وبعضهم قال إنما لم يكفره لانه لم يوالهم موالاة دينية وهذا هو قول الكاتب .
القول الثاني : أن ما فعله حاطب يعتبر موالاة مكفرة وإنما عذره النبي صلى الله عليه وسلم لتأوله .
والأدلة الشرعية دالة على صحة هذا القول الأخير .
أما الدليل على أن ما فعله حاطب كفرا فهو عموم الأدلة الدالة على أن موالاة الكفار كفر وقد سمى الله تعالى عمل حاطب موالاة فقال :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة : 1]
فالآية الكريمة نزلت في شأن قصة حاطب وقد وصفت فعله بأنه مولاة :
{لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} فاعتبر الله تعالى إلقاء المودة إليهم ومراسلتهم بأخبار المسلمين من الموالاة .
وأما الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم عذر حاطبا لتأوله فهو :
حديث عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول :
( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوا منها قال فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا لها أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب قال فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش يقول كنت حليفا ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله السورة{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق إلى قوله فقد ضل سواء السبيل }) رواه البخاري .)اهـ الاستشهاد.
س2 :
فى كتاب للشيخ ابن جبرين رحمه الله المسمى"العقيدة الإسلامية" شرح الشيخ مصطفى العدوي , يقول الشيخ ابن جبرين أنه من تجسس للكفار من أجل مال أو دنيا لا يكفر حتى يحبهم ..؟
ج2 :
للإجابة على ما قاله الشيخ رحمه الله نحتاج إلى معرفة : هل التجسس داخل في الموالاة المكفرة ؟
الصحيح في هذه المسألة أن التجسس من جنس الموالاة المكفرة , والجاسوس قد يكون ضرره أخطر من ضرر المقاتلين .
وقصة حاطب دليل على أن التجسس داخل في الموالاة المكفرة , لأن صورة سبب النزول قطعية الدخول كما يقول أهل الأصول .
وما فعله حاطب من التجسس هو سبب نزول قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ...} فاعتبر ما فعله حاطب داخلا في التولي , وفي هذا دليل على ان التجسس داخل في الموالاة .
بقي بعد هذا أن نعرف : هل موالاة الكفار لمجرد غرض دنيوي تعتبر كفرا ؟
ذكرت الإجابة على هذا الإشكال في الإجابة السابقة في الرد على مقال عبد الله القرني فقلت فيها :
(الشبهة الثامنة :
8- إن اعتذار حاطب عما فعل بالغرض الدنيوي ونفيه عن نفسه الرضى بالكفر والردة عن الإسلام دليل على أن مظاهرة الكفار لمجرد غرض دنيوي ليست لذاتها كفرًا وإن كانت ذنبًا عظيمًا. ودليل على مناط الكفر بموالاة الكفار، وهو موالاتهم على دينهم.
الجواب عليها:
العكس هو الصحيح بل نفي حاطب الردة عن نفسه بقوله ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام) دليل على أن ما فعله علامة على الكفر .
وإذا كانت الأحكام بالكفر لا تناط إلا بالأعمال الظاهرة فالعبرة بعمله لا باعتقاده .
ووجه قبول النبي صلى الله عليه وسلم لعذر حاطب ليس لأنه لم يوال الكفار موالاة دينية ..بل لأنه اجتهد فعلم بأن الله ناصر دينه وأن فعله لا ضرر فيه على المسلمين وفيه مصلحة له هوفقال في الحديث السابق:
(إني كنت امرأ ملصقا في قريش يقول كنت حليفا ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه قد صدقكم).
وهذا التأويل الذي وقع فيه حاطب معدود في الخطأ المغفور وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره وتأويله .
وقال الحافظ في الفتح : (وعذر حاطب ما ذكره، فإنه صنع ذلك متأولاً ألاّ ضرر فيه).
ولهذا فقد أخرج البخاري قصة حاطب في (باب ما جاء في المتأولين) وفقه البخاري في تبويبه )اهـ الاستشهاد.
إضافة إلى ذالك أقول : إن من يدعي بأن الموالاة لغرض دنيوي غير مكفرة اعتمادا على قصة حاطب إنما يقلب الدليل ويستدل على الشيء بنقيضه !
لأنه بعد أن فعل حاطب ما فعل من مراسلة المشركين بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم , أنزل الله تعالى قوله :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1].
فحاطب رضي الله عنه كان معذورا فيما فعله قبل نزول الآية ,وقد قال تعالى في الآية : {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} فنفت الآية بعد نزولها عذر كل من فعل ذالك وحكمت عليه بأنه غير معذور في توليه للكافرين .
فقصة حاطب دليل على عذره هو ودليل على عدم عذر كل من يفعل فعله بعد النهي عنه في آية الممتحنة.
س3 :
من كان يعيش فى دولة كافرة وحارب معها المسلمين " إجباريا" كالحاصل على الجنسية لدولة كافرة محاربة وأجبروه على القتال معهم لا يكفر الا اذا أحبهم ..؟
ج3 :
لقد بينت أيضا في الإجابة السابقة في الرد على عبد الله القرني عدم صحة هذا القول , فقلت هناك :
(وهذا التعليل باطل من جهة معارضته لصريح القرآن، فالله تعالى أخبر بأن كل نصرة للكافر على المسلم ينقطع بها الإيمان وينقطع بها الولاء للإسلام والمسلمين .
قال تعالى : {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران : 28]
وقال تعالى : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}.
ومن جهة أخرى فإن كل الآيات التي تحدثت عن المولاة أناطت الكفر فيها بالعمل الظاهر لا بالاعتقاد :
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} [المائدة : 51 – 53]
فربطت الآية الكريمة بين كفر الظاهر وكفر الباطن وهو النفاق وجعلت الكفر الظاهر علامة على كفر الباطن.
وكقوله تعالي {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران : 28]
وعبارة {لا يتخذ} دالة على أن الأمر يتعلق بالعمل لا بالاعتقاد .
وقال تعالى{ ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هو خالدون. ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون} [المائدة:80،81].
فالآية الكريمة نفت الإيمان عن كل من يتولى الكافرين وتوعدته بالخلود في النار الذي لا يتوعد به إلا الكافرون .
وقوله تعالى {ترى} دليل على أن هذه الموالاة المكفرة تتعلق بالفعل الذي يرى لا بالاعتقاد الخفي .
والأحكام إنما تناط بالأعمال الظاهرة لا بالاعتقادات الباطنة
كما قال في منظومة الإيمان :
وليس محصورا في الاعتقاد *** وهل ترى خبيئة الفؤاد .
فمناط التكفير في الموالاة هو النصرة والمعونة للكفار لا حبهم أو الرغبة في دينهم .
فكل من ناصر الكفار على المسلمين فهو كافر سواء رغب في دين الكفار أم كانت موالاته لسبب دنيوي )اهـ الاستشهاد.
س4 :
ما معنى "الإجباري" عند الشيخ ابن جبرين...هل هو الأكراه ؟
وإذا كان كلمة "إجباري" معناها الإكراه فهل للإكراه شروط ؟
ج4 :
لست أدري إن كان الشيخ رحمه الله يقصد حقيقة الإكراه أم انه يعطي هذا الحكم لكل منخرط في الجيش ولو لم يكرهوه على مباشرة القتال .
لكن بالنسبة لشروط الإكراه ننبه منها على مسألتين :
المسألة الأولى : أن العقوبات التي تترتب على التخلف عن القتال مع تلك الجيوش وما يتبع ذالك من فساد في المصالح لا يرقى إلى مستوى الإكراه الذي يبيح ارتكاب المسائل المكفرة .
فالإكراه يختلف من مسألة إلى اخرى , وفي ذالك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :
(تأملت المذاهب، فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره، فليس المعتبر في كلمات الكفر، كالإكراه المعتبر بالهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب وقيد، ولا يكون الكلام إكراهاً، وقد نص على أن المرأة لو وهبت زوجها صداقها بمسكنه فلها أن ترجع على أنها لا تهب إلا إذا خافت أن يطلقها أو يسيء عشرتها، فجعل خوف الطلاق أو سوء العشرة إكراهاً، ولفظه في موضع آخر لأنه أكرهها، ومثل هذا لا يكون إكراهاً على الكفر، فإن الأسير إن خشي الكفار أن لا يزوجوه أو أن يحولوا بينه وبين امرأته لم يبح له التكلم بكلمة الكفر )اهـ.
وقد بينت في رسالة "مشركون في سبيل الله" أن الإكراه في المسائل المكفرة لا يعتبر إلا في حالة الإكراه الملجئ .
المسألة الثانية : أن الإكراه على قتل مسلم معصوم لا يبيح قتله .
قال أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله:" انعقد الإجماع على أن المكرَه على القتل مأمور باجتناب القتل والدفع عن نفسه وأنه يأثم إن قتل من أكره على قتله" فتح الباري: 12/386.
ويقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله في كتاب (جامع العلوم والحكم ) عند شرحه للحديث التاسع والثلاثين : "واتفق العلماء على أنه لو أكره على قتل معصوم لم يصح له أن يقتله ، فإنه إنما يقتله باختياره افتداء لنفسه من القتل ، هذا إجماع من العلماء المعتد بهم " انتهى .
س5 :
التجنيد فى الجيوش العربية يقولوا إجباري .. فإذا لم يأت الى الجيش ليقضى سنوات الجيش يصبح مطاردا ويمنع من الحصول على جواز سفر ويصبح مطلوبا ولا يخفى عليكم أنه لا يقدر على السفر لجلب المال للمتطلبات المعيشية فهل هذا عذر للمجند إجباريا ؟
ج5 :
أجبت على هذه المسألة في إحدى الإجابات السابقة , وقلت فيها :
الدخول في الجيوش الحامية لأنظمة الردة ينطوي على ممارسة أعمال مكفرة لا تستباح إلا بالإكراه الملجئ لا بمجرد فساد بعض المصالح الدنيوية ..
فمن علم بأن الدخول في هذه الجيوش والمشاركة فيها من الكفر البين فعليه أن يفر منه فراره من النار وأن يستسهل في ذالك التضحية بالمصالح الدنيوية
وقد ألغى الشرع اعتبار بعض المصالح الحاجية إذا كانت مؤدية إلى الكفر كما حدث في قصة حاطب عندما احتاج إلى مداراة قريش فحاول التودد إليهم بنقل أخبار النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة : 1].
وقد روى البخاري عن خباب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه).
والله أعلم
والحمد لله رب العالمين .
أجابه، عضو اللجنة الشرعية :
الشيخ أبو المنذر الشنقيطي
تعليق