عن السبيل الاردنيه
الأشقر فقيهاً
د.محمد أبو صعيليك
لئن كان العلامة الدكتور عمر الأشقر رحمه الله يرى في حق نفسه وغيره أن الميت أحوج للترحم والدعاء، أكثر من الإطراء والثناء فإن هناك باباً جامعاً لفضيلة الثناء مستمطراً له شآبيب الرحمة والدعاء، وذلك بالإشارة إلى باب مهم في حياته يجمع له حسنيي الثناء، والدعاء؛ ذلكم هو دراسة الجوانب العلمية في شخصية هذا الرجل ودراسة أوجه اهتماماته العلمية في علوم الشريعة كالفقه والأصول والحديث والتفسير وغيره؛ إذ هي الكفيلة ببيان أوجه النبوغ عنده، والدلالة على ما استكن من الجوانب العلمية في شخصيته، وإن من أهم هذه الجوانب ما له تعلق بالفقه عنده، إذ هو جانب مهم في حياته العلمية والتأليفية، وله الأثر الأكبر في مواقفه الفكرية والدعوية. وعليه، فإنه من باب الإشادة بالخير، والإشارة إلى الفضل، وملاحظة مأثور الصالحين أن الله يسأل عن وداد لحظة، ولقد كان لي معه وداد عشرات السنين، فإنني أتشرف بالإشارة إلى فقهه معرفاً به من خلال ما يلي:
1. ينتسب العلامة الأشقر إلى أسرة علمية عريقة، من الأسر المنسوبة إلى مذهب الحنابلة في فلسطين كما وصفهم بذلك العلامة الشيخ الدكتور بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه المدخل المفصل إلى مذهب أحمد بن حنبل، وهو قرينه ومشاركه في أكابر مشايخه مثل: العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، والعلامة الشيخ محمد المختار الشنقيطي، والعلامة الشيخ ناصر الدين الألباني رحمهم الله.
2. ينتسب في مذكراته بالتلمذة لأربعة من أعلام عصره وهم: العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، والعلامة الشيخ محمد المختار الشنقيطي، والعلامة الشيخ ناصر الدين الألباني، والفقيه الأصولي الشيخ عبد الرزاق العفيفي رحمهم الله جميعاً، وقد جمع له هؤلاء أزمَّة الفقه من جميع نواحيها، فالشنقيطي فقيه القرآن الكريم ومفسره، وابن باز فقيه السنة وشيخ الدليل، والألباني محقق السنة، والعفيفي منظر الأصول ومبسطه، ينبيك عنه شرحه لكتاب الآمدي الإحكام في أصول الأحكام من أمهات كتب الأصول.
3. جمع الشيخ في دراسته الفقهية بين مدرسة الدليل التي سبق بعض أعلامها، ومدرسة التعليل عبر دراساته العليا في الأزهر الشريف في مرحلتي الماجستير والدكتوراة، فكان فقهه جامعاً بين مدارس أهل الإسلام في توخي الدليل والنظر والتعليل، فأدى به هذا إلى الابتعاد عن ضيق مدرسة فقهية، أو مذهب فقهي، ودفعه هذا إلى رحابة الفقه الإسلامي العام، بشتى مدارسه ومذاهبه، فكان فقهه أرحب، وكان نظره أوسع، وكان استشرافه لحل مشكلات المسلمين العلمية، أكثر واقعية، وأدق نظراً.
4. مؤثرات في فقه الأشقر:
كانت هناك مؤثرات أثرت في فقه الشيخ، وهذا وصف لهذه المؤثرات كما يلي:
أ. دراسته الجامعية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة:
كان لدراسته في الجامعة الإسلامية الأثر البالغ في توجيهه إلى التحرر من المدارس الفقهية، وتحري الدليل، إذ كان الدارس يدرس الفقه المقارن عبر كتاب ابن رشد بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ويدرس أدلة الفقه عبر كتاب سبل السلام للصنعاني، وإذا تخرج رفدوه بكتاب المغني لابن قدامة في الفقه المقارن، بالإضافة إلى تلقيه العلم عن أساطين الفقه في تلك الجامعة كالشيخ العلامة عبد العزيز بن باز، الذي كان يستظهر بداية المجتهد ونهاية المقتصد، والشيخ الشنقيطي، والشيخ يوسف بن عبد الرحمن الإفريقي وغيرهم، رحمهم الله؛ مما ساهم في توجيهه إلى فقه الدليل، والتمرس فيه.
ب. الاستفادة من فقه مجدد الدعوة الأكبر في العصر الحديث الأستاذ الإمام حسن البنا رحمه الله عبر دراسات تلامذته التي تميل إلى ما يلي:
نبذ التعصب بشتى أنواعه:
1. عدم الانتساب إلى مدرسة فقهية معينة.
2. الاستفادة من كل المدارس.
3. ملاحظة فقه الدليل.
4. الاحتكام إلى المقاصد.
5. التوجه نحو التيسير.
6. حل المشكلات المعاصرة في ضوء الفقه الإسلامي بشتى مدارسه.
وقد تجلت هذه المدرسة في كتابات أمثال:
1. الشيخ سيد سابق رحمه الله، وخاصة كتابه فقه السنة الذي سار مسار الشمس، وجمع بين فقه الدليل والتيسير، وما كان بعيداً عن تراث المدرسة الأثرية، إذ يكاد يكون تلخيصاً لكتاب نيل الأوطار للشوكاني، مع إضافات عليه من كتب الفقه الأخرى، وكتب السنة وشروحها.
2. العلامة الدكتور محمد يوسف موسى رحمه الله أحد مؤرخي الفقه الإسلامي، وأحد الباحثين في المسائل الفقهية المستجدة المعاصرة، وأحد المهتمين بالفقه المالي الإسلامي، وأحد المؤسسين لعلم الفلسفة وعلم الأخلاق الإسلاميين في العالم الإسلامي المعاصر.
3. صديقه الحميم العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله في دراساته الفقهية الكثيرة، وفي مقدمتها كتبه: فقه الزكاة والفتاوى المعاصرة والحلال والحرام وغيرها، وإن خالفه في بعض فتاواه، كحكم الغناء والموسيقى، والعمل في البنوك الربوية، بقصد التدرب على العمل لإيجاد كفاءات إسلامية في هذا الباب، مستدلاً بعموم قوله صلى الله عليه وسلم وكلهم في الإثم سواء، فقال العلامة القرضاوي: الآن عرفت أن هذه من الحديث كما أخبرني الشيخ الأشقر رحمه الله.
هذه الاستفادة وسعت مدارك الشيخ، وصقلت شخصيته العلمية، وأثرت في فقهه، وعادت عليه بالنفع العميم.
ج. الاستفادة من فقه المدرسة السلفية القديمة (مدرسة ابن تيمية وتلامذته):
استفاد الأشقر من دراسات وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلامذته ابن القيم وابن رجب وابن كثير وغيرهم، فقد كان مصادره في الفقه كتابات هذه المدرسة، وعلى الأخص الكتاب الموسوعي مجموع فتاوى ابن تيمية بما فيه من بحوث أصولية وفقهية تتبع الدليل، وتخرج عن إطار الدراسة المذهبية؛ مما أوجد عنده تأثراً بأفكار هذه المدرسة، فهو يوافقها في إنكار التلفظ بالنية في العبادات، ويراه بدعة، ويوافقها في طلاق الثلاث بلفظ واحد في مجلس واحد، وأنه يقع طلقة واحدة، ولهم موافقات أخر لهذه المدرسة تعلم من تتبع كتاباته التي لها تعلق بالفقه وعناية به.
د. الاستفادة من فقه المدرسة السلفية المعاصرة في مصر والشام والعراق:
فقد استفاد العلامة الأشقر من فتاوى وفقه وبحوث أعلام المدرسة السلفية المعاصرة في مصر والشام والعراق، أمثال المشايخ: رشيد رضا في مصر، وخاصة في تفسيره المنار، والفتاوى التي كان يصدرها في مجلته المنار، وقد طبعت باسم فتاوى رشيد رضا، في بيروت بتحقيق صلاح الدين المنجد وسامي حداد، كما استفاد من فتاوى ودراسات عالم الشام العلامة جمال الدين القاسمي، وفي مقدمتها تفسيره المعروف المسمى: محاسن التأويل، ودراساته الأخرى أمثال إصلاح المساجد والمسح على الخفين، والاستئناس لتصحيح أنكحة الناس، كما استفاد من دراسات الألوسيين: نعمان ومحمود، هذا وقد أكسبته هذه ما يلي:
1. الاعتدال في الحكم على آراء الآخرين من مخالفي المدرسة السلفية القديمة والمعاصرة.
2. الاستفادة من محاسن كتابات المدارس جميعها، وهذا ما قبسه على الأخص من العلامة القاسمي، في كتابه الموسوعي محاسن التأويل، الذي جمع فيه محاسن النقول عن الغزالي وابن عربي والرازي والزمخشري، إلى جانب نقوله عن ابن تيمية وابن القيم والشوكاني وصدّيق حسن خان.
3. ساهم هؤلاء في تكوين مدرسة توفيقية تلفيقية تنتقي من المدارس، وتجمع محاسنها في أبواب علوم الشريعة عامة والفقه خاصة، ومن هنا فقد استفاد من جهود هذه المدرسة في التوسع في مشمولات مصرف في سبيل الله، بضوابط محددة، وخالف منهج المدرسة السلفية القديمة والمعاصرة في قصر هذا المصرف على باب الجهاد فقط.
هـ. الاستفادة من مدرسة فقه الحديث الشريف:
حيث كانت له دراسات ووقفات مع كتب فقه الحديث الشريف، وعلى الأخص شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد مع حاشية الصنعاني عليه، فقد كان يدرسه في جامعة الزرقاء ونيل الأوطار للشوكاني، وسبل السلام للصنعاني، والروضة الندية لصديق حسن خان، تلك الكتب التي دمجت مباحث الفقه والحديث في صعيد واحد، وتحرت الدليل، وكشفت عن الراجح من المذاهب، كانت نواة لما يعرف عند المعاصرين بالفقه المقارن، وقد كان عنده تفكير في تيسير سبل السلام لطلبة العلم وتقريبه لهم، ولا أعلم إلى ما انتهى مشروعه فيه.
و. البحث في كتب فقه الدليل:
لئن وصفه الناس بأنه حنبلي الفقه، إلا أنه كان باحثاً في فقه الدليل، منطلقاً إلى رحاب شتى مدراس أهل الإسلام، يوازن بينها، ويؤلف بين اتجاهاتها، ويومئ إلى سعة آفاق علمائها، وبالتالي فقد كان هجيري درسه النظر في كتب الفقه الاستدلالي أمثال: المجموع شرح المهذب للنووي، والمغني لابن قدامة، والمحلى لابن حزم، وبدائع الصنائع للكاساني، مما أكسبه تحللاً من التابعية للمذاهب وعرفاناً بالدليل ودوراناً معه، وبحثاً عنه وحرصاً على الراجح، وتيسيراً على العباد.
ز. المشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية:
إذا كان من مأثور شيخه الألباني: أن العلم بحث، ولقد كان هذا البحث سجية عند الشيخ الأشقر، وكان في أعلى مجالات البحث المشاركة في الندوات والمؤتمرات العلمية المتخصصة، وعليه فقد شارك رحمه الله في ندوات علمية، ومؤتمرات متخصصة، فكان هو وصاحباه العلامة الأستاذ الدكتور محمد نعيم ياسين، والأستاذ الدكتور محمد عثمان شبير، أحلاس ندوات الزكاة في الكويت وبيروت والبحرين وغيرها، كما كان مشاركاً في مؤتمرات المنظمة الطبية الإسلامية بالكويت، ومن أبحاثه فيها: كتابه عن الحيض، إذ جلى فيه مسائل كانت مستغلقة عند القدماء بالاستعانة بكلام أهل الطب كمسألة حيض الحامل، كما شارك في بعض دورات المجمع الفقهي بجدة بصفته الشخصية غير مبتعث من جهة حكومية عرفاناً من أهل المجمع بشخصيته العلمية وإقراراً بفضله، كما كانت له مشاركة في مؤتمرات شركة التأمين الإسلامي ومحاوراتها، ترشيداً للفتوى فيها، وتعميقاً للضبط الفقهي المراد في أمثال هذه المؤسسات، كما كان مشاركاً في جميع المؤتمرات العلمية التي عقدت في كلية الشريعة بجامعة الزرقاء الأهلية، مما حقق له ما يلي:
1. تلاقح الأفكار في المسائل العلمية.
2. إنضاج المسائل العلمية بالمحاورة مع أهل الاختصاص كما هو الحال في مسألة خطاب الضمان وبحثه فيه.
3. التفتيق في المسائل العلمية المستجدة كمسألة المشاركة في المجالس النيابية والوزارات في ظل الأنظمة الجاهلية، والتوسع في مشمولات مصرف في سبيل الله، ومستجدات مصرف المؤلفة قلوبهم.
4. تأهل ليكون مرجعية فقهية عامة لكل المسلمين دون نظر إلى اجتهاداتهم أو أقطارهم أو انتماءاتهم.
5. خصائص فقه الأشقر:
تميز فقه العلامة الأشقر بخصائص ومزايا تميزه عن فقه غيره من علماء عصره وهذه كما يلي:
أ. تجسير الهوة بين المحدثين والفقهاء:
ولئن كان العلامة الأشقر فقيهاً بامتياز، إلا أن له نسباً عريقاً في السنة وعلومها، فهو تلميذ شيخها أبي عبد الرحمن الألباني، الذي استفاد منه المعرفة بالسنة وتوثيقها، والبحث في أدلة السنة وحسن توثيق العزو إلى كتب السنة، مما جعله حالة نادرة في حسن توثيق تخريج الأحاديث بين فقهاء عصره، لا يشاركه فيها إلى حد ما إلا العلامة الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان والعلامة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي كما هو معلوم للدارس المتابع لبحوث الفقهاء، وتوثيقاتهم للسنة.
ب. الميل إلى فقه المقاصد:
إذا كان الشيخ صاحب كتاب مقاصد المكلفين، فإن هذا يجعله يميل إلى مدرسة المقاصد، والبحث في المآلات دونما تطرف في الأخذ بظواهر النصوص، وقد تبدى هذا المنهج في دراساته الفقهية، فهو يرى جواز الاشتراك في المجالس النيابية؛ لأن مآلها حماية الدعوة الإسلامية، والقيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتدريب المخلصين على حسن غدارة غيرهم، وتقديم النموذج الحسن لعمل أهل الدين في سياسة الناس، كل هذه مقاصد حسنة، ومآلات معتبرة، يجنح لها نظر الفقيه.
ج. الوسطية والاعتدال:
على كثرة المؤثرات النصية في فقه الرجل، إلا أنه كان وسطياً معتدلاً في فقهه، وقد تجلت هذه الوسطية وهذا الاعتدال فيما يلي:
1. التعامل مع جميع المدارس الفقهية على حد سواء:
فقد عرف بأئمة هذه المدارس، في كتبه المتعلقة بالتأريخ للفقه، وحارب فيها التعصب المذموم، ودعا إلى احترم الجميع؛ لأنهم يصدرون عن منهل واحد، هو كتاب الله الكريم، وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
2. حسن التعامل مع آراء الفقهاء:
وخاصة ما كان يراه منها مجانباً للصواب، على قاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية، رفع الملام عن الأئمة الأعلام.
3. حسن تفسير سلوك الآخر: فهو إن كان عالماً، فهو دائر بين دائرتي الخطأ والصواب في الاجتهاد، وهو مأجور في كلتا الدائرتين، وهو إن كان من عوام الناس، فهو في دائرة العذر بالجهل والخطأ والنسيان، ولذا فقد كان رأيه في المجتمعات التي نعيش، أنها مجتمعات مسلمة، وإن شابت علاقتها بهذا الدين بعض الشوائب، بعكس آراء بعض المكفرة، الذين يرون كفر هذه المجتمعات ببعض المعاصي، غفلة منهم عن الهدي السديد في حسن تفسير سلوك الآخر.
د. مراعاة أدب الخلاف وفقه الاختلاف:
لئن كان الشيخ قد نظر للمسلمين في تعريفهم بفقه الاختلاف، وخاصة في رسالته فقه الاختلاف، التي نشرها في العدد الأول من مجلة الحكمة، التي تصدر في بريطانيا، ثم نشرها في كتيب، وقد مارس رحمه الله هذا الذي نظر به مع غيره من العلماء فأنصفهم بإقرارهم على أحقية الخلاف الفقهي، وسمع حجتهم فيه، ولم يصادر آراءهم الخاصة، وأحسن تفسيرها، وأعذرهم عند عدم قناعته بها، ورأى أنهم في كلا الحالين مجتهدون مأجورون، وهكذا كان هذا الحال سجية في شخص هذا الرجل، ظهرت آثارها في حياته وعلى كتاباته.
هـ. الجمع لا التفريق:
كان العلامة الأشقر جماعاً في حياته ومماته، فقد كانت له صلات بجميع أطياف المدارس الفكرية عند المسلمين، وقد كان محبوباً عند هذه المدارس، وقد بادلها هذا الشعور بأريحية وسجية، من غير كلفة ولا تكلف، ومن لاحظ جنازته عرف صدق هذا، حيث إنها قد جمعت الرسمي والشعبي والموافق والمخالف والمتشدد والمتساهل، ولقد كانت هذه أساً في فقهه، فهو يرى أن هذه المدارس جميعاً ما هي إلا روافد لبحر الإسلام، الذي ينتسب الجميع إليه، فقد كان يف فقهه يجمع ولا يفرق، ورائده في ذلك كله مقولته المشهورة (عند الله تلتقي الخصوم)، مما جعله حريصاً في فقهه على وحدة الأمة، وجمع الكلمة، والبعد عن التعصب، والبحث عن الدليل، وتحري الحق، وهكذا كان دأبه رحمه الله.
و. الإنصاف:
كان العلامة الأشقر منصفاً لغيره، ولقد سمعته يقول عن أخيه، العلامة الدكتور محمد رحمه الله: "أخي محمد أفقه مني"، وكان يذكر أفضاله عليه، وإن كان الأعرف عند الناس هو الشيخ عمر، ولا يعرف أخاه محمداً إلا الخاصة من أهل العلم، ولقد ظهر إنصافه على فقهه، فهو لا يقبل أقوال الناس إلا من مصادرهم، ولا يسمع أدلتهم إلا من مدوناتهم، ولا يقبل لأحد أن يلزم غيره بما لم يقل به صراحة، بل يجعل نفسه حكماً بين هذه المدارس بكل إنصاف، ولا يأنف أن يسأل غيره عن مسألة احتاج إليها دون نظر لحال ذاك المسؤول، ولم ير غضاضة في الاعتراف بقلة معرفته ببعض المسائل، فقد سئل مرة عن المعتمد من شروح مختصر خليل في الفقه المالكي، فقال: ليس عندي إلا شرح الدردير، مع حاشية الدسوقي عليه، ولا أعرف غيره، ولشدة إنصاف الرجل فقد كان الشيخان: زهير الشاويش وناصر الدين الألباني، إذ اختلفا في الأمور المالية كان الحكم بينهما الدكتور عمر الأشقر رحمه الله وذلك قبل استقراره في الأردن.
الأشقر فقيهاً
د.محمد أبو صعيليك
لئن كان العلامة الدكتور عمر الأشقر رحمه الله يرى في حق نفسه وغيره أن الميت أحوج للترحم والدعاء، أكثر من الإطراء والثناء فإن هناك باباً جامعاً لفضيلة الثناء مستمطراً له شآبيب الرحمة والدعاء، وذلك بالإشارة إلى باب مهم في حياته يجمع له حسنيي الثناء، والدعاء؛ ذلكم هو دراسة الجوانب العلمية في شخصية هذا الرجل ودراسة أوجه اهتماماته العلمية في علوم الشريعة كالفقه والأصول والحديث والتفسير وغيره؛ إذ هي الكفيلة ببيان أوجه النبوغ عنده، والدلالة على ما استكن من الجوانب العلمية في شخصيته، وإن من أهم هذه الجوانب ما له تعلق بالفقه عنده، إذ هو جانب مهم في حياته العلمية والتأليفية، وله الأثر الأكبر في مواقفه الفكرية والدعوية. وعليه، فإنه من باب الإشادة بالخير، والإشارة إلى الفضل، وملاحظة مأثور الصالحين أن الله يسأل عن وداد لحظة، ولقد كان لي معه وداد عشرات السنين، فإنني أتشرف بالإشارة إلى فقهه معرفاً به من خلال ما يلي:
1. ينتسب العلامة الأشقر إلى أسرة علمية عريقة، من الأسر المنسوبة إلى مذهب الحنابلة في فلسطين كما وصفهم بذلك العلامة الشيخ الدكتور بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه المدخل المفصل إلى مذهب أحمد بن حنبل، وهو قرينه ومشاركه في أكابر مشايخه مثل: العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، والعلامة الشيخ محمد المختار الشنقيطي، والعلامة الشيخ ناصر الدين الألباني رحمهم الله.
2. ينتسب في مذكراته بالتلمذة لأربعة من أعلام عصره وهم: العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، والعلامة الشيخ محمد المختار الشنقيطي، والعلامة الشيخ ناصر الدين الألباني، والفقيه الأصولي الشيخ عبد الرزاق العفيفي رحمهم الله جميعاً، وقد جمع له هؤلاء أزمَّة الفقه من جميع نواحيها، فالشنقيطي فقيه القرآن الكريم ومفسره، وابن باز فقيه السنة وشيخ الدليل، والألباني محقق السنة، والعفيفي منظر الأصول ومبسطه، ينبيك عنه شرحه لكتاب الآمدي الإحكام في أصول الأحكام من أمهات كتب الأصول.
3. جمع الشيخ في دراسته الفقهية بين مدرسة الدليل التي سبق بعض أعلامها، ومدرسة التعليل عبر دراساته العليا في الأزهر الشريف في مرحلتي الماجستير والدكتوراة، فكان فقهه جامعاً بين مدارس أهل الإسلام في توخي الدليل والنظر والتعليل، فأدى به هذا إلى الابتعاد عن ضيق مدرسة فقهية، أو مذهب فقهي، ودفعه هذا إلى رحابة الفقه الإسلامي العام، بشتى مدارسه ومذاهبه، فكان فقهه أرحب، وكان نظره أوسع، وكان استشرافه لحل مشكلات المسلمين العلمية، أكثر واقعية، وأدق نظراً.
4. مؤثرات في فقه الأشقر:
كانت هناك مؤثرات أثرت في فقه الشيخ، وهذا وصف لهذه المؤثرات كما يلي:
أ. دراسته الجامعية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة:
كان لدراسته في الجامعة الإسلامية الأثر البالغ في توجيهه إلى التحرر من المدارس الفقهية، وتحري الدليل، إذ كان الدارس يدرس الفقه المقارن عبر كتاب ابن رشد بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ويدرس أدلة الفقه عبر كتاب سبل السلام للصنعاني، وإذا تخرج رفدوه بكتاب المغني لابن قدامة في الفقه المقارن، بالإضافة إلى تلقيه العلم عن أساطين الفقه في تلك الجامعة كالشيخ العلامة عبد العزيز بن باز، الذي كان يستظهر بداية المجتهد ونهاية المقتصد، والشيخ الشنقيطي، والشيخ يوسف بن عبد الرحمن الإفريقي وغيرهم، رحمهم الله؛ مما ساهم في توجيهه إلى فقه الدليل، والتمرس فيه.
ب. الاستفادة من فقه مجدد الدعوة الأكبر في العصر الحديث الأستاذ الإمام حسن البنا رحمه الله عبر دراسات تلامذته التي تميل إلى ما يلي:
نبذ التعصب بشتى أنواعه:
1. عدم الانتساب إلى مدرسة فقهية معينة.
2. الاستفادة من كل المدارس.
3. ملاحظة فقه الدليل.
4. الاحتكام إلى المقاصد.
5. التوجه نحو التيسير.
6. حل المشكلات المعاصرة في ضوء الفقه الإسلامي بشتى مدارسه.
وقد تجلت هذه المدرسة في كتابات أمثال:
1. الشيخ سيد سابق رحمه الله، وخاصة كتابه فقه السنة الذي سار مسار الشمس، وجمع بين فقه الدليل والتيسير، وما كان بعيداً عن تراث المدرسة الأثرية، إذ يكاد يكون تلخيصاً لكتاب نيل الأوطار للشوكاني، مع إضافات عليه من كتب الفقه الأخرى، وكتب السنة وشروحها.
2. العلامة الدكتور محمد يوسف موسى رحمه الله أحد مؤرخي الفقه الإسلامي، وأحد الباحثين في المسائل الفقهية المستجدة المعاصرة، وأحد المهتمين بالفقه المالي الإسلامي، وأحد المؤسسين لعلم الفلسفة وعلم الأخلاق الإسلاميين في العالم الإسلامي المعاصر.
3. صديقه الحميم العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله في دراساته الفقهية الكثيرة، وفي مقدمتها كتبه: فقه الزكاة والفتاوى المعاصرة والحلال والحرام وغيرها، وإن خالفه في بعض فتاواه، كحكم الغناء والموسيقى، والعمل في البنوك الربوية، بقصد التدرب على العمل لإيجاد كفاءات إسلامية في هذا الباب، مستدلاً بعموم قوله صلى الله عليه وسلم وكلهم في الإثم سواء، فقال العلامة القرضاوي: الآن عرفت أن هذه من الحديث كما أخبرني الشيخ الأشقر رحمه الله.
هذه الاستفادة وسعت مدارك الشيخ، وصقلت شخصيته العلمية، وأثرت في فقهه، وعادت عليه بالنفع العميم.
ج. الاستفادة من فقه المدرسة السلفية القديمة (مدرسة ابن تيمية وتلامذته):
استفاد الأشقر من دراسات وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلامذته ابن القيم وابن رجب وابن كثير وغيرهم، فقد كان مصادره في الفقه كتابات هذه المدرسة، وعلى الأخص الكتاب الموسوعي مجموع فتاوى ابن تيمية بما فيه من بحوث أصولية وفقهية تتبع الدليل، وتخرج عن إطار الدراسة المذهبية؛ مما أوجد عنده تأثراً بأفكار هذه المدرسة، فهو يوافقها في إنكار التلفظ بالنية في العبادات، ويراه بدعة، ويوافقها في طلاق الثلاث بلفظ واحد في مجلس واحد، وأنه يقع طلقة واحدة، ولهم موافقات أخر لهذه المدرسة تعلم من تتبع كتاباته التي لها تعلق بالفقه وعناية به.
د. الاستفادة من فقه المدرسة السلفية المعاصرة في مصر والشام والعراق:
فقد استفاد العلامة الأشقر من فتاوى وفقه وبحوث أعلام المدرسة السلفية المعاصرة في مصر والشام والعراق، أمثال المشايخ: رشيد رضا في مصر، وخاصة في تفسيره المنار، والفتاوى التي كان يصدرها في مجلته المنار، وقد طبعت باسم فتاوى رشيد رضا، في بيروت بتحقيق صلاح الدين المنجد وسامي حداد، كما استفاد من فتاوى ودراسات عالم الشام العلامة جمال الدين القاسمي، وفي مقدمتها تفسيره المعروف المسمى: محاسن التأويل، ودراساته الأخرى أمثال إصلاح المساجد والمسح على الخفين، والاستئناس لتصحيح أنكحة الناس، كما استفاد من دراسات الألوسيين: نعمان ومحمود، هذا وقد أكسبته هذه ما يلي:
1. الاعتدال في الحكم على آراء الآخرين من مخالفي المدرسة السلفية القديمة والمعاصرة.
2. الاستفادة من محاسن كتابات المدارس جميعها، وهذا ما قبسه على الأخص من العلامة القاسمي، في كتابه الموسوعي محاسن التأويل، الذي جمع فيه محاسن النقول عن الغزالي وابن عربي والرازي والزمخشري، إلى جانب نقوله عن ابن تيمية وابن القيم والشوكاني وصدّيق حسن خان.
3. ساهم هؤلاء في تكوين مدرسة توفيقية تلفيقية تنتقي من المدارس، وتجمع محاسنها في أبواب علوم الشريعة عامة والفقه خاصة، ومن هنا فقد استفاد من جهود هذه المدرسة في التوسع في مشمولات مصرف في سبيل الله، بضوابط محددة، وخالف منهج المدرسة السلفية القديمة والمعاصرة في قصر هذا المصرف على باب الجهاد فقط.
هـ. الاستفادة من مدرسة فقه الحديث الشريف:
حيث كانت له دراسات ووقفات مع كتب فقه الحديث الشريف، وعلى الأخص شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد مع حاشية الصنعاني عليه، فقد كان يدرسه في جامعة الزرقاء ونيل الأوطار للشوكاني، وسبل السلام للصنعاني، والروضة الندية لصديق حسن خان، تلك الكتب التي دمجت مباحث الفقه والحديث في صعيد واحد، وتحرت الدليل، وكشفت عن الراجح من المذاهب، كانت نواة لما يعرف عند المعاصرين بالفقه المقارن، وقد كان عنده تفكير في تيسير سبل السلام لطلبة العلم وتقريبه لهم، ولا أعلم إلى ما انتهى مشروعه فيه.
و. البحث في كتب فقه الدليل:
لئن وصفه الناس بأنه حنبلي الفقه، إلا أنه كان باحثاً في فقه الدليل، منطلقاً إلى رحاب شتى مدراس أهل الإسلام، يوازن بينها، ويؤلف بين اتجاهاتها، ويومئ إلى سعة آفاق علمائها، وبالتالي فقد كان هجيري درسه النظر في كتب الفقه الاستدلالي أمثال: المجموع شرح المهذب للنووي، والمغني لابن قدامة، والمحلى لابن حزم، وبدائع الصنائع للكاساني، مما أكسبه تحللاً من التابعية للمذاهب وعرفاناً بالدليل ودوراناً معه، وبحثاً عنه وحرصاً على الراجح، وتيسيراً على العباد.
ز. المشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية:
إذا كان من مأثور شيخه الألباني: أن العلم بحث، ولقد كان هذا البحث سجية عند الشيخ الأشقر، وكان في أعلى مجالات البحث المشاركة في الندوات والمؤتمرات العلمية المتخصصة، وعليه فقد شارك رحمه الله في ندوات علمية، ومؤتمرات متخصصة، فكان هو وصاحباه العلامة الأستاذ الدكتور محمد نعيم ياسين، والأستاذ الدكتور محمد عثمان شبير، أحلاس ندوات الزكاة في الكويت وبيروت والبحرين وغيرها، كما كان مشاركاً في مؤتمرات المنظمة الطبية الإسلامية بالكويت، ومن أبحاثه فيها: كتابه عن الحيض، إذ جلى فيه مسائل كانت مستغلقة عند القدماء بالاستعانة بكلام أهل الطب كمسألة حيض الحامل، كما شارك في بعض دورات المجمع الفقهي بجدة بصفته الشخصية غير مبتعث من جهة حكومية عرفاناً من أهل المجمع بشخصيته العلمية وإقراراً بفضله، كما كانت له مشاركة في مؤتمرات شركة التأمين الإسلامي ومحاوراتها، ترشيداً للفتوى فيها، وتعميقاً للضبط الفقهي المراد في أمثال هذه المؤسسات، كما كان مشاركاً في جميع المؤتمرات العلمية التي عقدت في كلية الشريعة بجامعة الزرقاء الأهلية، مما حقق له ما يلي:
1. تلاقح الأفكار في المسائل العلمية.
2. إنضاج المسائل العلمية بالمحاورة مع أهل الاختصاص كما هو الحال في مسألة خطاب الضمان وبحثه فيه.
3. التفتيق في المسائل العلمية المستجدة كمسألة المشاركة في المجالس النيابية والوزارات في ظل الأنظمة الجاهلية، والتوسع في مشمولات مصرف في سبيل الله، ومستجدات مصرف المؤلفة قلوبهم.
4. تأهل ليكون مرجعية فقهية عامة لكل المسلمين دون نظر إلى اجتهاداتهم أو أقطارهم أو انتماءاتهم.
5. خصائص فقه الأشقر:
تميز فقه العلامة الأشقر بخصائص ومزايا تميزه عن فقه غيره من علماء عصره وهذه كما يلي:
أ. تجسير الهوة بين المحدثين والفقهاء:
ولئن كان العلامة الأشقر فقيهاً بامتياز، إلا أن له نسباً عريقاً في السنة وعلومها، فهو تلميذ شيخها أبي عبد الرحمن الألباني، الذي استفاد منه المعرفة بالسنة وتوثيقها، والبحث في أدلة السنة وحسن توثيق العزو إلى كتب السنة، مما جعله حالة نادرة في حسن توثيق تخريج الأحاديث بين فقهاء عصره، لا يشاركه فيها إلى حد ما إلا العلامة الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان والعلامة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي كما هو معلوم للدارس المتابع لبحوث الفقهاء، وتوثيقاتهم للسنة.
ب. الميل إلى فقه المقاصد:
إذا كان الشيخ صاحب كتاب مقاصد المكلفين، فإن هذا يجعله يميل إلى مدرسة المقاصد، والبحث في المآلات دونما تطرف في الأخذ بظواهر النصوص، وقد تبدى هذا المنهج في دراساته الفقهية، فهو يرى جواز الاشتراك في المجالس النيابية؛ لأن مآلها حماية الدعوة الإسلامية، والقيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتدريب المخلصين على حسن غدارة غيرهم، وتقديم النموذج الحسن لعمل أهل الدين في سياسة الناس، كل هذه مقاصد حسنة، ومآلات معتبرة، يجنح لها نظر الفقيه.
ج. الوسطية والاعتدال:
على كثرة المؤثرات النصية في فقه الرجل، إلا أنه كان وسطياً معتدلاً في فقهه، وقد تجلت هذه الوسطية وهذا الاعتدال فيما يلي:
1. التعامل مع جميع المدارس الفقهية على حد سواء:
فقد عرف بأئمة هذه المدارس، في كتبه المتعلقة بالتأريخ للفقه، وحارب فيها التعصب المذموم، ودعا إلى احترم الجميع؛ لأنهم يصدرون عن منهل واحد، هو كتاب الله الكريم، وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
2. حسن التعامل مع آراء الفقهاء:
وخاصة ما كان يراه منها مجانباً للصواب، على قاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية، رفع الملام عن الأئمة الأعلام.
3. حسن تفسير سلوك الآخر: فهو إن كان عالماً، فهو دائر بين دائرتي الخطأ والصواب في الاجتهاد، وهو مأجور في كلتا الدائرتين، وهو إن كان من عوام الناس، فهو في دائرة العذر بالجهل والخطأ والنسيان، ولذا فقد كان رأيه في المجتمعات التي نعيش، أنها مجتمعات مسلمة، وإن شابت علاقتها بهذا الدين بعض الشوائب، بعكس آراء بعض المكفرة، الذين يرون كفر هذه المجتمعات ببعض المعاصي، غفلة منهم عن الهدي السديد في حسن تفسير سلوك الآخر.
د. مراعاة أدب الخلاف وفقه الاختلاف:
لئن كان الشيخ قد نظر للمسلمين في تعريفهم بفقه الاختلاف، وخاصة في رسالته فقه الاختلاف، التي نشرها في العدد الأول من مجلة الحكمة، التي تصدر في بريطانيا، ثم نشرها في كتيب، وقد مارس رحمه الله هذا الذي نظر به مع غيره من العلماء فأنصفهم بإقرارهم على أحقية الخلاف الفقهي، وسمع حجتهم فيه، ولم يصادر آراءهم الخاصة، وأحسن تفسيرها، وأعذرهم عند عدم قناعته بها، ورأى أنهم في كلا الحالين مجتهدون مأجورون، وهكذا كان هذا الحال سجية في شخص هذا الرجل، ظهرت آثارها في حياته وعلى كتاباته.
هـ. الجمع لا التفريق:
كان العلامة الأشقر جماعاً في حياته ومماته، فقد كانت له صلات بجميع أطياف المدارس الفكرية عند المسلمين، وقد كان محبوباً عند هذه المدارس، وقد بادلها هذا الشعور بأريحية وسجية، من غير كلفة ولا تكلف، ومن لاحظ جنازته عرف صدق هذا، حيث إنها قد جمعت الرسمي والشعبي والموافق والمخالف والمتشدد والمتساهل، ولقد كانت هذه أساً في فقهه، فهو يرى أن هذه المدارس جميعاً ما هي إلا روافد لبحر الإسلام، الذي ينتسب الجميع إليه، فقد كان يف فقهه يجمع ولا يفرق، ورائده في ذلك كله مقولته المشهورة (عند الله تلتقي الخصوم)، مما جعله حريصاً في فقهه على وحدة الأمة، وجمع الكلمة، والبعد عن التعصب، والبحث عن الدليل، وتحري الحق، وهكذا كان دأبه رحمه الله.
و. الإنصاف:
كان العلامة الأشقر منصفاً لغيره، ولقد سمعته يقول عن أخيه، العلامة الدكتور محمد رحمه الله: "أخي محمد أفقه مني"، وكان يذكر أفضاله عليه، وإن كان الأعرف عند الناس هو الشيخ عمر، ولا يعرف أخاه محمداً إلا الخاصة من أهل العلم، ولقد ظهر إنصافه على فقهه، فهو لا يقبل أقوال الناس إلا من مصادرهم، ولا يسمع أدلتهم إلا من مدوناتهم، ولا يقبل لأحد أن يلزم غيره بما لم يقل به صراحة، بل يجعل نفسه حكماً بين هذه المدارس بكل إنصاف، ولا يأنف أن يسأل غيره عن مسألة احتاج إليها دون نظر لحال ذاك المسؤول، ولم ير غضاضة في الاعتراف بقلة معرفته ببعض المسائل، فقد سئل مرة عن المعتمد من شروح مختصر خليل في الفقه المالكي، فقال: ليس عندي إلا شرح الدردير، مع حاشية الدسوقي عليه، ولا أعرف غيره، ولشدة إنصاف الرجل فقد كان الشيخان: زهير الشاويش وناصر الدين الألباني، إذ اختلفا في الأمور المالية كان الحكم بينهما الدكتور عمر الأشقر رحمه الله وذلك قبل استقراره في الأردن.
تعليق