معادلة لازمة
الحمد لله الذي ينصر عبادة و ينتصر لدينه . الحمد لله الذي يجري الأمور بقدره و مشيئته . الحمد لله الذي يظهر الحق و يعلي كلمته , و يبطل الباطل و يخزيه , يميز الخبيث من الطيب لتتضح الأمور و تستبين الحقائق , فتنفتح بإذن الله بعد ذلك قلوب و عقول العباد لمنهجه و شريعته .
سنة ماضية باقية لا تتبدل و لا تتغير , يتتدافع أهل الحق و أهل الباطل كل يرجو أن يحقق مراده , بيد أن من يأخذ بمقومات النجاح و النصر ينتصر . لا يحابي الله المؤمنين بل هي سنن و قواعد إن أخذوا بها و أدوا ما عليهم من عمل , إنتصروا بإذن الله و توفيقه , وإن قصروا و تخاذلوا وكلهم الله إلي أنفسهم .
معادلة لا بد منها لتحقيق النصر. هناك جهد و سعي و عمل لابد منه . و العمل يشمل الإنسان كله , باطنه و ظاهره , قلبه و جوارحه . فإن أخذ بجانب و ضاع جانب آخر , كانت الهزيمة.
فللقلب و الباطن عمل , و للجوارح و الظاهر عمل لا يجب التقصير في أي من الجانبين .
و عمل الباطن في حق المؤمنين و الدعاة هو الثقة و اليقين بالله و أما في حق الآخرين فهو الثقة بالنفس و المعنويات العالية . ثقة المؤمن و يقينه هي مصدر الإرادة القوية التي يمتلكها المؤمنون , إذ يدركون أنهم يتكلون علي ركن متين . آيات كثيرة و مواطن متعدده يبين الله فيه لنا ذلك (( قال كلا إن معي ربي سيهدين )) ... ((إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ))... ((فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم و أثابهم فتحا قريبا )) .. (( و ما جعله الله إلا بشرا و لتطمئن به قلوبكم و ما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم )) . هكذا حصرا و قصرا إن النصر من عند الله و هكذا يكون حال من تتعلق قلوبهم بالله و يثقون به متيقنين من وعده لعباده . أما الطرف الآخر فيغتر بنفسه و ينتفش بقوته و مكره و تدبيره , و شتان بين الطرفين فالأسباب بيد الله يجريها كيف يشاء , فإن تحقق في المؤمنين عمل القلوب و الجوارح قلب الله الأسباب لتكون مدخلا لإنهيار نفسيات و إرادة من يحاربونهم .
نعم قد تضيق الأمور و تتعقد المسائل لغاية و حكمة يعلمها الله , لينفر المؤمنون إلي ربهم و يعودوا إليه متزللين خاضعين خاشعين , لا يثبت في هذه الأحوال إلا أصحاب القلوب النقية الطاهرة الموصولة بربها فيجزع إليهم الناس يتلمسون الثبات و الطمئنينه ,إمتحانات و إختبارات و تمحيص ليميز الله الخبيث من الطيب , و ليتجلي لكل إنسان حاله و مدي رسوخ الإيمان في قلبه .
و أما عمل الجوارح , فهو الأخذ بالأسباب , بيد انه هناك فارق كبير بين الطرفين , فأهل الإيمان مطالبون بأقصي ما يستطيعون و ليس ما يجب أن يكون (( و أعدوا لهم ما إستطعتم من قوة )) هكذا , و هكذا فقط ما إستطعتم فلتستفرغوا جهدكم و طاقتكم ( و إن لم تكن كافية في موازين البشر) و تكلوا الأمر بعد ذلك إلي ربكم , فعندها سيحقق الله لكم النصر بحوله و قوته و قدرته . أما الطرف الآخر فلا يسعه إلا أن يحقق ما هو مطلوب لتحقيق النصر , يستكمل كل الجوانب المطلوبه و ينتظر آملا في أن يقصر أهل الإيمان في إستكمال ما يستطيعون .
ما أيسر النصر للمؤمنين إن هم أخذوا بأسبابه , و ما أهون أعداء الدين عند الله مهما حازوا من قوة .
إن المؤمن في سكينة و طمئنينة لا يفزعه شيء إلا أن يكون مقصرا في حق الله و لم يستكمل ما يستطيع من أسباب , فيراجع نفسه عند الملمات و الشدائد فإن وجد خيرا إطمئن و فرح به , و إن وجد غير ذلك يدرك أن لله غاية و هدف من ذلك فيسلم لمراد الله , و يسعي ويعالج قصوره و يستكمل أسباب إستحقاق النصر من الله . و أما الغافلين من أعداء الدين فإن الله يملي لهم لتقام عليهم الحجة و تنفضح نواياهم و أفعالهم , فتتجلي الحقائق و يبصر من كان مفتونا بهم , فإن أخذهم الله بعد ذلك كان الجميع علي بينة .
إن القرآن الكريم و السنة المطهرة و التريخ القديم و الحديث يثبت هذه المعادلة بصورة جلية و يكشف للدعاة طريقهم و عدتهم إلي النصر و التمكين , و ما أحداث غزة منا ببعيد . فهل نعي و نعتبر , هل نتعظ و نوقن , فنعود إلي ربنا متزللين خاشعين , و لا نقصر و لا نبخل بوقت أو جهد أو فكر أو مال , نتعالي علي أنفسنا فنغلق مداخل الشيطان و نحقق الترابط لنكون صفا واحدا يرضي عنه الله و تسعد الملائكة برؤيته , فيتحقق النصر و تنكشف الغمة عن أمتنا و يرتفع الكرب و الهم عن الضعفاء و المحتاجين , و نفوز قبل كل ذلك و بعد كل ذلك برضا الله .
(( رضي الله عنهم و رضوا عنه , ذلك لمن خشي ربه ))
فاللهم نشهدك أننا راضون عنك , واثقون بوعدك , متوكلون عليك , مطمئنيين لنصرك ... فاللهم هل أنت راض عنا .
نسألك بحولك و قوتك و قدرتك أن تربط علي قلوبنا و تعيننا علي أنفسنا و شياطيننا و تمكننا من الوفاء بما علينا حتي نلقي نبينا مجاهدين صابرين مقبلين , فيعرفنا و نعرفة و نسعد بقربه و العيش في جنتك مع الصحابة و التابعين و الشهداء و الصالحين .
اللهم إنا نسألك أن نعيش دعاة عاملين و أن نموت شهداء مخلصين , و أن نكون إخوة متحابين فيك يارب العالمين .... آمين آمين آمين