استكمال للموضوع
التناغم مع الطبيعة
وربما كان هذا من الأسباب المباشرة لهجوم المستشرقين على الإسلام وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
ولا يرى (علي عزت) أنه من الضروري أن نقوم بدحض هذه الاتهامات بلعلينا أن نقول بصراحة ووضوح أن الإسلام فعلاً لا يرفض الحياة الجنسية لأنه يدعو إلىممارسة حياة طبيعية كما يدعو إلى السعادة في الحب بقدر ما يدعو إلى صحة البدن والقوة والشجاعة والجهاد وكسب المال، فالإسلام في كل هذا لا يحبذ الإعراض عن الدنيا، وفي نفس الوقت لا يحبذ الإسراف فيها وإنما يدعو إلى التوسط والاعتدال .
فالإسلام الذي يسمح للإنسان الذي ارتفعت يداه إلى الله متذللة متضرعة بالدعاء المخلص هو نفسه الذي يسمح بأن تمتد يداه إلى مسرات الدنيا وطيبات النعم الإلهية .
يقول (علي عزت): (إن كل ما يطلبه الإسلام منا في هذا الشأن ألانتعدى حدود الله، وهذا المعنى يتردد مراراً في آيات القرآن، كما يشترط أن تكون هذهالمسرات طاهرة طيبة، وأن تكون بالنسبة للزوجات محصنين غير مسافحين).
ولأن الإسلام تجنب الصدام مع الحياة تمكن بذلك من وضع قيود على الاستمتاع بالغريزة الجنسية، وكان الزواج المشروع هو الحل وهو الواقع المشهود فيحياة ملايين المسلمين في العالم حتى اليوم، أما التعدي على حدود الله والفساد الأخلاقي فقد انحصرا في قصور عدد من الحكام ورجال الطبقة العليا في المجتمع. إلاأن التركيز المبالغ فيه على هذه الطبقة في التاريخ والأدب أخذ حجماً أكبر بكثير من حقيقته، لذلك يخرج القارئ بانطباع خاطئ عن صورة الحياة الأخلاقية في المجتمعاتالمسلمة .
والحقيقة أن المجتمعات المسلمة كانت – عبر القرون – حريصة علىتجنب الفساد والرذائل، ملتزمة بالشريعة والآداب الإسلامية، وليس في الأمر تناقض إذا كنا نتحدث عن عامة المسلمين وغالبيتهم العظمى .
· أما الوضع في أوروبا فمختلف تماماً .. لماذا؟
لأن أوروبا قد عانت من اتجاهين متناقضين ووقعت تحت تأثير متزامن لنوعين متعارضين من الفكر: الفكر المسيحي المعادي للحياة الجنسية والفكر المادي الداعي إلى التمتع بكل ما في الحياة الدنيا التي لن تتكرر، لأن الحياة الآخرةوملكوت السماء في نظر الفلسفة المادية مجرد خرافة دينية .
وبما أن الخيار المسيحي بدا مستحيلاً في واقع الحياة – سواء اعترفبذلك أصحابه أم لم يعترفوا – فإن الغلبة كانت من نصيب الفلسفة المادية الداعية إلى إطلاق العنان للشهوات. وبذلك انفتح الباب على مصراعيه لكل أنواع الفساد الخلقيوالانحرافات النفسية والاجتماعية وتمزق العلاقات الأسرية .
اترك تعليق: