قال تعالى (النساء) :وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً . كما قال تعالى في سورة (البقرة) وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.
قد أصبح يجتاح مجتمعنا الفلسطيني ظواهر غريبة و دخيلة علينا . فنحن ليس ببعدين عن ويلات الحروب و القصف و التهجير من أرضينا و قرونا ومدونا من قبل العدو الصهيوني .
على الرغم من ذلك فلقد أشاد بنا العالم كله بالوقفة و الصمود البطولي من شعبنا بالحرب الاخيرة على غزة أننا شعب لا يموت و لا يهزم و كيف نهزم وفينا أبطال تواجه بصدورهم دبابات وصواريخ الاحتلال الغاشم ، كيف نهزم وصبرنا على الحصار سنوات كيف نموت وفينا شباب تصول و تجول وتقارع المحتل وبطولاتهم الكل يعلمها ففقراتي و جملي لا تسعفني بوصفهم او تمجيدهم فوالله لو وجدت تعبيرات أقوة ما بخلت بها لإثراء الفقرات لكن شعبنا لا يحتاج الى فقرات و لا جمل لتصف صبره و بسالته. انما يحتاج لعدالة عمر و شجاعة خالد ووراعة عمر بن عبد العزيز.
لكن في هذه الأيام أصبحنا نستورد بشكل قصري بعض العادات والأعراف الجديدة التي تدخل بيوتنا و شوارعنا و مدننا دون النظر اليها فما من بيت يخلو من التلفاز ما يسمي الديجتال و الكمبيوتر المتصل بالنت والجوال الذي يتحول لكمبيوتر صغير ومعظمها تستخدم استخدامات سيئة فكلها وسائل تدمير و ليس تعليم إلا القليل مع انها مصنوعة لتطوير البشرية . و لم يعد المجتمع قادر على تصفية و لفظ هذه الاعراف لسرعتها بغزوه المجتمع فهي كالجراد بل و أسرع .
فنجد بمجتمعنا الفلسطيني جديد هذه الظاهر قتل المرء لاخية ولامه أبيه و لصاحبه و بنيه وغيرها من الاترامال الذي دمر شبابنا وو سائل الادمان الاخرى , فقد رأينا ذلك جهارا نهارا لم يعد أحد يتكلم او يعظ و لم اسمع بشيخ على منبر او حاكم او واعظ ينهى او يعظ . وبدى مجتمعنا مذهول امام هذه الظواهر الغريبة .
كنا بالأمس نقرأ بصحيفة الحوادث المصرية ونستغرب مما يجول فيها فلقد وصل بنا الحال اننا بحاجة الى مجلة حوادث اخرى لتغطي فظاعات الحادثة فهذا يقتل وذاك يسرق و ذالك يمثل في الجثمان بعد القتل وأخر يلقي الجثة بعد اغتصابها و اخرها فظاعة شاب يقتل امه وأبيه وهم نائمين. لقد وصلنا لمنتهى الانحطاط ما عدنا نصبر ونتحمل حتى ان نتكلم بذلك مع اننا مجتمع مسلم مؤمن وموحد و المساجد تعج بالمصلين ، لماذا الى هنا وصلنا؟ .
بعد هذا كله استوردنا عرف جديد و ظاهرة صارت تتفشى شيئا فشيء تسمي حرق النفس هذه الظاهرة الغريبة رأينها بالثورة التونسية من هذا الشاب طارق الطيب محمد البوعزيزي بمقتبل العمر فقد قام يوم الجمعة 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2010م بإضرام النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على مصادرة سلطات البلدية في مدينة سيدي بو زيد لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه، وللتنديد برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها في حق الشرطية فادية حمدي التي صفعته أمام الملأ وقالت له: (بالفرنسية: Dégage) أي ارحل (فأصبحت هذه الكلمة شعار الثورة للإطاحة بالرئيس وكذلك شعار الثورات العربية المتلاحقة).
أدى ذلك لانتفاضة شعبية وثورة دامت قرابة الشهر أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، أما محمد البوعزيزي فقد توفي بعد 18 يوماً من إشعاله النار في جسده. وبعد بوعزيزي أضرم على الأقل 50 مواطناً عربياً في عواصم عربية النار في أنفسهم لأسباب اجتماعية متشابهة تقليدا لاحتجاج البوعزيزي الذي أقيم تمثال تذكاري تخليداً له في العاصمة الفرنسية باريس.
لكن بطريقة او بأخرى فجر بوعزيزي الشرارة مخزون البارود للثورات العربية فلو وجدنا بمعادلة ان نفس بوعزيزي ازالت الظلم الكبير الواقع على الشعوب العربية فقد ازيح الطاغية زين العابدين و الفرعون مبارك و قارون الامة القذافي و النجاشي وقريبا نرى سوريا وغيرها.
فتعالوا بنا نتعرف لو بشكل بسيط لماذا يقدم شاب بمقتبل عمره و الحياة قد فتحت يداها له على الموت ؟ و هل هذا هو الحل المناسب ؟ و هل ذخر الامة و عماد المجتمع نتركهم للموت ينهش بهم ؟ هل القران و الرسول يحثنا على الاهتمام بالشباب ؟ لماذا تتردد مقولة تريد وظيفة احرق نفسك ؟ وهل النفس رخيصة لهذة الدرجة؟
كل هذه التساؤلات و غيرها تدور برؤوسنا لكن و للأسف معظمنا يعرف اجاباتها و بسهولة . لعل لو تكلمنا في هذا الموضوع بشكل مستفيض فلابد ان نمر بالسياسة و الدين ولو استخلصنا الاسباب التي تدفع الشباب لهذا ووجهنا اللوم للحكومات او لقادة الامة ، فأنت اما فتح او حماس او دخيل فالجميع يفضل السكوت حتى يتجنب تلك الاهانات و المشاكل. فهذه الظاهرة لابد من الوقوف عندها وقفة جدية لاستخلاص الاسباب ليس منا فقط بل من كل انسان مسلم مثقف و من قادة وعلماء هذه الامة الذين يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر .
من الواضح ان الشاب التونسي بوعزيزي لم يخطط و لم يكن يحلم تفجير الثورات كل هذه الثورات انما هو اراد و بشكل بسيط الاحتجاج على الظلم و البطالة و الفساد المستشري بعضد الدول العربية ، بوعزيزي هو نموذج للشباب العربي الذي يتعرض من الانظمة الفاسقة الظالمة الى القهر والتعسف ولكن معظم هذه الثورات كانت انتفاضة على الظلم والفساد.
لكن السؤال التقليدي هل ما فعله حلال ام حرام ؟ وأنا هنا لست بمجال الفتوى هل ما فعلة حرام ام حلال و حتى ولو كانت الاجابة واضحة جدا و لا تحتاج فتوى انما دافعه هو التخلص من الظلم. لكن هناك اصوات تحلل و تحرم ما فعله لان الغاية تبر او لا تبرر الوسيلة كلا حسب اعتقادات كل مذهب . و لاني ببساطة لست من اصحاب الفتوى .
لكن ما يهمنا ان هذه الظاهرة انتقلت بسرعة النار في الهشيم الى مجتمعنا الفلسطيني بالذات بغزة و الضفة ، مع اننا نموت كل يوم بلا حرق فكلنا مشاريع شهادة ولماذا يقدم شبابنا الفلسطيني بقتل نفسه بدل من التوجه للصهاينة و قتلهم ومحاربتهم؟
إنه "لأمر محزن حقا" ان تموت طاقات الشباب بهذه السهولة فالحكومات غير مبالية.
إسلامنا الحنيف لم يترك الشباب فلقد اهتم الاسلام بالشباب لأنهم هم اساس الوطن وهم عماد الامة ولأنهم الركائز الاساسية في المجتمع ولذالك يجب علينا دعم الشباب وتوفير لهم كل احتياجاتهم لكي نرتقي بمجتمع و نعلو بالأخلاق ونكون مجتمع اسلامي . تلك الفقرات الجميع يتكلم بها وتصلح موضوع للتعبير و لكن هل هذا معمول به فالشباب الطاقة المهدورة بمجتمعاتنا العربية فالكل يتكلم بتحسين وضع الشباب العربي الذي نهشهم الفراغ و البطالة و الملل . ولو ذهبت الى اغني الدول العربية لتجد مشاكل الشباب واحدة فالكل يريد الهجرة لأسباب مختلفة و الكل يعاني من البطالة و الكل يعاني من شح الفرص و الظلم .
لكن شبابنا لفلسطيني مختلف فنحن اصحاب قضية وأصحاب مبادئ هجرنا من بلادنا وأرضينا و مزارعنا قصرا و نأمل العودة بالشباب فإذا كان الشباب فريسة للتلفاز والنت و للإدمان و فريسة للبطالة فهل من عودة او حتى قضية فلسطينية . صحيح ان قضيتنا باتت بمهب الريح بفعل فاعل .إلا ان التحرير بكم ايها الشباب و ان ضاقت الدنيا فلا ننسى الذي لا يغفل و لا ينام و الذي لا يظلم عنده احد "الله".
ولعل الصعب بالأمر و الغير مقبول هو وسائل الاعلام الذي تصور الذي يحرق نفسه بالبطل . وتشجع على تلك الفعلة وأقول حسبنى الله و انت نعم الوكيل ليس بطلا من ينهي حياته بهذه الطريقة نعم اشعر بالضائقة اشعر بالمستقبل المجهول اشعر بظلم الحكومات لكن الله بيده الكون و الرزق .
فكل انسان ضاقت به الحياة . فالأمم السابقة عانت ويلات الحروب و القتل و البطالة و لا نسمع بشيء هكذا .
ايها القادة مشاكلنا واضحة فهي ليست ارقام في صفحة مهملة ،انزلوا للشارع اجلسوا مع الشباب اسمعوا منهم سوف ترون وتسمعون الكثير من تلك المشاكل . فإذا ابيتم تعالوا الى ديوان الموظفين او مكاتب العمل في وكاله الغوث وغيرها فهناك طوابير الخريجين والعاطلين عن العمل . وهنا لا يكفي النظر بل لابد عليكم وضع الحلول المناسبة فكلكم راعي و كلكم مسئولون امام الله .
لم يعد هناك صبر طويل فإننا نعاني من صعوبة العيش ، اعطونا الفرصة لنتكلم ولنعمل سويا نحن شركائكم و نحن الجزء الاصيل من المجتمع . انظروا بعين وقلب عمر بن الخطاب واجدو لهم العيشة الكريمة فقط .
ايها الشباب عليكم بالصبر و التمسك بالإصرار و العزيمة و التمسك بكتاب الله وسنه نبينا و التقرب الى الله . فان الله لن يخذلكم لا تصغوا للشيطان لأنه مطرود من رحمه الله فلا تكونوا مثله و لا تدعو للفراغ نصيب من وقتكم و توكلوا على الحي الذي يموت و لا تطلب من العبد شيء بل اطلب من رب العبد اشياء فان الطلب من العبد لا قيمه له.
نحن صممنــــــــا وأقسمنا اليمين *** أن نعيـــــــــــش ونموت مسلمين
مستقيمين علــــــــى الحق المبين *** مُتَحَـــــــــــدِّين ضلال المُبطِلين
أنا مسلمٌ أبغي الحياةَ وسيلةً *** للغاية العُظمَـــــــى وللميعــادِ
لرِضا الإله وأن نعيش أعزةً *** وَنُعِدّ للأخـــــرى عظيم الـزادِ
أنا مسلمٌ أسعى لإنقاذ الورى *** للنـور للإيمــان للإسعـــــــادِ
ويرُوعُنِي هذا البــلاء بأُمتي *** لما تَخَلَّتْ عن طريق الهـادي