إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خطبة: فقر الناس والعبيد إلى الله الغني الحميد. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خطبة: فقر الناس والعبيد إلى الله الغني الحميد. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله

    فقر الناس والعبيد إلى الله الغني الحميد
    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسلَه بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا.
    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء: 1).
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 102).
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 70، 71)
    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (فاطر: 15)
    فالناس كلُّ الناس فقراءُ إلى الله جل جلاله، وفي حاجة دائمة مستمرة إلى عون الله سبحانه، فالمسلم يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ* اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (الفاتحة: 5، 6).
    بعض الأغنياء يخشى من الإنفاق في سبيل الله خائفا من الفقر، فلا يزكي ولا يتصدق، والدعوة للإنفاق في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد: 38)
    فإن تماديتم في البخل بالإيمان بالله، والإنفاق في سبيل الله فاحذروا من ذاك التمادي أن يؤدي إلى التغيير والاستبدال.
    يا عبد الله! خالقك ذو قدرة وقهر، {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} (الأنعام: 133).
    المُلْكُ كلُّه لله الغني العظيم، {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (لقمان: 26) كيف لا؟! وهو وحده الذي {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ* إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (فاطر: 13، 14)
    فإن عاندتم وأصررتم على الإعراض عن الله سبحانه، ومالت قلوبكم إلى غيره فـ{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} (سبأ: 22).
    فما دمنا علمنا ذلك؛ وهو أن الكلَّ فقير إلى الله الغني الحميد؛ فلماذا لا نتوجه إليه وحده سبحانه، ونفرده بالدعاء والتوسل والاستغاثة، فمن ملكه أنَّ {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (الحج: 64)، فإذا أردنا أمرا من أمور ديننا ودنيانا، أو شأنا من شئون أولانا وأخرانا؛ فما علينا إلا أن نتوجه إلى الله مالكِ الملك، وخالقِ الخلق، إنه {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ* لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الزمر: 62، 63)
    نخلص في دعائنا ونصلح في أعمالنا، ولا نُدِلَّ على ربنا بأعمالنا ولا جهادنا، فمن صلى فإنما يصلي لنفسه، ومن حج فإنما يحج لنفسه، {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (العنكبوت: 6)، {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (لقمان: 12).
    بالإخلاص والعمل الصالح ننال رضا الله سبحانه، فإذا دعوناه استجاب لنا دون وساطة، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر: 60) {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} (الفرقان: 77)
    {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186)،
    ففي أي زمان أو مكان أبواب الدعاء مفتوحة، ولكن الدعاء أثناء العبادات أولى وأفضل، فـ«أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» صحيح مسلم (482)، و"ثلاث دعوت لا ترد: دعوة الوالد ودعوة الصائم ودعوة المسافر". الصحيحة (1797) والدعاء أثناء أداء مناسك الحج والعمرة، ونحو ذلك.
    فكيف لو كان الدعاء في المكان المناسب وذلك في بيوت الله، المساجد خصوصا حول الكعبة، أو مسجد المدينة، أو المسجد الأقصى...
    فكيف لو كان الدعاء في الأوقات المشروعة بعد أداء عبادة ليلية، من صلاة قيام أو تلاوة قرآن، أو ذكر وتسبيح وابتهال إلى الله جل جلاله، وذلك في الثلث الأخير من كل ليلة، وقت التنـزُّل الإلهي، فـ"يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ، حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ ". مسلم (758).
    والناس في حاجة واضطرار إلى الله سبحانه، في كل أحوالهم، فيا من وقع في ديون أثقلت كاهلَه، وجعلته يغرق في همومه، صل في الثلث الأخير من الليل واقرأ ما تيسر ورفع يديك قائلا: «اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ». مسلم (2713). وكرِّر ذلك مرات عديدة، في ليالي متواليات، ولا تيأس، فسيأتيك الفرج.
    ويا من ابتلي بالأمراض والآفات، توجه في هذه الساعة إلى الله سبحانه، وتعرض لنفحاته، وادعوه وتوسل إليه، {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (الأنبياء: 83) وكَرِّر ولا تَمَلَّ ولا تيأسْ، حتى تشفى وتعافى.
    فإذا أصابك قلق فلم تهنأ بنوم فاقتدِ بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم الذي "كان إذا تضوَّر من الليل قال: لا إله إلا الله الواحد القهار، ربُّ السماواتِ والأرضِ وما بينهما العزيز الغفار". الصحيحة (2066)
    وأنت يا من ترجو زوجة صالحة مع الفقر وقلة المادة؛ لا تيأس وألح على الله في هذه الساعة، ادعوه بقلوب متيقظة لا غافلة فـ«ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ» الترمذي (3479).
    وأنت يا من طال انتظارك للذرية الصالحة، ولم ترزق بأولاد أو بنات، لا تيأس وادخل على الله في هذه الساعة، وارفع إليه أكفّ الضراعة، وإن كنت كبيرَ السن، قاطعَ الأمل من الأطباء والناس، فادع من خالص قلبك: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} (آل عمران: 38)
    وأنت أيتها الأمة، يا من ابتليت من أولادك ومن أعدائك، فالأعداء يتربصون بكِ الدوائر، وأولادك إلا من رحم الله؛ ينخرونك من داخلك بالاقتتال الداخلي، والتهافت على الملك والرياسة، سفك بعضهم دماءَ بعض، وانتهكوا أعراض بعض، وتبادلوا السباب والشتائم، واللعن والطعن، لا يخافون الله القهار جل جلاله، ولا يخشون عقابه، ويرجون زعما وادعاءً غفرانه وثوابه.
    أيتها الأمة! عودي إلى الله الرحمن الرحيم، وأنتم أيها المخلصون من أبناء هذه الأمة المرحومة، توجهوا إلى الله في الثلث الأخير من الليل، وبعد أداء ورد الليل من صلاة وتلاوة وذكر، ادعوه سبحانه بإخلاص ويقين، دعاء من وقع في بئر عميق، أو واد سحيق، دعاء من جاءه الموج من كل مكان، دعاء مكروب في سجن موصد الأبواب، دعا من دخل كهفا فأغلق بابه بإحكام بصخرة يعجز عن زحزحتها بضعة رجال، ادعوا دعاء المكروب بعد أن تقدموا لله خالص العبادات والصدقات، وحسن المعاملات والأخلاق الحسنة، فقد قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَرَجَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمُ المَطَرُ، فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ، قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: (اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى، ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ فَأَجِيءُ بِالحِلاَبِ، فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ، ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي، فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً، فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ)، قَالَ: (فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا، حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ)، قَالَ: فَفُرِجَ عَنْهُمْ، وَقَالَ الآخَرُ: (اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ، فَقَالَتْ: لاَ تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً)، قَالَ: فَفَرَجَ عَنْهُمُ الثُّلُثَيْنِ، وَقَالَ الآخَرُ: (اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ، وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ، فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ، حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! أَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ البَقَرِ وَرَاعِيهَا فَإِنَّهَا لَكَ، فَقَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟ قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ وَلَكِنَّهَا لَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا)، فَكُشِفَ عَنْهُمْ" البخاري (2215) ومسلم (2743)

    *** الخطبة الثانية ***
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين؛
    واعلم أخي المسلم أن الجنة والنار مفاتيحها بيد مالك الملك، مالك يوم الدين، فلا تُطلَبُ الجنةُ من غيره سبحانه، ولا يستجار بسواه من النار، فلمن الملك يوم القيامة؟
    إنه لله وحده، فإنه "ما استجار عبد من النار سبع مرات في يوم؛ إلاَّ قالت النار: يا ربِّ! إن عبدَك فلانا قد استجارك مني فأجرْه، ولا يَسألُ اللهَ عبدٌ الجنة في يوم سبع مرات؛ إلاَّ قالت الجنة: يا ربِّ! إن عبدَك فلانا سألني؛ فأدخله الجنة". الصحيحة (2506)
    وثبت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَلا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} (إبراهيم: 36) الآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (المائدة: 118)، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ! أُمَّتِي أُمَّتِي»، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «يَا جِبْرِيلُ! اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟» فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: "يَا جِبْرِيلُ! اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلا نَسُوءُكَ". صحيح مسلم (202)
    و"سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟! قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ! وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ؟ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ! فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ! فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ! قَالَ =أي موسى عليه السلام=: رَبِّ! فَأَعْلاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ؛ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ"، قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (السجدة: 17) الآيَةَ. مسلم (189).
    ألا وصلُّوا على خير خلق الله فقد أمركم بذلك مولاكم، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}. (الأحزاب:56)
    اللهم صلِّ وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
    وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
    إِلَهَنا! فَرَرْنا إِلَيْكَ بِذُنُوبِنا، فَاعْتَرَفْنا بِخَطاينا، فَلا تَجْعَلْنِي مِنَ الْقَانِطِينَ، وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الدِّينِ.
    إِلَهنا! إِذَا ذَكَرْنا ذُنُوبنا أَيِسْنا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ, وَإِذَا ذَكَرْنا رَحْمَتَكَ رَجَوْناهَا.
    إِلَهنا! أَمْدِدْ أعينَنا بِالدُّمُوعِ، وَقلوبنا بِالْخَشْيَةِ والخشوع، وَضَعْفنا بِالْقُوَّةِ والمنعة، وأنفسنا بالقناعة، حَتَّى نَبْلُغَ رِضَاكَ عَنّا, يا أرحم الراحمين!
    عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90) فاذكروا الله العظيم الجليل يذكرْكم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
    كتب وخطب أبو المنذر فؤاد
    25/ 7/ 1433هلالية
    وفق: 15/ 6/ 2012 شمسية.
    للتواصل مع الشيخ عبر البريد الالكتروني: [email protected]
    أو زوروا الموقع الالكتروني الرسمي للشيخ: www.alzafran.com

  • #2
    رد : خطبة: فقر الناس والعبيد إلى الله الغني الحميد. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله

    جزاك الله الجنة ...في ميزان حسناتك إن شاء الله

    تعليق


    • #3
      رد : خطبة: فقر الناس والعبيد إلى الله الغني الحميد. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله

      جزاك الله الجنة ...في ميزان حسناتك إن شاء الله

      تعليق


      • #4
        رد : خطبة: فقر الناس والعبيد إلى الله الغني الحميد. الشيخ: فؤاد أبو سعيد حفظه الله

        بارك الله أخ أسامة

        تعليق

        جاري التحميل ..
        X