إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السحر وأنواعة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السحر وأنواعة



    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إن أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

    السحر :
    أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السادس من دروس النهي عن التعاون مع السحرة و المشعوذين و الدجالين.
    أيها الأخوة الكرام، ننتقل في هذا الدرس إلى موضوع السحر بالذات، كلمة يكثر تردادها على ألسنة المسلمين، و في بعض هذه الأقوال وضع لا أصل له، من أبرز هذه الأقوال الموضوعة التي لا أصل لها: " تعلم السحر و لا تعمل به "، لا أصل لهذا الكلام إطلاقاً في تراث النبوة.
    على كلٍّ وردت كلمة السحر في حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم في معرض الحديث عن البيان، فقال: إن من البيان لحكمة، و إن من الشعر لحكمة.
    و الحكم الشرعي في الشعر أنه كلام حسنه حسن، و قبيحه قبيح، إلا أن المعني في هذا الموضوع الشعر الذي أساسه التعامل مع الجن، فمن تعريفات السحر الشرعية ما كان من عمل فيه اتصال بالشياطين بقصد الفتنة، أو التوكل على غير الله عز وجل في الدواء، وجلب الشفاء.
    حينما يوهم المسلم أن جهة غير الله يمكن أن تشفيك، أو أن تعطيك، أو أن تحميك، أو أن تدفع عنك الضر فهذا من أكبر أهداف السحر، أن تنصرف عن الله إلى غيره، أو أن يفتن بالدنيا، أن يغرق في المعصية، أن يتجه إلى الملذات التي حرمها الله عز وجل، أي ليس هناك من هدف لأي نوع من أنواع السحر إلا أن يضل إنسانًا أو أن يفسد، أن يضل عقله، وأن تشقى نفسه، هذا هو الهدف الأكبر للسحرة الذين يتعاونون مع شياطين الجن، الجني المسلم المؤمن اسمه جني، أما الجني الكافر فاسمه شيطان، فإذا قلنا كلمة شيطان، أي مع القسم الثاني من الجن، و ليس هناك تعاون، و لا اتصال، و لا خدمات يؤديها الجن للإنس إلا من أجل إضلال الخلق و إفساده.

    تعريف السحر :
    من تعاريف السحر الدقيقة أنه عمل يتقرب فيه إلى الشيطان بمعونة منه، الدين تقرب إلى الله، السحر تقرب إلى الشيطان.
    تعريف آخر: السحر عزائم، و عقد يؤثر في القلوب والأبدان، أحياناً الإنسان إذا أصابه مس من الشيطان تضعف قواه، لا يقوى على أن يقف، تغلب عليه السوداوية و التشاؤم والكآبة، و يكاد يخرج من جلده من الضغط النفسي الذي يحدثه الشيطان على ابن آدم، لكن يكاد يكون أكبر هدف للسحرة الذين يتعاونون مع الشياطين إفساد العلاقة بين الزوجين.

    هدف الشيطان الأول أن يرغب الإنسان بغير زوجته :
    الشيء المؤلم أشد الألم، و أنا لا أبالغ و الله في كل مئة أسرة مسلمة سبعون أو ثمانون أسرة مفككة بفعل الشيطان، هدف الشيطان الأول أن تكره زوجتك، أو أن تمل منها، أو أن تقول: إنني لا أشعر معها بشيء، و هدف الشيطان الأول أن يرغبك بغير زوجتك، حتى إن كل الأعمال التي توصف بأنها أعمال فنية هدفها أن يكره الإنسان زوجته، و أن يتجه إلى غير زوجته، وهذا من فعل الشيطان، والذي يقطع هذا الموضوع كلياً أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

    (( الحمد لله الذي رزقني حبّ عائشة ))

    [ ورد في الأثر]

    وأنا أدعو كل زوج أن يبذل المستطاع كي يحب زوجته، و كي تحبه زوجته، هذا هو الذي يرضي الله وحده، و ما سوى ذلك لا يرضي الله، لأن الله عز وجل حينما قال:
    ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

    [ سورة الشورى: 29]

    ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾

    [ سورة فصلت: 37]

    ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

    [ سورة الروم: 21]

    فالذي لا يحب امرأته، و لا تحبه امرأته، والذي يشعر أن بين الزوجين شرخاً كبيراً ومللاً وسآمة وضجراً هذا البيت بخلاف منهج الله عز وجل.
    أراد الله من الزوجين أن تسود بينهما المودة و الرحمة، لذلك قال تعالى:
    ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾

    [ سورة البقرة: 102]

    أي أهل الإيمان كل مودتهم ومحبتهم وإخلاصهم لزوجاتهم، وأهل الفسق والعصيان كل محبتهم ومودتهم لغير زوجاتهم.
    شرس إلى أبعد الحدود مع زوجته، قاس إلى أبعد الحدود مع زوجته، متجهم مع زوجته، وأحلى وألطف عبارة يسوقها لمن لا تحل له، في البيوت، في اللقاءات ، في الاحتفالات، في السفر، في النزهات، في العمل، في الوظيفة، كل لطافته، ومودته، ورقته، ونعومته، واعتذاره الشديد، وابتسامته، والتعليقات اللطيفة التي يسوقها لغير زوجته، وكل غلاظته لزوجته، هذا الواقع لأن الشيطان فعل فعله، الآية صريحة:
    ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾

    [ سورة البقرة: 102]

    العقد المحكمة التي أرادها الله عز وجل يريد الشيطان لها أن تكون مفككة :
    ثم في قوله تعالى:

    ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾

    [ سورة الفلق: 4]

    الآية لها معان كثيرة، من معانيها: أن هذه العقد المحكمة التي أرادها الله:
    ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾

    [ سورة النساء: 21]

    هذه العقدة التي ينبغي أن تكون محكمة يريد الشيطان لها أن تكون مفككة، لذلك مرة السيدة عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت له:
    (( كيف حبك لي؟ قال: كعقدة الحبل ))

    أي عقدة لا تفك، فأصبحت كلمة العقدة رمز بينهما، تسأله من حين لآخر: كيف العقدة؟ يقول عليه الصلاة و السلام:
    (( على حالها لا تزال متينة ))

    .
    مرة فيما تروي الأحاديث الصحيحة أن السيدة عائشة روت للنبي الكريم قصة أبي زرع، حدثته عن أخلاقه، وعن طيبه، وعن مؤانسته، وعن، و عن، و جعلته الزوج الأول، إلا أنها قالت في النهاية: غير أنه طلق امرأته، فقال عليه الصلاة والسلام: أنا لك كأبي زرع، غير أني لا أطلقك.
    أحياناً أخواننا الكرام، وهذا شيء أنا ألاحظه كثيراً، أن الزوج لا يحلو له المزاح مع زوجته إلا بالزواج الثاني، هو لا ينتبه، هو يمزح، لكنه بهذا المزاح يهز كيانها، يزلزلها، يجعلها قلقة، هذا مزح يؤذي، قال لها: غير أني لا أطلقك، طمأنها، يوجد أزواج كثر لا يحب أن يطمئن امرأته أبداً، دائماً في قلق، كلما ارتاحت يمزح.
    أيها الأخوة الكرام، من تعريف الإمام القرطبي للسحر أنه حق، السحر حق، بمعنى واقع، لكن غير مشروع، محرم، الزنا حق، ما معنى الزنا حق؟ أي واقع، يوجد زنا غير أنه محرم، يخلق الله عند السحر ما يشاء.

    الكرامة و المعجزة :
    أخواننا الكرام، الأنبياء كي يشهد الله لهم أنهم أنبياء، و أنهم مبعوثون من قبل الله عز وجل يعطيهم المعجزات، فكل خرق للعادات يجري على يد الأنبياء هو من نوع المعجزات، و الأنبياء مكلفون أن يتحدوا الناس بالمعجزات، وكل خرق للعادات يجري على أيدي الأولياء، فمن هو الولي بالمعنى القرآني؟ تعريف دقيق جداً:

    ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾

    [ سورة يونس:62-63]

    لا يوجد أي حاجة ليطير الشخص حتى يصبح ولياً، قال له: سيدي الشيخ يطير؟ قال له: نعم، لكن ليس هو الذي يطير، إنما أخوانه يطيرونه، أي يكذبون، الولي لا يوجد حاجة لأن يمشي على وجه الماء، و لا بحاجة إلى أن يطير في الهواء، و لا أن يخرق العادات:
    ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾

    [ سورة يونس:62-63]

    هذا المعنى الدقيق للولي، لكن إذا أراد الله أن يكرم ولياً ما يجري على يده بعض الخروق للعادات، الولي ممنوع أن يذكر هذه الكرامات، لأنه غير معصوم، فإذا ذكرها كذبه الناس، لذلك أنا أرى أن الكرامة ينبغي ألا تروى، و ألا تكذب، فإذا أجري خرق للعادات على يد غير الأنبياء فهي الكرامات.
    السيدة مريم نبية؟ لا، صدّيقة، فحينما ولدت سيدنا عيسى من غير أب هذه كرامة هل بالإمكان أن ننكرها؟ أهل الكهف هل هم أنبياء؟ لا:
    ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴾

    [ سورة الكهف: 25]

    إذاً إن جرى خرق العادات على يد الأنبياء فهي المعجزات، و إن جرى خرق العادات على يد الأولياء بالمفهوم القرآني فهي الكرامات.

    أعظم كرامة يكرم الله بها الإنسان هي كرامة العلم :
    لكن أروع ما في الموضوع أن أعظم كرامة يكرمك الله بها العلم، كرامة ما بعدها كرامة، و هذه الكرامة لا تحتاج إطلاقاً إلى خرق للعادات، من قوله تعالى:

    ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾

    [ سورة النساء: 113]

    لذلك خرق العادات على يد الأنبياء معجزات، و على يد الأولياء كرامات، و خرق العادات على يد السحرة ضلالات، و قد يكون هناك خرق للعادات السبب أن الجن الذين يتعاونون مع الساحر، عندهم قدرات لا يملكها البشر، كتخطي المسافات، و استراق المعلومات، و ما إلى ذلك، فلذلك الشيطان الذي يتولى هذا الساحر يمده بمعلومات لا من غيب المستقبل أبداً، و لكن من غيب الحاضر، أو غيب الماضي عن طريق قرين الإنسان من الجن.

    الشيطان الذي يمد الساحر بالمعلومات لا يمكن أن يتنبأ بالمستقبل لعدم معرفته بالغيب :
    لا يمكن للساحر أن يتنبأ بالمستقبل، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، قولاً واحداً:

    ﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾

    [ سورة الأنعام: 50]

    عندما كلف سيدنا سليمان الجن بأعمال شاقة، و مات، و هم مجهدون بأعمالهم الشاقة، قال تعالى:
    ﴿ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾

    [ سورة سبأ: 14]

    فالشيطان الذي يمد الساحر بالمعلومات لا يمكن أن يتنبأ بالمستقبل، إلا أن غيب الحاضر ممكن، أنت جالس في دمشق، قد ينتقل الشيطان من حلب إلى دمشق بزمن قصير جداً، فقد يخبر هذا الساحر أنه حدث بحلب كذا، هذا اسمه غيب الحاضر، و غيب الماضي عن طريق استحضار قرين هذا الإنسان، فقد يدعون أنهم يحضرون أرواح الموتى، هم لا يحضرون أرواح الموتى، ولكنهم يتصلون مع قرين الميت، فيعطي دقائق حياته اليومية، فيتوهم الإنسان أن هذا من نوع استحضار أرواح الموتى، وهو كذب بكذب.
    أي قد يخرق على يد الساحر بعض العادات، هذه اسمها ضلالات.

    للسحر أثر في القلوب بالحب والبغض وإلقاء الشرك :
    صار هناك معجزة، وكرامة، و ضلالة، على يد مؤمن مستقيم طاهر كرامة، على يد نبي مرسل معجزة، على يد ساحر ضلالة، هذا ينقلنا إلى أن كل شيء حيادي، لأن الإنسان مخير، حتى خرق العادات يمكن أن يكون كرامات، أو أن يكون ضلالات، و يوجد تعريف آخر للسحر: أنه حيل صناعية يتوصل بها إلى اكتساب المال، غير أنها لدقتها لا يحسنها إلا آحاد الناس، قال تعالى:

    ﴿ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ ﴾

    [ سورة الأعراف: 116]

    أنا حدثني صديق أنه ذهب إلى الهند فرأى ما يلي: رأى ساحراً، و معه غلام، و مع الساحر حبل طويل، فألقاه إلى الأعلى، فعلق، فصعد الغلام، حتى اختفى، أمره أن ينزل فلم ينزل، فتبعه الساحر، و بعد حين وقع رأسه، ثم يده، ثم يده، ثم جسمه، شيء لا يصدق ، جاء وفد صحفي، و صور، لم يجد في الفيلم شيئاً، هذا معنى قول الله عز وجل:
    ﴿ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ﴾

    [ سورة الأعراف: 116]

    لا ينكر أن السحر له أثر في القلوب بالحب والبغض، وإلقاء الشرك، فالساحر مهمته الأولى التفريق بين المرء و زوجه، و أن يحول بين المرء و قلبه بإدخال الآلام، و عظيم الأسقام، و هذا مدرك بالمشاهدة، و إنكاره معاندة، السحر واقع.

    حكم السحر :
    الآن إخواننا الكرام: حكم السحر: السحر محرم قطعاً، و قد نص أصحاب الإمام أحمد أن يكفر المرء بتعلمه وتعليمه، أي يخرج من ملة الإسلام بتعلمه وتعليمه، فأين قول العوام تعلم السحر و لا تعمل به؟ لا أصل له، و الإمام مالك والإمام أبو حنيفة صرحوا أن الساحر كافر، واعتمدوا على بعض أقوال النبي، أنه من سحر فقد كفر، أي تعاون بين الإنس وشياطين الجن هو سحر، و السحر كفر، و السحر معصية.
    أيها الأخوة الكرام، جملة القول أن السحر علم حرمه الله تعالى على الإنس، فيه تمويه، وتخييل، و أحياناً خفة يد، وقد يكون بالأدوية، والأدخنة، والتعاويذ المحرمة، وقد يكون بالاستجارة بملوك الجن، وأربابه، بكلمات وعبارات معينة ذات معنى لديه، لإيقاع الأذى في النفوس، و الممتلكات، و لإفساد الصلات، و الروابط، و العلاقات، يوالي فيه مردة الجن أشرار الإنس، لما يحصل لهم فيه من بذل الخضوع من الإنس، و صرف العبادة للجن بدل الله عز وجل، لذلك الآية الجامعة المانعة الواضحة الصارخة المتعلقة بالعلاقة بين الجن والإنس:

    ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

    [ سورة الأنعام: 129]

    فظلمة الجن يتمكنون من ظلمة الإنس، أما الإنسان المستقيم الطاهر المؤمن المتصل فـ:
    ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾

    [ سورة الحجر: 42]

    المؤمن في حصن حصين، وحرز حريز، و الذي مسه طائف من الشيطان معه سلاح فتاك، الاستعاذة بالله عز وجل.

    أنواع السحر :
    أيها الأخوة الكرام، أنواع السحر: هناك سحر الكذابين الذين كانوا يعبدون الكواكب السيارة، ويعتقدون أنه تبدل العالم، و أنها تأتي بالخير و الشر، و هذا هو التنجيم، ألا تستمعون إلا كلمة (منجمون )؟ المنجم هو الذي يعتقد أن الكواكب السيارة هي تدير العالم، و تأتي بالخير و الشر، إذاً تعبد من دون الله، يوجد عندنا سحر لا علاقة له بالجن، مصطلحه الحديث التنويم المغناطيسي، له شخصية قوية جداً، فإذا حدق في إنسان نومه، و أخضعه، هذا الموضوع ورد في علم النفس بشكل مفصل، هذا سماه العلماء المسلمون سحر أصحاب الأوهام و النفوس القوية، هذا أيضاً لا علاقة له بدرسنا، أما السحر الذي يبنى على الاستعانة بالأرواح الأرضية، و هم الجن، هو المعني بهذا الدرس، السحر أن يستعين الساحر بشياطين الجن، إذا شخص ربط فرضاً بكمه من الداخل مطاطة، و ربطها بعملة، و أمسكها، ثم تركها، فاختفت، أين ذهبت؟ هذا لا علاقة له أيضاً بالدرس، هذه يسمونها خفة يد، و شعوذة، و أبواب سيما، إنسان عنده مهارة فائقة قد يتصرف هذه التصرفات، فنحن لا يعنينا من الدرس خفة اليد، و أبواب سيما، و المهارات الفائقة جداً، كما أنه لا يعنينا موضوع القوة النفسية، و التنويم المغناطيسي، كما أنه لا يعنينا المنجمون الذين يعتمدون على الكواكب في التنبؤ بالمستقبل، و لكن يعنينا من موضوع السحر العلاقة بين إنسان ساحر و بين شيطان من الجن، هذا الدرس.
    سحرة فرعون كيف سحروا أعين الناس؟ يوجد تفاصيل وردت في الكتب، جاؤوا بأنابيب مطاطية، و لونوها على شكل ثعابين، و وضعوا فيها الزئبق، ثم وضعوا هذه الثعابين فوق سطح ساخن، فالزئبق تمدد بالحرارة فاضطرب؛ عندما اضطرب اضطرب معه الثعبان، فقال تعالى:

    ﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾

    [ سورة طه: 66]

    هذه نسميها أعمالاً عجيبة، آلات دقيقة، أو أن نستخدم أدوية معينة لها تأثير معين، تأثير تخديري، تأثير إنعاشي مثلاً، الآن يوجد مخدرات، الذي يتناول المخدرات يرى نفسه فوق البشر، يصعد في السماء، يقع بأوهام كبيرة جداً من فعل المخدر، أو يوجد من نشاطات السحرة الإيقاع بين الناس، أنه قرأ بالفنجان أن فلاناً عدوك اللدود يتربص بك، يكيد لك، فحينما تفسد العلاقات بين الناس فهذا أحد أكبر أهداف السحرة و المشعوذين.
    إذاً هناك فرق بين السحر الذي هو بمعنى التمويه، و التخييل نتيجة لخفة اليد، و الحيلة، والدهاء، و بين ما هو سحر بالاتصال بمردة الجن الذين يتصلون بالكهان، والمنجمين، والسحرة، والمشعوذين، عن طريق تعاويذ غير شرعية، وهذا الذي يمكن أن يكون موضوع هذا الدرس إن شاء الله.

    السحر كفر بنص القرآن الكريم :
    القرآن الكريم:

    ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

    [ سورة البقرة: 102]

    سيدنا سليمان ما فعل السحر، و ما كفر سليمان، أصبح السحر كفراً، و لكن الشياطين كفروا، هذا أول حكم؛ السحر كفر.

    استمتاع الجن بخضوع الإنس لهم :
    الآن:

    ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ ﴾

    [ سورة الأنعام: 128]

    أي أضللتم أناساً كثيرين:
    ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾

    [ سورة الأنعام: 128]

    و تحدثت في دروس سابقة عن موضوع الاستمتاع بين الجن و الإنس، الإنس يستمتعون بأن يأخذوا بعض المعلومات يتباهون بها، أو تأتي على أيديهم بعض خرق العادات، و الجن يستمتعون بخضوع الإنس لهم، استكثرتم من الإنس، أي أضللتم منهم كثيراً.
    في سورة يونس:
    ﴿ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾

    [ سورة يونس: 81]

    أي مستحيل و ألف ألف مستحيل أن ينجح المفسد في إفساده، يشوش، يعمل شيئاً، أما أن ينجح النجاح المطلوب فهذا مستحيل، في سورة طه:
    ﴿ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾

    [ سورة طه: 69]

    لا يفلح، ولا ينجح.
    ﴿ قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ﴾

    [ سورة يونس: 77]

    الإنسان الذي يتعامل مع السحرة إنسان أفاك أثيم كاذب :
    أيها الأخوة الكرام: آخر دليل قرآني:

    ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ*تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾

    [ سورة الشعراء: 221-222 ]

    كذاب منحرف:
    ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ* تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ *يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾

    [ سورة الشعراء: 221-223 ]

    صفة جامعة مانعة، فالذي يتعامل مع السحرة، أو الساحر الذين يتعامل مع شياطين الجن، أفاك أثيم كاذب.

    السحر أحد أكبر الكبائر وهو نوع من الشرك :
    الآن بالسنة، أخرج الإمام البخاري و مسلم في صحيحهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

    (( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ))

    [متفق عليه عن أبي هريرة]

    السحر أحد أكبر الكبائر، طبعاً الساحر كما يرى بعض العلماء هو نوع من الشرك، لذلك ينبغي أن يستتاب قبل أن يعاقب.
    الآن: عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    (( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ لَمْ يُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ))

    [ مسلم عَنْ صَفِيَّةَ ]

    صلاة أربعين يوماً لا تقبل إذا جاء كاهناً فسأله و صدقه.
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
    ((مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))

    [ الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ ]

    و النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
    (( ليس منا من تطيّر أو تطيّر له أو تكهن أو تُكُهِّن له أو تسحر أو سُحر له))

    [المنذري ورواه الطبراني باسناد حسن عن ابن عباس مرفوعاً ]

    أسئلة و أجوبة :
    س ـ هل يمكن للساحر التنبؤ بحقائق علمية مخبأة و غير مكشوفة عن طريق الجن؟
    ج ـ إذا كانت الحقائق من اختصاص الجن يمكن، و إذا كانت الحقائق متعلقة بالحاضر أو الماضي ممكن، الشرط أن تكون من اختصاص الجن و تتعلق بالحاضر أو الماضي.

    س ـ هل هناك علاقة بين البشر و الجن المسلم؟
    ج ـ لا، لأن العلاقة أساسها الإضلال و الإفساد، و الجني المسلم لا يفعل هذا، و الإنسان ليس بحاجة إلى الجن أبداً، لذلك أية علاقة بين الإنس و الجن هي علاقة محرمة و آثمة، والعلاقة حصراً مع شياطين الجن.

    س ـ سواء أصدقت أن النبي سحر أو لم تصدق كلاهما سيان؟
    ج ـ إما أنه سحر و لم يؤثر فيه السحر، أو أنه لم يسحر، تماماً كمركبة مضادة للرصاص إما أنه أطلق عليها الرصاص فلم تتأثر، أو لم يطلق، فأنت حر، يوجد طبعاً حديث آحاد أنه سحر، و يوجد آيات كثيرة: و ما أنت من المسحرين.
    فعلى كلٍّ القضية بالخيار، أي سواء أصدقت أنه سحر ـ السحر لم يؤثر فيه إطلاقاً ـ أو لم تصدق كلاهما جائز دون أن ندخل في التفاصيل، و أوضح مثل سيارة مضادة للرصاص، سيان أنه قد أطلق عليها الرصاص فلم تتأثر أو لم يطلق، لكن بشكل عام حينما يحفظ الله شيئاً لا يعني أنه لا تجري محاولة للنيل منه، حينما يحفظ الله قرآنه لا يعني أنه يستحيل أن تطالعنا الصحف و الأخبار المعلوماتية أن هناك فرقاناً يؤلف في أمريكا، و أن من آياته يا محمد أأنت أضللت عبادي؟ يقول: يا ربي أنا ضللت فأضللتهم.
    ليس من لوازم حفظ الله للقرآن ألا تجري محاولة لتغييره لكنها لا تنجح، هذا المعنى.

    س ـ المسلم الذي يداوي إنساناً من مسّ الجن له هل هو كذاب أم صادق؟
    ج ـ إذا دلّه على الله و قرأ له القرآن صادق، أي إذا اتبع الأساليب التي أمر بها القرآن، وأمر بها النبي، لا يوجد عليه شيء أبداً، أما احضر ديكاً أسوداً، و خاروفاً بقرنين، وزنه يعطيه وزناً خيالياً، سعره مرتفع، و يعطيه كلمات لا معنى لها إطلاقاً، و يدخل لغرفة فيها بخور و دخان، و لا يوجد بها إضاءة أبداً، فهذا كله كذب، أما إذا قال له: اقرأ القرآن، اتصل بالله عز وجل، ادع الله بقلب حاضر، أكثر من ذكر الله عز وجل، اقرأ البقرة، اقرأ آل عمران، اقرأ المعوذتين، اقرأ آية الكرسي، كن مع الله، هذا شيء لا يوجد به شيء.

    الدكتور محمد راتب النابلسي

    والحمد لله رب العالمين

  • #2
    رد : السحر وأنواعة

    موضوع شيق؛ غني بالمفيد و الإفادات المشفوعة ..

    في زمن أصبح فيه مطاردة السحرة عار و تهجم على الحريات الخاصة وصارت الشعوذة مهنة مقننة يكاد أن يكون لها نقابات و تمثيليات و رابطات و معاهد تعلم السحر و تبجل تعليمه لتأصيله في روح المجتمعات الغربية التي يتأثر بها شبابنا كثقافة جديدة تعد لها المسابقات و الأكاديميات و تحقق الكتب و الروايات و الأفلام المتعلقة به أكبر حجم للمبيعات ككتاب هاري بوتر و الفيلم السينمائي بنفس العنوان بإصدارات و طبعات عديدة نالت شغف الجميع من كبار وصغار و مثقفين و طلبة في جميع أرجاء العالم و كان لها مدخل وعودة قوية لمجتمعاتنا الإسلامية ؛

    و هذا يندرج ضمن حملات الترغيب التي تقوم بها الجماعات الدينية و الطوائف السياسية والنوادي والصالونات الفكرية التي تعظم الشيطان كالماسونية و غيرها؛ وما يجدر التنبيه إليه أن حملات الإغواء هذه لتزين الرذيلة و الكفر تعتبر سلاحا فتاكا بالمعايير الإيمانية و البنية التحتية لها بالتسلل من خلال أبواب خلفية كالتقاليد والتحكم العاطفي إلى الفئات الهشة والشعبية للإنتقال من الغرف النخبوية المغلقة إلى التقليد الجماعي والتعميم؛

    إضافة إلى تزامنها مع حملات إعادة الهيبة والقيمة للفكر اليهودي "المتطرف" و جاليته في أوروبا في القرن العشرين بعد أن كانوا مطاردين و منبوذين كما طورد السحرة و حرقوا في وقت مضى، ونحن نعلم مدى حنكتهم وتطلعهم على السحر منذ "مصر القديمة" إلى "بلاد الرافدين" و إفريقيا .. و الهدف النهائي هو بناء بيت على الأرض لمن هم عابدون و هو الشيطان؛

    و في سجل أخر يتعلق بالكرامات: ما هو موقف الإسلام من ما يزعمه المسيحيون عن ظهور العذراء في أماكن عديدة يحجون لها في لورد (فرنسا) و فاطمة (البرتغال) و تقاطر الزيت من جسد سيدة سورية وغيرها .. هل هي كذب وإفتراء من الكنيسة لمعالجة إفلاسها الإيماني وخرافات أو سحر أم فعلاً كرامة لتنبيه المؤمنين من المسيحيين لأخطائهم العقيدية وأفكارهم المنحرفة ؟

    أم عبيدة - يافا
    التعديل الأخير تم بواسطة أم عبيدة - يافا; 3/05/2012, 12:53 PM.

    تعليق

    جاري التحميل ..
    X