اسم الكتاب : أربعون حديثا في فضل الجهاد وشرحها
وأبدأ بعون الله مستعينا به بسرد الأحاديث الشريفة وشرحها
1- عن سهلِ بنِ سعدٍ الساعديِّ رضيَ الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رِباطُ يومٍ في سبيل الله خيرٌ منَ الدُّنيا وما عليها. ومَوضعُ سَوطِ أحدِكم من الجنةِ خيرٌ منَ الدُّنيا وما عليها، والرَّوحةٌ يَروحُها العبدُ في سبيلِ الله أوِ الغَدْوَةُ خيرٌ منَ الدُّنيا وما عليها». متفق عليه
شرح الحديث
والرباط فُسر: بأنه ملازمة السبل المخوفة التي يأتي منها العدو، وكان المرابطون عادة يقفون في الثغر الذي يُخاف أن يأتيّ الأعداء منه ، فيبيتون المسلمين على غرة وغفلة، فهؤلاء الذين يلزمون هذا الثغر لأنهم متعرضون للقتل؛ ومتعرضون لأن يفاجئهم العدو فيحصل بينهم قتال وهم أعداد قلة هؤلاء هم أهل الرباط.
قال ابن قدامة رحمه الله :
( معنى الرباط، الإقامة بالثغر مقوِّياً للمسلمين على الكفار، والثَّغر كل مكان يخيف أهله العدو ويخيفهم. وأصل الرباط من ربط الخيل، لأن هؤلاء يربطون خيولهم، كلٌ يُعِدُّ لصاحبه، فسُمِّي المقام بالثغر رباطاً، وإن لم يكن فيه … وأفضل الرباط المقام بأشد الثغور خوفاً، لأنهم إليه أحوج، ومقامه به أنفع.. ) المغني (9/203)
وقال الإمام المالكي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن ( الرباط : هو حبس النفس في سبيل الله حراسة للثغور أو ملازمة للأعداء). وفي فتح القدير) ومن توابع الجهاد الرباط وهو الإقامة في مكان يتوقع هجوم العدو فيه لقصد دفعه لله تعالى).
(موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها)، فمن حصل له من الجنة موضع السوط فذلك الموضع خير من الدنيا وما فيها، والسوط هو: العود الذي كانوا يضربون به، العصا التي يضرب بها، والسوط موضعه قدر ذراع أو ذراعين. وقال النووي: (الغدوة ـ بفتح الغين ـ: السير أول النهار إلى الزوال، والروحة: السير من الزوال إلى آخر النهار) شرح مسلم (13/39). يعني الغدوة هي : المسير أول النهار، والروحة هي: المسير آخر النهار، فكأنه بأبي وأمي عليه وآله الصلاة والسلام يقول: الغازي إذا سار في سبيل الله من أول النهار إلى وسط النهار فالمسيرة هذه أجره فيها أكبر من أن تحصل له الدنيا وما عليها، وكذلك لو سار من وسط النهار إلى آخر النهار روحة فهي خير له من الدنيا وما عليها، فتبين بذلك فضيلة هذه الأعمال، فبمثل هذا الحديث ونحوه يرغب المسلم في أن ينتظم في الجهاد، وأن يجاهد في سبيل الله.
وقال الإمام النووي (ومعنى هذا الحديث أن فضل الغدوة والروحة في سبيل الله وثوابهما خير من نعيم الدنيا كلها لو ملكها إنسان وتصور تنعمه بها كلها لأنه زائل ونعيم الآخرة باق. قال القاضي: وقيل في معناه ومعنى نظائره من تمثيل أمور الآخرة وثوابها بأمور الدنيا أنها خير من الدنيا وما فيها لو ملكها إنسان وملك جميع ما فيها وأنفقه في أمور الآخرة، قال هذا القائل: وليس تمثيل الباقي بالفاني على ظاهر إطلاقه والله أعلم).شرح مسلم \ النووي
وقال الإمام محمد بن علي الشوكاني (والحاصل أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل له أعظم من جميع ما في الدنيا فكيف لمن حصل منها أعلى الدرجات. والنكتة في ذلك أن سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا) نيل الأوطار 7\209
قال ابن دقيق العيد: (يحتمل وجهين أحدهما أن يكون من باب تنزيل المغيب منزلة المحسوس تحقيقاً له في النفس لكون الدنيا محسوسة في النفس مستعظمة في الطباع، فلذلك وقعت المفاضلة بها، وإلا فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة، والثاني أن المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا كلها لأنفقها في طاعة الله تعالى. قال الحافظ: ويؤيد الثاني ما رواه ابن المبارك في كتاب الجهاد من مرسل الحسن قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً فيهم عبد الله ابن رواحة فتأخر ليشهد الصلاة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (والذي نفسي بيده لو انفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم) والحاصل أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل له أمر عظيم من جميع ما في الدنيا، فكيف بمن حصل منها أعلى الدرجات، والنكتة في ذلك أن سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا. فنبه هذا المتأخر أن هذا القدر اليسير من الجنة أفضل من جميع ما في الدنيا). تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي 5 \232
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري فقال( ووقع في حديث سلمان عند أحمد والنسائي وابن حبان ” رباط يوم أو ليلة خير من صيام شهر وقيامة ” ولأحمد والترمذي وابن ماجه عن عثمان ” رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل ” قال ابن بزيزة: ولا تعارض بينهما لأنه يحمل على الإعلام بالزيادة في الثواب عن الأول، أو باختلاف العاملين، قلت: أو باختلاف العمل بالنسبة إلى الكثرة والقلة، ولا يعارضان حديث الباب أيضا لأن صيام شهر وقيامه خير من الدنيا وما عليها).
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخبرنا بحقيقة الدنيا التي نتمسك بها ونمتنع عن الجهاد والرباط من أجلها فيقول( لو أن الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ( رواه الترمذي
وقد ذكر الفقيه ابن تيمية عن فضل الرباط والمرابطين وذكر عددا من أهل العلم الذين كانوا يرابطون فلم يمنعهم العلم من الرباط والجهاد فقال ابن تيمية ( فلذلك كان صالحو المؤمنين يرابطون في الثغور، مثل ما كان الأوزاعي، وأبو إسحاق الفزاري، ومخلد بن الحسين، وإبراهيم بن أدهم، وعبد الله بن المبارك، وحذيفة المرعشي، ويوسف بن أسباط، وغيرهم، يرابطون بالثغور الشامية. ومنهم من كان يجيء من خراسان والعراق وغيرهما للرباط في الثغور الشامية؛ لأن أهل الشام هم الذين كانوا يقاتلون النصارى أهل الكتاب). مجموع فتاوى ابن تيمية / المجلد السابع والعشرون.
فإن هذه الطاعة وهي الرباط خير من الدنيا وما عليها. لو استطاع مسلم أن يمتلك الأرض وما عليها وينفقها في سبيل الله ، وهذا أمر مستحيل! ما كان يعدل رباط ليلة في سبيل الله وهذا من فضل الله العظيم على المرابطين في سبيله أن ينالوا هذا الأجر الذي لا يحصيه إلا الله سبحانه وتعالى فأين المشمرون للجهاد؟؟وأين هم فرسان النهار ورهبان الليل؟
2- عَنْ مَسْرُوقٍ ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ هَـٰذِهِ الآيَةِ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران الآية: 961) قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذٰلِكَ. فَقَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ. لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ. ثُمَّ تَأْوِي إلَىٰ تِلْكَ الْقَنَادِيلِ. فَاطَّلَعَ إلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلاَعَةً. فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئاً؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي؟ وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا. فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّىٰ نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ. فَلَمَّا رَأَىٰ أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا».مسلم
شرح الحديث
قال القرطبي ( وقد اختلف العلماء في هذا المعنى ، فالذي عليه المعظم هو ما ذكرناه وأن حياة الشهداء محققة ... وصار قوم إلى أن هذا مجاز والمعنى أنهم في حكم الله مستحقون للتنعيم في الجنة ... وقال آخرون : أرواحهم في أجواف طير خضر وأنهم يرزقون في الجنة ويأكلون ويتنعمون وهذا هو الصحيح من الأقوال لأن ما صح به النقل فهو الواقع ....) الجامع لأحكام القرآن ، المجلد الثاني ، ج4 ص 253 -254
قال النووي في تفسير هذا الحديث
والأصح عند أصحابنا أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن فإذا فارقته مات، قال القاضي: واختلفوا في النفس والروح فقيل هما بمعنى وهما لفظان لمسمى واحد) «أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل» فيه بيان أن الجنة مخلوقة موجودة وهو مذهب أهل السنة وهي التي أهبط منها آدم وهي التي ينعم فيها المؤمنون في الآخرة هذا إجماع أهل السنة) (فقال لهم الله تعالى هل تشتهون شيئاً الخ» هذا مبالغة في إكرامهم وتنعيمهم إذ قد أعطاهم الله ما لا يخطر على قلب بشر ثم رغبهم في سؤال الزيادة فلم يجدوا مزيداً على ما أعطاهم فسألوه حين رأوه أنه لا بد من سؤال أن يرجع أرواحهم إلى أجسادهم ليجاهدوا ويبذلوا أنفسهم في سبيل الله تعالى ويستلذوا بالقتل في سبيله والله أعلم).شرح مسلم \ النووي
وقال ابن كثير في "تفسيره"(1/427):"وفي هذا الحديث أن روح المؤمن تكون على شكل طائر في الجنة"وأما أرواح الشهداء فكما تقدم" في حواصل طير خضر" فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين فإنها تطير بأنفسها".
(فاطلع) بتشديد الطاء أي أنظري (اطلاعة) إنما قال اطلاعة ليدل على أنه ليس من جنس اطلاعنا على الأشياء). تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي \ المباركفوري
ففي هذا الحديث دلالة واضحة أن روحه في الجنة وليس جسده, ومع ذلك فإن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الشهداء كرامة لهم لأنهم باعوا أنفسهم لله كما بوّب أبو عبد الله محمد القرطبي - رحمه الله في كتابه التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة ، فقال): باب لا تأكل الأرض أجساد الأنبياء ولا الشهداء وأنهم أحياء( وذكر قصة فقال عن( مالك عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما, وكان قبرهما مما يلي السيل وكانا في قبر واحد وهما ممن أستشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس, وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه, ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة. قال أبو عمر هذا حديث لم يختلف عن مالك في انقطاعه وهو حديث يتصل من وجوه صحاح عن جابر) انتهى
وقرأت للإمام القرطبي في التذكرة وهو ينقل كلاما عن الإمام أبو الحسن القابسي قوله:
(أنكر العلماء قول من قال في حواصل طير لأنها رواية غير صحيحة لأنها إذا كانت كذلك فهي محصورة مضيق عليها) وقال القرطبي معلقا على هذا الكلام (قلت : الرواية صحيحة لأنها في صحيح مسلم بنقل العدل عن العدل فيحتمل أن تكون (الفاء) بمعنى (على) فيكون المعنى أرواحهم على جوف طير خضر كما قال تعالى {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} طه71 أي على جذوع النخل وجائزأن يسمى الظهر جوفا إذ هو محيط به ومشتمل عليه قال أبو محمد عبد الحق وهو حسن جدا) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - القرطبي - 181
وهناك رأي آخر كما قال شارح العقيدة الطحاوية – رحمه الله تعالى :
أما الشهداء فقد شوهد منهم بَعد مُدد من دفنه كما هو لم يتغير ، فيحتمل بقاؤه كذلك في تربته إلى يوم محشره ، ويحتمل أن يبلى مع طول المدة والله أعلم.
وكأنه - والله أعلم – كلما كانت الشهادة أكمل والشهيد أفضل كان بقاء جسده أطول .
وهذا النعيم هو نعيم برزخي (بين الدنيا والآخرة) يأكلون من ثمار الجنة ويشربون من أنهارها ويأوون إلى قناديل معلقة بالعرش الذي هو سقف الجنة، وهذا النعيم دون النعيم الأخروي ولا شك، فمنازل الشهداء ودورهم وقصورهم التي أعد الله لهم في الجنة ليست هي تلك القناديل التي تأوي إليها أرواحهم في البرزخ، قطعاً، فهم يرون منازلهم ومقاعدهم من الجنة ويكون مستقرهم في تلك القناديل المعلقة بالعرش، أما الدخول التام الكامل فإنما يكون يوم القيامة، وأما قبل يوم القيامة فهو دخول للأرواح فقط.
نعم إن الشهداء هم من اصطفاهم الله تعالى لأنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه ففازوا و ربحت تجارتهم... فأكرمهم الحي القيوم بالحياة بيننا مع أننا لا نشعر بذلك ولا نحس بهذه الحياة فلله درهم ونسأل الله اللحوق بهم.
(قال القاضي : فيه أن الأرواح باقية لا تفنى ، فينعم المحسن ، ويعذب المسيء ، وقد جاء به القرآن ، والآثار ، وهو مذهب أهل السنة ، فأرواح الشهداء في حواصل طيور خضر ، وأما غيرهم فإنما يعرض مقعده بالغداة والعشي كما جاء في حديث ابن عمر وكما قال في آل فرعون : {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} غافر46
وقيل : بل المراد وجميع المؤمنين الذين يدخلون الجنة بغير حساب فيدخلون الجنة الآن بدليل عموم الأحاديث ، وقيل : بل أرواح المؤمنين على أفنية قبورهم ، وقيل : إن المتنعم جزء من الجسد تبقى فيه الروح ) اتحاف العباد بفضائل الجهاد \ عبد الله عزام
3- عن ابنِ عَبَّاسٍ ، قال قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَمَّا أُصِيبَ إخْوَانُكُم بِأُحُدٍ جَعَلَ الله أرْوَاحَهُمْ في جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ في ظِلِّ الْعَرْشِ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا مَنْ يُبَلِّغُ إخْوَانَنَا عَنَّا أنَّا أحْيَاءٌ في الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلاَّ يَزْهَدُوا في الْجِهَادِ وَلاَ يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ؟ فَقَالَ الله تَعَالى: أنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُم، قالَ: وَأنْزَلَ الله عَزَّوَجَلَّ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ الله أمْوَاتاً} إلى آخِرِ الآيَةِ» . رواه أبو داود والحاكم
شرح الحديث
(لما أصيب إخوانكم): أي من سعادة الشهادة (في جوف طير خضر): أي في أجواف طيور خضر (ترد): من الورود (وتأوي): أي ترجع (إلى قناديل من ذهب معلقة): أي بمنزلة أو كار الطيور (فلما وجدوا): أي الشهداء (طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم): بفتح فكسر أي مأواهم ومستقرهم، والثلاثة مصادر ميمية ولا يبعد أن يراد بها المكان والزمان، وأصل المقيل المكان الذي يؤوى إليه للاستراحة وقت الظهيرة والنوم فيه (قالوا): جواب لما (من يبلغ): من التبليغ أو الابلاغ ضبط بالوجهين أي من يوصل (إخواننا): أي الذين في الدنيا من المسلمين (عنا): أي عن قبلنا (لئلا يزهدوا): أي إخواننا بل ليرغبوا (ولا ينكلوا): بالنون وضم الكاف أي لا يجبنوا وقد أطال الكلام فيه القرطبي في التذكرة) عون المعبود- العظيم آبادي أبو الطيب - 7 \ 194
يقول ابن النحاس في كتابه مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق ص 270 مبيناً الحكمة في جعل أرواح الشهداء في أجساد الطيور ذات اللون الأخضر والقناديل المعلقة في ظل العرش:" لأن ألطف الألوان اللون الأخضر، وألطف الجمادات الشفافة الزجاج، ولهذا جعل أرواح الشهداء في ألطف الأجساد وهو الطير، واختار ألطف الألوان وهو الأخضر، ويأوي ذلك الطير الأخضر إلى ألطف الجمادات وهي القناديل المنَّورة المفرحِة في ظل العرش لتكمل لها لذة النعيم في جوار الرب الكريم".انتهى
فإنهم لما بذلوا أبدانهم لله عز وجل عوضهم الله أبدانا خيرا منها في البرزخ ، تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون تنعمها بواسطة تلك الأبدان أكمل من تنعم الأرواح المجردة عنها؛ والفرق بين أرواح المؤمنين وأرواح الشهداء ، أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح متنقلة في رياض الجنة ، وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش ، أما أرواح المؤمنين فإنها في أجواف طير يعلق ثمر الجنة ولا يتنقل في أرجائها وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تحت باب " في ذكر محل أصحاب أرواح الموتى في البرزخ:
" وأما الشهداء : فأكثر العلماء على أنهم في الجنة ، وقد تكاثرت بذلك الأحاديث. وهم يعيشون حياة برزخية لا نعلم كيفيتها ولا كُنهها ؛ ولا تحتاج إلى أكل ، وشرب ، وهواء ؛ ولهذا قال تعالى : ( ولكن لا تشعرون ) أي : لا تشعرون بحياتهم ؛ ولا بما هم به من نعيم لا ينفذ أبدا.
(فرد سبحانه عليهم النفس وأجرى عليهم الرزق إظهارا لكرمه وإحسانه على من قبل هذه الصفقة، ورضي أن يتاجر هذه التجارة.) المرجع - ميثاق العمل الإسلامي
ومن فوائد الآية : إثبات حياة الشهداء ؛ لكنها حياة برزخية لا تماثل حياة الدنيا ؛ بل هي أجلّ ، وأعظم ، ولا تعلم كيفيتها " انتهى .
قال الشيخ المجاهد عبد الله بن ناصر الرشيد:
(...وهذا لا يُنافي قوله عزّ وجلّ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ} فإنّ النهي في الشهيد عن تسميته ميتًا لا عن القول بأنّه ماتَ، والموتُ مفارقة الروح البدن، وقد وقع للشهيدِ بلا ريب، ولكنّه حيٌّ حياةً من نوعٍ آخرَ أرفعُ من حياة البرزخ، فروحُ الشهيد متّصلةٌ ببدنٍ آخر، وهو أجواف الطير الخضر كما جاء في الحديثِ الذي رواه مسلم من حديث ابن مسعودٍ وغيره أنّ أرواح الشهداء في أجوافِ طيرٍ خضرٍ.
وهذا المعنى هو المتعيّن، بل هو ما فسّر به النبي صلى الله عليه وسلم الآية ؛ فقد روى مسلم في صحيحه أن مسروقًا سأل ابن مسعودٍ عن هذه الآية {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، قال: ( أما إنّا سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال؛ "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل.."... الحديث).
ففسّر الحياة بالهيئة التي تكون عليها أرواحهم، ومعلومٌ أنّ الحياة اتصال الروح بالبدن، والموت انفصالها عنه، فاجتمع في حال الشهيد هذا وهذا، فروحه انفصلت عن بدنه بمقتله ومات بذلك، ولكنّه ليس ميتًا بعد أن جعل الله روحه في جوف طيرٍ، فكانت روحه متصلة بالبدن وهذه حياة، وهم بذلك يسرحون في الجنة.) المرجع - عن مجلة؛ صوت الجهاد / العدد الرابع
4- أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ ، عَنْ كِتَابِ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ، يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَىٰ. فَكَتَبَ إِلَىٰ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ، حِينَ سَارَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ، يُخْبِرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ كَانَ، فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ، يَنْتَظِرُ حَتَّىٰ إِذَا مَالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللّهَ الْعَافِيَةَ، فَإذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ». ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ». البخاري ومسلم
شرح الحديث
والحرورية منطقة بالقرب من الكوفة نزل بها الخوارج الذين خالفوا مولانا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فنُسبوا إليها.والحديث يقول بأن رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام في بعض أيامه أي غزواته قال لا تتمنوا لقاء عدوكم لأن هذا التمني فيه إعجاب واعتماد منكم على أنفسكم ولكن إسئلوا الله العافية والحفظ وتوكلوا عليه جل جلاله ولكن إذا لقيتم الكفار أو المرتدين فاصبروا واثبتوا وقاتلوا واعلموا بأن ثواب المجاهد هو الجنة.
قال الإمام ابن الجوزي ( المراد أن الجنة تحصل بالجهاد)
قال العلامة المناوي في شرح الحديث: (لا تتمنوا لقاء العدو، لما فيه من صورة الإعجاب، والوثوق بالقوة، وقلة الاهتمام به، وهو مخالف للاحتياط، ولأنهم قد ينصرون استدراجاً، ولأن لقاء العدو من أشد الأشياء على النفس، والأمور الغائبة ليست كالمحققة، فلا يؤمن أن يكون عند الوقوع على خلاف المطلوب، وتمني الشهادة لا تستلزم تمني اللقاء، وأخذ منه النهي عن طلب المبارزة، ومن ثمَّ قال علي كرم الله وجهه لابنه: لا تدعُ
أحداً إلى المبارزة، ومن دعاك لها فاخرج إليه، لأنه باغٍ، وقد ضمن الله نصر من بغي عليه). أ هـ
قال ابن حجر (قوله (لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللّهَ الْعَافِيَةَ، فَإذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا) قال ابن بطال: حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر، وهو نظير سؤال العافية من الفتن، وقد قال الصدّيق ” لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر ” وقال غيره: إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والإنكال على النفوس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو، وكل ذلك يباين الاحتياط والأخذ بالحزم) ((ثم قال اللهم منزل الكتاب إلخ) أشار بهذا الدعاء إلى وجوه النصر عليهم، فبالكتاب إلى قوله تعالى (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) وبمجرى السحاب إلى القدرة الظاهرة في تسخير السحاب حيث يحرك الريح بمشيئة الله تعالى، وحيث يستمر في مكانه مع هبوب الريح، وحيث تمطر تارة وأخرى لا تمطر، فأشار بحركته إلى إعانة المجاهدين في حركتهم في القتال، وبوقوفه إلى إمساك أيدي الكفار عنهم، وبإنزال المطر إلى غنيمة ما معهم حيث يتفق قتلهم، وبعدمه إلى هزيمتهم حيث لا يحصل الظفر بشيء منهم، وكلها أحوال صالحة للمسلمين، وأشار بهازم الأحزاب إلى التوسل بالنعمة السابقة، وإلى تجريد التوكل، واعتقاد أن الله هو المنفرد بالفعلي، وفيه التنبيه على عظم هذه النعم الثلاث، فإن بإنزال الكتاب حصلت النعمة الأخروية وهي الإسلام، وبإجراء السحاب حصلت النعمة الدنيوية وهي الرزق، وبهزيمة الأحزاب حصل حفظ النعمتين) فتح الباري \ ابن حجر
والحديث يبين فضل المجاهد ويبين إرتباط سلاح المجاهد بالجنة وكما قال القسطلاني ( أي أن ثواب الله والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيوف في سبيل الله وهو من المجاز البليغ لأن ظل الشيئ لما كان ملازما له ولا شك أن ثواب الجهاد الجنة فكان ظلال السيوف المشهورة في الجهاد تحتها الجنة أي ملازمها استحقاق ذلك وخص السيوف لأنها أعظم آلات القتال وأنفعها) المرجع - بذل المجهود في حل أبي داود 12 -142
يصول المجاهد ويجول في حومة الوغى وهو يعلم أنه يتجوَّل في الجنة تحت ظل سيفه وسيف عدوه، وما أن يسقط في هذه الأرض حتى يرى مقعده في الجنة وتظِله الملائكة يا لها من منزلة فهل من مشمر لها؟؟.
قال القرطبي: (وهو من الكلام النفيس الجامع الموجز، المشتمل على ضروب من البلاغة مع الوجازة، وعذوبة اللفظ، فإنه أفاد الحض على الجهاد، والإخبار بالثواب عليه، والحض على مضاربة العدو، واستعمال السيوف، والاجتماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظل المتقاتلين). فتح الباري (6/40).
(ومعلوم أن المقاتل لا يكون تحت ظلال السيوف إلا عند الالتحام بعدوه حيث يعلو كل منهما صاحبه بسيفه) (فتح الباري 6/33).
(ففي هذا الحديث دلالة على أن ظلال السيوف والضرب يها في سبيل الله سبب للفوز بظلال بساتين الجنة ونعيمها , فالجنة تحت بارقة صوت القنابل والرصاص وهدير الدبابات وأزير الطائرات)
( ومن بلاغَةِ النبيِّ صلى الله عليه وآله و سلم أنه قال ( الجنةُ تحتَ ظلال السيوف)ولا يكون الشخص مظللاً بالسيوف إلا إذا غمس نفسه في ساحة القتال وأصبحت السيوف من كثرتها فوق رأسه كأنها تُظِلّه. وهذا حث على بذل النفس في سبيل الله والحرص على الشهادة ، والشجاعة وعدم الجبن)
(وفي الحديث: دلالة على جواز الرواية بالكتابة دون السماع) المرجع-عمدة القاري 15 \ 7.
قال النووي
إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والإتكال على النفس والوثوق بالقوة وهو نوع بغي، وقد ضمن الله تعالى لمن بغى عليه أن ينصره ولأنه يتضمن قلة الإهتمام بالعدو واحتقاره، وهذا يخالف الاحتياط والحزم، وتأوله بعضهم على النهي عن التمني في صورة خاصة، وهي إذا شك في المصلحة فيه وحصول ضرر وإلا فالقتال كله فضيلة وطاعة والصحيح الأول، ولهذا تممه صلى الله عليه وسلم بقوله صلى الله عليه وسلم: «واسألوا الله العافية». وقد كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال العافية، وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والباطن في الدين والدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العافية العامة لي ولأحبائي ولجميع المسلمين. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «وإذا لقيتموهم فاصبوا» فهذا حث على الصبر في القتال وهو آكد أركانه، وقد جمع الله سبحانه آداب القتال في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ{45} وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{46} وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ {47} }. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» فمعناه ثواب الله والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيوف في سبيل الله ومشي المجاهدين في سبيل الله فاحضروا فيه بصدق واثبتوا)( قوله في هذا الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتظر حتى مالت الشمس قام فيهم فقال: يا أيها الناس إلى آخره) وقد جاء في غير هذا الحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تزول الشمس، قال العلماء: سببه أنه أمكن للقتال فإنه وقت هبوب الريح ونشاط النفوس وكلما طال ازدادوا نشاطاً وإقداماً على عدوهم، وقد جاء في صحيح البخاري: أخر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلاة، قالوا: وسببه فضيلة أوقات الصلوات والدعاء عندها. قوله: «ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم» فيه استحباب الدعاء عند اللقاء والاستنصار والله أعلم) شرح صحيح مسلم \ للنووي
(وقال المناوي: هو كناية عن الدنو من العدو في الحرب بحيث تعلوه السيوف بحيث يصير ظلها عليه يعني الجهاد طريق إلى الوصول إلى أبوابها بسرعة، والقصد الحث على الجهاد) شرح سنن الترمذي للمباركفوري
(أن الجنة تحت ظلال السيوف): قال الخطابي: معنى ظلال السيوف الدنو من القرن حتى يعلوه بظل سيفه لا يولي عنه ولا ينفر منه، وكل ما دنا منك فقد أظلك. وقال في النهاية: هو كناية عن الدنو من الضراب في الجهاد حتى يعلوه السيف ويصير ظله عليه. وقال النووي: معناه أن الجهاد وحضور معركة الكفار طريق إلى الجنة وسبب لدخولها (منزل الكتاب): جنسه أو القرٱن (وهازم الأحزاب): أي أصناف الكفار السابقة من قوم نوح وثمود وعاد وغيرهم (اهزمهم): أي هؤلاء الكفار قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم.)عون المعبود ج7 ص94.
والدعاء له تأثير عجيب في نصرة المسلمين فهذا سيد ولد آدم عليه وآله الصلاة والسلام يدعوا في بدر دعاء الموقن بالإجابة فقد (روى عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه ( اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ) فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كذاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ }الأنفال9 فأمده الله بالملائكة) صحيح مسلم - 3 \ 1383
5- وعن أنسَ بنَ مالكٍ رضي الله عنه عنِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما أحدٌ يَدخلُ الجنةَ، يُحبُّ أَن يَرجعَ إلى الدُّنيا، وله ما على الأرضِ مِن شيء إلا الشهيدُ، يتمنّى أن يرجعَ إلى الدُّنيا فيُقتَلَ عشرَ مرات، لما يَرى منَ الكرامةِ». البخاري ومسلم
شرح الحديث
لماذا سُميّ الشهيد بالشهيد؟؟
(قال ابن الأنباري: إن الله تعالى وملائكته عليهم الصلاة والسلام يشهدون له بالجنة) تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي المباركفوري \ 5 \ 244
بعضُ أهلِ العلمِ يَعتَبِرُ أن هذا أجَلُّ حديثٍ جاءَ في فضلِ الشهادةِ كما قال ابن بطال رحمه الله تعالى: (هذا الحديث أجل ما جاء في فضل الشهادة)، وقال: (وليس في أعمال البر ما تبذل في النفس غير الجهاد فلذلك عظم فيه الثواب). فتح الباري \ ابن حجر
إنه الشهيد فبالرغم من عظم منزلته الرفيعة التي يراها أُعدت له في أعلى درجات الجنة، فإنه يتمنى أن يعود إلى الدنيا، ولكن ليستمر في جهاد أعداء الله، فيقاتل ويُقتل ولو عشر مرات، لما يرى من ثواب الجهاد وكرامة المجاهدين عند الله عز وجل، إنها الأمنيات التي لا يستطيعها العقل, إنسان يتمنى أن يُعاد إلى الحياة الدنيا كي يقتل في سبيل الله مرات ومرات تُرى ما الذي رآه الشهيد حتى تمنى هذه الأمنيات؟؟ ولكن الشهيد يعلم بأن أجره أعظم الأجور ، ومنزلته أعلى المنازل ، ومكانته أرفع الأماكن في الجنة ، كيف لا ، وقد قدم روحه فداءً في سبيل الله تعالى ، قدم جمجمته لتُضرب في سبيل الله عز وجل ، من أجل إعلاء كلمة التوحيد خفاقة عالية ، رجاء ثواب الآخرة . إنها الكرامة العالية والمنزلة التي لا يعرفها إلا من عرف حقيقة الجنة وكمال التوحيد وهي أن يقدم المرء منا نفسه في سبيل الله رخيصة , فالنبي عليه وآله الصلاة والسلام أخبر أن الذي يدخل الجنة من المؤمنين لا يحب مفارقتها ليرجع إلى الدنيا، لما رأى فيها من النعيم الذي لا يطمع في سواه، ماعدا الشهيد، فإنه لعظم ما رأى من الكرامة على استشهاده يحب أن يرجع إلى الدنيا ليذوق طعم تكرار الشهادة في سبيل الله.
سأل الأستاذ أحمد زيدان الملا داد الله رحمه الله : (هل أنتم نادمون على مساندتكم لتنظيم القاعدة بعد أن خسرتم حكومتكم؟).
فيجيب الملا داد الله رحمه الله: (كلامنا هو كلام الشهيد حين يوضع في القبر، فيقول؛ تمنيت أن أُحيا ثم أُقتل مرة ثانية، وذلك للمشاركة في الجهاد ليستشهد مرة ثانية لما يرى من المكانة السامية التي يراها بسبب جهاده واستشهاده, ونحن نقول؛ ليتنا نستولي على الحكومة مئة مرة ثم نفقدها ونضحي بأنفسنا من أجل هؤلاء المجاهدين من تنظيم القاعدة).يا الله ما أروعها من كلمات لا تخرج إلا من رجل عرف التوحيد الصحيح وامتلاء قلبه بحب الجهاد والشهادة فلله درك ولله در الطالبان فقد أنجبت للأمة رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
إن الشهداء هم وقود هذه الأمة ونحن عندما نفقد شهيدا فإننا نبكي على أنفسنا لأن أنفسنا أصغر من أن تقتل في سبل الله وجزى الله الجنة من قال:
فالدمع ليس على الأبطال نسدله *** ولا على من سرت بالمجد رجلاه
ولا على من علت بالزحف صيحته *** وخط بالسيف وسط الحرب مثواه
الدمع أحرى بمن تغريه لذته *** ويلعق الذل لهفاً خلف دنياه
وهكذا حال الصحابة الكرام ومن نهج نهجهم كانوا يتمنون القتل في سبيل الله وكانت لهم مواقف عجيبة تدل على الرجولة والفقه بأحكام الدين ومن هذه المواقف الرائعة العجيبة يحدثنا أنس رضي الله عنه ، فيقول : غاب عمي أنس بن النضر رضي الله عنه ، عن قتال بدر ، فقال : يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين ، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع ، فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال : اللهم أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ ، فقال : يا سعد بن معاذ الجنة ورب الكعبة ، إني أجد ريحها من دون أحد . قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع ! قال أنس : فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف ، أو طعنة برمح ، أو رمية بسهم ، ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه . قال أنس : كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }الأحزاب23 متفق عليه.
6- عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم قَالَ: (كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذْ طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ). رواه البخاري ومسلم
شرح الحديث
(في سبيل الله) قيد يخرج ما يصيب المسلم من الجراحات في غير سبيل الله) (والحكمة في كون الدم يأتي يوم القيامة على هيئته أنه يشهد لصاحبه بفضله وعلى ظالمه بفعله، وفائدة رائحته الطيبة أن تنتشر في أهل الموقف إظهارا لفضيلته أيضا، ومن ثم لم يشرع غسل الشهيد في المعركة) فتح الباري \ ابن حجر
أي كل جرح يُجرحه المسلم في الجهاد وتنزل الدماء منه فإن هذه الدماء التي لها رائحة كريهة في الدنيا تتحول عند الشهيد لرائحة المسك الطيب.
فإن هؤلاء الشهداء يحشرون ودمائهم تسيل عليهم, كهيئتها يوم جرحت في الدنيا تفجر دماً، وهذا إكرام لهم وبيان لمزاياهم وعلو مقامهم عند الله تعالى.
قال النووي رحمه الله تعالى
والحكمة في مجيئه يوم القيامة على هيئته أن يكون معه شاهد فضيلته وبذله نفسه في طاعة الله تعالى) («والعرف عرف المسك» هو بفتح العين المهملة وإسكان الراء وهو الريح) شرح مسلم \ النووي
ولهذه الحكمة ترك غسل الشهيد والله أعلم.
رُغم فضل الشهادة فقد زهد الكثير الكثير من أمة المليار بهذا الفضل الكبير وكأنه لم يعد في الأرض مشركين وكأن الديار هي ديار إسلام , أين الغيرة على الأعراض يا طلاب العلم ؟؟ أين الغيرة على شريعة الله يا علماء الأمة ؟؟ أين أصحاب المروءات أيها المسلمون ؟؟ وفي هذا يقول الشيخ المجاهد الذي قهر الصليبيين أبو مصعب الزرقاوي رحمه الله وهو يخاطب الأمة :
(ما بالك انكسر سيفك وانبطح قلمك؟ وقد كنت من قبل أبية فوق النجوم، فبت اليوم مسحوقة تحت أقدام الغزاة وسنابك خيل الغاصبين.... بل يا أهل المروءات؛ متى تقومون قومة رجل واحد، وعفاف المسلمات أمامكم ينتحر، ونطفة الإجرام على مرآكم تتهكم وتنتقل، وصعاليك الكفر لأعراضكم تنهش ثم تستتر؟!
حتى تُقض المضاجع وتنهمر المدامع، وتهانون شر إهانة؛ فتحوقلون وتغمضون عيونكم وكأنها رمية من غير رامي؟! ولكن يا حسرة على أهل المروءات...
دخلت على المروءة وهي تبكي *** فقلت علام تنتحب الفتاةُ
فقالت كيف لا أبكي وأهلي *** جميعاً دون خلق الله ماتوا
فالجهاد ترجمان التوحيد وهو دليل صدق الموحد، ومن لم يكن له سابقة عهد مع الجهاد والبلاء في سبيل نصرة هذا الدين لا يحق له أن يتصدر مواقع الزعامة والقيادة، مهما أوتي من علم وحسن بيان، وهو إن فعل فهو يتشبع ويتظاهر بما ليس عنده، وهو كلابس ثوبي زور.
فلا والله ما كانت الدعوات يوماً طريقاً مفروشة بالورود والرياحين، إن ثمن الدعوات باهض، وثمن نقل المبادئ إلى أرض الواقع كثير من الأشلاء والدماء، ولن يوقد سراج الفجر في هذه الظلماء إلا المجاهدون والشهداء. حقاً ما أروعها من كلمة؛ "فزت ورب الكعبة".
فواهاً لريح الجنة ثم واها، ولكن أين من صدق الله فصدقه؟) المرجع \ . أَيـنَ أَهْــلُ المـُرُوءَاتِ \ الزرقاوي
وذكر الحافظ ابن كثير في ترجمة الحافظ بن الفرضي
(أبو الوليد عبدالله بن محمد بن يوسف بن نصر الأزدي الفرضي قاضي بكنسية سمع الكثير وجمع وصنف التاريخ وفي المؤتلف والمختلف ومشتبه النسبة وغير ذلك وكان علامة زمانه قتل شهيدا على يد البربر فسمعوه وهو جريح طريح يقرأ على نفسه الحديث الذي في الصحيح ( ما يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى اللون لون الدم والريح ريح المسك ) وقد كان سأل الله الشهادة عند أستار الكعبة فأعطاه إياها) البداية والنهاية \11 \351
وقال كذلك الحافظ ابن كثير في ترجمة أبو محمد عبد الله بن محمد (ابن خلف بن أحمد بن عمر اللخمي الأندلسي الرباطي الحافظ مصنف كتاب اقتياس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار وهو من أحسن التصانيف الكبار قتل شهيدا صبيحة يوم الجمعة العشرين من جمادى بالبرية)البداية والنهاية \12 \223
هكذا كان أهل العلم يجاهدون في سبيل الله ويُقتلون شهداء مقبلين غير مدبرين، فمتى ينفض أهل العلم غبار الكسل عنهم ويُعيدوا الأمة للجهاد ؟؟؟
وأبدأ بعون الله مستعينا به بسرد الأحاديث الشريفة وشرحها
1- عن سهلِ بنِ سعدٍ الساعديِّ رضيَ الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رِباطُ يومٍ في سبيل الله خيرٌ منَ الدُّنيا وما عليها. ومَوضعُ سَوطِ أحدِكم من الجنةِ خيرٌ منَ الدُّنيا وما عليها، والرَّوحةٌ يَروحُها العبدُ في سبيلِ الله أوِ الغَدْوَةُ خيرٌ منَ الدُّنيا وما عليها». متفق عليه
شرح الحديث
والرباط فُسر: بأنه ملازمة السبل المخوفة التي يأتي منها العدو، وكان المرابطون عادة يقفون في الثغر الذي يُخاف أن يأتيّ الأعداء منه ، فيبيتون المسلمين على غرة وغفلة، فهؤلاء الذين يلزمون هذا الثغر لأنهم متعرضون للقتل؛ ومتعرضون لأن يفاجئهم العدو فيحصل بينهم قتال وهم أعداد قلة هؤلاء هم أهل الرباط.
قال ابن قدامة رحمه الله :
( معنى الرباط، الإقامة بالثغر مقوِّياً للمسلمين على الكفار، والثَّغر كل مكان يخيف أهله العدو ويخيفهم. وأصل الرباط من ربط الخيل، لأن هؤلاء يربطون خيولهم، كلٌ يُعِدُّ لصاحبه، فسُمِّي المقام بالثغر رباطاً، وإن لم يكن فيه … وأفضل الرباط المقام بأشد الثغور خوفاً، لأنهم إليه أحوج، ومقامه به أنفع.. ) المغني (9/203)
وقال الإمام المالكي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن ( الرباط : هو حبس النفس في سبيل الله حراسة للثغور أو ملازمة للأعداء). وفي فتح القدير) ومن توابع الجهاد الرباط وهو الإقامة في مكان يتوقع هجوم العدو فيه لقصد دفعه لله تعالى).
(موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها)، فمن حصل له من الجنة موضع السوط فذلك الموضع خير من الدنيا وما فيها، والسوط هو: العود الذي كانوا يضربون به، العصا التي يضرب بها، والسوط موضعه قدر ذراع أو ذراعين. وقال النووي: (الغدوة ـ بفتح الغين ـ: السير أول النهار إلى الزوال، والروحة: السير من الزوال إلى آخر النهار) شرح مسلم (13/39). يعني الغدوة هي : المسير أول النهار، والروحة هي: المسير آخر النهار، فكأنه بأبي وأمي عليه وآله الصلاة والسلام يقول: الغازي إذا سار في سبيل الله من أول النهار إلى وسط النهار فالمسيرة هذه أجره فيها أكبر من أن تحصل له الدنيا وما عليها، وكذلك لو سار من وسط النهار إلى آخر النهار روحة فهي خير له من الدنيا وما عليها، فتبين بذلك فضيلة هذه الأعمال، فبمثل هذا الحديث ونحوه يرغب المسلم في أن ينتظم في الجهاد، وأن يجاهد في سبيل الله.
وقال الإمام النووي (ومعنى هذا الحديث أن فضل الغدوة والروحة في سبيل الله وثوابهما خير من نعيم الدنيا كلها لو ملكها إنسان وتصور تنعمه بها كلها لأنه زائل ونعيم الآخرة باق. قال القاضي: وقيل في معناه ومعنى نظائره من تمثيل أمور الآخرة وثوابها بأمور الدنيا أنها خير من الدنيا وما فيها لو ملكها إنسان وملك جميع ما فيها وأنفقه في أمور الآخرة، قال هذا القائل: وليس تمثيل الباقي بالفاني على ظاهر إطلاقه والله أعلم).شرح مسلم \ النووي
وقال الإمام محمد بن علي الشوكاني (والحاصل أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل له أعظم من جميع ما في الدنيا فكيف لمن حصل منها أعلى الدرجات. والنكتة في ذلك أن سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا) نيل الأوطار 7\209
قال ابن دقيق العيد: (يحتمل وجهين أحدهما أن يكون من باب تنزيل المغيب منزلة المحسوس تحقيقاً له في النفس لكون الدنيا محسوسة في النفس مستعظمة في الطباع، فلذلك وقعت المفاضلة بها، وإلا فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة، والثاني أن المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا كلها لأنفقها في طاعة الله تعالى. قال الحافظ: ويؤيد الثاني ما رواه ابن المبارك في كتاب الجهاد من مرسل الحسن قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً فيهم عبد الله ابن رواحة فتأخر ليشهد الصلاة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (والذي نفسي بيده لو انفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم) والحاصل أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل له أمر عظيم من جميع ما في الدنيا، فكيف بمن حصل منها أعلى الدرجات، والنكتة في ذلك أن سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا. فنبه هذا المتأخر أن هذا القدر اليسير من الجنة أفضل من جميع ما في الدنيا). تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي 5 \232
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري فقال( ووقع في حديث سلمان عند أحمد والنسائي وابن حبان ” رباط يوم أو ليلة خير من صيام شهر وقيامة ” ولأحمد والترمذي وابن ماجه عن عثمان ” رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل ” قال ابن بزيزة: ولا تعارض بينهما لأنه يحمل على الإعلام بالزيادة في الثواب عن الأول، أو باختلاف العاملين، قلت: أو باختلاف العمل بالنسبة إلى الكثرة والقلة، ولا يعارضان حديث الباب أيضا لأن صيام شهر وقيامه خير من الدنيا وما عليها).
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخبرنا بحقيقة الدنيا التي نتمسك بها ونمتنع عن الجهاد والرباط من أجلها فيقول( لو أن الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ( رواه الترمذي
وقد ذكر الفقيه ابن تيمية عن فضل الرباط والمرابطين وذكر عددا من أهل العلم الذين كانوا يرابطون فلم يمنعهم العلم من الرباط والجهاد فقال ابن تيمية ( فلذلك كان صالحو المؤمنين يرابطون في الثغور، مثل ما كان الأوزاعي، وأبو إسحاق الفزاري، ومخلد بن الحسين، وإبراهيم بن أدهم، وعبد الله بن المبارك، وحذيفة المرعشي، ويوسف بن أسباط، وغيرهم، يرابطون بالثغور الشامية. ومنهم من كان يجيء من خراسان والعراق وغيرهما للرباط في الثغور الشامية؛ لأن أهل الشام هم الذين كانوا يقاتلون النصارى أهل الكتاب). مجموع فتاوى ابن تيمية / المجلد السابع والعشرون.
فإن هذه الطاعة وهي الرباط خير من الدنيا وما عليها. لو استطاع مسلم أن يمتلك الأرض وما عليها وينفقها في سبيل الله ، وهذا أمر مستحيل! ما كان يعدل رباط ليلة في سبيل الله وهذا من فضل الله العظيم على المرابطين في سبيله أن ينالوا هذا الأجر الذي لا يحصيه إلا الله سبحانه وتعالى فأين المشمرون للجهاد؟؟وأين هم فرسان النهار ورهبان الليل؟
2- عَنْ مَسْرُوقٍ ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ هَـٰذِهِ الآيَةِ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران الآية: 961) قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذٰلِكَ. فَقَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ. لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ. ثُمَّ تَأْوِي إلَىٰ تِلْكَ الْقَنَادِيلِ. فَاطَّلَعَ إلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلاَعَةً. فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئاً؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي؟ وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا. فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّىٰ نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ. فَلَمَّا رَأَىٰ أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا».مسلم
شرح الحديث
قال القرطبي ( وقد اختلف العلماء في هذا المعنى ، فالذي عليه المعظم هو ما ذكرناه وأن حياة الشهداء محققة ... وصار قوم إلى أن هذا مجاز والمعنى أنهم في حكم الله مستحقون للتنعيم في الجنة ... وقال آخرون : أرواحهم في أجواف طير خضر وأنهم يرزقون في الجنة ويأكلون ويتنعمون وهذا هو الصحيح من الأقوال لأن ما صح به النقل فهو الواقع ....) الجامع لأحكام القرآن ، المجلد الثاني ، ج4 ص 253 -254
قال النووي في تفسير هذا الحديث

وقال ابن كثير في "تفسيره"(1/427):"وفي هذا الحديث أن روح المؤمن تكون على شكل طائر في الجنة"وأما أرواح الشهداء فكما تقدم" في حواصل طير خضر" فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين فإنها تطير بأنفسها".
(فاطلع) بتشديد الطاء أي أنظري (اطلاعة) إنما قال اطلاعة ليدل على أنه ليس من جنس اطلاعنا على الأشياء). تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي \ المباركفوري
ففي هذا الحديث دلالة واضحة أن روحه في الجنة وليس جسده, ومع ذلك فإن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الشهداء كرامة لهم لأنهم باعوا أنفسهم لله كما بوّب أبو عبد الله محمد القرطبي - رحمه الله في كتابه التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة ، فقال): باب لا تأكل الأرض أجساد الأنبياء ولا الشهداء وأنهم أحياء( وذكر قصة فقال عن( مالك عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما, وكان قبرهما مما يلي السيل وكانا في قبر واحد وهما ممن أستشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس, وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه, ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة. قال أبو عمر هذا حديث لم يختلف عن مالك في انقطاعه وهو حديث يتصل من وجوه صحاح عن جابر) انتهى
وقرأت للإمام القرطبي في التذكرة وهو ينقل كلاما عن الإمام أبو الحسن القابسي قوله:
(أنكر العلماء قول من قال في حواصل طير لأنها رواية غير صحيحة لأنها إذا كانت كذلك فهي محصورة مضيق عليها) وقال القرطبي معلقا على هذا الكلام (قلت : الرواية صحيحة لأنها في صحيح مسلم بنقل العدل عن العدل فيحتمل أن تكون (الفاء) بمعنى (على) فيكون المعنى أرواحهم على جوف طير خضر كما قال تعالى {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} طه71 أي على جذوع النخل وجائزأن يسمى الظهر جوفا إذ هو محيط به ومشتمل عليه قال أبو محمد عبد الحق وهو حسن جدا) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - القرطبي - 181
وهناك رأي آخر كما قال شارح العقيدة الطحاوية – رحمه الله تعالى :
أما الشهداء فقد شوهد منهم بَعد مُدد من دفنه كما هو لم يتغير ، فيحتمل بقاؤه كذلك في تربته إلى يوم محشره ، ويحتمل أن يبلى مع طول المدة والله أعلم.
وكأنه - والله أعلم – كلما كانت الشهادة أكمل والشهيد أفضل كان بقاء جسده أطول .
وهذا النعيم هو نعيم برزخي (بين الدنيا والآخرة) يأكلون من ثمار الجنة ويشربون من أنهارها ويأوون إلى قناديل معلقة بالعرش الذي هو سقف الجنة، وهذا النعيم دون النعيم الأخروي ولا شك، فمنازل الشهداء ودورهم وقصورهم التي أعد الله لهم في الجنة ليست هي تلك القناديل التي تأوي إليها أرواحهم في البرزخ، قطعاً، فهم يرون منازلهم ومقاعدهم من الجنة ويكون مستقرهم في تلك القناديل المعلقة بالعرش، أما الدخول التام الكامل فإنما يكون يوم القيامة، وأما قبل يوم القيامة فهو دخول للأرواح فقط.
نعم إن الشهداء هم من اصطفاهم الله تعالى لأنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه ففازوا و ربحت تجارتهم... فأكرمهم الحي القيوم بالحياة بيننا مع أننا لا نشعر بذلك ولا نحس بهذه الحياة فلله درهم ونسأل الله اللحوق بهم.
(قال القاضي : فيه أن الأرواح باقية لا تفنى ، فينعم المحسن ، ويعذب المسيء ، وقد جاء به القرآن ، والآثار ، وهو مذهب أهل السنة ، فأرواح الشهداء في حواصل طيور خضر ، وأما غيرهم فإنما يعرض مقعده بالغداة والعشي كما جاء في حديث ابن عمر وكما قال في آل فرعون : {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} غافر46
وقيل : بل المراد وجميع المؤمنين الذين يدخلون الجنة بغير حساب فيدخلون الجنة الآن بدليل عموم الأحاديث ، وقيل : بل أرواح المؤمنين على أفنية قبورهم ، وقيل : إن المتنعم جزء من الجسد تبقى فيه الروح ) اتحاف العباد بفضائل الجهاد \ عبد الله عزام
3- عن ابنِ عَبَّاسٍ ، قال قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَمَّا أُصِيبَ إخْوَانُكُم بِأُحُدٍ جَعَلَ الله أرْوَاحَهُمْ في جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ في ظِلِّ الْعَرْشِ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا مَنْ يُبَلِّغُ إخْوَانَنَا عَنَّا أنَّا أحْيَاءٌ في الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلاَّ يَزْهَدُوا في الْجِهَادِ وَلاَ يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ؟ فَقَالَ الله تَعَالى: أنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُم، قالَ: وَأنْزَلَ الله عَزَّوَجَلَّ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ الله أمْوَاتاً} إلى آخِرِ الآيَةِ» . رواه أبو داود والحاكم
شرح الحديث
(لما أصيب إخوانكم): أي من سعادة الشهادة (في جوف طير خضر): أي في أجواف طيور خضر (ترد): من الورود (وتأوي): أي ترجع (إلى قناديل من ذهب معلقة): أي بمنزلة أو كار الطيور (فلما وجدوا): أي الشهداء (طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم): بفتح فكسر أي مأواهم ومستقرهم، والثلاثة مصادر ميمية ولا يبعد أن يراد بها المكان والزمان، وأصل المقيل المكان الذي يؤوى إليه للاستراحة وقت الظهيرة والنوم فيه (قالوا): جواب لما (من يبلغ): من التبليغ أو الابلاغ ضبط بالوجهين أي من يوصل (إخواننا): أي الذين في الدنيا من المسلمين (عنا): أي عن قبلنا (لئلا يزهدوا): أي إخواننا بل ليرغبوا (ولا ينكلوا): بالنون وضم الكاف أي لا يجبنوا وقد أطال الكلام فيه القرطبي في التذكرة) عون المعبود- العظيم آبادي أبو الطيب - 7 \ 194
يقول ابن النحاس في كتابه مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق ص 270 مبيناً الحكمة في جعل أرواح الشهداء في أجساد الطيور ذات اللون الأخضر والقناديل المعلقة في ظل العرش:" لأن ألطف الألوان اللون الأخضر، وألطف الجمادات الشفافة الزجاج، ولهذا جعل أرواح الشهداء في ألطف الأجساد وهو الطير، واختار ألطف الألوان وهو الأخضر، ويأوي ذلك الطير الأخضر إلى ألطف الجمادات وهي القناديل المنَّورة المفرحِة في ظل العرش لتكمل لها لذة النعيم في جوار الرب الكريم".انتهى
فإنهم لما بذلوا أبدانهم لله عز وجل عوضهم الله أبدانا خيرا منها في البرزخ ، تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون تنعمها بواسطة تلك الأبدان أكمل من تنعم الأرواح المجردة عنها؛ والفرق بين أرواح المؤمنين وأرواح الشهداء ، أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح متنقلة في رياض الجنة ، وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش ، أما أرواح المؤمنين فإنها في أجواف طير يعلق ثمر الجنة ولا يتنقل في أرجائها وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تحت باب " في ذكر محل أصحاب أرواح الموتى في البرزخ:
" وأما الشهداء : فأكثر العلماء على أنهم في الجنة ، وقد تكاثرت بذلك الأحاديث. وهم يعيشون حياة برزخية لا نعلم كيفيتها ولا كُنهها ؛ ولا تحتاج إلى أكل ، وشرب ، وهواء ؛ ولهذا قال تعالى : ( ولكن لا تشعرون ) أي : لا تشعرون بحياتهم ؛ ولا بما هم به من نعيم لا ينفذ أبدا.
(فرد سبحانه عليهم النفس وأجرى عليهم الرزق إظهارا لكرمه وإحسانه على من قبل هذه الصفقة، ورضي أن يتاجر هذه التجارة.) المرجع - ميثاق العمل الإسلامي
ومن فوائد الآية : إثبات حياة الشهداء ؛ لكنها حياة برزخية لا تماثل حياة الدنيا ؛ بل هي أجلّ ، وأعظم ، ولا تعلم كيفيتها " انتهى .
قال الشيخ المجاهد عبد الله بن ناصر الرشيد:
(...وهذا لا يُنافي قوله عزّ وجلّ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ} فإنّ النهي في الشهيد عن تسميته ميتًا لا عن القول بأنّه ماتَ، والموتُ مفارقة الروح البدن، وقد وقع للشهيدِ بلا ريب، ولكنّه حيٌّ حياةً من نوعٍ آخرَ أرفعُ من حياة البرزخ، فروحُ الشهيد متّصلةٌ ببدنٍ آخر، وهو أجواف الطير الخضر كما جاء في الحديثِ الذي رواه مسلم من حديث ابن مسعودٍ وغيره أنّ أرواح الشهداء في أجوافِ طيرٍ خضرٍ.
وهذا المعنى هو المتعيّن، بل هو ما فسّر به النبي صلى الله عليه وسلم الآية ؛ فقد روى مسلم في صحيحه أن مسروقًا سأل ابن مسعودٍ عن هذه الآية {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، قال: ( أما إنّا سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال؛ "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل.."... الحديث).
ففسّر الحياة بالهيئة التي تكون عليها أرواحهم، ومعلومٌ أنّ الحياة اتصال الروح بالبدن، والموت انفصالها عنه، فاجتمع في حال الشهيد هذا وهذا، فروحه انفصلت عن بدنه بمقتله ومات بذلك، ولكنّه ليس ميتًا بعد أن جعل الله روحه في جوف طيرٍ، فكانت روحه متصلة بالبدن وهذه حياة، وهم بذلك يسرحون في الجنة.) المرجع - عن مجلة؛ صوت الجهاد / العدد الرابع
4- أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ ، عَنْ كِتَابِ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ، يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَىٰ. فَكَتَبَ إِلَىٰ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ، حِينَ سَارَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ، يُخْبِرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ كَانَ، فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ، يَنْتَظِرُ حَتَّىٰ إِذَا مَالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللّهَ الْعَافِيَةَ، فَإذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ». ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ». البخاري ومسلم
شرح الحديث
والحرورية منطقة بالقرب من الكوفة نزل بها الخوارج الذين خالفوا مولانا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فنُسبوا إليها.والحديث يقول بأن رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام في بعض أيامه أي غزواته قال لا تتمنوا لقاء عدوكم لأن هذا التمني فيه إعجاب واعتماد منكم على أنفسكم ولكن إسئلوا الله العافية والحفظ وتوكلوا عليه جل جلاله ولكن إذا لقيتم الكفار أو المرتدين فاصبروا واثبتوا وقاتلوا واعلموا بأن ثواب المجاهد هو الجنة.
قال الإمام ابن الجوزي ( المراد أن الجنة تحصل بالجهاد)
قال العلامة المناوي في شرح الحديث: (لا تتمنوا لقاء العدو، لما فيه من صورة الإعجاب، والوثوق بالقوة، وقلة الاهتمام به، وهو مخالف للاحتياط، ولأنهم قد ينصرون استدراجاً، ولأن لقاء العدو من أشد الأشياء على النفس، والأمور الغائبة ليست كالمحققة، فلا يؤمن أن يكون عند الوقوع على خلاف المطلوب، وتمني الشهادة لا تستلزم تمني اللقاء، وأخذ منه النهي عن طلب المبارزة، ومن ثمَّ قال علي كرم الله وجهه لابنه: لا تدعُ
أحداً إلى المبارزة، ومن دعاك لها فاخرج إليه، لأنه باغٍ، وقد ضمن الله نصر من بغي عليه). أ هـ
قال ابن حجر (قوله (لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا اللّهَ الْعَافِيَةَ، فَإذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا) قال ابن بطال: حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر، وهو نظير سؤال العافية من الفتن، وقد قال الصدّيق ” لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر ” وقال غيره: إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والإنكال على النفوس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو، وكل ذلك يباين الاحتياط والأخذ بالحزم) ((ثم قال اللهم منزل الكتاب إلخ) أشار بهذا الدعاء إلى وجوه النصر عليهم، فبالكتاب إلى قوله تعالى (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) وبمجرى السحاب إلى القدرة الظاهرة في تسخير السحاب حيث يحرك الريح بمشيئة الله تعالى، وحيث يستمر في مكانه مع هبوب الريح، وحيث تمطر تارة وأخرى لا تمطر، فأشار بحركته إلى إعانة المجاهدين في حركتهم في القتال، وبوقوفه إلى إمساك أيدي الكفار عنهم، وبإنزال المطر إلى غنيمة ما معهم حيث يتفق قتلهم، وبعدمه إلى هزيمتهم حيث لا يحصل الظفر بشيء منهم، وكلها أحوال صالحة للمسلمين، وأشار بهازم الأحزاب إلى التوسل بالنعمة السابقة، وإلى تجريد التوكل، واعتقاد أن الله هو المنفرد بالفعلي، وفيه التنبيه على عظم هذه النعم الثلاث، فإن بإنزال الكتاب حصلت النعمة الأخروية وهي الإسلام، وبإجراء السحاب حصلت النعمة الدنيوية وهي الرزق، وبهزيمة الأحزاب حصل حفظ النعمتين) فتح الباري \ ابن حجر
والحديث يبين فضل المجاهد ويبين إرتباط سلاح المجاهد بالجنة وكما قال القسطلاني ( أي أن ثواب الله والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيوف في سبيل الله وهو من المجاز البليغ لأن ظل الشيئ لما كان ملازما له ولا شك أن ثواب الجهاد الجنة فكان ظلال السيوف المشهورة في الجهاد تحتها الجنة أي ملازمها استحقاق ذلك وخص السيوف لأنها أعظم آلات القتال وأنفعها) المرجع - بذل المجهود في حل أبي داود 12 -142
يصول المجاهد ويجول في حومة الوغى وهو يعلم أنه يتجوَّل في الجنة تحت ظل سيفه وسيف عدوه، وما أن يسقط في هذه الأرض حتى يرى مقعده في الجنة وتظِله الملائكة يا لها من منزلة فهل من مشمر لها؟؟.
قال القرطبي: (وهو من الكلام النفيس الجامع الموجز، المشتمل على ضروب من البلاغة مع الوجازة، وعذوبة اللفظ، فإنه أفاد الحض على الجهاد، والإخبار بالثواب عليه، والحض على مضاربة العدو، واستعمال السيوف، والاجتماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظل المتقاتلين). فتح الباري (6/40).
(ومعلوم أن المقاتل لا يكون تحت ظلال السيوف إلا عند الالتحام بعدوه حيث يعلو كل منهما صاحبه بسيفه) (فتح الباري 6/33).
(ففي هذا الحديث دلالة على أن ظلال السيوف والضرب يها في سبيل الله سبب للفوز بظلال بساتين الجنة ونعيمها , فالجنة تحت بارقة صوت القنابل والرصاص وهدير الدبابات وأزير الطائرات)
( ومن بلاغَةِ النبيِّ صلى الله عليه وآله و سلم أنه قال ( الجنةُ تحتَ ظلال السيوف)ولا يكون الشخص مظللاً بالسيوف إلا إذا غمس نفسه في ساحة القتال وأصبحت السيوف من كثرتها فوق رأسه كأنها تُظِلّه. وهذا حث على بذل النفس في سبيل الله والحرص على الشهادة ، والشجاعة وعدم الجبن)
(وفي الحديث: دلالة على جواز الرواية بالكتابة دون السماع) المرجع-عمدة القاري 15 \ 7.
قال النووي

(وقال المناوي: هو كناية عن الدنو من العدو في الحرب بحيث تعلوه السيوف بحيث يصير ظلها عليه يعني الجهاد طريق إلى الوصول إلى أبوابها بسرعة، والقصد الحث على الجهاد) شرح سنن الترمذي للمباركفوري
(أن الجنة تحت ظلال السيوف): قال الخطابي: معنى ظلال السيوف الدنو من القرن حتى يعلوه بظل سيفه لا يولي عنه ولا ينفر منه، وكل ما دنا منك فقد أظلك. وقال في النهاية: هو كناية عن الدنو من الضراب في الجهاد حتى يعلوه السيف ويصير ظله عليه. وقال النووي: معناه أن الجهاد وحضور معركة الكفار طريق إلى الجنة وسبب لدخولها (منزل الكتاب): جنسه أو القرٱن (وهازم الأحزاب): أي أصناف الكفار السابقة من قوم نوح وثمود وعاد وغيرهم (اهزمهم): أي هؤلاء الكفار قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم.)عون المعبود ج7 ص94.
والدعاء له تأثير عجيب في نصرة المسلمين فهذا سيد ولد آدم عليه وآله الصلاة والسلام يدعوا في بدر دعاء الموقن بالإجابة فقد (روى عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه ( اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ) فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كذاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ }الأنفال9 فأمده الله بالملائكة) صحيح مسلم - 3 \ 1383
5- وعن أنسَ بنَ مالكٍ رضي الله عنه عنِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما أحدٌ يَدخلُ الجنةَ، يُحبُّ أَن يَرجعَ إلى الدُّنيا، وله ما على الأرضِ مِن شيء إلا الشهيدُ، يتمنّى أن يرجعَ إلى الدُّنيا فيُقتَلَ عشرَ مرات، لما يَرى منَ الكرامةِ». البخاري ومسلم
شرح الحديث
لماذا سُميّ الشهيد بالشهيد؟؟
(قال ابن الأنباري: إن الله تعالى وملائكته عليهم الصلاة والسلام يشهدون له بالجنة) تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي المباركفوري \ 5 \ 244
بعضُ أهلِ العلمِ يَعتَبِرُ أن هذا أجَلُّ حديثٍ جاءَ في فضلِ الشهادةِ كما قال ابن بطال رحمه الله تعالى: (هذا الحديث أجل ما جاء في فضل الشهادة)، وقال: (وليس في أعمال البر ما تبذل في النفس غير الجهاد فلذلك عظم فيه الثواب). فتح الباري \ ابن حجر
إنه الشهيد فبالرغم من عظم منزلته الرفيعة التي يراها أُعدت له في أعلى درجات الجنة، فإنه يتمنى أن يعود إلى الدنيا، ولكن ليستمر في جهاد أعداء الله، فيقاتل ويُقتل ولو عشر مرات، لما يرى من ثواب الجهاد وكرامة المجاهدين عند الله عز وجل، إنها الأمنيات التي لا يستطيعها العقل, إنسان يتمنى أن يُعاد إلى الحياة الدنيا كي يقتل في سبيل الله مرات ومرات تُرى ما الذي رآه الشهيد حتى تمنى هذه الأمنيات؟؟ ولكن الشهيد يعلم بأن أجره أعظم الأجور ، ومنزلته أعلى المنازل ، ومكانته أرفع الأماكن في الجنة ، كيف لا ، وقد قدم روحه فداءً في سبيل الله تعالى ، قدم جمجمته لتُضرب في سبيل الله عز وجل ، من أجل إعلاء كلمة التوحيد خفاقة عالية ، رجاء ثواب الآخرة . إنها الكرامة العالية والمنزلة التي لا يعرفها إلا من عرف حقيقة الجنة وكمال التوحيد وهي أن يقدم المرء منا نفسه في سبيل الله رخيصة , فالنبي عليه وآله الصلاة والسلام أخبر أن الذي يدخل الجنة من المؤمنين لا يحب مفارقتها ليرجع إلى الدنيا، لما رأى فيها من النعيم الذي لا يطمع في سواه، ماعدا الشهيد، فإنه لعظم ما رأى من الكرامة على استشهاده يحب أن يرجع إلى الدنيا ليذوق طعم تكرار الشهادة في سبيل الله.
سأل الأستاذ أحمد زيدان الملا داد الله رحمه الله : (هل أنتم نادمون على مساندتكم لتنظيم القاعدة بعد أن خسرتم حكومتكم؟).
فيجيب الملا داد الله رحمه الله: (كلامنا هو كلام الشهيد حين يوضع في القبر، فيقول؛ تمنيت أن أُحيا ثم أُقتل مرة ثانية، وذلك للمشاركة في الجهاد ليستشهد مرة ثانية لما يرى من المكانة السامية التي يراها بسبب جهاده واستشهاده, ونحن نقول؛ ليتنا نستولي على الحكومة مئة مرة ثم نفقدها ونضحي بأنفسنا من أجل هؤلاء المجاهدين من تنظيم القاعدة).يا الله ما أروعها من كلمات لا تخرج إلا من رجل عرف التوحيد الصحيح وامتلاء قلبه بحب الجهاد والشهادة فلله درك ولله در الطالبان فقد أنجبت للأمة رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
إن الشهداء هم وقود هذه الأمة ونحن عندما نفقد شهيدا فإننا نبكي على أنفسنا لأن أنفسنا أصغر من أن تقتل في سبل الله وجزى الله الجنة من قال:
فالدمع ليس على الأبطال نسدله *** ولا على من سرت بالمجد رجلاه
ولا على من علت بالزحف صيحته *** وخط بالسيف وسط الحرب مثواه
الدمع أحرى بمن تغريه لذته *** ويلعق الذل لهفاً خلف دنياه
وهكذا حال الصحابة الكرام ومن نهج نهجهم كانوا يتمنون القتل في سبيل الله وكانت لهم مواقف عجيبة تدل على الرجولة والفقه بأحكام الدين ومن هذه المواقف الرائعة العجيبة يحدثنا أنس رضي الله عنه ، فيقول : غاب عمي أنس بن النضر رضي الله عنه ، عن قتال بدر ، فقال : يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين ، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع ، فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال : اللهم أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ ، فقال : يا سعد بن معاذ الجنة ورب الكعبة ، إني أجد ريحها من دون أحد . قال سعد : فما استطعت يا رسول الله ما صنع ! قال أنس : فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف ، أو طعنة برمح ، أو رمية بسهم ، ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه . قال أنس : كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }الأحزاب23 متفق عليه.
6- عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم قَالَ: (كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذْ طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ). رواه البخاري ومسلم
شرح الحديث
(في سبيل الله) قيد يخرج ما يصيب المسلم من الجراحات في غير سبيل الله) (والحكمة في كون الدم يأتي يوم القيامة على هيئته أنه يشهد لصاحبه بفضله وعلى ظالمه بفعله، وفائدة رائحته الطيبة أن تنتشر في أهل الموقف إظهارا لفضيلته أيضا، ومن ثم لم يشرع غسل الشهيد في المعركة) فتح الباري \ ابن حجر
أي كل جرح يُجرحه المسلم في الجهاد وتنزل الدماء منه فإن هذه الدماء التي لها رائحة كريهة في الدنيا تتحول عند الشهيد لرائحة المسك الطيب.
فإن هؤلاء الشهداء يحشرون ودمائهم تسيل عليهم, كهيئتها يوم جرحت في الدنيا تفجر دماً، وهذا إكرام لهم وبيان لمزاياهم وعلو مقامهم عند الله تعالى.
قال النووي رحمه الله تعالى

ولهذه الحكمة ترك غسل الشهيد والله أعلم.
رُغم فضل الشهادة فقد زهد الكثير الكثير من أمة المليار بهذا الفضل الكبير وكأنه لم يعد في الأرض مشركين وكأن الديار هي ديار إسلام , أين الغيرة على الأعراض يا طلاب العلم ؟؟ أين الغيرة على شريعة الله يا علماء الأمة ؟؟ أين أصحاب المروءات أيها المسلمون ؟؟ وفي هذا يقول الشيخ المجاهد الذي قهر الصليبيين أبو مصعب الزرقاوي رحمه الله وهو يخاطب الأمة :
(ما بالك انكسر سيفك وانبطح قلمك؟ وقد كنت من قبل أبية فوق النجوم، فبت اليوم مسحوقة تحت أقدام الغزاة وسنابك خيل الغاصبين.... بل يا أهل المروءات؛ متى تقومون قومة رجل واحد، وعفاف المسلمات أمامكم ينتحر، ونطفة الإجرام على مرآكم تتهكم وتنتقل، وصعاليك الكفر لأعراضكم تنهش ثم تستتر؟!
حتى تُقض المضاجع وتنهمر المدامع، وتهانون شر إهانة؛ فتحوقلون وتغمضون عيونكم وكأنها رمية من غير رامي؟! ولكن يا حسرة على أهل المروءات...
دخلت على المروءة وهي تبكي *** فقلت علام تنتحب الفتاةُ
فقالت كيف لا أبكي وأهلي *** جميعاً دون خلق الله ماتوا
فالجهاد ترجمان التوحيد وهو دليل صدق الموحد، ومن لم يكن له سابقة عهد مع الجهاد والبلاء في سبيل نصرة هذا الدين لا يحق له أن يتصدر مواقع الزعامة والقيادة، مهما أوتي من علم وحسن بيان، وهو إن فعل فهو يتشبع ويتظاهر بما ليس عنده، وهو كلابس ثوبي زور.
فلا والله ما كانت الدعوات يوماً طريقاً مفروشة بالورود والرياحين، إن ثمن الدعوات باهض، وثمن نقل المبادئ إلى أرض الواقع كثير من الأشلاء والدماء، ولن يوقد سراج الفجر في هذه الظلماء إلا المجاهدون والشهداء. حقاً ما أروعها من كلمة؛ "فزت ورب الكعبة".
فواهاً لريح الجنة ثم واها، ولكن أين من صدق الله فصدقه؟) المرجع \ . أَيـنَ أَهْــلُ المـُرُوءَاتِ \ الزرقاوي
وذكر الحافظ ابن كثير في ترجمة الحافظ بن الفرضي
(أبو الوليد عبدالله بن محمد بن يوسف بن نصر الأزدي الفرضي قاضي بكنسية سمع الكثير وجمع وصنف التاريخ وفي المؤتلف والمختلف ومشتبه النسبة وغير ذلك وكان علامة زمانه قتل شهيدا على يد البربر فسمعوه وهو جريح طريح يقرأ على نفسه الحديث الذي في الصحيح ( ما يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى اللون لون الدم والريح ريح المسك ) وقد كان سأل الله الشهادة عند أستار الكعبة فأعطاه إياها) البداية والنهاية \11 \351
وقال كذلك الحافظ ابن كثير في ترجمة أبو محمد عبد الله بن محمد (ابن خلف بن أحمد بن عمر اللخمي الأندلسي الرباطي الحافظ مصنف كتاب اقتياس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار وهو من أحسن التصانيف الكبار قتل شهيدا صبيحة يوم الجمعة العشرين من جمادى بالبرية)البداية والنهاية \12 \223
هكذا كان أهل العلم يجاهدون في سبيل الله ويُقتلون شهداء مقبلين غير مدبرين، فمتى ينفض أهل العلم غبار الكسل عنهم ويُعيدوا الأمة للجهاد ؟؟؟