بسم الله الرحمن الرحيم
“سلسلة نصائح شبابية”
” كونوا كربيعة وإياكم وضعف البصيرة”
” كونوا كربيعة وإياكم وضعف البصيرة”
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا الأمين، محمد – صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أساس المشكلة فيما نعانيه اليوم من تصرف بعض الشباب، هو ضعف البصيرة بحقيقة أحكام الشريعة، وقلة الفقه في تعمق ومعرفة أسرارها، وعدم القدرة على فهم مقاصدها، مما أدى ذلك إلى أنك تجد من الشباب من يشتغل بالمسائل الجزئية، عن القضايا الأساسية التي تتعلق بالأمة وحاضرها ومستقبلها، وليس صواباً أن نترك تقرير الحكم الشرعي في الأمور الفرعية كما الحال في القضايا الكبرى؛ ولكن ليس من الصواب أن نهتم بالجزئيات على حساب الكليات، لأن في ذلك إضاعة للجهد والوقت، فكما أن الإسلام جاء لإحياء سنة جاء أيضاً لإحياء أمة، ولا يخفى عليكم واقع الأمة اليوم ؛ فالأمة وفلسطين بحاجة لكم أيها الشباب، بحاجة لجهدكم وطاقتكم وعطائكم، واحذروا أن تلجوا باب الجهل المطلق في الدين، كشباب لا يعلمون من الدين إلا القليل، فتراهم يخرجون من القرآن بآية، ومن التفسير برأي، ومن السنة بحديث، ومن السيرة بغزوة، ظنوا أنهم بهذا دخلوا زمرة العَالِمِين، فهم يعرفون أجزاء من العلم، فليست عندهم المقدرة على ربط الجزئيات بالكليات، ولا رد المتشابهات إلى المحكمات، ولا تحكيم الظنيات إلى القطعيات، ولا يعرفون من التعارض بين الأدلة والترجيح من الأحكام ما يستطيعون به إعمال أدلة الشرع ، وأُذِّكِر هنا بما قاله الإمام الشاطبي – رحمه الله تعالى- وهو يتحدث في كتابه الاعتصام عن أسباب الاختلاف المذموم المفضي إلى النزاع والشقاق وتفرق الأمة، وجعل بأسها بينها شديد، فقال -يرحمه الله- :” …. أن يَعْتقد الإنسان في نفسه أو يُعْتقد فيه أنه من أهل العلم والاجتهاد في الدين، وهو لم يبلغ هذه الدرجة فيعمل على ذلك ويعتبر رأيه رأياً، وخلافه خلافاً، فتراه آخذاً ببعض جزئيات الشريعة في هدم كلياتها، حتى يصير منها ما ظهر له بادي رأيه من غير إحاطة بمعانيها ولا رسوخ في فهم مقاصدها” وبهذا يكون ولج باب الجهل المطلق فيدفعه ذلك إلى الغلو في العمل بالإسلام بدعوى أن الناس أهل بدعة وعصيان، أو الطعن في العلماء بدعوى أنهم خالفوا ما رأى، فهو يفتي بجهله عكس ما يفتون بعلمهم، ولو تذكر هؤلاء الشباب، ما قاله مالك بن أنس- رحمه الله- :” بكى ربيعة يوماً بكاء شديداً، فقيل له: مصيبة نزلت بك؟ فقال: لا ولكن استفتي من لا علم عنده” رحم الله ربيعة هذا في زمانه فكيف لو رأى ما في زماننا، وهذا ما ذكره النبي- صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قول : ” إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جُهالاً، فَسُئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا” وفي رواية أخرى كما في صحيح البخاري – رحمه الله – عن عروة – رضي الله عنه- قال: حج علينا عبد الله بن عمرو ، فسمعته يقول : سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: ” إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاهموه انتزاعا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جُهال، يُستفتون فيفتون برأيهم، فيضلون ويضلون” وعلق بعض العلماء على هذين الحديثين بهذا القول الجميل:” ما خان أمين قط، ولكنه ائتمن غير أمين فخان، وما ابتدع عالم قط، ولكنه استفتي من ليس بعالم، والحل في ذلك أن تتفقهوا في دينكم أيها الشباب قبل أن تسودوا، فقد قال عمر الفاروق – رضي الله عنه- ” تفقهوا قبل أن تسودوا- ولا يتأتى ذلك إلا باحترام العلماء وأخذ ما عندهم من علم، قال تعالى: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) وفي صحيح البخاري- رحمه الله- عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً ، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت الكلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) والناس في هذا الحديث على ثلاثة أقسام، منهم من رزق الحفظ والفقه، ومنهم من رزق الفقه والفهم، ومنهم من حرموا هذا كله، فكونوا ممن رزق الحفظ والفقه والفهم. والله أعلم
بقلم الشيخ الداعية الأستاذ صادق عطية قنديل
تعليق