إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أسئلة صعبة في وجه الإنتفاضة!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أسئلة صعبة في وجه الإنتفاضة!




    على الرغم من سوداوية المشهد الفلسطيني في ظل الهجمة الشارونية التي قتلت وشردت واعتقلت ونكلت بالآلاف من أبناء شعبنا على مرأى ومسمع من قادة العرب والمسلمين وجيوشهم الجرارة، لكن المؤكد والثابت الوحيد ربما هو أن هذا الشعب لا يمكن كسر إرادته ما دام فيه قلب واحد ينبض وهو ما يمثل الجدار الصلب في وجه المخططات الصهيونية ومشاريعها سواء في فلسطين أو على امتداد هذه المنطقة.

    لكن، وعلى ضوء النتائج التي أمامنا بعد هذه الحملة العسكرية التي دمرت تقريبا كل مقومات السلطة الفلسطينية وكل ما كان يمكن أن تقوم عليه الدولة الفلسطينية المصغرة في الضفة والقطاع، وأدت إلى استشهاد المئات من عناصر وقادة الانتفاضة وزج اللآلاف ممن اعتقلوا في مخيمات الإعتقال، إضافة إلى تدمير البنى المدنية التحتية والمصانع والمزارع والحقول، علينا أن نقوم بمراجعة دقيقة لما حدث، خاصة وأن مصير الشعب الفلسطيني صار على المحك ولا يمكننا بعد اليوم أن نتكل على عواطفنا الجياشة ونخوة الشارع العربي فقط، ونحن منه، لتحقيق طموحات هذا الشعب بالتحرير والإستقلال.

    أولاً. بما أن العالم العربي والإسلامي يعيش ضمن منظومة من الدول والأنظمة المطلقة العسكرية والديكتاتورية التي ليس للشارع فيها، مهما علا صوته، أي قدرة على صنع أصغر القرارات كتغيير موظف صغير تابع للحاكم، فكيف بك قضية مصيرية كقضية فلسطين، فلا بد من حذف كل هذه الملايين من المعادلة رغم صراخها وتظاهرها وصخبها الهادر الذي لا يبدو بأنه قد وصل حتى إلى آذان حكامها.

    ثانياً. حتى الدول التي ليس من شك في تطلعها إلى نصرة الشعب الفلسطيني في مقاومته ولو أغضب ذلك سيدة العالم، فهي مكبلة بالخوف من استفرادها إذا ما تخطت في دعمها الخطوط الحمر المرسومة على خريطة المنطقة. لذا، للأسف، يجب أيضا أن يتم استبعادها من معادلة الصراع، على الأقل في الوقت الراهن.

    ثالثاً. وبناءا على ما تقدم، يبدو أن الفلسطينيين متروكون "وحدهم" ليواجهوا قدرهم حتى يغير القوم ما بأنفسهم! لذا، على من يريد حقا دعم الفلسطينيين في صراعهم وصد الخطر الذي لا بد آتيه وأولاده في المستقبل القريب، أن يعمل على تغيير ما يخنق حركته ويكبل قدرته وحريته.

    هذا بالنسبة إلى العرب والمسلمين، أما بالنسبة إلى الفلسطينيين فهناك أسئلة صعبة عليهم أن يجيبوا عنها بكل صدق وأمانة أمام ما سال من دماء، تماما كما أثبتوا للعالم كله صدقهم وإخلاصهم تجاه هذه القضية المقدسة التي يحملونها، وذلك حتى يمكنهم أن يستمروا في هذا الصراع وأن يحققوا أمانيهم – أمانينا. والأسئلة هنا تدور على خلفية أنه ليس من خيار أمام الفلسطيني سوى المقاومة وأن الخيارات التفاوضية التي أوصلتهم إلى هذا الواقع قد دفنت مع تدمير جميع مقومات السلطة الفلسطينية.

    هذه الأسئلة الصعبة إذاً تدور حول المقاومة أو الإنتفاضة وماهيتها وأساليبها ومداها وأبعادها وأهدافها.

    السؤال الأكثر إلحاحاً اليوم هو هل يجب أن تكون المقاومة الفلسطينية مسلحة، وإذا كان كذلك فهل تملك هذه المقاومة ما يمكنها من الصمود والإنتصار حتى لو امتد الصراع إلى عقود من الزمن؟

    أعرف أن سؤالاً كهذا يعتبر تابواً محرماً في هذه اللحظة التاريخية التي نعيشها والتي يغلي فيها الدم في العروق، لكن الواقع الذي تعيشه المقاومة الفلسطينية اليوم، على الرغم من التطبيل والتزمير الذي مارسناه طوال عام ونصف من عمر الإنتفاضة الثانية، لا يشجع على التفكير بأن المقاومة المسلحة في فلسطين، على الأقل بالشكل العام الذي سارت عليه ووصلت إليه أخيراً، قادرة على صنع النصر أو تحقيق الأهداف المرجوة بالتحرير والإستقلال! لا بل أكثر من هذا، لقد وصلت المقاومة المسلحة في فلسطين إلى درجة من الإنتحار الجماعي والتدمير الشامل في ظل عالم أعمى وأصم وفي ظل سيطرة شبه كاملة للصهاينة على مواقع القرار في العالم كله، أقله حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

    والسبب في ما وصلنا إليه ليس فقط العوامل الصهيونية والخارجية، بل أيضا يكمن في المقاومة نفسها وفي بناها وأساليبها ونسبة جهوزيتها وحصانتها من الإختراق الأمني وانضباط عناصرها وقادتها. المؤلم هو أن هذه التساؤلات تنطبق على كافة فصائل المقاومة، سواء أكانت قريبة من السلطة أو بعيدة عنها!

    هل كانت القوى الرئيسية في فلسطين مستعدة لخوض حرب عصابات مسلحة، ولو بالقليل من السلاح والعتاد الذي كانت تملكه؟ ما هو حجم الخروقات الأمنية والإستخباراتية للساحة الفلسطينية من قبل العدو؟ ما هي درجة الإنضباط العسكري والميداني للمقاومين؟

    ما هو حجم الجهوزية التنظيمية والتسليحية والأمنية والإستخباراتية للتشكيلات شبه العسكرية التي قامت عليها المقاومة المسلحة بغية تحرير فلسطين، على اعتبار أن هذا هو الهدف المنشود من تحول الإنتفاضة إلى الشكل العسكري؟

    هل استفادت المقاومة الفلسطينية من تجربة عقود طويلة من الصراع المسلح أم أنها ما زالت سجينة فكرة الثورة-السلطة ولم تستطع بعد انتاج فكرة الثورة-المقاومة؟ هل كان من الممكن أن تنتج الثورة-السلطة مقاومة مسلحة وهي بالأصل مبنية على مداميك مخترقة أفقيا وعاموديا من قبل العدو؟ هل استطاعت القوى الإسلامية البعيدة عن السلطة أن تبني تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية تتمتع بالحصانة الأمنية وتعمل دون أي تغطية إعلامية ومظاهر استعراضية تشكل مواد مراقبتها واختراقها واغتيال قادتها وتصفية كوادرها بالشكل اليومي الذي مارسه العدو منذ اندلاع الإنتفاضة وحتى اليوم؟

    في لبنان، كان الإمام موسى الصدر يقول "السلاح زينة الرجال"، ولكنها زينة محتشمة وليست للعرض كما ظن البعض، فخاب من ابتذلها وفاز من صانها واحتشم في ابرازها إلا ما بدا! وحين تقوم الدول بعرض جيوشها وترساناتها في المناسبات الوطنية، فهي تفعل ذلك لرفع الروح المعنوية لشعوبها ولترويع القوى الداخلية والخارجية التي تتربص بها. لكن، هل يعقل أن ترى دولة تقوم بعروض كهذه في أوج المعركة؟ وكيف إذا كانت سماؤك ليست لك، والبحر عليك، والأرض محاصرة ومقطعة الأوصال، والعدو يحصي عليك أنفاسك ويراقب كل خطوة تخطوها، فهل تعينه بالعلن على معرفة ما لا يجب أن يدركه بالسر؟

    لماذا كلما سقط شهيد في فلسطين، نستعرض كل قوانا وتصطف طوابير الإستشهاديين أمام الكاميرات والأفظع من هذا كله يحمل المقاتلون "زينتهم" و"يخرس الرصاص" كما كنا نقول أثناء الحرب الأهلية اللبنانية؟

    بعد معركة بطولية طاحنة في مخيم جنين وصمود استمر لستة أيام، انهارت المقاومة في المخيم بسبب نفاذ الذخيرة وحوصر أكثر من مئة مقاتل لم يجدوا طلقة يرمون بها العدو. ورغم هذا، رأينا بعد أيام قليلة، أثناء تشييع أحد الشهداء في غزة، عدداً من المقاتلين الفلسطينيين يطلقون النار في الهواء كما جرت العادة في هذه المناسبة اليومية، وهو عمل يفترض أن يتم محاكمة فاعله خاصة في ظل الحصار الذي تعانيه الأراضي الفلسطينية وشبه استحالة إيصال السلاح والذخيرة إلى الداخل!

    وقد أخذني هذا المشهد المريب والمتكرر، رغم كل النداءات التي وجهت للعزوف عنه، إلى ذلك المقاتل الفلسطيني الذي تمترس على تلة فوق الحاجز الإسرائيلي القريب من نابلس واستطاع ببندقية مخلعة وبواسطة 25 طلقة فقط أن يقتل 11 جنديا ومستوطنا صهيونيا ويجرح 4 آخرين، وحسب الرواية العسكرية الإسرائيلية فهو لم يخطئ إلا بـ 4 طلقات فقط! هذا المثال يؤكد عظمة المسؤولية الملقاة على عاتق من يحمل السلاح بأن يقيم وزنا لكل طلقة يؤتمن عليها لأن فيها حياته أولا ونجاحه بتأدية المهمة الموكلة إليه ثانيا.

    يقودني هذا إلى مسألة أخرى أكثر أهمية من مسألة السلاح وهي مسألة الفداء بالنفس في سبيل تحقيق الغاية المرتجاة من هذا الصراع، ألا وهي تحرير الأرض والإنسان.

    إن الشهداء هم أكرم بني البشر جميعا وليس أعظم ممن يقدم حياته فداءا لتحرير أخوه الإنسان من ظلم وقهر واستعباد. وقد قدم الفلسطيني دمه بسخاء لا يمكن أن يقاربه سخاء في هذا العالم طوال سبعين عاما، ولما يزل.

    لكن السؤال الذي يجب أن نجيب عليه هنا هو هل يفترض بمن يتوجه للقيام بعملية عسكرية أن يقرر مسبقاً بأنه لا بد مستشهد وبالتالي عدم التفكير بالعودة سالما بعد تحقيق الهدف من العملية، أو حتى جزء من الهدف في حال اعترضته صعوبات لم تكن ضمن التخطيط المسبق للعملية؟ بمعنى آخر، هل الهدف هو الشهادة بحد ذاتها أم تنفيذ المهمة العسكرية الموكلة وتحقيق أفضل النتائج؟

    الخطير في ما شهدناه في الفترة الأخيرة، وخاصة في العمليات التي تقوم بها حركتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، هو التركيز المطلق على مسألة الإستشهاد وليس على تحديد الهدف المراد ضربه بدقة وتأمين عودة المقاتل الإستشهادي سالماً بعد تحقيق الهدف المنشود!

    إن تحرير فلسطين لا يمكن أن يتم عن طريق العمليات الإستشهادية وحدها، بل لا بد أن تتم إعادة النظر بشكل جذري بهذا المسار حتى لا يتحول هذا العمل المقدس الى حالة تبدو وكأنها فعل يائس من القدرة على استنباط وسائل جديدة للمقاومة ترفع من قدرة المقاتل الفلسطيني على تكبيد العدو أكبر قدر ممكن من الخسائر دون الحاجة، إلا إذا كانت مشيئة الله في ذلك أمرا محتوما، الى تقديم النفس في سبيل تحقيق الهدف المبتغى.

    إن في تجربة المقاومة الإسلامية في لبنان دروساً قيمة في هذا المجال. ورغم أنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، مقارنة الواقع الذي نمت وعملت وانتصرت فيه المقاومة الإسلامية بذلك الواقع الذي عايشته ولا تزال المقاومة الفلسطينية، سواء كان ذلك من الخارج أو من الداخل. فعدد الإستشهاديين الذين قدمتهم المقاومة الإسلامية طوال ثمانية عشر سنة من المقاومة لم يصل إلى عدد الإستشهاديين الذين قدمتهم حماس والجهاد في الشهرين الأخيرين من الإنتفاضة!

    ثم لماذا الإعلان عن هوية الإستشهاديين إذا كان هناك احتمال مؤكد بأن يقوم العدو باعتقال أهالي الشهداء وتدمير منازلهم والتنكيل بهم؟

    أما قضية استهداف الأماكن العامة واعتبار أنه لا مدنيين في إسرائيل فهي، إلى جانب بعدها الأخلاقي، مسألة يجب التعاطي معها من خلال ما يمكن أن يمثله السلاح الإعلامي اليوم من أهمية تكاد تفوق قوة الطائرات والدبابات على تغيير معطيات المعركة. فبالقدر الذي تستطيع صور قتلانا من الأطفال والنساء والشيوخ أن تثير الشعوب والدول والمنظمات الدولية وتدفعها إلى اتخاذ مواقف ما من العدو، فقتلى العدو المدنيين أيضا تستخدم لتعطيه الذريعة باستخدام كل ما يملك من قوة وبطش متسلحا بحقه بالدفاع عن النفس، كما فعل شارون. أما الحجة القائمة على أخذ الثأر للمظلومين من أبنائنا الذين يرتكب العدو بحقهم كل هذه المجازر فهي حجة ساقطة في ظل انتفاء توازن الرعب الحقيقي على الصعيد الميداني بين العدو والمقاومة الفلسطينية، خاصة في ظل هذا الحصار الذي تعيشه المقاومة.

    إن الفكرة التي تم الترويج لها بأن النصر قد بات وشيكاً وأن تحقيق الحلم الفلسطيني بالتحرير صار قاب قوسين وأدنى لم تكن فكرة صائبة في ظل المعطيات الداخلية والخارجية للإنتفاضة، وكل ما فعلته هو أنها دفعت بالقوى الفلسطينية المسلحة إلى حرق أوراقها بغية التسريع بتحقيق هذا النصر والخلاص من الإحتلال بأسرع ما يمكن!

    إن الصراع مع هذا العدو هو صراع طويل ويجب القبول بهذه المسألة والعمل على أن زرعها في فكر الأجيال المقاومة لكي يكون لديها الصبر على العمل المتأن والمنظم والمدروس والإبتعاد عن الإنفعال والتهور والتسرع. وعلى المقاومة الفلسطينية، قبل أي شيء آخر، أن تعمل على تنظيف الساحة من كل الإختراقات الأمنية وبعيدا عن المظاهر التي تضر بالشعب الفلسطيني، إذ لا يمكن لأي عمل مقاوم أن يستمر ويتطور حين تكون الساحة على هذا القدر من الإختراق والتسيب المخابراتي.

    أخيراً أعود إلى التساؤل، وعلى ضوء كل ما تقدم، هل يجب أن تكون المقاومة الفلسطينية مسلحة؟

    أسئلة صعبة وقد تبدو جارحة ومجحفة بحق هذا الشعب المظلوم، لكن لا بد من أن نخرجها إلى العلن ونناقشها بدلا من أن نتركها تعتصرنا دون أن نجرؤ على طرحها!

    الأحد، 21 نيسان
جاري التحميل ..
X