بسم الله الرحمن الرحيم
إن شاءالله سيكون هذا الموضوع بداية لسلسلة مواضيع في فن الدعوة الى سبيل الله ..
ارجوا من اخوتي الافاضل الدعاة تبادل الخبرات وإثراء الموضوع وغيره من المواضيع بتجاربهم الدعوية
قاعدة يجب ألا يغفلها الدعاة
محمد بن علي القعطبي
قال الراوي: يجتهد الدُّعاة في كلِّ عصرٍ ومصر، ويبذلون الغالي والرخيص، ويهدرون الصحة والمال، ويسافرون في الفيافي والقِفار، يحدوهم حديث النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك مِن حُمر النَّعَم)).
وإحراز المداخل للوصول إلى نفسيَّات المدْعُوين وهدايتهم إلى طريق الله - أمْرٌ قَلَّ مَن يوفَّق له، كيف والمآرب النَّفسيَّة للناس مُتَعَدِّدة، وما يصلُح لشخْص مَدْخلاً، قد يكون لآخر معوقًا، وسبحان الله الذي جَعَلَ القلوبَ مختلفة، والرُّؤى متعَدِّدة، والأفكار متنَوِّعة؛ ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود: 118- 119].
قال الراوي:
وقد كتب الله لي يومًا أن أتعلَّمَ من مُدَرسة نصرانيَّة قاعدة من قواعد الدَّعوة إلى الله - عَزَّ وجَلَّ - كنتُ أدرس اللغة الإنجليزيَّة في إحدى الجامعات الأمريكيَّة، وفي جامعة (UC DAVIS) في ولاية كاليفورنيا فرع (ديفس)، وكانتْ لنا مُدَرِّسة نصرانيَّة اسمها كاثلين، تجاوَزَ عمرُها السِّتين، وأصبحتْ قاب قوسين أو أدنى منَ الشَّيخوخة، وكانتْ ماهِرة في التدريس ومتمَسِّكة بنصرانيتها، وقد تَبَيَّنَ لي ذلك مِن قصَّةٍ ذكرَتْها مرَّة لنا، مُلخصها: أن ابنها حدثتْ له حادثة عندما كان يقود سيارة في طريق سريع، ففقدتْ توازنها، - ولولا عناية الله (هكذا) - ولولا عناية الله لكان قد مات، وتقول: وحمدتُ الله كثيرًا على نجاتِه، ومهما بلغ شكري لله، فلن أستطيعَ أن أوفيه حقَّه.
وجذب انتباهي منها تلك العبارات الإيمانية، وإن كانت على ديانة محرَّفَة، فطمعتُ في إسلامها، ومنَ البَدَهي - وهذا خلاف ما يعتقد كثير منَ العامَّة -: أنَّ الإنسانَ المؤمن بنصرانيته هو أقرب ما يكون للإسلام، وأسرع استجابة للدَّعوة؛ لأنَّ بينه وبين مَن يدعوه قاسمًا مُشتركًا مِن خوف الله وابتغاء مرضاته، بعكس مَن هو عن ذلك بعيد.
وطفقتُ أُحَدِّث مُدَرِّستي العجوز عنِ الإسلام، وأُبَيِّن لها محاسنه، فثارتْ حينها الغيرة في زُملائي، وقَرَّروا أن يفسدوا الودَّ بيننا، ويقطعوا أصْل الحديث، فتفتقَتْ أذهانُهم عن حيلة ماكرة، وتماسكتْ أيديهم، وجاؤوا بصوتٍ واحد يقولون لي: كم زوجة لك؟ بقصد إفساد ما بدأتُ به، وهم يعلمون مدى تأثير قضيَّة تعدُّد الزَّوجات عند المسلمين بالنسبة للمرأة الغربيَّة.
انقطع الحديث، وابتسمتِ المُدَرِّسة، وبعد الاستراحة بدأ الدَّرس من جديد، فقالتِ المدرسة: هذا التلميذ محمد له زوجة واحدة، أما زميله ناصر وهو سعودي أيضًا - وكنت قد درست له في فصل دراسي سابق - فقد حكى لي: أن خالَه متزوِّج منَ اثنتين، لكن هل تعلمون ما يجب على المسلم حين تَتَعَدَّد زوجاته، لقد قال لي ناصر - والكلام للمدرسة -: إنه يجب عليه أن يسكنها في منزلٍ آخر، ويساوي بينها وبين زوجته الأخرى في النَّفَقة والمبيت، وإن لم يكن لديه مقدرة مادِّية جيدة لعمل ذلك، فلا يحقُّ له أن يتزوَّجَ بأخرى، وأخذتْ تُعَدِّد محاسِن العدل ومطالبه بين الزَّوجات، وأنا مذهولٌ ومتعجِّب من قولها، ودقَّة معرفتها، ثم ختمتْ كلامها موجهةً حديثها إلى الطلاب، بأنه لا بدَّ أن نعرفَ الآخرين قبل أن نصدرَ بحقهم الأحكام.
قال الراوي: وتعلَّمتُ منها درسًا في الدَّعوة لا أنساه: "ركِّزْ على ما هو إيجابي في نَظَر مَن تدعوه".
إنَّ قِيَم العدل قيمٌ مُهمَّة لدى الشُّعوب الغربيَّة، ومِن هنا فإنَّ تأثُّرها بهذه القيمة بلغ مداه، فدافعت عن هذه القيمة بِصِدق، وصادف أن قرأتُ بعد ذلك كتاب "لا سكوت بعد اليوم"، للمؤلف بول فندلي، فأعاد القاعدة نفسها: "رَكِّز على ما هو إيجابي"، وهي قاعدة ينبغي ألاَّ يغفلها الدُّعاة.
تعليق