إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التلقي الفكري وكيف يكون

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التلقي الفكري وكيف يكون

    التلقي الفكري :
    نقول مستعينين بالله :
    الثقافة التي على حامل الدعوة أن يتثقف بها .
    سأمر الآن إلى كيفية تلقي هذه الثقافة، وسأجعل مداخلتي خطوطا عريضة.
    فأستعين بالله و أقول:

    إن الثقافة تعطى في حلقات، و يتلقاها الدارس تلقيا فكريا .
    فالمشرف على حلقة الدراسة يعطي للدارس أفكارا و الدارس يتلقى أفكارا، و هذه هي وظيفة كل من المشرف و الدارس في الحلقة.
    وبحكم أنا نبحث التلقي فسنخاطب في موضوعنا الدارس، وما ينطبق على الكتب المدرسة ينطبق على كل ثقافة بل كل فكرة تدرس .
    إن الغاية من الدراسة يجب أن لا تغيب عن الدارس عندما يحضر للحلقة أو حينما يتعامل مع كتاب ما وهي أنه يريد أن يتلقى أفكارا ويحكم عليها بالصحة أو الخطأ.

    فكيف يكون التلقي الفكري؟

    1ـ ضع نفسك في إطار الكتاب الذي تدرس :
    كل كتاب يدرس له باعث (دوافع) وله غاية، تصور أن الكتاب هو السلم الذي سيمكنك من الإرتقاء من الباعث إلى الغاية و أن كل فكرة من أفكار الكتاب هي درجة في السلم.
    فنقطة البداية هي الباعث "المشكل" ثم الدرجة الأولى فالثانية... إلى أن تصل إلى الغاية، وكما صعود الدرجات متسلسل فكذلك الأفكار متسلسلة، كل فكرة تحيلك إلى فكرة إلى أن تنتهي من الكتاب.
    فكتاب يبحث في النهضة فلا بد من ربط كل فكرة فيه بهذا الإطار العام لنفهم علاقتها بموضوع النهضة والباعث لوجودها والغاية منها، وارتباطها بما قبلها وما بعدها كدرجة من درجات السلم.

    2 ـ تجرد من كل رأي سابق متعلق بالفكرة المبحوثة إلا إذا كان هذا الفكر يقينيا :
    مثلا فكرة: أمريكا و بريطانيا دولتين حليفتين.عند دراسة هذه الفكرة للحكم عليها هل هي صحيحة أم خاطئة، يجب ان تتجرد من الرأي السابق: أن أمريكا و بريطانيا دولتين متصارعتين.
    أما عند دراسة تفسير قوله تعالى : ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾، فلا يجوز أن يغيب عن البال مطلقا الأمر اليقيني المتعلق بحرمة أخذ العقائد عن ظن، فلا بد من فهم الآية في ضوء تحريم إدخال الظن في الاعتقاد، لتفهم على أساس تغليب الخشية والخشوع في الصلاة بتصور أن المصلي سيلاقي ربه بعد الفراغ منها، فيصلي صلاة مودع.

    3 ـ تجرد من كل شعور يحجبك عن التفكير :
    أ ـ لا تجعل مشاعرك تدفعك لرفض الفكرة دون دراستها.
    ب ـ لا تجعل مشاعرك تدفعك لقبول الفكرة دون دراستها.
    قلت تجرد من كل شعور يحجبك عن التفكير، فهل هناك شعور ضروري للتفكير؟
    نعم، وهو الشعور بالمشكل أي بالباعث للفكرة فما لم نشعر به لن نفكر.

    4 ـ تبين الباعث للفكرة و الغاية منها :
    الفكرة هي درجة من درجات السلم، و الدرجة إن لم تكن ملائمة للسلم أو كانت ملائمة ولم توضع في المكان المناسب فإنه لا ينتفع بها.
    و كذلك الأفكار إن لم ندرك باعثها و غايتها لن نعرف مناسبتها للموضوع و لن ننتفع بها و لن ننفع بها غيرنا.
    و هنا أدعو كل حامل دعوة له مشكل في تبليغ أفكار معينة، أن يطرح على نفسه ما الباعث على هذه الأفكار و ما الغاية منها فغالب الظن أن فشله سببه عدم إدراكه لمناسبة الفكرة و المشكل الذي تعالجه.

    5 ـ تبين واقع كل فكرة :
    الفكرة هي حكم على واقع، فما لم تدرك الواقع لن تستطيع الحكم عليه. و لهذا عند تلقي أي فكرة اطرح السؤال التالي: ما هو واقع هذه الفكرة؟

    و الواقع هو ما يقع عليه الحس و لهذا حتى يتركز ينبغي بعد إدراكه تجسيده في مثال أو صورة.
    فمثلا: عند البحث في مسألة استئناف الحياة الاسلامية لا بد من تمثل الواقع المبحوث تماما، وهو تحويل دار الكفر إلى دار إسلام، بوضع نظام الاسلام موضع التطبيق، وهذا الواقع يختلف تماما عن واقع جهاد الدفع مثلا، فلكل منهما أدلته وأحكامه، فإن لم يتصور الواقع تصوار دقيقا فإن الحكم عليه لا شك سيكون خاطئا

    6 ـ تبين المعلومات السابقة :
    الإحساس بالواقع غير كاف لإصدار الحكم ونحتاج إلى معلومات سابقة.
    ماهي هذه المعلومات؟ هل هي متعلقة بالواقع؟ هل هي صحيحة؟ هل تم الإتيان بكل المعلومات؟

    7 ـ لا تخلط بين المعلومات السابقة و الأراء السابقة :
    فالرأي السابق هو حكم على الواقع و قلنا أنه يجب أن نتجرد منه إلا أن يكون يقينيا.
    أما المعلومات السابقة فهي معلومات سابقة للحكم، بها سنحكم على الواقع.
    فإن الرأي السابق إذا استعمل قد يسبب الخطأ في الإدراك، لأنه قد يتسلط على المعلومات فيفسرها تفسيراً خاطئاً فيقع الخطأ في الإدراك، ولذلك لا بد أن يلاحظ التفريق بين الرأي السابق وبين المعلومات، وأن تستعمل المعلومات فقط ويستبعد الرأي، فالرأي المقصود به هنا أحكام مسبقة، الأصل أن لا تتدخل في العملية الفكرية حتى لا تفسد الحكم.

    8 ـ تبين أفكار الربط لكل فكرة :
    لإصدار الحكم يجري ربط الواقع بالمعلومات على أساس قواعد فكرية معينة.
    ماهي هذه القواعد؟
    فمثلا: العقيدة الاسلامية تمثل قاعدة فكرية تقاس الأفكار عليها، ومثلا: عند الاجتهاد يقوم المجتهد لإصدار الحكم بربط الواقع بالمعلومات على أساس قواعد الاجتهاد.

    9 ـ إعادة ترتيب الأفكار من المحسوس إلى المعقول :
    منهج التلقي عند الإنسان قد يخالف في بعض الأحيان منهج كتابة الكاتب.
    فالإنسان ينتقل من المحسوس إلى المعقول و هذا واضح من واقع التفكير، فالتفكير أوله الإحساس و آخره الحكم. بينما في الكتابة قد ينتقل الكاتب من المعقول إلى المحسوس أي يقرر النتيجة ثم يبينها.
    في هذه الحالة يلزم إعادة ترتيب الأفكار.
    ولبيان شرح ذلك فإن على المتلقي في الحلقة أن يناقش الفكر بالطريقة العقلية، فإذا طرحت فكرة أن المجتمع مكون من أفراد ومشاعر وأفكار وأنظمة، فإنه لا بد له أن يترك هذا الحكم مؤقتا، وأن يشرع في بحث الواقع، فما هو المجتمع؟ ويفكر في الأفراد لوحدهم أيشكلون مجتمعا؟ ومن ثم العلاقات القائمة بينهم ... الخ، حتى يتوصل إلى أن المجتمع فعلا كما تم الحكم عليه، إذن فهو لا يتأثر بالحكم، بل يستعمل العملية العقلية للوصول إلى ذات الحكم أو إلى مخالفته ومن ثم النقاش حوله إلى أن تحصل القناعة العقلية.

    10 ـ جسّد كل فكرة في صورة ذهنية :
    فمثلا الفكرة الكلية يمكن تجسيدها في سلسلة حلقاتها هي الفكرة عن الكون و الإنسان و الحياة، و الفكرة عما قبل الحياة الدنيا، و الفكرة عما بعد الحياة الدنيا، و فكرة علاقة الحياة الدنيا بما قبل، و فكرة علاقة الحياة الدنيا بما بعد.
    ومثلا: النصوص الفكرية، إذا لم توجد معلومات سابقة في مستواها عنها، لا يمكن فهمها، وإذا لم يكن واقع أفكارها مدركاً، ومدلولات أفكارها متصورة، فإنه لا يمكن الاستفادة منها وتنفيذ أفكارها.

    كذلك فإن المتلقي فكريا عليه أن يقوم بتمثُّل الأفكار المتلقاة فكريا من خلال وضعها في شكل خطوط عريضة كل خط يأخذ بيد أخيه، فمثلا: عند دراسة مسألة هل الحكم للوحي أم للعقل، يقوم حامل الدعوة بوضع الخطوط العريضة التالية:
    النقطة الأولى: أن الله تعالى تفرد بالحكم، ومنع أن يُشرَكَ في الحكم ولا في قضية واحدة.
    النقطة الثانية: أن الله وحده أعلم بما يصلح للعباد وبما يصلحهم، فمن منظور الخير والشر والصلاح والفساد، لا يعلم العقل تحقق هذا كله إلا بما يعلمه الله، وبالتالي فلا بد من قانون يراعي ما خفي على الناس علمه، وليس ثمة إلا تشريع رب العالمين،
    النقطة الثالثة: أن الله تعالى أمرنا بأن نستعمل العقل في الوصول إلى صدق العقيدة الاسلامية، حتى إذا ما ثبت لنا أن الله حق، وأن الرسول حق، وأن القرآن كلام الله، جعلنا دور العقل الفهم لا الحكم، ومن ثم انبثق النظام الذي ينظم حياة البشر عن هذه العقيدة العقلية، فملأ النفس طمأنينة والقلب سكينة أن الانسان يمشي في الحياة الدنيا سويا على صراط مستقيم.
    والنقطة الرابعة: أن التشريع عالج جميع مشاكل الحياة إلى يوم الدين علاجا ربانيا، وحده القادر على إحقاق الحق، وبلوغ السعادة في كل مكان وزمان وظرف ونازلة، مما يعجز عنه أي تشريع وضعي مهما بلغ.
    والنقطة الأخيرة: وهي أن التشريع حوى ما هو فوق تحقيق المصالح، وما هو فوق سير الانسان في الحياة الدنيا وفق قانون: كل عمل إن لم يجرَّ عليَّ مصلحة فلِمَ أعمله؟ بل وفق قانون: لا بد للانسان من أوامر ونواه بل لا بد له من ابتلاءات، لنختبر ونميز الخبيث من الطيب، أيحسب الانسان أن يترك سدى؟ أي لا يؤمر ولا يُنهى؟
    يتبع بمشيئة الله وحوله
جاري التحميل ..
X